مقدمة
من المسلم به أنه منذ فجر التاريخ البشري والأفراد يعيشون ويشكلون وحدات سياسية تسمى الدولة ، التي تم تمييزها عن سلطة الفرد، بوصفها ذات أثر معنوي وليس شخصي وسلطاتها تُبنى وفق أسسٍ قانونية يتفق عليها أفراد المجتمع ويقبلون ويرضون بها، أسس تجعل مسألة الحكم وظيفة تتم وفق آليات قانونية يقبل بها أبناء المجتمع ولا تعترف بفرض الأمر الواقع بالقوة وحدها. ولاستكمال عملية وجود سلطة الدولة، كقوة منظمة لعمل الجماعة
شكلت أجهزة متخصصة يديرها موظفون وسياسيون يدعون رجال الدولة و من بين أهم هذه الأجهزة نجد الجماعات الترابية التي أصبحت مسؤوليتها تتعاظم وتزداد بوثيرة متسارعة الأمر الذي زاد من مهامها وإثقال كاهلها بفعل تزايد متطلبات حياة السكان وتعدد حاجاتهم ووتيرة النمو السكاني والتوسع المجالي ويمكن الاستشهاد على ذلك بمجالات تطهير السائل والصلب والإنارة العمومية والسير والجولان وتشوير الطرق والمرافق الاجتماعية والرياضية والثقافية ما دفع المشرع امام تنوع وتعدد المرافق الى منح الجماعات الترابية حرية اختيار الطريقة الملائمة لتدبير مرافقها وفق امكانياتها ومواردها المالية والبشرية وخلاصات مجالسها التداولية ومفهوم المرفق العام عرف تطورا ملحوظا، وارتبطت به مفاهيم كثيرة، كالمصلحة العامة و السلطة العامة.
وركزت عليه مدارس عديدة، حيث انتقل مفهوم المرفق العام من مدرسة السلطة العامة (الدولة صاحبة السيادة) إلى مدرسة المرفق العام التي تتبنى معيار المرفق العام، هذا التحول جاء في وسط تميز بازدواجية القضاء.ونتيجة الحربين العالميتين الأولى و الثانية و الأزمة العالمية لسنة 1929، حدث تغير على وظائف الدولة حيث أصبحت تتدخل في مجالات كانت حكرا على الأفراد بواسطة مرافق عامة صناعية و تجارية والمغرب لم يخرج عن هدا السياق الدولي باحداث مرافق عامة وطنية فور حصوله على الاستقلال كحل للمشاكل المختلفة الموروثة عن الحقبة الاستعمارية وهو نفس الاتجاه الذي نهجته مع المرافق العامة المحلية التي يتعلق موضوعها بنظام اللامركزية الاقليمية الذي يقتضي الأخد به خلق عدد من الاشخاص الاعتبارية العامة والمستقلة عن الدولة ولا يتطلب هدا الاستقلال ان تمنح هده الاشخاص حرية مطلقة في تصرفاتها واستمرت هده الاصلاحات لتعزز في السنوات الاخيرة وبالضبط مع مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي جملة من الإصلاحات الدستورية والسياسية همت مجالات مختلفة بغية استكمال بناء الدولة الحديثة وترسيخ أسس الديمقراطية و الحرية والعدالة .
ومنذ وصول الملك محمد السادس إلى الحكم في 23 يوليو 1999 تكثفت وتيرة ورش الإصلاحات وتوجت بالإعلان عن إصلاح دستوري شامل يهدف إلى تحديث وتأهيل هياكل الدولة المغربية .حيث أحدث دستور2011 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم1.11.82 تطورا نوعيا في بنية و ممارسة وعلاقة المرفق العام المحلي بالجماعات الترابية في النظام السياسي المغربي .ولن يكون من المبالغة القول بأن أهم التغيرات التي مست بنية السلطة في المغرب جاءت نتيجة هذا التطور
ولفهم الموضوع لا بد من تحديد وتعريف المفاهيم وفي مقدمتها المرفق العام الذي يعد من أهم موضوعات القانون الإداري وترد إليها معظم النظريات والمبادئ التي ابتدعها القضاء الإداري كالعقود الإدارية والأموال العامة والوظيفة العامة
حيث يعرفه الدكتور محمد فؤاد مهنا بقوله :" المرافق العامة مشروعات تنشؤها الدولة بقصد تحقيق غرض من أغراض النفع العام ويكون الرأي الأعلى في إدارتها للسلطة العامة " أما القضاء المصري فقد عرفته محكمة القضاء الإداري بقولها "أن المرفق العام هو كل مشروع تنشئة الدولة أو تشرف على إدارته ويعمل بانتظام واستمرار ويستعين بسلطان الإدارة لتزويد الجمهوري صيانة النظام وخدمة المصالح العامة في الدولة والصفات المميزة للمرفق العام هي أن يكون المشروع من المشروعات ذات النفع العام أي أن يكون غرضه سد حاجات عامة مشتركة وتقديم خدمات عامة وألا يكون الغرض من المشروع مجرد الربح. اما مفهوم الدستورفهويتعلق بالإطار العام لمنظومة التشريعات في الدولة وقانونها الاسمى الذي هو عبارة عن مجموعة من القواعد التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم وطبيعة العلاقة بين السلطات واختصاصاتها، وكذلك القواعد التي تبين حقوق الأفراد وحرياتهم وضماناتها ومن له الحق في التصرف باسمها ولحسابها.
وهكذا فالدولة الحديثة تنبني على وجود قانون أسمى، يحدد سلطات الدولة ويسند لها اختصاصاتها ويرسي الضمانات الضرورية لحماية حريات وحقوق المواطنين.
وهكذا فدراسة المرافق العامة المحلية في دستور 2011 تجد أهميتها وراهنيتها من خلال مايشهده النظام السياسي المغربي من تحول على مستوى مفهوم التسيير العمومي المحلي ومفهوم السلط وتوزيعها مع ما يفرض معه توفير دراسات تساعد على سبر غور هذا المجال ، وتحديد تجليات الإصلاح الدستوري والسياسي بالمغرب ، في مجال المرافق العامة المحلية وغاية - من جهة أخرى - في إنتاج مادة توثيقية ، وتجميع الدراسات المتعلقة بدلك ، بما يسمح بتتبع مراحل تطورها بالمغرب ، ومنح إمكانية للمقارنة بين التجارب الأخرى، خصوصا التجربة الدستورية والسياسية الفرنسية.
