يعد ملف سبتة ومليلية وباقي الجزر إحدى القضايا التي تطفو من آونة لأخرى على العلاقات المغربية الإسبانية، وتتميز هذه المناطق بكونها محصورة في التراب المغربي وتشكل امتدادا طبيعيا له، لكن إسبانيا ترفض هذا الواقع وتصر على سيادتها عليه، معتبرة أن المغرب لم يطرح وضعية هذه الثغور على الأمم المتحدة في إطار لجنة تصفية الإستعمار.
وتستند إسبانيا في رفضها لكل حوار حول هذه الثغور المحتلة إلى جملة من المعطيات ترتبط الأولى منها بموازين القوى، ثانيهما استمرار نزاع قضية الصحراء التي مازالت إسبانيا تلعب فيها دورا غير مباشر كمساندتها للإنفصاليين والتنسيق مع الجزائر.
وبالنظر إلى ضخامة هذا الملف في العلاقات المغربية الإسبانية سنعالجه على مستويين: الأول يتعلق بالسياسة الإسبانية بسبتة ومليلية والجزر، والثاني بالسياسة المغربية بخصوص سبتة ومليلية.
أولا: السياسة الإسبانية بسبتة ومليلية والجزر
إن الحديث عن السياسة الإسبانية باعتبارها إستعمارا للمنطقة واستغلالها يدفعنا إلى تحديد أهدافها وآلياتها تطبيق هذه السياسة الإستعمارية في سبتة ومليلية ثم نقوم برصد موقف المجتمع المدني بخصوص قضية سبتة ومليلية.
أ:أهداف السياسة الإسبانية بخصوص سبتة ومليلية
تتوخى السياسة الإسبانية الإستعمارية بالمدينتين جعلها جزءا من السيادة الإسبانية، فأهداف السياسة الإسبانية لم تتغير مضامينها رغم ما عرفته هذه السياسة من تغيير في الآليات والقوانين فهي لا تخرج عن هدفين أساسين:
- الهدف الأول:
يتمثل في تصفية كل ما له طابع مغربي في المدينتين(الثقافة، اللغة، اللباس...) عن طريق العديد من الإجراءات والقوانين(كقانون الأجانب الصادر في يوليوز1985) المطبقة على المغاربة باعتبارهم أجانب، أو إدماجهم في المجتمع الإسباني عن طريق التجنيس وجعلهم مواطنين إسبان.
- الهدف الثاني:
بعد التصفية والإدماج، تأتي مرحلة جعل المدينتين انطلاقا من الدستور والقانون متمتعين بحكم ذاتي على مستوى التسيير والإدارة واعتبارها جزءا من تراب المملكة الإسبانية1
ولفهم هذه الأهداف الاستعمارية أكثر يتعين التطرق للآليات المعتمدة لتطبيق هذه السياسة.
ب: آليات تطبيق السياسة الإسبانية
تلجأ إسبانيا في تطبيق سيساتها الإستعمارية إلى مجموعة من الآليات، تتمثل فيما يلي:
ب-1:التواجد العسكري الإسباني
إن إسبانيا تشدد الرقابة بكل أنواعها على مواطني المدينتين وزوارها المغاربة،تخوفا من أي مواجهة قد تقع من المغرب، يظهر ذلك جليا من خلال التدخل العسكري الإسباني، بعد الإحتجاجات التي وقعت بعد صدور قانون الأجانب سنة 1985.
ب-2:الإجراءات القانونية والتنظيمية
أصدرت الحكومة الإسبانية قانةن الأجانب، كإجراء قانوني تنظيمي تلاه، يعد ذلك مشروع قانون الحكم الذاتي للمدينتين(سبتة ومليلية)
ب-2-1: قانون الأجانب:
صادق البرلمان على هذا القانون في فاتح يوليوز 1985 وقد تم تطبيقه على المغاربة باعتبارهم أجانب، ويهدف قانون الأجانب إلى عرقلة امتلاك المغاربة للممتلكات العقارية في المدينتين بتنسيق مع الجيش الإسباني والقوى السياسية الإسبانية والأجهزة الأمنية، وكذلك الطرد الممنهج للمغاربة من سبتة ومليلية.
