MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




الخبـرة القضائيـة من زاويـة ضيقـة حوار مع الدكتور إدريس رواح رئيس المجلس الوطني لخبراء العدل، خبير لدى المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي

     


الدكتور إدريس رواح

رئيس المجلس الوطني لخبراء العدل
خبير لدى المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي
خبير لدى محكمة الاستئناف بالرباط (اللائحة الوطنية)
خبير لدى محكمة الاستئناف بفرساي فرنسا
محكم ومصالح لدى المنظمة الدولية للحقوق الذهنية بجونيف سويسرا
محكم مصرح به لدى محكمة الاستئناف بالرباط
مستشار لدى لجنة المصالحة والخبرة الجمركية بفرنسا
أستاذ سابق لمناهج الخبرة والمصالحة بجامعة باريس 2 بفرنسا



الخبـرة القضائيـة من زاويـة ضيقـة  حوار مع  الدكتور إدريس رواح رئيس المجلس الوطني لخبراء العدل، خبير لدى المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي
 
-1- كلمة موجزة للتعريف بالخبير والخبرة

لقد احتل القضاء مكانة سامية رفيعة منذ قرون، لما أقامه من عدل ودرء الظلم وقطع الخصومات، وإعطاء كل ذي حق حقه وذلك قصد تحقيق العدل بين الناس وهي غاية حرص عليها أيضا الإسلام. فقد اهتم علماء الفقه الإسلامي ووضعوا شروطا في من يتولى القضاء، لما لهذا المنصب من أهمية كبيرة، وكان من الضروري أن يعرض هذا الفقه، تبعا لذلك على الأشخاص الذين يساعدون القاضي في إصدار أحكامه حيث أجاز الفقه الإسلامي الاستعانة بأهل المعرفة والعلم، أي بمن لديهم دراية متخصصة بالمسائل العلمية والفنية لإعطاء رأيهم، مما يساعد القاضي على الإدراك والفهم الصحيح لوقائع المنازعات ومن ثم الفصل في القضية.

فالخبير هو شخص غير موظف بالمحكمة، ذو دراية عالية وإلمام تام بالميدان الذي ينتمي إليه، ويكون ذا حنكة قد اكتسبها في فنه عن طريق الممارسة وليس نظريا فقط. كما أن الخبير لا يكون خبيرا بالشواهد العليا المحصل عليها من الجامعات والمعاهد والمدارس العليا فقط بل يجب أن يكون خبيرا بالممارسة الدائمة والاحتكاك على أرض الواقع في الاختصاص الذي ينتمي إليه، فالخبير ينتدب لتفسير النقط العالقة والغامضة في القضية، والتي يملك وحده سلطة تقديرها. وهكذا يتم اللجوء إلى الخبرة كلما تضمنت الدعوى مسألة يتطلب حلها معلومات خاصة لا يأنس القاضي في نفسه الكفاءة العلمية أو الفنية لحلها وتأويلها. وبهذا تعد الخبرة وسيلة من وسائل الإثبات، وتعتبر مجرد نشاط وليست بمهنة.

-2- بعد الجيل الأول من الخبراء المغاربة هل ترون ان لهم خلف جيد  في المهنة؟

يجب التذكير على أن الخبرة القضائية في المغرب، منذ تقنينها، عرفت ثلاثة أجيال :
الجيل الأول عرف إدماج مجموعة من العاملين في الميدان والذين كانوا آنذاك يعرفون بالعرفاء الذين كانت لهم دراية عالية بميدان اختصاصهم وذلك عن طريق الممارسة. وكانوا امتداد للقاضي ينتقلون بذله ويقومون بمعاينات يرفعون نتائجها، في الغالب شفويا، إلى هذا الأخير. وكانت المقاييس المعتمدة آنذاك هي النزاهة والسمعة الطيبة. فمقياس التكوين الأكاديمي كان منعدما.