وعليه فان السؤال الذي يطرح مرتبط بالمستجدات الدستورية في هدا المجال والتطورات التي عرفتها والآفاق الممكنة لتدبير المرافق العمومية المحلية بالمغرب بشكل اكثر فاعلية بما يضمن جودة عالية وتكلفة اقل . وهو ما سنحاول الاجابة عليه من خلال التصميم التالي :
المبحث الاول : مستجدات تدبير المرافق العامة المحلية في دستور 2011
المطلب الاول : ترسيخ مبدأ المساواة و المحاسبة في تدبير المرافق العامة المحلية
المطلب الثاني : ترسيخ مبدأ الشفافية و المشاركة في تدبير المرافق العامة المحلية
المبحث الثاني : اليات تفعيل المبادئ الدستورية وآفاق تدبير المرافق العامة المحلية
المطلب الاول : اليات تفعيل المبادئ الدستورية
المطلب الثاني : افاق تدبير المرافق العامة المحلية
خاتمة
المبحث الاول : مستجدات تدبير المرافق العامة المحلية في دستور 2011
أمام تزايد المطالب الاقتصادية و الاجتماعية المحلية،اصبح تدبير المرفق العام المحلي يثير مجموعة من الاشكالات.وقد ارتبطت هذه الاشكالات بتراجع و تدني وظيفة المرفق العام ،لاسيما وان المرافق العامة هي الالية التي تمارس عبرها الجماعات الترابية و ظيفتها الاقتصادية و الاجتماعية.
لذلك فان تكييف المرافق العامة لمتطلبات التنمية المتواصلة،تقتضي معالجة الاختلالات البنوية و الوظيفية التي تعاني منها،وإخضاع سيرها و عمليات التدبير التي تقوم بها لمجموعة من المبادئ و القيم المؤطرة لنشاطها،و هي بمثابة موجهات ادبية و اخلاقية تدعم الثقافة الجديدة للمرافق[1].
ان هذا التصور هو الذي عمل المشرع على تكريسه داخل الدستور الجديد،اذ خصص باب للحكامة الجيدة،مما يعني الارادة نحو اعادة الاعتبار للخدمة العمومية من خلال تحسين مستوى اداء المرافق العامة.ولعل هذه المقاربة التدبيرية الحديثة يحاول المشرع من خلالها تجديد علاقة المرفق العام بالمرتفق،باعتبار هذا الاخير هو المخاطب الاول و الاخير بخدمات المرفق العام.
هذه العلاقة تنبني على مجموعة من الاسس التقليدية و الحديثة و القاسم المشترك بينها انها مبادئ اساسية للمرفق العام تم الارتقاء بها الى اسس دستورية.وتتجلى هذه المرافق بالأساس في ترسيخ ثقافة المساواة و المسؤولية في تدبير المرفق العام المحلي (المطلب الاول) و جعل المرتفق ان صح التعبير في صلب هذا التحول فهو اصبح محدد اساسي للمرفق العام المحلي من خلال الدور الرقابي و التقييمي لأداء هذه المرافق،فالمواطن اصبح يشارك في تدبير المرافق العامة المحلية عبر ملاحظاته و تقييمه،وبالتالي ضمان شفافية في تلبية الخدمات(المطلب الثاني).
المطلب الأول : ترسيخ مبدأ المساواة و المحاسبة في تدبير المرافق العامة المحلية
يشكل الدستور الجديد محطة اساسية في التدبير المحلي،ذلك ان المشرع حاول من خلاله وضع مقاربة تدبيرية محضة تسعى الى تحديث الدور البنيوي و الوظيفي للمرفق العام و جعله اساس تحقيق التنمية الترابية.هذه المقاربة تقوم على أساس المساواة (الفقرة الاولى) و ربطها بالمسؤولية (الفقرة الثانية)
الفقرة الاولى : مبدأ المساواة في تدبير المرافق العامة المحلية
يعد مبد المساواة اساس تنظيم المرافق العامة سواء المحلية او الوطنية.وإذا كان هذا المبدأ يعتبر من الاسس التقليدية التي يقوم عليها المرفق العام،فانه يعد احد مرتكزات دولة الحق و القانون على نطاق واسع،ونظرا لأهميته فقد جعله المشرع مبدأ دستوري يحكم المرافق العامة المحلية،حيث اكد عليه الفصل 154 من دستور 2011 يتم تنظيم المرافق العامة على اساس المساواة بين المواطنات و المواطنين في الولوج اليها،و الانصاف في تغطية التراب الوطني،و الاستمرارية في اداء الخدمات.
أولا : تعريف مبدأ المساواة
إذا كان مبدأ المساواة من المبادئ الاساسية التي تم التنصيص عليها في الدساتير السابقة من خلال التأكيد على ان جميع المغاربة سواء امام القانون.فان فلسفة هذا المقتضى تجد اساسها في دولة الحق و القانون كنموذج للدولة المدنية الحديثة،بخلاف دستور 2011 الذي كان المشرع من خلاله اكثر دقة و تفصيلا.
يقضي مبدأ المساواة بمساواة الجميع امام الخدمات التي يقدمها المرفق العام المحلي وفق الشروط التي يحددها.فالمرفق العام احدث لإشباع حاجة جماعية لا يستطيع النشاط الفردي اشباعها على الوجه الاكمل،فهو يهدف لتحقيق صالح المجموع بغير استثناء و دون تمييز بسبب الاصل او اللغة او الدين او الانتماء السياسي او الجنس.
ولهذا فمن الطبيعي ان يتساوى الجميع في الانتفاع من خدماته كل من يتوفر على الشروط القانونية التي يحددها المرفق العام و تطبيقا لهذا المبدأ الذي اصبح قانونا للضمير الانساني تنص عليه اعلانات حقوق الانسان العالمية،و مبدأ من المبادئ القانونية العامة التي يفرض الاجتهاد القضائي على الادارة مراعاتها[2].
إن تطبيق مبدأ المساواة يفرض على المرفق العام ان يكون محايدا،دون الانحياز لطرف ما.الامر الذي قد يتعارض مع بعض الشروط التي يفرضها المرفق العام للاستفادة من خدماته،وهي شروط الغاية من فرضها احترام خصائص و اهداف كل مرفق لكن قد يثار مبدأ المساواة حينما يتعلق الامر بحرية او بحق الاختلاف[3]
غير انه لا يتنافى مبدأ المساواة اختلاف الشروط التي يقررها المرفق العام تبعا لاختلاف المراكز و الظروف على النحو الاتي :
1-اختلاف المكان : كان يميز مرفق توريد الماء و الكهرباء في ثمن الخدمة بين سكان المدن و القرى و البوادي وان يقتصر على التسجيل في جامعة ما على سكان اقاليم معينة دون الاخرى.
2-اختلاف الخدمة المطلوبة : كان نميز بين اثمان البريد العادي و البريد السريع،او بين اثمان الدرجة الاولى و غيرها من الدرجات في مرافق النقل.