ب-2-2:قانون الحكم الذاتي:
صادقت الحكومة الإسبانية في 5 شتنبر 1995 كمشروع دخل حيز التنفيذ بعد مصادقة مجلس الشيوخ والملك الإسباني "خوان كارلوس"يوم 15 مارس 1995 باتفاق مع الحزب الشعبي وقد تم منح المدينتين –سبتة ومليلية- الحكم الذاتي غير الكامل، ويظهر من خلال هذا القانون الإستعماري أن إسبانيا تمسك بقوة وصرامة بالمدينتين والجزر المحيطة بهما.
ويتضح ذلك من خلال إدعاء وزير الخارجية الغسباني السابق"جوزيب بيكي"في 18 نونبر 2001 أن سبتة ومليلية إسبانيتان وستظل2 .
ج: موقف المجتمع المدني الإسباني من قضية سبتة ومليلية
إن موقف الأحزاب السياسية الإسبانية، تجاه المدينتين، تتسم بازدواجية التحليل أو ربما يمكن تسميته بالإنتهازية السياسية في عهد الجنرال "فرانكو" كان يوجد اتجاهات متعارضة حول المدينتين:
- الإتجاه الأول: تجسده الأحزاب اليمينية الفاشية المتحالفة مع "فرانكو" والتي تقول بأن المدينتين تعودان لإسبانيا، وبنت ذلك على العنصرية والعرقية.
- الإتجاه الثاني: تمثله الأحزاب التقدمية وخاصة الحزب الشيوعي والإشتراكي الإسبانيين، هذه الأحزاب تعتبر المدينتين مغربيتين وتشكلان جزءا لا يتجزأمن التراب المغربي، غير أن هذه المواقف تبدلت بعد غياب "فرانكو" حتى أن الحزب الشيوعي في المدينتين كان ينظم المظاهرات لرفض أية دعوى تطالب بإعادة المدينتين للمغرب، ونؤكد على أن المغرب طرح مشكل المدينتين عام 1960 في الأمم المتحدة وعلى لجنة تصفية الإستعمار سنة 1975 وفي مؤتمري عدم الإنحياز في بغراد 1961، وعلى منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الوحدة الإفريقية3 .
وبالمقابل فإن الصحف الإسبانية وأجهزة الإعلام الأخرى تشن حملات معادية للمغرب يعد كل محاولة مغربية لإثارة المسألة.
وهكذا فإن الإعلام الإسباني يلعب دورا أساسيا خطيرا في تشويه الحقائق المرتبطة بسبتة ومليلية وتحريك الرأي العام الإسباني والحكومة الإسبانية بخصوص السياسة الواجب إتباعها لتأييد الطابع الإستعماري للمدينتين، ومن الجرائد التي تؤثر في الرأي العام الإسباني داخل المدينتين نجد جريدة"ملية أوي"
إن ما يمكن إستخلاصه من طبيعة السلوك السياسي الإسباني بخصوص قضية سبتة ومليلية هو الإصرار المطلق على الإحتلال الإسباني للمدينتين واعتبارهما جزءا من السيادة الوطنية الإسبانية، ورغم مخالفة هذه الإدعاءات للتاريخ والجغرافيا والقانون الدولي، وإن تخوف إسبانيا من فتح حوار حول وضعية المدينتين لدليل على ضعف إدعاءاتها الرسمية وغير الرسمية بأحقيتها في المدينتين، ورغم انتهاء حكم "فرانكو"وعودة الديمقراطية إلى إسبانيا إلا أن موقفها من قضية سبتة ومليلية لم تتغير، بل دعمته بإجراءات قانونية لتأييد إستعمارها للمدينتين، ولذلك فإن العلاقات المغربية الإسبانية رغم تطورها في المجال الإقتصادي، حيث أصبحت إسبانيا الشريك الإقتصادي الثاني للمغرب بعد فرنسا فإن المجال السياسي مزال في وضع معاكس تماما4 .
فما رؤية المغرب لحل قضية سبتة ومليلية؟
ثانيا: السياسة المغربية بخصوص سبتة ومليلية
إن السياسة المغربية بخصوص استرجاع سبتة ومليلية تنبني على أهداف واضحة المعالم، وتبرز المؤسسة الملكية كإطار لبلورة وإنتاج السلوك السياسي بخصوص هذه القضية، ويظهر ذلك من خلال التصريحات السياسية الملكية التي تتضمن طلب المغرب فتح مفاوضات مع إسبانيا لحل ملف سبتة ومليلية في أفق إعادتها للمغرب ولذلك سنركز في هذا الجزء على أهداف السياسة المغربية بخصوص سبتة ومليلية(أ)، على أن نتطرق لدور الحكومة والأحزاب السياسية المغربية(ب).