الجيل الثاني عرف الالتحاق بمجموعة من الأطر العليا التقنية المتوفرة على تكوين أكاديمي ومعرفة تقنية جيدة. فكانوا يشتغلون في ميدان اختصاصاتهم ويقومون بين الفينة والأخرى بإنجاز الخبرات. وتعتبر هذه المرحلة من أهم المراحل حيث كانت تقارير الخبرة تتسم بالجودة والمصداقية العلمية.

الجيل الثالث عرف الالتحاق بمجموعة من الأطر العليا للقطاع العام التي استفادت من عملية المغادرة الطوعية. وهنا يجب الإشارة إلى أن جل الخبراء المنحدرين من هذا الصنف إذا كانت تتوفر على المقاييس العلمية المحددة من طرف اللجنة الوزارية فإنها تفتقر للممارسة المهنية نظرا أن الكثير منها كانت تعمل طوال حياتها المهنية في التسيير والتدبير أي في الشؤون الإدارية بعيدا عن التقنية التي يتوفرون على شواهدها.

وفي الخلاصة وحسب نظرنا فإن جيل المرحلة الثانية كان خلفا جيدا للجيل الأول حيث كان يتوفر على تكوين أكاديمي عالي ويمارس عمله في التقنية التي ينتمي إليها ولهذا كانت تقارير الخبرات المنجزة من طرفهم تمتاز بجودتها العالية وبدقتها المتناهية.     

-3- إلى أي حد استطاع الخبير المغربي أن يساير التطورات الحاصلة في المهنة عبر العالم؟

إن الإطلالة على الصيرورة التاريخية للخبرة من خلال  القانونين الفرنسي والمصري، باعتبارهما من المصادر الأساسية التي ينهل منهما المشرع المغربي وبالدرجة الأولى القانون الفرنسي، فعلى مستوى مقارنة وضعية الخبرة في القانون الفرنسي بوضعيتها في القانون المغربي، نجد أن ثمة فرقا شاسعا، إذ قطع المشرع الفرنسي أشواطا مهمة في الرقي بالخبرة من اعتبارها مجرد نشاط وحرفة إلى مستوى مهنة مقننة ذات أثر بالغ في القضاء والعدالة الفرنسية، أضف إلى ذلك أن التحولات والتطورات الكبرى التي عرفتها الجمهورية الفرنسية، على كافة المجالات أفضت إلى العمل على تأقلم وملاءمة الخبرة مع آليات ممارستها وفي القوانين المنظمة لها مع هذه المتغيرات، مما رفع من قيمة ومكانة الخبير الفرنسي والخبرة الفرنسية على المستوى الداخلي والخارجي.

وللوقوف على وضعية وواقع الخبرة في التشريع والواقع المغربيين، نشير أنه ليس هناك تشخيص للخبرة والخبراء ولو بشكل مقتضب نظرا لغياب الأبحاث والدراسات في هذا المجال، مع الإشارة إلى أن مشروع تأهيل الخبرة في المغرب، أو على الأقل المطالبة بتأهيله لم يتم التداول فيه بشكل رسمي أو شبه رسمي إلا بعد إثارته من طرف الخبراء نفسهم من خلال تنظيم موائد مستديرة ولقاءات  وطنية وجهوية ومحلية لهذا الغرض. 

فلا يخفى على أحد أن الخبراء القضائيين يعيشون واقعا مرا ويعرفون تهميشا واضحا، حيث أن الخبير المغربي يعاني من عدة مشاكل لا على المستوى المادي والمعنوي فحسب، بل حتى على مستوى غياب الأمن والحماية لشخصه أثناء مزاولة مهمته.

كما أن الخبير القضائي لا يتمتع بأبسط حقوقه كباقي المواطنين من تغطية صحية وتقاعد وتأمين مهني، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تجاهل بعض مطالبه وبالتالي التقليل من الخبرة كمهنة شريفة، نطمح للنهوض بأوضاعها وتخليقها أيضا.

والملاحظ أن المشرع المغربي أثقل كاهل الخبير بالعديد من الواجبات التي خصص لها  القانون رقم 00-45 المنظم لمهنة الخبير المواد من  18 إلى 27، مع غياب الحقوق، غيابا كليا في القانون السالف الذكر.

