تمهيد:
إن الفقر له آثار سلبية على الفرد والمجتمع والتكيف معه أمر صعب جدا, لذلك شرع الإسلام الاقتراض للتخفيف عن المعسر, فهو يمثل وجه من أوجه التكافل في المجتمع فبواسطته يتحقق نوع من السعة على الفقراء مما ينشر المحبة والألفة بين الناس.
وتسهيل عملية الاقتراض يمنع حصول الكثير من جرائم السرقة, فالإنسان لن يفكر بالطرق الملتوية للحصول على المال إذا كان الحصول عليه بالطرق الصحيحة متيسرا وسهلا, إضافة إلى ما يحصل عليه المقرض من الثواب والأجر من الله, والقرض أفضل من الصدقة لأنه يحفظ ماء وجه الإنسان ويصون له كرامته وعزة نفسه.
والقرض ييسر أمور الناس ويحل بعض مشكلاتهم المالية, ولقد وضعت الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي أسسا معينة تكفل مصلحة الطرفين المقرض والمقترض على حد سواء, وشرعت من الأحكام ما يكفل الحفاظ على المال المقرض, ويكفل انتفاع المقترض بما أخذه من المال لينتفع به على أن يقوم برد بدله.
وبناءا على ما تقدم فان القرض هو خدمة اجتماعية واقتصادية وإنسانية أيضا, فهو خدمة اجتماعية بحيث يحقق التكافل بين أفراد المجتمع ويقلل من نسب الفقر المنتشرة في المجتمع, وهو خدمة اقتصادية لأنه بسببه تحدث التنمية في المجتمع حيث تقوم المؤسسات المالية والبنوك بمساعدة الفقراء والموظفين محدودي الدخل لتجاوز أزماتهم المالية, خاصة في الأوقات التي تكثر فيها المصاريف كالأعياد والمناسبات الخاصة, وتقوم هذه البنوك أيضا بمساعدة أصحاب المشروعات وتحديدا الصغيرة منها في إقامة مشروعاتهم مما يضفي قوة اقتصادية للمشروعات الوطنية.
فجوهر عملية الاقتراض هو نقل الموارد ممن يملك إلى من لا يملك, أو من يملك لكنه يطمح إلى زيادة ثروته, وازدهار معيشته, تطلعا إلى الغنى والرخاء الاقتصادي.
والقرض هو خدمة إنسانية أيضا لأنه يحقق محورين أساسيين شرع القرض لأجلهما وهما:
أولا :التنفيس عن المسلمين في كرباتهم كأعباء الأعياد والتعليم والزواج.
ثانيا :التيسير على المعسرين بقروض لتيسير وتخفيف عسرهم وترويج نشاطهم الاقتصادي.
إن القرض من وجهة نظر الشرع هو باب كبير للتنفيس عن المعسرين, وبذلك حث المصطفى صلى الله عليه وسلم على مساعدة المحتاجين والتنفيس عليهم حيث يقول في الحديث الشريف الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه:﴿ من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة, ومن يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة,ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه﴾[1], فمن خلال الحديث نرى أن مكانة مساعدة المحتاجين عظيمة عند الله ومنها تقديم القروض الحسنة.
فالملاحظ من خلال ما سبق أن القرض الحسن يهدف إلى تحقيق وإعلاء قيم التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع, وبالشكل الذي يعمق من معنى ومضمون التعاون الايجابي والمشاركة الفعالة التي حث عليها القران الكريم بقوله تعالى :﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى اَلبِرّ وَالَتَقْوَى ﴾[2]
الفصل الأول:
المبحث الأول: تعريفات القرض.
المطلب الأول: تعريف القرض لغة.
القرض في اللغة القطع: قَرَضْتُ الشيء اَقْرِضُهُ بالكسر قرضا: قطعتهُ,والقرضُ: ما تعطيه من المال لتقضاه واستقرضت من فلان, أي طلبت منه القرض فأقرضني, واقترضت منه: أي أخذت منه القرض, والقرض أيضا: ما سلفت من إحسان ومن إساءة وهو على التشبيه[3].
قال تعالى:﴿مَنْ ذَا اَلَذِي يَقْرِضُ اَللهَ قَرْضاً حَسَنًا فَيُضَاعِفُهُ لَهُ﴾[4], في قوله قرضا حسنا اسم, ولو كان مصدرا لكان إقراضا, والقرض اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء من صدقة أو عمل صالح, تقول العرب ذلك عندي قرض حسن وقرض سيئ, واصل القرض ما يعطيه الرجل أو يفعله ليجازى عليه, والله عزوجل لا يستقرض من عوز ولكنه يبلو عباده بما مثل لهم من خير يقدمونه وعمل صالح يعملونه, فجعل جزاءه كالواجب لهم مضاعفاً[5].
وروي عن أبي الدرداء انه قال: إن قارضت الناس قارضوك وان تركتهم لم يتركوك.ثم قال اَقْرِضْ من عِرضك ليوم فقرك ومعنى قوله إن قارضتهم قارضوك, يقول: إن ساببتهم سابُّوك وجازوك. ومعنى قوله اقرض من عِرضك ليوم فقرك, يقول: إذا اقترض الرجل عرضك بكلام يسوؤك ويحزنك فلا تجازه حتى يبقى اجر ما ساءك به ليوم فقرك إليه في الآخرة[6].
وفي تكملة المجموع نجد التعريف اللغوي الأتي:«أما اللغات فالقرض القطع والقرض في المكان العدول عنه ومنه قوله تعالى:﴿وَإِذَا غَرَبت تَقْرِضْهُم ذَاتَ اَلشِمَال﴾الكهف:17,وقرضت الوادي جزته,وقرض فلان مات, وقرضت الشعر نظمته.قال ابن دردير: وليس في الكلام يقرض على وزن ينصر البتة, وإنما الكلام على وزن يضرب والقرض ما تعطيه غيرك من مال لتقض والجمع قروض واستقرض طلب ألقرض واقترض احده ولأنه قطع له من ماله قطعه[7].
المطلب الثاني:القرض في الاصطلاح.
عرّف فقهاء الشريعة القرض تعريفات متعددة,تختلف عباراتها بحسب المذاهب المختلفة,غير أنها تكاد تكون متقاربة في معناها ومضمونها وان اختلفت في ألفاظها وظاهرها, وسأقوم بإيراد تلك التعريفات على النحو التالي لتتضح صورة القرض في الشريعة الإسلامية:
1ففي المذهب الحنفي نجد ابن عابدين يعرف القرض بقوله:«القرض هو عقد مخصوص بلفظ القرض ونحوه,يرد على دفع مال مثلي لآخر ليرد مثله»[8].
وعرفه الأحناف تعريفا آخر بقولهم هو:«ما تعطيه من مثلي لتتقاضاه»[9].
2ففي المذهب المالكي عرَّف ابن عرفة القرض بأنه:«دفع متمول في عوض غير مخالف له لا عاجلا,تفضلا فقط», وعرفه الشيخ عليش المالكي أيضا بقوله:«القرض هو دفع متمول في مثله غير معجل لنفع أخذه فقط»[10].
3أما المذهب الشافعي فقد عرَّف شمس الدين الرملي الشافعي القرض بقوله: «الإقراض هو تمليك الشيء على أن يرد بدله» وعرفه بعض الشافعية أيضا بقولهم :«ما تعطيه غيرك من المال لتتقاضاه»[11].
وفي تعريف آخر قولهم :القرض يطلق شرعاً بمعنى الشيء المقرَض بفتح الراء, فهو اسم مفعول من قوله تعالى:﴿مَنْ ذَا اَلذِي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَنًا ﴾[12].فان القرض هنا معناه القرض الموصوف بكونه حسناً ويطلق على معنى المصدر بمعنى الإقراض ويسمى القرض سلفاً, وهو تمليك الشيء على أن يرد مثله[13].
ونجد هنا الشافعية قد ابرزوا خاصية الحسن في القرض, ووصفوه بذلك تبعا لما جاء في الآية الكريمة, وهو بيان لخاصية القرض في الشريعة,وهو كونه خاليا من الفائدة, و أن الغرض والغاية منه هو نفع المقترض,فهو بمحض قربة لله عز وجل.[14]
4عرف فقهاء الحنابلة القرض بتعريفات متعددة مختلفة الألفاظ متفقة المعاني.
التعريف الأول: القرض هو:«دفع المال رأفة وإرفاقا لمن ينتفع به ويرد بدله[15],وهو نوع من المعاملات على غير قياسها لمصلحة لاحظها الشارع, رفقاً بالمحتاجين.
وفي تعريف ثان للقرض لدى الحنابلة: هو دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله, وهو نوع من السلف لانتفاع المقترض الشيء الذي يقترضه[16],وفي هذين التعريفين نجد تركيز الحنابلة على أولوية الانتفاع بالمال المقرض من قبل المقترض, لكن بالمقابل يجب على المقترض أن يرد نظير هذا المال للمُقْرِضْ.
5المذهب الظاهري: يقول الإمام ابن حزم في القرض:«هو أن تعطي إنسانا شيئاً بعينه من مالك تدفعه إليه, ليرد عليك مثله أما حالا في ذمته, وأما إلى اجل مسمى, هذا مجمع عليه[17].
خلاصة: يتضح لنا من خلال ما سبق من تعاريف الفقهاء للقرض بأنها تكاد أن تكون متقاربة في معناها ومضمونها وان اختلفت في ألفاظها و ظاهرها, ومما يجمع بينها من معانٍ أنها دلت على أن عقد القرض هو: عقد تبرع يبذله صاحبه مبتغيا به القربة من الله, لينتفع به غيره, كما اتفقت تلك التعاريف على أن محل العقد يكون في المثليات, واتفقت أيضا على وجوب رد الشئ المقترض.
ويسمى نفس المال المدفوع على الوجه المذكور قرضاً, والدافع للمال مقرضاً, والأخذ مقترضاً أو مستقرضاً, أي أن هناك ثلاثة أطراف مكوِنة لعقد القرض, وبهذه الحالة فان المال الذي يرده المقترض إلى المقرض عوضاً عن القرض يسمى: بدل القرض, واخذ أو تملك المال مؤقتاً يسمى: اقتراضاً.
ومن خلال عرض أقوال الفقهاء يمكن وضع مفهوم للقرض الحسن كالتالي: (هو عقد مخصوص يأخذ احد المتعاقدين من الأخر بموجبه مالاً على أن يرد مثله أو قيمته أن تعذر ذلك, وهو من الطرف الأخر قربة إلى الله وإرفاقا في المحتاجين من باب التبرع والتفضل).
أما من الناحية القانونية فنجد أن قانون الالتزامات والعقود المغربي يسمي القرض بعارية الاستهلاك ويعرفه في فصله 856 بأنه:«عقد بمقتضاه يسلم احد الطرفين للأخر أشياء مما يستهلك بالاستعمال أو أشياء منقولة أخرى, لاستعمالها, بشرط أن يرد المستعير عند انقضاء الأجل المتفق عليه, أشياء أخرى مثلها في المقدار و النوع والصفة».
ومن خلال هذا التعريف نلاحظ ما يلي:
أولا: أن المشرع المغربي جعل القرض عارية استهلاك ووضعها في قسم واحد مع عارية الاستعمال, والواقع انه لا صلة بين القرض وعارية الاستعمال التي وردت في نفس القسم معه إلا الصلة اللفظية, أما جوهر كل منهما وحقيقته فهي مختلفة عن الأخرى لان القرض يرد على الملكية وعارية الاستعمال ترد على المنفعة وان كان يجمعهما أنهما عقود تبرع.
ثانياً: لم يعتبر القانون الغربي عقد القرض عقدا عينياً كما فعل في عقد الوديعة الكاملة وعقد عارية الاستعمال إذ اعتبرهما عقدين عينيين, فعقد القرض رضائي, وبهذه المناسبة نلاحظ انه في التشريعات التي تجعل من عقد القرض عقدا رضائياً يمكن فيها للأطراف أن يتفقوا على أن يكون عقد القرض عقداً عينياً, وذلك إذا علقوا انعقاد العقد على تسليم محل القرض, ولكن العكس غير جائز, بمعنى انه في التشريعات التي تعتبره عقداً عينياً لا يستطيع الأطراف مخالفة القانون وجعل العقد رضائياً بمجرد اتفاقهم, لان القانون جعل من التسليم ركناً من أركان العقد وما جعله القانون ركناً فلا يمكن الاستغناء عنه[18].
وقانون الالتزامات والعقود تناول القرض من خلال طابعه المدني, عكس القانون التجاري الذي تحدث عن القرض كعملٍ تجاري (المادة:6 من مدونة التجارة)التي أكدت على أن البنك و القرض والمعاملات المالية تعتبر أيضا نشاطاً تجارياً, فالقرض هنا اكتسب الصفة التجارية, ويلاحظ أن القانون التجاري و القانون البنكي يستعمل كثيراً مصطلح الائتمان للتعبير عن القرض, فالائتمان هو المفهوم الأوسع للقرض فهو بمعناه العام:«مبادلة قيم حاضرة بقيم أجلة», وهناك من يعرفه بأنه: تقديم المال في صور متنوعة ممّن يملكه إلى من يحسن استخدامه أو يحتاج إلى قدر منه[19].
ولا بد من الإشارة إلى أن منح إي ائتمان إنما يعني مولد قرض, كما أن سداد القرض ينهي العملية الائتمانية.
يتضح مما سبق أن العملية الائتمانية لا تعدو أن تكون مبادلة اختيارية تقوم بين طرفين, فان قيام احد الأطراف بمنح ائتمان يتضمن بالضرورة حصول طرف أخر على قرض. أضف إلى هذا أن سداد القرض ينهي العملية الائتمانية, وبذلك فان الائتمان و القرض يولدان معاً وينتهيان معاً. غير أن الائتمان يعتمد على صورٍ تمويلية أخرى غير القرض, إذ يمكن أن يكون ثمن بيع اجل, أو دين سلم, أو دين تجارة, وبذلك يكون القرض احد صور الائتمان الذي يقترب من مفهوم الدين[20].
وجاء في شرح القانون التجاري المغربي ما يلي:«القرض هو عمليات الائتمان التي تقوم على وضع أموال بعوض رهن تصرف شخص يلتزم بردها بعد مدة, وتختص بهذه العمليات البنوك ومؤسسات التمويل.»[21]
وبالتالي فان الائتمان في المعاملات المالية والاقتصادية يعني الثقة التي يودعها الدائن (المقرِض) في المدين (المقترض) عندما يمنحه قرضاً.
المبحث الثاني: أدلة مشروعية القرض.
الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم, والقرض مشروع , والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع, فقد وردت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على إقراض الفقراء والمحتاجين, ورفع العوز عنهم وتفريج كربهم, وبينت ما اجز له الله عز وجل من ثواب عظيم لمن يقرض المسلم قرضاً حسناً مبتغياً بذلك وجه الله عز وجل, وهذه الآيات والأحاديث ما هي إلا إشارة إلى التجارة الأهم في حياة المسلم ألا وهي التجارة مع الله سبحانه وتعالى, وهذا بعض معاني القرض الحسن مع الله, تلك التجارة التي لن يخسر فيها المسلم لان ما سوف يقدمه سيجده أضعافا مضاعفة, وهي بذلك أعظم واربح تجارة, لان الله يعطيك الرزق فتنفقه في وجوه الخير والإحسان, وعندما ستنفق في هذا الدرب ياتيك العوض من الله أضعافا مع جزيل الثواب في الدارين.
المطلب الأول: الأدلة على مشروعية القرض من القران الكريم.
وردت آيات في أكثر من موطن في القران الكريم تدل على مشروعية القرض منها:
1قوله تعالى:﴿مَنْ ذَا الَذِي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفُهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة وَالله يَقْبُضُ وَيَبْسُطُ وَاِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾[22],فإقراض الله الموصوف بالغنى, والغني عن عباده قد خاطبنا بان القرض الحسن موجب كالعمل الصالح بالمضاعفة أضعافا كثيرة لمن قام به, والجزاء طبعاً بإثابة فاعله الثواب الجزيل[23].
فقوله تعالى:﴿قَرْضاً حَسَناً﴾ معناه كما قال عمرو بن عثمان الصدفي: لا يمُن به ولا يؤدي, وقال سهل بن عبد الله يعني أن لا يعتقد في قرضه عوضاً, وفي قوله تعالى:﴿فَيُضَاعِفُهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة﴾ بين الله عز وجل أن من انفق في سبيل الله لا يضيع عند الله تعالى بل يرد الثواب قطعاً وأبهم الجزاء[24].
2وقال تعالى:﴿وَاَقْرِضُوا اَلله قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفُ لَهُمْ وَلَهُمْ اَجْرٌ كَرِيمْ﴾[25], قال القرطبي في تفسيره:(واقرضوا الله قرضاً حسناً: بالصدقة والنفقة في سبيل الله, قال
الحسن: كل ما في القران من القرض الحسن فهو التطوع, وقيل: هو العمل الصالح من الصدقة وغيرها محتسباً صادقاً, قال الكلبي:«قرضاً» أي صدقة.
3قال تعالى:﴿إِنْ تُقْرِضُوا اَلله قَرْضاً حَسَنًا يُضَاعِفُهُ لَكُمْ وَيغْفِرْ لَكُمْ وَاَلله شَكُورٌ حَلِيم﴾[26].
يقول ابن كثير في تفسيره:(اي مهما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ومهما تصدقتم من شيء فعليه جزاؤه ونزل ذلك منزلة القرض له)[27].
4قال تعالى:﴿وَأَقِيمُوا اَلصَلاَةَ وَاَتُوا اَلزَّكَاةَ وَاَقْرِضُوا اَلله قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِمُوا لَأنْفُسِكُم مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اَلله هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمُ أَجْرًا﴾[28].
يقول القرطبي في تفسيره:(«وَاَقْرِضُوا اَلله قَرْضًا حَسَنًا» القرض الحسن ما قصد به وجه الله تعالى خالصا من المال الطيب, وقال عمر الخطاب رضي الله عنه: هو النفقة في سبيل الله)[29].
ومن خلال الآيات التي أوردتها من كتاب الله يُلاحظ مايلي:
٭الخطاب الإلهي في مستهل الآيات يحمل أسلوب استفهام﴿مَنْ ذَا اَلذِي﴾, ﴿إِنْ تُقْرِضُوا﴾ أسلوب شرط, ﴿وَاَقْرِضُوا اَلله﴾ أسلوب طلب مع ترغيب.
٭كلمة القرض حصرها الله سبحانه وتعالى في صفة الحسن ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾.
٭أن جزاء القرض الحسن مضاعفة الثواب أضعافا كثيرة: ﴿فَيُضَاعِفُهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾, ﴿يُضَاعِفُ لَهُمْ﴾, ﴿يُضَاعِفُهُ لَكُم﴾.
٭في الآية الرابعة نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى قد اتبع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بقوله تعالى ﴿وَاَقْرِضُوا اَلله قَرْضًا حَسَنًا﴾, وهذا فيه إعلاء من شان القرض الحسن, فالصلاة والزكاة هما ركنان من أركان الإسلام وإتباع القرض يهما يوحي بان القرض الحسن اعتلى مكانة الركن وهي المكانة التي يستحقها القرض الحسن لما فيه من خيرٍ واجرٍ عظيم.
المطلب الثاني: الأدلة على مشروعية القرض من السنة النبوية.
أكدت السنة النبوية الشريفة على أهمية التراحم والتكافل بين المسلمين فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:﴿ من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه﴾[30].
فهذا الحديث عام وشامل,ومن أهم الصور الأساسية لهذا التكافل والتعاون الإقراض بين أفراد المجتمع, فقد تعددت الأحاديث عن النبي التي تدل على جواز القرض بل وتحث عليه وترغب فيه, وتبين مكانته وفضله ومنها مايلي:
1عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:﴿ ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتهما مرة﴾[31],قال الإمام الشوكاني: موقعه(أي القرض) أعظم من الصدقة, إذ لا يقترض إلا محتاج[32].
2عن انس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:﴿ رأيت ليلة اسري بي على باب الجنة مكتوبا:الصدقة بعشر أمثالها, والقرض بثمانية
عشر, فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟قال: لأن السائل يسأل وعنده, والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة﴾ [33], فالقرض الحسن سلفة لمحض الخير القائم على الشهامة, فقد يستعفف بعض الناس عن تناول الزكاة والصدقات حياءً وخجلاً من شدة الحاجة, أما في القرض الحسن فإنهم ينالون ما فيه سداً لحاجاتهم مع صيانة حيائهم وعزتهم وكرامتهم[34].
3وفي صحيح البخاري جاء حديث مقارب للحديث أعلاه وبنفس الخصوص, فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه:﴿ أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه بعيراً, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطوه, فقالوا: لا نجد إلا سناً أفضل من سنه, فقال الرجل: أوفيتني أوفاك الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطوه فإن من خيار الناس أحسنهم قضاء﴾ [35].
ومن خلال كل هذه الأحاديث الشريفة السابقة يمكن أن نستفيد جملة من الأحكام منها:
٭المقارنة الواضحة بين الصدقة والقرض وذلك لاقتران الفعل الطيب في عمل القرض الحسن بفعل الصدقة وهذه المقارنة لفائدة القرض, فالقرض أفضل من
الصدقة﴿الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر...﴾.
٭يصور الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام في الحديث الشريف ﴿من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة..﴾بأن ثواب المقرض هو فك كربة من يوم القيامة, ثم يتمم النبي بقوله﴿ ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة﴾فالقرض يدخل في باب التخفيف والتيسير, لأن من يكون في حالة يسر وغنى قد يكون ذات يوم في حالة عسر وحاجة,وبالتالي عليه أن يساعد المحتاجين ويقرضهم مادام في حالة ميسورة لكي يجد بدوره من يساعده عندما يحتاج إلى مساعدة , فالله سبحانه وتعالى سييسر عليه الأمر في الدنيا والآخرة.
المطلب الثالث: في الإجماع.
اجمع فقهاء المسلمين على جواز القرض, وأن الأمة الإسلامية لاتزال تتعامل به منذ عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى عصرنا هذا, والفقهاء يقرونه من غير إنكار احدهم.
فقد اقترض الصحابة رضوان الله عليهم واقرضوا, وكان معنى الإقراض لديهم دليلاً على التقوى والمروءة وطريقاً من طرق فعل الخير بالناس والتخفيف عن كاهل المسلمين وهذا السلوك الطيب اكتسبوه من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو أيضا قربة يتقربون به إلى الله سبحانه لما فيه من أبواب الرفق والرحمة والإحسان بالغير.
٭عن مجاهد انه قال:( إستسْلف عبد الله بن عمر من رجل دراهم, ثم قضاه دراهم خيراً منها, فقال الرجل:يا أبا عبد الرحمان, هذه خير من دراهمي التي أسلفتك, فقال عبد الله بن عمر: قدعَلِمْتُ, ولكن نفسي بذلك طيبة.)[36].
٭وعن القاسم عن عائشة رضي الله عنها,أنها كانت تدان فقيل لها مالك والدين وليس عندك قضاء؟ فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ﴿ مامن عبد كانت له نية في أداء دينه, إلا كان له من الله عون,فأنا ألتمس ذلك العون﴾[37]
المطلب الرابع: حكمة مشروعية القرض.
للقرض حكم وفوائد جليلة, شرع القرض لأجلها ففيه تعويد للإنسان على البذل والعطاء, ونزع بذور الشح والبخل من نفسه, كما أن فيه إبرازاً لمبدأ الأخوة الذي ينبغي أن يسود في المجتمع الإسلامي تحقيقاً وتطبيقاً لقوله تعالى:﴿إِنَمَا اَلمُؤْمِنُونَ إِخْوَة﴾[38], والإخوة تقتضي وجوب التعاون بين المسلمين في حل مشاكلهم, كما أن في مشروعية القرض تحقيقاً لمبدأ التكافل والتعاون الذي ينبغي أن ينشأ بيت المؤمنين الذين بعضهم أولياء بعض, لقوله تعالى:﴿وَاَلمُؤْمِنُونَ وَ الَمُؤْمِنَاتْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾[39], فالقرض فيه تعاون وتكافل يبدو واضحاً جلياً بين المسلمين في المجتمع الإسلامي, كما أن فيه تخفيفاً عن المحتاجين وتفريجاً لكربهم,فالمسلم بالقرض يرفع العوز والحاجة عن أخيه المسلم ويتحصل على الثواب الكبير في الدنيا والآخرة, وعلى رضا الله عز وجل مما يؤدي إلى زرع المحبة والألفة في قلوب الناس.
المبحث الثالث: أركان القرض وشروطه.
بحكم أن القرض يعتبر عقداً فلابد له من أركان وشروط لكي ينعقد ويتصف بصورته الإلزامية, أركان يقوم عليها القرض, وشروط لصحة كل ركن, وتختلف نظرة الفقهاء لهذه الأركان بحسب اختلاف مذاهبهم, فذهب الحنفية إلى أن أركان القرض هي الإيجاب والقبول أو ما يسمى الصيغة, يقول الكاساني في بيان ركن القرض :« أما ركنه فهو الإيجاب والقبول, والإيجاب قول المقرض: أقرضتك هذا الشيء, أو خذ هذا الشيء قرضاً ونحو ذلك, والقبول هو أن يقول المستقرض إستقرضت أو رضيت, وهذا قول محمد رحمه الله وهو إحدى الروايتين عن أبي يوسف.[40]
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن أركان القرض ثلاثة وهي: الصيغة والعاقدان والمعقود عليه.
أما المشرع المغربي فذهب إلى أن أركان القرض ثلاثة وهي: التراضي والمحل والسبب, وهي الأركان العامة اللازمة في كل عقد.
وسوف أسير على أساس تقسيم الجمهور للأركان لموضوعيته وشهرته وسأبحث في كل ركن من الأركان مع شروطه الخاصة, مع عدم إغفال تقسيم الحنفية وخاصة تقسيم المشرع المغربي الذي سأحاول تقريبه من تقسيم الجمهور.
الركن الأول: الصيغة وشروطها.
بما أن القرض عقد يتم بين طرفين يتوقف وجوده على صيغة تبين رغبة المتعاقدين في إنشائه, وتعطي بوضوح صورة متكاملة عن الاتفاق الذي حصل بينهما الخاص بتشكيل القرض, وذلك لان النية والإرادة يصعب كشفها لأنها أمر باطن ولا يمكن الإطلاع عليها إلا بما يدل عليها في الظاهر من قول أو فعل أو رسالة أو كتابة, فما يظهر الإرادة يسمى بالصيغة.
والصيغة هي الإيجاب والقبول, فالإيجاب ما صدر أولا عن احد الطرفين كقول المقرض أقرضتك هذا الشيء أو خذ هذا الشيء قرضاً, والقبول ما صدر عن الأخر, كأن يقول المقترض واستقرضت أو قبلت أو رضيت.
ولا خلاف بين الفقهاء في صحة الإيجاب والقبول بلفظ القرض والسلف وبكل ما يؤدي معناهما, قال سيد سابق:« عقد القرض عقد تمليك, لا يتحقق إلا بالإيجاب والقبول كعقد البيع والهبة, وينعقد بلفظ القرض والسلف, وبكل لفظ يؤدي إلى معناه»[41].
ولتكون الصيغة صحيحة يجب أن تتوفر فيها الشروط التالية:
أولا:أن تكون بلفظ جازم وصريح.
يقول شمس الدين الرملي:«وصيغته الصريحة أشياء منها: أقرضتك أو أسلفتك كذا أو هذا, أو خذه بمثله...أما خده بكذا فكناية هنا أيضا كما قال السبكي وغيره.. أو خذه ورد بدله, أو اصرفه في حوائجك ورد بدله...»[42].
ويقول ابن عابدين:« وينعقد القرض بكل ما وضع لتمليك العين في الحال», ويقول أيضا:« يصح القرض بلفظ القرض ونحوه كالدين, وكقوله: أعطني درهماً لأرد عليك مثله»[43].
ويتخذ الإيجاب والقبول صوراً متعددة في القانون مثل: أن تقوم شركة من الشركات بإصدار سندات تبيعها للجمهور أو يقوم شخص ما بتحرير كمبيالة لشخص آخر, أو يقوم بنك ما بفتح اعتماد لعميل له, أو يقبل منه وديعة, والعبرة دائماً بمضمون هذه الوثائق والأوراق المالية وليس باللفظ.
ثانياً: توافق الإيجاب مع القبول.
يتوافق الإيجاب مع القبول ويتلاقى معه إذا كان يتطابق معه في كل جزئياته, كأن يقول المقرض: أقرضتك مائة ويقول المقترض: قبلت, أما إذا قال له المقرض: أقرضتك مائة درهم, وقال المقترض: إقترضت مائتين لا ينعقد القرض.
وفي هذا الصدد يقول شمس الدين الرملي:« ولهذا إشترط فيه شروط البيع المتقدمة في العاقدين والصيغة كما هو ظاهر حتى موافقة القبول فلو قال: أقرضتك ألفاً فقيل خمسمائة, أو بالعكس لم يصح...»[44].
