على هامش إيقاع التعديلات الدستورية لـ 1 يوليوز 2011، والتي حملت - ولأول مرة – مستجد دسترة مؤسسة الأسرة، وإحداث مجلس إستشاري للأسرة والطفولة ( الفصل 32)، وبالموازاة كذلك مع وقع تسونامي المناصفة ( الفصل 19) ، فقد شهدت مدونة الأسرة الصادرة في الثالث من فبراير 2004 نقاشات وسجالات فكرية، إنطلقت مع" ضربة المروحة" المتمثلة في الزوبعة التي أثارها الفصل 475 من القانون الجنائي، وذلك في إطار الواقعة المؤلمة التي فجرتها قضية الضحية " أمينة الفيلالي" .
ولم تقف هذه النقاشات في حدود الجمعيات الحقوقية، سواء المحافظة منها أو العلمانية، ولا ببلاطوهات البرامج التلفزية، بل شهدت الواقعة دخول وزارة العدل والحريات على الخط، وذلك من خلال تصريحات وزيرها - خريج دار الحديث الحسنية - السيد المصطفى الرميد,
لتنتقل بعد ذلك هذه الحمى إلى المؤسسة التشريعية، وذلك في إطار مقترح القانون القاضي بتعديل المادتين 20 و 21 من مدونة الأسرة، الذي تقدم به الفريق الإشتراكي بمجلس المستشارين والمتعلق بزواج القاصرين، والذي خصص له المجلس يوما دراسيا يوم 10 أبريل 2012، بحضور رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومدير الشؤون المدنية بوزارة العدل والحريات، هذا مع غياب وزيرة التنمية الإجتماعية والأسرة والتضامن.
فهل تشكل إذن كل هذه المؤشرات إرهاصات لما كان يعرف بـ " خطة إدماج المرأة في التنمية "، والتي ربما ستكون بمتابة القشة التي ستقصم ظهر المشرع الأسري ؟
فبإستقراء مقتضيات مقترح القانون هذا نجد أنه قد حاول الحد من سلطة النائب الشرعي ( الأب، الأم ...)، الذي يعمد إلى تزويج القاصر دون إذن القاضي، بحث يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين، هذا إلى جانب الحكم ببطلان هذا الزواج، إذ جاء في المادة 20 مكرر من مقترح القانون على أنه : " علاوة على بطلان زواج القاصر دون إذن القاضي، يعاقب النائب الشرعي الذي قام بتزويج القاصر دون إذن القاضي بالحبس لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين".
والظاهر من خلال النص المومأ إليه أعلاه أنه لن يصمد أمام مقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة، المتعلقة بثبوت الزوجية، والتي حددت أجل خمس سنوات أخرى ( أي إلى غاية 3 فبراير 2014) كفترة إنتقالية لسماع دعوى الزوجية، وبالتالي فإن إستمرار المشرع في إعمال المادة 16 من مدونة الأسرة سيفرغ المادة المقترحة من محتواها، وسيتحول حكم بطلان زواج القاصر دون إذن القاضي إلى زواج صحيح، وذلك بالتوسل بمقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة، مما يحول دون تحقق مقصد واضعي المقترح، والمتمثل في الحد من هذه الظاهرة التي تحولت من إستثناء إلى قاعدة . كما أن الحبس على النائب الشرعي الذي يقوم بتزويج القاصر دون إذن القاضي، يظل دون جدوى أمام صعوبة قيام المعادلة الثلاثية المكونة للجنحة ( الضرر، النتيجة، العلاقة السببية)، فهل ستحكم المحكمة بإدانة النائب الشرعي بمجرد قيام واقعة " زواج الفاتحة" ؟ أم أنها ستنظر في مدى تحقق القصد الجنائي لدى النائب الشرعي، وكذا إمكانية تواطئه مع الزوج الآخر ؟ ، كما تجدر الإشارة كذلك إلى أن المقترح أغفل الحالة التي تعقد فيها زيجات القاصرين دون إذن القاضي المكلف بالزواج وكذا دون موافقة النائب الشرعي.
أما عن المقتضى الثاني الذي حمله مقترح القانون فيهم تعديل المادة 21 من مدونة الأسرة، والذي لم يمس بجوهر المادة، بل أضاف فقط بعض اللمسات المتعلقة ببيان القاضي المكلف بالزواج أسباب إمتناع النائب الشرعي عن الموافقة، وذلك ضمن مقرر الإذن بالزواج. هذا مع العلم أن مقترح القانون المتقدم به لم يستجب لمطالب الجمعات الحقوقية والنسائية، والمتعلق بالحد من السلطة التقديرية الواسعة للقاضي المكلف بالزواج ، وضرورة تحديد حد أدنى لزواج القاصرين لا يمكن للقاضي النزول عنه.
وعلى سبيل الختام، فإن هذه المقترحات، سواء المقدمة من طرف السلطة التشريعية، أو من طرف الجمعيات الحقوقية، تفتقر إلى إرادة حقيقية وفلسفة واضحة، مع تسجيل سياسة الإنتقاء والكيل بمكيالين أثناء مرافعة هذه الفعاليات بإسم حقوق المرأة، ففي الوقت الذي يتم فيه حرمان آلاف النساء المطلقات من مستحقات المتعة، وذلك بناء على قرار محكمة النقض رقم 433 الصادر بتاريخ 21 سبتمبر 2010، نجد أصوات تتعالى، متوعدة بالويل والثبور وعظائم الأمور لعاقدي زيجات القاصرات، وذلك في إطار سياسة "تقطار الشمع على الجروح " .