كما أن بعض مواد القانون المنظم لمهنة الخبير لا تحترم ولا تطبق وغالبا لا يتم تفعيلها كما هو الشأن بالنسبة للمادة 12 التي تمنع على الخبير الجمع بين التسجيل في فرعين أو أكثر في مجال الخبرة ما عدا بالنسبة للأشخاص المعنويين بينما في الواقع نرى أن بعض الخبراء لا زالوا يجمعون بين عدة اختصاصات.

وكذلك الشأن بالنسبة للمادة 17 التي تنص على تقيد المحكمة عند تعيين خبير قضائي بجدول الخبراء الخاص بدائرة اختصاصها ما عدا في حالتين اثنتين أولهما في حالة عدم وجود بالجدول المذكور خبير متخصص في الفرع المطلوب وثانيهما في حالة ما إذا كان الخبير المنتدب مسجلا بالجدول الوطني بينما في الواقع نلاحظ أن بعض المحاكم تلجأ إلى انتداب خبراء غير مدرجين باللائحة الرسمية لوزارة العدل مما يطرح إشكالية مراقبة الخبير من طرف الوكيل العام للملك أو مسجلين في لائحة جهوية خارج الدائرة المحلية رغم وجود خبراء من ذلك الاختصاص مما يعتبره الخبراء شططا وتجاوزا في استعمال السلطة. فكلتا الحالتين تترك أثرا سيئا على نفسية الخبير.

وللتذكير فقط فإن هزالة الأتعاب في جل الملفات والتي تبقى غالبا غير متناسبة مع حجم النزاع، وتقيد الخبير بمدة تكون غالبا غير كافية لإنجاز المهمة تجعله يدخل في متاهات طلب أجل إضافي أو أتعاب إضافية تلزمه بمصاريف أخرى وتنقلات هو في غنى عنها، ليكون مصير الطلب الأول غير معروف والثاني قد يطويه النسيان المفتعل. وما يزيد الأمر تعقيدا هو انعدام مكاتب التنسيق مع الخبراء داخل المحاكم لتسهيل التواصل بينهما.

ووسط مناخ عملي كهذا، لا يمكن أن ننتظر من الخبير أي مردودية فعالة وإجراء خبرة نزيهة، بل سيجد الخبير نفسه مضطرا لاختصار المسافات والانسياق مع ما يريحه، ليظل السؤال مطروحا من المسؤول عن هذا الوضع؟ وهل يمكن التخليق بالأماني وعدم أداء مستحقات العيش الكريم وضمان الحقوق المفترض أن تكون على الأقل موازية للواجبات.

فالقول أن الخبير المغربي استطاع أن يساير التطورات الحاصلة في المهنة عبر العالم يبقى مجرد سراب لأن إمكانياته المادية والمعنوية والوضعية الاجتماعية للكثير منهم لا تسمح لهم بذلك. وحتى لا نبخس الناس أشيائهم فهناك قلة قليلة تعد على أصابع يد واحدة تقوم بحلقات تكوينية، بين الفينة والأخرى، خارج الوطن في أروبا ليس في اختصاصهم التقني فقط بل حتى في تقنيات الخبرة.

-4- ما هي التدابير التي اتخذها الخبراء على ضوء هذا الواقع؟

حاولنا جاهدين نحن الخبراء في إطار المجلس الوطني لخبراء العدل، وحتى قبل تأسيسه بسنوات على تغيير وضعنا العملي والمهني وتجاوزنا نسبيا بعض المعيقات والمشاكل التي نعاني منها، وذلك بالاعتماد على الإمكانيات الذاتية والمادية المتواضعة لهذا المجلس دون أي دعم يذكر.