وتوافق الإيجاب مع القبول هو من شروط الانعقاد التي تحقق التراضي في عقد القرض, والتراضي كما ذكرت من قبل ركن من أركان عقد القرض في القانون, ويتفق مع الشريعة الإسلامية في التنصيص على شرط توافق الإيجاب مع القبول إلا أن الشريعة اعتبرته من شروط الصيغة, والقانون اعتبره من شروط الإنعقاد المحققة للتراضي.
ومن مظاهر رضائية عقد القرض أن الفصل 861 من قانون الإلتزامات والعقود ينص على أن:« ينقل المقرض إلى المقترض ملكية الأشياء والقيم المقترضة إبتداءً من الوقت الذي يتم فيه العقد بتراضي الطرفين, ولو قبل تسليم الأشياء المقترضة»
وما دمنا نعتبر القرض عقداً رضائياً, فإن مجرد تبادل الإيجاب والقبول المتطابقين المتوافقين يكفي لإنعقاد القرض, وترتيب إلتزاماته, ومنها التسليم, أما إذا إعتقد أحد الطرفين أنه يهيب وإعتقد الآخر أنه يقترض فإنه لا ينعقد بذلك عقد سواء هبة أو قرضاً, وكذلك لو اعتقد المعطى أنه يقرض, وإعتقد الآخر أنه يتهب لم ينعقد أي من العقدين.[45]
ثالثاً: إتصال الإيجاب بالقبول في مجلس العقد.
يعني أن يكون الطرفان حاضرين معاً في المجلس, فلو ترك صاحب الإيجاب المجلس قبل قبول الآخر بطل إيجابه, ولو قبل صاحبه بعد ذلك لا يعتبر هذا القبول متصلاً بالإيجاب لأن الإيجاب ذهب ولم يعد له وجود.
وكذلك لا يتم العقد إذا صدر الإيجاب وتأخر صدور القبول وقتاً طويلاً, كأن يغادر صاحبه المجلس أو يشتغل فيه بشغل آخر, وكذلك يبطل الإيجاب إذا رجع عنه صاحبه صراحة أو ضمناً قبل صدور القبول, وهذا ما يعرف عند الفقهاء باتحاد المجلس[46].
الركن الثاني: العاقدان وشروطهما.
العاقدان هما المقرض والمقترض المنشآن لعقد القرض, وليس كل شخص مؤهلا لإنشاء القرض, بل لابد أن تتوفر فيه شروط خاصة تؤهله لذلك, نجملها في شرطين أساسين:
الشرط الأول: أهلية العاقدين.
الأهلية شرط أساسي في العقود لكنها في عقد القرض يجب أن تكون أهلية تبرع, فلا يجوز القرض إلا ممن يجوز تبرعه, وهو كامل الأهلية بأن يكون عاقلا بالغاً.
قال الكاساني:« أما الذي يرجع إلى المقرض فهو أهليته للتبرع, فلا يملكه من لا يملك التبرع من الأب والوصي والصبي والعبد المأذون والمكاتب لأن القرض للمال تبرع ألا ترى أنه لا يقابله عوض للحال فكان تبرعاً للحال فلا يجوز إلا ممن يجوز منه التبرع, وهؤلاء ليسوا من أهل التبرع فلا يملكون القرض»[47] .
وقال شمس الدين الرملي:« ويشترط في المقرض بكسر الراء أهلية التبرع بأن يكون غير محجور عليه مختاراً لأن القرض فيه شائبة تبرع».[48]
وقانون الإلتزامات والعقود المغربي يقضي بأن الأهلية الواجب توافرها في المقرض, هي أهلية التفويت أي أهلية التصرف, وينص على ذلك في الفصل 858 ونصه:« يلزم للإقراض توافر أهلية التفويت للأشياء محل القرض, ليس للأب, بدون إذن القاضي, أن يقرض أو يقترض لنفسه مال إبنه الذي في حجره. وإذا رخص القاضي للأب في شيء من ذلك, وجب عليه أن يأمر بكل ما يراه لازماً من الضمانات التي من شأنها أن تصون مصالح القاصر صيانة تامة.ويطبق نفس الحكم على الوصي والمقدم ومدير الشخص المعنوي, بالنسبة إلى الأموال أو القيم المملوكة للأشخاص الذين يديرون أموالهم.»
وينتقد الدكتور محي الدين إسماعيل هذا الوضع ويقول:«...ولكن القرض لا يعتبر من عقود التصرف إلا إذا كان بفائدة, أما إذا كان بغير فائدة فإنه يعتبر من عقود التبرع, ولما كان الأصل في القانون المغربي أن يكون القرض بلا فائدة, فقد كان
الأفضل أن يشترط ذلك القانون في المقرض أهلية التبرع, فإذا أقرض الصبي المميز ومن في حكمه كان تصرفه باطلا بطلاناً مطلقاً, وليس بطلانا نسبياً فقط.»[49]
فأهلية المقرض في الشريعة هي أهلية التبرع كما أقرّ الفقهاء, وفي القانون المغربي هي أهلية التفويت أو ما يسمى بالتصرف أو الإلتزام.
والدكتور السنهوري يفرق في أهلية المقرض بين ما إذا كان القرض بفائدة وبين ما إذا كان بغير فائدة ويقول:« والأهلية التي يجب أن تتوافر في المقرض هي أهلية التصرف, إذ هو ينقل ملكية الشيء المُقْتَرَضْ, وهذا إذا كان القرض بفائدة, أما إذا كان بغير فائدة فهو تبرع ومن ثم يجب أن تتوافر في المقرض أهلية تبرع, وإذا أقرض القاصر أو المحجور بغير فائدة كان القرض باطلا لأنه ضار به ضرراً محضاً, أما إذا أقرض بفائدة فإن القرض يكون قابلا للإبطال لمصلحته»[50].
هذا بالنسبة لأهلية المقرض, أما أهلية المقترض في الشريعة فهي أهلية المعاملة دون أهلية التبرع, فيجوز للمأذون له أن يقترض ولو كان صغيراً, وقد نص شمس الدين الرملي رحمه الله على هذا بقوله:« وعلم مما تقرر أن شرط المقترض أهلية المعاملة فقط»[51], وأهلية المعاملة هي أهلية التصرف.
وقانون الإلتزامات والعقود المغربي لم ينص على أهلية المقترض ويرجع في شأنها إلى القواعد العامة والتي تضمنها الفصول 4 و5 و6 منه.
الشرط الثاني: تمام الولاية على محل العقد.
ليس كل من بلغ سن الرشد, وكانت له الأهلية الكاملة يحق له أن يتصرف في أي شيء سواء كانت ملكيته له كاملة, أو تعلق به حق لغيره, أو كانت ملكيته لغيره, بل لابد أن تكون ولايته عليه كاملة, وإلا بطل العقد, يقول السيد حسين الموسوي في كتابه هداية المسترشدين في المعاملات الجزء الثالث:« ويعتبر في المال أن يكون عيناً مملوكاً ويصح تملكه...»[52] .
وفي التعليق على قانون الالتزامات والعقود المغربي ما نصه:« ومن جهة أخرى فإنه يجب أن يكون المقرض مالكاً للشيء المُقْتَرَض حتى يستطيع أن ينقل ملكيته للمُقْتَرِضْ...»[53] .
وفي هذا الخصوص يقول الدكتور محي الدين إسماعيل:« أما إذا كان المحل مثليات غير النقود, فإنها إذا كانت موجودة لدى المقرض وكانت مملوكة له, انتقلت ملكيتها بمجرد العقد إلى المقترض, وانتقلت إليه تبعة هلاكها حتى قبل أن يتسلمها ولكن إذا لم تكن تلك الأشياء مملوكة للمقرض, فإن الأصل أن الإنسان لا يستطيع أن يعطي ما لا يملك ولا أن يعطي أكثر مما يملك, وبذلك لا يمتلك المقترض الشيء, ومن حق مالك الشيء أن يسترده, مع المطالبة بالتعويض في حالة سوء النية»[54] .
ونخلص إلى أن الشريعة الإسلامية و القانون المغربي يتفقان في إشتراط الولاية على محل العقد بأن يكون المقرض مالكاً للشيء المقترَض, لأنه إذا لم يملكه يعجز عن نقل ملكيته إلى المقترِض.
ونص المشرع المغربي في الفصل 864 من قانون الإلتزامات والعقود على أن المقرض يضمن العيوب الخفية في الشيء المقترض واستحقاقه, وفقاً للأحكام المقررة في باب البيع.
فالمشرع المغربي بالنسبة لضمان القرض يحيل إلى ما ورد في هذا الخصوص في باب البيع, سواء فيما يتعلق بالإلتزام بضمان حوز القرض(ضمان الاستحقاق), أو ضمان عيوب الشيء المقترض, و الاستحقاق لا يتصور إذا كان الشيء المقترض نقوداً كما هو الغالب في عقد القرض, لأن النقود لا تتعين بالتعيين, لذلك يتعذر القول بأن المقرض لا يملك تلك النقود, ولهذا فإن ضمان الإستحقاق لا يتصور إلا إذا كان الشيء مثليات غير النقود, ويمكن مراجعة أحكامه في باب البيع الفصول:(من الفصل 533 إلى الفصل 548 )[55].
الركن الثالث: المعقود عليه وشروطه.
اجمع العلماء على أن قرض المكيل والموزون جائز بلا خلاف, قال ابن المنذر:« أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن استقراض ما له مثل من المكيل والموزون والأطعمة جائز»[56].
وقد وقع الخلاف بين الفقهاء في قرض الأعيان القيمية, فعلى حين يرى فقهاء المذهب الحنفي أن الشيء المقترض يجب أن يكون من الأعيان المثلية التي لا تتفاوت آحادها تفاوتاً تختلف به القيمة, كالمكيلات والموزونات التي وقع عليها الإجماع, يرى جمهور الفقهاء أن القرض يصح في الأعيان القيمية التي تتفاوت تفاوتاً تختلف به قيمتها, وفي المثلية معاً.
قال الكاساني:« وأما الذي يرجع إلى المقرض فمنها القبض لأن القرض هو القطع...ومنها أن يكون مما له مثل كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة لأنه لا سبيل إلى إيجاب رد العين, ولا إلى إيجاب القيمة لأنه يؤدي إلى المنازعة لإختلاف القيمة باختلاف تقويم المقومين, فتعين أن يكون الواجب فيه رد المثل, فيختص جوازه بما له مثل...ويجوز القرض في الفلوس لأنها من العدديات المتقاربة كالجوز والبيض»[57] .
وقال ابن عابدين:« وصح القرض في مثلي يضمن بالمثل عند الإستهلاك لا في غيره من القيميات كحيوان وعقار, وكل متفاوت لتعذر رد المثل»[58].
نخلص مما تقدم إلى أن أبا حنيفة وأصحابه يرون وجوب اقتصار القرض على المثليات فقط, أما الجمهور فقد تعدى المثليات إلى القيمات, وقد وضعوا قاعدة في الشيء المقترض فقالوا:« كل ما يقبل جنسه السلم يصح قرضه كالمكيل والموزون والمعدود»وغير ذلك من عرض وحيوان, وأما ما لا يصح فيه السلم فلا يجوز إقراضه وذلك كالحنطة المختلطة بشعير والدار والأرض والحانوت والخان والحمام وتراب المعدن والصائغ والجوهر النفيس الذي ينذر وجوده والجزاف[59].
يقول ابن عاصم المالكي في التحفة:
القرض جائز وفعل جار ٭ في كل شيء ما عدا الجواري
في كل شيء من النقود والأطعمة والمقومات والمثليات والحيوان, كما يقول التسولي في البهجة في شرح التحفة.
وقال ابن جزي في القوانين الفقهية:«...فيما يجوز السلف: فيه وهو كل ما يجوز أن يثبت في الذمة سلماً, من العين والطعام والعروض والحيوان, إلا الجواري لأنه يؤدي إلى إعارة الفروج...»[60].
وقانون الالتزامات والعقود نص في الفصل 856 على أن محل القرض هو: «..أشياء مما يستهلك بالاستعمال, أو أشياء منقولة أخرى, لاستعمالها, بشرط أن يرد المستعير, عند انقضاء الأجل المتفق عليه أشياء أخرى مثلها في المقدار والنوع والصفة».
فيجب إذن أن يكون الشيء المقترض من المثليات, فالمقترض يتملكه على أن يرد مثله, ولا يمكن رد المثل إلا في المثليات, وأكثر ما يكون الشيء المقترض نقوداً, ولكن لا يوجد ما يمنع من أن يكون هذا الشيء غير نقود ما دام من المثليات, فيمكن إقتراض الغلال والحبوب والقطن والزيت وغير ذلك من المكيلات والموزونات.. متى كانت معينة النوع والمقدار أو قابلة للتعيين, فلا يمكن إذن أن يقع القرض إلا على منقولات مادية, لا على العقارات لأنها في الغالب أموال قيمية ولا على المنقولات المعنوية فيما عدا السندات لحاملها لأنها دائماً أموال قيمية [61].
والفصل 859 من قانون الالتزامات والعقود يؤكد ذلك بقوله:« يصح أن يرد القرض على: أ الأشياء المنقولة, كالحيوانات والملابس والأثاث.
ب الأشياء التي تستهلك بالاستعمال, كالأطعمة والنقود».
ومن خلال ما سبق يظهر أن المشرع المغربي ذهب مذهب جمهور فقهاء الشريعة في صحة القرض سواء كان محله من الأعيان القيمية أو المثلية, على عكس فقهاء المذهب الحنفي الذين لا يجيزون قرض ما لا مثل له من المذروعات والمعدودات المتقاربة.
والذي يبدو راجحاً والله أعلم ما ذهب إليه الجمهور والمشرع المغربي من جواز قرض الأشياء المثلية والقيمية, لأن الحاجة تدعو إلى ذلك, ولفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك باستقراضه للإبل كما مر في الأحاديث الصحيحة, ويلتحق به سائر الحيوانات وسائر الأموال القيمية.
وأخيراً نتحدث عن ركن السبب الذي يعتبره القانون المغربي ركناً, فيجب أن يكون سبب عقد القرض مشروعاً, غير مخالف للنظام العام وللأخلاق الحميدة وللقانون, وعلى هذا الأساس يكون عقد القرض عقداً باطلا إذا كان قصد المقترض منه أن يتمكن من المقامرة, ويكون المقرض عالماً بهذا القصد سواء كان مشتركاً معه في المقامرة أو لم يكن.
والشريعة الإسلامية أيضاً تنظر إلى الدوافع المؤدية إلى الإقراض, وإن لم تعتبر السبب ركناً من أركان القرض, فإذا كانت موافقة لها صح القرض وإلا اعتبر عقد القرض باطلاً.
المبحث الرابع: خصائص القرض وتمييزه عن غيره من العقود المشابهة له.
المطلب الأول: خصائص القرض.
إتفق العلماء على أن القرض قربة ومثوبة وأن فيه إرفاقاً بالمحتاجين, واختلفوا في كونه من باب التبرعات أو المعاوضات على ثلاثة أقوال:
القول الأول: قول الحنفية ويقضي بأن القرض تبرع في الابتداء ومعاوضة في الانتهاء, أو إعارة وصلة في الابتداء ومعاوضة في الانتهاء[62].
القول الثاني: ومفاده أن القرض عقد معاوضة لكن ليس من كل الوجوه, وهذا قول جمهور المالكية, فالعقود عندهم قسمان: قسم يكون بمعاوضة, وقسم يكون بغير معاوضة كالهبات والصدقات.
القول الثالث: إن القرض من عقود التبرعات وهو قول بعض المالكية حيث قالوا:«إن القرض ليس من عقود المعاوضة وإنما هو من عقود البرء المكارمة»[63], أي التبرع وهو قول بعض الشافعية ومذهب الحنابلة, الذين نصوا على أن القرض من جنس التبرع وأن هذا من باب الإرفاق لا من باب المعاوضات ولا يثبت في القرض خيار لأنه ليس بيعاً ولا في معناه من المرافق.[64]
الأدلة التي استدل بها كل فريق:
1 أدلة أصحاب القول الأول:
إستدل الحنفية في قولهم أن القرض تبرع في الابتداء ومعاوضة في الانتهاء على ما يلي:
أ أنه لا يقابله في وقت تسليم القرض للمستقرض أي مقابل في الحال وهذا ما أورده الكاساني في بدائع الصنائع حيث قال:« أن القرض تبرع, ألا نرى أنه لا يقابله عوض للمال وكذا لا يملكه من لا يملك التبرع».
ب أنه لا يملكه من لا يملك التبرع كالوصي والصبي.
ج أنه يشبه العارية فهو يسلك مسلك العارية.
وعللوا قولهم بأنه معاوضة بالانتهاء بأن المقرض إنما يعطي ليأخذ بدله بعد ذلك حيث يجب على المقترض رد البدل[65], ومن هذا يدل قولهم أنه عند بدء عقد القرض لا يكون هناك بدل فهو تبرع ثم ينقلب عند رد البدل إلى معاوضة حيث يكون هناك مقابل.
2 أدلة أصحاب القول الثاني: القائل بأن القرض معاوضة لكن ليس من كل الوجوه:
أما قولهم إن القرض معاوضة فقياس له على البيع, لأن البيع تمليك الشيء برد ثمنه, وكذلك القرض فهو تمليك الشيء بعوضه.[66]
ودليلهم أن المعاوضة في القرض ليس من كل الوجوه هو أن في القرض شائبة تبرع, ومن ثم لم يجب التقابض فيه وإن كان وجوباً,[67] أي أنه لا يلزم التقابض وقت تسليم القرض.
3 أدلة أصحاب القول الثالث القائل بأن القرض من عقود التبرعات:
إستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
أ قول النبي صلى الله عليه وسلم:﴿ من منح منحة لبن أو ورق, أو هدي زقاقاً كان له مثل عتق رقبة﴾[68].
ب أن القرض من جنس التبرع بالمنافع كالعارية ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم «منحة» وهذا من باب الإرفاق والتبرعات وهذا ما تتجلى فيه معاني القرض الحسن وليس من باب المعاوضة[69].
الترجيح بين هذه الآراء:
الراجح على ما يبدو هو القول الثالث بأن عقد القرض من باب التبرعات, فالأصل في القرض التبرع والإرفاق, كما بينا في بداية هذا البحث, ووجوب رد البدل لا خلاف فيه[70] ,ولا يخرجه عن موضوعه أي التبرع, وإن سمي هذا الرد معاوضة
فهي ناقصة وغير خالصة.
وأما أسباب ترجيح هذا القول فهي:
أ قوة أدلته وسلامتها في حين لم تسلم أدلة القولين الآخرين من مناقشة أو رد.
ب كما أن الأدلة الداعية إلى الإحسان وفعل الخير, والدالة على فضل القرض الحسن وعظيم أجره تؤيد كونه من باب التبرعات.
ج وفضلاً عن ذلك فإننا بالموازنة بين عقد القرض وبين عقود المعاوضات والتبرعات, نجد أنه يخالف المعاوضة ويتفق مع التبرعات, وبيان ذلك فيما يلي:
٭ يخالف القرض المعاوضات في أمور منها:
1 المنفعة في المعاوضات تكون للطرفين والأصل في القرض أن تكون منفعته للمقترض فقط, والمقرض متبرع طلباً للثواب, وهكذا فإن اشتراط أي منفعة للمقرض, وما كان في حكم ذلك يخرج القرض عن موضوعه.[71]
2 أن كلاً من المتعاقدين يعطي أصل المال على وجه لا يعود إليه من باب المعاوضات, وأما باب القرض فما يعطى فيه أصل المال لينتفع به ثم يرد بدله.
٭ ويتفق مع التبرعات في أمور منها:
1 أنه لا يملكه من لا يملك التبرع.
2 أنه يشبه العارية, حيث يستفيد المقترض من مال المقرض مدة بقائه عنده دون مقابل, ويتبين مما سبق أن الفقهاء متفقون على أن القرض قربة إلى الله, وعلى أن فيه إرفاقاً ومساعدة للمحتاجين وهو ما يتجلى فيه معنى القرض الحسن.
يتضح لنا مما سبق أن الأصل في القرض أنه من عقود التبرعات, إذ لم يوجد من الفقهاء من يرى أن القرض وخاصة الحسن عقد معاوضة خالصة إبتداءً وانتهاءً, كما أن من قال أن فيه معاوضة يستثنيه في بعض المواضع من عقود المعاوضات الأمر الذي يؤيد أن الأصل في عقد القرض أنه من عقود التبرعات.
المطلب الثاني: تمييز عقد القرض عن غيره من العقود المشابهة له.
أما في القانون فيسمى القرض بعارية الإستهلاك ويعرفه الفصل 856 من قانون الالتزامات و العقود بأنه :«عقد بمقتضاه يسلم أحد الطرفين للآخر أشياء مما يستهلك بالاستعمال أو أشياء منقولة أخرى, لاستعمالها بشرط أن يرد المستعير عند انقضاء الأجل المتفق عليه, أشياء أخرى مثلها في المقدار والنوع والصفة.
أما البيع في الشريعة فهو:«مبادلة المال بالمال بالتراضي »[73], عند الحنفية,
وهو:«عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة» عند المالكية[74] .
أما في القانون فيعرف الفصل 478 من قانون الالتزامات والعقود البيع بأنه:« عقد بمقتضاه ينقل أحد المتعاقدين للآخر ملكية شيء أو حق في مقابل ثمن يلتزم هذا الآخر بدفعه له».
ومن تعريف القرض والبيع نرى الفرق واضحاً, ففي البيع تنتقل ملكية الشيء المبيع, والعوض قدر من النقود أو أي شيء آخر, أما في القرض فتنتقل ملكية الشيء المقترض بشرط أن يرد المثل[75].
قال ابن حزم رحمه الله:« والقرض جائز في كل ما يحل تملكه وتمليكه بهبة أو غيرها سواء جاز بيعه أو لم يجز لأن القرض, هو غير البيع لأن البيع ولا يجوز إلا بثمن, ويجوز في القرض إلا رد مثل ما اقترض لا من سوى نوعه أصلاً»[76].
إذن الفرق بين القرض والبيع واضح من حيث المبدأ فالقرض من عقود التبرعات وعقد البيع من عقود المعاوضات.
غير أنه يشتبه العقدان عندما يقوم الطرفان بتوسيط شيء في عقد القرض, فيقدم المقرض الشيء على أنه مبيع للمقترض بثمن مؤجل قدره خمسمائة مثلا, ثم يشتري نفس الشيء من المشتري المقترض بمبلغ أربعمائة نقداً, فتكون المائة هي الفوائد المستترة التي اتفق عليها الطرفان ومثل هذا العقد حكمه
أنه باطل بطلاناً مطلقاً طبقاً للفصل 870 من تقنين الالتزامات والعقود[77], ويشتبهان أيضاً عندما يتخذ البيع شكل بيع العينة وبيع الوفاء, فبيع العينة هو قرض بفائدة لبس ثوب البيع والشراء.
2)تمييز عقد القرض عن الوديعة:
الوديعة في الشريعة: يتحدد مفهوم الوديعة في الفقه الإسلامي, بأنها توكيل من شخص لآخر بحفظ شيء معين. ويعتبرها المالكية توكيلا خاصاً.[78]
ودليلها قوله تعالى:﴿إِنّ اَلله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُوا اَلأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾[79]
الوديعة في القانون المغربي: يعرف الفصل 781 الوديعة بأنها:«عقد بمقتضاه يسلم شخص شيئاً منقولا إلى شخص آخر يلتزم بحفظه وبرده بعينه».
نستطيع أن نتبين الفرق البارز بين عقد القرض وعقد الوديعة, ففي الأول يملك المقترض القرض, وفي الثاني لايملك المودع الوديعة بل تبقى على ملك صاحبها حتى إذا هلكت بدون تقصير من المودع لم يضمنها.
ومن حيث الإنتفاع: فإن المقترض يستطيع الإنتفاع بمبلغ القرض لأنه ملكه, أما المودع عنده فليس له حق الإنتفاع بالوديعة.
ومن حيث الالتزام: فإن المقترض في عقد القرض يلتزم برد المثل, أما المودع عنده فهو ملتزم برد الوديعة بعينها.
ومن حيث المطالبة بالرد: فإن المقرض يستطيع المطالبة بالرد عند انتهاء الأجل المحدد للقرض, وقد يملك المطالبة بالرد قبل انتهاء الأجل, على حين أن المودع يستطيع المطالبة برد الوديعة متى شاء فهو غير مقيد.[80]
وهناك حالة يمكن فيها اعتبار الوديعة قرضاً وهي التي فصلها الفصل 782 من قانون الالتزامات والعقود وصورتها أن يأذن المودع للمودع عنده في استعمال الشيء المودع لديه على أن يرد مثله قدراً ونوعاً وصنفاً ففي هذه الحالة قرر المشرع المغربي اعتبار العقد الذي ينشأ في هذه الحالة عقد قرض يخضع للقواعد الخاصة بعارية الإستهلاك أي القرض.
3)تمييز عقد القرض عن عقد عارية الاستعمال:
عارية الاستعمال في الشريعة: العارية تمليك المنفعة بالمجان حال حياة المملك, فتميزت عن البيع, لأنه تمليك عين, وعن الإجارة لأنها تمليك المنفعة بمال[81].
عارية الاستعمال في القانون: عرف الفصل 830 من قانون الالتزامات والعقود عارية الاستعمال بأنها:«عقد بمقتضاه يسلم أحد طرفيه للآخر شيئاً, لكي يستعمله خلال أجل معين أو في غرض محدد, على أن يرده بعينه. وفي العارية يحتفظ المعير بملكية الشيء المستعار وبحيازته القانونية. وليس للمستعير إلا مجرد استعماله», ومن هنا يتضح الفرق بين عقد العارية وعقد القرض, فالعارية عقد تمليك منفعة, بينما القرض هو تمليك عين وهذا أبرز فرق بين العقدين, ففي القرض تنتقل ملكية الشيء المُقْتَرَضْ إلى المُقْتَرِضْ, بينما في العارية يحتفظ المعير بملكية الشيء المستعار, وليس للمستعير إلا مجرد استعماله كما جاء في الفصل 830, وهناك فرق آخر بينهما ذلك أن القرض يرد على الأشياء المثلية أما العارية فترد على الأشياء القيمية.
الفصل الثاني: أحكام عقد القرض .
المبحث الأول: القرض الصحيح.
العقود بصفة عامة تنقسم فيما يخص أحكامها إلى صحيحة وفاسدة, والقرض ليس استثناءً فهو كذلك إما أن يكون قرضاً صحيحاً بحيث تتوفر فيه كامل الشروط والأركان الضرورية وبذلك تترتب عنه آثار لكلا الطرفين.
وإما أن يكون قرضاً فاسداً وهو الذي اختل ركن من أركانه أو شرط من شروطه الأساسية أو كان سببه مخالف للنظام العام, وللأخلاق الحميدة أو مخالفاً للقانون, وبالتالي يصبح عقداً باطلا ولا يرتب أية آثار على أحد.
وبما أنه قد سبق الحديث عن الأركان والشروط, فسوف نتناول القرض الصحيح من خلال المطالب التالية:
المطلب الأول: ثبوت الملكية في القرض.
المطلب الثاني: الأجل في القرض.
المطلب الثالث: الوفاء بالقرض.
المطلب الأول: ثبوت الملكية في القرض.
إن جوهر عملية الإقراض هو نقل ملكية الشيء المقترض للغير ليرد مثله، و بذلك تنتقل ملكية الشيء المقترض إلى المقترض، غير أن المذاهب الفقهية اختلفت في الوقت الذي يملك فيه المقترض الشيء المقترض.
فذهب فقهاء الحنفية إلا أبا يوسف إلى أن الملك يثبت بالقبض، فالكاساني يعتبر القبض من الشروط التي ترجع إلى المقرض لأن القرض هو القطع في اللغة، سمي هذا العقد قرضا لما فيه من قطع طائفة من ماله، وذلك بالتسليم إلى المستقرض، فكان مأخذ الاسم دليلا على اعتبار هذا الشرط[82].
وجاء في المبسوط: « ...ولهذا قال أبو يوسف: إن الملك لا يثبت للمستقرض في العين بنفس القبض، والمقرض أحق باسترداده ما لم يخرجه المستقرض عن ملكه، ولكن نقول المستقرض يملك العين بالقبض لأنه يملك المنفعة ومنفعة المكيل و الموزون لا تنفصل عن العين، فإذا يملك العين التحق بسائر أملاكه وكان الخيار في تعيين ما يرده إلى المستقرض...»[83]
وذهب المالكية إلى أن القرض يملكه المقترض بمجرد عقد القرض، وإن لم يقبضه، ويصير مالا من أمواله.[84]
وأما مذهب الحنابلة فيقول ابن قدامة: « ويثبت الملك في القرض بالقبض لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض، فوقف الملك عليه كالهبة »[85] وهذا الخلاف بين المذاهب يرجع بالأساس إلى مسائل خلافية تتعلق بخصائص عقد القرض، وسوف أتناولها بإيجاز لأنني تطرقت إليها في مبحث سابق.
