إن بقراءتنا في تاريخ قانون الأسرة نلاحظ اختلافا بينما شهده وضع الأحوال الشخصية وما يشهده وضع مدونة الأسرة إذ تعتبر سنوات التسعينات أهم المراحل التي عرفها مسلسل الإصلاح في مدونة الأحوال الشخصية وهو ما نلاحظه بالضبط في 20 غش 1992 إذ القى جلالة الملك الراحل الحسن الثاني خطابا أصبحت بمقتضاه الأحوال الشخصية من اختصاص الملك، أما الملك محمد السادس فقد صنع الحدث ليس بقراره فقط بإعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية الذي لم يعد مسايرا للدينامية المتسارعة التي أصبح يعرفها المغرب ولكن لأنها المرة الأولى في تاريخ المغرب التي تحال في مدونة الأسرة (2004) على البرلمان للمصادقة عليها، واعتبر ذلك كمؤشر ايجابي لرد الاعتبار للمؤسسة التشريعية وتفعيلها ودعوتها إلى تحمل مسؤوليتها في هذا المجال.
وإن أمير المؤمنين لم يصنع الحدث سنة 2003 فحسب بل ظل وفيا حفظه الله لمبادئ الشريعة الإسلامية بصفته أمير المؤمنين وحامي الملة والدين وذلك ما إستشعرناه بقراءتنا لبلاغ الديوان الملكي الجمعة 21 ذي الحجه 1445 ه ،الموافق ل 28 يونيو 2024 باصدار توجيهاته السامية للمجلس العلمي الأعلى قصد دراسة المسائل الواردة في بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة ، إستنادا إلى أحكام ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف ومقاصده السمحة ورفع فتوى بشأنها للنظر السامي لجلالته.
وإن هذه النظرة الإيجابية والثقة التي كنا دائما ننظر بها وتعلقنا برؤية المؤسسة الملكية التي كانت وستظل مرجعية إيجابية للحفاظ على المبادئ التي قامت عليها دولتنا الشريفة، وإننا كنا نقول دائما أنه لا يمكن تعديل القوانين إلا برؤية واضحة وعندما يطلب جلالة الملك محمد السادس بتعديل مدونة الأسرة فإن الرؤية واضحة كالمحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا من له أغراض اخرى أو متلبس بالإصلاح أو صاحب أجندة، وإن طلب أمير المؤمنين من المجلس العلمي النظر في مقتضيات المدونة ورفع فتوى بشأنها للنظر السامي لجلالته، فقد كانت بمثابة ضربة بعثرت أوراق بعض من يريدون تدمير مبادئ الشريعة وقصفا لكل مؤتمراتهم وجلساتهم التي أرادوا من خلالها ضخ أفكارهم "الهاوية " في قانون له خطره وهو قانون الأسرة، و إن بعثرة اوراقهم لم تكن للمرة الأولى فبقراءتنا المتأنية لخطاب عيد العرش المجيد لسنة 2022 والذي قال فيه جلالته "وبصفتي أمير المؤمنين وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله ولن احرم ما أحل الله لا سيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية ومن هنا نحرص أن يتم ذلك في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية .."
وإن هذه الإستراتيجية التي كان قد إستعملها بعض الأطراف والتي أطلق عليها "استراتيجية كسر قالب السكر" الذي ينتج عن تعدد الضربات وليس من ضربة واحدة ويكسر بداية من الذيل قبل الوصول إلى الرأس والتي تستخدمها تلك الأطراف لإختراق الثوابت لفتح النقاش في دائرة المستجدات للتخفيف منها والتهويل من شأن التنازل عنها بداية، فإذا تم الإستغناء عنها والإكتفاء بما سواها كانت دائرة الضرب في السنن مباشرة خاصة تلك السنن التي لا تؤثر في الأعمال ولا يترتب عنها بطلانها،فإذا إنقضت هذه السنن تسرب الهدم إلى الفرائض.