وفي هذا الصدد التأمنا كخبراء العدل في  إطار موحد، وهو "المجلس الوطني لخبراء العدل"، الذي دشن ميلاده بالمشاركة في بعض ورشات "الحوار الوطني للإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة"، وذلك بتنظيم  مائدة مستديرة انسجاما مع تنزيل  نشاطه الثقافي الرامي إلى  التكوين المستمر لفائدة  الخبير القضائي وتحسسيه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه في أداء مهامه، بما تفرضه القوانين والأعراف المنظمة لمهنة الخبير في بلادنا، وتلبية للدعوة الموجهة للمجلس للمساهمة في إغناء الحوار المشار إليه آنفا، وذلك بتشخيص الوضعية الحالية  للخبرة القضائية من منظور خبراء المجلس الوطني لخبراء العدل، وتقديم كل المقترحات النابعة من اهتمامهم بالموضوع وتقييم عملهم اليومي، كمشاركين للقاضي في صنع القرار القضائي، وللتعبير عما يتطلعون إليه من إصلاحات لجعل الخبرة القضائية من أهم وأدق الوسائل العلمية والتقنية في خدمة العدل والعدالة، ودمجها ضمن مجموعات مشاريع قوانين إصلاح المنظومة القضائية.

وقد عرفت هذه المائدة المستديرة مشاركة ممثلين عن وزارة العدل والحريات، وبعض هيئات المهن القضائية الأخرى وباحثين جامعيين ومهتمين بموضوع الخبرة خاصة وبالشأن القضائي عامة، والذين ساهموا بعروض قيمة ومداخلات هامة أغنت النقاش وأدت إلى الخروج بتوصيات قيمة، كما تناولت مختلف وسائل الإعلام هذه الندوة مسلطة الضوء على أهمية الخبرة القضائية في العمل القضائي، وما تقتضيه الظرفية الحالية لإعادة النظر في القانون رقم 00-45 المنظم للخبراء القضائيين، وذلك بالعمل على تهييء وإصدار قانون جديد لإحداث "هيئة وطنية لخبراء السلطة القضائية" على غرار باقي القوانين المنظمة للمهن القضائية الأخرى ببلادنا، مع الاستفادة من التجارب والتطورات التي عرفتها الخبرة القضائية في العديد من الدول الأجنبية، حيث وفرت هذه الدول، خاصة الأوربية والعربية منها، وسائل هامة للحصول على الخبرة القضائية الدقيقة والعادلة التي تمكن من حسم النزاع في إطار خاص يضمن للخبير القضائي تكافؤا بين واجباته المهنية وحقوقه المعنوية والمادية، وكذا تمتعيه بالحماية القانونية الواجبة في حقه أثناء مزاولة مهمته، كما يتمتع بها رجال القضاء وبعض المهن القضائية الأخرى.

في هذا الصدد نرى أنه من المفروض في الوقت الحالي، إشراك وتمثيل هيئة الخبراء في مسطرة مراقبة وتأديب الخبراء، مع منحها الدعم المعنوي والمادي لأداء أهدافها المحددة بتوافق بين الهيئة المهنية والسلطة الوصية على القطاع.

وقد حظيت النقط المقترحة من قبل المجلس الوطني لخبراء العدل باهتمام المشاركين في ورشات المائدة المستديرة والتي خلصت إلى تبنيها كمقترحات، ومنها ما تم إدراجه في ميثاق إصلاح منظومة العدالة.

-5- يطرح مشكل التكوين و التكوين المستمر للخبراء إلى أي حد يحظى هذا الجانب باهتمامكم؟

للتذكير لقد وضع المشرع المغربي في إطار مسايرته للتحولات التي عرفها قطاع العدل قانونا لتنظيم الخبرة  يحمل رقم 00-45، إلا أن هذا القانون لا يرقى إلى مستوى طموحات وآمال الخبراء، كما أنه لا يساير مستجدات الواقع الراهن، أضف إلى ذلك –بحكم خبرتنا ومعرفتنا بميدان الخبرة– أن هذا القانون جاء فضفاضا وبعيدا كل البعد عن القانون الفرنسي المنظم للخبرة، كما أنه لا يرقى إلى مستوى قوانين بعض الدول الإفريقية جنوب الصحراء، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر القانون الغيني، والموريتاني.
وموازاة مع القانون السالف الذكر 00-45 فالمشرع المغربي نظم الخبرة من خلال فصول متناثرة هنا وهناك، والتي نجدها موزعة بين ثنايا قوانين أخرى، كالقانون الجنائي وقانون المسطرة المدنية. 