أ: أهداف السياسة المغربية بخصوص سبتة ومليلية
إن تحرير سبتة ومليلية مسألة تهم المغرب ككل لأنها تتعلق باستكمال الوحدة الترابية للبلاد، فهذه المسألة مبدئيا ترقى إلى مسألة العقائد لأنها تتعلق بكياننا المادي والروحي أي بالهوية الوطنية التي يصنعها التراث الروحي والمادي وهذا كل لا يتجزأ5 .
لقد سلك المغرب منذ استقلاله عام 1956، طريق الحوار والإقناع بالحجة مع السلطات الإسبانية، خلال استعادته للمناطق المغربية التي ظلت خاضعة للإدارة الإسبانية، وهي طرفاية 1958 وإفني عام 1969 والصحراء عام 1975 وسيظل متمسكا بنفس المنطق والأسلوب ليستكمل وحته الترابية.
حاول المغرب بأشكال مختلفة إتباث رغبته في تدعيم أواصر الصداقة مع إسبانيا لجعل الباب مفتوحا لإعادة المدينتين سلميا، فقد إرتفع حجم التعامل التجاري مع إسبانيا الضعف عام 1974، كما أصبح الميزان التجاري لصالح إسبانيا عام 1981 .
6
وقد أعطى المغرب تسهيلات مركب صيد سمك للإصطياد في المياه المغربية، ويقف المغرب مع إسبانيا من أجل إستعادة جبل طارق من برطانيا اعتقادا منه أن إعادة جبل طارق لإسبانيا، ستجعل من إعادة المدينتين للمغرب أكثر إمكانا.
ويمكن بالتحديد أن نقول أن أهداف السياسة المغربية بخصوص سبتة ومليلية، تتجسد في مسألتين أساسيتين:
- فتح المفاوضات المغربية الإسبانية.
- إعادة سبتة ومليلية
وقد اعتبر المغرب هذان الأمران هدفان أساسيان، وقد ركز الملك الراحل "الحسن الثاني" على مبدأ الوحدة الترابية، واعتبره أولى الأولويات، أما الملك "محمد السادس"فقد أكد مطالبة بلاده على السيادة على سبتة ومليلية داعيا إلى حوار نزيه وصريح مع إسبانيا.
وما يلاحظ بخصوص هذا الشأن هو أن السياسة المغربية تفتقد لآلية الضغط، وكذلك ضعف الجالية المغربية خصوصا المثقفين والسياسين في إبراز أهداف السياسة المغربية وكذلك إنشغال المغرب بملف الصحراء، كل هذه المسائل إستلزمت، تجميد تجميد الملف، بهدف الاستقرار والتنمية الإقتصادية، في أفق الإنفتاح على المناخ الخارجي في ظل اتفاقيات الشراكة بين المغرب والإتحاد الأوربي وتدعيم الشراكة الأورومتوسطية.
ب: الحكومة والأحزاب السياسية المغربية
لقد أكد ملك المغرب " محمد السادس"مطالبة بلاه على مدينة سبتة ومليلية داعيا لحوار نزيه وصريح مع إسبانيا،لحل هذه الأزمة ومنددا بزيارة نظيره الإسباني"خوان كرلوس" لهما وقال محمد السادس في بيان قرأه "محمد معتصم"أن هذه الزيارة غير المجدية تسيء للمشاعر الوطنية المتجدرة، لدى جميع مكونلت وشرائح الشعب المغربي.
وحمل البيان إسبانيا المسؤولية عن المجازفة لتدهور العلاقات وقال إنه إزاء هذا العمل الذي يحن لعهد مظلم مضى وانقضى فإننا نحمل السلطات الإسبانية مسؤوليتها عن المجازفة المستقبلية وتطور العلاقات بين البلدين وعن الإخلال الجسيم للحكومة الإسبانية بمنطق وروح معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون المبرمة سنة 1991، وشدد على ضرورة إسترجاع الجيبين إلى الوطن الأم، وداعيا إسبانيا إلى الالتزام بحوار نزيه وصريح ومنفتح على المستقبل، يؤمن حقوق المغرب السيادية ويراعي المصالح الإسبانية، وقال إن الاحتلال لا يكتسب شرعيته بالتقادم أو عن طريق الأعمال أحادية الجانب وسياسة أمر الواقع7 .