وإن كان هذا المخاض الذي يعرفه قانون الأسرة ليس وليد الساعة بل عرف منذ وضع المدونة سنة 1957 عدة تعديلات، لكن هذا الورش كان إستثنائيا سواء في التيارات أو في مكنون أفكار تلك التيارات، فقد وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس عشية يوم الثلاثاء 26 سبتمبر 2023 رسالة لرئيس الحكومة تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة وقد ورد هذا في بلاغ الديوان الملكي بتشكيل اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة وبحسب بلاغ طوال الملكي تم اسناد الإشراف العلمي لإعداد ملف التعديل بشكل جماعي ومشترك لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة وقد أوضع جلالته للمؤسسات المذكورة ان تشرك ب صفة مباشرة مجموعة المؤسسات في مقدمتها المجلس العلمي الأعلى مع الإنفتاح على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين وفي ظل إشراك هذه الهيئات برزت لنا عدة تيارات يمكن جمعها في تيارين أحدهما محافظ يود مراجعة قانون الأسرة وفق الضوابط الشرعية وأخر يطالب بتعديل جذري .
رؤية الإسلاميين :
لا يمكن تعديل القوانين إلا برؤية واضحة، وعندما يطلب جلالة الملك محمد السادس بتعديل مدونة الأسرة فإن الرؤية واضحة كالمحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا من له اغراض أخرى أومتلبس بالإصلاح أو صاحب أجندة، لكن جلالة الملك ومن خلال الرسالة التي وجهها إلى رئيس الحكومة أوضح ان امارة المؤمنين ضابط للخط العام وللعنأوين الكبرى للإصلاح، وهو ما نلاحظه في الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2022 والذي قال فيه جلالة الملك " وبصفتي أمير المؤمنين، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لا سيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية من هنا نحرص أن يتم ذلك في إطار مقاصد الشريعة االإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي مع إعتماد الإعتدال والإجتهاد المنفتح والتشأور والحوار وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية " .
لكن هذا الإنجاز لن يكون إلا بطريقة التشاور والإختيار وعبر المؤسسات المعنية بالأسرة والحقوق ضمانا للفعالية والشفافية بل والجدية في الطرح لأن التعديل هو إستجابة للتحولات التي يعرفها المجتمع، لأن القوانين هي إجابة عن حاجات المجتمع .
أما في مسألة التعديل هذه ذهب بعض المحافظين بقولهم أن " ورش تعديل مدونة الأسرة بالمغرب شكل لجنة قانونية وقلص من سلطة العلماء، فقد كرست هذه المبادرة الإبعاد التدريجي لملف التعديل من سلطة العلماء وهم رجال الدين من الفقهاء الذين كان لهم دور محوري في لجنة إعداد مدونة الأحوال الشخصية في صيغتها الأولى سنة 1957، حيث تم إعتماد لجنة فقهية محضة من علماء جامعة القرويين وقضاة المحاكم الشرعية، وهي لجنة لم تضم أي إمرأة، ومدونة الأسرة لسنة 2004 والتي عرفت بدورها هيمنة واضحة للعلماء، مع تمثيلية محدودة لبعض أساتذة القانون وثلات نساء من بينهم قاضية ورئيسة جامعة وطبيبة. في المقابل تم اللجوء في المبادرة الحالية إلى لجنة الإشراف المشتركة تجمع وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة وهو ما يعني أن الأمر يتعلق بلجنة قانونية تخص المجال القانوني لا لجنة من الفقهاء.
تم حث لجنة الإشراف الثلاثية على إشراك المؤسسات الدستورية المعنية وهي المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومن المجلس الأعلى وهو ما يعني إعطاء أولوية للمؤسسات الدستورية عوض الأشخاص، بحيث أضحى الرأي العلمي الأعلى للعلماء المعتمد هو الرأي الصادر عن المجلس العلمي الأعلى بإعتباره مؤسسة دستورية، إلى جانب رأي المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان والقطاع الحكومي المكلف بالمرأة وبذلك تم الإنتقال من لجنة يهيمن عليها العلماء والفقهاء إلى لجنة قانونية تاخذ بيع الاعتبار ان الأمر يتعلق بقانون بغض النظر عن مرجعيته.
وقد كشف خالد الصمدي في مقال له " أن ما يتم تسريبه بين الفينة والأخرى إلى وسائل الإعلام من نقاش بين أعضاء اللجنة المكلفة بمراجعة بعض القضايا في مدونة الأسرة الجديدة ليس عاديا ولا بريئا. فهذا الملف الذي يتم الإشتغال به بعيدا عن الرأي العام وتفاعلاته في ظرف يتسم بغلاء الاسعار واجواء العطلة والإستعداد للدخول المدرسي وأخبار الحوادث اليومية المثيرة التي يحرض البعض على أن يغرق بها الفضاء الأزرق، مما يجعل الموضوع خارج الأجواء وفي زاوية لا تسلط عليها الأضواء.