 إن القراءة النقدية لقانون الخبرة رقم "00-45" تفيد وجود مجموعة من الاختلالات والثغرات التي تؤكد على قصور هذا القانون في النهوض بأوضاع الخبير وتأهيل مهنة الخبرة، لتتبوأ مكانتها إسوة بباقي المهن القضائية الأخرى، والتي لا تقل أهمية عن الخبرة، في إحقاق الحق والعدل من ضمنها مثلا التقليل من مكانة ودور الخبير في المنظومة القضائية الحالية  نظرا أن الخبرة غير ملزمة وهي على سبيل الاستئناس فقط أو غياب تفعيل دور وزارة العدل والحريات بالاهتمام بمجال الحياة المهنية للخبراء من خلال تنظيم التكوين المنصوص عليه في المادة 20 من القانون 45.00 المنظم للخبرة وفرض إجباريته عملا بالمادة 21 من نفس القانون وكما لا يخفى عليكم فإن غياب التكوين والتكوين المستمر ينعكس سلبا على جودة أداء الخبراء.

وإيمانا منا بأهمية التكوين وإعادة التكوين، نقر بأن الخبرة لم يعد ينظر إليها على أنها للاستئناس فقط، ولم تعد الخبرة فقط لتوجيه القضاء وتنويره، بل أصبحت كل من الخبرة والخبير فاعلين في السلطة القضائية التي بوأها دستور 2011. أضف إلى ذلك أن صورة وسمعة الخبرة تعتبر مدخلا لتشجيع الاستثمار الأجنبي، كما تشجع المتقاضي المغربي على التوجه إلى القضاء من باب تقوية وتعزيز نزاهة الخبراء ووجاهة خبراتهم، ويمكن أن تشكل هذه المعطيات إطارا ملائما ومشجعا للحديث عن آفاق مشرقة للخبرة في المغرب، خصوصا  في ضوء دستور فاتح  يوليوز 2011.

إننا ومن خلال تجربتنا كخبير ممارس لما يفوق عن ربع قرن من الزمن، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، فإننا مازلنا متشبثين بضرورة الرفع من مستوى الخبرة والخبير على حد سواء، لمواكبة مختلف التحولات والتطورات التي عرفتها منظومة العدالة دوليا ووطنيا.

إن الهدف، بل والأهداف التي نصبو إليها كخبراء منضوين تحت لواء المجلس الوطني لخبراء العدل ليست بالسهلة وإنما تتطلب عملا موازيا من طرف الخبراء ووزارة العدل والحريات لتسريع إحداث "هيئة وطنية لخبراء السلطة القضائية" تكون مخاطبا وممثلا يحظى بمزيد من الثقة والاحترام والتمثيلية لدى مختلف القطاعات التي تتقاطع مع وزارة العدل والحريات في النهوض بالعدالة في بلادنا.

جاء في بعض إجراءات الميثاق التنصيص على التكوين التخصصي والأساسي كمدخل لتقوية وعصرنة المهن القضائية، وعلى رأسها مهنة الخبير التي تحتاج إلى برمجة دورات تكوينية وتدريبية، وقد أخذ المجلس الوطني لخبراء العدل على عاتقه مشروع "إعادة تأهيل الخبرة بمأسستها وتقنينها"، التي هي بحاجة ماسة إلى الارتقاء بها وذلك بعدما رصد مكامن القوة والضعف التي كانت تشوب بعض القوانين المؤطرة للمهنة، وإيمانا منا بالواجب الوطني وبالمواطنة الحقة، فقد قمنا ببعض الخطوات التي نراها محمودة رغم تواضعها باستشراف آفاق ومستقبل مشرف للمغرب فيما يخص تأهيل الخبرة القضائية، وذلك اعتمادا على دورات تكوينية تفتقر لأي دعم مادي أو معنوي التي استفاد منها عدد من الخبراء ونعمل حاليا على تطوير ذلك مع مؤسسات ذا طابع تكويني خارج المجلس، أو في إطار عقد شراكات للتكوين.

