MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



وسائل تلافي معوقات النص التشريعي

     

د/ علي محمود حميد



وسائل تلافي معوقات النص التشريعي
يتم التحكم في جودة النص القانوني من خلال معايير عدة وعوامل وشروط لازمة لدوام ثباته واستقراره ومن ثم ديمومته ، ومن غير هذه العوامل والشروط لا تتحقق هذه الديمومة للنص القانوني مما ينعكس ذلك على فاعليته القانونية على الجانب العملي ، ويؤدي ذلك الى عدم فائدة التشريعات وعدم جدواها ومن ثم تكون صناعة التشريع هي مضيعة للوقت والجهد معاً ، لذا فان عملية صناعة التشريع هي علم وفن قائم بذاته يعتمد في جودته على شروط عدة ومعايير علمية اذا ما طبقت بالشكل الصحيح فانه بالتأكيد سوف نصل بالنص القانوني الى قمة الجودة العلمية والفائدة العملية .

وهذه المعايير تتعلق باعتقادنا بجانبين مهمين من عملية صناعة التشريع وهما -: أولا الجهات والسلطات والأشخاص المخولين بوضع التشريعات ، وهي ما تسمى بمهارات وحرفية الصائغ ، وثانيا هي عملية الصياغة التشريعية لهذه التشريعات ومهارة استخدام الأساليب العلمية والتقنية فيها وولادة التشريع من واقع الحاجة الفعلية للمجتمع .

أولا :- الجهة المختصة بسن التشريع

توجد معايير عدة وشروط يجب توافرها في الجهة واضعة التشريع من جهة وجودها وصلاحياتها واستقلالها وآلية وضعها لهذه التشريعات ، وكل ذلك يخضع الى طبيعة النظام السياسي وشكله وطبيعة العلاقة فيما بين السلطات الناشئة عنه
ان المستقر عليه في اغلب الدول والنظم السياسية ان السلطة التشريعية هي صاحبة الاختصاص الأصيل في سن التشريع ، استنادا الى مبدأ الفصل بين السلطات ، الا ان ذلك لا يمنع من مشاركة السلطة التنفيذية - بما تملكه من خبرات عملية وتقنية - للسلطة التشريعية في وضع مقترحات للقوانين مع بقاء حق سنها وتعديلها او رفضها الى السلطة التشريعية ، وهناك حالات محددة تفوض فيها السلطة التنفيذية بإصدار قرارات لها قوة القانون كما في حالتي الضرورة وما يسمى بتشريع التفويض (1) .

ولكي تقوم السلطة التشريعية بواجبها على اكمل وجه فان يفترض أن تتمتع بالاستقلالية التي تمكنها من أداء اعمالها وعلى المستويين التشريعي والرقابي ، ويراد بالاستقلال هنا هو استقلال السلطة التشريعية ككل عن باقي السلطات الأخرى في النظام القانوني للدولة وهو ما يعبر عنه بـ ( الاستقلال العضوي ) للسلطة التشريعية (2) ، كما يراد به أيضا هو استقلال أعضاء السلطة التشريعية عن الضغوطات والمؤثرات الخارجية التي من الممكن ان تمارس عليهم لأسباب حزبية أو فئوية او غيرها من الأسباب وهو ما يعبر عنه بـ ( الاستقلال الوظيفي ) للسلطة التشريعية (3) ، إذ ان هذا الاستقلال عنصر محوري في عمل هذه السلطة وذلك الخطورة وخصوصية العمل الذي تضطلع به .