3-اختلاف الزمان : كان يميز بين اثمان خدمات الهاتف في اوقات الدوام الرسمي و اوقات العطل او بين اثمان النقل الجوي المحدد المدة وغير المحدد وأثمانه في الصيف عنها في الشتاء .
4-اختلاف الغرض : كان نميز بين اثمان الماء المستخدم للري والماء المستخدم للشرب .
5-اختلاف حجم الخدمة المؤداة : كان نحدد ثمن اغلى كلما زاد استهلاك الفرد من الماء و الكهرباء على حد معين او العكس.
6-اختلاف صفة الشخص : كان يتم قصر الاستفادة من خدمات الاحياء الجامعية على الطلاب،وخدمات مراكز البحث العلمي على الباحثين الجامعيين.
7-اختلاف جنس الشخص : كتجنيب الاناث المدرسات المشاق التي يتعرضن لها عند تعيينهن في المناطق النائية.وفي هذا الاطار قضى حكم المحكمة الادارية بوجدة المؤرخ بتاريخ 2002/11/01 عدد 192 اشلهاش ضد وزير التربية الوطنية ما يلي " تجنيب الاناث المدرسات تعيينهن في المناطق النائية او جعل هذا التعيين مقتصرا على المدرسين الذكور ألا يمس بمبدأ المساواة وإنما يخدم المصلحة العامة".
فالتمييز في جميع الحالات السابقة ليس تمييزا بين فرد وأخر و انما هو تمييز راجع لاختلاف المراكز و الظروف التي تقتضي مبادئ العدالة و مصلحة المرفق او الصالح العام التمييز فيما بينهم .
وينطبق ذلك على التعيين في الوظائف السامية للإدارة و التي يباشرها رئيس الدولة وفق اعتبارات و مقاييس ذاتية و موضوعية في ان واحد كالسفراء و عمداء الكليات و المديرين العامين و الكتاب العامين ورؤساء المصالح و الاقسام و العمال و غيرهم[4].
الفقرة الثانية : مبدأ المحاسبة و المسؤولية
و هي من المعايير التي جعلها الدستور الجديد احد أسس تدبير المرافق العامة،والأصل في المسؤولية هو التدبير الحكومي للشأن العام في إطار ما يصطلح عليه بالمسؤولية السياسية التي تعد آلية لرقابة عمل الحكومة،فالإخلال بواجبها يعرضها للمساءلة و يمكن في حالة تفعيل تقنيات ممارسة المسؤولية السياسية لإسقاط الحكومة.
فالتعريف الواسع للمسؤولية كما يرى ذلك الأستاذ محمد اليعكوبي هي طريقة من الطرق للإقرار بأننا نمر إلى عهد التسيير العائلي أو المنزلي.
إن واجب تقديم الحساب لا ينحصر في واجب الوكيل أو المفوض إزاء موكليه.فالأمر يتعلق بواجب يمارس بطريقة شمولية وواسعة.وتتكون المسؤولية من ثلاث عناصر:
1- يتعلق الأمر أولا بالمسؤولية عن التأثير الإرادي أو غير الإرادي المتوقع عن الأعمال و التصرفات،فالوعي بدرجة صعوبة توقع هذه الأعمال هو الذي يشكل أساس مبدأ الاحتراس.
2- لا تعني المسؤولية أن الإنسان يمكن أن يختبئ وراء شعوره بالعجز أو بجهله للأشياء أو وراء واجب الطاعة.
3- ترتبط المسؤولية بدرجة القدرة و الاستطاعة و المعرفة إذ تشكل السلطة و المعرفة امتيازين يتولد عنهما في المقابل واجبات.
و مبدأ المسؤولية يهم جميع ميادين الحكامة لقيامها على بعد أخلاقي و قانوني.
يتمثل البعد الأخلاقي في كون الشخص يمارس مسؤولية تجعل منه عضوا من أعضاء المجموعة،أما البعد القانوني فيعني أن المسؤولية تتأسس على دعامتين ملازمتين:واجب الشفافية وضرورة دفع أو تقديم الحسابات[5].
و بالتالي فان تفعيل هذا المبدأ لا محالة ستساهم في تفعيل المبادئ الأخرى أي تحقيق مرد ودية وشفافية وبالتالي جودة في الخدمات،ولان الذي يسهر على تدبير المرفق من المفترض أن يعي تماما قدر المسؤولية التي يتحملها وإجراءات المحاسبة و التقييم التي يتعرض لها.
المطلب الثاني : ترسيخ مبدأ الشفافية و المشاركة في تدبير المرافق العامة المحلية
يعد مبدأ الشفافية و المشاركة من المبادئ الاساسية التي اصبحت تحكم تدبير المرافق العامة المحلية،وقد تم الارتقاء بها لأول مرة الى اسس دستورية مما يعني التدشين لمرحلة جديدة لتدبير الشأن العام المحلي و الوطني بشكل عام.
فهي احد ركائز التأهيل المؤسساتي،إذ تنشد وضع حد للسمة الانغلاقية التي ظلت تقبع على العمل الجماعي ،والدعوة إلى مقومات التدبير المحلي التشاركي القائم على ميكانيزمات الانفتاح،و التواصل و الإسهام الفعلي لمجموع القوى الحية المحلية التي تتصدرهم الساكنة كشريك أساسي لا محيد عنه[6].
إن هذه المقاربة الجديدة في تدبير المرافق العامة المحلية،تستهدف إزاحة ثقافة الإقصاء و التهميش و احتكار المبادرة في اختيار و صنع القرارات و إعدادها و تنفيذها،ومن ثمة فإنها تؤكد على توسيع دائرة الشراكة و المشاركة و الاندماج بين الدولة و هيئاتها من جهة و بين المجتمع و القطاع الخاص بشكل عام من جهة أخرى[7].
و بذلك فان التدبير الحديث يقوم على أساس الحكامة في تسيير المرافق العامة المحلية،وذلك أمام المطالب المتزايدة للمرتفقين على الخدمات الاجتماعية و على جودتها و تناسبيتها.
ذلك أن الحكامة تعكس مجموعة من العمليات المترابطة التي تعتمد على تقنيات جيدة لتدبير محكم للإمكانيات و الموارد بشكل شفاف،يقوم على تخطيط ناجع و فعال لتحقيق أفضل النتائج المضمنة في الأهداف.
و بالتالي فان المقاربة الجديدة في التدبير المحلي تقتضي إعادة النظر في تنظيم العلاقة القائمة بين المرفق العمومي و المرتفق،وهو التصور الجديد الذي عمل المشرع على تاطيره بنص الدستور الجديد ،في أفق وضع ميثاق للمرافق العمومية يحدد قواعد الحكامة[8].و بذلك فان تخصيص باب خاص بالحكامة ،يبين عن الإرادة الواضحة للدولة في إعطاء نفس جديد لتدبير الشأن العام الوطني و المحلي يقوم على تحديد علاقة المرتفقين بالمرفق و فق معايير معينة.