ولقد جاء في التصريح الحكومي من لدن الوزير الأول" عبد الرحمان اليوسفي" أمام مجلس النواب قائلا على أن أولوية الأولويات وحدتنا الترابية وقد أكد على ضرورة مطالبة إسبانيا بمراجعة موقفها المتعلق بحق المغرب في الأراضي المحتلة –سبتة ومليلية- وقد أكد على العمل لكي ترجح إسبانيا في تعاملها معنا، وذلك بالإستجابة لنداء صاحب الجلالة وفتح الحوار والتشاور في إطار إقتراح بتشكيل خلية للتأمل8 .
وقد جاءت في المؤتمر الوطني التاسع لحزب الإستقلال على ضرورة تحرير جميع الأراضي المغربية، بما فيها سبتة ومليلية، كما أكد حزب العدالة والتنمية في المؤتمر الاستثنائي لسنة 1996 على مبدأ الوحدة الترابية الوطنية وأهمية إجماع الدعم الوطني حول قضية استكمال وحدتنا الترابية وعلى رأسها منطقة الصحراء المغربية التي هي في اعتباره محررة تحريرا نهائيا غير قابل للمراجعة والمساومة، والمدن السليبة في الشمال المغربي، أي سبتو ومليلية والجزر التي لاتزال تحت السيطرة الإسبانية.
تجدر الإشارة كملاحظة على أن الموقف المغربي ظل محتشما جدا يكاد يكون موقف دفاع حسب الظروف، كأنه لا يتوفر على أي هامش للتحرك، بفعل النفوذ الإقتصادي الإسبانيبالمغرب بدءا من حجم المبادلات التجارية وكذلك الاستثمارات الإسبانية ببلادنا وحجم الدين الخارجي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1- بوسنينة رضوان، سبتة ومليلية والجزر الجعفرية، بحث لنيل الإجازة في الحقوق، مكناس، الموسم الجامعي1999-2000
2 - الاحداث المغربية، العدد 1393، 14 نونبر 2002، ص.3.
3 -www.oujdacity.net
4 - رضوان بوسنينة، مرجع سابق.
5 -مجلة الشؤون المغربية، العدد 16،أكتوبر 1997، ص.43.
6 - مقتطف من موقع عبر شبكة الأنترنت
7 - مأخوذ من الموقع الإلكترونيwww.mac.gov.ma
8 - تصريح حكومي سنة 1998
تاريخ التوصل:7 غشت 2012
تاريخ النشر: 8 غشت 2012
وتستند إسبانيا في رفضها لكل حوار حول هذه الثغور المحتلة إلى جملة من المعطيات ترتبط الأولى منها بموازين القوى، ثانيهما استمرار نزاع قضية الصحراء التي مازالت إسبانيا تلعب فيها دورا غير مباشر كمساندتها للإنفصاليين والتنسيق مع الجزائر.
وبالنظر إلى ضخامة هذا الملف في العلاقات المغربية الإسبانية سنعالجه على مستويين: الأول يتعلق بالسياسة الإسبانية بسبتة ومليلية والجزر، والثاني بالسياسة المغربية بخصوص سبتة ومليلية.
أولا: السياسة الإسبانية بسبتة ومليلية والجزر
إن الحديث عن السياسة الإسبانية باعتبارها إستعمارا للمنطقة واستغلالها يدفعنا إلى تحديد أهدافها وآلياتها تطبيق هذه السياسة الإستعمارية في سبتة ومليلية ثم نقوم برصد موقف المجتمع المدني بخصوص قضية سبتة ومليلية.
أ:أهداف السياسة الإسبانية بخصوص سبتة ومليلية
تتوخى السياسة الإسبانية الإستعمارية بالمدينتين جعلها جزءا من السيادة الإسبانية، فأهداف السياسة الإسبانية لم تتغير مضامينها رغم ما عرفته هذه السياسة من تغيير في الآليات والقوانين فهي لا تخرج عن هدفين أساسين:
- الهدف الأول:
يتمثل في تصفية كل ما له طابع مغربي في المدينتين(الثقافة، اللغة، اللباس...) عن طريق العديد من الإجراءات والقوانين(كقانون الأجانب الصادر في يوليوز1985) المطبقة على المغاربة باعتبارهم أجانب، أو إدماجهم في المجتمع الإسباني عن طريق التجنيس وجعلهم مواطنين إسبان.
