سبق وأن أشارنا في المقال السابق، "المقاولة... والزامية وضع النظام الداخلي" (للإطلاع على المقال يرجى الولوج عبر هذا الرابط) إلى التشابه الموجود بين النظام الداخلي والاتفاقية الجماعية من حيث حكم وتنظيم العلاقة الشغلية، ففي هذا المقال سنتناول بالتحليل لمفهوم وأهمية إتفاقية الشغل الجماعية في تنظيم علاقات الشغل وارتباطا بعلاقة الانتاج، رغم محدودية تطبيقها على الصعيد الوطني، ولكن قبل التطرق للموضوع، سنعمل على تحديد بعض المفاهيم والمصطلحات المرتبطة عضويا بمفهوم الإتفاقية الجماعية، ونخص بالذكر هنا: المفاوضة الجماعية (أولا) و التشاور الإجتماعي (ثانيا)والحوار الإجتماعي(ثالثا)، هذه كلها مفاهيم تتطلب منا تحديد مفهومها باعتبارها الركائز الأساسية لصياغة إتفاقية الشغل الجماعية (رابعا).
سنعمل على تقسيم المقال إلى أربعة أجزاء :
أولا: المفاوضة الجماعية
لقد اهتمت منظمة الشغل الدولية بمبادئ حق التنظيم والمفاوضة الجماعية سنة 1949 من خلال اتفاقية خاصة رقم 98، لكن هذه الاتفاقية لم تحدد المجالات التي ينصب عليها التفاوض الجماعي حتى سنة 1981، وذلك من خلال اتفاقية الشغل الدولية رقم 154 بشأن تشجيع المفاوضة الجماعية، والتي جاء في مادتها الثانية على انه (( في مفهوم هذه الاتفاقية، يشمل تعبير " المفاوضة الجماعية"، جميع المفاوضات التي تجري بين صاحب عمل، أو مجموعة من أصحاب الأعمال،أو واحدة أو أكثر من منظمات أصحاب الأعمال من جهة، ومنظمة عمال أو أكثر من جهة أخرى، وذلك من أحل:
تحديد شروط العمل واحكام الاستخدام/أو،
تنظيم العلاقات بين اصحاب الأعمال والعمال، و/أو،
تنظيم العلاقات بين أصحاب العمال أو منظماتهم، ومنظمة أو منظمات عمال)).
ويتبين من خلال هذه المادة أن منظمة الشغل الدولية، تركت كامل الحرية لطرفي العلاقة الشغلية اختيار موضوع المفاوضة.
أما المنظمة العربية فقد اهتمت هي الأخرى بالمفاوضة الجماعية منذ سنة 1966، وقد أفردة لموضوع المفاوضة الجماعية اتفاقية خاصة بحيث صادق مؤتمر العمل العربي لسنة 1979 على الاتفاقية رقم 11 بشأن المفاوضة الجماعية والتي جاء في ديباجتها: ((أن المفاوضة الجماعية هي الوسيلة الفعالة لتنظيم علاقات العمل على أسس عادلة بما يتماشى مع التطور الاقتصادي والاجتماعي، وأنها تكتسي سمة خاصة حيث تلتقي فيها إرادة الطرفين لتنظيم شروط وظروف العمل وتحديد الحقوق والمزايا التي تقرر للعمال بما يحقق السلم الاجتماعي والعدالة الاجتماعية))[[1]]url:#_ftn1 ، ومن خلال المادة الأولى من هذه الاتفاقية فإن ((المفاوضات الجماعية بجميع أشكالها القانونية حق لكل منظمات العمال وأصحاب الأعمال أو منظماتهم في كافة قطاعات النشاط الإقتصادي العامة أو الخاصة دون تدخل من أية جهة كانت))، وهكذا نستشف من هذه المادة أن المفاوضات الجماعية توجد في القطاعين العام والخاص، لكن الإتفاقية الجماعية لا توجد منطقيا إلا في القطاع الخاص، لأن العلاقة الثنائية بين الإدارة العمومية والموظفين هي علاقة تنظيمية لا تفاوضية أو تعاقدية.
كما أن المفاوضات الجماعية تختلف عن الإتفاقية الجماعية من الناحية القانونية،بحيث تعتبر حقا للعمال وأرباب العمل من خلال دراسة قضايا مهنية وتسويتها، خلافا للإتفاقية الجماعية التي تعتبر عقدا أو اتفاقا مبرما بين النقابات وأرباب العمل بهدف تنظيم علاقات الشغل.
بالنسبة للتشريع الاجتماعي المغربي فالمفاوضة الجماعية لم يكن يوجد إطار قانوني ينظمها إلى حين صدور مدونة الشغل سنة 2003[[2]]url:#_ftn2 ، إذ من اهم المستجدات التي استحدثتها مدونة الشغل، هي إدراجها لأول مرة لمقتضيات قانونية تتعلق بالمفاوضة الجماعية بين عنصري الانتاج من خلال المواد 92 إلى 103 من مدونة الشغل، بحيث عرفتها المادة 92 على أن (("المفاوضة الجماعية" هي الحوار الذي يجري بين ممثلي المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا أو الإتحادات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا من جهة، وبين المشغل أو عدة مشغلين أو ممثلي المنظمات المهنية للمشغلين من جهة أخرى، بهدف تحديد وتحسين ظروف الشغل والتشغيل، وتنظيم العلاقات بين المشغلين والأجراء، وتنظيم العلاقات بين المشغلين أو منظماتهم من جهة وبين منظمة أو عدة منظمات نقابية للأجراء أكثر تمثيلا من جهة أخرى)).من خلال نص هذه المادة يتيبن أن المشرع المغربي لم يقيد لأطراف العلاقة الشغلية في تحديد مواضيع المفاوضة الجماعية، لكنه، ترك لهم كامل الحرية لتحديد الموضوع، كما أن المشرع حصر المفاوضة في نقابات الأجراء الأكثر تمثيلا بالمقاولة، حيث الالتزام بالمفاوضة الجماعية والعمل من أجل الوصول الى اتفاق.
لكن، يبقى التساؤل المطروح في هذا الصدد، لماذا عمل المشرع المغربي على إقضاء مندوبي الأجراء من المفاوضة الجماعية، خاصة في الحالة التي لا تتوفر فيها المقاولة على تنظيم نقابي؟ بحيث إذا كانت المقاولة لا تتوفر على نقابة، فلا ينبغي أن يحرم مندوبي الأجراء أو الأجراء كممثلين لزملائهم أو لجنة المقاولة باعتبارها مؤسسة أقوى من مندوبي الأجراء، من الاستفادة من مقتضيات المفاوضة الجماعية المنظمة قانونيا، كما هو جاري به العمل في فرنسا[[3]]url:#_ftn3 .
وتختلف أيضاً المفاوضة الجماعية كذلك عن الإتفاقية الجماعية فيما يخص الإجراءات القانونية الواجبة لإبرام عقود الإتفاقية التي لا توجد بالنسبة للمفاوضات الجماعية (نشر وإيداع الإتفاقية الجماعية، تنفيذها، مسطرة فسخها وإلغائها أو تمديدها)[[4]]url:#_ftn4 .
كما أن المفاوضات الجماعية تجري على عدة مستويات حسب المادة 95 من مدونة الشغل، والتي تنص على أنه(( تجري المفاوضة الجماعية بصورة مباشرة على المستويات التالية:
مستوى المقاولة: بين المشغل وبين نقابات الأجراء الأكثر تمثيلا بالمقاولة؛
مستوى القطاع: بين المشغل أو المنظمات المهنية للمشغلين وبين المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا بالقطاع؛
المستوى الوطني: بين المنظمات المهنية للمشغلين وبين المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا على المستوى الوطني.