الفقرة الأولى : مبدأ الشفافية
يشكل المنتفعون عنصرا أساسيا بالنسبة للمرفق العمومي،فمن اجلهم خلق أصلا و إليهم تتوجه خدماته و جهوده[9]،و بالتالي فضبط هذه العلاقة مسالة ضرورية.ذلك أن المر تفق يعد صلب المرفق العام و المخاطب الأول بخدمات هذه المرافق.
أولا : تعريف الشفافية
تعد الشفافية احد المرتكزات التي يقوم عليها تدبير المرافق العامة،اقرها الدستور الجديد في الفصل 154 كمبادئ عامة تقوم عليها الحكامة.وهي فلسفة اجتماعية سامية هدفها دمقرطة عمل المنظمة داخليا و خارجيا،و ترك الحرية للفرد من اجل التعرف على الحقيقة و مناقشتها،و هي طريقة للسلوك و أسلوب للإعلام و الاتصال يهدف إلى إقامة علاقة مفعمة بالثقة و المحافظة بين المنظمات و الفئات المختلفة من الجماهير الراهن داخل المؤسسة و خارجها التي تتأثر بنشاط تلك المنظمة[10].
وقد أصبح هذا المبدأ في الوقت الراهن معيار أساسي لتقييم أداء تدبير المرافق العامة،فهو يسمح للمواطنين المرتفقين الاطلاع على مختلف العمليات التي يقوم بها المسير من اجل تنفيذ الخدمات الاجتماعية،و بالتالي معرفة تفاصيل إدارة المرفق.فإقرار هذا المبدأ ضمن قواعد التدبير الجيد يهدف إلى احترام المنافسة،و الشرعية و المساواة أمام القانون لجميع المواطنين[11].
وفي هذا الصدد بادرة مجموعة من الدول إلى سن قوانين تصر عل ضرورة الأخذ بمبدأ الشفافية في تعامل المرفق العام بمر تفقيه،و هكذا نجد ميثاق المواطن cibiren sharter في بريطانيا يؤكد على أهمية هذا المبدأ،إذ يصنفه من بين المبادئ التسعة لهذا الميثاق و التي ينبغي على جميع المرافق العامة أن تلتزم بها في علاقاتها مع مرتفقيها[12].
و بمقابل ذلك نجد خلال سنوات 1980و1990 بفرنسا ساهمة مجموعة من العوامل في بلورة مبدأ الشفافية كمبدأ عمل جديد للمرفق العام،منها الآمال التي كان يعقدها كل من المرتفقين و العمال على المرفق العام،بالإضافة إلى اكراهات و متطلبات البناء الجماعي في إطار ما يسمى بتجديد و عصرنة المرفق العام،و هكذا اقر المشرع الفرنسي دلك بسنه لقانون 6يناير 1978 المتعلق بحق الاطلاع على المعلومات المتضمنة في البطاقة المعلوماتية و الخاص بالمعلومات و الحريات،وقانون 17يوليوز1978 المتعلق بمبدأ الاطلاع على المعلومات و الوثائق الإدارية و تسهيل الحصول عليها،و قانون3يناير 1979 المتعلق بالتوثيق العمومي كما صدرت قوانين تلزم الإدارات بتعليل قراراتها[13].
وقد سار المغرب على هذا المنوال من خلال القيام بمجموعة من الإصلاحات و التي تهدف إلى ضمان حق المواطن في الحصول على خدماته بالشكل المطلوب و جعل الإدارة في خدمة المواطن و نذكر على سبيل المثال إصدار قانون رقم 01-03 الذي يلزم الإدارات العمومية بتعليل قراراتها،تحديث مؤسسة ديوان المظالم وتعويضها بمؤسسة الوسيط التي تتركز أهدافها في خلق جو من الثقة و التواصل بين المرتفق و المرافق العامة...مع العلم أن الدستور الجديد وضع بحق معالم الإدارة الحديثة من خلال دسترة هذه المبادئ ،و جعل المرتفق فاعلا أساسيا و في صلب الخطاب المتعلق بالسياسة المحلية.
إذ أن الدستور أكد على أن تنظيم المرافق العمومية يتم على أساس المساواة بين المواطنات و المواطنين في الولوج إليها،و الإنصاف في تغطية التراب الوطني و الاستمرارية في أداء الخدمات،كما تقدم المرافق العمومية الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية،طبقا للقوانين الجاري بها العمل،و تخضع في هذا الشأن للمراقبة و التقييم.
وفي سياق ترسيخ مبدأ الشفافية في تدبير المرافق العامة و ضمان حق الوصول إلى المعلومة،فقد نص الدستور في الفصل 29 على انه للمواطنات و للمواطنين الحصول على المعلومات ،الموجودة في حوزة الإدارة العمومية،و المؤسسات المنتخبة،و الهيئات المكلفة بمهام المرفق العام،و قد تم التنصيص على مجموعة من الآليات لتفعيل هذه المقتضيات[14].
الفقرة الثانية : مبدأ المشاركة (التضامن و التعاضد)
يعد من المبادئ الأساسية التي جاء بها الدستور الجديد و التي تحكم تدبير الشأن العام الوطني و المحلي،و التي يقوم عليها بشكل خاص المرفق العام.
وقد نص الدستور لأول مرة على مبدأ التضامن و التعاضد و المشاركة للمواطنين في تحقيق التنمية و التنمية المستدامة،فالمر تفق أصبح له دور مهم في تقييم أداء المرافق العامة و هو حق دستوري مضمون،إذ تتلقى المرافق العمومية ملاحظات مرتفقيها و اقتراحاتهم و تظلماتهم وتؤمن تتبعها،وبالتالي دعم أسس الحكامة و الديمقراطية التشاركية[15].
ولما كان التضامن هو الصفة أو السلوك الذي يجذب الأعضاء المكونين لمشروع بعضهم إلى بعض بتلقائية و حرية متعاضدين و متعاونين لمواجهة ما يلاقونه من مشاكل و عوائق يصعب تخطيها بصفة فردية،فانه يمكن فهمه على انه ترجمة لسياسة إعداد التراب الوطني،التي ليست تقنية فقط وإنما هي سياسة الهدف منها الوصول إلى توزيع متوازن للنشاطات الاقتصادية و الاجتماعية،بحيث ينتفع منها الجميع،مما يكرس شكلا جديد من الديمقراطية الترابية démocratie territoriale والتي ترتكز أساسا على فكرة أن المواطن و المجموعة البشرية التي ينتمي إليها يجب أن يجد في المجال الذي يحيط به إمكانية أن يلبي حاجيات أساسية تسمح له بالعيش المستقر[16].