-6- بعد قرارات العزل و المتابعة في حق بعض الخبراء تطرح اشكالية تخليق المهنة.. كيف ستعالجون هذا الجانب؟

سؤال وجيه يتطلب وقفة تأملية لبعض المحطات التاريخية المتعلقة بالقضاء، نذكر منها على سبيل الاستئناس لا الحصر، خطاب العرش بتاريخ 30 يوليوز 2007 الذي ورد فيه: "يتعين على الجميع التجند لتحقيق إصلاح شمولي للقضاء لتعزيز استقلاله الذي نحن له ضامنون" وأيضا خطاب افتتاح السنة التشريعية الأولى في 12 أكتوبر 2007 الذي جاء فيه: "... وأننا لعازمون على الإعداد التشاوري الواسع والمتخصص لميثاق وطني مضبوط، للتغيير العميق والشامل للقضاء". وخطاب العرش بتاريخ 30 يوليوز 2008 الذي ورد فيه: "ندعو حكومتنا للانكباب على بلورة مخطط مضبوط للإصلاح العميق للقضاء، ينبثق من حوار بناء وانفتاح واسع على جميع الفعاليات المؤهلة المعنية".

وهنا يجب التنصيص على أن الخطاب الأول دعى إلى تجند الجميع لتحقيق إصلاح شمولي للقضاء، وعن تأسيس اللجنة العليا نرى غياب واضح للخبراء رغم تجنيدهم واستعدادهم للمشاركة في هذا الورش الهام. أما الخطاب الثاني والثالث فقد جاءا بالإعداد التشاوري الواسع بالنسبة للأول والانفتاح الواسع على جميع الفعاليات المؤهلة المعنية وهنا كذلك نلاحظ غياب الخبراء على الصعيد الوطني حيث لم يتم مشاركتهم إلا على صعيد بعض الاستئنافيات كالرباط، الدار البيضاء، القنيطرة، فاس وتطوان علما أن أهل مكة أدرى بشعابها ولا يمكن لأي كان أن يتكلم على معاناة الخبراء ومشاكلهم إلا الخبراء أنفسهم.  

وفي سياق الحديث عن الخوض في الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، نستحضر هنا الدور الهام والبارز الذي تضطلع بعض منظمات وجمعيات المجتمع المدني، علما أن دستور 2011 توَّج بعضا من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في  إحدى تقاريرها إلى فصول بين دفتيه "الدستور"، مما يبرهن على قدرة وقوة الحركة المدنية في المغرب على الخوض في الأوراش الإصلاحية، من خلال تقديم مشاريع إصلاحية، أو مذكرات توجيهية في نفس الإطار.

والسبب في غياب أو تغييب الخبراء من المشاورات يعزي إلى عدم اهتمام فئة منهم بأوضاعهم المهنية. أما الفئة الأخرى نلاحظ أنها تتراطم بين عدة جمعيات مهنية جلها في وضعية قانونية غير سليمة يفوق عددها المائة والتي لا تمارس أي نشاط ولا تقدم أية خدمة للخبراء والهدف منها هو استغلالها للتقرب للمحاكم والقضاة.

ونستغل المناسبة من منبركم هذا كي ندعوا وزارة العدل والحريات إلى تحيين الملفات القانونية للجمعيات المهنية حتى تتوضح الرؤيا ونخرج من هذا الوضع المبهم إلى وضعية سليمة خصالها الخضوع لمبادئ المنافسة والشفافية والمسؤولية والمساواة أمام القانون، وذلك بوضع مدونات سلوك تتضمن القواعد الأخلاقية والمهنية التي يتعين على المعنيين بها الإلتزام بها تحت طائلة المساءلة. وقد اقترحنا مدونة للأخلاقيات وافق عليها أعضاء مجلسنا الوطني ودخلت حيز التنفيذ من طرف أعضائه ونتمنى من باقي الخبراء أن يتبنونها.