هناك طرقا عدة لتكوين سلطة التشريع اما بالتعيين او بالانتخاب او بالتعيين والانتخاب معا ، إذ تؤثر طريقة اختيار أعضاء السلطة التشريعية على طريقة عملهم حتما ، فالأعضاء الذين يتم اختيارهم عن طريق التعيين سيكون ولائهم للجهة التي عينتهم او على اقل تقدير ستكون هناك حالة من التبعية والتأثير الذي سينعكس سلبا على عملية التشريع ، والطريقة الأكثر استجابة لمتطلبات عمل هذه السلطة هي طريقة الانتخابات ، إذ ستكون هذه السلطة ممثلة عن مختلف شرائح الشعب وتعبر عن آمال وتطلعات المجتمع من خلال ما تشرعه من قوانين تمثل ما يرمي اليه من التطور والاستقرار والازدهار في مختلف المجالات ، وتعد طريقة الانتخابات من افضل الطرق لاختيار ممثلي الشعب طبعا مع توفير مستلزمات نجاحها من الشفافية وعدم التزوير ، أي وصول ممثلي الشعب الحقيقيين الى السلطة التشريعية ؛ لان ذلك يكون كفيلا – على الأقل - ان يتم تشريع القوانين التي يحتاج اليها المجتمع بشكل فعلي حتى لو لم تكن بالشكل والصيغة المطلوبتين (4) ، وعلى الرغم من أن لكل طريقة من طرق تكوين السلطة التشريعية لها من العيوب والمميزات التي تشكل كيانها ، الا ان طريقة الانتخاب تبقى هي الطريقة والأسلوب الأفضل من بين كل الوسائل الأخرى ؛ كونها اقل هذه الطرق عيوبا وهي السبيل الأمثل لتحقيق وتمثيل إرادة الشعب ، كما ان في تكرار عملية الانتخابات بشكل دوري يفعل رقابة الرأي العام على أداء هذه السلطة ويجعلها تدين بالولاء الى الشعب الذي عبر عن ارادته بانتخابها (5) .

وبرأينا فان العبرة ليست في شكل السلطة التشريعية وانما العبرة تكمن في كمية الوعي السياسي والمهارة التشريعية التي تتمتع وتتصف بها هذه السلطة ، إضافة الى طبيعة النظام السياسي ونضجه على كافة المستويات والعلاقة فيما بين سلطات الدولة وتكاملها ، كما انه وحسب رأينا ووفقا للتجارب والواقع العملي للدول فان لكل دولة وحسب طبيعة نظامها السياسي ووعي شعبها وكثير من العوامل الأخرى شكل سلطتها التشريعية الذي يتماشى مع واقعها وينجح وفقا لمعطياته ، اذ ان من الدول من تأخذ بنظام المجلس الواحد على الرغم من انها دولة اتحادية كالباكستان والعكس صحيح (6) ، ولا يفوتنا التأكيد أيضا على أهمية الشروط وطريقة اختيار أعضاء السلطة التشريعية واثرها البالغ على جودة التشريع وديمومته (7) .

ومن الضمانات القانونية لجودة التشريعات هي وجود هيئات متخصصة في الصياغة القانونية ، وان لا تعتمد السلطة التشريعية على افراد وأعضاء البرلمان فقط في سن وتشريع القوانين ، اذ انه من غير السليم الاعتماد على جهة واحدة في سن التشريعات وانما يجب تشكيل هيأة او لجنة مختصة بالصياغة القانونية ، إذ يتم تشكيل لجنة تابعة للسلطة التشريعية واخرى تابعة للسلطة التنفيذية ، تعملان على صياغة مشروعات ومقترحات القوانين بالشكل السليم وصياغة الأفكار التي تتقدم بها اللجان البرلمانية المختصة وأيضا الجهات والمؤسسات التنفيذية ، ويتم تدقيق مشاريع ومقترحات القوانين بما يتلاءم مع المنظومة القانونية السارية المفعول إذ لا يتم التعارض فيما بينها بما يحقق استقرار التشريع وديمومته ، ولا ضير من ان تتعاون هذه اللجان التابعة للسلطتين التشريعية والتنفيذية وتتبادلان الخبرات والامكانات بما يخدم صناعة التشريع (8) اذ انه في العادة يتم تشكيل دائرة مختصة بالتشريع داخل مجلس النواب يقع على عاتقها صياغة الأفكار والمقترحات بالشكل الفني المطلوب والصحيح ، إذ إنّ صياغة التشريع تبقى عملية فنية يجب اسنادها الى اهل الاختصاص ولا عيب في ذلك على أعضاء مجلس النواب ، اذ تنص اغلب الدساتير على جواز استعانة أعضاء السلطة التشريعية بالخبراء والفنيين والمختصين اذا تطلب التشريع ذلك ، من اجل الوقوف على الحيثيات الدقيقة وتفاصيل الأمور الفنية التي ليست من اختصاص أعضاء السلطة التشريعية من اجل الخروج بالنص التشريعي بأفضل صورة من الناحية الشكلية والموضوعية (9) .