وتتجلى أهمية مبدأ المشاركة في تسيير المرافق العمومية،لكونه يؤدي إلى زيادة الشفافية داخل هذه المرافق و التي يصبح لزاما عليها لا أن تقتصر على الاستماع لأراء المعنيين بالقرارات التي تصدرها فقط،بل الجلوس معهم على نفس الطاولة للحديث عن السبل الكفيلة بتحسين العمل الإداري داخل المرافق العامة[17].
ذلك أن الحكامة تقتضي أن السلطات العمومية تعرف كيف تدخل في حوار و شراكة مع الفاعلين الآخرين،فهي تسمح بإعطاء الصبغة الجماعية للمجموعة،و السلطات العمومية مؤهلة لإيجاد و بلورة الحوار و الشراكة بين كل محفزي العمل الجماعي.ذلك أن الدول التي نجحت في قيادة التنمية الاقتصادية هي تلك التي تتوفر على القدرة و الكفاءة في تنظيم و تعبئة كل الفاعلين حول مشروع مشترك،ونفس الملاحظة تنطبق على المستوى المحلي بحيث لا احد يمكن أن يعترض على مشروعية رئيس مجلس بلدي إذا أراد أن يضم مجموع الفاعلين المحليين حول مشاريع مشتركة.
تستلزم الكفاءة و القدرة على الدخول في الحوار و الشراكة مع مختلف المتدخلين تغييرا ثقافيا جذريا لدى الحكام و الإداريين و الموظفين و تغيير في المساطر[18].إن هذه المقاربة التشاركية في تدبير المرفق العام،كشكل من أشكال الحكامة و الديمقراطية جسدها الدستور الجديد،بل وجعلها من المرتكزات الأساسية للتنظيم والتدبير الجهوي و الترابي[19].
ولقد تم تقديم مبدأ المشاركة في فرنسا كمبدأ للعمل داخل المرافق العمومية،ولأول مرة من خلال دورية روكار circulaire Rocard بتاريخ 23 فبراير 1989،في إطار سياسة تجديد و تحديث المرفق العام،و تأكيدا لنفس الاتجاه تأتي ملاحظة إيزابيل توماس isabelle thomas ،التي قالت إن المشاركة لم يتم التنصيص عليها كمبدأ قانوني،ولكن أكثر من ذلك كخطوة ضرورية من اجل إصلاح المرافق العمومية،و تحسين علاقة الإدارة مع المواطنين،بالإضافة إلى ذلك فهي تشكل آلية للاستماع إليهم وإدخال أرائهم حيز التطبيق،وفي النهاية فان المشاركة كما تم التنصيص عليها من خلال دورية روكارد تشكل قبل كل شيء وسيلة لتقييم أداء الإدارة من طرف المواطنين[20].وبالتالي فان التصور الجديد لتدبير المرافق العامة يقتضي جعل المرتفق في صلب هذه العلاقة،و فاعلا و مؤثرا في المرفق العام.
المبحث الثاني : آليات تفعيل المبادئ الدستورية و افاق المرافق العامة المحلية
جاء دستور 2011 بمجموعة من المبادئ و القواعد الأساسية التي تحكم تدبير المرافق العامة المطلب الأول كما وضع هيئات و آليات تشرف على تفعيل هده المبادئ المطلب الثاني
المطلب الأول : الآليات التدبيرية
إن اعتماد الدستور الجديد الية ربط المسؤولية بالمحاسبة كالية تدبيرية في ببلادنا
كركيزة أساسية للحكامة الجيدة يشير الى تكريس قاعدة تلازم ممارسة المسؤوليات و الوظائف العمومية بالمحاسبة.
"كما تشكل مكافحة الفساد في تدبير الشان العام محورا مهما من محاور برنامج الحكومة مرتكزا اساسيا في منهج عملها وفي هدا الصدد تعتزم الحكومة تقوية مؤسسات الرقابة والمحاسبة وتكريس استقلالها
كما سيتم من وضع ميثاق وطني لمكافحة الفساد وتطوير التشريع المتعلق بالتصريح بالممتلكات وارساء الهياة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة المنصوص عليها في الدستور "[21]
فإذا كان الشق الأول من باب الحكامة الجيدة قد نص على قواعد و مبادئ تحكم سير المرافق العامة. فالشق الثاني من نفس الباب نجده ينص بصفة عامة على مؤسسات و هيئات حماية الحقوق و الحريات و الحكامة الجيدة و التنمية البشرية و المستدامة و الديمقراطية التشاركية.
الفقرة الأولى : الآليات المؤسساتية
أولا : مؤسسة الوسيط
أحدثت بمقتضى ظهير شريف رقم 1.01.298 الصادر في 236 من رمضان 1422 (2ديسمبر2001) حيث عمل الدستور الجديد على تكريسها من خلال الفصل 162
*اختصاصاتها
تلقي الشكايات و التظلمات من طرف المواطن في إطار علاقته بالمرفق.
حل المنازعات بين الإدارة و المترفقين بأسلوب غير قضائي.
تمارس وظيفة تصحيحية تتجلى في الدور الإصلاحي الهادف لحماية المواطن من تعسف أو شطط السلطات العمومية.
تمارس كذلك وظيفة وقائية تتجلى في كون لمجرد حضور مؤسسة الوسيط داخل الإدارة كعامل مباشر لحثها التمسك بالقوانين و الأنظمة في تعاملها مع الوافدين عليها و بالتالي سيادة مناخ يشعر فيه الكل تحت القانون[22].
ثانيا : الهيئة الوطنية للنزاهة و الوقاية من الرشوة
أحدثت هده الهيئة بمقتضى مرسوم 25.12.05.02 بتاريخ 13 مارس2007 و قد عمل دستور 2011 على تكريسها من خلال الفصل.
*اختصاصاتها
- تقوم بمهام المبادرة و التنسيق و الإشراف وضمان تتبع سياسات محاربة الفساد.
- تلقي و نشر المعلومات في هدا المجال و تسهم في تخليق الحياة العامة.
- تعمل على ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة و ثقافة المرفق العام و قيم المواطنة المسؤولية.
كما أنها هيئة لتنسيق سياسة الوقاية من الرشوة و كدا قوة استشارية و اقتراحيه في مجال الوقاية من الرشوة و آلية لتتبع و تقييم المنجزات في هدا المجال و تعد منتدى للتواصل و الإعلام و التحسيس كما أنها أداة رصد لظاهرة الرشوة لجمع المعلومات و تدبير لقاعدة المعطيات المرتبطة بها و آلية لتبليغ السلطات القضائية عن جميع الافعال التي تشكل رشوة يعاقب عليها القانون وهي قوة ضاغطة في اتجاه التفعيل بتخويلها صلاحية رفع تقرير سنوي إلى الوزير الأول و وزير العدل حول نتائج الأشغال و مفعول التوصيات و تقييم المنجزات.