وبخصوص مسطرة تأديب الخبراء نلاحظ أن هذه الأخيرة ليست من اختصاص الخبراء رغم مطالبتنا بذلك تماشيا مع مقولة "أهل مكة أدرى بشعابها"، وكنا نعتقد أن ميثاق إصلاح المنظومة القضائية سيستجيب لهذا الطلب إلا أن الوضع بالنسبة لتأديب الخبراء بقي على ما هو عليه بينما يُرد هذا الاختصاص للهيئة بالنسبة لبعض المهن القضائية الأخرى وهذا فيه نوع من الحيف والتمييز وعدم المساواة.

فنحن مع التأديب وتعزيز آليات الجزاء لضمان نزاهة وشفافية منظومة العدالة كما ذهب إلى ذلك الميثاق، شريطة أن يكون قانونيا ويخضع لمحاكمة عادلة وشفافة. كما نحن مع تتبع ومراقبة الثروات والتصريح بالممتلكات مع الأخذ بعين الاعتبار، إذا اقتضى الأمر مظاهر الثراء التي لا تتناسب مع الدخل المشروع للمعني بالأمر، مع مراعاة الضمانات القانونية وبالتالي مع التوظيف القانوني للمخالفات المهنية بتحديد جزاءات مناسبة لها في إطار المساطر التأديبية.

كما نحن مع تعزيز مبادئ الشفافية والمراقبة والمسؤولية المهنية شريطة أن تتولى الهيئة القضائية للخبراء التي ستحدث تطبيقا للميثاق الوطني النظر في الملفات التأديبية كما هو الشأن بالنسبة للهيئات المهنية الأخرى بخلاف ما ذهب إليه الميثاق الذي ميز بين نوعين من الهيئات الخاصة بالمهن القضائية والقانونية، ذلك أن هيئة المحامين تنفرد بامتلاك حق التصدي لقرار المجلس التأديبي، بينما هذا الحق غير مخول لهيئة الخبراء القضائيين، مما يجعلنا كمجلس وطني لخبراء العدل نتساءل عن الجدوى من استعمال الحظوة والمفاضلة في منح الحقوق لمختلف هيئات المهن القانونية  والقضائية ؟

-7- لم يبلغ العنصر النسوي المكانة التي يستحقها في ميدان الخبرة كيف يمكن النهوض بهذا الجانب؟

بالفعل وبالإطلاع على لوائح الخبراء المنشورة في الجريدة الرسمية عدد 6081 الصادرة بتاريخ 20/09/2012 نرى التفاوت الحاصل بين الجنسين حيث أن مجموع الذكور بجميع محاكم المملكة هو 2624 أي بنسبة 92,36 % مقابل 217 نساء أي بنسبة 7,64 %.

ذلك أن بعض الدوائر الاستئنافية تعرف وجود بعض الخبيرات بشكل متمركز في "المهن الطبية"، بينما نسجل غيابهن في باقي الشعب، علما أن التطور المتسارع للعديد من المجالات يقتضي الانفتاح على العنصر النسوي كما العنصر الذكوري، الذي يحظى بحصة الأسد في جميع  شعب وتخصصات الخبرة.

كما أن بعض الدوائر الاستئنافية تعرف غيابا تاما للخبيرات في جميع الشعب، مما يجعلنا كخبراء نسجل بأسف عميق تغييب المرأة الخبيرة في مختلف شعب وتخصصات المهنة إسوة بالرجل.

ويرجع ذلك إلى عدم التعريف بالمهنة وأهميتها في المجتمع وهذا ما يسعى إليه مجلسنا من خلال اجتماعاته الجهوية بربوع المملكة حيث أنه يتوفر على عدة مناديب جهويين نذكر منهم مندوبتان الأولى بجهة فاس-مكناس في شعبة المحاسبة مسجلة في اللائحة الوطنية والثانية بجهة طنجة-تطوان وهي خبيرة في شعبة الفنون الجميلة والآثار. والأستاذتان مشهود لهما بالكفاءة والنزاهة والتفاني في خدمة مهنة الخبرة القضائي.