ومعلوم أن هذا الإصلاح الذي دعا إليه جلالة الملك حفظه الله اغلق باب النقاش في قطعيات مدونة الأسرة ولكن بعض ممن أزعجهم هذا الإطار الشرعي الدقيق لم يسأموا، فأخذوا يشتغلون على ما يبدو بإثارة ما سوى ذلك مما يحيط بهذه القطعيات من ظنيات هي أغلب أحكام الشريعة في قضايا الأسرة ومعظمها وارد في السنة النبوية الصحيحة القطعية، والتي تعتبر بالإضافة إلى نصوص القران الكريم مرجع الإجتهاد ومستنده في قضايا الأسرة وغيرها لأنها تتضمن تفصيل ما ورد في القران الكريم من المجمل وتقييد المطلق وتخصيص العام.
وفي هذا الموضوع " موضوع تعديل مدونة الأسرة " رفع مجموعة من الإسلاميين مذكراتهم إلى لجنة التعديل منها " منتدى الزهراء، وحركة التوحيد والإصلاح " وغيرها ...، هذه الأخيرة التي رفعت" مذكرة حركة التوحيد والإصلاح حول مراجعة مدونة الأسرة " والتي اظهرت فيها مكانة الأسرة في مرجعية التوحيد والإصلاح إضافة إلى مقترحاتها لمراجعة مدونة الأسرة.
إن حركة التوحيد الإصلاح تولي الأسرة أهمية بالغة وتعتبر حمايتها من القضايا الإنسانية العادلة التي تستوجب التعاون والمناصرة، وقد كانت الأسرة ومازالت، دائمة الحضور في برامجها الدعوية والتربوية التي تضمنت إقامة العديد من الحملات والأنشطة والمبادرات الهادفة إلى العناية بالأسرة ومعالجة قضاياها والحفاظ على إستقرارها ودعم أدوارها.
وقد عبرت حركة التوحيد والإصلاح بعد خطاب العرش بتاريخ 30 يوليوز 2022، عن إستعدادها للمساهمة الإيجابية في مشروع إصلاح مدونة الأسرة وتقديم إقتراحاتها إنسجاما مع دورها الدعوي والإصلاحي وتأسيسا على مبادرتها الرامية إلى النهوض بالأسرة وتلبيه احتياجاتها والمساهمة في تحصينها وتعزيز مناعتها .
تقدمت حركة التوحيد والإصلاح بمقترحاتها لمراجعة بعض مقتضيات مدونة الأسرة، وذلك ببسط مقاصد التعديلات المقترحة، ومن بين هذه التعديلات نذكر:
- تعدد الزوجات
أباحت الشريعة الإسلامية تعديد الزيجات في نص قطعي من كتاب الله عز وجل، وراعت في ذلك ما يمكن أن يحققه من مصالح للمرأة والأسرة، وما قد يدرء عنهما من مفاسد، وقيدت إباحته بقيود عامة أساسها القدرة والعدل بين الزوجات، وتركت الولي الأمر صلاحية قيود أخرى بغية حفظ حقوق الزوجات والأطفال، والإبقاء على إباحته مع مراعاة القيود الموضوعية، إذ يحقق مصالح متعددة للمجتمع من بين هذه المصالح إيجاد حلول لمشكلة العنوسة عند النساء، التي تزداد مؤشراتها في بلداننا وعبر العالم.
ومن جهه أخرى فإن الإحصائيات المتوفرة تؤكد أن تعدد الزوجات محدود بسبب الضوابط التي قيدته به المدونة . وتروم المقترحات المقدمة من طرف الحركة ضبط مصدر التعدد مع تخفيف بعض القيود التي قد تسبب العنت للأفراد، وتدفع إلى ممارسة التعدد غير الموثق الذي يضر بالأسرة والمجتمع.