1 ـ هل القرض من العقود الرضائية أم من العقود العينية ؟
يلاحظ أن أغلب الاتجاهات الفقهية تذهب إلى أن عقد القرض من العقود العينية التي لايكفي فيها مجرد الإيجاب والقبول لتمام العقد بل يجب تسليم العين موضوع العقد، بينما المذهب المالكي يميل إلى رضائية عقد القرض وبالتالي كفاية الإيجاب والقبول لتمام انعقاده، يقول التسولي: «... ثم إن المشهور أن القرض يلزم ويملك بالقول فيصير مالا من أموال المقترض ويدخل في ضمانه بالعقد كغيره من العقود الصحيحة ما لم يكن فيه حق توفية، وإلا فلا يدخل في ضمانه إلا بالتوفية، وإذا لزم
بالقول فإنه يقضي له به، ويبقى بيده إلى الأجل أو قدر ما يرى في العادة أنه قد انتفع به إن لم يضربا أجلا»[86].
2 ـ هل الوعد ملزم أم لا؟
فمن ذهب إلى أن الوعد ملزم قال: إن عقد القرض من العقود الرضائية لأن المقرض ملزم بتنفيذ وعده، وهو تسليم الشيء المقترض إلى المقترض، ومن ذهب إلى أن الوعد غير ملزم قال: إن عقد القرض من العقود العينية.
3 ـ هل القرض من عقود التبرعات أم من عقود المعاوضات؟
سبق الحديث عن هذه المسألة في مبحث سابق, وأوضحنا أن أكثر الفقهاء ذهبوا إلى إلحاق القرض بعقود التبرعات ومنهم السرخسي إذ يقول:« ...ولا يجوز إقراض العبد التاجر والمكاتب والصبي والمعتوه لأنه تبرع وهؤلاء لا يملكون التبرع »[87] ،وذهب بعضهم إلى انه من عقود المعاوضة,ومنهم شمس الدين الرملي حيث قال:« وكون القرض فيه شائبة تبرع .لا ينافي ذلك لان المعاوضة فيه هي المقصودة...»[88]، والبعض الآخر يذهب إلى أن القرض يفيد معنى التبرع ,ابتداء ومعنى المعاوضة انتهاء ,فالمقرض متبرع بالمال الذي يقدمه إلى المقترض لسد حاجته ،غير أن التزام هذا الأخير برد المثل ينقله إلى عقود المعاوضات ،وبالتالي تطبق عليه أحكام التبرع ابتداء ،وأحكام المعاوضة انتهاء،وهذا مذهب الحنفية و قد رجحه الدكتور محمد فاروق النبهان بقوله:« والقرض عقد معاوضة مآلا وان كان عقد تبرع ابتداء ولذالك يدخل تحت عقود الضمان»[89].
وعقود الضمان هي التي يعتبر فيها المال المنتقل من يد إلى يد مضمونا على الطرف القابض له،فمهما يصيبه من تلف فهو على مسؤوليته.
والمشرع المغربي نص على الضمان في الفصل 862 من قانون الالتزامات والعقود حيث جاء فيه:« يكون المقترض ضامنا الشئ المقترض،ابتداء من وقت تمام العقد ولو قبل تسليمه إياه ،ما لم يشترط غير ذلك».
وفي هذه النصوص يرى الدكتور محي الدين إسماعيل أن تبعية الهلاك ترتبط عادة بظاهرة مادية هي تسليم الشيء محل العقد، فكان الأولى أن يجعل القانون المغربي تبعية الهلاك مرتبطة بتسليم المقترض للشيء, وقد جرت على هذا القوانين العربية الأخرى، ويضيف قائلا:« أن قانون الالتزامات والعقود المغربي لم ينص على الحكم في الحالات التي لا تنتقل فيها الملكية بمجرد العقد إذا وقع فيها الهلاك، فهو يرى أن الهلاك يكون على المقرض حتى بعد أن يقوم بالعمل القانوني اللازم لنقل الملكية إلى المقترض، ولا تزول عنه تلك التبعية إلا بالتسليم، فالفترة من تاريخ العقد إلى تاريخ التسليم تكون تبعة الهلاك فيها على المقرض، أما الفترة اللاحقة على التسليم فتنتقل تبعة الهلاك فيها إلى المقترض، كما تنتقل في حالة ما إذا أعذر المقرض المقترض بالتسليم فلم يفعل.»[90]
ونفس الخلاف الذي وقع بين فقهاء المذاهب الفقهية وقع أيضاً في ظل قانون الالتزامات والعقود المغربي ويتعلق حول ما إذا كان عقد القرض من العقود العينية أم من العقود الرضائية.
وقد اختلف الرأي في ظل هذا القانون، حول ما إذا كان هذا العقد من العقود العينية والتي لا تتم إلا بتسليم الشيء المقترض إلى المقترض، ومن ثم يكون التراضي غير كافٍ لإنعقاد هذا العقد، أم أنه من العقود الرضائية التي تتم بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول، ومن ثم يكون نقل ملكية الشيء المقترَض وتسليمه إلى المقترِض مجرد التزام ينشئه عقد القرض، وليس ركناً في العقد ذاته.[91]
ونص المشرع المغربي في الفصل 861 من قانون الالتزامات والعقود على أن ينقل المقرض إلى المقترض ملكية الأشياء أو القيم المقترضة إبتداءً من الوقت الذي يتم فيه العقد بتراضي الطرفين، ولو قبل تسليم الأشياء المقترضة.
فلا مناص إذن أمام هذه النصوص القانونية التي ترتب على القرض آثاراً لا يمكن أن يرتبها العقد العيني، كنقل الملكية وتبعة الهلاك بمجرد التراضي، من اعتبار القرض عقداً رضائياً في التشريع المغربي، ومن ثم يكون الالتزام بالتسليم آثاراً من آثاره، وليس ركناً فيه.
ونخلص في الأخير إلى أن المشرع المغربي يتفق مع المذهب المالكي في اعتبار القرض من العقود الرضائية التي تتم بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول، ويصبح المقترض عند تمام القرض بالتراضي دائناً للمقترض بما اقترضه، ويخالفان بذلك أغلب الاتجاهات الفقهية الأخرى التي ذهبت إلى عينية القرض، وبالتالي لابد من تسليم العين لتمام العقد.
المطلب الثاني: الأجل في القرض.
وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: حكم الأجل المشروط في القرض.
اختلف الفقهاء فيما إذا اتفق طرفا العقد عند الإقراض على موعدٍ لتسديد القرض، فهل يلزم الأجل أم لا، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: إن القرض يتأجل بالتأجيل، ويلزم المقرِضَ الانتظار حتى يحين الوقت الذي أتفق على تسليم القرض فيه، وهو مذهب المالكية ووجه لدى الحنابلة، وبه أخذ ابن حزم والشوكاني، وقد نسبه الحافظ ابن حجر إلى أكثر أهل العلم.[92]
القول الثاني: إن للمقرِض المطالبة بالتسديد ما دام المال المقْرَضُ باقياً في ملك المقترِض ولم يتعلق به حق لغيره. وهو قول بعض المعاصرين كرفيق المصري وعمر المترك.[93]
القول الثالث: إن القرض لا يتأجل بالتأجيل، ويعد حالا، ويلزم الوفاء به عند طلب المقرض ولو بعد الإقتراض بزمن يسير. وهو مذهب الحنفية والشافعية وقد قال به أكثر الحنابلة، وعزاه بعض المعاصرين لجمهور أهل العلم، قال يونس رفيق المصري:« ذهب جمهور الفقهاء إلى أن القرض حالٌّ، وإن أُجِّلَ لم يتأجل، فللمقرِض متى شاء أن يطالب المقترض برده، لأنه محسن، وليس على المحسن من سبيل. وينبني على هذا أن المقترض أيضاً يجب عليه المبادرة إلى وفاء القرض بمجرد ميسرته، لأنه اقترض وهو معسر، فعليه رد القرض فور يساره، وعلى هذا فالقرض حالٌّ للطرفين: حالٌّ للمقرض إذا طلبه، وحالٌّ للمقترض إذا أيسر...».[94]
ونعرض فيما يلي: الأدلة التي إستدل بها كل فريق:
أولاً: أدلة القائلين بأن القرض يتأجل بالتأجيل.
إستدل القائلون بأن القرض يتأجل بالتأجيل، وبأن المقرض يلزمه الانتظار بأدلة نقلية وعقلية، نورد بعضها فيما يلي:
الأدلة النقلية:
1 قوله تعالى:﴿ يَا أَيُهَا الَذِينَ أَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَى فَاكْتُبُوهُ﴾[95]، فالآية دليل على جواز إشتراط الأجل في الدين، والقرض دين يدخل في عموم الآية.[96]
2 قوله تعالى:﴿ وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ﴾[97] ، واشتراط الأجل في عقد القرض يعتبر وجهاً من أوجه الوفاء بالعهد.
الأدلة العقلية:
1 أن الأصل في مشروعية القرض تحصيل المنفعة للمقترض، فكيف يمنع من اشتراط الأجل الذي يحقق هذه المنفعة التي شرع القرض من أجلها؟؟[98]
2 إن المقترِض قبض المال على التأجيل، فلا يجب عليه الوفاء إلا عند حلول الأجل.[99]
3 كما أن عرف الناس قد جرى على التأجيل، ومخالفته نادرة في سداد القرض.[100]
ثانياً: دليل الفريق الثاني القائل بأن للمقرِض المطالبة بالتسديد ما دام المال المقرَض باقياً في ملك المقترِض:
ويعلل أصحاب هذا القول بأنه ما دام المال موجوداً في يد المقترض ولم يتعلق به حق لغيره فلا ضرر عليه في إعادته إلى المقرض إن طالبه بالسداد، فيلزمه رده لصاحبه عند طلبه له.[101]
ثالثاً: أدلة الفريق الثالث الذي يقول على أن القرض لا يتأجل بالتأجيل:
1 أن عوض القرض يثبت في الذمة حالاً،والتأجيل تبرع من المقرض، فلا يلزم الوفاء به وكذلك الأمر في العارية وسائر الديون الحالة.[102]
2 قال الكاساني رحمه الله:« إن القرض يسلك به مسلك العارية، والأجل لا يلزم في العواري. والدليل على أنه يسلك به مسلك العارية أنه لا يخلو إما أن يسلك به مسلك المبادلة، وهي تمليك الشيء بمثله أو يسلك به مسلك العارية، لا سبيل إلى الأول، لأنه تمليك العين بمثله نسيئة، وهذا لا يجوز، فتعين أن يكون عارية، فجعل التقدير كأن المستقرض انتفع بالعين مدةً، ثم رد عين ما قبض، وإن كان يرد بدله في الحقيقة، وجعل رد بدل العين بمنزلة رد العين، بخلاف سائر الديون»[103]
3 أن القرض تبرع؛بدليل أنه لا يقابل الأجل عوض، وإنما يرد المقترض مثل ما أخذه،ولأنه لا يملك القرض من لا يملك التبرع، كولي اليتيم،فلو لزم الأجل لم يبقى تبرع.[104]
4 أن الأجل يقتضي جزءاً من العوض، والقرض لا يحتمل الزيادة والنقص في عوضه، فلا يصح تأجيله، بخلاف البيوع التي تجوز الزيادة فيها، إذ يصح تأجيلها.[105]
٭ مناقشة الأدلة وبيان أرجحها:
يمكن الرد على أدلة أصحاب القولين الثاني والثالث كما يلي:
الرد على دليل أصحاب القول الثاني:
يمكن أن يجاب عن دليل القائلين بأن للمقرض المطالبة بالتسديد. يجاب عنهم بأن هذا المال انتقلت ملكيته من المقرض بمجرد قبض المقترض له، بدليل أنه لو تلف بعد القبض كان من ضمان المقترض، وربما يكون المقترض قد تصرف تصرفاً بناءاً على وجود مال القرض لديه، كأن يكون استأجر متجراً من ماله، ويريد أن يشتري بمال القرض بضاعةً يتجر فيها، وأن يكون ترك عملا كان يعمل فيه، ليتاجر بمال القرض ولا يمكنه الرجوع إلى عمله، أو نحو ذلك.وعلى هذا؛ فإن في القول بوجوب رد مال القرض في مثل هذه الأحوال ضرر على المقترض، والقرض إنما شرع من أجل الإرفاق به، كما أن إلحاق الضرر بالآخر حرام في الشريعة الإسلامية.[106]
الرد على أدلة أصحاب القول الثالث:
القول الثالث: مفاده أن القرض لا يتأجل ويعد حالا، ويلزم الوفاء به عند طلب المقرض ولو بعد الإقتراض بزمن يسير، وهذا الرأي لا يتفق مع حكمة القرض في الشريعة الإسلامية، فالقرض شرع لمساعدة المقترضين في أزماتهم، فما فائدة القرض الذي يُقْرَضُ في وقت معين ويسترجعه المقرض في نفس الوقت بدون أن يستفيد منه المقترض فهذا القول مجانب للصواب وقد أجاب رفيق المصري عن استدلالهم بأن القرض يمتنع فيه التفاضل، بقوله:« وقد زعم بعض الفقهاء أن القرض لا يجوز فيه التفاضل، فأمتنع فيه التأجيل، ألا ترى أن البيع لما جاز تأجيله إلى أجل معلوم جازت فيه زيادة البدل المؤجل؟ إذاً؛ فهم يمنعون أجل القرض بالاستناد إلى أحكام ربا البيوع، لأن التأجيل عندهم لا يلزم المؤجل إلا بعوض. لكن تطبيق أحكام ربا البيوع تقتضي أيضاً أن يمنع التأخير؛ لأن التأخير والتأجيل كليهما من ربا النساء وعلى هذا يمتنع القرض بالكلية، لأن التقابض مطلوب فيه في المجلس، وما فائدة القرض يُقْرَضُ في مجلس، ويُسْتَرَدُ في المجلس نفسه؟
فالذهب بالذهب، والفضة بالفضة، أو النقود بالنقود، لابد فيه في جميع المذاهب من التقابض، ولا يكتفي فيه حيث عند الحنفية بمجرد الحلول، فحتى لو قلنا كما قالوا بجواز حلول القرض دون تأجيله، فإنه لا ينقض تمسكهم بحديث ربا البيوع، لأنه يوجب التقابض في المجلس، ولا يكفي فيه الحلول، فكيف قبلوا الحلول في القرض، ولم يقبلوا به في الصرف؟ فهذا دليل على فساد ما ذهبوا إليه، ودليل على أن القرض أصل آخر غير البيع، فيجوز فيه ما لا يجوز في البيع»[107]
وبناءً على ما تقدم فإن الراجح في هذه المسألة هو القول الأول، وهو لزوم الأجل لقوة أدلته النقلية والعقلية، ولضعف دليل القول الثاني ولكون أدلة القول الثالث عقليةً كلها، كما أن الدليل النقلي يقدم على العقلي، فتقدم لذلك أدلة القول الأول، وفضلا عن ذلك؛ فإن إقدام المقترض على الإقتراض إنما يكون من أجل هذا الأجل الذي يتوقع أن يتمكن بحلوله من سداد القرض، فهو في الغالب سيتصرف في المال بعد اقتراضه مباشرةً، ومطالبته برده قبل حلول الأجل فيه ضرر بين عليه؛ لأنه اقترض لحاجةٍ، ومطالبته بالتسديد ستلجئه إلى أن يستدين أو يبيع من ممتلكاته مالا يريد بيعه, ولربما اشترى بمال القرض سلعةً فيضطر إلى بيعها بأقل من ثمنها، وقد يكون هذا سبباً في إفلاسه، والقرض إنما شرع للإرفاق بالمقترض، وليس للإضرار به، كما حرم النبي صلى الله عليه وسلم الضرر، إذ قال:﴿ لا ضرر ولا ضرار﴾،وجميع الأحكام الشرعية شرعت إما لدر المفاسد أو جلب المصالح.[108]
الفرع الثاني: حكم الأجل غير المشروط في القرض.
إن لم يشترط عند الإقتراض وقت للوفاء، فهل يعد القرض حال أم مؤجلا؟ اختلف أهل العلم على قولين:
القول الأول: دهب الظاهرية إلى أنه حال[109]، وأنه يلزم المدين التسديد عند طلب الدائن، ولو بعد الإقتراض بزمن يسير. وقد إستدل ابن حزم على هذا القول بقوله تعالى:﴿ إِنَ اَلله يَأمُرُكُمْ أَنْ يُودُوا اَلَأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾[110]، قال:« القرض أمانة ففرض أداؤها إلى صاحبها متى طلبها»[111]
القول الثاني: إنه لا يحق مطالبة المدين بسداد القرض حتى يقضي المقترض وطره من المال الذي قبضه، أو يمضي زمان يمكنه من ذلك وهذا قول الإمام مالك.[112] وهو المشهور في المذهب.[113]
والراجح في هذه المسألة أنه إن كان تمت قرينة تدل على الأجل عمل بها، وإن لم تكن قرينة وكان هناك عرف عمل به أيضاً، لقوله تعالى:﴿ خُذِ الَعَفْوَ وَأمُرْ بِالعُرْفِ﴾[114].
وأما إن لم يكن تمت قرينة ولا عرف، وكان المقترض يتضرر برد ما اقترضه من مال حالا، لأنه تصرف في المال الذي اقترضه، فيكون في سداد القرض ضرر عليه، كأن يضطر إلى الاستدانة أو بيع ما يحتاج إليه من ماله ونحو ذلك، فإن كان الأمر كذلك وجب على الدائن إنذاره، لأن أصل مشروعية القرض الإرفاق بالمحتاج[115].
الفرع الثالث: الأجل في القانون المغربي.
ذهب المشرع المغربي مذهب القائلين بجواز وضع أجلٍ ينتهي معه القرض، وذلك طبعاً باتفاق الطرفين المقرض والمقترض على ذلك في العقد، ولا يحق للمقرض إجبار المُقْتَرِض على رد الشيء المُقْتَرَض قبل الأجل المحدد المتفق عليه.
وهذا ما أكده قانون الالتزامات والعقود في الفصل 866 ونصه:« لا يسوغ إجبار المقترض على رد ما هو ملتزم به قبل الأجل المحدد بمقتضى العقد أو العرف ويسوغ له رده قبل حلول الأجل، ما لم يتنافى ذلك مع مصلحة المقترض ».
وجاء في أصول القانون المدني المغربي:« ويقع الرد في الوقت المتفق عليه في العقد، أو الذي يحدده العرف ويجري عليه. ولا يجوز إلزام المقترض بأن يرد الشيء قبل ذلك، لأن الأصل أن الأجل مقرر لمصلحة المدين ( الفصل 135 من نفس القانون)، ولكن إذا تنازل هو عن التمسك بالأجل المقرر لمصلحته جاز الرد قبل حلول الأجل، إلا أن يكون ذلك منافياً لمصلحة المقرر ويبدأ الأجل من تاريخ العقد مالم يحدد الاتفاق أو القانون وقتاً آخر ( الفصل 130)[116].
وإذا لم يتفق المقرض والمقترض على أجل معين ينتهي فيه القرض، ولم يكن هناك عرف يتعين إتباعه في هذا الخصوص، فإنه يتعين على المقترض أن يفي بالقرض وفق للميعاد الذي يحدد المقرض، ولكن إذا كان عقد القرض يتضمن شرطاً يقضي بأن المقرض يرد ما اقترضه عندما تسمح ظروفه بذلك: أو من أول مال يحوزه لنفسه ويستطيع التصرف فيه، فإن للمقرض أن يلجأ إلى المحكمة وتحدد وفقاً لظروف الحال ميعاداً معقولا للرد[117] ، وهذا ما نص عليه الفصل 867 من قانون الالتزامات والعقود حيث جاء فيه :« إذا لم يحدد لدفع القرض أجل، وجب على المقترض الوفاء عند طلب المقرض؛ إذا أُشتُرِطَ أن المقترض يرد القدر الذي اقترضه عندما يمكنه ذلك، أو من أول مالٍ يستطيع التصرف فيه فإن المحطمة تحدد وفقاً لظروف الحال معاداً معقولا للرد».
المطلب الثالث: الوفاء بالقرض.
يتعين على المقترض أن يرد للمقرض الشيء المقترض إذا حل أجل الوفاء المتفق عليه بينهما، فإذا كان الشيء المقترض باقياً على حالته ولم يتغير فعلى المقترض أن يرده بنفسه مادام على ضفته ولم يتغير، وأن يرد المثل في الأشياء المثلية، أو القيمة في القيميات، ويجوز للمقترض أن يرد الشيء المقترض مع زيادة، وهذه الزيادة إما أن تكون في صفة الشيء المقترض أو أن تتخذ شكل هدية بشرط ألا تكون مشترطة بين الطرفين ففي حالة اشتراط الزيادة يكون القرض قرضاً فاسداً، وإذا لم تشترط وكانت برضا المقترض فإنها تكون في إطار حسن القضاء الذي حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سنة فعلية، فالقرض في هذه الحالة يكون صحيحاً رغم انتفاء شرط المماثلة فيه.
ولأبأس أن أذكر الخلاف الحاصل في محل القرض، وذلك لارتباطه بالوفاء وجوهره أن الحنفية يرون وجوب اقتصار القرض على المثليات فقط لأن رد المثل واجب في القرض ولا يتحقق ذلك إلا في المثليات، ويستحيل ذلك في غيرها من القيميات لوجود الجهالة المفضية إلى المنازعة، والجمهور أجاز القرض في المثليات القيميات وكل ما يجوز فيه السلم من صوارٍ وعروضٍ، المقترض يرد المثل في المثلي واختلفوا في رد القيمي بين قائلاٍ بالمثل صورة وبين قائلا بالقيمة يوم القرض.
وسأقسم هذا المطلب إلى فرعين يوضحان كيفية الرد عند فقهاء الشريعة وعند المشرع المغربي من خلال قانون الالتزامات والعقود.
الفرع الأول: رد الشيء المقترض.
بالنسبة للأموال المثلية التي تكون محلا للقرض لا خلاف بين الفقهاء في وجوب رد مثلها في المقدار والنوع والصفة وقد ذكر ابن قدامة الإجماع الذي نقله ابن المنذر حيث قال:«...ويجب رد المثل في المكيل والموزون لا نعلم فيه خلافاً، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من أسلف سلفاً مما يجوز أن يسلف فرد عليه مثله أن ذلك جائز للمسلف أخذ ذلك، ولأن المكيل و الموزون يضمن في الغصب والإتلاف فمثله وكذا ههنا »[118].
وقال الكاساني:«...فلا يجوز قرض مالا مثل له من المذروعات والمعدودات المتقاربة لأنه لا سبيل إلى إيجاب رد المثل ولا إلى إيجاب رد القيمة لأنه يؤدي إلى المنازعة لإختلاف القيمة بلإختلاف المقومين فتعين أن يكون الواجب فيه رد المثل فيختص جوازه بماله مثل»[119]
وفي القوانين الفقهية مانصه:«في أدائه وهو مخير بين أن يؤدي مثل ما أخذ أو يرده بعينه مادام على صفته، وسواءً كان من دوات الأمثال وهو: المعدود المكيل والموزون أو من ذوات القيم كالعروض والحيوان»[120].
وبالنسبة للأموال القيمية إذا كانت محلاً للقرض اختلف الفقهاء في حكم ردها إلى قولين، نقلها صاحب المغني ابن قدامة وصاحب نهاية المحتاج شمس الدين الرملي.
يقول ابن قدامة:«...وأما غير المكيل والموزون ففيه وجهان:
أحدهما: يجب رد قيمته يوم القرض لأنه لا مثل له فيضمنه بقيمته كحال الإتلاف والغصب.
والثاني: يجب رد مثله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً فرد مثله. ويخالف الإتلاف فإنه لا مسامحة فيه فوجبت القيمة فيه لأنها أحصر والقرض أسهل ولهذا جازت النسيئة فيه فيما فيه الربا، ويعتبر مثل صفاته تقريباً فإن حقيقة المثل إنما توجد في المكيل والموزون فإن تعذر المثل فعليه قيمته يوم تعذر المثل لأن القيمة تثبت في ذمته حين إذٍ. وإذا قالنا تجب القيمة وجبت حين القرض لأنها حينئذ تثبت في ذمته»[121].
ويقول شمس الدين الرملي:« ويرد حثماً حيث لا استبدال المثل في المثلي لأنه أقرب إلى حقه ولو في نقد بطلت المعاملة به..ويرد في المتقوم المثل صورة لخبر مسلم:﴿ أنه صلى الله عليه وسلم استسلف بكراً ورد رباعياً وقال:إن خياركم أحسنكم قضاء﴾.ومن لازم اعتبار المثل الصوري اعتبار ما فيه من المعاني التي تزاد القيمة بها كحرفة الرقيق وفراهية الدابة، كما قاله ابن النقيب فيرد ما يجمع تلك الصفات كلها حتى لا يفوت عليه شيئاً ويصدق المقترض فيها بيمينه لأنه عارم..وقيل يرد القيمة يوم القبض. واعلم أن أداء المقرض كأداء المسلم فيه في سائر ما مر فيه صفة وزمناً ومحلاً»[122].
أما موفق المشرع المغربي فهو كذلك أكد على وجوب رد المقترض الشيء المقترض، ونص في الفصل 856 من قانون الالتزامات والعقود على ذلك بقوله:« على المقترض أن يرد مثل ما تسلمه قدراً وصفةً، ولا يلزمه غير ذلك.»
وفي التعليق عليه يقول حسن الفكهاني:« إذا ما انتهى عقد القرض، فإنه يتعين على المقترض أن يرد مثل ما تسلمه قدراً وصفةً، فإذا كان الشيء المقترض أشياء مثلية غير النقود، كغلال أو قطن، وجب على المقترض أن يرد كميات مماثلة في المقدار والنوع والصفة، ولا عبرة بغلو السعر أو رخصه، فإذا غلت أسعار الغلال أو القطن أو رخصت، فإن المقترض يبقى ملتزماً يرد مثل ما اقترض، ولو غلا سعره فأنضر، أو رخص سعره فأنتفع . وإذا انقطع مثل الشيء المقترض عن السوق، كان المقرض بالخيار إما أن ينتظر حتى يعود الشيء إلى السوق فيرد له المقرض المثل. وإما أن يطالب المقترض بقيمة الشيء المقترض في الزمان والمكان الذين يجب فيهما الرد»[123].
إضافةً إلى ذلك نص المشرع المغربي في الفصل 860 من قانون الالتزامات والعقود على أنه:« إذا تسلم المقترض بدلا من النقود المتفق على إقراضها أوراقاً مالية أو سلعاً، فإن المبلغ المقترض يحسب بسعر السوق لهذه الأوراق المالية أو السلع في مكان التسليم وزمانه. وكل اشتراط يخالف ذلك يكون باطلاً».
فقد نص هذا الفصل على أنه إذا كان الشيء المقترض عبارة عن لأوراق مالية أو سلع، فإنه يتعين حساب سعره على أساس سعر السوق لهذه الأوراق أو السلع, ويتحدد هذا السعر في مكان تسليم القرض وزمانه، وذلك حتى لا يكون تغير المكان، أو اختلاف الزمان، مبرراً لزيادة يتحملها المقترض، من قيمة تلك الأوراق أو السلع الحقيقة.
وقد اعتبر القانون المغربي أن أي شرط يخالف ما تقدم يكون باطلاً لمخالفته للنظام العام فإذا كانت قيمة الورقة المالية في السوق قد انخفضت عن قيمتها الاسمية، فحسبها المقرض على المقترض بقيمتها الاسمية لا السوقية كان العقد باطلاً طبقاً للفصل 860.[124]
الفرع الثاني: المنفعة الاختيارية في القرض.
إتفق معظم الفقهاء على جواز أخذ الزيادة على مقدار القرض من المقترض بشرط عدم إشتراط ذلك في العقد، قال ابن قدامة:« فإن أقرضه مطلقاً من غير شرط فقضاه خيراً منه في القدر أو الصفة أو دونه برضاهما جاز. وكذلك إن كتب له بها سفتجة، أو قضاه في بلد آخر جاز، ورخص في ذلك ابن عمر وسعيد ابن المسيب والحسن والنخعي والشعبي والزهري والمكحول وقدادة ومالك والشافعي وإسحاق...»[125].
وقال ابن حزم:« فإن تطوع عند قضاء ما عليه بأن يعطي أكثر مما أخذ، أو أقل مما أخذ، أو أجود مما أخذ، أو أدنى مما أخذ، فكل ذلك حسن مستحب ومعطي أكثر مما اقترض وأجود مما اقترض مأجور، والذي يقبل أدنى مما أعطى، أو أقل مما أعطى مأجور...»[126].
والدليل على جواز رد الزيادة في القرض:
1 ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان لرجلٍ على النبي صلى الله عليه وسلم سنٌّ من الإبل فجاء يتقاضاه، فقال أعطوه فطلبوا سنَّهُ فلم يجدوا له إلا سناً فوقها، فقال: أعطوه، فقال:أوفيتني أوفى الله بك، قال النبي صلى الله عليه وسلم:﴿ إن خياركم أحسنكم قضاء﴾[127].»
2 ما ورد عن أبي رافع رضي الله عنه أنه قال: «استسلف النبي صلى الله عليه وسلم بكراً، فجاءه إبل الصدقة، فأمرني أن أقضيَ الرجل بكره، فقلت: إني لم أجد في الإبل إلا جملاً خياراً رباعياً، فقال: ﴿ أعطه، فإن من خير الناس أحسنهم قضاء﴾[128]».
