مقـدمة :
يعتبر حق الملكية من الحقوق المقدسة، والمضمونة دستوريا حسب الفصل 35 من الدستور المغربي لسنة 2011،حيث يعد هذا الحق حقا لا يمكن المساس به أو الحد من مداه إلا متى دعا إلى ذلك تحقيق المنفعة العامة، ويتم ذلك عادة عن طريق ما يسمى بحق الارتفاق. وهكذا و بالرجوع إلى مقتضيات المادة 37 من مدونة الحقوق العينية، نجد المشرع يعرف حق الإرتفاق بكونه: "حق عيني قوامه تحمل مقرر على عقار من أجل استعمال أو منفعة عقار يملكه شخص آخر"، وينشأ إما عن الوضعية الطبيعية للأماكن أو بحكم القانون أو بمقتضى اتفاقات تقع بين المالكين( المادة 38 من المدونة).
ومن أبرز القوانين المنظمة للقيود الواردة على حق الملكية القانون 81ـ7 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت. والقانون 90ـ12 المتعلق بالتعمير و 90ـ25 المتعلق بالتجزئات العقارية و المجموعات السكنية وتقسيم العقارات، ومجموعة من النصوص الخاصة المتعلقة بالمباني التاريخية والمنشآت العسكرية والحربية ،والمنشآت المائية.
وهكذا، فقد أثير الإشكال حول مدى استحقاق التعويض عن الارتفاقات العامة والخاصة التي تقع على عقارات الأفراد ، وما هي المسطرة المتبعة للحصول على هذه التعويضات؟
وجدير بالذكر أنه إذا كانت الارتفاقات المنظمة بنصوص خاصة حماية للملك العام يستحق عنها التعويض عن الأضرار الناتجة عنها، فإن المادة 84 من قانون التعمير رقم12.90 أشارت صراحة إلى عدم استحقاق أي تعويض بالنسبة للارتفاقات استجابة لمقتضيات الأمن والصحة والمتطلبات الجمالية. مما يفتح نقاشا حقوقيا حول هذه المسألة.
أما فيما يتعلق بالارتفاقات المقررة لأجل المنفعة الخاصة،فإن مدونة الحقوق العينية لم تبين بشكل دقيق الإجراءات والمساطر التي يجب إتباعها من طرف الأطراف المتضررة من جراء الارتفاقات المنصوص عليها في هذه المدونة كحق المطل وحق المسيل وحق المجرى... فالمدونة تحدثت عن تعويض عادل يتم انطلاقا من اتفاق الطرفين أو بالاستعانة بخبير، أما في حالة عدم التوافق بين الأطراف فإن القضاء يكون هو الفيصل للبث في النزاع.
من هنا، فان للموضوع أهمية بالغة بحكم أن مسطرة التعويض تلعب دورا مهما في جبر الضرر الناتج عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، أو تعويض بالتراضي أو بحكم قضائي ينصف الطرفين. لهذا فغاية الخوض في موضوع مسطرة تعويض العقارات، موضوع حقوق الارتفاق، هي توضيح الصعوبات التي يعانيها ملاك هاته العقارات والمتمثلة في تعقد المساطر وطول الإجراءات الواجب إتباعها للحصول على تعويض عادل ،كفيل بجبر الأضرار التي تلحقهم من جراء الارتفاقات المقررة على عقاراتهم. غير أنه اعترضتنا مجموعة من الصعوبات من أبرز ها، على الإطلاق، تشتت النصوص القانونية التي تنظم مسطرة التعويض من جهة ، وتنوع الاختصاص القضائي في منازعات الارتفاقات من جهة ثانية، فتارة يؤول الاختصاص للقاضي المدني، الذي يطبق مجموعة من النصوص التي تندرج في إطار المادة المدنية، و أخرى للقاضي الإداري الذي يصدر أحكاما مستندا في ذلك على النصوص القانونية إن وجدت، ويجتهد في غيابها.