يمكن لكل طرف أن يستعين أثناء المفاوضة بمن يشاء من المستشارين)).
وتجري المفاوضات بين الحكومة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا على المستوى الوطني، مرة كل سنة أو كلما دعت الضرورة إلى ذلك، من أجل تداول مختلف الملفات الاقتصادية والاجتماعية التي تهم عالم الشغل.كما يمكن أثناء صياغة الإتفاقية الجماعية التنصيص على توقيت مغاير في إجراء هذه المفاوضة (المادة 96 من مدونة الشغل).
وعند رغبة الأطراف في التفاوض،فإنه يلزم الطرف الذي يرغب في التفاوض، عند الضرورة، بتوجيه إخطار بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل إلى الطرف الآخر، كما يجب على هذا الأخير أن يبلغ موقفه إلى الطرف الأخر وبنفس المسطرة داخل أجل سبعة ايام من تاريخ توصله بالإخطار (المادة 97 من مدونة الشغل)، وبعد توصل الطرف الأول بموافقة من الطرف الثاني على التفاوض، إذاك يمكن للطرفين أن يحددا، باتفاق مشترك، تاريخ بدأ المفاوضة الجماعية، داخل أجل خمسة عشر يوما، كما يمكن للطرفين أن يعملوا على تحديد تاريخ انتهاء التفاوض على أساس أن لا يتعدى مدة التفاوض خمسة عشر يوما من تاريخ بدء المفاوضة، مع توجيه نسخة من الاتفاق الى السلطة الحكومية المكلفة بالشغيل، التاي توجه نسخة منه إلى مجلس المفاوضة الجماعية( المادة 98 من مدونة الشغل).
إن "مجلس المفاوضة الجماعية"يحدث لدى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل تطبيقا لمقتضيات المادة 101 من مدونة الشغل، وبعهد لهذا المجلس تقديم اقتراحات بشأن تنمية المفاوضة الجماعية، وتقديم اقتراحات بشأن تشجيع اتفاقيات الشغل الجماعية، وتعميمها، وإبداء الرأي حول تفسير بنود اتفاقية الشغل الجماعية كلما طلب منه ذلك، ودراسة الجرد السنوي لحصيلة المفاوضة الجماعية.
وإنطلاقا من المادة 100 من مدونة الشغل فإن المفاوضة الجماعية يمكن أن تؤدي إلى اتفاق، بحيث نصت هذه المادة على أنه (( تدون نتائج المفاوضات الجماعية في محضر أو اتفاق يوقعه الطرفان، ونوجه نسخة منه إلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، التي توجه نسخة منه إلى مجلس المفاوضة الجماعية)).
إن إدراج المشرع المغربي لقواعد المفاوضات الجماعية هو تأييد وتشجيع على التفاوض والحوار الذي يحث على صياغة اتفاقية الشغل الجماعية، لأن أي مفاوضة مفضية الى اتفاق إلا وتؤدي إلى تجاوز الأزمة الاقتصادية ذات الأثر الاجتماعي[[5]]url:#_ftn5 .
إكما أن تنظيم علاقات الشغل ومعالجة الخلافات الاجتماعية تتم، في إطار المفاوضة الجماعية، على أساس من التشاور والتحاور لضمان استقرار العلاقات المهنية وخدمة السلم والأمن الاجتماعيين.
ثانيا : التشاور الإجتماعي
التشاور الإجتماعي هو تفاوض تلاثي الاطراف أي الحكومة والفرقاء الإجتماعيين، فهو عملية ترابط سياسي أو عقد إجتماعي بشأن قضايا سياسية إقتصادية وإجتماعية، يمكن للحكومة من التوصلإلى اتفاق بشأن اتخاذ القرار و إقراره شرعيا داخل السوق الإجتماعي وليس من خلال إجراءات برلمانية.
وقد تضمن تصدير مدونة الشغل الاشارة إلى التشاور والحوار الذي جاء فيه على أنه ((واعتبارا لما لفضائل الإنصات والتشاور والحوار من آثار إيجابية على تحديث فضاء العلاقات الاجتماعية داخل المقاولة وفي عالم الشغل، مما يستوجب اعتماد أساليب جديدة للتواصل بين الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين ...)).
والتشاور الإجتماعي الذي يرتبط بقانون الشغل والذي تطور ليسعى تكريس التوافق بين عدة مصالح لمواجهة الازمة، يرجع أصولهإلى الإصلاحات الإجتماعية والحركات النقابية التي واكبة إشكالية التصنيع السريع للغرب من خلال القرن الماضي، مما يطبعه بطابع سياسي لكونه يحظى بمكانة متميزة لدى الرأي العام عموماً، كونه يسعى إلى تسوية عدة موضوعات لها علاقة بسياسة الأجور والضمان الإجتماعي وتعزيز القدرة التنافسية للمقاولات ...الخ. هذا وتجدر الإشارة أن تجربة التشاور في فاتح غشت 1996 سبقتها تجربة أخرى تمت بإحداث لجنة دائمة للحوار مع ممثلي عالم الشغل والتشغيل أسست في 3 مارس 1994، وتوجت هذه اللجنة بإنشاء المجلس الإستشاري لمتابعة الحوار الإجتماعي بمقتضى ظهير 24 نوفمبر 1994، وقد نصت المادة 6 من الظهير على أنه يتكون من أعضاء حكوميين وممثلين للهيآت المهنية وشخصيات يراعى في اختيارها ما تتمتع به من كفاءة في المجال الاجتماعي وما يتحلون به من نزاهة واستقامة.
كما تجدر ملاحظته أن اتفاق فاتح غشت 1996 ألغى مبدئيا وعمليا اللجنة الدائمة للحوار[[6]]url:#_ftn6 .
إذاً يبقى التساؤل وارداً حول مصير المجلس الإستشاري لمتابعة الحوار الإجتماعي؟
ثالثا: الحوار الإجتماعي
الحوار الاجتماعي يتصدر مكانة هامة في تنظيم العلاقات المهنية باعتباره إحدى أسس الضرورية لتطوير العلاقات المهنية وإقرار السلم الاجتماعي داخل المقاولات والمؤسسات الإنتاجية. ويعد استتباب السلم الاجتماعي واستقرار العلاقات المهنية والحفاظ على رصيد الشغل من أهم الأهداف التي يسعى إليها الحوار الاجتماعي.
والحوار الاجتماعي حسب منظمة العمل الدولية هو(( شكل من أشكال التفاوض أو التشاور أو تبادل المعلومات بين ممثلي الحكومات والعمال وأصحاب العمل))،ويلعب دوراً رئيسياً في تعزيز التقدم الاجتماعي والاقتصادي، وهو أساسي في أي محاولة تهدف إلى بناء مؤسسات وقطاعات أكثر إنتاجية وفعالية واقتصاد أكثر عدالة وكفاءة.
كما يعتبرالحوار الاجتماعي أداة فعالة تساعد على تسويةالمشاكل الصعبة وتعزيز التماسك الاجتماعي، ويختلف مفهومه من بلد لآخر ومن منطقة إلى أخرى.
ويكون الحوار الاجتماعي ثلاثي الأطراف أي النقابات وأرباب العمل والحكومة.
ويعد اتفاق فاتح غشت 1996 أول اتفاق ثلاثي منذ الاستقلال،أبرم بين الحكومة المغربية والمركزيات النقابية الاكثر تمثيلا (الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب)[[7]]url:#_ftn7 وأطراف الانتاج (الاتحاد العام لمقاولات المغرب)، والذي يجسد محطة أساسية في مجال الحوار الاجتماعي والتفاوض الجماعي بالمغرب.