وجه الدلالة من هذين الحديثين ظاهر، حيث كانت الزيادة في صفة المردود وهو بدل القرض، إذ يفهم من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ردَّ جملاً رباعياً، وهو الذي استكمل ست سنين ودخل في السابعة، أما المستقرض وهو البكر فدون الرباعي من حيث السن فكان ذلك فضلا وإحسانا من النبي صلى الله عليه وسلم تجاه المقرض بدون اشتراط ذلك.
وقد سكت المشرع المغربي عن المنفعة غير المشروطة أو ما يطلق عليه اسم الفائدة غير المشروطة، وسكوته هذا لا يدل على عدم جوازها وقانونيتها، فبمفهوم المخالفة للفصل 870 من قانون الالتزامات والعقود الذي يحرم الفائدة المشترطة بين المسلمين كيفما كان شكلها ونوعها، نستنتج أن الفائدة الغير مشروطة في العقد جائزة.
المبحث الثاني: توثيق عقد القرض.
شرع الإسلام أموراً كثيرة لصيانة العقود والمعاملات من التحريف وحفظت الحقوق من الضياع والجحود، فصارت المعاملات أكثر نشاطاً، وقد اقتصرت على ثلاثةٍ من أهم وسائل التوثيق وهي: الكتابة الشهادة الرهن.
المطلب الأول: الكتابة.
الكتابة هي من أهم الوسائل لحفظ المعلومات من التحريف والضياع ،وقد استخدمها الإنسان عبر التاريخ فهي قديمة بقدمه . وجاء القران فأعلى من شأن الكتابة، فكان أول الآيات نزولا:﴿إِقْرَاء وَرَبُكَ اَلأَكْرَمُ اَلذِي عَلَّمَ بِاْلقَلَمْ﴾[129].
وأوصانا الله تعالى بكتابة الديون المترتبة على المعاملات وذلك حفظاً للحق من الضياع، فقال سبحانه في أطول آية في القرآن :﴿ يَأَيُهَا اَلذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالعَدْلِ ولا يأبى كَاتِب أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَمَهُ الله فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلل الذِي عَلَيْه الحَق وَلْيَتَقِي الله رَبَهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيئاً فَإنْ كَانَ الذِي عَلَيهِ الَحَقَ سَفِيهًا أو ضَعِيفًا أو لاَ يَسْتَطِيعُ أن يُمْلِ هُوَ فَليُمْلِلِ وَلِيُه بِالعَدْل وَاسْتَشْهِدُوا شَاهِدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُم فَانْ لَم يَكُونَا رَجُلَيْن فَرَجُل و َامَرَأَتَان مِمَنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُهَدَاء أَنْ تَضِلَ إِحدَاهُما فَتُذَكِرَ إِحدَاهُمَا الأخْرى وَلَا يَأْبَى الشُهَدَاء إِذَا مَا دُعوُا وَلَا تَسْاموا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلى اَجَلِه ذَلِكُم اَقْسطُ عِنْدَ الله وأَقْوَمُ لِلشَهَادَة وَاَدْنَي أَلَا تَرْتَابُوا إِلَا أَنْ تَكُونَ تِجَارَة حَاضِرةٌ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُم فَلَيْسَ عَلَيْكَمْ جُنَاح أَلاَ تَكْتُبُوهَا واْشْهِدُوا إَذَا تَبَايَعْتُم وَلَا يضَارُ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيد وَاِنْ تَفْعَلُوا فَاِنَهُ فُسُوقٌ بِكُمْ واِتَقُوا الله وَيُعَلِمَكُم الله وَاَلله بِكُلِ شَئ عَلِيمٌ ﴾[130] ، وحتث السنة النبوية الشريفة على كتابة الوصية تبيانا للحقوق المتعلقة بذمة المسلم فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:﴿ ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنه[131]﴾.
مشروعية الكتابة وحجيتها :
اتفق الفقهاء الذين يعتد برئيهم على مشروعية الكتابة كوسيلة من وسائل الإثبات لكثرة النصوص وصراحتها، ولكن اختلفوا بعد ذلك في التفاصيل مثل هل الآية ﴿فَاكْتُبُوهُ﴾ للوجوب والفرضية أم للندب والإرشاد؟ وهل الحجة بالكتابة المقرونة بالأشهاد أم الخالية منه؟[132]
على كل حال فإن الكتابة إذا استجمعت الأمور التي ذكرتها الآية فهي حجة بلا شك:
1 أن يكون الكاتب عدلا معتمدا:﴿ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِاْلعَدْلْ﴾.
2 توثيق الكتابة بالاشهاد:﴿ وَاِسْتَشْهِدُوا شَاهِدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾.
3 أن تحتوي الوثيقة على اعتراف من عليه الحق بذلك الحق:﴿ فَلْيَكُتُبْ وَلْيُمْلِئ الذِي عَلَيْهِ الْحَقَ وَلْيَتَقِي الله رَبَهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا﴾.
4 أن تحتوي الوثيقة تفاصيل العقد:﴿ وَلَا تَسْاَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى اَجَلِهِ﴾.
وخلاصة القول أن الآية الكريمة أمرت بكتابة الدين لدى كاتب موثق معتمد، مع توثيق الكتابة بالاشهاد عليها، وهذا هو السند العادي أو العقد الرسمي الذي يستعمل اليوم في الحياة العصرية. وهو حجة قوية في القضاء في حالة التخاصم بين الطرفين.
المطلب الثاني: الإشهاد.
الشهادة هي طريقة أخرى لتوثيق الدين وحفظه من الضياع، لذلك جعل الله سبحانه الشهادة حقا له فقال :﴿ وَأَقِيمُوا الشَهَادَةَ لِله﴾[133]، وحث عز وجل عليها حفظا للحقوق من الضياع ودفعاً للتنازع فقال:﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَاِنْ لَمْ يَكُنْ رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَاِمْرَأَتَانِ مِمَنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الَشُهَدَاءِ﴾[134]، وقال في نفس الآية :﴿ وَلَا يَأْبَى الَشُهَدَاءَ إِذَا مَا دُعُوا ﴾ وذكر الله فيها قوله:﴿ وَاَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾، وقال تعالى:﴿ وَلاَ تَكْتُمُوا الَشَهَادَة وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَاِنّهُ إَثِمٌ قَلْبَهُ وَالَلهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾[135]، وقال تعالى :﴿ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَاشْهَدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِالَلهِ حَسِيبًا﴾[136]، وقال تعالى:﴿ وَاشْهَدُوا ذَوِي عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾[137].
والشهادة في اللغة : أن يخبر بما رأى,، وان يقر بما علم، والخبر القاطع، والبينة، ومجموع ما يدرك به الحس[138]. أما الإشهاد فهو الحضور والمعاينة مأخوذ من المشاهدة[139].
حكم الإشهاد: نذب الشرع الإشهاد وحصن عليه.
نصاب الشهادة: يثبت الحق أمام القضاء بشهادة رجلين قد استوفيا شروط الشهادة.
قال الإمام القرافي:«ما علمت عندنا ولا عند غيرنا خلافا في قبول شهادة مسلمين عدلين في الدماء والديون »[140] ، وذلك استنادا إلى الآية:﴿ وَاشْهَدُوا ذَوِي عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾[141]، وينوب عنها شهادة لرجل وامرأتان، وذلك على الخيار بين الحالتين، فلا يشترط مانع لمشاركة النساء بدل الرجلين، لقوله تعالى:﴿ فَاِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَاِمْرَأَتَانِ مِمَنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُهَدَاءِ أَنْ تَضِلَ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلَا يَأْبَى الشُهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ﴾[142] .
ونابت المرأتان عن الرجل لبعد النساء عادة عن العقود والمعاملات في المجتمع الإسلامي، فكانت عرضة لنسيان[143].
شروط الشهود:[144]
يجب على من يريد الإشهاد لحفظ حقه من الضياع أو الجحود أن يتحرى توفر الشروط التالية في الشهود لتكون شهادتهم صحيحة مقبولة عند القاضي:
1 الإسلام:﴿ وَاِسْتَشْهِدُوا شَاهِدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾، ولان في الشهادة ولاية على المشهود.
2 العقل والبلوغ: وهما سبب في تحري الصواب والحق، والصبي والمجنون لا يدركان عواقب الكذب، كما انه لا مسؤولية عليهما.
3 البصر والتيقظ: أن يكون متيقظا حافظا لما يشهد به فان كان مغفلا أو معروفا بكثرة الغلط لم تقبل شهادته.
4 العلم بالمشهود به : أي أن يشاهد بعينه ويكون حاضرا للعقد، لهذا لا يصح أن يشهد على ظنه وأما يشهد على يقينه، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال:« سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة، قال:﴿ هل ترى الشمس ؟﴾ قال: نعم قال:﴿ على مثلها فاشهد أو دع﴾[145].
5 العدالة:﴿ وَاشْهَدُوا ذَوِي عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾، « وجملته أن العدل هو الذي تعتدل أحواله في دينه وأفعاله قال القاضي: يكون ذلك في الدين والمرؤة والأحكام أما الدين فلا يرتكب كبيرة ولا يداوم على صغيرة»[146] , وقال تعالى :﴿ يَا أَيُهَا الّذِينَ اَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينْ﴾[147]، والفاسق لا يتورع عن شهادة الزور والقول الباطل.
6 ألا يكون محدودا بقذف: وذلك لقوله تعالى عن الذين يقذفون بغير بينة:﴿ وَالَذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الفَاسِقُونْ﴾[148]، ومن لا يتورع عن الوقوع في أعراض الناس لا يتورع عن التعدي على أموالهم وأماناتهم.
7 ألا يكون متهما بقرابة: كالأصول من مثل الأب والجد والأم، والفروع كالابن أو كل من الزوجين للأخر، وشهادة احد الشريكين للأخر أو متهما بخصومه.
المطلب الثالث: الرهن.
الرهن من أهم وسائل حفظ حق المقرض في الاستيفاء، وذلك بان يبيع العين المرهونة، وحصوله على كامل حقوقه من دون أن يقع في مخاطر عدم استيفاء المال الذي قام بإقراضه إلى المقترض.
الرهن في اللغة: الحبس[149]،قال ابن فارس: اصل يدل على ثبات شيء يمسك بحق أو غيره[150].
وفي اصطلاح الفقهاء: عبارة عن المال المتمول الذي يجعل وثيقة بالدين ليستوفي من ثمنه عند تعذر وفائه من المستدين[151] .
مشروعية الرهن:
في القرآن:
قوله تعالى:﴿ وَاِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَان مَقْبُوضَة﴾[152] .
وقوله تعالى: ﴿ كُلُ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة﴾[153].
ومن السنة أحاديث كثيرة منها:
عن عائشة رضي الله عنها:﴿ أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى اجل ورهنه درعا من حديد﴾[154].
عن انس رضي الله عنه قال: ﴿ ولقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه بشعير﴾[155].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:﴿ الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة﴾[156].
وأما إجماع الأمة:
فقد اجمع المسلمون على جواز الرهن[157]، واتفق الفقهاء على أن الرهن من الأمور الجائزة وليست من الواجبة على المتعاقدين، وأما نص الآية ﴿ فَرِهَان مَقْبُوضَة﴾ فهو للإرشاد وليس للالتزام، وذلك مبين في قوله تعالى:﴿ فَانْ اَمَنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤد الَذِي اِئُتُمِن أَمَانَتَهُ﴾[158].
أركان عقد الرهن( عند الجمهور):[159]
1 العاقد: والمقصود به كل من الراهن والمرتهن، ويشترط في كل منهما أن يكون مكلفا بالغا عاقلا، وان يكون غير مكره, وان يكون من أهل التبرع، فلا يصح رهن المحجور عليه.
2 الصيغة: لا يصح إلا بالإيجاب والقبول كما قرر جمهور العلماء.
3 المرهون: أهم شروطه عند الجمهور هي أن يكون عينا قابلا للبيع بتقويمه وتملكه.
4 المرهون به: ويشترط أن يكون دينا أو عينا مضمونة بنفسها.
٭أحكام الرهن الصحيح:[160]
إذا ثبت الرهن استحق الدائن حبس العين المرهونة بنفسه أو بغيره، ومنع المالك من التصرف بها إلى حين استيفاء الحق، فإن عجز المدين عن إيفاء كامل الدين بيع الرهن بإذن المدين أو بإذن القاضي، وأخذ الدائن حقه كاملاً، ورد الباقي لصاحبه.
٭أحكام الرهن الباطل:
يوجب رد العين لصاحبها بسبب بطلان الرهن، وإن تلفت العين لا تكون مضمونة، أما حالة فساد الرهن عند الحنفية[161]، فتوجب الضمان على المرتهن بقدر ملاك العين المرتهنة، ويثبت حق استيفاء الدين منها.
وضع الرهن تحت يد رجل عدل:[162]
يحق للعاقدين أن يتفقا على وضع الرهن في يد شخص ثالث، وتكون العين أمانة عنده إلى وقت الاستحقاق، فيبيعها بإذن العقدين أو بأمر القاضي.
وبهذا نرى أن الرهن في الشريعة الإسلامية يحفظ للمقرض وغيره من أصحاب العقود كامل حقهم في استرجاع أموالهم وممتلكاتهم التي اقرضوها، وهذه الوسائل الشرعية التي رأيناها ( الكتابة/ الشهادة/ الرهن) تزيد من ثقة الناس والمتعاملين فيما بينهم وتجعلهم أكثر إقبالا على الإقراض، وبذلك تتحقق الغاية النبيلة للقرض وهي مساعدة الفقراء والمعسرين في أزماتهم المالية.
خلاصة :
لقد توصلت من خلال بحثي هذا الى مجموعة من النتائج أهمها في النقط التالية:
1 القرض في الشريعة الاسلامية يحمل صفة القرض الحسن، وهو عقد مخصوص يأخذ أحد المتعاقدين بموجبه مالاً من الآخر على أن يرد مثله أو قيمته إن تعذر ذلك، وهو من الطرف الآخر قربة الى الله وارفاقاً بالمحتاجين من باب التبرع والتفضل فقط.
2 الراجح من آراء وأقوال فقهاء المذاهب أن القرض هو من عقود التبرعات وإن كانت به شبهة معاوضة، وهناك أشياء كثيرة تدل على أنه من عقود التبرعات، من ذلك أنه يختلف مع عقود المعاوضات في أهم عنصر يميزها، ألا وهو المنفعة، فالمنفعة في عقود المعاوضات تكون للطرفين، عكس القرض الذي تكون فيه المنفعة للطرف المقترض فقط، أما المقرض فهدفه التقرب الى الله تعالى.
3 وجود خلاف أيضاً في القانون المغربي حول ما إذا كان عقد القرض من العقود العينية التي لا يكفي فيها الايجاب والقبول لإنعقاده، بل لابد من تسليم المقرض للشيئ المقترض الى المقترض، أم أنه من العقود الرضائية والتي يكفي لإنعقادها تبادل الايجاب والقبول بين الطرفين، وقد رجح المشرع المغربي رضائية عقد القرض وبالتالي يكفي تبادل الايجاب والقبول بين المتعاقدين لإنعقاد القرض ويصبح التسليم من الآثار التي يرتبها هذا العقد.
4 أما في مسألة حكم الأجل فالراجح هو لزوم الأجل المشروط وذلك لقوة الأدلة النقلية والعقلية.
5 يجب على الطرفين توثيق عقد القرض بإحدى وسائل التوثيق المشروعة كالكتابة والشهادة والرهن، لكي تحفظ الحقوق من الضياع والجحود.
٭قائمة لأهم المصادر والمراجع:
القرآن الكريم برواية ورش عن نافع.
1 البخاري محمد بن اسماعيل :صحيح البخاري، دار السلام، الرياض، ط:2 ،1999 .
2مسلم أبو الحسن بن حجاج النيسابوري: صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
3النسائي،أحمد بن شعيب : سنن النسائي بشرح السيوطي وحاشية السنادي ، دار البشائر الاسلامية، بيروت،ط:3 ، 1994.
4ابن ماجة، سنن ابن ماجة: تحقيق : فؤاد عبد الباقي، دار احياء الثراث العربي، بيروت.
5النيسابوري، ابو عبد الله الحاكم: المستدرك على الصحيحين، بيروت، دار الفكر، 1978.
6ابن كثير اسماعيل: تفسير القرآن العظيم، تحقيق كمال على الجمل، دار التوزيع والنشر الاسلامية، 1998.
7القرطبي: الجامع لآحكام القرآن، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987.
8الفيروزآبادي،مجد الدين بن أحمد، القاموس المحيط، تحقيق: بإشراف محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت،ط:3،1993.
9النووي محي الدين ابو زكريا: صحيح مسلم بشرح النووي، تحقيق: خليل شيحا، دار المعرفة، بيروت ، ط:5، 1998.
10الأزهري: تهذيب اللغة، تحقيق : عبد العظيم محمود.
11مالك، ابن انس: موطأ الامام مالك، دار الكتب العلمية، بيروت، 1984.
12شمس الدين الرملي: نهاية المحتاج الى شرح ألفاظ المنهاج في الفقه على المذهب الشافعي، دار احياء التراث العربي، بيروت.
13ابن عابدين، محمد أمين، رد المحتار على الدر المختار وحاشية ابن عابدين، دار الكتب العلمية، بيروت.
14العك خالد: موسوعة الفقه المالكي، دار الحكمة، دمشق، ط:1, 1993.
15الجزيري: ابو بكر: الفقه على المذاهب الاربعة، دار الحديث، القاهرة.
16الجندي محمد الشحات: القرض كأداة للتمويل في الشريعة الاسلامية، القاهرة، ط: 1، 1996.
17ابن حزم،ابو محمد على الاندلسي، المحلى، تعليق: احمد شاكر، القاهرة، مطبعة: منير الدمشقي.
18البهوتي: منصور بن يونس، كشاف القناع على متن الاقناع، دار الفكر بيروت: 1982.
19الشوكاني: نيل الاوطار، دار الجيل، بيروت، 1973.
20موشلي عمار: كتاب القرض ثوابه واحكامه، دار الالباب، دمشق، 1993.
ابن قدامة: موفق الدين عبد الله بن احمد: المغني، تحقيق: محمد محيسن، الرياض، 1981.
21ابن قدامة: موفق الدين عبد الله بن احمد، الكافي في فقه الامام احمد، بيروت، المكتب الاسلامي ، ط: 5، 1998.
22الكاساني: علاء الدين ابوبكر بن مسعود، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، بيروت، دار الكتاب العربي، ط: 2، 1982.
23ابن جزي، محمد بن احمد الغرناطي: القوانين الفقهية، تحقيق، عبد الكريم الفضيلي، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، 2005.
24الباجي، ابو الوليد سليمان بن خلف الاندلسي: المنتقي شرح موطأ مالك، مطبعة السعادة، مصر، ط:1، 1332.
25ابن القيم عبد الرحمان بن الجوزي، أعلام الموقعين عن رب العالمين، مطبعة السعادة مصر.
26علاء الدين خروفة: عقد القرض في الشريعة الاسلامية، ط:1، مؤسسة نوفل.
27المصري، رفيق يونس: الجامع في أصول الربا، دمشق: دار القلم، ط:2، 2001.
28أحمد أسعد محمود الحاج: نظرية القرض في الفقه الاسلامي،دار النفائس، عمان،ط:1، 2008.
29الزحيلي وهبة: المعاملات المالية المعاصرة، دار الفكر دمشق، 2006.
30محمد نور الدين أردنية: القرض الحسن واحكامه في الفقه الاسلامي، جامعة النجاح الوطنية، نابلس فلسطين، 2010.
31حسن الفكهاني: التعليق على قانون الالتزامات والعقود المغربي، الدار العربية للموسوعات، القاهرة،ط:1، 1992/1993.
32محي الدين اسماعيل علم الدين: أصول القانون المدني المغربي، العقود المسماة.
الهوامش
إن الفقر له آثار سلبية على الفرد والمجتمع والتكيف معه أمر صعب جدا, لذلك شرع الإسلام الاقتراض للتخفيف عن المعسر, فهو يمثل وجه من أوجه التكافل في المجتمع فبواسطته يتحقق نوع من السعة على الفقراء مما ينشر المحبة والألفة بين الناس.
وتسهيل عملية الاقتراض يمنع حصول الكثير من جرائم السرقة, فالإنسان لن يفكر بالطرق الملتوية للحصول على المال إذا كان الحصول عليه بالطرق الصحيحة متيسرا وسهلا, إضافة إلى ما يحصل عليه المقرض من الثواب والأجر من الله, والقرض أفضل من الصدقة لأنه يحفظ ماء وجه الإنسان ويصون له كرامته وعزة نفسه.
والقرض ييسر أمور الناس ويحل بعض مشكلاتهم المالية, ولقد وضعت الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي أسسا معينة تكفل مصلحة الطرفين المقرض والمقترض على حد سواء, وشرعت من الأحكام ما يكفل الحفاظ على المال المقرض, ويكفل انتفاع المقترض بما أخذه من المال لينتفع به على أن يقوم برد بدله.
وبناءا على ما تقدم فان القرض هو خدمة اجتماعية واقتصادية وإنسانية أيضا, فهو خدمة اجتماعية بحيث يحقق التكافل بين أفراد المجتمع ويقلل من نسب الفقر المنتشرة في المجتمع, وهو خدمة اقتصادية لأنه بسببه تحدث التنمية في المجتمع حيث تقوم المؤسسات المالية والبنوك بمساعدة الفقراء والموظفين محدودي الدخل لتجاوز أزماتهم المالية, خاصة في الأوقات التي تكثر فيها المصاريف كالأعياد والمناسبات الخاصة, وتقوم هذه البنوك أيضا بمساعدة أصحاب المشروعات وتحديدا الصغيرة منها في إقامة مشروعاتهم مما يضفي قوة اقتصادية للمشروعات الوطنية.
فجوهر عملية الاقتراض هو نقل الموارد ممن يملك إلى من لا يملك, أو من يملك لكنه يطمح إلى زيادة ثروته, وازدهار معيشته, تطلعا إلى الغنى والرخاء الاقتصادي.
والقرض هو خدمة إنسانية أيضا لأنه يحقق محورين أساسيين شرع القرض لأجلهما وهما:
أولا :التنفيس عن المسلمين في كرباتهم كأعباء الأعياد والتعليم والزواج.
ثانيا :التيسير على المعسرين بقروض لتيسير وتخفيف عسرهم وترويج نشاطهم الاقتصادي.
إن القرض من وجهة نظر الشرع هو باب كبير للتنفيس عن المعسرين, وبذلك حث المصطفى صلى الله عليه وسلم على مساعدة المحتاجين والتنفيس عليهم حيث يقول في الحديث الشريف الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه:﴿ من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة, ومن يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة,ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه﴾[1], فمن خلال الحديث نرى أن مكانة مساعدة المحتاجين عظيمة عند الله ومنها تقديم القروض الحسنة.
فالملاحظ من خلال ما سبق أن القرض الحسن يهدف إلى تحقيق وإعلاء قيم التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع, وبالشكل الذي يعمق من معنى ومضمون التعاون الايجابي والمشاركة الفعالة التي حث عليها القران الكريم بقوله تعالى :﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى اَلبِرّ وَالَتَقْوَى ﴾[2]
الفصل الأول:
المبحث الأول: تعريفات القرض.
المطلب الأول: تعريف القرض لغة.
القرض في اللغة القطع: قَرَضْتُ الشيء اَقْرِضُهُ بالكسر قرضا: قطعتهُ,والقرضُ: ما تعطيه من المال لتقضاه واستقرضت من فلان, أي طلبت منه القرض فأقرضني, واقترضت منه: أي أخذت منه القرض, والقرض أيضا: ما سلفت من إحسان ومن إساءة وهو على التشبيه[3].
قال تعالى:﴿مَنْ ذَا اَلَذِي يَقْرِضُ اَللهَ قَرْضاً حَسَنًا فَيُضَاعِفُهُ لَهُ﴾[4], في قوله قرضا حسنا اسم, ولو كان مصدرا لكان إقراضا, والقرض اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء من صدقة أو عمل صالح, تقول العرب ذلك عندي قرض حسن وقرض سيئ, واصل القرض ما يعطيه الرجل أو يفعله ليجازى عليه, والله عزوجل لا يستقرض من عوز ولكنه يبلو عباده بما مثل لهم من خير يقدمونه وعمل صالح يعملونه, فجعل جزاءه كالواجب لهم مضاعفاً[5].
وروي عن أبي الدرداء انه قال: إن قارضت الناس قارضوك وان تركتهم لم يتركوك.ثم قال اَقْرِضْ من عِرضك ليوم فقرك ومعنى قوله إن قارضتهم قارضوك, يقول: إن ساببتهم سابُّوك وجازوك. ومعنى قوله اقرض من عِرضك ليوم فقرك, يقول: إذا اقترض الرجل عرضك بكلام يسوؤك ويحزنك فلا تجازه حتى يبقى اجر ما ساءك به ليوم فقرك إليه في الآخرة[6].
وفي تكملة المجموع نجد التعريف اللغوي الأتي:«أما اللغات فالقرض القطع والقرض في المكان العدول عنه ومنه قوله تعالى:﴿وَإِذَا غَرَبت تَقْرِضْهُم ذَاتَ اَلشِمَال﴾الكهف:17,وقرضت الوادي جزته,وقرض فلان مات, وقرضت الشعر نظمته.قال ابن دردير: وليس في الكلام يقرض على وزن ينصر البتة, وإنما الكلام على وزن يضرب والقرض ما تعطيه غيرك من مال لتقض والجمع قروض واستقرض طلب ألقرض واقترض احده ولأنه قطع له من ماله قطعه[7].
المطلب الثاني:القرض في الاصطلاح.
عرّف فقهاء الشريعة القرض تعريفات متعددة,تختلف عباراتها بحسب المذاهب المختلفة,غير أنها تكاد تكون متقاربة في معناها ومضمونها وان اختلفت في ألفاظها وظاهرها, وسأقوم بإيراد تلك التعريفات على النحو التالي لتتضح صورة القرض في الشريعة الإسلامية:
1ففي المذهب الحنفي نجد ابن عابدين يعرف القرض بقوله:«القرض هو عقد مخصوص بلفظ القرض ونحوه,يرد على دفع مال مثلي لآخر ليرد مثله»[8].
وعرفه الأحناف تعريفا آخر بقولهم هو:«ما تعطيه من مثلي لتتقاضاه»[9].
2ففي المذهب المالكي عرَّف ابن عرفة القرض بأنه:«دفع متمول في عوض غير مخالف له لا عاجلا,تفضلا فقط», وعرفه الشيخ عليش المالكي أيضا بقوله:«القرض هو دفع متمول في مثله غير معجل لنفع أخذه فقط»[10].
3أما المذهب الشافعي فقد عرَّف شمس الدين الرملي الشافعي القرض بقوله: «الإقراض هو تمليك الشيء على أن يرد بدله» وعرفه بعض الشافعية أيضا بقولهم :«ما تعطيه غيرك من المال لتتقاضاه»[11].
وفي تعريف آخر قولهم :القرض يطلق شرعاً بمعنى الشيء المقرَض بفتح الراء, فهو اسم مفعول من قوله تعالى:﴿مَنْ ذَا اَلذِي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَنًا ﴾[12].فان القرض هنا معناه القرض الموصوف بكونه حسناً ويطلق على معنى المصدر بمعنى الإقراض ويسمى القرض سلفاً, وهو تمليك الشيء على أن يرد مثله[13].
ونجد هنا الشافعية قد ابرزوا خاصية الحسن في القرض, ووصفوه بذلك تبعا لما جاء في الآية الكريمة, وهو بيان لخاصية القرض في الشريعة,وهو كونه خاليا من الفائدة, و أن الغرض والغاية منه هو نفع المقترض,فهو بمحض قربة لله عز وجل.[14]
4عرف فقهاء الحنابلة القرض بتعريفات متعددة مختلفة الألفاظ متفقة المعاني.
التعريف الأول: القرض هو:«دفع المال رأفة وإرفاقا لمن ينتفع به ويرد بدله[15],وهو نوع من المعاملات على غير قياسها لمصلحة لاحظها الشارع, رفقاً بالمحتاجين.
وفي تعريف ثان للقرض لدى الحنابلة: هو دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله, وهو نوع من السلف لانتفاع المقترض الشيء الذي يقترضه[16],وفي هذين التعريفين نجد تركيز الحنابلة على أولوية الانتفاع بالمال المقرض من قبل المقترض, لكن بالمقابل يجب على المقترض أن يرد نظير هذا المال للمُقْرِضْ.
5المذهب الظاهري: يقول الإمام ابن حزم في القرض:«هو أن تعطي إنسانا شيئاً بعينه من مالك تدفعه إليه, ليرد عليك مثله أما حالا في ذمته, وأما إلى اجل مسمى, هذا مجمع عليه[17].
خلاصة: يتضح لنا من خلال ما سبق من تعاريف الفقهاء للقرض بأنها تكاد أن تكون متقاربة في معناها ومضمونها وان اختلفت في ألفاظها و ظاهرها, ومما يجمع بينها من معانٍ أنها دلت على أن عقد القرض هو: عقد تبرع يبذله صاحبه مبتغيا به القربة من الله, لينتفع به غيره, كما اتفقت تلك التعاريف على أن محل العقد يكون في المثليات, واتفقت أيضا على وجوب رد الشئ المقترض.