فإذا كانت الارتفاقات تعتبر قيدا قانونيا على الملكية لتحقيق المنفعة العامة أو الخاصة من شأنها أن تحد من تصرفات المالك في عقاره خلافا للقاعدة المنصوص عليها بالفصل 35 من الدستور، فان الإشكالية المطروحة هي: هل يرتب هذا القيد القانوني الحق في التعويض خصوصا إذا ترتبت عنها أضرار، وما هي المساطر الواجب إتباعها للحصول على هذا التعويض ؟
وذلك من خلال الإجابة على السؤالين التاليين:
وللتحقق من هذا الافتراض سنستعين بالمنهج التحليلي لكونه سيساعدنا على تحليل النصوص القانونية والأحكام والقرارات القضائية لمعرفة الكيفية التي تعامل المشرع المغربي و القضاء مع مسطرة التعويض عن الارتفاقات الخاصة منها والعامة، معتمدين على التصميم التالي:
المبحث الأول : مسطرة تعويض العقارات موضوع حق الارتفاق المقررة للمنفعة العامة و وثائق التعمير وبعض النصوص الخاصة
المطلب الأول: المسطرة المقررة في قانون نزع الملكية من أجل المنفعة العامة
الفقرة الأولى : أحكام التعويض عن حق الارتفاق في مجال نزع الملكية.
الفقرة الثانية : الاختصاص القضائي في تحديد التعويض
المطلب الثاني: مسطرة التعويض المقررة في وثائق التعمير وبعض النصوص الخاصة
الفقرة الأولى: مسطرة التعويض المقررة في وثائق التعمير
الفقرة الثانية : مسطرة التعويض المقررة في بعض النصوص الخاصة.
المبحث الثاني: مسطرة تعويض العقارات موضوع حقوق الارتفاقات المقررة لأجل المنفعة الخاصة.
المطلب الأول: التعويض بالتراضي عن حقوق الارتفاقات المقررة لأجل المنفعة الخاصة
الفقرة الأولى: التعويض عن الارتفاقات الطبيعية والقانونية
الفقرة الأولى: التعويض عن الارتفاقات الطبيعية والقانونية
المطلب الثاني: التعويض القضائي عن الارتفاقات المقررة من أجل المنفعة العامة
الفقرة الأولى: التعويض عن الارتفاقات في إطار دعوى المسؤولية التقصيرية
الفقرة الثانية: التعويض عن حقوق الارتفاقات في إطار دعوى المسؤولية العقدية.
المبحث الأول : مسطرة تعويض العقارات موضوع حق الارتفاق المقررة للمنفعة العامة و وثائق التعمير وبعض النصوص الخاصة.
لقد أخذ المشرع المغربي بالمفهوم الضيق للضرر الواجب التعويض عنه، حيث اعتبر قانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، أن الضرر الواجب التعويض عنه أثناء نزع الملكية من أجل المنفعة العامة هو الضرر الحالي والمحقق الناشئ مباشرة عن نزع الملكية، دون أن يمتد هذا التعويض إلى كل من الضرر غير المحقق والضرر المحتمل والضرر غير المباشر، و في هذا المطلب سنتطرق إلى المسطرة المقررة في قانون نزع الملكية من اجل المنفعة العامة و مسطرة التعويض المقررة في وثائق التعمير و بعض النصوص الخاصة,مما يستوجب منا الإجابة عن التساؤلات التالية,ما هي أحكام التعويض وما هو وقته؟ وما هي إجراءات التعويض في ارتفاقات التعمير؟
المطلب الأول: المسطرة المقررة في قانون نزع الملكية من أجل المنفعة العامة
في القديم، وفي ظل جل الشرائع تقريبا، ظلت الملكية حقا مطلقا، يتصرف فيه صاحبه كما يحلو له، بل ومقدسا يمتنع عن الكافة المساس به[1].