- تيسير الزواج وبناء أسرة مستقرة
تروم المقترحات المقدمة ضمن الأبواب المرتبطة بالزواج، الإسهام في تيسير سبل إنعقاد الزواج من خلال تبسيط مساطره الإدارية وإجراءاته فمن ينظر في أصول الشريعة الإسلامية ومقاصدها الكبرى، يجد أنها متشوقة الى تيسير الزواج وبناء الأسرة وإلى رفع وإزالة العراقيل والعوائق التي تحول دون ذلك وإلى ضمان توثيق الرابطة الزوجية وحفظ حقوق أطرافهم، الأسرة سكن واستقرار ومحضن استمرار النسل واساس ترسيخ القيم والمبادئ النبيلة.
- الإبقاء على سماع دعوى الزوجية
تسعى الشريعة االإسلامية إلى تصحيح انكحو الناس باقل شبهة، حفظا للأنساب والاعراض وتضييقا لدائرةة السفاح والفساد، وارتقاء بالعلاقة إلى دائرة المشروعية والمسؤولية، ولذلك رأى الفقهاء إمكانية تصحيح الزواج ولو بعد مدة حرصا على الستر وعلى حفظ حقوق اطراف الأسرة، كما ان مدونة الأسرة المغربية تقبل تذييل أحكام وعقود الأسرة المبرمة خارج المغرب بالصيغة التنفيذية، ومنها عقد الزواج الذي قد يكون ابرم طبقا للاجراءات الادارية لبلد الاقامة متاكد الدراسات التي قامت بها النيابة العامة وغيرها من المؤسسات الرسمية والمدنية، وجود اشكالات المجتمعية لا زالت تسمم في وجود طلبات ثبوت الزوجية ، وهي قليله لا تؤثرعلى استقرارالأسرة ومن ثم فان مصلحة الأبقاء على مشروعية سماع دعوى الزوجية واعتمادها تبقى قائمة، كما ان الغائها قد يسهم في مفاسد متعددة في الأسرة التربية وغيرها من الحقوق اللاحقة كالارث وقد راعت غرفة الأحوال الشخصية في محكمة النقض هذه المصالح فقررت قبول سماع دعوى الزوجية بناء على المادة 400 من المدونة، قرارعدد 1/358 بتاريخ 21/06/2022 في الملف عدد /2/1/2022، منشور بموقع محكمة النقض.
رؤية أنصار المرجعية الغربية
يبرز إلى العلن توجه يطرح نفسه كنقيض للتوجه المحافظ وذلك من خلال بعض المواقف اتجاه بعض القضايا ذات الصلة ب: ( الإرث الولاية، إقتسام الأموال المكتسبة اثناء العلاقة الزوجية وغيرها.... ) حيث ما فتئ هذا التيار (الحداثي) يتشبث بمثل هذه المواقف، معتبرا أن المرحلة تتطلب إعادة النظر في بعض المفاهيم التي ترتبط بموضوع الأسرة، والتي أصبحت متجأوزة حسب المرجعيات التي ينطلقون منها، كما يعتبر هذا التوجه ان قضية الأسرة مسألة المجتمعية يتطلب الأمر منحها العناية والأهمية الكافيتين، وان كان الأمر يبدو من وجهة نظرهم التزام ( أخلاقي/ سياسي) يمكن النظر إليه حسب هذا التوجه باعتباره مؤشرا دالا على التحولات التي يعيشها المجتمع في جميع الميادين ولا سيما "منظومة القيم "
والتي لا تتطلب سوى الإرادة والجرأة بطرح وتناول بعض المواضيع ذات الصلة وإزالة غطاء القداسة عنها، على إعتبار أن تحول مجتمع وتطوره يفضي بالأساس إلى تغيير في منظومة القيم ، كما يشكل هذا النقاش أداة لقياس نسبة التحول داخل المجتمع في علاقته بهذه المسألة ومدى اقتناعه بضرورة تغيير هذه الصيغ التي يتناول بها النقاش تطرح إشكالات عدة، أولها تتجلى في الكيفية التي يدار بها النقاش، الملاحظة بخصوص تلك المواقف حيث تطبعها نظرة صدامية، وتقدم نفسها كأطروحة "نقيض جذري " للتوجه المحافظ، مما يوجب وجود ازمة حوار داخل المجتمع، وتعطينا انطباعا على أن الوصول إلى حل لتتوافق بشان هذا الموضوع وغيره أضحى أمرا غير ممكن حصوله في الأفق المطلق وهو ما نؤاخذه على هذا التوجه، بحيث ان مثل هذه المواقف نساء إستغلالها من خلال تحريف مضامينها وسياقها، ويتم إستعمالها في خطاب مضاد، مما يسهم في إثارة البلبلة ويؤثر سلبا على المسار الإيجابية للنقاش الذي يطمح إليه الجميع.
