هناك مشكلة كبيرة في التشريع في ميدان الأحوال الشخصية قلما تثير النقاش، وهو أن مجال الأسرة مجال محفوف بالمشكلات والأزمات، لأنه ملتقى "لصراع الثقافات وصراع البيئات وأنماط العيش " وبالتالي فإن الداخلون من الأزواج لفضاء الأسرة يجب أن يدخلوا هذا الفضاء عن " علم " و" بينة " بإكراهاته وخصوصياته ، وهذا يستدعي حد ادنى من المعرفة النفسية والاجتماعية يجب أن يتسلح بها كل الأزواج قبل خوض غمار هذه المغامرة .
لكن الحاصل أن كل المهن تتطلب شواهد ، عدا أخطر المهن وأدقها وأصعبها وأثقلها تأثيرا وأثرا على المجتمع في حاضره ومستقبله وهي مهنة " الأم" ومهنة " الأب" ،فهاتين المهنتين دون غيرها يمكن توليها لمن شاء وقتما شاء ، وان يرتب عليها ما شاء من الأخطاء والكوارث دون أن يكون موضوع مساءلة ولا مراقبة ولا أن يكون موضوع أية تبعات ، إذ يمكن لهذا الأب او لهذه الأم ان ينشأ جيلا من المنحرفين وعديمي السلوك ،وأن يغدي المجتمع بأشخاص جدد معاقين نفسيا ومحطمين عاطفيا وممزقين روحيا ومنهارين سلوكيا ، مع ما قد يترتب عن ذلك من زيادة منسوب التوتر والعنف والارهاق النفسي والجسدي داخل المجتمع وبالتبعية تعزيز الاثار السلبية للتمزق الأسري على كل مناحي المجتمع الاقتصادية والاجتماعية السياسية ، كل ذلك دون أن يكون هذا الأب او هذه الأم موضوع مساءلة أو محاسبة .
هذا الوضع يستدعي وقفة تأمل لإعادة توجيه البوصلة التوجيه الصحيح ، لأن مشاكل الأسرة المغربية في الواقع جزء يسير منها فقط ما هو مرتبط بالشق القانوني ، أما الجزء الأكبر فله صلة بضعف الوعي والفهم في نفس الوقت وهذا يجسده عدم القدرة على استيعاب مدلول مؤسسة الأسرة من طرف المقبلين عليها ، وغياب النضج العاطفي والنفسي لذي الكثيرين ، وبالتالي فإن المشرع إن كان مدعوا لتقنين مشكلات الأسرة حينما تقع ، فهو ملزم، بدرجة أولى ، بتوقيها من خلال التدخل القبلي بتمكين المقلبين على الزواج من حد أدنى من المعرفة بنواة الأسرة ، سواء فيما يخص كيفية تعامل الزوجين فيما بينهم او في كيفية التعامل مع الأولاد ، أو في المساعدة على اتخاد قرار الزواج في حد ذاته عن بينة واختيار ، وعموما كل ما يرتبط بالمعرفة النفسية والعاطفية والسلوكية التي لها صلة بمؤسسة الأسرة ،أي ما يشبه إلزامهم قبل الزواج من الحصول على ما يشبه " رخصة القيادة" أي رخصة القيادة الأسرية .
لماذا نقول بذلك؟ لأن واقع الاسرة الحالي ليس هو نفسه وضعها حينما ثم تقنين أول قانون للأحوال الشخصية سنة 1957 وتقريبا ليس هو نفسه في بديات وضع مدونة الأسرة الحالية ، فقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر ، فنتيجة انتشار ثقافة الصورة وسطوة الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي شرعت في تسويق أنماط خاطئة ومشوهة للعلاقة بين الرجل والمرأة في فضاء الأسرة ، مع ما ترتب عليه من تسطيح الوعي لدى الكثيرين من المقبلين على الزواج ، كل هذا أدى إلى تشكيل تصور خاطئ حول مؤسسة الاسرة ، ورسم " توقعات عالية " عن هذه المؤسسة سواء من طرف الرجل أو المرأة ، ترجمه حمل كل طرف لمشاكله وهمومه وأوهامه وانتظارته لهذه المؤسسة، معتقدا أن مصدر الحل السحري يوجد فيها ، وبطبيعة الحال فإن حينما يرتبطون بميثاق الزوجية ، ينصدم كلاهما بالواقع ولا يجد كل واحد منهم مفرا سوى الفكاك و الهروب من هذه المؤسسة ، وهذا ما يفسر نسب الطلاق الهائلة وكثرة المنازعات الأسرية الرائجة أمام قضاء الأسرة والتي يفسر جزء كبير
منها بعدم الوعي وعدم استيعاب أزواج المستقبل للمعطيات النفسية والسلوكية والعاطفية التي تخص مؤسسة الأسرة .