وفي الوقت الراهن، وفي ظل كل الشرائع الحديثة تقريبا، أضحت الملكية الخاصة حقا ذو وظيفة اجتماعية واقتصادية، بل إن هذه الوظيفة الحديثة لحق الملكية قد وجدت لها نوعا من الصدى.[2]
وللقيام بتسهيل عملية نزع الملكية على الجهة التي تتولى مباشرتها، وكذا تحقيق ضمانات أكثر بالنسبة للخواص المنزوع ملكيتهم ، فالمشرع المغربي لم يكتف فقط بالتنصيص على استصدار مقرر إعلان المنفعة العامة، على اعتبار أن هذا الأخير لا يحدد سوى المنطقة المنزوعة ملكيتها، بل تم التأكيد على ضرورة تحديد الأملاك الواقعة داخل تلك المنطقة بدقة تكريسا لمبدأ الشفافية الإدارية، ومباشرة نزع الملكية في أحسن الظروف، وتحقيق النجاعة المطلوبة من هذه العملية، وهذا التحديد يتم بموجب قرار إداري يصدر لاحقا ويسمى قرار التخلي(الفصل 7 من القانون 7.84).[3]
وفي هذا المطلب سنتطرق إلى أحكام التعويض عن حق الارتفاق في نزع الملكية (الفقرة الأولى)، والاختصاص القضائي في تحديد التعويض (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : أحكام التعويض عن حق الارتفاق في مجال نزع الملكية
إن القواعد العامة التي تحكم التعويض في مجال نزع الملكية ينظمها الفصل 20 من القانون رقم 81-7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة بالاحتلال المؤقت، وقد نص هذا الفصل على ما يلي :
يحدد التعويض عن نزع الملكية طبق القواعد التالية :
أولا : الجهة المختصة في تحديد التعويض :
لم يحدد القانون رقم 81- 7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة تركيبة اللجنة الإدارية المختصة بتحديد التعويض عن نزع الملكية، لأن السلطة التنظيمية تناولت ذلك وأوضحت المادة 19 من المرسوم التطبيقي رقم 328 . 82 . 2 المؤرخ في 19 أبريل 1983 تشكيلة هذه اللجنة والتي تتكون من
o إذا تعلق الأمر بأراضي حضرية مبنية أو غير مبنية:
ثانيا : اللجنة الإدارية وآلية اشتغالها
تعقد اللجنة الإدارية اجتماعاتها كلما دعت الضرورة ذلك، في المكان المخصص لها ، ويجوز أن تعقدها حتى خارج أوقات العمل وتكون اجتماعاتها ومداولاتها سرية.
وتتخذ اللجنة الإدارية قراراتها بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين. وإذا لم تتوفر الأغلبية يتبث كل عضو تقديره للسعر والأساس الذي بني عليه هذا التقدير في النموذج المعد لذلك، وتفرغ التقديرات، ويؤخذ بمتوسط الأسعار المقدرة.
ويمنع من المشاركة في اللجنة وفي مداولات تحديد التعويض:
الفقرة الثانية : الاختصاص القضائي في تحديد التعويض
تعد المنفعة العامة مناط نزع الملكية فهي الأساس الذي بني عليه هذا النظام ككل وأمام عدم وجود مفهوم دقيق لفكرة المنفعة العامة كان لزاما على القضاء أن يوفر رقابة فعالة للمنفعة العامة. وأمام عجز الرقابة العادية لكبح أوجه الانحراف الذي شاب عمل الإدارة في تقديرها للمنفعة العامة كان من الواجب على القضاء أن يستوعب هذه الأمور ويطور رقابته في هذا الصدد بهدف خلق توازن يوفر حماية حقيقية للملكية الخاصة[5].
إذن، ما هي قواعد وكيفية تحديد التعويض ؟ وما هو وقت تحديد التعويض ؟
أولا: قواعد وكيفية تحديد التعويض
حدد الفصل 20 من قانون نزع الملكية[6] الكيفية التي على أساسها يحسب التعويض وهي كما يلي:
يجب ألا يشمل التعويض إلا الضرر الحالي دون المستقبلي: ويراعى في تقدير هذا التعويض قيمة العقار يوم نشر مقرر التخلي أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة المعين للأملاك التي ستنزع ملكيتها.
التعويض لا يشمل إلا الضرر المباشر: إن الضرر الواجب تعويضه هو الضرر الناجم مباشرة عن نزع الملكية، وهذا يعني أن التعويض لا يشمل الخسارة التي لحقت المنزوع ملكيته بطريقة غير مباشرة.
أن يكون الضرر ماديا: لا يهتم قانون نزع الملكية إلا بتعويض الأضرار المادية أما الأضرار المعنوية في مسطرة نزع الملكية فلا أهمية لها بالنسبة للمشرع المغربي.