ويسمى نفس المال المدفوع على الوجه المذكور قرضاً, والدافع للمال مقرضاً, والأخذ مقترضاً أو مستقرضاً, أي أن هناك ثلاثة أطراف مكوِنة لعقد القرض, وبهذه الحالة فان المال الذي يرده المقترض إلى المقرض عوضاً عن القرض يسمى: بدل القرض, واخذ أو تملك المال مؤقتاً يسمى: اقتراضاً.
ومن خلال عرض أقوال الفقهاء يمكن وضع مفهوم للقرض الحسن كالتالي: (هو عقد مخصوص يأخذ احد المتعاقدين من الأخر بموجبه مالاً على أن يرد مثله أو قيمته أن تعذر ذلك, وهو من الطرف الأخر قربة إلى الله وإرفاقا في المحتاجين من باب التبرع والتفضل).
أما من الناحية القانونية فنجد أن قانون الالتزامات والعقود المغربي يسمي القرض بعارية الاستهلاك ويعرفه في فصله 856 بأنه:«عقد بمقتضاه يسلم احد الطرفين للأخر أشياء مما يستهلك بالاستعمال أو أشياء منقولة أخرى, لاستعمالها, بشرط أن يرد المستعير عند انقضاء الأجل المتفق عليه, أشياء أخرى مثلها في المقدار و النوع والصفة».
ومن خلال هذا التعريف نلاحظ ما يلي:
أولا: أن المشرع المغربي جعل القرض عارية استهلاك ووضعها في قسم واحد مع عارية الاستعمال, والواقع انه لا صلة بين القرض وعارية الاستعمال التي وردت في نفس القسم معه إلا الصلة اللفظية, أما جوهر كل منهما وحقيقته فهي مختلفة عن الأخرى لان القرض يرد على الملكية وعارية الاستعمال ترد على المنفعة وان كان يجمعهما أنهما عقود تبرع.
ثانياً: لم يعتبر القانون الغربي عقد القرض عقدا عينياً كما فعل في عقد الوديعة الكاملة وعقد عارية الاستعمال إذ اعتبرهما عقدين عينيين, فعقد القرض رضائي, وبهذه المناسبة نلاحظ انه في التشريعات التي تجعل من عقد القرض عقدا رضائياً يمكن فيها للأطراف أن يتفقوا على أن يكون عقد القرض عقداً عينياً, وذلك إذا علقوا انعقاد العقد على تسليم محل القرض, ولكن العكس غير جائز, بمعنى انه في التشريعات التي تعتبره عقداً عينياً لا يستطيع الأطراف مخالفة القانون وجعل العقد رضائياً بمجرد اتفاقهم, لان القانون جعل من التسليم ركناً من أركان العقد وما جعله القانون ركناً فلا يمكن الاستغناء عنه[18].
وقانون الالتزامات والعقود تناول القرض من خلال طابعه المدني, عكس القانون التجاري الذي تحدث عن القرض كعملٍ تجاري (المادة:6 من مدونة التجارة)التي أكدت على أن البنك و القرض والمعاملات المالية تعتبر أيضا نشاطاً تجارياً, فالقرض هنا اكتسب الصفة التجارية, ويلاحظ أن القانون التجاري و القانون البنكي يستعمل كثيراً مصطلح الائتمان للتعبير عن القرض, فالائتمان هو المفهوم الأوسع للقرض فهو بمعناه العام:«مبادلة قيم حاضرة بقيم أجلة», وهناك من يعرفه بأنه: تقديم المال في صور متنوعة ممّن يملكه إلى من يحسن استخدامه أو يحتاج إلى قدر منه[19].
ولا بد من الإشارة إلى أن منح إي ائتمان إنما يعني مولد قرض, كما أن سداد القرض ينهي العملية الائتمانية.
يتضح مما سبق أن العملية الائتمانية لا تعدو أن تكون مبادلة اختيارية تقوم بين طرفين, فان قيام احد الأطراف بمنح ائتمان يتضمن بالضرورة حصول طرف أخر على قرض. أضف إلى هذا أن سداد القرض ينهي العملية الائتمانية, وبذلك فان الائتمان و القرض يولدان معاً وينتهيان معاً. غير أن الائتمان يعتمد على صورٍ تمويلية أخرى غير القرض, إذ يمكن أن يكون ثمن بيع اجل, أو دين سلم, أو دين تجارة, وبذلك يكون القرض احد صور الائتمان الذي يقترب من مفهوم الدين[20].
وجاء في شرح القانون التجاري المغربي ما يلي:«القرض هو عمليات الائتمان التي تقوم على وضع أموال بعوض رهن تصرف شخص يلتزم بردها بعد مدة, وتختص بهذه العمليات البنوك ومؤسسات التمويل.»[21]
وبالتالي فان الائتمان في المعاملات المالية والاقتصادية يعني الثقة التي يودعها الدائن (المقرِض) في المدين (المقترض) عندما يمنحه قرضاً.
المبحث الثاني: أدلة مشروعية القرض.
الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم, والقرض مشروع , والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع, فقد وردت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على إقراض الفقراء والمحتاجين, ورفع العوز عنهم وتفريج كربهم, وبينت ما اجز له الله عز وجل من ثواب عظيم لمن يقرض المسلم قرضاً حسناً مبتغياً بذلك وجه الله عز وجل, وهذه الآيات والأحاديث ما هي إلا إشارة إلى التجارة الأهم في حياة المسلم ألا وهي التجارة مع الله سبحانه وتعالى, وهذا بعض معاني القرض الحسن مع الله, تلك التجارة التي لن يخسر فيها المسلم لان ما سوف يقدمه سيجده أضعافا مضاعفة, وهي بذلك أعظم واربح تجارة, لان الله يعطيك الرزق فتنفقه في وجوه الخير والإحسان, وعندما ستنفق في هذا الدرب ياتيك العوض من الله أضعافا مع جزيل الثواب في الدارين.
المطلب الأول: الأدلة على مشروعية القرض من القران الكريم.
وردت آيات في أكثر من موطن في القران الكريم تدل على مشروعية القرض منها:
1قوله تعالى:﴿مَنْ ذَا الَذِي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفُهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة وَالله يَقْبُضُ وَيَبْسُطُ وَاِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾[22],فإقراض الله الموصوف بالغنى, والغني عن عباده قد خاطبنا بان القرض الحسن موجب كالعمل الصالح بالمضاعفة أضعافا كثيرة لمن قام به, والجزاء طبعاً بإثابة فاعله الثواب الجزيل[23].
فقوله تعالى:﴿قَرْضاً حَسَناً﴾ معناه كما قال عمرو بن عثمان الصدفي: لا يمُن به ولا يؤدي, وقال سهل بن عبد الله يعني أن لا يعتقد في قرضه عوضاً, وفي قوله تعالى:﴿فَيُضَاعِفُهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة﴾ بين الله عز وجل أن من انفق في سبيل الله لا يضيع عند الله تعالى بل يرد الثواب قطعاً وأبهم الجزاء[24].
2وقال تعالى:﴿وَاَقْرِضُوا اَلله قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفُ لَهُمْ وَلَهُمْ اَجْرٌ كَرِيمْ﴾[25], قال القرطبي في تفسيره:(واقرضوا الله قرضاً حسناً: بالصدقة والنفقة في سبيل الله, قال
الحسن: كل ما في القران من القرض الحسن فهو التطوع, وقيل: هو العمل الصالح من الصدقة وغيرها محتسباً صادقاً, قال الكلبي:«قرضاً» أي صدقة.
3قال تعالى:﴿إِنْ تُقْرِضُوا اَلله قَرْضاً حَسَنًا يُضَاعِفُهُ لَكُمْ وَيغْفِرْ لَكُمْ وَاَلله شَكُورٌ حَلِيم﴾[26].
يقول ابن كثير في تفسيره:(اي مهما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ومهما تصدقتم من شيء فعليه جزاؤه ونزل ذلك منزلة القرض له)[27].
4قال تعالى:﴿وَأَقِيمُوا اَلصَلاَةَ وَاَتُوا اَلزَّكَاةَ وَاَقْرِضُوا اَلله قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِمُوا لَأنْفُسِكُم مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اَلله هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمُ أَجْرًا﴾[28].
يقول القرطبي في تفسيره:(«وَاَقْرِضُوا اَلله قَرْضًا حَسَنًا» القرض الحسن ما قصد به وجه الله تعالى خالصا من المال الطيب, وقال عمر الخطاب رضي الله عنه: هو النفقة في سبيل الله)[29].
ومن خلال الآيات التي أوردتها من كتاب الله يُلاحظ مايلي:
٭الخطاب الإلهي في مستهل الآيات يحمل أسلوب استفهام﴿مَنْ ذَا اَلذِي﴾, ﴿إِنْ تُقْرِضُوا﴾ أسلوب شرط, ﴿وَاَقْرِضُوا اَلله﴾ أسلوب طلب مع ترغيب.
٭كلمة القرض حصرها الله سبحانه وتعالى في صفة الحسن ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾.
٭أن جزاء القرض الحسن مضاعفة الثواب أضعافا كثيرة: ﴿فَيُضَاعِفُهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾, ﴿يُضَاعِفُ لَهُمْ﴾, ﴿يُضَاعِفُهُ لَكُم﴾.
٭في الآية الرابعة نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى قد اتبع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بقوله تعالى ﴿وَاَقْرِضُوا اَلله قَرْضًا حَسَنًا﴾, وهذا فيه إعلاء من شان القرض الحسن, فالصلاة والزكاة هما ركنان من أركان الإسلام وإتباع القرض يهما يوحي بان القرض الحسن اعتلى مكانة الركن وهي المكانة التي يستحقها القرض الحسن لما فيه من خيرٍ واجرٍ عظيم.
المطلب الثاني: الأدلة على مشروعية القرض من السنة النبوية.
أكدت السنة النبوية الشريفة على أهمية التراحم والتكافل بين المسلمين فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:﴿ من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه﴾[30].
فهذا الحديث عام وشامل,ومن أهم الصور الأساسية لهذا التكافل والتعاون الإقراض بين أفراد المجتمع, فقد تعددت الأحاديث عن النبي التي تدل على جواز القرض بل وتحث عليه وترغب فيه, وتبين مكانته وفضله ومنها مايلي:
1عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:﴿ ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتهما مرة﴾[31],قال الإمام الشوكاني: موقعه(أي القرض) أعظم من الصدقة, إذ لا يقترض إلا محتاج[32].
2عن انس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:﴿ رأيت ليلة اسري بي على باب الجنة مكتوبا:الصدقة بعشر أمثالها, والقرض بثمانية
عشر, فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟قال: لأن السائل يسأل وعنده, والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة﴾ [33], فالقرض الحسن سلفة لمحض الخير القائم على الشهامة, فقد يستعفف بعض الناس عن تناول الزكاة والصدقات حياءً وخجلاً من شدة الحاجة, أما في القرض الحسن فإنهم ينالون ما فيه سداً لحاجاتهم مع صيانة حيائهم وعزتهم وكرامتهم[34].
3وفي صحيح البخاري جاء حديث مقارب للحديث أعلاه وبنفس الخصوص, فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه:﴿ أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه بعيراً, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطوه, فقالوا: لا نجد إلا سناً أفضل من سنه, فقال الرجل: أوفيتني أوفاك الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطوه فإن من خيار الناس أحسنهم قضاء﴾ [35].
ومن خلال كل هذه الأحاديث الشريفة السابقة يمكن أن نستفيد جملة من الأحكام منها:
٭المقارنة الواضحة بين الصدقة والقرض وذلك لاقتران الفعل الطيب في عمل القرض الحسن بفعل الصدقة وهذه المقارنة لفائدة القرض, فالقرض أفضل من
الصدقة﴿الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر...﴾.
٭يصور الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام في الحديث الشريف ﴿من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة..﴾بأن ثواب المقرض هو فك كربة من يوم القيامة, ثم يتمم النبي بقوله﴿ ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة﴾فالقرض يدخل في باب التخفيف والتيسير, لأن من يكون في حالة يسر وغنى قد يكون ذات يوم في حالة عسر وحاجة,وبالتالي عليه أن يساعد المحتاجين ويقرضهم مادام في حالة ميسورة لكي يجد بدوره من يساعده عندما يحتاج إلى مساعدة , فالله سبحانه وتعالى سييسر عليه الأمر في الدنيا والآخرة.
المطلب الثالث: في الإجماع.
اجمع فقهاء المسلمين على جواز القرض, وأن الأمة الإسلامية لاتزال تتعامل به منذ عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى عصرنا هذا, والفقهاء يقرونه من غير إنكار احدهم.
فقد اقترض الصحابة رضوان الله عليهم واقرضوا, وكان معنى الإقراض لديهم دليلاً على التقوى والمروءة وطريقاً من طرق فعل الخير بالناس والتخفيف عن كاهل المسلمين وهذا السلوك الطيب اكتسبوه من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو أيضا قربة يتقربون به إلى الله سبحانه لما فيه من أبواب الرفق والرحمة والإحسان بالغير.
٭عن مجاهد انه قال:( إستسْلف عبد الله بن عمر من رجل دراهم, ثم قضاه دراهم خيراً منها, فقال الرجل:يا أبا عبد الرحمان, هذه خير من دراهمي التي أسلفتك, فقال عبد الله بن عمر: قدعَلِمْتُ, ولكن نفسي بذلك طيبة.)[36].
٭وعن القاسم عن عائشة رضي الله عنها,أنها كانت تدان فقيل لها مالك والدين وليس عندك قضاء؟ فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ﴿ مامن عبد كانت له نية في أداء دينه, إلا كان له من الله عون,فأنا ألتمس ذلك العون﴾[37]
المطلب الرابع: حكمة مشروعية القرض.
للقرض حكم وفوائد جليلة, شرع القرض لأجلها ففيه تعويد للإنسان على البذل والعطاء, ونزع بذور الشح والبخل من نفسه, كما أن فيه إبرازاً لمبدأ الأخوة الذي ينبغي أن يسود في المجتمع الإسلامي تحقيقاً وتطبيقاً لقوله تعالى:﴿إِنَمَا اَلمُؤْمِنُونَ إِخْوَة﴾[38], والإخوة تقتضي وجوب التعاون بين المسلمين في حل مشاكلهم, كما أن في مشروعية القرض تحقيقاً لمبدأ التكافل والتعاون الذي ينبغي أن ينشأ بيت المؤمنين الذين بعضهم أولياء بعض, لقوله تعالى:﴿وَاَلمُؤْمِنُونَ وَ الَمُؤْمِنَاتْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾[39], فالقرض فيه تعاون وتكافل يبدو واضحاً جلياً بين المسلمين في المجتمع الإسلامي, كما أن فيه تخفيفاً عن المحتاجين وتفريجاً لكربهم,فالمسلم بالقرض يرفع العوز والحاجة عن أخيه المسلم ويتحصل على الثواب الكبير في الدنيا والآخرة, وعلى رضا الله عز وجل مما يؤدي إلى زرع المحبة والألفة في قلوب الناس.
المبحث الثالث: أركان القرض وشروطه.
بحكم أن القرض يعتبر عقداً فلابد له من أركان وشروط لكي ينعقد ويتصف بصورته الإلزامية, أركان يقوم عليها القرض, وشروط لصحة كل ركن, وتختلف نظرة الفقهاء لهذه الأركان بحسب اختلاف مذاهبهم, فذهب الحنفية إلى أن أركان القرض هي الإيجاب والقبول أو ما يسمى الصيغة, يقول الكاساني في بيان ركن القرض :« أما ركنه فهو الإيجاب والقبول, والإيجاب قول المقرض: أقرضتك هذا الشيء, أو خذ هذا الشيء قرضاً ونحو ذلك, والقبول هو أن يقول المستقرض إستقرضت أو رضيت, وهذا قول محمد رحمه الله وهو إحدى الروايتين عن أبي يوسف.[40]
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن أركان القرض ثلاثة وهي: الصيغة والعاقدان والمعقود عليه.
أما المشرع المغربي فذهب إلى أن أركان القرض ثلاثة وهي: التراضي والمحل والسبب, وهي الأركان العامة اللازمة في كل عقد.
وسوف أسير على أساس تقسيم الجمهور للأركان لموضوعيته وشهرته وسأبحث في كل ركن من الأركان مع شروطه الخاصة, مع عدم إغفال تقسيم الحنفية وخاصة تقسيم المشرع المغربي الذي سأحاول تقريبه من تقسيم الجمهور.
الركن الأول: الصيغة وشروطها.
بما أن القرض عقد يتم بين طرفين يتوقف وجوده على صيغة تبين رغبة المتعاقدين في إنشائه, وتعطي بوضوح صورة متكاملة عن الاتفاق الذي حصل بينهما الخاص بتشكيل القرض, وذلك لان النية والإرادة يصعب كشفها لأنها أمر باطن ولا يمكن الإطلاع عليها إلا بما يدل عليها في الظاهر من قول أو فعل أو رسالة أو كتابة, فما يظهر الإرادة يسمى بالصيغة.
والصيغة هي الإيجاب والقبول, فالإيجاب ما صدر أولا عن احد الطرفين كقول المقرض أقرضتك هذا الشيء أو خذ هذا الشيء قرضاً, والقبول ما صدر عن الأخر, كأن يقول المقترض واستقرضت أو قبلت أو رضيت.
ولا خلاف بين الفقهاء في صحة الإيجاب والقبول بلفظ القرض والسلف وبكل ما يؤدي معناهما, قال سيد سابق:« عقد القرض عقد تمليك, لا يتحقق إلا بالإيجاب والقبول كعقد البيع والهبة, وينعقد بلفظ القرض والسلف, وبكل لفظ يؤدي إلى معناه»[41].
ولتكون الصيغة صحيحة يجب أن تتوفر فيها الشروط التالية:
أولا:أن تكون بلفظ جازم وصريح.
يقول شمس الدين الرملي:«وصيغته الصريحة أشياء منها: أقرضتك أو أسلفتك كذا أو هذا, أو خذه بمثله...أما خده بكذا فكناية هنا أيضا كما قال السبكي وغيره.. أو خذه ورد بدله, أو اصرفه في حوائجك ورد بدله...»[42].
ويقول ابن عابدين:« وينعقد القرض بكل ما وضع لتمليك العين في الحال», ويقول أيضا:« يصح القرض بلفظ القرض ونحوه كالدين, وكقوله: أعطني درهماً لأرد عليك مثله»[43].
ويتخذ الإيجاب والقبول صوراً متعددة في القانون مثل: أن تقوم شركة من الشركات بإصدار سندات تبيعها للجمهور أو يقوم شخص ما بتحرير كمبيالة لشخص آخر, أو يقوم بنك ما بفتح اعتماد لعميل له, أو يقبل منه وديعة, والعبرة دائماً بمضمون هذه الوثائق والأوراق المالية وليس باللفظ.
ثانياً: توافق الإيجاب مع القبول.
يتوافق الإيجاب مع القبول ويتلاقى معه إذا كان يتطابق معه في كل جزئياته, كأن يقول المقرض: أقرضتك مائة ويقول المقترض: قبلت, أما إذا قال له المقرض: أقرضتك مائة درهم, وقال المقترض: إقترضت مائتين لا ينعقد القرض.
وفي هذا الصدد يقول شمس الدين الرملي:« ولهذا إشترط فيه شروط البيع المتقدمة في العاقدين والصيغة كما هو ظاهر حتى موافقة القبول فلو قال: أقرضتك ألفاً فقيل خمسمائة, أو بالعكس لم يصح...»[44].
وتوافق الإيجاب مع القبول هو من شروط الانعقاد التي تحقق التراضي في عقد القرض, والتراضي كما ذكرت من قبل ركن من أركان عقد القرض في القانون, ويتفق مع الشريعة الإسلامية في التنصيص على شرط توافق الإيجاب مع القبول إلا أن الشريعة اعتبرته من شروط الصيغة, والقانون اعتبره من شروط الإنعقاد المحققة للتراضي.
ومن مظاهر رضائية عقد القرض أن الفصل 861 من قانون الإلتزامات والعقود ينص على أن:« ينقل المقرض إلى المقترض ملكية الأشياء والقيم المقترضة إبتداءً من الوقت الذي يتم فيه العقد بتراضي الطرفين, ولو قبل تسليم الأشياء المقترضة»
وما دمنا نعتبر القرض عقداً رضائياً, فإن مجرد تبادل الإيجاب والقبول المتطابقين المتوافقين يكفي لإنعقاد القرض, وترتيب إلتزاماته, ومنها التسليم, أما إذا إعتقد أحد الطرفين أنه يهيب وإعتقد الآخر أنه يقترض فإنه لا ينعقد بذلك عقد سواء هبة أو قرضاً, وكذلك لو اعتقد المعطى أنه يقرض, وإعتقد الآخر أنه يتهب لم ينعقد أي من العقدين.[45]
ثالثاً: إتصال الإيجاب بالقبول في مجلس العقد.
يعني أن يكون الطرفان حاضرين معاً في المجلس, فلو ترك صاحب الإيجاب المجلس قبل قبول الآخر بطل إيجابه, ولو قبل صاحبه بعد ذلك لا يعتبر هذا القبول متصلاً بالإيجاب لأن الإيجاب ذهب ولم يعد له وجود.
وكذلك لا يتم العقد إذا صدر الإيجاب وتأخر صدور القبول وقتاً طويلاً, كأن يغادر صاحبه المجلس أو يشتغل فيه بشغل آخر, وكذلك يبطل الإيجاب إذا رجع عنه صاحبه صراحة أو ضمناً قبل صدور القبول, وهذا ما يعرف عند الفقهاء باتحاد المجلس[46].
الركن الثاني: العاقدان وشروطهما.
العاقدان هما المقرض والمقترض المنشآن لعقد القرض, وليس كل شخص مؤهلا لإنشاء القرض, بل لابد أن تتوفر فيه شروط خاصة تؤهله لذلك, نجملها في شرطين أساسين:
الشرط الأول: أهلية العاقدين.
الأهلية شرط أساسي في العقود لكنها في عقد القرض يجب أن تكون أهلية تبرع, فلا يجوز القرض إلا ممن يجوز تبرعه, وهو كامل الأهلية بأن يكون عاقلا بالغاً.
قال الكاساني:« أما الذي يرجع إلى المقرض فهو أهليته للتبرع, فلا يملكه من لا يملك التبرع من الأب والوصي والصبي والعبد المأذون والمكاتب لأن القرض للمال تبرع ألا ترى أنه لا يقابله عوض للحال فكان تبرعاً للحال فلا يجوز إلا ممن يجوز منه التبرع, وهؤلاء ليسوا من أهل التبرع فلا يملكون القرض»[47] .
وقال شمس الدين الرملي:« ويشترط في المقرض بكسر الراء أهلية التبرع بأن يكون غير محجور عليه مختاراً لأن القرض فيه شائبة تبرع».[48]
وقانون الإلتزامات والعقود المغربي يقضي بأن الأهلية الواجب توافرها في المقرض, هي أهلية التفويت أي أهلية التصرف, وينص على ذلك في الفصل 858 ونصه:« يلزم للإقراض توافر أهلية التفويت للأشياء محل القرض, ليس للأب, بدون إذن القاضي, أن يقرض أو يقترض لنفسه مال إبنه الذي في حجره. وإذا رخص القاضي للأب في شيء من ذلك, وجب عليه أن يأمر بكل ما يراه لازماً من الضمانات التي من شأنها أن تصون مصالح القاصر صيانة تامة.ويطبق نفس الحكم على الوصي والمقدم ومدير الشخص المعنوي, بالنسبة إلى الأموال أو القيم المملوكة للأشخاص الذين يديرون أموالهم.»
وينتقد الدكتور محي الدين إسماعيل هذا الوضع ويقول:«...ولكن القرض لا يعتبر من عقود التصرف إلا إذا كان بفائدة, أما إذا كان بغير فائدة فإنه يعتبر من عقود التبرع, ولما كان الأصل في القانون المغربي أن يكون القرض بلا فائدة, فقد كان
الأفضل أن يشترط ذلك القانون في المقرض أهلية التبرع, فإذا أقرض الصبي المميز ومن في حكمه كان تصرفه باطلا بطلاناً مطلقاً, وليس بطلانا نسبياً فقط.»[49]
فأهلية المقرض في الشريعة هي أهلية التبرع كما أقرّ الفقهاء, وفي القانون المغربي هي أهلية التفويت أو ما يسمى بالتصرف أو الإلتزام.
والدكتور السنهوري يفرق في أهلية المقرض بين ما إذا كان القرض بفائدة وبين ما إذا كان بغير فائدة ويقول:« والأهلية التي يجب أن تتوافر في المقرض هي أهلية التصرف, إذ هو ينقل ملكية الشيء المُقْتَرَضْ, وهذا إذا كان القرض بفائدة, أما إذا كان بغير فائدة فهو تبرع ومن ثم يجب أن تتوافر في المقرض أهلية تبرع, وإذا أقرض القاصر أو المحجور بغير فائدة كان القرض باطلا لأنه ضار به ضرراً محضاً, أما إذا أقرض بفائدة فإن القرض يكون قابلا للإبطال لمصلحته»[50].
هذا بالنسبة لأهلية المقرض, أما أهلية المقترض في الشريعة فهي أهلية المعاملة دون أهلية التبرع, فيجوز للمأذون له أن يقترض ولو كان صغيراً, وقد نص شمس الدين الرملي رحمه الله على هذا بقوله:« وعلم مما تقرر أن شرط المقترض أهلية المعاملة فقط»[51], وأهلية المعاملة هي أهلية التصرف.
وقانون الإلتزامات والعقود المغربي لم ينص على أهلية المقترض ويرجع في شأنها إلى القواعد العامة والتي تضمنها الفصول 4 و5 و6 منه.
الشرط الثاني: تمام الولاية على محل العقد.
ليس كل من بلغ سن الرشد, وكانت له الأهلية الكاملة يحق له أن يتصرف في أي شيء سواء كانت ملكيته له كاملة, أو تعلق به حق لغيره, أو كانت ملكيته لغيره, بل لابد أن تكون ولايته عليه كاملة, وإلا بطل العقد, يقول السيد حسين الموسوي في كتابه هداية المسترشدين في المعاملات الجزء الثالث:« ويعتبر في المال أن يكون عيناً مملوكاً ويصح تملكه...»[52] .
وفي التعليق على قانون الالتزامات والعقود المغربي ما نصه:« ومن جهة أخرى فإنه يجب أن يكون المقرض مالكاً للشيء المُقْتَرَض حتى يستطيع أن ينقل ملكيته للمُقْتَرِضْ...»[53] .
وفي هذا الخصوص يقول الدكتور محي الدين إسماعيل:« أما إذا كان المحل مثليات غير النقود, فإنها إذا كانت موجودة لدى المقرض وكانت مملوكة له, انتقلت ملكيتها بمجرد العقد إلى المقترض, وانتقلت إليه تبعة هلاكها حتى قبل أن يتسلمها ولكن إذا لم تكن تلك الأشياء مملوكة للمقرض, فإن الأصل أن الإنسان لا يستطيع أن يعطي ما لا يملك ولا أن يعطي أكثر مما يملك, وبذلك لا يمتلك المقترض الشيء, ومن حق مالك الشيء أن يسترده, مع المطالبة بالتعويض في حالة سوء النية»[54] .
ونخلص إلى أن الشريعة الإسلامية و القانون المغربي يتفقان في إشتراط الولاية على محل العقد بأن يكون المقرض مالكاً للشيء المقترَض, لأنه إذا لم يملكه يعجز عن نقل ملكيته إلى المقترِض.
ونص المشرع المغربي في الفصل 864 من قانون الإلتزامات والعقود على أن المقرض يضمن العيوب الخفية في الشيء المقترض واستحقاقه, وفقاً للأحكام المقررة في باب البيع.
فالمشرع المغربي بالنسبة لضمان القرض يحيل إلى ما ورد في هذا الخصوص في باب البيع, سواء فيما يتعلق بالإلتزام بضمان حوز القرض(ضمان الاستحقاق), أو ضمان عيوب الشيء المقترض, و الاستحقاق لا يتصور إذا كان الشيء المقترض نقوداً كما هو الغالب في عقد القرض, لأن النقود لا تتعين بالتعيين, لذلك يتعذر القول بأن المقرض لا يملك تلك النقود, ولهذا فإن ضمان الإستحقاق لا يتصور إلا إذا كان الشيء مثليات غير النقود, ويمكن مراجعة أحكامه في باب البيع الفصول:(من الفصل 533 إلى الفصل 548 )[55].
الركن الثالث: المعقود عليه وشروطه.
اجمع العلماء على أن قرض المكيل والموزون جائز بلا خلاف, قال ابن المنذر:« أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن استقراض ما له مثل من المكيل والموزون والأطعمة جائز»[56].