وفد تلاه حوارات اجتماعية أخرى:
اتفاق 23 أبريل 2003 المعروف باتفاق 19 محرم 1421، والذي اكتسى طابعا تنفبذيا للالزامات الواردة في اتفاق فات غشت 1996 وجسد لبنة إضافية في مجال التعاقد الاجتماعي، هذا الاتفاق أبرم فيما بين الحكومة المغربية والمركزيات النقابية الاكثر تمثيلا (الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب) وأطراف الانتاج (الاتحاد العام لمقاولات المغرب)؛
اتفاق الاجتماعي 30أبريل 2013، الذي توج اتفاق الحكومة والمنظمات المهنية للمشغلين والمركزيات النقابية حول مشروع مدونة الشغل، هذا الاتفاق أبرم فيما بين الحكومة المغربيةوالمركزيات النقابيةالثلاث الاكثر تمثيلا (الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والاتحاد المغربي للشغل )وأطراف الانتاج (الاتحاد العام لمقاولات المغرب وجامعة غرف التجارة والصناعة والخدمات بالمغرب).
محضر (28 يناير 2004) حول حصيلة الحوار الاجتماعي مع الفرقاء الاجتماعيين، الذي جاء جولة جديدة من الحوار الاجتماعي في إطار تفعيل مضامين اتفاق 30 أبريل 2003، هذا المحضر الذي أبرم فيما بين الحكومة ( وزير المالية والخوصصة، وزير الداخلية، وزير تحديث القطاعات العامة، وزير التربية الوطنية والشباب) والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلا (الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، الاتحاد المغربي للشغل، الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، الفدرالية الديمقراطية للشغل، الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب).
والحوار الاجتماعي قد يكون متعدد الأطراف، كما أنه ضرورة حتمية لترقية المجتمعات، وبالتالي اصبح من الضروري من وجود نقابة قوية، تفرض نفسها في المقاولة والمؤسسات وفي أوساط الأجراء،وذلك من أجل الحفاظ على استقرار المقاولة والمؤسسة واستمرارية الانتاجية، والحفاظ على حقوق الأجراء، وايضا تحقيق التنمية المستدامة.
لقد أصبح الحوار الاجتماعي في المغرب يحتل مكانة هامة في تنظيم العلاقات المهنية باعتباره احد الركائز الأساسية لتطوير العلاقات الاجتماعية و المهنية بين المكونات الثلاث الحكومة والنقابات وأرباب العمل.
وعليه فإذا كانت الاتفاقيات الجماعية لها دور هام في ميدان العلاقات المهنية بين الأجراء والمشغلين،فإنها تقوم كذلك بدور فعال على مستوى الحوار الاجتماعي، بحيث تساهم في تقريب وجهة نظر المنظمات النقابية والمنظمات المهنية للمشغلين في كل ما يتعلق بالشغل وتنظيم علاقاته بالانتاج، بل يمكن القول أنه مظهر من مظاهر الحوار الاجتماعي، والذي يضفي حماية أكبر لفائدة الأجراء.
رابعا : إتفاقية الشغل الجماعية
بعد توضيح المفاهيم والآليات التي تساهم في صياغة الإتفاقية الجماعية نتناول بالتحليل مفهوم الإتفاقية الجماعية وأهميتها في تنظيم علاقات الشغل وارتباطا بعلاقات الإنتاج.
إذا كانت مدونة الشغل تضمن للأجير حد أدنى من تحقيق شروط العمل، ولا يمكنها أن تضع حلولا للمشاكل الخاصة للأجير والمشغل، لكنها في نفس الوقت لم تقيد المشغل، بل ألزمته من جهة على وضع نظام داخلي للمقاولة أو المؤسسة أو على الأقل الأخذ بالنظام النموذجي[[8]]url:#_ftn8 ، ومن جهة أخرى عملت على وضع مجموعة من القواعد التي تحكم العمل في المقاولة يشارك الأجراء في وضعها عن طريق نقابتهم الأكثر تمثيلا لضمان حقهم بواسطة اتفاق وبعد مفاوضات تحمل إسم "اتفاقية الشغل الجماعية".
تعتبر إتفاقية الشغل الجماعية من أهم المستجدات التي عرفتها علاقات الشغل، بحيث تحتل مكانة أساسية في نظام العلاقات المهنية التي تجمع بين المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية، باعتبارها الوسيلة الفعالة التي تنظم وتحكم العلاقة الشغلية التي تجعلها تعكس واقعها وتعمل على تحقيق شروط عمل ومطالب الأجراء وفق إمكانيات المقاولة.
ويعود التنظيم القانوني للإتفاقية الجماعية بموجب ظهير 13 يوليوز 1938، لكن أمام محدودية نطاق تطبيقه تدخل المشرع المغربي لإعادة تنظيمها بموجب ظهير 17 أبريل 1957.
لكن، لم يكن ذلك كافياً لتنظيم تلك العلاقات بل إحتاج المغرب أكثر من أربعين سنة لميلاد مدونة الشغل الجديدة بمقتضى قانون 99/65، والتي عرفت بدورها مخاضا عسيراً طيلة عقد من الزمن لإخراجها إلى الوجود سنة 2003.فقد خصصت مدونة الشغل الجديدة بابا خاصا في القسم الرابع من الكتاب الأول لإتفاقية الشغل الجماعية يشمل ثلاثين مادة من 104 إلى 134.
بالرغم من تدخل المشرع المغربي لإعادة التنظيم، فإنه لم يطرأ أي تغيير كبير وجوهريعلى أحكام ظهير 17 أبريل 1957 عند إعداد مدونة الشغل[[9]]url:#_ftn9 ، لكون المقتضيات القانونية الخاصة باتفاقية الشغل الجماعية جاءت شبه مطابقة لظهير 17 أبريل 1957.
مفهوم الاتفاقية الشغل الجماعية
إن معظم التشريعات المقارنة قد تناولت تحديد مفهوم الاتفاقية الجماعية، ومنها التشريع المغربي، فإنه إنطلاقا من مقتضيات المادة 104 من مدونة الشغل الفقرة الأولى على أن (("اتفاقية الشغل الجماعية" هي عقد جماعي ينظم علاقات الشغل، ويبرم بين ممثلي منظمة نقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، أو عدة منظمات نقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، أو إتحاداتها من جهة، وبين مشغل واحد أو عدة مشغلين يتعاقدون بصفة شخصية، أو ممثلي منظمة مهنية للمشغلين أو عدة منظمات مهنية للمشغلين من جهة أخرى. يجب، تحت طائلة البطلان، أن تكون إتفاقية الشغل الجماعية مكتوبة)). يتبين من خلال هذا التعريف، أن المشرع المغربي حاول أن يقدم تعريفاً دقيقاً لإتفاقية الشغل الجماعية فاعتبر أن هذه الإتفاقية هي أولا من جهة عقد جماعي يساهم في تنظيم العلاقة الشغلية، ولايمكن أن تبرم بين الأجير والمشغل بكيفية منفردة ، ومن جهة أخرى عقد كتابي وإلا اعتبرت اتفاقية الشغل الجماعية باطلة.