أن يكون التعويض شاملا للضرر وعادلا: والتعويض الشامل والعادل يجب أن يجبر الضرر الناجم عن فقدان الملكية. أما بالنسبة لصاحبه حق المنفعة كالمكتري مثلا فإن التعويض يخص فقط إفراغه من المحل وما يترتب عن ذلك من أثر.
القاعدة أن يكون التعويض نقدا: وينص الفصل 30 على أنه " إذا لم يعرف ذوو الحقوق بأنفسهم، وجب إيداع التعويضات المستحقة لدى صندوق الإيداع والتدبير".
ثانيا : التحديد الزمني للتعويض وتغير قيمته :
يحدد قدر التعويض، عملا بالفقرة الثانية من الفصل 20 من قانون نزع الملكية، حسب قيمة العقار يوم صدور قرار نزع الملكية، دون أن تراعى في تحديد هذه القيمة البناءات والأغراس والتحسينات المنجزة دون موافقة نازع الملكية منذ نشر أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة المعين للأملاك المقرر نزع ملكيتها.
المطلب الثاني: مسطرة التعويض المقررة في وثائق التعمير وبعض النصوص الخاصة
إذا كانت وثائق التعمير وخاصة المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية يحدد المناطق المتعلقة بالارتفاقات حسب مدلول الفصل 4 من ظهير 17 يونيو 1992[7] كارتفاقات عدم البناء والتعلية والارتفاقات الخاصة بحماية الموارد المائية والتاريخية، فإن تصميمي التهيئة والتنمية هما اللذان يحددان ارتفاقات التعمير، ويدخلان التوجهات الأساسية للمخطط التوجيهي حيز التطبيق، لذلك يعتبران هما المصدر الأساسي لارتفاقات التعمير[8].
إذن ما هي مسطرة التعويض المقررة في وثائق التعمير والمقررة في بعض النصوص الخاصة؟
الفقرة الأولى: مسطرة التعويض المقررة في وثائق التعمير
لا يتم نزع الملكية للمنفعة العامة إلا مقابل تعويض، وقد فرض المشرع على الإدارة أن تقوم في المرحلة الأولى بتقييم العقار أو العقارات التي ستنزع ملكيتها[9] قبل التعويض.
إذا كانت ارتفاقات التعمير قيدت بشكل قانوني على الملكية لتحقيق المنفعة العامة من شأنها أن تحد من تصرف المالك في ملكه خلافا للمقتضيات الدستورية المنصوص عليها بالفصل 35 من دستور 2011 [10] ، فهل يرتب هذا القيد القانوني الحق في التعويض خصوصا إذا ترتب عنه أضرار محققة؟ وما هي إجراءات التعويض المقررة في تصميمي التهيئة والتنمية ؟ وما هي إجراءات التعويض المقررة في قرارات التخطيط حدود الطرق العامة وقرارات تخطيط حدود الطرق العامة المعينة فيها الأراضي المراد نزع ملكيتها لما تستوجب العملية؟.
أولا : إجراءات التعويض المقررة في تصميم التهيئة والتنمية
ابتدءا من تاريخ اختتام البحث العلني، الى حين صدور النص القاضي بالمصادقة على مشروع تصميم التهيئة، لا يجوز الإذن في أي عمل من أعمال البناء والغرس وإحداث تجزئات أو مجموعات سكنية إذا كان ذلك يخالف أحكام هذا المشروع وينتهي العمل ابتدءا من نفس التاريخ بأحكام تصميم التهيئة أو التنطيق الذي يكون آنذاك ساري المفعول [11].