وبالتالي أمام هذا الوضع تصبح مقولة " الوقاية خير من العلاج " مقولة صائبة في مجال الاسرة أيضا، فبدلا من السقوط في ظاهرة الارتفاع المهول لحالات الطلاق ، وما ترتبه من أعداد كبيرة من الأطفال بدون تأطير تربوي وعاطفي ونفسي، مع ما يشكله ذلك من خطر محدق على المجتمع برمته ، وبدلا من السقوط في ظاهرة العنف الزوجي وما ترتبه من جنوح للأطفال ومظاهر البؤس الاجتماعي والتردي الأخلاقي والسلوكي الذي يمكن أن يتم إغراق المجتمع برمته فيه ، وبدلا من التوسل بحلول "الوساطة الأسرية " و" التحكيم الأسرى " وغيرها من المؤسسات التي أثبتت فشلها ، لا بأس أن يكون تدخل المشرع بتأطير العلاقة الزوجية المستقبلية قبل اتخاد قرار الزواج في حد ذاته وقبل تشكيل " الأسرة " نفسها ، وذلك بتمكين الأشخاص المقبلين على الزواج من دورات تكوينية تبصرهم من جهة بمعطيات يجب استحضارها قبل اتخاد قرار الزواج ، ومن جهة ثانية تمكنهم من معرفة نفسية وسلوكية حول كيفية التعاطي مع إكراهات مؤسسة الزواج ، وتمكينهم من حد أدنى من الوعي الأسري في كيفية التعامل مع العلاقة الزوجية ، ومع تربية الأطفال ، و الأهم من كل ذلك انضاج سقف التوقعات لدى كل طرف وتقنينها علميا ومعرفيا .
في هذا الإطار تأتي ضرورة التفكير في تقنين المشرع لوثيقة جديدة يجب أن تكون ضمن الوثائق الواجب توفرها قبل الزواج وهي " رخصة القيادة الأسرية "، تمنح للمقبلين على الزواج بعد استيفاء عدد معين من التكوينات تتولى مؤسسات يمكن إحداثها لها الغرض توفيرها، مع إعطاء هذه المؤسسات وصف " المهن الحرة " .
و نعتقد أن من شان إحداث هذه المؤسسات ان تحقق إيجابيات عديدة ، إذ ناهيك عن أن من شانها ان تخلق وظيفة جديدة مع ما يعنيه من توفر مناصب شغل لكثير من الخبراء في مجال التربية وعلم النفس وباقي التخصصات التي لها علاقة بمجال هذه المؤسسات ، فإنها كفيلة بأن تسد فراغا مهولا في النقطة المتعقلة بالوعي الأسري قبل الزواج إذ هذه الدورات التكوينية كفيلة بأن توضح للمقبلين على الزواج : كيفية تعامل الأزواج فيما بينهم ، وكيفية إدارة الازمات ، وكيفية تربية الأطفال ، واتخاد قرار الولادة ، والتعامل مع الأقارب والأصهار ، وأن يتيح أيضا فضاءا للمقبلين على الزواج لتمكسنهم من اراء واستشارات تربوية في المجال ، والأهم من هذا وذاك توعية الأزواج بان هناك معطيات علمية ومعرفية وسلوكية يجب مراعاتها والانتباه إليها أثناء التفكير في اتخاد قرار الزواج ، وبعدها أثناء العيش في كنف أسرة .
لهدا فإن المقترح هو إعادة النظر في الوثائق المتطلبة في إعداد ملف الزواج من خلال استبعاد بعض الوثائق التي ثبت عدم نجاعتها ، والتفكير في إدراج أخرى ومن بينها" رخصة القيادة الأسرية " ، وتعديل المادة 65 من مدونة الأسرة لكي تأتى وفقا لما يلي "أولا : يحدث ملف لعقد الزواج يحفظ بكتابة الضبط لدى قسم قضاء الأسرة لمحل إبرام العقد ويضم الوثائق التالية :
1-.............
2-..............
3-................
4-...............
5-رخصة القيادة الأسرية لكل واحد من الخطيبين تسلم من إحدى المؤسسات المؤهلة لذلك ، والتي سيتم انشاؤها وتحديد كيفية إصدارها للرخصة المذكورة بمرسوم لوزير العدل والحريات " .
أرشيف وجهة نظر
نحو رؤية مندمجة للجالية المغربية
|
حول الحاجة لتعديل المادة 65 من مدونة الأسرة: إلزامية إقرار "رخصة القيادة الأسرية " ضمن وثائق الزواجإعداد: ذة عبد المولى مريمالخميس 9 نونبر 2023
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"
عناوين أخرى
تعليق جديد
|
أرشيف الدراسات و الأبحاث
باحثة تخلص إلى ضرورة تطوير آليات قانونية تسمح بالتفاعل المنظم بين البرلمان والفاعلين من القطاع الخاص
|
|||||||||
|