من الملاحظ أن المشرع المغربي عمل على حصر أطراف المنشئة لإتفاقية الشغل الجماعية في النقابات وأرباب العمل مع إبعاد طرف أساسي في علاقات الشغل الجماعية ألا وهو مندوبو الأجراء، باعتبارهم يشكلون المقياس الحقيقي للنقابات الأكثر تمثيلا. فلماذا استثنى المشرع مندوبي الأجراء في إستشارتهم وإطلاعهم أثناء صياغة الإتفاقية الجماعية التي تعتبر إختياريا، في الوقت الذي يسمح لمناديب الأجراء بالإطلاع على النظام الداخلي قبل توجيهيه للسلطات الحكومية المكلف بالشغل من أجل الموافقة عليه (المادة 138 من المدونة)، فكان على المشرع أن يفطن لهذه الإشكالية باعتبارها مسألة أساسية للشغيلة، وباعتبار الأهمية التي يحظى بها مندوب الأجراء أثناء وبعد عقد الإتفاقية أو النظام الداخلي للمؤسسة. هذا مع العلم أن المشرع في المادة 432 من مدونة الشغل أبرز بشكل صريح هذه الأهمية من خلال إعطاء لمناديب الأجراء صلاحية تقديم جميع الشكايات الفردية الناتجة عن تطبيق إتفاقية الشغل الجماعية، وهذا يشكل تناقضا في نظرنا بين مقتضيات المادة 104 والمادتين 138 و 432 من مدونة الشغل[[10]]url:#_ftn10 ، مما كان على المشرع المغربي فتح المجال لمندوبي الأجراء من إبرام اتفاقية الشغل الجماعية مع المشغل عند غياب التنظيم النقابي الأكثر تمثيلا بالمقاولة.خاصة وأن مدونة الشغل تضمنت لعديد من المهام التي أسندت لمندوبي الأجراء ويستشار فيها[[11]]url:#_ftn11 ، بحيث ألزم المشغل باطلاع مندوبي الاجراء عند صياغة النظام الداخلي(المادة 138 من مدوة الشغل)،والاستشارة معهم في اطار لجان السلامة وحفظ الصحة (المادة 336 ومابعدها من مدونة الشغل)، والاستشارة معهم كذلك في إطار لجنة المقاولة (المادة 464 وما بعدها من مدونة الشغل)، كما ألزم المشرع المغربي المشغل على إشراك مندوبي الأجراء في الفصل الجماعي أو الجزئي لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو إقتصادية وإغلاق المقاولة ( المادة 66 من مدونة الشغل).
أهمية اتفاقية الشغل الجماعية
بما أن التشريع لايستطيع مسايرة التطورات الاقتصادية والاجتماعية، كان ولا بد أن تفتح التشريعات المقارنة المجال لطرفي الانتاج للحوار والتفاوض، بغية تنظيم العلاقة الشغلية والتوصل إلى اتفاق جماعي مشترك بينهم، يعمل على بلورة طموحات الأجراء ومطالبهم وفق امكانيات المقاولة.
إن للإتفاقية الجماعية أهمية كبرى، فإذا كان المشرع المغربي قد ركز على الوظيفة القانوية للإتفاقية، فإن هناك مستويات أخرى أساسية تقوم بها الاتفاقية الجماعية، سواء على المستوى الاقتصادية أو على المستوى الاجتماعي أو على المستوى السياسي:
اتفاقية الشغل الجماعية على المستوى القانوني:إن إتفاقية الشغل الجماعية تقوم بدور مهم، حيث تعد من المصادر الأساسية التي تحكم علاقات الشغل، خاصة وانها تسمح لطرفي هذه العلاقة بوظيفة تشريعية في شأن وضع قانون اتفاقي يتضمن حقوقا أكثر فائدة للأجراء مقارنة على ما هو منصوص عليه في المدونة، حيث جاءت المادة 11 من مدونة الشغل على أنه ((لاتحول أحكام هذا القانون دون تطبيق مقتضيات الأنظمة الداخلية الأساسية، أو عقد شغل، أو اتفاقية الشغل الجاعية، أو النظام الداخلي، أو ما جرى عليه العرف من أحكام اكثر فائدة للأجراء)).
وتتجلى الوظيفة القانونية لاتفاقية الشغل الجماعية في ضبط وتحديد وتوحيد شروط الشغل بين المقاولات أو المؤسسات المرتبطة باتفاقية الشغل الجماعية.
اتفاقية الشغل الجماعية على المستوى الاجتماعي: إن إتفاقية الشغل الجماعية توفر الاستقرار الاجتماعي والنفسي للأجراء واحلال روح التعاون والتفاهمعوض المواجهة والصراع بين عنصري الانتاج، من أجل تحقيق السلم الاجتماعيداخل المقاولة أوالمؤسسة، مما ينعكس ذلك على ازدهار وتنمية الانتاج، ومن المواضيع التي تتضمن اتفاقية الشغل الجماعية حسب المادة 105 من مدونة الشغل،الأحكام المتعلقة بعلاقات الشغل و لاسيما: عناصر الأجر، والعناصر الأساسية التي تساعد على تحديد مستويات المؤهلات المهنية، وشروط أنماط تشغيل الأجراء وفصلهم، والأحكام المتعلقة باجراءات مراجعة اتفاقية الشغل الجماعية، والإجراءات المتفق عليها بين الطرفين لتسوية نزاعات الشغل الفردية والجماعية، وكذا تنظيم تكوين مستمر لفائدة الأجراء، والتعويضات، والتغطية الاجتماعية، والصحة والسلامة المهنية، وظروف وشروط الشغل، والتسهيلات النقابية، والشؤون الاجتماعية.
اتفاقية الشغل الجماعية على المستوى الاقتصادي:إن إتفاقية الشغل الجماعية تساهم في تنمية وتطوير المقاولة وتحسين مردوديتها، وذلك من خلال بلورة مجموعة من المزايا الإقتصادية لطرفي العلاقة الشغلية،ونظرا كذلك لثبات العلاقة الشغلية وتوفير مناخ الانتاج للمقاولة، بعيدا عن نزاعات الشغل فردية كانت أم جماعية، فالاتفاقية أداة لتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي.
وابرام اتفاقية الشغل الجماعية خلال مدة معينة، تؤدي أثناء هذه المدة إلى استقرار شروط العمل وتسهيل توجهات وأفاق المسطرة للمشغل.
إن اتفاقية الشغل الجماعية تساعد على الربط بين قانون الشغل من جهة، وبين التطور الاقتصادي من جهة أخرى، كما تعمل الاتفاقية على أخذ بعين الاعتبار درجة تطور الحالة الاقتصادية للمقاولة والمؤسسة من حيث الانتاجية والمردودية.
اتفاقية الشغل الجماعية على المستوى السياسي: إن إتفاقية الشغل الجماعية تقوم بوظيفة سياسية مهمة، لكون الدولة تعمل على توظيف اتفاقية الشغل الجماعية من أجل النهوض بالسياسة الاجتماعية عبر وعي الفرقاء الاجتماعيين في ابرام الاتفاقيات التي تعتبر أداة التنمية الاجتماعية والاقتصادية من جهة، ومن جهة أخرى أداة لتحقيق وتطبيق السياسة الاجتماعية[[12]]url:#_ftn12 .
إبرام اتفاقية الشغل الجماعية
إذا كانت اتفاقية الشغل الجماعية اختيارية في انشائها، عكس النظام الداخلي، فإنها قد تصبح ملزمة بعد إبرامها.
اختيارية في إنشائها: إتفاقية الشغل الجماعية اختيارية في إنشائها،بحيث خولالمشرع المغربي الصلاحية لممثلي المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا أو لممثلي منظمات المهنية للمشغلين من إبرام اتفاقية الشغل الجماعية باسم مجموعتهم حسب المادة 108 من مدونة الشغل والتي تنص على أنه ((يمكن لممثلي المنظمة النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا أو لممثلي منظمة مهنية للمشغلين أن يتعاقدوا باسم مجموعتهم بناء على إحدى المقتضيات التالي:
الأحكام الواردة في القانون الأساسي لتلك المنظمة النقابية للأجراء، أو المنظمة المهنية للمشغلين؛
قرار خاص لتلك المنظمة النقابية للأجراء، أو المنظمة المهنية للمشغلين؛
يجب، لكي تكون اتفاقية الشغل الجماعية صحيحة، إذا أبرمت في غياب هذه المقتضيات، الموافقة عليها، بعد مداولات خاصة من طرف المشغلين المعنيين. تتولى المنظمة المعنية تحديد طرق إجراء هذه المداولات))، كما يمكن لهذه المنظمات من تقديم طلب في موضوع ابرام اتفاقية الشغل الجماعية، موجها إلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل المختصة، كي تتمكن هذه الأخيرة من جمع اللجنة المختلطة من جهة، ومن جهة اخرى الايجابة على الطلب في أجل أقصاه ثلاثة أشهر طبقا للمقتضيات القانونية الواردة في المادة 109 من مدونة الشغل.