- الهدف الثاني:
بعد التصفية والإدماج، تأتي مرحلة جعل المدينتين انطلاقا من الدستور والقانون متمتعين بحكم ذاتي على مستوى التسيير والإدارة واعتبارها جزءا من تراب المملكة الإسبانية1
ولفهم هذه الأهداف الاستعمارية أكثر يتعين التطرق للآليات المعتمدة لتطبيق هذه السياسة.
ب: آليات تطبيق السياسة الإسبانية
تلجأ إسبانيا في تطبيق سيساتها الإستعمارية إلى مجموعة من الآليات، تتمثل فيما يلي:
ب-1:التواجد العسكري الإسباني
إن إسبانيا تشدد الرقابة بكل أنواعها على مواطني المدينتين وزوارها المغاربة،تخوفا من أي مواجهة قد تقع من المغرب، يظهر ذلك جليا من خلال التدخل العسكري الإسباني، بعد الإحتجاجات التي وقعت بعد صدور قانون الأجانب سنة 1985.
ب-2:الإجراءات القانونية والتنظيمية
أصدرت الحكومة الإسبانية قانةن الأجانب، كإجراء قانوني تنظيمي تلاه، يعد ذلك مشروع قانون الحكم الذاتي للمدينتين(سبتة ومليلية)
ب-2-1: قانون الأجانب:
صادق البرلمان على هذا القانون في فاتح يوليوز 1985 وقد تم تطبيقه على المغاربة باعتبارهم أجانب، ويهدف قانون الأجانب إلى عرقلة امتلاك المغاربة للممتلكات العقارية في المدينتين بتنسيق مع الجيش الإسباني والقوى السياسية الإسبانية والأجهزة الأمنية، وكذلك الطرد الممنهج للمغاربة من سبتة ومليلية.
ب-2-2:قانون الحكم الذاتي:
صادقت الحكومة الإسبانية في 5 شتنبر 1995 كمشروع دخل حيز التنفيذ بعد مصادقة مجلس الشيوخ والملك الإسباني "خوان كارلوس"يوم 15 مارس 1995 باتفاق مع الحزب الشعبي وقد تم منح المدينتين –سبتة ومليلية- الحكم الذاتي غير الكامل، ويظهر من خلال هذا القانون الإستعماري أن إسبانيا تمسك بقوة وصرامة بالمدينتين والجزر المحيطة بهما.
ويتضح ذلك من خلال إدعاء وزير الخارجية الغسباني السابق"جوزيب بيكي"في 18 نونبر 2001 أن سبتة ومليلية إسبانيتان وستظل2 .
ج: موقف المجتمع المدني الإسباني من قضية سبتة ومليلية
إن موقف الأحزاب السياسية الإسبانية، تجاه المدينتين، تتسم بازدواجية التحليل أو ربما يمكن تسميته بالإنتهازية السياسية في عهد الجنرال "فرانكو" كان يوجد اتجاهات متعارضة حول المدينتين:
- الإتجاه الأول: تجسده الأحزاب اليمينية الفاشية المتحالفة مع "فرانكو" والتي تقول بأن المدينتين تعودان لإسبانيا، وبنت ذلك على العنصرية والعرقية.
- الإتجاه الثاني: تمثله الأحزاب التقدمية وخاصة الحزب الشيوعي والإشتراكي الإسبانيين، هذه الأحزاب تعتبر المدينتين مغربيتين وتشكلان جزءا لا يتجزأمن التراب المغربي، غير أن هذه المواقف تبدلت بعد غياب "فرانكو" حتى أن الحزب الشيوعي في المدينتين كان ينظم المظاهرات لرفض أية دعوى تطالب بإعادة المدينتين للمغرب، ونؤكد على أن المغرب طرح مشكل المدينتين عام 1960 في الأمم المتحدة وعلى لجنة تصفية الإستعمار سنة 1975 وفي مؤتمري عدم الإنحياز في بغراد 1961، وعلى منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الوحدة الإفريقية3 .
وبالمقابل فإن الصحف الإسبانية وأجهزة الإعلام الأخرى تشن حملات معادية للمغرب يعد كل محاولة مغربية لإثارة المسألة.