وتقع على السلطة التشريعية مسؤولية أخلاقية كبيرة ؛ بسبب طبيعة العمل الذي تقوم به من سن القوانين التي يجب ان تخدم المجتمع وتحقق تطلعاته ، مع ايمان المشرع بمبدأ سيادة القانون كأساس لمشروعية السلطة وضمان حقوق الافراد ، مع إيجاد التوافق والانسجام ما بين القوانين والنصوص الدستورية وفق مبدأ سمو الدستور (10) .

ثانيا : عملية الصياغة التشريعية .

تتعلق الصياغة التشريعية بشكل ومضمون النص التشريعي ، أي ما يجب ان تظهر به مجموعة القواعد القانونية وفق ما أراد المشرع ، على ان يكون ذلك بأسلوب تقني وعلمي مختصر وسهل للمتلقي ، يحتوي على عبارات قانونية مركزة بعيدة عن الغموض والتشتت (11) .

كذلك يجب الحرص على مراعاة احكام القوانين النافذة ضمن المنظومة القانونية للدولة ، والاحاطة الشاملة لمجموع القوانين ذات العلاقة منعا للتعارض والتصادم فيما بينها مما يفسح المجال للتفسير والتأويل ، الذي من شأنه اضعاف قدرة التشريع على أداء رسالته وفرض قوته القانونية (12) ، إذ يتم الالتزام بالسياسة التشريعية المتبعة في سن القوانين وعدم الخروج عليها مما ينتج لنا تشريعات شاذة عن الوسط القانوني ، وتكون صياغة التشريعات متوافقة مع هذه السياسة بما يضمن وحدة التطبيق (13) ، لتوحيد المصطلحات القانونية المستخدمة والوقوف على مدى الحاجة الفعلية للتشريع الجديد (14) ، ذلك لان صياغة أي نص قانوني يجب ان تكون ذات السياق المعمول به في صياغة القوانين النافذة السابقة على وجود هذا القانون ، مما يجعله مكملا للتشريعات متماشيا مع احكامها ومتجانس في الأفكار الرؤى المستقرة في الكيان القانوني للدولة بشكل عام مما يجعله عامل قوة للمنظومة القانونية (15) .

وقد يتطلب الامر الرجوع الى بعض قوانين الدول المتقاربة في طبيعة أنظمتها السياسية وبنيتها الاجتماعية مع قوانين الدولة صاحبة التشريع للاقتباس من قوانينها ، والتي اثبتت التجارب العملية نجاح تجربتها التشريعية على المستويين العلمي والعملي (16) ، على ان لا يكون ذلك بطريقة نسخ للمصطلحات والجمل بدون قراءة واضحة المعالم والاقتصار على الاستفادة من التجربة والأفكار لتلك القوانين المقارنة بما يفيد التشريع المراد صياغته (17) ، وينبغي عند الاقتباس ترجمة الأفكار بما يتلاءم مع واقع المجتمع وحاجاته بعيدا عن النقل الحرفي للكلمات المقتبسة ، اذ ان لكل امة طبيعتها الخاصة وعاداتها وطبائعها فان صلاح قانون ما في مجتمع ما لا يعني بالضرورة صلاحه في مجتمع آخر ، لأنه وبالتأكيد لكل امة ومجتمع مقاييسه الخاصة ومعتقداته الدينية والطبيعة الجغرافية الخاصة به التي تفرض نوعا معينا من التشريعات التي تلائم واقع هذه المجتمع ، فاذا تم استيراد قوانين دخيلة على المجتمع غريبة على واقعه فان من شأن ذلك ان يجعلها عقيمة وموتها محتم (18) .