-8- كلمة أخيرة ؟

إن الحديث عن الخبرة والخبراء على حد سواء، يستوجب التشبع بقيم تجعل من الخبير ذلك الإنسان والمواطن الذي يحرص على حقوق المتقاضي، كما يحرص على حقوقه الشخصية، إلا أنه ورغم أداء القسم قبل تقلد مهمة الخبير، فإن الممارسة المهنية أحيانا تؤكد أن مضمون ذلك القسم يذهب أدراج الرياح، خصوصا لما يختلط الحابل بالنابل لدى الخبير ذو النفس الضعيفة، وذو الشخصية التي لا تستحضر الضمير المهني ولا الوازع الأخلاقي والديني.

وقصد تجاوز أو بالأحرى التقليل من الهفوات والنقائص التي تشوب عمل الخبراء فإننا في المجلس الوطني لخبراء العدل، وكما سلف الذكر فقد سبق لنا أن تقدمنا بمشروع يتضمن مجموعة من النقاط، من بينها "مقترح قانون أخلاقيات المهنة" والذي بدونه لا يمكن الحديث عن مهنة متكاملة ومتناسقة. فالخبراء يجب أن تتوفر فيهم الدقة والصرامة التقنية أو العلمية، وتلك الخصال تحتاج إلى مدونة أخلاقيات قادرة على الإجابة على جميع الأسئلة التي يمكن للخبير أن يطرحها خلال ممارسة مهنته الموضوعة لخدمة القضاء، فهي التي تحدد سلوك الخبير القضائي وواجباته إزاء أطراف الدعوى. كما أن بعض القواعد تستمد من المنطق، والبعض الآخر ناتج عن النصوص المنظمة للخبرة القضائية، أو أصله في الاجتهادات القضائية المتعلقة بالخبرة.

لهذه الأسباب فإن مدونة الأخلاقيات المقترحة من طرفنا قد شهدت إجماعا واسعا من طرف قضاة وخبراء ومحامين ومتقاضين إثر طرحها للمناقشة معهم، علما أنها مجرد التزام متواضع. وباحترام دقيق للأخلاقيات من طرف الخبراء سيتم حقا الاعتراف بهم كجزء من السلطة القضائية واع وحريص على وضع خبرته المهنية والعلمية، بكل استقلالية، ونزاهة وموضوعية لخدمة العدالة، وذلك انسجاما مع روح تعاليم الدين الإسلامي الحنيف،  والدستور المغربي والقوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية، المؤكدة على ضرورة تحقيق العدالة والمساواة والديمقراطية وحماية حقوق الإنسان على كافة مراحل التقاضي. في هذا السياق، تأتي بلورة ميثاق أخلاقيات مهنة الخبير ليكون بذلك مرجعا أخلاقيا، ودليلا عمليا قيما يرشد الخبراء في حياتهم العملية، ويضبط علاقاتهم مع كافة الأطراف العاملين معهم وفي محيطهم. لذلك، فإن الخبراء بمختلف تخصصاتهم وانتماءاتهم الجمعوية، سيلتزمون، بلا شك، بالانخراط الفعلي والجدي في تنزيل مبادئ هذا الميثاق الذي نلخصها في الشرعية، التجرد، النزاهة، المساواة، الكفاءة، النجاعة، السرية، اللياقة والتضامن.

لا تفوتني الفرصة أن أذكر في الختام أن المجلس الوطني لخبراء العدل يصبو ويتطلع إلى وضع خارطة طريق من شأنها إحقاق الحقوق المشروعة لهذه الفئة المهنية التي تفتقر للأسف إلى تمثيلية قوية جراء انعدام المبالاة بالنسبة للقسط الوافر منهم. وقد أخذ المجلس الوطني لخبراء العدل على عاتقه، ضمن أهدافه، مهمة توحيد الخبراء وجمع شتاتهم.

فالخبراء لا يمكنهم أن ينالوا أي حق إلا بالإستماتة في الدفاع عن حقوقهم إذ ما ضاع حق ورائه طالب. فالخبرة القضائية هي في حاجة ماسة إلى تنظيم محكم لكن ما ضيعت الحقوق إلا بأهلها لأنه عندما نطالب بهيئة مهنية وجب توحيد الصفوف كون الانقسامات تسيء إلى المهنة.



الاحد 14 يونيو 2015
MarocDroit "منصة مغرب القانون الأصلية"

تعليق جديد
Twitter