وقد وقع الخلاف بين الفقهاء في قرض الأعيان القيمية, فعلى حين يرى فقهاء المذهب الحنفي أن الشيء المقترض يجب أن يكون من الأعيان المثلية التي لا تتفاوت آحادها تفاوتاً تختلف به القيمة, كالمكيلات والموزونات التي وقع عليها الإجماع, يرى جمهور الفقهاء أن القرض يصح في الأعيان القيمية التي تتفاوت تفاوتاً تختلف به قيمتها, وفي المثلية معاً.
قال الكاساني:« وأما الذي يرجع إلى المقرض فمنها القبض لأن القرض هو القطع...ومنها أن يكون مما له مثل كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة لأنه لا سبيل إلى إيجاب رد العين, ولا إلى إيجاب القيمة لأنه يؤدي إلى المنازعة لإختلاف القيمة باختلاف تقويم المقومين, فتعين أن يكون الواجب فيه رد المثل, فيختص جوازه بما له مثل...ويجوز القرض في الفلوس لأنها من العدديات المتقاربة كالجوز والبيض»[57] .
وقال ابن عابدين:« وصح القرض في مثلي يضمن بالمثل عند الإستهلاك لا في غيره من القيميات كحيوان وعقار, وكل متفاوت لتعذر رد المثل»[58].
نخلص مما تقدم إلى أن أبا حنيفة وأصحابه يرون وجوب اقتصار القرض على المثليات فقط, أما الجمهور فقد تعدى المثليات إلى القيمات, وقد وضعوا قاعدة في الشيء المقترض فقالوا:« كل ما يقبل جنسه السلم يصح قرضه كالمكيل والموزون والمعدود»وغير ذلك من عرض وحيوان, وأما ما لا يصح فيه السلم فلا يجوز إقراضه وذلك كالحنطة المختلطة بشعير والدار والأرض والحانوت والخان والحمام وتراب المعدن والصائغ والجوهر النفيس الذي ينذر وجوده والجزاف[59].
يقول ابن عاصم المالكي في التحفة:
القرض جائز وفعل جار ٭ في كل شيء ما عدا الجواري
في كل شيء من النقود والأطعمة والمقومات والمثليات والحيوان, كما يقول التسولي في البهجة في شرح التحفة.
وقال ابن جزي في القوانين الفقهية:«...فيما يجوز السلف: فيه وهو كل ما يجوز أن يثبت في الذمة سلماً, من العين والطعام والعروض والحيوان, إلا الجواري لأنه يؤدي إلى إعارة الفروج...»[60].
وقانون الالتزامات والعقود نص في الفصل 856 على أن محل القرض هو: «..أشياء مما يستهلك بالاستعمال, أو أشياء منقولة أخرى, لاستعمالها, بشرط أن يرد المستعير, عند انقضاء الأجل المتفق عليه أشياء أخرى مثلها في المقدار والنوع والصفة».
فيجب إذن أن يكون الشيء المقترض من المثليات, فالمقترض يتملكه على أن يرد مثله, ولا يمكن رد المثل إلا في المثليات, وأكثر ما يكون الشيء المقترض نقوداً, ولكن لا يوجد ما يمنع من أن يكون هذا الشيء غير نقود ما دام من المثليات, فيمكن إقتراض الغلال والحبوب والقطن والزيت وغير ذلك من المكيلات والموزونات.. متى كانت معينة النوع والمقدار أو قابلة للتعيين, فلا يمكن إذن أن يقع القرض إلا على منقولات مادية, لا على العقارات لأنها في الغالب أموال قيمية ولا على المنقولات المعنوية فيما عدا السندات لحاملها لأنها دائماً أموال قيمية [61].
والفصل 859 من قانون الالتزامات والعقود يؤكد ذلك بقوله:« يصح أن يرد القرض على: أ الأشياء المنقولة, كالحيوانات والملابس والأثاث.
ب الأشياء التي تستهلك بالاستعمال, كالأطعمة والنقود».
ومن خلال ما سبق يظهر أن المشرع المغربي ذهب مذهب جمهور فقهاء الشريعة في صحة القرض سواء كان محله من الأعيان القيمية أو المثلية, على عكس فقهاء المذهب الحنفي الذين لا يجيزون قرض ما لا مثل له من المذروعات والمعدودات المتقاربة.
والذي يبدو راجحاً والله أعلم ما ذهب إليه الجمهور والمشرع المغربي من جواز قرض الأشياء المثلية والقيمية, لأن الحاجة تدعو إلى ذلك, ولفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك باستقراضه للإبل كما مر في الأحاديث الصحيحة, ويلتحق به سائر الحيوانات وسائر الأموال القيمية.
وأخيراً نتحدث عن ركن السبب الذي يعتبره القانون المغربي ركناً, فيجب أن يكون سبب عقد القرض مشروعاً, غير مخالف للنظام العام وللأخلاق الحميدة وللقانون, وعلى هذا الأساس يكون عقد القرض عقداً باطلا إذا كان قصد المقترض منه أن يتمكن من المقامرة, ويكون المقرض عالماً بهذا القصد سواء كان مشتركاً معه في المقامرة أو لم يكن.
والشريعة الإسلامية أيضاً تنظر إلى الدوافع المؤدية إلى الإقراض, وإن لم تعتبر السبب ركناً من أركان القرض, فإذا كانت موافقة لها صح القرض وإلا اعتبر عقد القرض باطلاً.
المبحث الرابع: خصائص القرض وتمييزه عن غيره من العقود المشابهة له.
المطلب الأول: خصائص القرض.
إتفق العلماء على أن القرض قربة ومثوبة وأن فيه إرفاقاً بالمحتاجين, واختلفوا في كونه من باب التبرعات أو المعاوضات على ثلاثة أقوال:
القول الأول: قول الحنفية ويقضي بأن القرض تبرع في الابتداء ومعاوضة في الانتهاء, أو إعارة وصلة في الابتداء ومعاوضة في الانتهاء[62].
القول الثاني: ومفاده أن القرض عقد معاوضة لكن ليس من كل الوجوه, وهذا قول جمهور المالكية, فالعقود عندهم قسمان: قسم يكون بمعاوضة, وقسم يكون بغير معاوضة كالهبات والصدقات.
القول الثالث: إن القرض من عقود التبرعات وهو قول بعض المالكية حيث قالوا:«إن القرض ليس من عقود المعاوضة وإنما هو من عقود البرء المكارمة»[63], أي التبرع وهو قول بعض الشافعية ومذهب الحنابلة, الذين نصوا على أن القرض من جنس التبرع وأن هذا من باب الإرفاق لا من باب المعاوضات ولا يثبت في القرض خيار لأنه ليس بيعاً ولا في معناه من المرافق.[64]
الأدلة التي استدل بها كل فريق:
1 أدلة أصحاب القول الأول:
إستدل الحنفية في قولهم أن القرض تبرع في الابتداء ومعاوضة في الانتهاء على ما يلي:
أ أنه لا يقابله في وقت تسليم القرض للمستقرض أي مقابل في الحال وهذا ما أورده الكاساني في بدائع الصنائع حيث قال:« أن القرض تبرع, ألا نرى أنه لا يقابله عوض للمال وكذا لا يملكه من لا يملك التبرع».
ب أنه لا يملكه من لا يملك التبرع كالوصي والصبي.
ج أنه يشبه العارية فهو يسلك مسلك العارية.
وعللوا قولهم بأنه معاوضة بالانتهاء بأن المقرض إنما يعطي ليأخذ بدله بعد ذلك حيث يجب على المقترض رد البدل[65], ومن هذا يدل قولهم أنه عند بدء عقد القرض لا يكون هناك بدل فهو تبرع ثم ينقلب عند رد البدل إلى معاوضة حيث يكون هناك مقابل.
2 أدلة أصحاب القول الثاني: القائل بأن القرض معاوضة لكن ليس من كل الوجوه:
أما قولهم إن القرض معاوضة فقياس له على البيع, لأن البيع تمليك الشيء برد ثمنه, وكذلك القرض فهو تمليك الشيء بعوضه.[66]
ودليلهم أن المعاوضة في القرض ليس من كل الوجوه هو أن في القرض شائبة تبرع, ومن ثم لم يجب التقابض فيه وإن كان وجوباً,[67] أي أنه لا يلزم التقابض وقت تسليم القرض.
3 أدلة أصحاب القول الثالث القائل بأن القرض من عقود التبرعات:
إستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
أ قول النبي صلى الله عليه وسلم:﴿ من منح منحة لبن أو ورق, أو هدي زقاقاً كان له مثل عتق رقبة﴾[68].
ب أن القرض من جنس التبرع بالمنافع كالعارية ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم «منحة» وهذا من باب الإرفاق والتبرعات وهذا ما تتجلى فيه معاني القرض الحسن وليس من باب المعاوضة[69].
الترجيح بين هذه الآراء:
الراجح على ما يبدو هو القول الثالث بأن عقد القرض من باب التبرعات, فالأصل في القرض التبرع والإرفاق, كما بينا في بداية هذا البحث, ووجوب رد البدل لا خلاف فيه[70] ,ولا يخرجه عن موضوعه أي التبرع, وإن سمي هذا الرد معاوضة
فهي ناقصة وغير خالصة.
وأما أسباب ترجيح هذا القول فهي:
أ قوة أدلته وسلامتها في حين لم تسلم أدلة القولين الآخرين من مناقشة أو رد.
ب كما أن الأدلة الداعية إلى الإحسان وفعل الخير, والدالة على فضل القرض الحسن وعظيم أجره تؤيد كونه من باب التبرعات.
ج وفضلاً عن ذلك فإننا بالموازنة بين عقد القرض وبين عقود المعاوضات والتبرعات, نجد أنه يخالف المعاوضة ويتفق مع التبرعات, وبيان ذلك فيما يلي:
٭ يخالف القرض المعاوضات في أمور منها:
1 المنفعة في المعاوضات تكون للطرفين والأصل في القرض أن تكون منفعته للمقترض فقط, والمقرض متبرع طلباً للثواب, وهكذا فإن اشتراط أي منفعة للمقرض, وما كان في حكم ذلك يخرج القرض عن موضوعه.[71]
2 أن كلاً من المتعاقدين يعطي أصل المال على وجه لا يعود إليه من باب المعاوضات, وأما باب القرض فما يعطى فيه أصل المال لينتفع به ثم يرد بدله.
٭ ويتفق مع التبرعات في أمور منها:
1 أنه لا يملكه من لا يملك التبرع.
2 أنه يشبه العارية, حيث يستفيد المقترض من مال المقرض مدة بقائه عنده دون مقابل, ويتبين مما سبق أن الفقهاء متفقون على أن القرض قربة إلى الله, وعلى أن فيه إرفاقاً ومساعدة للمحتاجين وهو ما يتجلى فيه معنى القرض الحسن.
يتضح لنا مما سبق أن الأصل في القرض أنه من عقود التبرعات, إذ لم يوجد من الفقهاء من يرى أن القرض وخاصة الحسن عقد معاوضة خالصة إبتداءً وانتهاءً, كما أن من قال أن فيه معاوضة يستثنيه في بعض المواضع من عقود المعاوضات الأمر الذي يؤيد أن الأصل في عقد القرض أنه من عقود التبرعات.
المطلب الثاني: تمييز عقد القرض عن غيره من العقود المشابهة له.
- تمييز عقد القرض عن عقد البيع:
أما في القانون فيسمى القرض بعارية الإستهلاك ويعرفه الفصل 856 من قانون الالتزامات و العقود بأنه :«عقد بمقتضاه يسلم أحد الطرفين للآخر أشياء مما يستهلك بالاستعمال أو أشياء منقولة أخرى, لاستعمالها بشرط أن يرد المستعير عند انقضاء الأجل المتفق عليه, أشياء أخرى مثلها في المقدار والنوع والصفة.
أما البيع في الشريعة فهو:«مبادلة المال بالمال بالتراضي »[73], عند الحنفية,
وهو:«عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة» عند المالكية[74] .
أما في القانون فيعرف الفصل 478 من قانون الالتزامات والعقود البيع بأنه:« عقد بمقتضاه ينقل أحد المتعاقدين للآخر ملكية شيء أو حق في مقابل ثمن يلتزم هذا الآخر بدفعه له».
ومن تعريف القرض والبيع نرى الفرق واضحاً, ففي البيع تنتقل ملكية الشيء المبيع, والعوض قدر من النقود أو أي شيء آخر, أما في القرض فتنتقل ملكية الشيء المقترض بشرط أن يرد المثل[75].
قال ابن حزم رحمه الله:« والقرض جائز في كل ما يحل تملكه وتمليكه بهبة أو غيرها سواء جاز بيعه أو لم يجز لأن القرض, هو غير البيع لأن البيع ولا يجوز إلا بثمن, ويجوز في القرض إلا رد مثل ما اقترض لا من سوى نوعه أصلاً»[76].
إذن الفرق بين القرض والبيع واضح من حيث المبدأ فالقرض من عقود التبرعات وعقد البيع من عقود المعاوضات.
غير أنه يشتبه العقدان عندما يقوم الطرفان بتوسيط شيء في عقد القرض, فيقدم المقرض الشيء على أنه مبيع للمقترض بثمن مؤجل قدره خمسمائة مثلا, ثم يشتري نفس الشيء من المشتري المقترض بمبلغ أربعمائة نقداً, فتكون المائة هي الفوائد المستترة التي اتفق عليها الطرفان ومثل هذا العقد حكمه
أنه باطل بطلاناً مطلقاً طبقاً للفصل 870 من تقنين الالتزامات والعقود[77], ويشتبهان أيضاً عندما يتخذ البيع شكل بيع العينة وبيع الوفاء, فبيع العينة هو قرض بفائدة لبس ثوب البيع والشراء.
2)تمييز عقد القرض عن الوديعة:
الوديعة في الشريعة: يتحدد مفهوم الوديعة في الفقه الإسلامي, بأنها توكيل من شخص لآخر بحفظ شيء معين. ويعتبرها المالكية توكيلا خاصاً.[78]
ودليلها قوله تعالى:﴿إِنّ اَلله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُوا اَلأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾[79]
الوديعة في القانون المغربي: يعرف الفصل 781 الوديعة بأنها:«عقد بمقتضاه يسلم شخص شيئاً منقولا إلى شخص آخر يلتزم بحفظه وبرده بعينه».
نستطيع أن نتبين الفرق البارز بين عقد القرض وعقد الوديعة, ففي الأول يملك المقترض القرض, وفي الثاني لايملك المودع الوديعة بل تبقى على ملك صاحبها حتى إذا هلكت بدون تقصير من المودع لم يضمنها.
ومن حيث الإنتفاع: فإن المقترض يستطيع الإنتفاع بمبلغ القرض لأنه ملكه, أما المودع عنده فليس له حق الإنتفاع بالوديعة.
ومن حيث الالتزام: فإن المقترض في عقد القرض يلتزم برد المثل, أما المودع عنده فهو ملتزم برد الوديعة بعينها.
ومن حيث المطالبة بالرد: فإن المقرض يستطيع المطالبة بالرد عند انتهاء الأجل المحدد للقرض, وقد يملك المطالبة بالرد قبل انتهاء الأجل, على حين أن المودع يستطيع المطالبة برد الوديعة متى شاء فهو غير مقيد.[80]
وهناك حالة يمكن فيها اعتبار الوديعة قرضاً وهي التي فصلها الفصل 782 من قانون الالتزامات والعقود وصورتها أن يأذن المودع للمودع عنده في استعمال الشيء المودع لديه على أن يرد مثله قدراً ونوعاً وصنفاً ففي هذه الحالة قرر المشرع المغربي اعتبار العقد الذي ينشأ في هذه الحالة عقد قرض يخضع للقواعد الخاصة بعارية الإستهلاك أي القرض.
3)تمييز عقد القرض عن عقد عارية الاستعمال:
عارية الاستعمال في الشريعة: العارية تمليك المنفعة بالمجان حال حياة المملك, فتميزت عن البيع, لأنه تمليك عين, وعن الإجارة لأنها تمليك المنفعة بمال[81].
عارية الاستعمال في القانون: عرف الفصل 830 من قانون الالتزامات والعقود عارية الاستعمال بأنها:«عقد بمقتضاه يسلم أحد طرفيه للآخر شيئاً, لكي يستعمله خلال أجل معين أو في غرض محدد, على أن يرده بعينه. وفي العارية يحتفظ المعير بملكية الشيء المستعار وبحيازته القانونية. وليس للمستعير إلا مجرد استعماله», ومن هنا يتضح الفرق بين عقد العارية وعقد القرض, فالعارية عقد تمليك منفعة, بينما القرض هو تمليك عين وهذا أبرز فرق بين العقدين, ففي القرض تنتقل ملكية الشيء المُقْتَرَضْ إلى المُقْتَرِضْ, بينما في العارية يحتفظ المعير بملكية الشيء المستعار, وليس للمستعير إلا مجرد استعماله كما جاء في الفصل 830, وهناك فرق آخر بينهما ذلك أن القرض يرد على الأشياء المثلية أما العارية فترد على الأشياء القيمية.
الفصل الثاني: أحكام عقد القرض .
المبحث الأول: القرض الصحيح.
العقود بصفة عامة تنقسم فيما يخص أحكامها إلى صحيحة وفاسدة, والقرض ليس استثناءً فهو كذلك إما أن يكون قرضاً صحيحاً بحيث تتوفر فيه كامل الشروط والأركان الضرورية وبذلك تترتب عنه آثار لكلا الطرفين.
وإما أن يكون قرضاً فاسداً وهو الذي اختل ركن من أركانه أو شرط من شروطه الأساسية أو كان سببه مخالف للنظام العام, وللأخلاق الحميدة أو مخالفاً للقانون, وبالتالي يصبح عقداً باطلا ولا يرتب أية آثار على أحد.
وبما أنه قد سبق الحديث عن الأركان والشروط, فسوف نتناول القرض الصحيح من خلال المطالب التالية:
المطلب الأول: ثبوت الملكية في القرض.
المطلب الثاني: الأجل في القرض.
المطلب الثالث: الوفاء بالقرض.
المطلب الأول: ثبوت الملكية في القرض.
إن جوهر عملية الإقراض هو نقل ملكية الشيء المقترض للغير ليرد مثله، و بذلك تنتقل ملكية الشيء المقترض إلى المقترض، غير أن المذاهب الفقهية اختلفت في الوقت الذي يملك فيه المقترض الشيء المقترض.
فذهب فقهاء الحنفية إلا أبا يوسف إلى أن الملك يثبت بالقبض، فالكاساني يعتبر القبض من الشروط التي ترجع إلى المقرض لأن القرض هو القطع في اللغة، سمي هذا العقد قرضا لما فيه من قطع طائفة من ماله، وذلك بالتسليم إلى المستقرض، فكان مأخذ الاسم دليلا على اعتبار هذا الشرط[82].
وجاء في المبسوط: « ...ولهذا قال أبو يوسف: إن الملك لا يثبت للمستقرض في العين بنفس القبض، والمقرض أحق باسترداده ما لم يخرجه المستقرض عن ملكه، ولكن نقول المستقرض يملك العين بالقبض لأنه يملك المنفعة ومنفعة المكيل و الموزون لا تنفصل عن العين، فإذا يملك العين التحق بسائر أملاكه وكان الخيار في تعيين ما يرده إلى المستقرض...»[83]
وذهب المالكية إلى أن القرض يملكه المقترض بمجرد عقد القرض، وإن لم يقبضه، ويصير مالا من أمواله.[84]
وأما مذهب الحنابلة فيقول ابن قدامة: « ويثبت الملك في القرض بالقبض لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض، فوقف الملك عليه كالهبة »[85] وهذا الخلاف بين المذاهب يرجع بالأساس إلى مسائل خلافية تتعلق بخصائص عقد القرض، وسوف أتناولها بإيجاز لأنني تطرقت إليها في مبحث سابق.
1 ـ هل القرض من العقود الرضائية أم من العقود العينية ؟
يلاحظ أن أغلب الاتجاهات الفقهية تذهب إلى أن عقد القرض من العقود العينية التي لايكفي فيها مجرد الإيجاب والقبول لتمام العقد بل يجب تسليم العين موضوع العقد، بينما المذهب المالكي يميل إلى رضائية عقد القرض وبالتالي كفاية الإيجاب والقبول لتمام انعقاده، يقول التسولي: «... ثم إن المشهور أن القرض يلزم ويملك بالقول فيصير مالا من أموال المقترض ويدخل في ضمانه بالعقد كغيره من العقود الصحيحة ما لم يكن فيه حق توفية، وإلا فلا يدخل في ضمانه إلا بالتوفية، وإذا لزم
بالقول فإنه يقضي له به، ويبقى بيده إلى الأجل أو قدر ما يرى في العادة أنه قد انتفع به إن لم يضربا أجلا»[86].
2 ـ هل الوعد ملزم أم لا؟
فمن ذهب إلى أن الوعد ملزم قال: إن عقد القرض من العقود الرضائية لأن المقرض ملزم بتنفيذ وعده، وهو تسليم الشيء المقترض إلى المقترض، ومن ذهب إلى أن الوعد غير ملزم قال: إن عقد القرض من العقود العينية.
3 ـ هل القرض من عقود التبرعات أم من عقود المعاوضات؟
سبق الحديث عن هذه المسألة في مبحث سابق, وأوضحنا أن أكثر الفقهاء ذهبوا إلى إلحاق القرض بعقود التبرعات ومنهم السرخسي إذ يقول:« ...ولا يجوز إقراض العبد التاجر والمكاتب والصبي والمعتوه لأنه تبرع وهؤلاء لا يملكون التبرع »[87] ،وذهب بعضهم إلى انه من عقود المعاوضة,ومنهم شمس الدين الرملي حيث قال:« وكون القرض فيه شائبة تبرع .لا ينافي ذلك لان المعاوضة فيه هي المقصودة...»[88]، والبعض الآخر يذهب إلى أن القرض يفيد معنى التبرع ,ابتداء ومعنى المعاوضة انتهاء ,فالمقرض متبرع بالمال الذي يقدمه إلى المقترض لسد حاجته ،غير أن التزام هذا الأخير برد المثل ينقله إلى عقود المعاوضات ،وبالتالي تطبق عليه أحكام التبرع ابتداء ،وأحكام المعاوضة انتهاء،وهذا مذهب الحنفية و قد رجحه الدكتور محمد فاروق النبهان بقوله:« والقرض عقد معاوضة مآلا وان كان عقد تبرع ابتداء ولذالك يدخل تحت عقود الضمان»[89].
وعقود الضمان هي التي يعتبر فيها المال المنتقل من يد إلى يد مضمونا على الطرف القابض له،فمهما يصيبه من تلف فهو على مسؤوليته.
والمشرع المغربي نص على الضمان في الفصل 862 من قانون الالتزامات والعقود حيث جاء فيه:« يكون المقترض ضامنا الشئ المقترض،ابتداء من وقت تمام العقد ولو قبل تسليمه إياه ،ما لم يشترط غير ذلك».
وفي هذه النصوص يرى الدكتور محي الدين إسماعيل أن تبعية الهلاك ترتبط عادة بظاهرة مادية هي تسليم الشيء محل العقد، فكان الأولى أن يجعل القانون المغربي تبعية الهلاك مرتبطة بتسليم المقترض للشيء, وقد جرت على هذا القوانين العربية الأخرى، ويضيف قائلا:« أن قانون الالتزامات والعقود المغربي لم ينص على الحكم في الحالات التي لا تنتقل فيها الملكية بمجرد العقد إذا وقع فيها الهلاك، فهو يرى أن الهلاك يكون على المقرض حتى بعد أن يقوم بالعمل القانوني اللازم لنقل الملكية إلى المقترض، ولا تزول عنه تلك التبعية إلا بالتسليم، فالفترة من تاريخ العقد إلى تاريخ التسليم تكون تبعة الهلاك فيها على المقرض، أما الفترة اللاحقة على التسليم فتنتقل تبعة الهلاك فيها إلى المقترض، كما تنتقل في حالة ما إذا أعذر المقرض المقترض بالتسليم فلم يفعل.»[90]
ونفس الخلاف الذي وقع بين فقهاء المذاهب الفقهية وقع أيضاً في ظل قانون الالتزامات والعقود المغربي ويتعلق حول ما إذا كان عقد القرض من العقود العينية أم من العقود الرضائية.
وقد اختلف الرأي في ظل هذا القانون، حول ما إذا كان هذا العقد من العقود العينية والتي لا تتم إلا بتسليم الشيء المقترض إلى المقترض، ومن ثم يكون التراضي غير كافٍ لإنعقاد هذا العقد، أم أنه من العقود الرضائية التي تتم بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول، ومن ثم يكون نقل ملكية الشيء المقترَض وتسليمه إلى المقترِض مجرد التزام ينشئه عقد القرض، وليس ركناً في العقد ذاته.[91]
ونص المشرع المغربي في الفصل 861 من قانون الالتزامات والعقود على أن ينقل المقرض إلى المقترض ملكية الأشياء أو القيم المقترضة إبتداءً من الوقت الذي يتم فيه العقد بتراضي الطرفين، ولو قبل تسليم الأشياء المقترضة.
فلا مناص إذن أمام هذه النصوص القانونية التي ترتب على القرض آثاراً لا يمكن أن يرتبها العقد العيني، كنقل الملكية وتبعة الهلاك بمجرد التراضي، من اعتبار القرض عقداً رضائياً في التشريع المغربي، ومن ثم يكون الالتزام بالتسليم آثاراً من آثاره، وليس ركناً فيه.
ونخلص في الأخير إلى أن المشرع المغربي يتفق مع المذهب المالكي في اعتبار القرض من العقود الرضائية التي تتم بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول، ويصبح المقترض عند تمام القرض بالتراضي دائناً للمقترض بما اقترضه، ويخالفان بذلك أغلب الاتجاهات الفقهية الأخرى التي ذهبت إلى عينية القرض، وبالتالي لابد من تسليم العين لتمام العقد.
المطلب الثاني: الأجل في القرض.
وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: حكم الأجل المشروط في القرض.
اختلف الفقهاء فيما إذا اتفق طرفا العقد عند الإقراض على موعدٍ لتسديد القرض، فهل يلزم الأجل أم لا، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: إن القرض يتأجل بالتأجيل، ويلزم المقرِضَ الانتظار حتى يحين الوقت الذي أتفق على تسليم القرض فيه، وهو مذهب المالكية ووجه لدى الحنابلة، وبه أخذ ابن حزم والشوكاني، وقد نسبه الحافظ ابن حجر إلى أكثر أهل العلم.[92]
القول الثاني: إن للمقرِض المطالبة بالتسديد ما دام المال المقْرَضُ باقياً في ملك المقترِض ولم يتعلق به حق لغيره. وهو قول بعض المعاصرين كرفيق المصري وعمر المترك.[93]
القول الثالث: إن القرض لا يتأجل بالتأجيل، ويعد حالا، ويلزم الوفاء به عند طلب المقرض ولو بعد الإقتراض بزمن يسير. وهو مذهب الحنفية والشافعية وقد قال به أكثر الحنابلة، وعزاه بعض المعاصرين لجمهور أهل العلم، قال يونس رفيق المصري:« ذهب جمهور الفقهاء إلى أن القرض حالٌّ، وإن أُجِّلَ لم يتأجل، فللمقرِض متى شاء أن يطالب المقترض برده، لأنه محسن، وليس على المحسن من سبيل. وينبني على هذا أن المقترض أيضاً يجب عليه المبادرة إلى وفاء القرض بمجرد ميسرته، لأنه اقترض وهو معسر، فعليه رد القرض فور يساره، وعلى هذا فالقرض حالٌّ للطرفين: حالٌّ للمقرض إذا طلبه، وحالٌّ للمقترض إذا أيسر...».[94]
ونعرض فيما يلي: الأدلة التي إستدل بها كل فريق:
أولاً: أدلة القائلين بأن القرض يتأجل بالتأجيل.
إستدل القائلون بأن القرض يتأجل بالتأجيل، وبأن المقرض يلزمه الانتظار بأدلة نقلية وعقلية، نورد بعضها فيما يلي:
الأدلة النقلية:
1 قوله تعالى:﴿ يَا أَيُهَا الَذِينَ أَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَى فَاكْتُبُوهُ﴾[95]، فالآية دليل على جواز إشتراط الأجل في الدين، والقرض دين يدخل في عموم الآية.[96]
2 قوله تعالى:﴿ وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ﴾[97] ، واشتراط الأجل في عقد القرض يعتبر وجهاً من أوجه الوفاء بالعهد.