تاريخ التوصل: 15 ماي 2012
تاريخ النشر 20 ماي 2012
ولم تقف هذه النقاشات في حدود الجمعيات الحقوقية، سواء المحافظة منها أو العلمانية، ولا ببلاطوهات البرامج التلفزية، بل شهدت الواقعة دخول وزارة العدل والحريات على الخط، وذلك من خلال تصريحات وزيرها - خريج دار الحديث الحسنية - السيد المصطفى الرميد,
لتنتقل بعد ذلك هذه الحمى إلى المؤسسة التشريعية، وذلك في إطار مقترح القانون القاضي بتعديل المادتين 20 و 21 من مدونة الأسرة، الذي تقدم به الفريق الإشتراكي بمجلس المستشارين والمتعلق بزواج القاصرين، والذي خصص له المجلس يوما دراسيا يوم 10 أبريل 2012، بحضور رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومدير الشؤون المدنية بوزارة العدل والحريات، هذا مع غياب وزيرة التنمية الإجتماعية والأسرة والتضامن.
فهل تشكل إذن كل هذه المؤشرات إرهاصات لما كان يعرف بـ " خطة إدماج المرأة في التنمية "، والتي ربما ستكون بمتابة القشة التي ستقصم ظهر المشرع الأسري ؟
فبإستقراء مقتضيات مقترح القانون هذا نجد أنه قد حاول الحد من سلطة النائب الشرعي ( الأب، الأم ...)، الذي يعمد إلى تزويج القاصر دون إذن القاضي، بحث يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين، هذا إلى جانب الحكم ببطلان هذا الزواج، إذ جاء في المادة 20 مكرر من مقترح القانون على أنه : " علاوة على بطلان زواج القاصر دون إذن القاضي، يعاقب النائب الشرعي الذي قام بتزويج القاصر دون إذن القاضي بالحبس لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين".
والظاهر من خلال النص المومأ إليه أعلاه أنه لن يصمد أمام مقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة، المتعلقة بثبوت الزوجية، والتي حددت أجل خمس سنوات أخرى ( أي إلى غاية 3 فبراير 2014) كفترة إنتقالية لسماع دعوى الزوجية، وبالتالي فإن إستمرار المشرع في إعمال المادة 16 من مدونة الأسرة سيفرغ المادة المقترحة من محتواها، وسيتحول حكم بطلان زواج القاصر دون إذن القاضي إلى زواج صحيح، وذلك بالتوسل بمقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة، مما يحول دون تحقق مقصد واضعي المقترح، والمتمثل في الحد من هذه الظاهرة التي تحولت من إستثناء إلى قاعدة . كما أن الحبس على النائب الشرعي الذي يقوم بتزويج القاصر دون إذن القاضي، يظل دون جدوى أمام صعوبة قيام المعادلة الثلاثية المكونة للجنحة ( الضرر، النتيجة، العلاقة السببية)، فهل ستحكم المحكمة بإدانة النائب الشرعي بمجرد قيام واقعة " زواج الفاتحة" ؟ أم أنها ستنظر في مدى تحقق القصد الجنائي لدى النائب الشرعي، وكذا إمكانية تواطئه مع الزوج الآخر ؟ ، كما تجدر الإشارة كذلك إلى أن المقترح أغفل الحالة التي تعقد فيها زيجات القاصرين دون إذن القاضي المكلف بالزواج وكذا دون موافقة النائب الشرعي.
أما عن المقتضى الثاني الذي حمله مقترح القانون فيهم تعديل المادة 21 من مدونة الأسرة، والذي لم يمس بجوهر المادة، بل أضاف فقط بعض اللمسات المتعلقة ببيان القاضي المكلف بالزواج أسباب إمتناع النائب الشرعي عن الموافقة، وذلك ضمن مقرر الإذن بالزواج. هذا مع العلم أن مقترح القانون المتقدم به لم يستجب لمطالب الجمعات الحقوقية والنسائية، والمتعلق بالحد من السلطة التقديرية الواسعة للقاضي المكلف بالزواج ، وضرورة تحديد حد أدنى لزواج القاصرين لا يمكن للقاضي النزول عنه.
وعلى سبيل الختام، فإن هذه المقترحات، سواء المقدمة من طرف السلطة التشريعية، أو من طرف الجمعيات الحقوقية، تفتقر إلى إرادة حقيقية وفلسفة واضحة، مع تسجيل سياسة الإنتقاء والكيل بمكيالين أثناء مرافعة هذه الفعاليات بإسم حقوق المرأة، ففي الوقت الذي يتم فيه حرمان آلاف النساء المطلقات من مستحقات المتعة، وذلك بناء على قرار محكمة النقض رقم 433 الصادر بتاريخ 21 سبتمبر 2010، نجد أصوات تتعالى، متوعدة بالويل والثبور وعظائم الأمور لعاقدي زيجات القاصرات، وذلك في إطار سياسة "تقطار الشمع على الجروح " .
تاريخ التوصل: 15 ماي 2012
تاريخ النشر 20 ماي 2012