ولهذا نجدها تقوم بنشر عدة توصيات تهدف لحماية المال العام و تخليق الحياة العامة عبر توصياتها المتجلية في إصلاح المؤسسات القضائية عن طريق ضمان استقلالية القضاء و سد الفراغ الموجود في القانون الجنائي و تفعيل قانون التصريح الإجباري للممتلكات و تكريس محيط يتسم بالشفافية في العلاقات ما بين الإدارة و المواطن[23].
الفقرة الثانية :الاليات التدبيرية
تعتبر اليات التدبير بالنتائج و تعميم ثقافة التقييم من أهم المبادئ الأساسية على مستوى التدبير العمومي.
أولا : التدبير بالأهداف و النتائج
يهدف التدبير بالنتائج إلى فعالية النفقات العامة و كذلك استهداف تحسين عيش المواطن انطلاقا من الأولويات و الحاجيات و بالتالي توفير الوسائل الضرورية لتحقيق الأهداف و تقييمها حسب درجة بلوغها و أثرها على السكان[24]. و يستهدف التدبير بالنتائج مبدئيا مساءلة المصالح اللاممركزة التي تتولى مهام إدارة القرب للمواطن و تحسين جودة الخدمات المقدمة من طرف الإدارات العمومية و تبسيط اللاتركيز في سلطة التدبير و توجيه كل الطاقات على العمل عبر مسلسل يؤمن تحقيق النتائج و كدا تحسين قدرات و مؤهلات الإدارة في إعداد السياسات العمومية الناجحة.
و لتفعيل هدا المنهج فلا بد من الاعتماد على وسائل أهمها
*شمولية الاعتماد تهدف الى تحسين شروط تنفيذ الميزانية ثم وضع آلية شمولية الاعتماد التي تسمح للمسيرين المحليين ان يتصرفوا بهامش اكبر في تدبير الإعتمادات المالية فالآمر في الواقع يتعلق بتبديل منطق الوسائل الذي كان يحد من متابعة استعمال الإعتمادات بمنطق النتائج و الذي يأخد بعين الاعتبار المنجزات المحققة بالمقارنة مع الأهداف المحددة.
*التعاقد كأداة للقضاء على المشاكل المشتركة يسمح هدا النوع الجديد من العلاقة بإعادة توزيع الاختصاصات و المسؤوليات على المستوى المحلي و تنسيق و توافق العلاقات حيث إن الرؤية الجديدة للتدبير الميزانياتي تترجم بتشكيل علاقات بين الإدارة المركزية و المصالح اللاممركزة عن طريق عقد الأهداف و الوسائل فبمقتضى هدا العقد المصالح اللاممركزة تستلزم اخذ تكييف لتحقيق عدد من الأهداف و الإدارة المركزية تلزم بالتمويل.[25]
بالإضافة إلى ذلك هناك وسيلة أخرى تهدف إلى تفعيل هدا المبدأ الاول اي منهج التدبير بالنتائج أو ما يصطلح عليه بالشراكة لقد تعددت التعاريف حول مفهوم الشراكة فرغم شيوعه يبقى غير دقيق الى حد ما لكن هناك بعض الفقهاء حاولوا يجاد مفهوم محدد باستعمال تعاريف تقريبية و هدا ما يؤكده الفقيه تيليس على إن الشراكة هي تجريب سوسيوسياسي لبلورة تدخل شامل كشكل لتدبير مختلط و غير منظم لما هو اجتماعي و الالتزام بالشراكة أصبح ضرورة أخلاقية حيث يجب على كل شخص إن يتدخل حسب استطاعته على كل الأصعدة و إن كان مدعوا في الواقع إلى إعادة تحديد الطرق التي اعتاد عليها عليها.[26]
و تهدف الشراكة إلى توحيد الموارد المالية و البشرية و أيضا محاربة الأمية و دعم التربية غير النظامية و الأنشطة المدرة للدخل و الإدماج المهني للشباب.[27]
ثانيا : اعتماد التقييم في تدبير المرافق العامة
إن من أهم المستجدات الدستورية لسنة 2011 ثقافة التقييم وذلك بربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال خضوع المرفق العمومي للرقابة الداخلية و هي نظام كلي للرقابة المالية أو غيرها من أنواع الرقابة و تهدف هده الرقابة إلى الحماية و الصيانة و كدا توفير الدقة و الجودة في البيانات و المعلومات و التأكد من فصل السلط بين الوظائف الإدارية و وظائف حماية المحروقات و الوظائف المحاسبية و الوظائف الرقابية و كدا التحقق من الالتزام بما تقتضيه السياسة الإدارية المرسومة وصولا إلى تحقيق أداء جيد للمقاولة أو المؤسسة[28]
بالاضافة الى الدستور فان البرنامج الحكومي لسنة 2012 اكد على انه يهدف الى الرفع من الاداء والارتقاء بالمرفق العام الى مستوى النجاعة والفعالية والمردودية العالية للقيام بواجباته المتمثلة في خدمة المواطنين .
وذلك من خلال الحكامة الجيدة في التدبير العمومي من خلال اصدار ميثاق للمرافق العمومية يحدد قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة لتدبير الادارات العمومية والجهات والجماعات الترابية كما يشير الى دلك الفصل 157 من الدستور
كما اكد البرنامج الحكومي لسنة 2012 على الاهتمام بالموارد البشرية وتاهيلها نظرا لدورها المحوري في الارتقاء بالادارة المغربية الى المستوى الذي يجعل منها ادارة فعالة وناجعة وذات مردودية ومتشبعة بمبادئ حسن سير المرافق العامة فقد اصبحت الحاجة ملحة لاعتماد سياسة تدبيرية شجاعة وطموحة تجعل من الموارد البشرية ركيزة في اعداد وتنفيد السياسات العمومية في مختلف المجالات الحيوية لذا فان الحكومة عاقدة العزم على مواصلة الاصلاحات الهيكلية الشاملة والعميقة لمنظومة تدبير الموارد البشرية
باعتماد مناهج حديثة تاخذبعين الاعتبار الوظائف والكفاءات وتقييم الاداء وتثمين التكوين المستمر واعتماد الكفاءة والاستحقاق والشفافية في ولوج الوظائف العمومية وتولي مناصب المسؤولية[29].
بالإضافة إلى الرقابة الداخلية التي تعتبر من تجليات التقييم نجد تلقي المرفق العام لملاحظات و تظلمات المرتفقين من بين المستجدات التي جاء بها دستور 2011 في مجال تدبير المرافق العامة.