ويمكن لأطراف جديدة غير الأطراف المؤسسة والموقعة على اتفاقية الشغل الجماعية، من الإنضمام لهذه الأخيرة لاحقا، بعد سلك إجراءات مسطرية، وذلك بتوجيه رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل، إلى أطراف اتفاقية الشغل الجماعية، وإلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، وإلى كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي نفذت بدائرتها اتفاقية الشغل الجماعية، والانضمام إلى الاتفاقية ابتداء من اليوم الموالي لتبليغه، وذلك تطبيقا لمقتضيات المادة 110 من مدونة الشغل.
إلزامية بعد إبرامها: إن اتفاقية الشغل الجماعية تخضع فلواعد عامة ملزمة بمجرد توقيع الاطراف، من ممثلي المنظمات النقابية أو ممثلي المنظمات المهنية للمشغلين، وذلك بعد ايداعها لدى كتابة الضبط للمحكمة الابتدائية النافذة بدائرتها الاتفاقية ولدى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل(المادة 106 من المدونة)، وإذاك بستلزم جميع المنظمات التي تصادق عليها أو ستلتحق بها، وكذا اعضاء المنتمين إليها أو الذين سينتمون إليها لاحقا.
وتدخل اتفاقية الشغل الجماعية حيز التطبيق وذلك بعد انتهاء اليوم الثالث الموالي لتاريخ إيداعها لدى السلطات الحكومية المكلفة بالشغل، طبقا لمقتضيات المادة 114 من مدونة الشغل.
ونظرا لأهمية الأحكام التي تتضمنها اتفاقية الشغل الجماعية، سواء بالنسبة للأجراء أو المشغلين، أو بالنسبة لمنظماتهم التمثيلية، وتفاديا لما قد يثار من نزاعات، فإن المشرع المغربي ألزم الأطراف من جهة، بموجب الفقرة الأخيرة من المادة 104 من مدونة الشغل، الكتابة لإبرام اتفاقية الشغل الجماعية، وإلا أعتبرت باطلة، و قد جاءت المادة على الشكل التالي ((يجب تحت طائلة البطلان، أن تكون اتفاقية الشغل الجماعية مكتوبة))، ومن جهة أخرى، ألزم الأطراف كذلك بايداع الاتفاقية لدى كل من كتابة ضبط المحكمة الابتدائية التي ستطبق ضمن دائرة نفوذها ولدى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل(المادة 106 من مدونة الشغل )، بلإضافة إلى إلصاق إعلان عن الاتفاقية في الأماكن التي يباشر فيها الشغل، وفي المحلات التي يتم فيها التشغيل، مع وضع نسخة من الاتفاقية رهن إشارة الأجراء (المادة 130 من مدونة الشغل)، وعدم الإلصاق والإعلان يعرض المشغل لغرامة مالية من 2000 إلى 5000 درهم (المادة 132 من مدونة الشغل).
رغم الأهمية التي تحظى بها اتفاقية الشغل الجماعية في حكم وضبط علاقات الشغل، فإن واقعها على المستوى المغربي لا يعبر مطلقا عن هذه الأهمية، بحيث لم ترق بعد إلى مستوى تطلعات الفاعلين الاقتصاديينوالاجتماعيين، بالرغم من مأسسة المفاوضة الجماعية، فإن الشركاء الاجتماعيين لا يلجؤون إليها إلا عند اندلاع نزاعات الشغل الجماعية، وهو ما يفسر ضعف عدد اتفاقيات الشغل الجماعية المبرمة منذ دخول مدونة الشغل حيز التنفيذ[[13]]url:#_ftn13 ، والتي لم تتجاوز عشر اتفاقيات، تم إبرام معظمها بوحدات إنتاجية كبيرة، كل من :
اتفاقية الشغل الجماعية التي أبرمت سنة 1960 بين المجموعة المهنية لبنوك المغرب والاتحاد المغربي للشغل[[14]]url:#_ftn14 ، وتعتبر أقدم اتفاقية على الصعيد الوطني.
اتفاقية الشغل الجماعية التي أبرمت بين الاتحاد المغربي للشغل و مقاولة الملابس بالرباط؛
اتفاقية الشغل الجماعية التي أبرمت بين الاتحاد المغربي للشغل و ستيامCTM.LN؛
اتفاقية الشغل الجماعية التي أبرمت بينوشركةIMEDRE/Groupe ONA » « والكونفدرالية الديموقراطية للشغل؛
اتفاقية الشغل الجماعية التي أبرمت بين القناة المغربية الثانية"2M"والاتحاد المغربي للشغل؛
اتفاقية الشغل الجماعية التي أبرمت بين شركة "سيلولوزCELLULOSE " بسيدي يحي والكونفدرالية الديموقراطية للشغل ؛
اتفاقية الشغل الجماعية التي أبرمت بين « Chantiers et Ateliers du Marocوالاتحاد المغربي للشغل؛
اتفاقية الشغل الجماعية التي أبرمت بين" اتصالات المغربIAM "والكونفدرالية الديموقراطية للشغلوالاتحاد المغربي للشغل؛
اتفاقية الشغل الجماعية التي أبرمت بينSOMACA بالدارالبيضاء والكونفدرالية الديموقراطية للشغل؛
اتفاقية الشغل الجماعية التي أبرمت بين سركة لاسمير SAMIR والكونفدرالية الديموقراطية للشغل.
نطاق تطبيق اتفاقية الشغل الجماعية
يتحدد نطاق تطبيق اتفاقية الشغل الجماعية بأربعة عناصر[[15]]url:#_ftn15 ، من حيث المهنة، ومن حيث الأشخاص، ومن حيثر المكان، ومن حيث الزمن.
من حيث المهنة: إن المقتضيات الواردة في مدونة الشغل من خلال القسم الرايع من الكتاب الأول لم تنص على أي قيد في هذا المجال، وهوما يفيد على أن اتفاقية الشغل الجماعية يمكن انشائها في جميع أنواع الأنشطة الاقتصادية والمهنية الخاضعة لقانون الشغل، التي تتوفر فيها نقابات الأكثر تمثيلا، باستثناء الوظيفة العمومية حيث يخضع الشغل لقواعد نظامية[[16]]url:#_ftn16 .
إن المشرع المغربي ترك لأطراف الاتفاقية الصلاحية في تحديد النطاق المهني لتطبيق أحكامها، بحيث طبقا لمقتضيات المادة 111 من مدونة الشغل، أوجب المشرع المغربي على الاطراف الموقعة على اتفاقية الشغل الجماعية التنصيص على المقاولة التي سيسري عليها تنفيذ الاتفاقية أو مؤسسة أو عدة مؤسسات تابعة للمقاولة.
كما لا يمكن للتنظيم النقابي النص في الاتفاقية أثناء إبرامها على سريان أحكامها على مهن لا يمثلها هذا التنظيم النقابي، أو لا تمت بصلة إلى المهنة الممثلة.