وهكذا فإن الإعلام الإسباني يلعب دورا أساسيا خطيرا في تشويه الحقائق المرتبطة بسبتة ومليلية وتحريك الرأي العام الإسباني والحكومة الإسبانية بخصوص السياسة الواجب إتباعها لتأييد الطابع الإستعماري للمدينتين، ومن الجرائد التي تؤثر في الرأي العام الإسباني داخل المدينتين نجد جريدة"ملية أوي"
إن ما يمكن إستخلاصه من طبيعة السلوك السياسي الإسباني بخصوص قضية سبتة ومليلية هو الإصرار المطلق على الإحتلال الإسباني للمدينتين واعتبارهما جزءا من السيادة الوطنية الإسبانية، ورغم مخالفة هذه الإدعاءات للتاريخ والجغرافيا والقانون الدولي، وإن تخوف إسبانيا من فتح حوار حول وضعية المدينتين لدليل على ضعف إدعاءاتها الرسمية وغير الرسمية بأحقيتها في المدينتين، ورغم انتهاء حكم "فرانكو"وعودة الديمقراطية إلى إسبانيا إلا أن موقفها من قضية سبتة ومليلية لم تتغير، بل دعمته بإجراءات قانونية لتأييد إستعمارها للمدينتين، ولذلك فإن العلاقات المغربية الإسبانية رغم تطورها في المجال الإقتصادي، حيث أصبحت إسبانيا الشريك الإقتصادي الثاني للمغرب بعد فرنسا فإن المجال السياسي مزال في وضع معاكس تماما4 .
فما رؤية المغرب لحل قضية سبتة ومليلية؟
ثانيا: السياسة المغربية بخصوص سبتة ومليلية
إن السياسة المغربية بخصوص استرجاع سبتة ومليلية تنبني على أهداف واضحة المعالم، وتبرز المؤسسة الملكية كإطار لبلورة وإنتاج السلوك السياسي بخصوص هذه القضية، ويظهر ذلك من خلال التصريحات السياسية الملكية التي تتضمن طلب المغرب فتح مفاوضات مع إسبانيا لحل ملف سبتة ومليلية في أفق إعادتها للمغرب ولذلك سنركز في هذا الجزء على أهداف السياسة المغربية بخصوص سبتة ومليلية(أ)، على أن نتطرق لدور الحكومة والأحزاب السياسية المغربية(ب).
أ: أهداف السياسة المغربية بخصوص سبتة ومليلية
إن تحرير سبتة ومليلية مسألة تهم المغرب ككل لأنها تتعلق باستكمال الوحدة الترابية للبلاد، فهذه المسألة مبدئيا ترقى إلى مسألة العقائد لأنها تتعلق بكياننا المادي والروحي أي بالهوية الوطنية التي يصنعها التراث الروحي والمادي وهذا كل لا يتجزأ5 .
لقد سلك المغرب منذ استقلاله عام 1956، طريق الحوار والإقناع بالحجة مع السلطات الإسبانية، خلال استعادته للمناطق المغربية التي ظلت خاضعة للإدارة الإسبانية، وهي طرفاية 1958 وإفني عام 1969 والصحراء عام 1975 وسيظل متمسكا بنفس المنطق والأسلوب ليستكمل وحته الترابية.
حاول المغرب بأشكال مختلفة إتباث رغبته في تدعيم أواصر الصداقة مع إسبانيا لجعل الباب مفتوحا لإعادة المدينتين سلميا، فقد إرتفع حجم التعامل التجاري مع إسبانيا الضعف عام 1974، كما أصبح الميزان التجاري لصالح إسبانيا عام 1981 .
6
وقد أعطى المغرب تسهيلات مركب صيد سمك للإصطياد في المياه المغربية، ويقف المغرب مع إسبانيا من أجل إستعادة جبل طارق من برطانيا اعتقادا منه أن إعادة جبل طارق لإسبانيا، ستجعل من إعادة المدينتين للمغرب أكثر إمكانا.
ويمكن بالتحديد أن نقول أن أهداف السياسة المغربية بخصوص سبتة ومليلية، تتجسد في مسألتين أساسيتين:
- فتح المفاوضات المغربية الإسبانية.
- إعادة سبتة ومليلية
وقد اعتبر المغرب هذان الأمران هدفان أساسيان، وقد ركز الملك الراحل "الحسن الثاني" على مبدأ الوحدة الترابية، واعتبره أولى الأولويات، أما الملك "محمد السادس"فقد أكد مطالبة بلاده على السيادة على سبتة ومليلية داعيا إلى حوار نزيه وصريح مع إسبانيا.