.
المطلب الثاني: آفاق تدبير المرافق العامة المحلية
الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 أكد على خطوة مهمة في مجال تكريس دولة الحق و القانون قوامها المشاركة و الحكامة الجيدة و إيجاد دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه بالأمان و الحرية و الكرامة والمساواة ان هده المقتضيات تبقى ناقصة إذ لم يتم تفعيلها بمقتضيات قانونية من شانها الارتقاء بتدبير المرافق العمومية المحلية كأداة لتدعيم الديمقراطية الترابية القائمة على تقريب خدمات المرافق العمومية المحلية للمواطنين.
الفقرة الاولى :ضرورة إصدار ميثاق للمرافق العامة المحلية.
تبعا لذلك فإن المشرع المغربي مطالب بإصدار ميثاق للمرافق من اجل تعزيز المكاسب الدستورية للمملكة في مجال الحكامة الجيدة و كدا القوانين التنظيمية المقبلة المتعلقة باختصاصات الجماعات الترابية ومن تم إصدار ميثاق للمرافق ع المحلية من شانه ان يعزز المكاسب الدستورية التي جاء بها الباب الثاني عشر في ميدان الحكامة الجيدة كأساس من اجل مجتمع متضامن ينعم فيه كل المواطنين بالمساواة و العدالة الاجتماعية و مقومات العيش الكريم حتى يتم الرقي بتدبير الشأن المحلي بالارتكاز على قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية والجهات والجماعات الترابية والمرافق العامة استنادا للفصل 157من الدستور[30] و لكي تكون الحكامة الترابية المحلية جيدة لا بد أن تقوم حسن التنظيم و توزيع المسؤوليات و صقل القدرات و الفعاليات الجود في الخدمات و الاعتماد على الرؤية الإستراتيجية في البرامج التنموية و دعم التواصل داخل المجالس المحلات الاقتصادية و الاج والثقافية .و تتلخص أهم المبادئ الواجب تضمينها في الميثاق الوطني و أهمها: المشاركة:آي حق المرأة و الرجل في التصويت و إبداء الرأي ديمقراطيا في البرامج والسياسات و القرارات.
الشفافية : تعني توفر المعلومات الدقيقة في وقتها وإفساح المجال أمام الجميع للإطلاع على المعلومة[31]
الضرورية مما يساعد في اتخاذ القرارات الصالحة و كذالك من اجل توسيع دائرة المشاركة و الرقابة و المحاسبة و من اجل التخفيف من الهدر و محاصرة الفساد.
حسن الإستجابة: يعني قدرة المؤسسات و الآليات على خدمة الجميع بدون استناد و كداك إقامة تواصل دائم بين المسؤولين و الموظفين من جهة و بين الرؤساء و المواطنين من جهة أخرى.
وإذا كان إصدار ميثاق لتدبير المرافق ع سيساهم في وضع إطار متقدم لتعزيز حكامة المرافق العامة فإن القوانين التنظيمية ،المقبلة المتعلقة بالجماعات الترابية ستعزز الديمقراطية المحلية و الحكامة الترابية.
الفقرة الثانية : ضرورة إصدار قوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية
طبقا لمقتضيات الفصل 146 من الدستور المغربي 2011 " تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات الترابية الأخرى لمداولات هده المجالس و مقرراتها طبقا للفصل 138 "[32]
شروط تقديم العرائض المنصوص عليها في الفصل 134 من قبل المواطنات و المواطنين والجمعيات.
الإختصاصات المنقولة إليها من هده الأخيرة طبقا للفصل 140
النظام المالي للجهات والجماعات الترابية الأخرى.
مصدر الموارد المالية للجهات و الجماعات الترابية الأخرى المنصوص عليها في الفصل
موارد وكيفية تسيير كل من صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات المنصوص عليه في الفصل 142
شروط و كيفيات تأسيس المجموعات المشار إليها في الفصل 144 .
قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدآ التدبير الحر و كدا مراقبة الصناديق و البرامج و تقييم
الأعمال و إجراءات المحاسبة .
إن إصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية من شأنه أن يعزز الديمقراطية المحلية ببلادنا كنمط لتسيير الشؤون المحلية الترابية الجيدة كأداة جديدة لتوزيع الاختصاصات بين الدولة والوحدات الترابية بشكل واضح لترسيخ اللامركزية الترابية كخيار لامفر منه لضمان حسن تطبيق وتفعيل الديمقراطية دون أن ننسى أهمية التخليق كمطلب أساسي تمليه العواقب الوخيمة لمظاهر الفساد على صيرورة التنمية على مجمل الأداء المرفقي ، ويشكل تخليق المرافق العامة سواء الوطنية أو المحلية مرتكز حقيقي للإصلاح عبر تأسيس قيم جديدة في تدبير الشأن العام وتهديب الحياة الادارية عبر قيم النزاهة والشفافية والاستقامة ، وهدا ما يجد سنده في الرسالة الملكية الموجهة الى الندوة الوطنية حول دعم الاخلاقيات بالمرافق العامة المنظمة بتاريخ29 و30 أكتوبر 1999 .
يقول جلالته : " من أوجب واجبات المرفق العام أن يلتزم بالأخلاق الحميدة وان يخدم المواطن بالإخلاص الجدير بالشأن العام والمصلحة العليا على النحو الذي يقتضيه الاختيار الديمقراطي في دولة الحق والقانون ".[33]
خاتمة:
إن الدستور المغربي لسنة 2011 يعتبر نقطة تحول وقفزة حقيقية في مجال تدبير المرافق العامة والارتقاء بالوحدات الترابية من وحدات تسييرية إلى وحدات تدبيرية ، نظرا لأهمية المرافق العامة الوطنية أو الترابية والدور الذي تلعبه في الحياة اليومية للمواطن لهذا فطن المشرع الدستوري للإختلالات التي يعرفها مجال تدبير المرافق العامة فسن قواعد الحكامة من أجل الرقي وتقديم أفضل الخدمات للمواطنين ومن أجل المساهمة في التنمية الترابية .