وقد كان هناك بلاغ الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب حول إصلاح مدونة الأسرة نصت فيه على مايلي: استقبلت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب بلاغ الديوان الملكي بتفاؤل كبير، معتبرة ان ما تضمنته الرسالة الملكية من توجيهات لإطلاق مسار التشاور من اجل إعادة النظر في مدونة الأسرة، من حيث طبيعة الاشراف العملي على إعداد مقترح التعديل ودور التنسيق وضمان مشاركة المجتمع المدني والمختصين والباحثين، يستجيب الإنتظارات الحركة النسائية، والذي ينسجم كل الأنسجام مع خطاب العرش ل 30 يوليوز 2022 الذي دعا فيه ملك البلاد إلى التأكيد على مشاركة النساء في التنمية وعدم حرمان النساء من حقوقهم وتفعيل المؤسسات الدستورية، خاصة هيئة المناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز والمجلس الإستشاري للأسرة والطفولة،
لقد تلا هذا الخطاب الملكي نقاش مجتمعي بخصوص إستعجإلية وضرورة فتح ورش التغيير الشامل والجذري لمدونة الأسرة، إلى أنه لم يحظى بالتفاعل والدينامية المتوخات من طرف الحكومة، رغم ما تمخض من هذا النقاش من إقتراحات ومواقف تأخذ بعين الإعتبار والتطور الإقتصادي والتحولات الإجتماعية التي عرفها المغرب خلال قرابة عقدين من تفعيل مدونة الأسرة، مستحضرة لذلك تواجد النساء في مراكز القرار ومساهمتهن بجانب الرجال في التنمية الإقتصادية عبر عملهن المأجور وغير المأجور وعبر أدائهن للضرائب، وتحملهن المقتضيات التمييزية لمدونة الأسرة، كما تدمرت التوصيات المقدمة من طرف الحركات النسائية والحقوقية البحث عن حلول جذرية للقضاء على الاثار السلبية للثغرات التي رافقت اعتماد المدونة منذ سنة 2004 والتي ساهمت في تكريس الوضع للنساء والفتيات. كما هو الحال بالنسبة لتغييب المسؤولية المشتركة داخل الأسرة ولزوج الطفلات والولاية القانونية وانتقال الثروة العائلية .... .
لذا، ومن أجل تشريع أسري يضمن المساواة في الحقوق والعدل في الوضعيات، تتقدم الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب بالنسبة لمكلفه بإعداد المشروع بعرض المداخل والمرتكزات الأساسية لهذا النص:
- ملائمة نص المدونة شكلا ومضمونا مع روح ومبادئ ومقتضيات الدستور.
- إستحضار قيمة المسأواة الفعلية المنصوفة عليها في الدستور والمصادق عليها في التزامات المغرب اتجاه المنتظم الدولي.
- القطع مع المفاهيم المؤسسة للسلطة الذكورية للعلاقه بين الرجال والنساء في الحياة الخاصة
- الحد من استمرار تثبيت البناء الذكوري للعلاقة بين الرجال والنساء من خلال تحرير عدد من المقتضيات المتضمنة لتقسيم الادوار النمطية بمباركة من النصوص المدونة.
- حذف المادة 400 التي تحول القضاء الرجوع إلى المذهب المالكي لسد كل ثغرة قانونية.
- ضمان استقلالية النساء الإقتصادية مهما كانت وضعيتهن الأسرية في التشريع الأسري.
اذا فالملاحظ ان الجمعية الديمقراطية للنساء المغرب تسمى الاطلاق مسار ورش إعادة النظر في مدونة الأسرة، وتدعو كل اطراف المعنية إلى الأنخراط الكامل في هذا الورش المهيكل من اجل قانون يجعل المسأواة وعدم التمييز قيمة مؤسسة لتعديل عميق وجذري.