الأدلة العقلية:
1 أن الأصل في مشروعية القرض تحصيل المنفعة للمقترض، فكيف يمنع من اشتراط الأجل الذي يحقق هذه المنفعة التي شرع القرض من أجلها؟؟[98]
2 إن المقترِض قبض المال على التأجيل، فلا يجب عليه الوفاء إلا عند حلول الأجل.[99]
3 كما أن عرف الناس قد جرى على التأجيل، ومخالفته نادرة في سداد القرض.[100]
ثانياً: دليل الفريق الثاني القائل بأن للمقرِض المطالبة بالتسديد ما دام المال المقرَض باقياً في ملك المقترِض:
ويعلل أصحاب هذا القول بأنه ما دام المال موجوداً في يد المقترض ولم يتعلق به حق لغيره فلا ضرر عليه في إعادته إلى المقرض إن طالبه بالسداد، فيلزمه رده لصاحبه عند طلبه له.[101]
ثالثاً: أدلة الفريق الثالث الذي يقول على أن القرض لا يتأجل بالتأجيل:
1 أن عوض القرض يثبت في الذمة حالاً،والتأجيل تبرع من المقرض، فلا يلزم الوفاء به وكذلك الأمر في العارية وسائر الديون الحالة.[102]
2 قال الكاساني رحمه الله:« إن القرض يسلك به مسلك العارية، والأجل لا يلزم في العواري. والدليل على أنه يسلك به مسلك العارية أنه لا يخلو إما أن يسلك به مسلك المبادلة، وهي تمليك الشيء بمثله أو يسلك به مسلك العارية، لا سبيل إلى الأول، لأنه تمليك العين بمثله نسيئة، وهذا لا يجوز، فتعين أن يكون عارية، فجعل التقدير كأن المستقرض انتفع بالعين مدةً، ثم رد عين ما قبض، وإن كان يرد بدله في الحقيقة، وجعل رد بدل العين بمنزلة رد العين، بخلاف سائر الديون»[103]
3 أن القرض تبرع؛بدليل أنه لا يقابل الأجل عوض، وإنما يرد المقترض مثل ما أخذه،ولأنه لا يملك القرض من لا يملك التبرع، كولي اليتيم،فلو لزم الأجل لم يبقى تبرع.[104]
4 أن الأجل يقتضي جزءاً من العوض، والقرض لا يحتمل الزيادة والنقص في عوضه، فلا يصح تأجيله، بخلاف البيوع التي تجوز الزيادة فيها، إذ يصح تأجيلها.[105]
٭ مناقشة الأدلة وبيان أرجحها:
يمكن الرد على أدلة أصحاب القولين الثاني والثالث كما يلي:
الرد على دليل أصحاب القول الثاني:
يمكن أن يجاب عن دليل القائلين بأن للمقرض المطالبة بالتسديد. يجاب عنهم بأن هذا المال انتقلت ملكيته من المقرض بمجرد قبض المقترض له، بدليل أنه لو تلف بعد القبض كان من ضمان المقترض، وربما يكون المقترض قد تصرف تصرفاً بناءاً على وجود مال القرض لديه، كأن يكون استأجر متجراً من ماله، ويريد أن يشتري بمال القرض بضاعةً يتجر فيها، وأن يكون ترك عملا كان يعمل فيه، ليتاجر بمال القرض ولا يمكنه الرجوع إلى عمله، أو نحو ذلك.وعلى هذا؛ فإن في القول بوجوب رد مال القرض في مثل هذه الأحوال ضرر على المقترض، والقرض إنما شرع من أجل الإرفاق به، كما أن إلحاق الضرر بالآخر حرام في الشريعة الإسلامية.[106]
الرد على أدلة أصحاب القول الثالث:
القول الثالث: مفاده أن القرض لا يتأجل ويعد حالا، ويلزم الوفاء به عند طلب المقرض ولو بعد الإقتراض بزمن يسير، وهذا الرأي لا يتفق مع حكمة القرض في الشريعة الإسلامية، فالقرض شرع لمساعدة المقترضين في أزماتهم، فما فائدة القرض الذي يُقْرَضُ في وقت معين ويسترجعه المقرض في نفس الوقت بدون أن يستفيد منه المقترض فهذا القول مجانب للصواب وقد أجاب رفيق المصري عن استدلالهم بأن القرض يمتنع فيه التفاضل، بقوله:« وقد زعم بعض الفقهاء أن القرض لا يجوز فيه التفاضل، فأمتنع فيه التأجيل، ألا ترى أن البيع لما جاز تأجيله إلى أجل معلوم جازت فيه زيادة البدل المؤجل؟ إذاً؛ فهم يمنعون أجل القرض بالاستناد إلى أحكام ربا البيوع، لأن التأجيل عندهم لا يلزم المؤجل إلا بعوض. لكن تطبيق أحكام ربا البيوع تقتضي أيضاً أن يمنع التأخير؛ لأن التأخير والتأجيل كليهما من ربا النساء وعلى هذا يمتنع القرض بالكلية، لأن التقابض مطلوب فيه في المجلس، وما فائدة القرض يُقْرَضُ في مجلس، ويُسْتَرَدُ في المجلس نفسه؟
فالذهب بالذهب، والفضة بالفضة، أو النقود بالنقود، لابد فيه في جميع المذاهب من التقابض، ولا يكتفي فيه حيث عند الحنفية بمجرد الحلول، فحتى لو قلنا كما قالوا بجواز حلول القرض دون تأجيله، فإنه لا ينقض تمسكهم بحديث ربا البيوع، لأنه يوجب التقابض في المجلس، ولا يكفي فيه الحلول، فكيف قبلوا الحلول في القرض، ولم يقبلوا به في الصرف؟ فهذا دليل على فساد ما ذهبوا إليه، ودليل على أن القرض أصل آخر غير البيع، فيجوز فيه ما لا يجوز في البيع»[107]
وبناءً على ما تقدم فإن الراجح في هذه المسألة هو القول الأول، وهو لزوم الأجل لقوة أدلته النقلية والعقلية، ولضعف دليل القول الثاني ولكون أدلة القول الثالث عقليةً كلها، كما أن الدليل النقلي يقدم على العقلي، فتقدم لذلك أدلة القول الأول، وفضلا عن ذلك؛ فإن إقدام المقترض على الإقتراض إنما يكون من أجل هذا الأجل الذي يتوقع أن يتمكن بحلوله من سداد القرض، فهو في الغالب سيتصرف في المال بعد اقتراضه مباشرةً، ومطالبته برده قبل حلول الأجل فيه ضرر بين عليه؛ لأنه اقترض لحاجةٍ، ومطالبته بالتسديد ستلجئه إلى أن يستدين أو يبيع من ممتلكاته مالا يريد بيعه, ولربما اشترى بمال القرض سلعةً فيضطر إلى بيعها بأقل من ثمنها، وقد يكون هذا سبباً في إفلاسه، والقرض إنما شرع للإرفاق بالمقترض، وليس للإضرار به، كما حرم النبي صلى الله عليه وسلم الضرر، إذ قال:﴿ لا ضرر ولا ضرار﴾،وجميع الأحكام الشرعية شرعت إما لدر المفاسد أو جلب المصالح.[108]
الفرع الثاني: حكم الأجل غير المشروط في القرض.
إن لم يشترط عند الإقتراض وقت للوفاء، فهل يعد القرض حال أم مؤجلا؟ اختلف أهل العلم على قولين:
القول الأول: دهب الظاهرية إلى أنه حال[109]، وأنه يلزم المدين التسديد عند طلب الدائن، ولو بعد الإقتراض بزمن يسير. وقد إستدل ابن حزم على هذا القول بقوله تعالى:﴿ إِنَ اَلله يَأمُرُكُمْ أَنْ يُودُوا اَلَأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾[110]، قال:« القرض أمانة ففرض أداؤها إلى صاحبها متى طلبها»[111]
القول الثاني: إنه لا يحق مطالبة المدين بسداد القرض حتى يقضي المقترض وطره من المال الذي قبضه، أو يمضي زمان يمكنه من ذلك وهذا قول الإمام مالك.[112] وهو المشهور في المذهب.[113]
والراجح في هذه المسألة أنه إن كان تمت قرينة تدل على الأجل عمل بها، وإن لم تكن قرينة وكان هناك عرف عمل به أيضاً، لقوله تعالى:﴿ خُذِ الَعَفْوَ وَأمُرْ بِالعُرْفِ﴾[114].
وأما إن لم يكن تمت قرينة ولا عرف، وكان المقترض يتضرر برد ما اقترضه من مال حالا، لأنه تصرف في المال الذي اقترضه، فيكون في سداد القرض ضرر عليه، كأن يضطر إلى الاستدانة أو بيع ما يحتاج إليه من ماله ونحو ذلك، فإن كان الأمر كذلك وجب على الدائن إنذاره، لأن أصل مشروعية القرض الإرفاق بالمحتاج[115].
الفرع الثالث: الأجل في القانون المغربي.
ذهب المشرع المغربي مذهب القائلين بجواز وضع أجلٍ ينتهي معه القرض، وذلك طبعاً باتفاق الطرفين المقرض والمقترض على ذلك في العقد، ولا يحق للمقرض إجبار المُقْتَرِض على رد الشيء المُقْتَرَض قبل الأجل المحدد المتفق عليه.
وهذا ما أكده قانون الالتزامات والعقود في الفصل 866 ونصه:« لا يسوغ إجبار المقترض على رد ما هو ملتزم به قبل الأجل المحدد بمقتضى العقد أو العرف ويسوغ له رده قبل حلول الأجل، ما لم يتنافى ذلك مع مصلحة المقترض ».
وجاء في أصول القانون المدني المغربي:« ويقع الرد في الوقت المتفق عليه في العقد، أو الذي يحدده العرف ويجري عليه. ولا يجوز إلزام المقترض بأن يرد الشيء قبل ذلك، لأن الأصل أن الأجل مقرر لمصلحة المدين ( الفصل 135 من نفس القانون)، ولكن إذا تنازل هو عن التمسك بالأجل المقرر لمصلحته جاز الرد قبل حلول الأجل، إلا أن يكون ذلك منافياً لمصلحة المقرر ويبدأ الأجل من تاريخ العقد مالم يحدد الاتفاق أو القانون وقتاً آخر ( الفصل 130)[116].
وإذا لم يتفق المقرض والمقترض على أجل معين ينتهي فيه القرض، ولم يكن هناك عرف يتعين إتباعه في هذا الخصوص، فإنه يتعين على المقترض أن يفي بالقرض وفق للميعاد الذي يحدد المقرض، ولكن إذا كان عقد القرض يتضمن شرطاً يقضي بأن المقرض يرد ما اقترضه عندما تسمح ظروفه بذلك: أو من أول مال يحوزه لنفسه ويستطيع التصرف فيه، فإن للمقرض أن يلجأ إلى المحكمة وتحدد وفقاً لظروف الحال ميعاداً معقولا للرد[117] ، وهذا ما نص عليه الفصل 867 من قانون الالتزامات والعقود حيث جاء فيه :« إذا لم يحدد لدفع القرض أجل، وجب على المقترض الوفاء عند طلب المقرض؛ إذا أُشتُرِطَ أن المقترض يرد القدر الذي اقترضه عندما يمكنه ذلك، أو من أول مالٍ يستطيع التصرف فيه فإن المحطمة تحدد وفقاً لظروف الحال معاداً معقولا للرد».
المطلب الثالث: الوفاء بالقرض.
يتعين على المقترض أن يرد للمقرض الشيء المقترض إذا حل أجل الوفاء المتفق عليه بينهما، فإذا كان الشيء المقترض باقياً على حالته ولم يتغير فعلى المقترض أن يرده بنفسه مادام على ضفته ولم يتغير، وأن يرد المثل في الأشياء المثلية، أو القيمة في القيميات، ويجوز للمقترض أن يرد الشيء المقترض مع زيادة، وهذه الزيادة إما أن تكون في صفة الشيء المقترض أو أن تتخذ شكل هدية بشرط ألا تكون مشترطة بين الطرفين ففي حالة اشتراط الزيادة يكون القرض قرضاً فاسداً، وإذا لم تشترط وكانت برضا المقترض فإنها تكون في إطار حسن القضاء الذي حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سنة فعلية، فالقرض في هذه الحالة يكون صحيحاً رغم انتفاء شرط المماثلة فيه.
ولأبأس أن أذكر الخلاف الحاصل في محل القرض، وذلك لارتباطه بالوفاء وجوهره أن الحنفية يرون وجوب اقتصار القرض على المثليات فقط لأن رد المثل واجب في القرض ولا يتحقق ذلك إلا في المثليات، ويستحيل ذلك في غيرها من القيميات لوجود الجهالة المفضية إلى المنازعة، والجمهور أجاز القرض في المثليات القيميات وكل ما يجوز فيه السلم من صوارٍ وعروضٍ، المقترض يرد المثل في المثلي واختلفوا في رد القيمي بين قائلاٍ بالمثل صورة وبين قائلا بالقيمة يوم القرض.
وسأقسم هذا المطلب إلى فرعين يوضحان كيفية الرد عند فقهاء الشريعة وعند المشرع المغربي من خلال قانون الالتزامات والعقود.
الفرع الأول: رد الشيء المقترض.
بالنسبة للأموال المثلية التي تكون محلا للقرض لا خلاف بين الفقهاء في وجوب رد مثلها في المقدار والنوع والصفة وقد ذكر ابن قدامة الإجماع الذي نقله ابن المنذر حيث قال:«...ويجب رد المثل في المكيل والموزون لا نعلم فيه خلافاً، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من أسلف سلفاً مما يجوز أن يسلف فرد عليه مثله أن ذلك جائز للمسلف أخذ ذلك، ولأن المكيل و الموزون يضمن في الغصب والإتلاف فمثله وكذا ههنا »[118].
وقال الكاساني:«...فلا يجوز قرض مالا مثل له من المذروعات والمعدودات المتقاربة لأنه لا سبيل إلى إيجاب رد المثل ولا إلى إيجاب رد القيمة لأنه يؤدي إلى المنازعة لإختلاف القيمة بلإختلاف المقومين فتعين أن يكون الواجب فيه رد المثل فيختص جوازه بماله مثل»[119]
وفي القوانين الفقهية مانصه:«في أدائه وهو مخير بين أن يؤدي مثل ما أخذ أو يرده بعينه مادام على صفته، وسواءً كان من دوات الأمثال وهو: المعدود المكيل والموزون أو من ذوات القيم كالعروض والحيوان»[120].
وبالنسبة للأموال القيمية إذا كانت محلاً للقرض اختلف الفقهاء في حكم ردها إلى قولين، نقلها صاحب المغني ابن قدامة وصاحب نهاية المحتاج شمس الدين الرملي.
يقول ابن قدامة:«...وأما غير المكيل والموزون ففيه وجهان:
أحدهما: يجب رد قيمته يوم القرض لأنه لا مثل له فيضمنه بقيمته كحال الإتلاف والغصب.
والثاني: يجب رد مثله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً فرد مثله. ويخالف الإتلاف فإنه لا مسامحة فيه فوجبت القيمة فيه لأنها أحصر والقرض أسهل ولهذا جازت النسيئة فيه فيما فيه الربا، ويعتبر مثل صفاته تقريباً فإن حقيقة المثل إنما توجد في المكيل والموزون فإن تعذر المثل فعليه قيمته يوم تعذر المثل لأن القيمة تثبت في ذمته حين إذٍ. وإذا قالنا تجب القيمة وجبت حين القرض لأنها حينئذ تثبت في ذمته»[121].
ويقول شمس الدين الرملي:« ويرد حثماً حيث لا استبدال المثل في المثلي لأنه أقرب إلى حقه ولو في نقد بطلت المعاملة به..ويرد في المتقوم المثل صورة لخبر مسلم:﴿ أنه صلى الله عليه وسلم استسلف بكراً ورد رباعياً وقال:إن خياركم أحسنكم قضاء﴾.ومن لازم اعتبار المثل الصوري اعتبار ما فيه من المعاني التي تزاد القيمة بها كحرفة الرقيق وفراهية الدابة، كما قاله ابن النقيب فيرد ما يجمع تلك الصفات كلها حتى لا يفوت عليه شيئاً ويصدق المقترض فيها بيمينه لأنه عارم..وقيل يرد القيمة يوم القبض. واعلم أن أداء المقرض كأداء المسلم فيه في سائر ما مر فيه صفة وزمناً ومحلاً»[122].
أما موفق المشرع المغربي فهو كذلك أكد على وجوب رد المقترض الشيء المقترض، ونص في الفصل 856 من قانون الالتزامات والعقود على ذلك بقوله:« على المقترض أن يرد مثل ما تسلمه قدراً وصفةً، ولا يلزمه غير ذلك.»
وفي التعليق عليه يقول حسن الفكهاني:« إذا ما انتهى عقد القرض، فإنه يتعين على المقترض أن يرد مثل ما تسلمه قدراً وصفةً، فإذا كان الشيء المقترض أشياء مثلية غير النقود، كغلال أو قطن، وجب على المقترض أن يرد كميات مماثلة في المقدار والنوع والصفة، ولا عبرة بغلو السعر أو رخصه، فإذا غلت أسعار الغلال أو القطن أو رخصت، فإن المقترض يبقى ملتزماً يرد مثل ما اقترض، ولو غلا سعره فأنضر، أو رخص سعره فأنتفع . وإذا انقطع مثل الشيء المقترض عن السوق، كان المقرض بالخيار إما أن ينتظر حتى يعود الشيء إلى السوق فيرد له المقرض المثل. وإما أن يطالب المقترض بقيمة الشيء المقترض في الزمان والمكان الذين يجب فيهما الرد»[123].
إضافةً إلى ذلك نص المشرع المغربي في الفصل 860 من قانون الالتزامات والعقود على أنه:« إذا تسلم المقترض بدلا من النقود المتفق على إقراضها أوراقاً مالية أو سلعاً، فإن المبلغ المقترض يحسب بسعر السوق لهذه الأوراق المالية أو السلع في مكان التسليم وزمانه. وكل اشتراط يخالف ذلك يكون باطلاً».
فقد نص هذا الفصل على أنه إذا كان الشيء المقترض عبارة عن لأوراق مالية أو سلع، فإنه يتعين حساب سعره على أساس سعر السوق لهذه الأوراق أو السلع, ويتحدد هذا السعر في مكان تسليم القرض وزمانه، وذلك حتى لا يكون تغير المكان، أو اختلاف الزمان، مبرراً لزيادة يتحملها المقترض، من قيمة تلك الأوراق أو السلع الحقيقة.
وقد اعتبر القانون المغربي أن أي شرط يخالف ما تقدم يكون باطلاً لمخالفته للنظام العام فإذا كانت قيمة الورقة المالية في السوق قد انخفضت عن قيمتها الاسمية، فحسبها المقرض على المقترض بقيمتها الاسمية لا السوقية كان العقد باطلاً طبقاً للفصل 860.[124]
الفرع الثاني: المنفعة الاختيارية في القرض.
إتفق معظم الفقهاء على جواز أخذ الزيادة على مقدار القرض من المقترض بشرط عدم إشتراط ذلك في العقد، قال ابن قدامة:« فإن أقرضه مطلقاً من غير شرط فقضاه خيراً منه في القدر أو الصفة أو دونه برضاهما جاز. وكذلك إن كتب له بها سفتجة، أو قضاه في بلد آخر جاز، ورخص في ذلك ابن عمر وسعيد ابن المسيب والحسن والنخعي والشعبي والزهري والمكحول وقدادة ومالك والشافعي وإسحاق...»[125].
وقال ابن حزم:« فإن تطوع عند قضاء ما عليه بأن يعطي أكثر مما أخذ، أو أقل مما أخذ، أو أجود مما أخذ، أو أدنى مما أخذ، فكل ذلك حسن مستحب ومعطي أكثر مما اقترض وأجود مما اقترض مأجور، والذي يقبل أدنى مما أعطى، أو أقل مما أعطى مأجور...»[126].
والدليل على جواز رد الزيادة في القرض:
1 ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان لرجلٍ على النبي صلى الله عليه وسلم سنٌّ من الإبل فجاء يتقاضاه، فقال أعطوه فطلبوا سنَّهُ فلم يجدوا له إلا سناً فوقها، فقال: أعطوه، فقال:أوفيتني أوفى الله بك، قال النبي صلى الله عليه وسلم:﴿ إن خياركم أحسنكم قضاء﴾[127].»
2 ما ورد عن أبي رافع رضي الله عنه أنه قال: «استسلف النبي صلى الله عليه وسلم بكراً، فجاءه إبل الصدقة، فأمرني أن أقضيَ الرجل بكره، فقلت: إني لم أجد في الإبل إلا جملاً خياراً رباعياً، فقال: ﴿ أعطه، فإن من خير الناس أحسنهم قضاء﴾[128]».
وجه الدلالة من هذين الحديثين ظاهر، حيث كانت الزيادة في صفة المردود وهو بدل القرض، إذ يفهم من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ردَّ جملاً رباعياً، وهو الذي استكمل ست سنين ودخل في السابعة، أما المستقرض وهو البكر فدون الرباعي من حيث السن فكان ذلك فضلا وإحسانا من النبي صلى الله عليه وسلم تجاه المقرض بدون اشتراط ذلك.
وقد سكت المشرع المغربي عن المنفعة غير المشروطة أو ما يطلق عليه اسم الفائدة غير المشروطة، وسكوته هذا لا يدل على عدم جوازها وقانونيتها، فبمفهوم المخالفة للفصل 870 من قانون الالتزامات والعقود الذي يحرم الفائدة المشترطة بين المسلمين كيفما كان شكلها ونوعها، نستنتج أن الفائدة الغير مشروطة في العقد جائزة.
المبحث الثاني: توثيق عقد القرض.
شرع الإسلام أموراً كثيرة لصيانة العقود والمعاملات من التحريف وحفظت الحقوق من الضياع والجحود، فصارت المعاملات أكثر نشاطاً، وقد اقتصرت على ثلاثةٍ من أهم وسائل التوثيق وهي: الكتابة الشهادة الرهن.
المطلب الأول: الكتابة.
الكتابة هي من أهم الوسائل لحفظ المعلومات من التحريف والضياع ،وقد استخدمها الإنسان عبر التاريخ فهي قديمة بقدمه . وجاء القران فأعلى من شأن الكتابة، فكان أول الآيات نزولا:﴿إِقْرَاء وَرَبُكَ اَلأَكْرَمُ اَلذِي عَلَّمَ بِاْلقَلَمْ﴾[129].
وأوصانا الله تعالى بكتابة الديون المترتبة على المعاملات وذلك حفظاً للحق من الضياع، فقال سبحانه في أطول آية في القرآن :﴿ يَأَيُهَا اَلذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالعَدْلِ ولا يأبى كَاتِب أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَمَهُ الله فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلل الذِي عَلَيْه الحَق وَلْيَتَقِي الله رَبَهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيئاً فَإنْ كَانَ الذِي عَلَيهِ الَحَقَ سَفِيهًا أو ضَعِيفًا أو لاَ يَسْتَطِيعُ أن يُمْلِ هُوَ فَليُمْلِلِ وَلِيُه بِالعَدْل وَاسْتَشْهِدُوا شَاهِدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُم فَانْ لَم يَكُونَا رَجُلَيْن فَرَجُل و َامَرَأَتَان مِمَنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُهَدَاء أَنْ تَضِلَ إِحدَاهُما فَتُذَكِرَ إِحدَاهُمَا الأخْرى وَلَا يَأْبَى الشُهَدَاء إِذَا مَا دُعوُا وَلَا تَسْاموا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلى اَجَلِه ذَلِكُم اَقْسطُ عِنْدَ الله وأَقْوَمُ لِلشَهَادَة وَاَدْنَي أَلَا تَرْتَابُوا إِلَا أَنْ تَكُونَ تِجَارَة حَاضِرةٌ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُم فَلَيْسَ عَلَيْكَمْ جُنَاح أَلاَ تَكْتُبُوهَا واْشْهِدُوا إَذَا تَبَايَعْتُم وَلَا يضَارُ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيد وَاِنْ تَفْعَلُوا فَاِنَهُ فُسُوقٌ بِكُمْ واِتَقُوا الله وَيُعَلِمَكُم الله وَاَلله بِكُلِ شَئ عَلِيمٌ ﴾[130] ، وحتث السنة النبوية الشريفة على كتابة الوصية تبيانا للحقوق المتعلقة بذمة المسلم فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:﴿ ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنه[131]﴾.
مشروعية الكتابة وحجيتها :
اتفق الفقهاء الذين يعتد برئيهم على مشروعية الكتابة كوسيلة من وسائل الإثبات لكثرة النصوص وصراحتها، ولكن اختلفوا بعد ذلك في التفاصيل مثل هل الآية ﴿فَاكْتُبُوهُ﴾ للوجوب والفرضية أم للندب والإرشاد؟ وهل الحجة بالكتابة المقرونة بالأشهاد أم الخالية منه؟[132]
على كل حال فإن الكتابة إذا استجمعت الأمور التي ذكرتها الآية فهي حجة بلا شك:
1 أن يكون الكاتب عدلا معتمدا:﴿ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِاْلعَدْلْ﴾.
2 توثيق الكتابة بالاشهاد:﴿ وَاِسْتَشْهِدُوا شَاهِدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾.
3 أن تحتوي الوثيقة على اعتراف من عليه الحق بذلك الحق:﴿ فَلْيَكُتُبْ وَلْيُمْلِئ الذِي عَلَيْهِ الْحَقَ وَلْيَتَقِي الله رَبَهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا﴾.
4 أن تحتوي الوثيقة تفاصيل العقد:﴿ وَلَا تَسْاَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى اَجَلِهِ﴾.
وخلاصة القول أن الآية الكريمة أمرت بكتابة الدين لدى كاتب موثق معتمد، مع توثيق الكتابة بالاشهاد عليها، وهذا هو السند العادي أو العقد الرسمي الذي يستعمل اليوم في الحياة العصرية. وهو حجة قوية في القضاء في حالة التخاصم بين الطرفين.
المطلب الثاني: الإشهاد.
الشهادة هي طريقة أخرى لتوثيق الدين وحفظه من الضياع، لذلك جعل الله سبحانه الشهادة حقا له فقال :﴿ وَأَقِيمُوا الشَهَادَةَ لِله﴾[133]، وحث عز وجل عليها حفظا للحقوق من الضياع ودفعاً للتنازع فقال:﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَاِنْ لَمْ يَكُنْ رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَاِمْرَأَتَانِ مِمَنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الَشُهَدَاءِ﴾[134]، وقال في نفس الآية :﴿ وَلَا يَأْبَى الَشُهَدَاءَ إِذَا مَا دُعُوا ﴾ وذكر الله فيها قوله:﴿ وَاَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾، وقال تعالى:﴿ وَلاَ تَكْتُمُوا الَشَهَادَة وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَاِنّهُ إَثِمٌ قَلْبَهُ وَالَلهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾[135]، وقال تعالى :﴿ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَاشْهَدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِالَلهِ حَسِيبًا﴾[136]، وقال تعالى:﴿ وَاشْهَدُوا ذَوِي عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾[137].
والشهادة في اللغة : أن يخبر بما رأى,، وان يقر بما علم، والخبر القاطع، والبينة، ومجموع ما يدرك به الحس[138]. أما الإشهاد فهو الحضور والمعاينة مأخوذ من المشاهدة[139].
حكم الإشهاد: نذب الشرع الإشهاد وحصن عليه.
نصاب الشهادة: يثبت الحق أمام القضاء بشهادة رجلين قد استوفيا شروط الشهادة.
قال الإمام القرافي:«ما علمت عندنا ولا عند غيرنا خلافا في قبول شهادة مسلمين عدلين في الدماء والديون »[140] ، وذلك استنادا إلى الآية:﴿ وَاشْهَدُوا ذَوِي عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾[141]، وينوب عنها شهادة لرجل وامرأتان، وذلك على الخيار بين الحالتين، فلا يشترط مانع لمشاركة النساء بدل الرجلين، لقوله تعالى:﴿ فَاِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَاِمْرَأَتَانِ مِمَنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُهَدَاءِ أَنْ تَضِلَ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلَا يَأْبَى الشُهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ﴾[142] .
ونابت المرأتان عن الرجل لبعد النساء عادة عن العقود والمعاملات في المجتمع الإسلامي، فكانت عرضة لنسيان[143].
شروط الشهود:[144]
يجب على من يريد الإشهاد لحفظ حقه من الضياع أو الجحود أن يتحرى توفر الشروط التالية في الشهود لتكون شهادتهم صحيحة مقبولة عند القاضي:
1 الإسلام:﴿ وَاِسْتَشْهِدُوا شَاهِدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾، ولان في الشهادة ولاية على المشهود.
2 العقل والبلوغ: وهما سبب في تحري الصواب والحق، والصبي والمجنون لا يدركان عواقب الكذب، كما انه لا مسؤولية عليهما.
3 البصر والتيقظ: أن يكون متيقظا حافظا لما يشهد به فان كان مغفلا أو معروفا بكثرة الغلط لم تقبل شهادته.
4 العلم بالمشهود به : أي أن يشاهد بعينه ويكون حاضرا للعقد، لهذا لا يصح أن يشهد على ظنه وأما يشهد على يقينه، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال:« سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة، قال:﴿ هل ترى الشمس ؟﴾ قال: نعم قال:﴿ على مثلها فاشهد أو دع﴾[145].
5 العدالة:﴿ وَاشْهَدُوا ذَوِي عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾، « وجملته أن العدل هو الذي تعتدل أحواله في دينه وأفعاله قال القاضي: يكون ذلك في الدين والمرؤة والأحكام أما الدين فلا يرتكب كبيرة ولا يداوم على صغيرة»[146] , وقال تعالى :﴿ يَا أَيُهَا الّذِينَ اَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينْ﴾[147]، والفاسق لا يتورع عن شهادة الزور والقول الباطل.