لائحة المراجع المعتمدة
أولا :الكتب
محمد اليعكوبي ،تأملات حول الديمقراطية المحلية،الطبعة الثانية،2008
ثانيا : الأطروحات والرسائل
العربي خربوش،تسيير المرافق العامة الجماعية بواسطة شركات الاقتصاد المختلط – نموذج المحطة الطرقية بتطوان –كلية الحقوق طنجة،2007- 2008
عبد الوهاب الطاهري، تدبير المرافق العامة الجماعية من شركات الاقتصاد المختلط إلى شركات التنمية المحلية ، المحطة الطرقية لتطوان نموذج د.د.ع.كلية الحقوق طنجة،2010-2009،-
مراد عنبوش ,الأسس الدستورية للتدبير العمومي رسالة لنيل شهادة الماستر في الحقوق الموسم الدراسي 2011/2012
تالثا :المقالات
عبد الله الادريسي،الوظيفة التاطيرية و التنموية للمرافق العامة في الخطاب الاصلاحي،م.م.ا.م.ت،سلسلة مواضيع الساعة،عدد 35، 2002
محمد الاعرج،القانون الاداري المغربي،م.م.ا.م.ت،سلسلة مواضيع الساعة،الجزء الاول عدد 74 ،2011،
محمد ايت المكي،من اجل تجديد المرفق العام،م.م.ا.م.ت،سلسلة مواضيع الساعة،عدد 35،2002
- خالد البهالي،الحكامة التشاركية،قراءة في المفهوم و في الجوانب الإجرائية،م.م.ا.م.ت،عدد 101،نونبر – دجنبر،2011
-----محمد اليعكوبي مفهوم الشراكة مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية عدد102 يناير فبراير 2012
- حيمود المختار،الحكامة الإدارية :أسسها و عوائقها،م.م.ا.م.ت،عدد 92،ماي – يونيو،2010
الشريف الغيوبي،إدارة القرب:آلية للتضامن الترابي،"إدارة القرب: المفهوم و الانعكاسات،م.م.ا.م.ت،عدد 53، 2006-
النصوص القانونية :
- دستور المملكة المغربية لسنة 2011 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91،بتاريخ 29يوليوز2001،ج.ر عدد 5964مكرر،بتاريخ 30يوليوز2011 .
الظهير الشريف رقم 11.1.25 الصادر في 12 من ربيع الاخر 1432 الموافق ل17 مارس 2011 باحداث مؤسسة الوسيط الجريدة الرسمية عدد 5926
-مرسوم 12.05.02 بتاريخ 13 مارس 2007 المحدث للهياة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة
الوثائق الرسمية
البرنامج الحكومي يناير 2012
الندوات
الندوة المنظمة تحت الرعاية السامية لجلا لته بوزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الاداري ابريل 2001 – ص41
بالفرنسية
- Berdouzi(M),fondements de la bonne gouvernance, « gouvernance et la conduite de l’action publique au 21 siècle »,sous la direction de Ali Sedjari,L’harmattan,2003
الهوامش
[1] - عبد الله الادريسي،الوظيفة التاطيرية و التنموية للمرافق العامة في الخطاب الاصلاحي،م.م.ا.م.ت،سلسلة مواضيع الساعة،عدد 35، 2002، ص 39.
[2] - محمد الاعرج،القانون الاداري المغربي،م.م.ا.م.ت،سلسلة مواضيع الساعة،الجزء الاول عدد 74 ،2011، ص 442.
[3] - محمد ايت المكي،من اجل تجديد المرفق العام،م.م.ا.م.ت،سلسلة مواضيع الساعة،عدد 35،2002،ص 25-26.
[4] - محمد الاعرج،القانون الاداري المغربي،مرجع سابق،ص 443-444.
[5] - محمد اليعكوبي ،تأملات حول الديمقراطية المحلية،الطبعة الثانية،ص 157-158
[6] - خالد البهالي،الحكامة التشاركية،قراءة في المفهوم و في الجوانب الإجرائية،م.م.ا.م.ت،عدد 101،نونبر – دجنبر،2011،ص 137.
[7] - حيمود المختار،الحكامة الإدارية :أسسها و عوائقها،م.م.ا.م.ت،عدد 92،ماي – يونيو،2010،ص 88.
[8] - راجع الفصل 157 من دستور 2011.
[9] - محمد ايت المكي،من اجل تجديد المرفق العام،مرجع سابق،ص 24.
[10] - العربي خربوش،تسيير المرافق العامة الجماعية بواسطة شركات الاقتصاد المختلط – نموذج المحطة الطرقية بتطوان –كلية الحقوق طنجة،2007- 2008،ص 59.
[11] - Berdouzi(M),fondements de la bonne gouvernance, « gouvernance et la conduite de l’action publique au 21 siècle »,sous la direction de Ali Sedjari,L’harmattan,2003,p :45-46-47
[12] - العربي خربوش،مرجع سابق،ص 59.
[13] - عبد الوهاب الطاهري، تدبير المرافق العامة الجماعية من شركات الاقتصاد المختلط إلى شركات التنمية المحلية ، المحطة الطرقية لتطوان نموذج د.د.ع.كلية الحقوق طنجة،2010-2009،ص 68-67.
[14] - يرجى مراجعة الباب الثاني عشر من الدستور المتعلق بالحكامة الجيدة.
[15] - راجع الفصل 156 من الدستور.
[16] - الشريف الغيوبي،إدارة القرب:آلية للتضامن الترابي،<إدارة القرب: المفهوم و الانعكاسات>،م.م.ا.م.ت،عدد 53، 2006،ص 18- 19.
[17] - عبد الوهاب الطاهري، مرجع سابق، ص 69.
[18] - محمد اليعكوبي،تأملات حول الديمقراطية المحلية بالمغرب،مرجع سابق،ص 70.
[19] - راجع الفصل 136 من دستور 2011.
[20] - عبد الوهاب الطاهري، مرجع سابق، ص 70.
[21] البرنامج الحكومي يناير 2012
[22] - مراد عنبوش الأسس الدستورية للتدبير العمومي رسالة لنيل شهادة الماستر في الحقوق الموسم الدراسي 2011/2012 الصفحة 69.
[23] - مراد عنبوش مرجع سابق الصفحة 65.
[24] مراد عنبوش مرجع سابق الصفحة 33
[25] مراد عنبوش مرجع سابق الصفحة34
[26] مراد عنبوش مرجع سابق الصفحة 37
[27] محمد اليعكوبي مفهوم الشراكة مقال منشور بالمجلة المغربية للادارة المحلية و التنمية عدد102 يناير فبراير 2012 ص 45
[28] مراد عنبوش مرجع سابق الصفحة 39
[29] البرنامج الحكومي يناير 2012
[30] دستور المملكة المغربية لسنة 2011 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91،بتاريخ 29يوليوز2001،ج.ر عدد 5964مكرر،بتاريخ 30يوليوز2011 .
[31] عبد الله الادريسي، المرافق العامة في مواجهة التحديات الجديدة ، م.م. للإدارة عدد 35 السنة 2002 ص40
[32] دستور 2011 مرجع سابق
[33] الندوة المنظمة تحت الرعايا السامية لجلا لته بوزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الاداري ابريل 2001 – ص41-