بالإضافة الى ذلك فانه يجب عند صياغة النصوص التشريعية ، الاخذ بعين الاهتمام البنود والاحكام الواردة في الاتفاقيات والمعاهدات التي انظمت اليها هذه الدولة ، وأصبحت عضوا فيها والتي تكون ملزمة لها (19) ، وان تأتي تلك التشريعات بما يتلاءم وينسجم مع هذه المعاهدات او العهود والمواثيق الدولية العامة ، وبعبارة اخرى فانه ينبغي أن لا يتم صياغة التشريعات وتضمينها احكام وقواعد قانونية بما يتعارض والالتزامات الدولية لهذه الدولة (20) .

وهناك رأيان مستقران في الفقه القانوني بشأن تأثير المعاهدات والاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية ، اذ ان هناك من يقول بان تلك المعاهدات والاتفاقيات الدولية في حال انظمت اليها الدولة فإنها تصبح مساوية للتشريعات الوطنية في القيمة القانونية ، واذا ما تعارضت هذه التشريعات الوطنية مع تلك المعاهدات فانه يجب إزالة التعارض فيما بينها وذلك بتعديل التشريعات الوطنية ، او ان بنود ونصوص الاتفاقية هي التي تسري عند التعارض بعدها نصوصا وقواعد قانونية خاصة والخاص يقيد العام عند التعارض ، والمقصود بالتشريعات الوطنية هي ( التشريعات العادية ( وليس الدستور ، اذ انه اسمى من تلك المعاهدات والاتفاقيات (21) ، وبالمقابل هناك من يقول بان المعاهدات والاتفاقيات الدولية هي اعلى قيمة قانونية من التشريعات العادية للدول ، أي انه في حال انظمت دولة ما الى معاهدة او اتفاقية دولية فانه يجب تعديل القوانين

الداخلية بما ينسجم وبنود هذه الاتفاقية او المعاهدة، لكن وفي نفس الوقت فان قيمة هذه الاتفاقيات الدولية لا تعلو على دساتير الدول ، فاذا كان ولابد من الانضمام الى معاهدة دولية فانه من الممكن التحفظ على بعض بنودها التي تتعارض مع دستور الدولة المنظمة الى المعاهدة ، وفي هذا الأمر حل واقعي ومنطقي لمثل هذه الإشكالية وبذلك يمكن الحفاظ على استقرار التشريعات الوطنية وديمومتها (22 ) .