6 ألا يكون محدودا بقذف: وذلك لقوله تعالى عن الذين يقذفون بغير بينة:﴿ وَالَذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الفَاسِقُونْ﴾[148]، ومن لا يتورع عن الوقوع في أعراض الناس لا يتورع عن التعدي على أموالهم وأماناتهم.
7 ألا يكون متهما بقرابة: كالأصول من مثل الأب والجد والأم، والفروع كالابن أو كل من الزوجين للأخر، وشهادة احد الشريكين للأخر أو متهما بخصومه.
المطلب الثالث: الرهن.
الرهن من أهم وسائل حفظ حق المقرض في الاستيفاء، وذلك بان يبيع العين المرهونة، وحصوله على كامل حقوقه من دون أن يقع في مخاطر عدم استيفاء المال الذي قام بإقراضه إلى المقترض.
الرهن في اللغة: الحبس[149]،قال ابن فارس: اصل يدل على ثبات شيء يمسك بحق أو غيره[150].
وفي اصطلاح الفقهاء: عبارة عن المال المتمول الذي يجعل وثيقة بالدين ليستوفي من ثمنه عند تعذر وفائه من المستدين[151] .
مشروعية الرهن:
في القرآن:
قوله تعالى:﴿ وَاِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَان مَقْبُوضَة﴾[152] .
وقوله تعالى: ﴿ كُلُ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة﴾[153].
ومن السنة أحاديث كثيرة منها:
عن عائشة رضي الله عنها:﴿ أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى اجل ورهنه درعا من حديد﴾[154].
عن انس رضي الله عنه قال: ﴿ ولقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه بشعير﴾[155].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:﴿ الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة﴾[156].
وأما إجماع الأمة:
فقد اجمع المسلمون على جواز الرهن[157]، واتفق الفقهاء على أن الرهن من الأمور الجائزة وليست من الواجبة على المتعاقدين، وأما نص الآية ﴿ فَرِهَان مَقْبُوضَة﴾ فهو للإرشاد وليس للالتزام، وذلك مبين في قوله تعالى:﴿ فَانْ اَمَنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤد الَذِي اِئُتُمِن أَمَانَتَهُ﴾[158].
أركان عقد الرهن( عند الجمهور):[159]
1 العاقد: والمقصود به كل من الراهن والمرتهن، ويشترط في كل منهما أن يكون مكلفا بالغا عاقلا، وان يكون غير مكره, وان يكون من أهل التبرع، فلا يصح رهن المحجور عليه.
2 الصيغة: لا يصح إلا بالإيجاب والقبول كما قرر جمهور العلماء.
3 المرهون: أهم شروطه عند الجمهور هي أن يكون عينا قابلا للبيع بتقويمه وتملكه.
4 المرهون به: ويشترط أن يكون دينا أو عينا مضمونة بنفسها.
٭أحكام الرهن الصحيح:[160]
إذا ثبت الرهن استحق الدائن حبس العين المرهونة بنفسه أو بغيره، ومنع المالك من التصرف بها إلى حين استيفاء الحق، فإن عجز المدين عن إيفاء كامل الدين بيع الرهن بإذن المدين أو بإذن القاضي، وأخذ الدائن حقه كاملاً، ورد الباقي لصاحبه.
٭أحكام الرهن الباطل:
يوجب رد العين لصاحبها بسبب بطلان الرهن، وإن تلفت العين لا تكون مضمونة، أما حالة فساد الرهن عند الحنفية[161]، فتوجب الضمان على المرتهن بقدر ملاك العين المرتهنة، ويثبت حق استيفاء الدين منها.
وضع الرهن تحت يد رجل عدل:[162]
يحق للعاقدين أن يتفقا على وضع الرهن في يد شخص ثالث، وتكون العين أمانة عنده إلى وقت الاستحقاق، فيبيعها بإذن العقدين أو بأمر القاضي.
وبهذا نرى أن الرهن في الشريعة الإسلامية يحفظ للمقرض وغيره من أصحاب العقود كامل حقهم في استرجاع أموالهم وممتلكاتهم التي اقرضوها، وهذه الوسائل الشرعية التي رأيناها ( الكتابة/ الشهادة/ الرهن) تزيد من ثقة الناس والمتعاملين فيما بينهم وتجعلهم أكثر إقبالا على الإقراض، وبذلك تتحقق الغاية النبيلة للقرض وهي مساعدة الفقراء والمعسرين في أزماتهم المالية.
خلاصة :
لقد توصلت من خلال بحثي هذا الى مجموعة من النتائج أهمها في النقط التالية:
1 القرض في الشريعة الاسلامية يحمل صفة القرض الحسن، وهو عقد مخصوص يأخذ أحد المتعاقدين بموجبه مالاً من الآخر على أن يرد مثله أو قيمته إن تعذر ذلك، وهو من الطرف الآخر قربة الى الله وارفاقاً بالمحتاجين من باب التبرع والتفضل فقط.
2 الراجح من آراء وأقوال فقهاء المذاهب أن القرض هو من عقود التبرعات وإن كانت به شبهة معاوضة، وهناك أشياء كثيرة تدل على أنه من عقود التبرعات، من ذلك أنه يختلف مع عقود المعاوضات في أهم عنصر يميزها، ألا وهو المنفعة، فالمنفعة في عقود المعاوضات تكون للطرفين، عكس القرض الذي تكون فيه المنفعة للطرف المقترض فقط، أما المقرض فهدفه التقرب الى الله تعالى.
3 وجود خلاف أيضاً في القانون المغربي حول ما إذا كان عقد القرض من العقود العينية التي لا يكفي فيها الايجاب والقبول لإنعقاده، بل لابد من تسليم المقرض للشيئ المقترض الى المقترض، أم أنه من العقود الرضائية والتي يكفي لإنعقادها تبادل الايجاب والقبول بين الطرفين، وقد رجح المشرع المغربي رضائية عقد القرض وبالتالي يكفي تبادل الايجاب والقبول بين المتعاقدين لإنعقاد القرض ويصبح التسليم من الآثار التي يرتبها هذا العقد.
4 أما في مسألة حكم الأجل فالراجح هو لزوم الأجل المشروط وذلك لقوة الأدلة النقلية والعقلية.
5 يجب على الطرفين توثيق عقد القرض بإحدى وسائل التوثيق المشروعة كالكتابة والشهادة والرهن، لكي تحفظ الحقوق من الضياع والجحود.
٭قائمة لأهم المصادر والمراجع:
القرآن الكريم برواية ورش عن نافع.
1 البخاري محمد بن اسماعيل :صحيح البخاري، دار السلام، الرياض، ط:2 ،1999 .
2مسلم أبو الحسن بن حجاج النيسابوري: صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
3النسائي،أحمد بن شعيب : سنن النسائي بشرح السيوطي وحاشية السنادي ، دار البشائر الاسلامية، بيروت،ط:3 ، 1994.
4ابن ماجة، سنن ابن ماجة: تحقيق : فؤاد عبد الباقي، دار احياء الثراث العربي، بيروت.
5النيسابوري، ابو عبد الله الحاكم: المستدرك على الصحيحين، بيروت، دار الفكر، 1978.
6ابن كثير اسماعيل: تفسير القرآن العظيم، تحقيق كمال على الجمل، دار التوزيع والنشر الاسلامية، 1998.
7القرطبي: الجامع لآحكام القرآن، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987.
8الفيروزآبادي،مجد الدين بن أحمد، القاموس المحيط، تحقيق: بإشراف محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت،ط:3،1993.
9النووي محي الدين ابو زكريا: صحيح مسلم بشرح النووي، تحقيق: خليل شيحا، دار المعرفة، بيروت ، ط:5، 1998.
10الأزهري: تهذيب اللغة، تحقيق : عبد العظيم محمود.
11مالك، ابن انس: موطأ الامام مالك، دار الكتب العلمية، بيروت، 1984.
12شمس الدين الرملي: نهاية المحتاج الى شرح ألفاظ المنهاج في الفقه على المذهب الشافعي، دار احياء التراث العربي، بيروت.
13ابن عابدين، محمد أمين، رد المحتار على الدر المختار وحاشية ابن عابدين، دار الكتب العلمية، بيروت.
14العك خالد: موسوعة الفقه المالكي، دار الحكمة، دمشق، ط:1, 1993.
15الجزيري: ابو بكر: الفقه على المذاهب الاربعة، دار الحديث، القاهرة.
16الجندي محمد الشحات: القرض كأداة للتمويل في الشريعة الاسلامية، القاهرة، ط: 1، 1996.
17ابن حزم،ابو محمد على الاندلسي، المحلى، تعليق: احمد شاكر، القاهرة، مطبعة: منير الدمشقي.
18البهوتي: منصور بن يونس، كشاف القناع على متن الاقناع، دار الفكر بيروت: 1982.
19الشوكاني: نيل الاوطار، دار الجيل، بيروت، 1973.
20موشلي عمار: كتاب القرض ثوابه واحكامه، دار الالباب، دمشق، 1993.
ابن قدامة: موفق الدين عبد الله بن احمد: المغني، تحقيق: محمد محيسن، الرياض، 1981.
21ابن قدامة: موفق الدين عبد الله بن احمد، الكافي في فقه الامام احمد، بيروت، المكتب الاسلامي ، ط: 5، 1998.
22الكاساني: علاء الدين ابوبكر بن مسعود، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، بيروت، دار الكتاب العربي، ط: 2، 1982.
23ابن جزي، محمد بن احمد الغرناطي: القوانين الفقهية، تحقيق، عبد الكريم الفضيلي، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، 2005.
24الباجي، ابو الوليد سليمان بن خلف الاندلسي: المنتقي شرح موطأ مالك، مطبعة السعادة، مصر، ط:1، 1332.
25ابن القيم عبد الرحمان بن الجوزي، أعلام الموقعين عن رب العالمين، مطبعة السعادة مصر.
26علاء الدين خروفة: عقد القرض في الشريعة الاسلامية، ط:1، مؤسسة نوفل.
27المصري، رفيق يونس: الجامع في أصول الربا، دمشق: دار القلم، ط:2، 2001.
28أحمد أسعد محمود الحاج: نظرية القرض في الفقه الاسلامي،دار النفائس، عمان،ط:1، 2008.
29الزحيلي وهبة: المعاملات المالية المعاصرة، دار الفكر دمشق، 2006.
30محمد نور الدين أردنية: القرض الحسن واحكامه في الفقه الاسلامي، جامعة النجاح الوطنية، نابلس فلسطين، 2010.
31حسن الفكهاني: التعليق على قانون الالتزامات والعقود المغربي، الدار العربية للموسوعات، القاهرة،ط:1، 1992/1993.
32محي الدين اسماعيل علم الدين: أصول القانون المدني المغربي، العقود المسماة.
الهوامش
[1]: النووي: شرح صحيح مسلم, كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار, باب فضل الاجتماع على تلاوة القران, حديث: 6793, ج: 17, /23,24.
[2]:سورة المائدة الآية: 3.
[3] الفيروزابادي, مجد الدين بن احمد: القاموس المحيط, تحقيق: بإشراف محمد نعيم العرقسوسي, مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الثالثة, 1993,ص: 840.
[4] سورة البقرة: الآية:245.
[5] الأزهري: تهذيب اللغة, تحقيق: عبد العظيم محمود, ج: 8, ص: 340.
[6] الأزهري: تهذيب اللغة, ص: 341.
[7] تكملة المجموع شرح المهذب, بقلم الشيخ محمد نجيب المطيعي, المدينة المنورة, المكتبة السلفية, ط:2, ج:13, ص: 163.
[8] ابن عابدين: محمد أمين, رد المحتار على الدر المختار وحاشية ابن عابدين, دار الكتب العلمية, بيروت, ج: 7, ص: 388.
[9] حاشية الطحاوي على الدر المختار 3/104
[10] العك خالد: موسوعة الفقه المالكي, دار الحكمة, دمشق, الطبعة الأولى, 1993, المجلد الثالث, ص: 409.
[11] شمس الدين الرملي: نهاية المحتاج إلى شرح ألفاظ المنهاج في الفقه على المذهب الشافعي, دار إحياء الثرات العربي, بيروت لبنان, ج: 3, ص: 243.
[12] سورة البقرة: الآية:245.
[13] الجزيري,أبو بكر: الفقه على المذاهب الأربعة,دار الحديث, القاهرة, كتاب أحكام البيع, أحكام القرض,ج: 2, ص:304.
[14] الجندي, محمد الشحات: القرض كأداة للتمويل في الشريعة الإسلامية, المعهد العالمي للفكر الإسلامي القاهرة: ط: 1, 1996,ص: 29.
[15] البهوتي, منصور بن يونس: كشاف القناع عن متن الإقناع, دار الفكر بيروت, 1982, ج:3, ص: 298.
[16] الجزيري: الفقه على المذاهب الأربعة, ج: 2, ص: 304.
[17] ابن حزم, أبو محمد علي الأندلسي(ت 456ه),المحلى, تعليق: احمد شاكر, القاهرة, مطبعة منير الدمشقي, كتاب القرض, ج: 8, ص: 77.
[18] محي الدين إسماعيل علم الدين: أصول القانون المدني المغربي, الجزء الثاني, العقود المسماة, الصفحة: 308.
[19] عبده, عيسى, ومرعى, عبد العزيز, اقتصاديات البنوك والمصارف(مصر, مكتبة عين شمس, الطبعة الأولى, 1965م, ص: 267.)
[20] عمر, محمد عبد الحليم, الاحتياط ضد مخاطر الائتمان في الإسلام, مجلة الدراسات الإسلامية (القاهرة: مركز صالح كامل, العدد الخامس والسادس, 1985م), ص: 83.
[21] فؤاد معلال: شرح القانون التجاري المغربي
[22] سورة البقرة: الآية:245.
[23] محمد نور الدين أردنية, القرض الحسن وأحكامه في الفقه الإسلامي, جامعة النجاح الوطنية, نابلس فلسطين, 2010م, ص: 18.
[24] القرطبي, أبو عبد الله محمد بن احمد: الجامع لأحكام القران, الهيئة المصرية العامة للكتاب, دار الفكر العربي,1987, ط: 1, ج: 5, ص: 240/242.
[25] سورة الحديد: الآية:18.
[26] سورة التغابن: الآية: 17.
[27] ابن كثير, إسماعيل: تفسير القران العظيم, تحقيق كامل علي الجمل, دار التوزيع والنشر الإسلامية, 1998, ج: 4, ص: 463.
[28] سورة المزمل: الآية:20.
[29] القرطبي: الجامع لأحكام القران, ج: 19, ص: 58.
[30] النووي: شرح صحيح مسلم, كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار, باب فضل الاجتماع على تلاوة القران, حديث: 6793, ج: 17, /23,24.
[31] ابن ماجة, محمد بن يزيد القزويني: سنن ابن ماجة, تحقيق: فؤاد عبد الباقي, دار إحياء التراث العربي, بيروت لبنان, كتاب الصدقات, باب القرض, حديث: 2430, ج: 2, ص: 812.
[32] والشوكاني, محمد بن علي: نيل الاوطار, دار الجيل, بيروت لبنان, 1973, ج: 5, كتاب القرض, ص: 347.
[33] ابن ماجة: سنن ابن ماجة, كتاب الصدقات, باب القرض, حديث: 2431, ج: 2, ص: 812.
[34] موشلي عمار: في كتابه القرض ثوابه وأحكامه, دار الألباب, دمشق, 1993, ص: 53.
[35]البخاري, محمد بن إسماعيل البخاري, صحيح البخاري, دار السلام, الرياض, الطبعة الثانية, 1999, كتاب الإستقراض, باب هل يعطي أكبر من سنه, حديث رقم: 2392, ص: 384.
[36] مالك, بن انس: مؤطأ الإمام مالك, برواية يحيي بن يحيي الليثي الأندلسي, دار الفكر, بيروت لبنان, 1989م/1409ه, حديث: 1373, ص: 367.
[37] النيسابوري, أبو عبد الله الحاكم: المستدرك على الصحيحين, بيروت لبنان, دار الفكر, 1978, كتاب البيوع, باب أداء الدين, ج: 2, ص: 22.
[38] سورة الحجرات: الآية: 10
[39] سورة التوبة: الآية: 71.
[40] الكاساني, علاء الدين أبو بكر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع, دار إحياء التراث العربي, بيروت لبنان, الطبعة الثانية, 1998, ج: 6, ص: 517.
[41] سيد سابق: فقه السنة, المجلد الثالث, دار الكتاب العربي, بيروت, ط: 1, 1971م, ص: 145/146.
[42] شمس الدين الرملي: نهاية المحتاج إلى شرح ألفاظ المنهاج, ج: 4, ص: 217.
[43] ابن عابدين: رد المحتار على الدر المختار, ج: 7, ص: 388/392.
[44] شمس الدين الرملي: نهاية المحتاج, ج: 4, ص: 218.
[45] محي الدين إسماعيل علم الدين: أصول القانون المدني, ج: 2, ص: 313.
[46] نقلا عن مجموعة من المحاضرات في مادة نظرية الإلتزام في الفقه الإسلامي ومادة الفقه المقارن نظرية العقد.
[47] الكاساني: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع , ج: 7, ص: 394.
[48] شمس الدين الرملي: نهاية المحتاج, ج: 4, ص: 219.
[49] محي الدين إسماعيل: أصول القانون المدني, ج: 2, ص: 313.
[50] حسن الفكهاني: التعليق على قانون الإلتزامات والعقود المغربي, الدار العربية للموسوعات , القاهرة, الطبعة الأولى , 1992/1993, ج: 5, ص: 175/176.
[51] شمس الدين الرملي: نهاية المحتاج, ج: 4, ص:220.
[52] السيد حسين الموسوي: هداية المسترشدين في المعاملات , الجزء الثالث: ص: 53.
[53] حسن الفكهاني: التعليق على قانون الإلتزامات والعقود المغربي, ج: 5, ص: 173.
[54] محي الدين إسماعيل: أصول القانون المدني , ج: 2, ص: 314.
[55] حسن الفكهاني: التعليق على قانون الإلتزامات والعقود, ج:5, ص: 185 بتصرف.
[56] ابن قدامة: المغني والشرح الكبير , ج: 4, ص: 385.
[57] الكاساني: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع, ج:7, ص: 395.
[58] ابن عابدين: رد المحتار على الدر المختار, ج: 7, ص: 388.
[59] علاء الدين خروفة: عقد القرض في الشريعة الإسلامية, دراسة مقارنة مع القانون الوضعي, مؤسسة نوفل , بيروت لبنان, الطبعة الأولى, 1982, ص: 167/168.
[60] ابن جزي, محمد بن احمد الغرناطي: القوانين الفقهية, تحقيق: عبد الكريم الفضيلي, دار الرشاد الحديثة, الدار البيضاء, 2005م/1425ه ,ص: 310.
[61] حسن الفكهاني: التعليق على قانون الالتزامات والعقود المغربي, ج: 5, ص: 172.
[62] ابن عابدين: حاشية ابن عابدين, ج: 5, ص: 167.
[63] الباجي, أبو الوليد سليمان بن خلف الأندلسي: المنتقى شرح موطأ مالك, مطبعة السعادة, مصر, الطبعة الأولى, 1332ه, ج: 5, ص: 29.
[64] إبن قدامة: المغني, ج: 6, ص: 436.
[65] إبن الهمام, كمال الدين محمد: فتح التقدير, دار الكتب العلمية, بيروت, الطبعة الأولى, 1415ه, ج: 6, ص: 484.
[66] الدسوقي: شمس الدين محمد عرفة, حاشية الدسوقي على الشرح الكبير, القاهرة, دار إحياء الكتب العربية, ج: 3, ص: 223/224.
[67] القرافي, شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس, أنوار البروق في أنواع الفروق, القاهرة, دار السلام للطباعة والنشر, ج: 4, ص: 2.
[68] الترمذي, محمد بن عيسى أبو عيسى , سنن الترمذي, بيروت, دار إحياء التراث العربي, حديث رقم 1957, ج: ص: 340.
[69] ابن القيم, عبد الرحمان بن الجوزي: أعلام الموقعين عن رب العالمين, مطبعة السعادة, مصر, ج: 1, ص: 481.
[70] ابن قدامة: المغني, ج: 6, ص: 434.
[71] ابن قدامة: المغني, ج: 6, ص: 463.
[72] محمد الأنصاري, الفقيه أبي عبد الله محمد الأنصاري المشهور بالرصاع التونسي , شرح حدود ابن عرفة, طبع بأمر من صاحب الجلالة نصره الله , 1992م/1412ه, ص:413.
[73] أبي بكر بن علي الرازي: أحكام القرآن, دار الكتاب العربي, بيروت, الطبعة الأولى , 1406ه/1986م, الجزء: 1, ص: 469.
[74] الدسوقي, حاشية الدسوقي على الشرح الكبير, ج: 3, ص: 2, وراجع التسولي , البهجة في شرح التحفة, ج: 2, ص: 2/3.
[75] علاء الدين خروفة: عقد القرض في الشريعة الإسلامية, ص: 124.
[76] ابن حزم, المحلى, ج: 8, ص: 77.
[77] محي الدين إسماعيل: أصول القانون المدني, ج: 2, ص:12.
[78] عائشة الشرقاوي المالقي: البنوك الإسلامية التجربة بين الفقه والقانون والتطبيق ,المركز الثقافي العربي, الدار البيضاء, الطبعة الأولى 2000م, ص:214/215.
[79] سورة النساء الآية: 57.
[80] علاء الدين خروفة: عقد القرض في الشريعة الإسلامية,ص: 135.
[81] حسن الفكهاني: التعليق على قانون الالتزامات والعقود المغربي, ج:5, ص: 125.
[82] الكاساني: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع, ج:7 , ص:395.
[83] شمس الدين السرخسي: المبسوط ج:14 ص:34.
[84] الخرشي, خليل علي, شرح الخرشي على مختصر خليل, بيروت: دار صادر , المجلد: 3, الجزء: 5, ص: 232.
[85] ابن قدامة: المغني والشرح الكبير،المجلد:4،الجزء:4،ص:387.
[86] التسولي: البهجة في شرح التحفة ,ج:2, ص:288.
[87] السرخسي: المبسوط,ج:14.ص:41.
[88] الرملي:نهاية المحتاج ، ج:4, ص:218.
[89] محمد فاروق النبهان: القروض الاستثمارية وموقف الإسلام منها, الطبعة الأولى 4 دار البحوث العلمية الكويت
[90] محي الدين إسماعيل: أصول القانون المدني, ج: 2, ص: 318.
[91] حسن الفكهاني: التعليق على قانون الالتزامات والعقود, ج: 5, ص: 169.
[92] العسقلاني, احمد بن علي بن حجر: فتح الباري شرح صحيح البخاري, دار الكتب العلمية, بيروت لبنان, الطبعة الأولى, 1989م, ج: 5, ص: 66.
[93] احمد اسعد محمود الحاج: نظرية القرض في الفقه الإسلامي, دار النفائس للنشر والتوزيع, عمان, الطبعة الأولى, 2008م/1428ه, ص: 143.
[94] المصري رفيق يونس: الجامع في أصول الربا, دمشق, دار القلم, الطبعة الثانية, 2001م, ص: 227.
[95] سورة البقرة, الآية:282.
[96] الجصاص, أبو بكر أحمد بن علي (370ه), أحكام القرآن, بيروت , دار الفكر, الطبعة الأولى 1335ه, ج: 2, ص: 207.
[97] سورة الإسراء الآية: 34.
[98] الشربيني محمد الخطيب (977ه), مغني المحتاج, بيروت, دار الفكر , الطبعة الأولى , ج: 2, ص: 120.
[99] المرجع السابق.
[100] احمد اسعد محمود الحاج: نظرية القرض في الفقه الإسلامي, ص: 146.
[101] الجبرين, عبد الله بن عبد العزيز: حكم الأجل في القرض (مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود, العدد الرابع عشر, 1995م), ص: 181.
[102] ابن قدامة, موفق الدين أبو محمد عبد الله بن احمد بن قدامة المقدسي الحنبلي(620ه) , الكافي في فقه الإمام احمد, بيروت: المكتبة الإسلامية ,ط: 5, 1998م, ج: 2, ص: 122.
[103] الكاساني: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع, ج: 7, ص: 396.
[104] المرجع السابق.
[105] التهانوي, ظفر احمد العثماني (1394ه), إعلام السنن, كراتشي, إدارة القرآن والعلوم الإسلامية, ج: 14, ص: 508.
[106] الجبرين: حكم الأجل في القرض , ص: 181.
[107] المصري رفيق: الجامع في أصول الربا , ص: 230.
[108] السلمي, محمد عز الدين عبد العزيز(1400ه. قواعد الأحكام في مصالح الأنام), بيروت : دار الجيل , ط: 2,ج: 1, ص: 9.
[109] ابن حزم, المحلى, المسألة 1196, ج: 8, ص: 79.
[110] سورة النساء: الآية :58.
[111] ابن حزم , المحلى, ج: 8, ص: 79.
[112] الرافعي أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم (505ه) , فتح العزيز في شرح الوجيز( القاهرة مطبعة التضامن الأخوي , 1349ه), ج: 9, ص: 397.
[113] الخرشي, شرح الخرشي على مختصر خليل, ج: 5, ص: 232.
[114] سورة الأعراف الآية: 199.
[115] احمد اسعد محمود الحاج: نظرية القرض في الفقه الإسلامي, ص: 151.
[116] محي الدين إسماعيل : أصول القانون المدني المغربي ,ج: 2, ص: 324/325,
[117] حسن الفكهاني: التعليق على قانون الالتزامات والعقود , ج: 5, ص: 196.
[118] ابن قدامة: المغني, ج: 4, ص: 387/388.
[119] الكاساني: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع, ج: 7, ص: 395.
[120] ابن جزي: القوانين الفقهية, ص: 310/311.
[121] ابن قدامة : المغني والشرح الكبير, ج: 4, ص: 388.
[122] شمس الدين الرملي: نهاية المحتاج , ج: 4, ص: 223/ 224.
[123] حسن الفكهاني: التعليق على قانون الالتزامات والعقود, ج: 5, ص: 195/ 196.
[124] المرجع السابق.
[125] ابن قدامة: المغني والشرح الكبير , ج: 4, ص: 322.
[126] ابن حزم: المحلى , ج: 8, ص: 77.
[127] سبق تخريجه.
[128] سبق تخريجه.
[129] سورة العلق: الآيتان: 3/4.
[130] سورة البقرة : الآية:282.
[131] البخاري: صحيح البخاري , كتاب الوصايا , باب الوصايا , حديث رقم 2738, ص: 451/452.
[132] محمد نور الدين أردنية: القرض الحسن وأحكامه في الفقه الإسلامي , جامعة النجاح الوطنية , نابلس , 2010م, ص: 63.
[133] سورة الطلاق الآية: 2.
[134] سورة البقرة: الآية:282.
[135] سورة البقرة: الآية:283.
[136] سورة النساء: الآية: 6.
[137] سورة الطلاق: الآية: 2.
[138] أبو الحبيب السعدي: القاموس الفقهي, دار الفكر, دمشق, الطبعة:2, 1988م, ص: 203.
[139] الشربيني : مغني المحتاج, ج: 4, ص: 426.
[140] القرافي: أنوار البروق في أنواع الفروق, دار إحياء الكتب العربية, مصر: 1344ه, ج: 4, ص: 86.
[141] سورة البقرة: الآية:282.
[142] نفس الآية.
[143] محمد نور الدين أردنية: القرض الحسن وأحكامه في الفقه الإسلامي: ص: 67.
[144] ابن قدامة: المغني , ج: 10, ص: 166.
[145] البيهقي, احمد بن الحسين: شعب الإيمان , دار الفكر/ بيروت, باب فيما يقول العاطس, الجزء: 22, ص: 363.
[146] ابن قدامة: المغني, ج: 10, ص: 169.
[147] سورة الحجرات, الآية: 6.
[148] سورة: النور, الآية: 4.
[149] أبو الحبيب, سعدي: القاموس الفقهي, ص: 145.
[150] حماد, نزيه: معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء , المعهد العالمي للفكر الإسلامي, ط: 1, ص: 184.
[151] الدسوقي: الحاشية: ج: 3, ص: 231.
[152] سورة: البقرة, الآية:282.
[153] سورة: المدثر, الآية: 38.
[154] البخاري: صحيح البخاري, كتاب البيوع , باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة, حديث رقم : 2068, ص: 332.
[155] البخاري: صحيح البخاري, كتاب في الرهن في الحضر, باب في الرهن في الحضر, حديث رقم:2508, ص:405 .
[156] البخاري: صحيح البخاري, كتاب في الرهن في الحضر, باب الرهن مركوب ومحلوب, حديث رقم: 2512, ص: 406.
[157] البهوتي: كشاف القناع على متن الإقناع, ج: 3 , ص: 321.
[158] سورة البقرة, الآية:283.
[159] الزحيلي, وهبة: المعاملات المالية المعاصرة, دار الفكر, دمشق, 2006م, ص: 82.
[160] ابن قدامة: المغني, ج: 4, ص: 361.
[161] الكاساني: بدائع الصنائع , ج: 5, ص: 154.
[162] الصابوني, محمد علي: فقه المعاملات, المكتبة العصرية, بيروت, 2007م, ج: 2, ص: 159/160.