قد يترتب على تصميم التهيئة فرض ارتفاقات على عقار خلال مدة 10 سنوات من تاريخ المصادقة على تصميم التهيئة بمرسوم من طرف الوزير الأول [12]، تجعل المالك ممنوعا من بنائه، كما قد يترتب على تصميم التهيئة اعتبار عقار ممنوع البناء بصفة نهائية وتخصيصه كمنطقة خضراء وهو ما كان مسموحا به، وقد يترتب عن تصميم التهيئة التقليص من عدد الطوابق المسموح بها وقد يكون العقار مسموحا ببنائه في وقت معين قبل المصادقة على تصميم التهيئة، ويكون المعني بالأمر قد تقدم بطلب الترخيص ببنائه أو إقامة تجزئة به بعد أن أعد لذلك الوثائق اللازمة إلى أن يفاجأ بالمنع ببنائه اعتبارا لتخصيصه ممرا للراجلين حسب تصميم التهيئة الجديد ، فهل مثل هذه الحالة ترتب الحق في التعويض؟
إن الإحاطة بهذا الموضوع يقتضي البحث في مدى مسؤولية الدولة عن القوانين المرتبة للضرر من خلال القضاء المقارن. وبالرجوع إلى المادة 84 من قانون التعمير 90 – 12 نجدها تنص على أنه:
لا يستحق أي تعويض على الارتفاقات المحدثة عملا بأحكام هذا القانون والنصوص التنظيمية الصادرة لتطبيقه استجابة لمقتضيات الأمن والصحة والمتطلبات الجمالية، بيد أنه يستحق تعويضا، إذا نتج عن الارتفاقات المشار إليها أعلاه، إما مساسا بالحقوق المكتسبة وإما تغييرا أدخل على الحالة التي كانت عليها الأماكن من قبل ونشأ عنه ضرر مباشر مادي محقق، ويحدد التعويض بحكم قضائي في حالة عدم اتفاق من يعنيه الأمر على ذالك. إلا أنه طبقا لقانون التعمير فإن الآثار المترتبة عن المنفعة العامة تنتهي عند انقضاء 10 سنوات تبتدئ من تاريخ نشر النص القاضي بالموافقة على تصميم التهيئة في الجريدة الرسمية، ولا يجوز القيام بإعلان المنفعة العامة للغرض نفسه في ما يتعلق بالمناطق المخصصة للتجهيزات قبل انصرام اجل 10 سنوات ، في حين أن تصميم التنمية [13]، تسري المنفعة العامة الخاصة به 10 سنوات قابلة للتجديد شريطة بحث علني لمدة شهر واحد.
ثانيا : إجراءات التعويض المقررة في قرارات تخطيط حدود الطرق العامة وقرارات تخطيط حدود الطرق العامة المعينة فيها الأراضي المراد نزع ملكيتها لما تستوجب العملية .
تعتبر قرارات تخطيط حدود الطرق العامة[14]، بمثابة إعلان بأن المنفعة العامة تقضي بإنجاز العمليات المنصوص عليها فيها، ويستمر مفعولها طوال 10 سنوات، وتقتصر هذه المدة على سنتين فقط فيما يتعلق بقرارات تخطيط حدود الطرق العامة المعينة فيها الأراضي المراد نزع ملكيتها لما تستوجب العملية.[15]
يخضع إحداث الطرق الجماعية للمساهمة المجانية المنصوص عليها في الفصل 37 من قانون 90– 12 إلا أن تطبيق هذه المادة يثير مجموعة من الإشكاليات بخصوص التعويض المستحق، سواء في إطار نزع الملكية أو في إطار الاعتداء المادي[16]. فقد تستغرق الطريق العامة الجماعية جميع مساحات العقار وقد تشمل مساحة الطريق المذكورة الجزء الأكبر من مساحته بشكل يفوق الربع. وقد تكون تلك المساحة أقل من الربع وقد تقل في عرض الطريق على 10 أمتار لا تتجاوز أو تقل عن الربع المنصوص عليه بالفصل 37 من قانون 90 – 12 وقد يتعلق الأمر بطريق جماعية واحدة أو متعددة وقد يتعلق الأمر بتوسعة الطريق دون إحداثها كما قد ينجم عن إحداث الطريق الجماعية بقاء جزء من أرض المالك المجاور للطريق غير صالحة للاستعمال أو يترتب عن إحداث تلك الطريق تقليص قيمة الأرض المتبقاة وسنحاول رصد جميع هاته الفرضيات :