ومن المهم جدا ان تكون هناك الخبرة الكافية في مدلولات الالفاظ من ناحية اللفظ العام واللفظ الخاص والمطلق والمقيد والظاهر والخفي واللفظ المجمل والمشكل ، وأيضا العلم بدلالة منطوق العبارات والجمل والاشارات ودلالة المفهوم للنص القانوني ، اذ ان من شأن هذه المهارات في الصياغة ان تقلل اللبس وتظهر المعنى المقصود بشكل واضح وجلي للمتلقي مما يسهم في رصانة نصوص التشريع وديمومته (23) . وعلى الرغم من افتراض قيام المشرع والصائغ بواجبهم بأفضل صورة ممكنة الا ان العمل التشريعي للقوانين يحتم الأخذ بنظام الاحالة ، والاحالة تكون على نوعين الأول الإحالة الى مواد واحكام في نفس القانون او قانون آخر له نفس القيمة القانونية ، والنوع الثاني هو الإحالة الى الأنظمة والتعليمات التي تختص السلطة التنفيذية بصياغتها واعدادها ، والاحالة الى القانون نفسه او قوانين أخرى هي عملية الاستشهاد بحكم قانوني سابق أو الإشارة اليه في التطبيق (24) ، اما الإحالة الى الأنظمة والتعليمات فهي عملية الزام السلطة التنفيذية بإصدار التعليمات لتسهيل تنفيذ القوانين التي تشرعها وتضعها السلطة التشريعية ، وقد يكون هذا الالزام محددا بوقت معین او غير محدد تاركا المجال لسلطة الحكومة التقديرية لوضع هذه التعليمات ، وكل ذلك مرهون بمادة وموضوع التشريع واهميته وطبيعته (25) .
وان المبررات التي تستدعي الاخذ بنظام الإحالة إلى التشريعات او الى التعليمات هي انه قد تتعدد القوانين التي تعالج موضوعات متشعبة وتتداخل فيها سلطات مختلفة فانه من المفيد الإحالة الى تشريع سبق وان عالج الموضوع أو الجزئية في التشريع الجديد (26) ، كما ان من المبررات التي تستدعي الإحالة الى التعليمات هي طبيعة الموضوع المحال الى التعليمات من كونه موضوع دائم التغير والتبدل مما يتيح المجال للسلطة التنفيذية بسرعة الاستجابة لمتطلباته ومعالجته بالصورة المثلى ، والخبرات المتراكمة لدى جهات السلطة التنفيذية والمعرفة بالأمور التقنية والفنية مما يجعلها اكثر ملائمة في علاج مثل كهذا مواضيع (27) . ولكن وعلى الرغم من أهمية ومميزات الاحالة الى التعليمات الا انه ينطوي على خطورة مخالفة الاحكام الدستورية وتقويض لسلطة التشريع التي هي اختصاص اصيل للسلطة التشريعية ، بالنظر لكون ان التعليمات هي من اختصاص السلطة التنفيذية ولا تملك السلطة التشريعية الرقابة عليها من ناحية صياغتها لهذه التعليمات والترجمة الحقيقية لإرادة المشرع التي قصدها في التشريع ، الا انه يمكن التقليل من خطورة هذا الموضوع عبر الصياغة الدقيقة لموضوع وقواعد الإحالة وتحجيم السلطة التقديرية للحكومة في إصدارها لتلك التعليمات الا بالقدر الضروري (28) ، وينبغي توخي الدقة الشديدة في موضوع الإحالة وخاصة بين مواد القانون نفسه والقوانين الأخرى ، لان من شأن عدم الدقة في نظام الإحالة ارباك الوضع القانوني وعدم استقرار التشريع وهو ما يناقض ديمومة النص القانوني .
ولابد من تفعيل القدرة على التنقل بين مواد التشريع عبر الترتيب الجيد لمواد هذا التشريع ، وتقسيم مواده على أبواب وفصول واقسام لتسهيل الوصول الى الحكم المطلوب وبشكل سلس يساعد المكلفين والمخاطبين بأحكام التشريع فهمه وتطبيقه بالشكل السليم (29) .
وتجدر الإشارة الى أهمية وضعية النص التشريعي وتأثيرها على ديمومته ، فانه من الشائع ان توضع النصوص التشريعية بطريقتين ، الأولى هي ان يأتي المشرع بالحلول لكل المواضيع التي تخطر على باله والتي ممكن ان تحصل في المستقبل وحسب تصوره للأحداث ، والثانية هي ان يأتي بحلول وقواعد عامة بدون التدخل في التفاصيل وإعطاء معيار عام لها مثل معيار النظام العام والآداب العامة ، إذ يوازن المشرع في اللجوء الى احدى هاتين الطريقتين لضمان فاعلية النص التشريعي وديمومته (30) ، وفي الحقيقة فان هناك مجموعة من الأسباب والمعايير التي تدعو المشرع الى اللجوء الى هاتين الطريقتين ، وتتلخص هذه الأسس المعيارية في :-