من حيث الأشخاص: أثر اتفاقية الشغل الجماعية لا يقتصر على الاطراف الموقعة فقط، بل يمتد إلى أطراف غيرها، وتعتبر الأطراف الموقعة على الاتفاقية هم الذين يخضعون من الدرجة الاولى للإلتزامات المنصوص عليها في الاتفاقية، وقد تولت المادة 112 من مدونة الشغل تحديد الأشخاص الذين يخضعون لأحكام اتفاقية الشغل الجماعية والتي تسري على الأطراف الآتية:
المنظمات النقابية للأجراء التي وقعتها أو انضمت إليها،
الأشخاص المنتمون إلى تلك المنظمات النقابية؛
الأشخاص الذين يصبحون أعضاء في تلك المنظمات النقابية؛
المشغل أو المشغلون الذين وقعوا الاتفاقية بصفتهم الشخصية،
المنظمات المهنية للمشغلين التي وقعت الاتفاقية أو انضمت إليها.
تسري الاتفاقية على جميع الأجراء المرتبطين بعقد الشغل، سواء كانوا منخرطين في التنظيم النقابي الموقع على الاتفاقية أم لا، وعليه فبمجرد ارتباط المشغل بالاتفاقية فإنها تسري على جميع الأجراء بدون استثناء.
لكن، قد تصادف اتفاقية الشغل الجماعية بعض المؤسسات المالية الكبرى تخضع لقانون الشغل، من إبرامها لعقود الشغل بامتيازات خاصة وأكثر فائدة من الاتفاقية، ففي هذا الصدد أورد المشرع المغربي نصا خاصا من خلال المادة 113 من مدونة الشغلـ والتي تنص على أنه((تسري مقتضيات اتفاقية الشغل الجماعية التي التزم بها المشغل، على عقود الشغل المبرمة من طرفه. تكون أحكام اتفاقية الشغل الشغل الجماعية ملزمة في كل مقاولة أو مؤسسة يشملها مجال تطبيقها، ما لم تكن هناك مقتضيات أكثر فائدة للأجراء في عقود شغلهم)).
من حيث المكان: إن أطراف اتفاقية الشغل الجماعية حسب المقتضيات القانونية الواردة في المادة 111 من مدونة الشغل، يتمتعون بكامل الحرية في تحديد النطاق المكاني الذي ستطبق فيه الاتفاقية، لكن شريطة التنصيص على الدائرة الترابية التي سيتم التنفيذ فيها، سواء تعلق الأمر بجماعة محلية معينة، أو منطقة معينية، أو على صعيد التراب الوطني، لأنه إذا لم تتضمن اتفاقية الشغل الجماعية نصا في هذا الشأن، فإنها تكون نافذة إلا في دائرة اختصاص المحكمة الابتدائية التي أودعت بكتابة ضبطها اتفاقية الشغل الجماعية، طبقا للمادة 106 من مدونة الشغل.
ولا تكون اتفاقية الشغل الجماعية قابلة للتطبيق بدائرة محكمة ابتدلئية أحرى، إلا إذا أودعها كلا الطرفين بكتابة ضبطها.
من حيث الزمان: تعتبر اتفاقية الشغل الجماعية من العقود الزمنية التي يكون الزمن عنصرا جوهريا فيها، بحيث وضع المشرع المغربي قواعد خاصة بالاتفاقية التي يمكن أن تبرم لمدة زمنية غير محددة المدة أو إبرامها لمدة محددة المدة أو لمدة إنجاز المقاولة للمشرع، بمقتضى المادة 115 من مدونة الشغل التي نصت على أنه ((يمكن إبرام اتفاقية الشغل الجماعية لمدة محددة، أو لمدة غير محددة، أو لمدة مشروع معين)).
اتفاقية الشغل الجماعية محددة المدة:هي التي يتفق فيها الطرفان صراحة على مدة معينة لإجراء العمل بها، بحيث تنتهي بمجرد انقضاء المدة المتفق عليها، وقد خول المشرع لطرفي الاتفاقية حرية تحديد مدتها شريطة أن لا تتجاوز المدة ثلاثة سنوات، وإذا تجاوزت المدة المحددة اعتبرت شأنها شأن الاتفاقية غير محددة المدة،وذلك بموجب مقتصيات المادة 119 من مدونة الشغل التي تنص على أنه ((لا يمكن أن تتجاوز مدة اتفاقية الشغل الجماعية المبرمة لمدة محددة ثلاث سنوات. تظل آثار اتفاقية الشغل الجماعية المحددة المدة سارية المفعول بعد حلول أجلها، شأنها في ذلك شأن الاتفاقية غير محددة المدة)).
وهكذا تنقلب اتفاقية الشغل الجماعية من محددة المدة إلى غير محددة المدة، حيث ستظل آثارها سارية المفعول إلى أن يتم فسخها من طرف أحدالأطراف، ما عدى إذا تضمنت الاتفاقية نصا صريحا يقضي بانتهائها فور انتهاء مدتها.
كما تجدر الملاحظة أن انتهاء مدة اتفاقية الشغل الجماعية لا تؤثر على المكاسب التي استفاد بها الأجراء بموجب الاتفاقية، وقد نصت مقتضيات المادة 121 من مدونة الشغل على أنه((إذا حل أجل اتفاقية الشغل الجماعية أو أنهيت، إحتفظ الأجراء بالاستفادة من المنافع التي اكتسبوها بموجب تلك الاتفاقية، ما لم يبرم اتفاق جديد، فرديا أو جماعيا ينص على منافع أفيد لصالح الأجراء)).
اتفاقية الشغل الجماعية غير محددة المدة:هي التي لم يحدد فيها المدة الزمانية، ففي هذه الحالة تبقى الاتفاقية سارية المفعول إلى أن تنتهي بتراضي الطرفين، أو بالإرادة المنفردة لأحدهما، فحق الفسخ يمكن أن يمارس في أي وقت، لكن مع احترام المقتضيات القانونية الواردة في المادة 116 من مدونة الشغل، المتعلقة بإخبار الأطراف المتعاقدة وكذا كتابة ضبط المحكمة الابتدائية وكذلك وزارة التشغبل، بفسخ الاتفاقية بشهر واحد على الأقل، والتي تنص على أنه((يمكن إنهاء اتفاقية الشغل الجماعية غير محددة المدة، في أي وقت، بإرادة أحد الطرفين.
يجب تبليغ إنهاء اتفاقية الشغل الجماعية إلى جميع أطرافها، وإلى كتابة ضبط المحكمة المعنية، وإلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل اللتين أودعت بهما، وذلك قبل التاريخ المحدد لإنهائها بشهر واحد على الأقل.
غير أنه إذا كانت الرغبة في مراجعة بعض أحكام اتفاقية الشغل الجماعية هي سبب الانهاء، وجب إرفاق وثيقة الإنهاء بمشروع التعديلات المزمع إدخالها على الاتفاقية)).
لكن، في الحالة التي يرتبط بالاتفاقية أكثر من منظمة نقابية أو أكثر من مشغل أو أكثر من منظمة مهنية للمشغلين ففي هذه ي في الحالة لا تبطل الاتفاقية إلا بتخلى الأخيرة من المنظمة النقابية للأجراء أو الأخير من المشغلين أو الأخيرة من المنظمات المهنية للمشغلين.
إذا لجأت إحدى النقابات أو الهيئات المذكورة إلى فسخ الاتفاقية، فإن الهيئات الأخري المتبقية يمكن أن تعلن في ظرف عشرة أيام الموالية لتوصلها بقرار الفسخ، عن تبليغ فسخها هي أيضا للاتفاقية إلى الأطراف الأخرى، وذلك ابتداء من التاريخ المحدد من طرف النقابة أو الهيئة الأولى التي تخلت عن الاتفاقية، وهذا طبقا للمقتضيات القانونية الواردة في المادة 117 من مدونة الشغل.
كما يترتب على فسخ اتفاقية الشغل الجماعية من طرف النقابة الأكثر تمثيلا أومن طرف المنظمة المهنية للمشغلين إنهاؤها بقوة القانون بالنسبة لكل أعضائها (المادة 118 من مدونة الشغل).