ومعلوم أنه لما تظهر مسألة فيها تعديل لقانون بأهمية قانون الأسرة لا يمكن للتيار اليساري ان لا يظهر في الواجهة، وهو مايبلوره " حزب التقدم والإشتراكية ". في مذكرته حول مدونة الأسرة، مبرزا انها تستند إلى مرجعية الدستور، بما يحمله من إلتزام واضح بمنظومة حقوق الإنسان، وما يستلزمه من ملاءمات تشريعية، وما يقرره من مرجعية إسلامية منفتحة ومعتدلة وتحديثية تقوم على الإجتهاد المتنور .
وأشار الحزب في تصريح له أن:” مذكرة الحزب تستند إلى المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، إلى ضرورة التفاعل الايجابي مع التحولات الإجتماعية العميقة منذ اخر صيغة للمدونة قبل 20 سنة مضت. وشدد الحزب أن ” إصلاح مدونة الأسرة يعتبر جزء ا في مسارنا الوطني نحو الاقرار التام بالمسأواة. يؤكد على ان هذا الإصلاح ينبغي ان يفرز مراجعات عميقة وتحديثها لهذا النص التشريعي الهام، اتجاه المساواة الفعلية وتمتين أسس الأسرة المغربية بجميع مكوناتها “.
ولفت التقدم والإشتركية إلى أن: " النقاش المجتمعي حول إعادة النظر في مدونة الأسرة يتعين أن يكون نقاشا هادئا، ناضجا ومسؤولا بعيداعن خطاب التخوين والتكفير. وتحريف المواقف وعن مصادرة حق كافة التيارات الفكرية والسياسية من التعبير عن وجهات نظرها في كنف الدستور والثوابت الجامعة للامة المغربية.
وتابع الحزب قائلا " إلى جانب ذلك يعتبر حزب التقدم الاشتراكية ان المسار الشق نحو اقرار المساواة ينطوي على ابعاد متكاملة ديمقراطية وتشريعية وثقافية واجتماعية واقتصادية. كما يعتبر ان الإصلاح الحقيقي لمدونة الأسرة سيعطي نتائجها الإيجابية حينما سيتم ارفاقه بتنقية كافة التشريعات الوطنية من مقتضيات التمييز ضد المرأة، ولا سيما منظومة القانون، ومدونة الشغل، وقانون الجنسية وقانون الوظيفة العمومية وغيرها من القوانين، كما ان هذا الإصلاح الأساسي لن يحقق اثره المنشود سوى من خلال الادراج الفعلي والقوي لمقاربة النوع الإجتماعي في كافة السياسات العمومية مع تعزيز اعمال الية المناصفة. "
وبقاءا مع التيار اليساري فقط طلبت نساء حزب الإتحاد الإشتراكي بمراجعة شاملة لمدونة الأسرة فقد فتحت " منظمة النساء الإتحاديات " نقاشا حول المراجعة الشاملة والدقيقة لمدونة الأسرة، معلنه انها تعد هذه المراجعة بمثابة حماية للمجتمع والأسرة على السواء، ولذلك في أول لقاء لها تفاعلا مع الخطاب الملكي لهذا العرش المجيد لسنة 2022 الداعي إلى اصلاح مدونة الأسرة .
في هذا الإطار، إلتأمت فعاليات نسائية وحقوقية من عالم المحاماة والقانون في ندوة الوطنية بالمقر المركزي لحزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالرباط يوم السبت 29 اكتوبر 2022، وكان يترقب ان تسفر عن رفع مقترحات وتوصيات عملية لمراجعة المدونة في شكل مذكرة ترافعية إلى القطاعات الوزارية الوصية والتنظيمات المدنية المعنية بالترافع المجتمعي. وقد قالت " حنان رحاب" الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الإتحاديات "أنه لايمكن الحديث عن إعادة التعديل وحصره في مجرد مواد معينة دون الجلوس للحوار بشان المدونة بشكل كامل وشامل لافتة إلى ان 18 سنة من تطبيق المدونة أبانت على مشاكل فيما يتعلق بقضايا النسب والحضانة والولاية الشرعية والطلاق فضلا عن الزواج القاصرات وجلد الاقتصاد الممتلكات المكتسبة اثناء فتره الزواج.