1- الموضوع الذي تعالجه القاعدة القانونية . فهناك مواضيع لا تصلح معالجتها الا بصياغة القاعدة القانونية بطريقة جامدة لا تترك مجالا للتأويل والتفسير ، مثل القواعد القانونية التي تحدد مواعيد
قبول الطعون وغيرها من القواعد القانونية ، والعكس صحيح فان هنالك من المواضيع التي تتطلب معالجتها بموجب قواعد قانونية مرنة لأنها مواضيع متجددة وقابلة للتغيير .
2- السلطة التي يقع على عاتقها تنفيذ القاعدة القانونية . ينبغي عند صياغة القاعدة القانونية النظر الى السلطة التي ستقوم بتنفيذ القانون والموازنة بينها فيما لو كانت جهة إدارة ام
قضاء ، ويتحتم هنا دراسة الموضوع بشكل منطقي لإعطاء مثل هذه السلطة التقديرية من عدمها وحسب الحاجة الفعلية لذلك .

3- مستوى الوعي القانوني للمجتمع . إذ ان المجتمعات المتقدمة والتي وصلت الى مرحلة متقدمة من النضج القانوني يسمح وضعها بصياغة القواعد القانونية صياغة مرنة تلبية لتطور الحياة وتسارعها ، كونها ستكون مقدرة ومحترمة من الأفراد المخاطبين بها ولا تثير مرونتها مشاكل في التطبيق. بعكس المجتمعات التي لم تصل الى هذه المستوى من الوعي والنضج القانوني فإنها تحتاج الى شيء من الصرامة ، وهنا تدعو الحاجة الى قواعد قانونية جامدة في صياغتها محددة في مضمونها (31) . ولا تخفى أهمية اللغة القانونية المستخدمة في صياغة النصوص التشريعية وما تستلزمه من الدقة والوضوح والسهولة بنفس الوقت لإضفاء الجودة القانونية عليها ، وذلك لكي يتم ايصالها الى المخاطب بها ويتم فهم المراد منها وتم التقيد به (32) ، ويجب تجنب تحشية النص التشريعي واستخدام مفردات غامضة ومفردات أخرى مثيرة للالتباس ، ويجب أيضا عند استخدام كلمة معينة لدلالتها على معنى معين الاستمرار والمداومة على استخدام نفس الكلمة اذا أريد بها نفس المعنى ، والحرص قدر الإمكان باستخدام ذات الكلمات المستخدمة في القوانين ذات العلاقة لتوحيد المصطلحات القانونية ، والحذر الشديد عند استخدام ( واو ) العطف وحرف ) او ( لأنها تغير المعنى بشكل كبير (33) ، كما يجب استخدام علامات الترقيم بشكل دقيق ومعرفة على ماذا تدل كل علامة منها واستخدامها بالشكل والمكان الصحيح ، وينبغي أيضا ، مراعاة قواعد اللغة واحكام النحو والصرف في بناء الجملة القانونية، إضافة الى كثير من الارشادات اللغوية والنحوية التي لا مجال لذكرها هنا جميعا (34) .
ومن المفيد هنا أن نبين اثر العدالة الاجتماعية التي هي احدى غايات القانون في المساهمة في استقرار وثبات التشريع ، كونه يجب ان يلبي ويحقق رغبات وطموحات الافراد مستجيبا لمتطلباتهم ومحققا لآمالهم
المشروعة ، لان القانون بنظر البعض ما هو الا ظاهرة اجتماعية تنبع من واقع حال المجتمع وتلبي احتياجاته (35) ، كما يجب ان تراعى مبادئ حقوق الانسان في صياغة القواعد القانونية حتى وان كانت غير منصوص عليها في الدستور، بل يتم استخلاصها مما استقر عليه الضمير الإنساني وما يتفق مع القيم الأخلاقية والدينية (36) .
ومن الأمور التي تسهم في ديمومة النص القانوني هي اعتبارات المساواة وسيادة القانون وعدم التمييز في وضع الأعباء والاثقال على كاهل الأفراد بينما يتم اعفاء الدولة من هذه الالتزامات عند تساويهم بالمراكز القانونية ، كما ان في ذلك اعتبار أخلاقي عند فرض التزامات من جانب الدولة على الافراد ومطالبتهم بالخضوع للقانون (37) ، إذ ان من اعتبارات ومظاهر دولة القانون هو خضوع الجميع لحكم القانون افرادا ومؤسسات حكاما ومحكومين (38) ، وبذلك يتم مراعاة قواعد ومبادئ الأمن القانوني من خلال وضوح القاعدة القانونية ومعرفة المخاطبين بأحكامها الحدود المتاحة لهم وفقا للقانون (39) .
وأخيرا فانه لضمان جودة التشريع وديمومته فانه يستلزم مراجعة التشريع باستمرار لتقييمه وتطويره ، وضمان تلبيته للضرورة التشريعية التي وجد من اجلها بما يتلائم مع المعطيات والتطورات الاجتماعية والتقنية والاقتصادية ، من اجل النهوض بالواقع التشريعي وتقديمه بأفضل صورة ممكنة لحصد الإيجابيات ونبذ السلبيات (40)