اتفاقية الشغل الجماعية لمدة إنجاز المشروع:إذا كانت اتفاقية الشغل يمكن ابرامها لمدة محددة أو لمدة غير محددة المدة،فإنه يمكن أيضا إبرامها لمدة إنجاز مشروع معين، ( مثلا بناء سد أو طريق أو مجمع سكني الخ)، ففي هذه الحالة تستمر الاتفاقية طيلة إنجاز لمشروع، لكن إذا لم ينته الشغل داخل أجل ثلاث سنوات، فسوف لن تعتبر الاتفاقية في حكم اتفاقية الشغل الجماعية غير محددة المدةوتطبق عليها أحكامها كما هو منصوص عليه في المادة 119 من مدونة الشغل الفقرة الثانية، لكن، تظل اتفاقية الشغل الجماعية قائمة إلى حين إنتهاء من المشروع، وتخضع لنص المادة 120 من مدونة الشغل الذي نص المشرع المغربي صراحة من خلال هذه المادة والتي تنص على أنه ((تظل اتفاقية الشغل الجماعية المبرمة لمدة إنجاز مشروع معينقائمة إلى حين الانتهاء من هذا المشروع)).
لكن أمام متغيرات الظروف الاقتصادية والاجتماعية في حالة إذا طالت المدة ونجاوز ثلاث سنوات، ألا تصبح الانفاقية متجاوزة؟
بحيث يلاحظ أن المشرع المغربي لم يسير على نهج ظهير 17 أبريل 1957 الملغى من خلال الفصل 10 منه والذي كان ينص على أنه((إذا ابرمت اتفاقية الشغل الجماعية لمدة القيامة بانجاز مقاولة في أمد ثلاث سنوات، فتعتبر الاتفاقية مبرمة لمدة ثلاث سنوات)).
جزاء الاخلال بالتزامات اتفاقية الشغل الجماعية
إن المشرع المغربي ميز في الجزاء القانونيالذي يترتب عن عدم تنفيذ اتفاقية الشغل الجماعية عدة حالات، بموجبها يحق لكل متضرر من جراء عدم تنفيذ الاتفاقية المطالبة قضائيا باصلاح الضرر،
وقد نصت المادة 123 من مدونة الشغل على أنه ((يمكن للمنظمات النقابية للأجراء، وللمنظمات المهنية للمشغلين، وللاتحادات، المرتبطة باتفاقية شغل جماعية، أن تقيم دعوى باسمها الخاص، على غيرها من المنظمات النقابية للأجراء، أو المنظمات المهنية للمشغلين، أو الاتحادات، التي هي طرف في الاتفاقية، أو على أعضاء تلك المنظمات أو على أعضائها أنفسهم، أو على سائر الأطراف الذين ارتبطوا بالاتفاقية، لحملهم على تعويضها عما لحق بها من ضرر بسبب ما أخلوا به من التزامات))، كما نصت المادة 124 من مدونة الشغل على أنه ((يمكن للأشخاص الذي ارتبطوا باتفاقية شغل جماعية، أن يقيموا دعوى على باقي الأشخاص، أو المنظمات النقابية للأجراء أو المنظمات المهنية للمشغلين، أو الاتحادات، المرتبطين بالاتفاقية، لحملهم على تعويضهم عما لحق بهم من ضرر، بسبب ما أخلوا به من إلتزامات نحوهم))، من خلال نص هذه المادتين خول المشرع المغربي صراحة كامل الحق للمنظمات أوالاتحادات أوالأشخاص المرتبطة باتفاقية الشغل الجماعية، برفع دعوى قضائية في حالة إلحاق الضرر بهم، نتيجة خرق للاتفاقية، وتقام الدعوى باسم المتضرر.
وفي هذا الصدد سنتطرف لأربع حالات وهي:
الحالة الأولى/ دعوى الأجير ضد المشغل أو منظمته المهنية: يحق للأجير رفع دعوى قضائية ضد المشغل لمطالبته بتنفيذ اتفاقية الشغل الجماعية، أو الحكم له بالتعويض المستحق نتبجة الضرر الذي ألحق به، سواء كان الأجير عضوا في المنظمة النقابيةالأكثر تمثيلا التي ابرمت الاتفاقية الجماعية، أو إنضم إليها لاحقا، أم غير منتمي بتاتا لأية منظمة نقابية، فالحق يثيت للأجير بكيفية مستقلة عن منظمته النقابية أو عن المنظمة المهنية للمشغلين، مادم أنه تسري عليه الاتفاقية التي وقع الاخلال بمقتضياتها (المادة 124 من مدونة الشغل).
الحالة الثانية/ دعوى المشغل ضد الأجير أو المنطمة النقابية:إذا سمح المشرع المغربي للأجير من مقاضاة المشغل أو المنظمة المهنية، فبالمقابل سمح للمشغل من مقاضاة الأجير أو المنطمة النقابية، بحيث إذا لم يراع الأجراء أو منظمتهم النقابية أحكام وشروط اتفاقية الشغل الجماعية المبرمة مع المشغل،فإن هذا الأخير له كامل الحق في مقاضاة الطرف المخل بالتزاماته.كما يحق للمشغل من مقاضاة غيره من المشغلين المرتبطين باتفاقية الشغل الجماعية، إذا لم يعملوا على احترام مقتضياته مما نتج عنه الحاق الضرر يه (المادة 124 من مدونة الشغل).
الحالة الثالثة/ دعوى المنظمة النقابية باسمها الخاص على غيرها:خول المشرع المغربي صراحة للمنظمات النقابية والاتحادات المنتمية إليها والمرتبطة باتفاقية الشغل الجماعية، حق التقاضي، دفاعا عن مصالحها الخاصة، وكذلك دفاعا عن المصالح الجماعية لأعضائها وللمهنة التي تمثل (المادة 123 من مدونة الشغل)، كما يسمح لها برفع جميع الدعاوي الناشئة عن الاخلال بالاتفاقية الجماعية لمصلحة كل عضو من أعضائها، دون الحاجة إلى الإدلاء بتفويض خاص عن المعني بالأمر، شريطة أن يكون هذا الأخير قد أشعر بالدعوى وعدم اعتراضه على الدعوى، مع الاعتراف له بأنه يتدخل شخصيا، وفي أي وقت فيها مادامت قائمة (المادة 125 من مدونة الشغل)، بالاضافة إلى ذلك خول المشرع المغربي لها الحق في التدخل، في أي وقت، وفي أي دعوى قد يقيمها شخص، أو منظمة نقابية للأجراء، أو منظمة مهنية للمشغلين، أو للاتحادات، المرتبطة باتفاقية الشغل الجماعية، إذا كانت الدعوى ناشئة عن هذه الأخيرة، وكانت وقت التدخل مازال قائمة، وذلك اعتبارا للمصلحة الجماعية التي قد تعود على أفرادها بسبب حل النزاع (المادة 126 من مدونة الشغل).
الحالة الرابعة/ دعوىالمنظمة المهنية للمشغلين: الحق الكامل للمنظمات المهنية للمشغلين، من رفع الدعاوى باسمها، ضد الأطراف الأخرى، إذا ما أخلوا بالتزاماتهم ونتج عنها الضرر(المادة 123 من مدونة السغل)، كما لها أيضا الحق بموجب المادة 126 من مدونة الشغل التدخل في جميع الدعوي التي قد يقيمها طرف من الأطراف المبرمة على اتفاقبة الشغل الجماعية.
أما نزاعات الشغل الجماعية[[17]]url:#_ftn17 والفردية التي يمكن أن تقع بين الأطراف المرتبطة باتفاقية الشغل الحماعية، فيتم تسويتها في حالة عدم تضمينها داخل الاتفاقية، وفق الاحكام التشريعية المعمول بها في هذا الشأن (المادة 127من مدونة الشغل ).