وما يلاحظ بخصوص هذا الشأن هو أن السياسة المغربية تفتقد لآلية الضغط، وكذلك ضعف الجالية المغربية خصوصا المثقفين والسياسين في إبراز أهداف السياسة المغربية وكذلك إنشغال المغرب بملف الصحراء، كل هذه المسائل إستلزمت، تجميد تجميد الملف، بهدف الاستقرار والتنمية الإقتصادية، في أفق الإنفتاح على المناخ الخارجي في ظل اتفاقيات الشراكة بين المغرب والإتحاد الأوربي وتدعيم الشراكة الأورومتوسطية.
ب: الحكومة والأحزاب السياسية المغربية
لقد أكد ملك المغرب " محمد السادس"مطالبة بلاه على مدينة سبتة ومليلية داعيا لحوار نزيه وصريح مع إسبانيا،لحل هذه الأزمة ومنددا بزيارة نظيره الإسباني"خوان كرلوس" لهما وقال محمد السادس في بيان قرأه "محمد معتصم"أن هذه الزيارة غير المجدية تسيء للمشاعر الوطنية المتجدرة، لدى جميع مكونلت وشرائح الشعب المغربي.
وحمل البيان إسبانيا المسؤولية عن المجازفة لتدهور العلاقات وقال إنه إزاء هذا العمل الذي يحن لعهد مظلم مضى وانقضى فإننا نحمل السلطات الإسبانية مسؤوليتها عن المجازفة المستقبلية وتطور العلاقات بين البلدين وعن الإخلال الجسيم للحكومة الإسبانية بمنطق وروح معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون المبرمة سنة 1991، وشدد على ضرورة إسترجاع الجيبين إلى الوطن الأم، وداعيا إسبانيا إلى الالتزام بحوار نزيه وصريح ومنفتح على المستقبل، يؤمن حقوق المغرب السيادية ويراعي المصالح الإسبانية، وقال إن الاحتلال لا يكتسب شرعيته بالتقادم أو عن طريق الأعمال أحادية الجانب وسياسة أمر الواقع7 .
ولقد جاء في التصريح الحكومي من لدن الوزير الأول" عبد الرحمان اليوسفي" أمام مجلس النواب قائلا على أن أولوية الأولويات وحدتنا الترابية وقد أكد على ضرورة مطالبة إسبانيا بمراجعة موقفها المتعلق بحق المغرب في الأراضي المحتلة –سبتة ومليلية- وقد أكد على العمل لكي ترجح إسبانيا في تعاملها معنا، وذلك بالإستجابة لنداء صاحب الجلالة وفتح الحوار والتشاور في إطار إقتراح بتشكيل خلية للتأمل8 .
وقد جاءت في المؤتمر الوطني التاسع لحزب الإستقلال على ضرورة تحرير جميع الأراضي المغربية، بما فيها سبتة ومليلية، كما أكد حزب العدالة والتنمية في المؤتمر الاستثنائي لسنة 1996 على مبدأ الوحدة الترابية الوطنية وأهمية إجماع الدعم الوطني حول قضية استكمال وحدتنا الترابية وعلى رأسها منطقة الصحراء المغربية التي هي في اعتباره محررة تحريرا نهائيا غير قابل للمراجعة والمساومة، والمدن السليبة في الشمال المغربي، أي سبتو ومليلية والجزر التي لاتزال تحت السيطرة الإسبانية.
تجدر الإشارة كملاحظة على أن الموقف المغربي ظل محتشما جدا يكاد يكون موقف دفاع حسب الظروف، كأنه لا يتوفر على أي هامش للتحرك، بفعل النفوذ الإقتصادي الإسبانيبالمغرب بدءا من حجم المبادلات التجارية وكذلك الاستثمارات الإسبانية ببلادنا وحجم الدين الخارجي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1- بوسنينة رضوان، سبتة ومليلية والجزر الجعفرية، بحث لنيل الإجازة في الحقوق، مكناس، الموسم الجامعي1999-2000
2 - الاحداث المغربية، العدد 1393، 14 نونبر 2002، ص.3.
3 -www.oujdacity.net
4 - رضوان بوسنينة، مرجع سابق.
5 -مجلة الشؤون المغربية، العدد 16،أكتوبر 1997، ص.43.
6 - مقتطف من موقع عبر شبكة الأنترنت
7 - مأخوذ من الموقع الإلكترونيwww.mac.gov.ma
8 - تصريح حكومي سنة 1998
تاريخ التوصل:7 غشت 2012
تاريخ النشر: 8 غشت 2012