هوامش
________
1- الدكتور عبد الباقي البكري والدكتور زهير البشير ، المدخل لدراسة القانون ، بدون طبعة ، بيت الحكمة ، بغداد ، 1989 ، ص 91 .
2- مروج هادي الجزائري، استقلال السلطة التشريعية ، أطروحة دكتوراه مقدمة الى مجلس كلية القانون ، جامعة بغداد . 2014 ، ص 29
3- مروج هادي الجزائري، مرجع سابق ، ص 100 .
4- الدكتور قمر الدين عبد الرحمن السماني، اختيار النائب البرلماني واثره على جودة التشريعات ، بحث منشور في المجلة الدولية للدراسات القانونية والفقهية المقارنة ، العدد الأول ، المجلد الثاني ، 2021 ، ص 56 - 57 .
5- مروج هادي الجزائري، مرجع سابق ، ص 44
6- تتعدد اشكال السلطة التشريعية في الدول وعبر التاريخ ، فمن الدول من يعتمد على نظام المجلس الواحد ، ومنها من يعتمد على نظام المجلسين ولكل منهما مميزاته وعيوبه ، ولكل دولة وعبر ما يقرره الدستور فيها ان تختار شكل هذه السلطة وحسب و ما تمليه المصلحة ، وما تعتنقه هذه الدولة من فكر وفلسفة سياسية وقانونية ، ينظر مروج هادي الجزائري ، مرجع سابق، ص 31 وما بعدها .
7- اذ تشترط الدول ان تتوفر عدة مؤهلات في عضو البرلمان ليتمكن من أداء مهامه ، منها التحصيل الدراسي وبياض سجله الجنائي وما الى ذلك ، ينظر الدكتور قمر الدين عبد الرحمن السماني، مرجع سابق ، ص 58 - 59 .
8- الدكتور ليث كمال نصراوين ، متطلبات الصياغة التشريعية الجيدة واثرها على الإصلاح القانوني ، بحث منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية ، العدد الثاني، الجزء الأول ، السنة الخامسة ، 2017 ، ص 401
9- الدكتور قمر الدين عبد الرحمن السماني ، مرجع سابق ، ص 60 .
10- الدكتور سري محمود صيام ، المعايير الحاكمة لجودة صناعة التشريع ، بحث منشور في مجلة القانونية التابعة لهيأة التشريع والرأي القانوني ، العدد الأول ، البحرين ، 2014 ، ص 32 - 33
11- هريش سهام ، البحث في نوعية النص التشريعي ، أطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق، جامعة الجزائر ، 2020 ، ص 62 - 63 .
12- الدكتور خالد جمال احمد ، ماهية الصياغة التشريعية ومقومات جودتها ، بحث منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية ، ملحق خاص بالمؤتمر السنوي الرابع ( القانون .. أداة للإصلاح والتطوير ) ، العدد 2 ، الجزء الأول ، 2017 ، ص 171
13 - الدكتور ليث كمال نصراوين ، متطلبات الصياغة التشريعية الجيدة واثرها على الإصلاح القانوني ، بحث منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية ، العدد الثاني، الجزء الأول ، السنة الخامسة ، 2017 ، ص . 412 - 413
14- الدكتور ليث كمال نصراوين، مرجع سابق ، ص 406 .
15- هريش سهام ، البحث في نوعية النص التشريعي ، أطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق ، جامعة الجزائر ، 2020 ، ص 121