وهكذا، اضافة إلى ان الطرف المخل بأحكام وشروط اتفاقية الشغل الجماعية، يصدر في حقه الحكم عليه بتعويض من لحق به الضرر، فإنه يمكن أيضا أن يخضع لعقوبة مالية من 300 إلى 500 درهم، وتتكرر عقوبة الغرامة بتعدد الأجراء الذين لم يراع في حقهم تطبيق أحكام اتفاقية الشغل الجماعية، شريطة أن لا يتجاوز مجموع الغرامات 20000 درهم (المادة 129 من مدونة الشغل).
تعميم نطاق اتفاقية الشغل الجماعية
اعتبارا للدور الذي تقوم اتفاقية الشغل الجماعية في تنظيم علاقة الشغل داخل المقاولة أو المؤسسة الانتاجية بين الأجراء والمشغلين، ومدى الاهمية التي تحظى بها على المستويات القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتفاديا لما يمكن أن ينشأ بعد ابرامها في مقاولة دون الاخرى أو مؤسسة دون الاخرى، مما سينعكس سلبا على وضعية الأجراء غير المعنيين بالاتفاقية، مما ذهب المشرع المغربي أسوة للتشريعات المقارنة، على إمكانية تعميم اتفاقية الشغل الجماعية على المقاولات أو المؤسسات التي لم تكن طرفا فيها حتى تشمل أكبر عدد ممكن من الأجراء.
إذا كان المشرع المغربي من خلال المادة 104 من مدونة الشغل، قد اعتبر اتفاقية الشغل الجماعية هي عقد جماعي لتنظيم علاقات الشغل، فإنه لا يمكن أن تسري أحكام وشروط الاتفاقية سوى على الاطراف الموقعة عليها وتلزمهم، وكذا المنضمين إليها لاحقا من منظمات نقابية أو منظمات مهنية للمشغلين أو مشغلين،أي لا تلزم إلا من كان طرفا في العقد، عملا بمقتضيات القانونية والواردة في الفصل 228 من قانون الالتزامات والعقود.
إن تعميم اتفاقية الشغل الجماعية على غير أطراف الموقعين والمنضمين إليها لاحقا، يعتبر عنصر من عناصر السياسة الاجتماعية للدولة[[18]]url:#_ftn18 .
وتعميم اتفاقية الشغل الجماعية على مستوى المقاولة أو المؤسسة والتي أبرمت من طرف المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا أو المنظمات المهنية للمشغلين أو المشغلين، وما لهذا التعميم من آثار هامة على مصالح وحقوق الأطراف الجدد الذي ستشملهم الاتفاقية، ستصبح بين الإلزامية والاختيارية في التطبيق، بحيث أن المشرع المغربي خول الصلاحية للسلطة الحكومية المكلفة بالشغل من تعميم اتفاقية الشغل الجماعية حسب الحالات، ولكن بعد وجوب توفر نصاب قانوني، الذي يمكن من معرفة ما إذا كان تعميم الاتفاقية الزامية أو أن تعميم الاتفاقية إختيارية.
الحالة الأولى/الزامية التعميم:إن الزامية تعميم اتفاقية الشغل الجماعية على الاطراف الجدد غير أطرافها الأصليين أو المنضمين، أو جبه المشرع المغربي على السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، من خلال المقتضيات القانونية الواردة في الفقرة الأولى من المادة 133 من مدونة الشغل والتي تنص على أنه(( إذا كانت اتفاقية الشغل الجماعية، المبرمة وفق الشروط المنصوص عليها في الأبواب السابقة من هذا القسم، تهم ما لا يقل عن ثلثي الأجراء التابعين للمهنة، فإنه يجب على السلطة الحكومية المكلفة بالشغل تعميم مقتضياتها بقرار على مجموع المقاولات والمؤسسات التي يشتغل فيها أجراء يمارسون المهنة ذاتها، سواء في نطاق معينة، أو في جميع تراب المملكة))، من خلال هذا النصيتبين أن السلطة الحكومية المكلفة بالشغل ملزم عليها تعميم الاتفاقية بقرار، شرط أن لا يقل عدد الأجراء عن ثلثي العدد التايعين للمهنة، كما أن التعميم ،سواء كانت الاتفاقية محددة في نطاق معين أو على صعيد التراب الوطني،يتم دون موافقة أوإعتراض من الأطراف الجدد.
لكن، ماذا لو كان عدد الأجراء الذين يعملون فيإطار عقود محددة المدة هم سبب في توفر النصاب القانوني، هل ستعمل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل على إلزامية تعميم الاتفاقية ؟
ثم كذلك ماذا لوكان النظام الداخلي في أكثر من مؤسسة، أكثر فائدة من اتفاقية الشغل الجماعية،فهل ستلجأ إلى تعميم مقتضيات هذه الاتفاقية بقرار؟ أم سيحل النظام الداخلي في هذه المؤسسات محل الاتفاقية الجماعية، ومن ثم ستصبح الاتفاقية الجماعية متجاوزة لدى الأطراف الأصليين والمنضمين، وهذا سينعكس على وضعية الأجراء والمؤسسة والمقاولة لهذه الأخيرة مما سيؤدي إلى صراعات ومواجهات داخلية فيما بين الأجراء وكذا بين المشغلين.
الحالة الثانية/ إختيارية التعميم: إن المشرع المغربي خول كذلك الصلاحية للسلطة الحكومية المكلفة بالشغل، امكانية تعميم اتفاقية الشغل الجماعية في الحالة التي يقل عدد الأجراء عن ثلثي العدد، شرط أن لا يقل العدد عن خمسين في المائة من الأجراء.
والتعميم فيهذه الحالة ليس واجبا على السلطة الحكومية المكلفة بالشغل بقدر ماهو "امكانية" تستعملها متى شأت أو قد لا تستعملها، حسب الظرفية الاقتصادية والاجتماعية وكذا السياسية التي ستسمح في تنفيذ الاتفاقية، وإذا اتضح لها أن الظرفية مناسبة لتعميم اتفاقية الشغل الجماعية على باقي الأطراف غير الأصليين والمنضمين، ستعمل على إصدار قرار التعميم، ولكن بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا وكذلك مجلس المفاوضة الجماعية، وهذا ما جاء في الفقرة الثانية من نص المادة 133 من مدونة الشغل، على أنه ((إذا كانت اتفاقية الشغل الجماعية، المبرمة وفق الشروط المنصوص عليها في الأبواب السابقة من هذا القسم، تهم ما لا يقل عن خمسين في المائة من الأجراء، فإنه يمكن، بقرار من السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، ومجلس المفاوضة الجماعية، تعميم مقتضياتها على مجموع المقاولات والمؤسسات الي يشتغل فيها أجراء يمارسون المهنة ذاتها، سواء في نطاق معينة، أو في جميع تراب المملكة)).
لكن، ماذا لو كان رأي الجهات التي تم الاستشارة معها في شأن التعميم الاختياري، معارض، خاصة وأن السلطة الحكومية المكلفة بالشغل هي الوحيدة التي تتوفر على سلطة القرار التي خولها المشرع، ويبقى القضاء الاداري هو الحاسم في الموضوع، بعد الطعن في قرار السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، بالالغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة، من طرف المنظمات المهنية للمشغلين، ولجوء المنظمات النقابية إلى الإعتماد على المادة 404 من مدونة الشغل، التي تمتعهم بالأهلية المدنية وبالحق في التقاضي.
وتعميم اتفاقية الشغل الجماعية في كلتا الحالتين السابقتين، يكون عن المدة المقررة في الاتفاقية، بحيث نصت المادة 134 من مدونة الشغل على أنه ((تنتهي الصفة الالزامية لاتفاقية الشغل الجماعية الممدة، بانتهاء اتفاقية الشغل الأصلية)).