واضافت رحاب، في تصريح على هامش انعقاد الندوة،" أن مجموعة من المواد في مدونة الأسرة تعتريها اشكاليات في وقع اتفاقيات دولية في هذا المجال، كما ان الدستور المغربي جاء بعد اقرار المدونة في صيغتها الحالية ".
رافضة التطبيق السليم، موضحة ان الإشكالية الأساس تتمثل في مرجعيتها، لأن المغرب بذلك المقاربة التي تختزل الإصلاح في تعديلات جزئية واضافت فاطنة سرحان" عضو الاتحاد الإشتراكي " في مداخلتها في الندوة ان المشرع منح ذلك حصرا للرجل فضلا عن مسؤوليته في النفقة مشددة على ان مبدأ المسأواة هو الاصل في ضمان عدم التمييز بين الجنسين.
ولفتت سرحان إلى ان " المراجعة الشاملة للمقتضيات المدونة ممكنه شريطة عدم التمييز بين الأطفال في العلاقة الزوجية ونظرائهم المزدادين خارج إطار الزواج "، موردة" يمكن ان نقول ان تلك المراجعة في شموليتها ستخرج بأحكام ثورية تحل مشاكل المجتمع. إلا أن التردد يضل سيد الموقف.
قبل ان تخلص إلى ان الرغبة في التعديل يجب ألا تكون بيدي اعضاء اللجنة الذين لهم موقفا مسبق من المسأواة بين الرجل والمرأة وما جاءت بالاتفاقيه الدولي والدستور 2011،وقاربت مليكة الزخيني برلمانية اتحادية ورئيسة جامعة الموضوع من زاوية "الإطار القانوني والحقوقي" الذي اعتبرته من اسس البناء الديمقراطي مسجلة ان " قانون أسريا خاليا من التمييز وقائما على المسأواة بين الجنسين يشكل احد اسس بناء الديمقراطية"، قبل أن تستدرك بأنه خيار مكبل في بلادنا.
واستعرضت الزخنيني في حديثها "الشرعة الدولية" لحقوق النساء لاسيما إتفاقية سيداو المعتمدة على ميثاق الأمم المتحدة وكذا الإعلان العالمي للحقوق الإنسان، مؤكدة أن عدم التمييز القائم على الجنس يضمن مشاركة المرأة اقصى مشاركة ممكنة في الدينامية البناء التنموي". وأظافت بأن" المساواة الكاملة تقتضي تغيير دورالرجل في المجتمع وفي ممارستنا اليومية وتلقيح قانون الأسرة من كل الشوائب بين الجنس قصد ديموقراطية الدولة والمجتمع ".
وإننا نرى من وجهة نظرنا أن للأسرة أهمية كبيرة كونها الخلية الأساس للمجتمع وماينتج عنها من حماية لتركيبة المجتمع، كونها هي الخلية الأولى لهذا المجتمع، وجب على المشرع المغربي حمايتها بترسانة قانونية تستند أفكارها من منابع الشريعة الإسلامية التي هي الروح التي تحرك هذه القوانين.
ومن المقترحات التي نطرحها من وجهة نظرنا :
- الإبقاء على المادة 16 من مدونة الأسرة وتغيير الفقرة الثانية منها لتصبح على الشكل التالي " يعمل بسماع دعوى الزوجية في الحالات التي يقدرها القاضي وتحقق مصلحة الأسرة والمجتمع" . وذلك نظرا لكون المشرع متشوف إلى إقامة الأسرة لا إلى نفي الزوجية ومن جاء يريد إثبات زواجه لا مصلحة في منعه من تقديم طلبه بهذا الخصوص .
- المادة 40 من مدونة الأسرة " تزال منها فقرة : كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة " وذلك لأن ليس من حق المشرع أن يمنع الزوج من التحلل من شرط رضي به حين العقد، وطرأ مايدعو تحلله منه رفعا للعنت والحرج، كما للزوجة أن تقدر وجود مصلحة في عدم الإبقاء على شرط المنع في التعدد .
- الإبقاء على المادة 400 من مدونة الأسرة لما تقدمه من حماية للأطراف لما يكون هناك لغيب لنصوص تشريعية، بما أنها تنص على الرجوع للمذهب المالكي بكونه المذهب المعتمد بالمغرب منذ قرون، وذلك نظرا لكون الشريعة الإسلامية مصدرا أصليا من مصادر القاعدة القانونية .