MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




تأملات حول مدى تأثير أنماط الإقتراع على مكونات النسق السياسي المغربي مؤلف جديد للدكتور زكرياء أقنوش

     



اقترنت أنماط الاقتراع بسمتي التعقيد والتقنية: لأنها لا تخرج في نفس الوقت عن منطق الفعل واللعبة السياسية باعتبارها اختيارات، لأن تبني نمط اقتراع دون غيره يكون قياسا بمدى تأثيره على مختلف مضامين الحياة السياسية على مستوى الأحزاب السياسية، البرلمان، الحكومة... واذا كانت أنماط الاقتراع عبارة عن محطة ضمن محطات متتابعة تكشف عن طبيعة السلطة وطرق اكتسابها فإنها يجب النظر اليها ضمن الإطار العام للسلطة، حيث أكدت هذه الأخيرة وفي اطار نزوعها التصارعي توجيه هذه النتائج وتكييفها بخلفيات سياسية مرغوب فيها
. ويجمع جل الباحثين أن مسألة إختيار نمط الاقتراع من أهم القرارات بالنسبة لأي نظام ديمقراطي، ففي أغلب الأحيان يترتب على اختياره تبعات هائلة على مستقبل الحياة السياسية في أي بلد، والأصل أن يتم اختيار النظام الانتخابي بشكل مدروس وسليم بما يحقق الغاية المتوخاة منه وهي ادماج المواطنين في المشاركة السياسية والتعبير الحقيقي عن إرادة الشعب.
ومهما يكن فإنه لا يتعين الانبهار بالتجارب الأجنبية لتبني نمط اقتراع معين وإنما يبقى لزاما الاستفادة من دروس التجارب السابقة استنادا على مبدأ التراضي بين القوى السياسية، وتكييف التجارب الأجنبية مع خصوصيات كل دولة، فإذا كان نمط الاقتراع الأحادي الاسمي في دورة واحدة مثلا قد لقي نجاحا في المملكة المتحدة فإنه لم يفرز انتخابات مرضية بالمغرب طيلة الاستحقاقات الانتخابية التي اعتمد فيها كنمط للاقتراع.
هكذا فلمقاربة أي نمط اقتراع لن تتم بشكل موضوعي إلا باستحضار المنظومة القانونية التي تؤطره ودراسة التركيبة الاجتماعية والثقافية لكل مجتمع ودور مختلف الفاعلين في الحقل الانتخابي من أحزاب سياسية ومجتمع مدني.
فالمغرب لم ينتقل بعد لتفعيل مقتضيات الاقتراع اللائحي لأنه عمليا ما زال في ظل نظام اقتراع فردي مقنع باللائحة لأن تنافس عشرات الأحزاب في دائرة صغيرة على مقاعد قليلة يعطل كل فوائد هذا النمط، ويجعله أقرب للاقتراع الفردي حيث التركيز على وكيل اللائحة فقط. وتأسيسا على هذه الرؤيا كانت هناك حاجة إلى انجاز دراسة أكاديمية تحلل مدى تأثير أنماط الاقتراع في الحياة السياسية المغربية، وهو الأمر الذي توفق في القيام به الباحث زكرياء أقنوش
. وقد خلص في كتابه هذا أنه لكي يتم إختيار نمط الاقتراع بنجاح لابد من أن يقوم ذاك النمط على أساس تعميق التفاهم والثقة ليس بين ممارسي العمل السياسي والقائمين على ادارة العملية الانتخابية فحسب بل كذلك بين منظمات المجتمع المدني وحتى بين عامة المواطنين في المجتمع
. كما لا يجوز أن يستند تصميم نمط الاقتراع إلى الواقع الأني فقط، يجب أن يؤخذ أيضا بعين الاعتبار التحولات المستقبلية الممكنة في المفاهيم والقيم والتي تنتج عن التغييرات الحاصلة في المحفزات الانتخابية لكي تسهم أنماط الاقتراع في تطوير الديمقراطيات المستقرة بدلا من أن تتحول إلى حجر عثرة أمامها.
وخلاصة ما سبق يمكن الجزم أن موضوع هذا الكتاب هو موضوع جدير بالدرس والتحليل والاستقصاء لما يتضمنه من فوائد علمية وعملية لاتخفى على الجميع، والذي احترم فيه الأستاذ زكرياء أقنوش أبرز المقومات المنهجية والعلمية، وهو عمل فضلا على جديته ومابدل فيه من جهد تحليلي وتوثيقي مهم، فإنه قطعا سيشكل قيمة علمية للطلبة والباحثين والفاعلين السياسيين وعموم القراء، وسيغني المكتبة المغربية والعربية التي يفتقد لهذه النوعية من الكتابات الجادة والمنصفة.
 



الخميس 7 مارس 2019
MarocDroit "منصة مغرب القانون الأصلية"

تعليق جديد
Twitter