16- هریش سهام، مرجع سابق ، ص 122
17- الدكتور ليث كمال نصراوين ، مرجع سابق ، ص 407
18- منتسكيو ، روح الشرائع ، الجزء الأول ، ترجمة عادل زعيتر ، بدون طبعة ، دار المعارف بمصر ، القاهرة ، 1953 ، ص 18 – 19
19- هریش سهام ، مرجع سابق ، ص 115
20- الدكتور عاطف سعدي محمد علي، مهارات استخدام اللغة القانوني في مجالي التشريع والافتاء القانوني ، بحث منشور في المجلة القانونية البحرينية التابعة لهيئة التشريع والافتاء القانوني ، العدد الثالث ، 2015 ، ص 119 .
21- الدكتور رافد خلف هاشم والدكتور عثمان سلمان غيلان، التشريع بين الصناعة والصياغة، الطبعة الأولى ، دار الكتب والوثائق ، بغداد ، 2009
22- هریش سهام، مرجع سابق، ص 116 وما بعدها .
23- الدكتور خالد جمال احمد ، ماهية الصياغة التشريعية ومقومات جودتها ، بحث منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية ، ملحق خاص بالمؤتمر السنوي الرابع ( القانون .. أداة للإصلاح والتطوير ) ، العدد 2 ، الجزء الأول ، 2017 ، ص 146 – 169 .
24- هریش سهام، مرجع سابق ، ص 126 – 127
25- الدكتور ليث كمال نصراوين ، مرجع سابق ، ص 411 - 412 .
26- هریش سهام ، مرجع سابق ، ص 128
27- هريش سهام ، مرجع سابق ، ص 137 – 138
28- الدكتور ليث كمال نصراوين ، مرجع سابق ، ص 411 - 412 .
29- جديدي ضياء الدين رمضان ، ضوابط جودة الصياغة التشريعية ، بحث منشور في مجلة الحقوق والحريات ، مجلد 10 ، العدد 2 ، الجزائر ، 2022 ، ص 138 .
30- هيثم الفقي ، الصياغة القانونية ، بحث منشور على موقع المكتبة الشاملة للعلوم القانونية متاح على الرابط التالي
/06/2018https://www.droitarabic.com htm 13/pdf. ، ، ص 10
31- هریش سهام، مرجع سابق ، ص 103 - 104
32- الدكتور ليث كمال نصراوين ، متطلبات الصياغة التشريعية الجيدة واثرها على الإصلاح القانوني ، بحث منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية ، العدد الثاني، الجزء الأول ، السنة الخامسة ، 2017 ، ، ص 415
33- هيثم الفقي ، مرجع سابق ، ص 12
34- الدكتور رافد خلف هاشم والدكتور عثمان سلمان غيلان ، مرجع سابق ، ص 93 – 94
35- هریش سهام ، مرجع سابق. ، ص 123
36- الدكتور سري محمود صيام، مرجع سابق ، ص 38 .
37- الدكتور سري محمود صيام، مرجع سابق، ص 39 .
38- تني حاج محمد المنتصر بالله ، إشكالية بناء دولة القانون : دراسة في المفاهيم، المقومات والاسس ، بحث منشور في مجلة اكاديميا ، العدد الثالث ، 2015 ، ص 150
39- غيلاس امينة ومحي الدين عواطف ، الصياغة التشريعية الجيدة للقاعدة القانونية والامن القانوني ، بحث منشور في مجلة الحقوق والحريات، المجلد 10 ، العدد 2 ، الجزائر ، 2022 ، ص 798
40- الدكتور سري محمد صيام ، مرجع سابق ، ص 37



الاثنين 25 مارس 2024

تعليق جديد
Twitter