في حالة استغراق الطريق العامة الجماعية جميع مساحة العقار : في هاته الحالة يحرم المالك نتيجة ذلك من عقاره بصفة مطلقة، ويفقد مزية المجاورة بهذه الطريق مما يتعذر معه تطبيق مقتضيات الفصل 37 من القانون 90 – 12 على اعتبار أن هذا المقتضى القانوني يخاطب الملاكين الذين تصير أو تبقى أرضهم مجاورة للطريق العامة الجماعية لذلك يكون محقا في التعويض عن فقدان ملكه. ويحدد هذا التعويض إما بالإستناذ إلى ضوابط مقتضيات القانون 81-7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت الصادر بتاريخ 22 دجنبر 1980 ، في حالة سلوكها وإما في حالة نظرية الاعتداء المادي بناءا على الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود[17] في حالة الإخلال بمسطرة نزع الملكية[18]
حالة تجاوز مساحة المقتطعة لربع القطعة الأرضية : بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 37 من القانون 90 – 12 نجد أن المساهمة المجانية تؤخذ في جزء من الأرض يعادل مستطيلا يكون عرضه عشر أمتار وطوله مساويا لطول واجهة الأرض الواقعة على الطريق المراد إحداثها على ألا تتعدى هذه المساهمة قيمة ربع القطعة الأرضية فإن هي تجاوزت هذا الربع ولم تتجاوز عشرة أمتار المحددة لعرض الطريق كان المالك محقا في طلب التعويض عن المساحة الزائدة عن الربع الذي لا يكون مشمولا بالمساهمة المجانية.
حالة ما إذا كانت المساحة المقتطعة تقل عن الربع ولا تتجاوز عشرة أمتار استنادا إلى التفسير القضائي لمدلول الفصل 37 أعلاه من خلال الأحكام السالفة الذكر لا يكون مالك البقعة الأرضية التي تصير أو تبقى مجاورة للطريق العامة الجماعية مدينا للجماعة بأي تعويض في حالة ما إذا كان عرض قطعة أرضه المساهم بها مجانيا قد تم حصره في عشرة أمتار وكان طولها مساويا لطول واجهة تلك الأرض وإن قل عن الربع المنصوص عليه بالفصل 37 أعلاه.
حالة ما إذا كانت المساحة المقتطعة تقل عن الربع وفي نفس الوقت تقل عن عرض عشرة أمتار يكون المالك للقطعة الأرضية التي تصير أو تبقى مجاورة للطريق العامة الجماعية مدينا للجماعة بالفرق المحدد في أقل من 10 أمتار ويتم تحصيل الضرائب المباشرة.
حالة ما إذا كانت المساحة المقتطعة تقل عن الربع وفي نفس الوقت تفوق 10 أمتار عرضا استحقاق التعويض عن المساحة الزائدة على عشرة أمتار بالنسبة للعرض حتى وإن كان الجزء المقتطع أقل من ربع المساحة الإجمالية للقطعة.
حالة بقاء المساحة المتبقية من العقار بعد المساهمة المجانية غير صالحة لأي نوع من أنواع البناء
طبقا للفقرة الثالثة من المادة 37 من قانون التعمير 90 – 12 التي تقول " إذا بقي من بقعة أرضية بعد أن يكون قد أخد منها ما يلزم لإنجاز طريق عامة جماعية جزء غير قابل للبناء بموجب الضوابط الجاري بها العمل يجب على الجماعة أن تتملكه إذا طلب منها المالك ذلك".
الفقرة الثانية : مسطرة التعويض المقررة في بعض النصوص الخاصة.
إن حقوق الارتفاق القانونية نوعان : منها ما هو مقرر للمنفعة العامة، ومنها ما هو مقرر للمنفعة الخاصة.
وفي هذه الفقرة سنتطرق إلى إجراءات التعويض عن حقوق الارتفاق المقررة لمصلحة مياه الأملاك العامة والخطوط البرقية والهاتف وفي الفقرة الثانية سنتناول موضوع إجراءات التعويض عن حقوق الارتفاقات المقررة لمصلحة المواقع الحربية والمنشآت العسكرية والملاحة الجوية كنماذج من مساطر التعويض في بعض القوانين الخاصة.
أولا : إجراءات التعويض في حقوق الارتفاق المقررة لمصلحة مياه الأملاك العامة والخطوط البرقية والهاتف
إن حقوق الارتفاق القانونية على نوعين : منها ما هو مقرر للمنفعة العامة، ومنها ما هو مقرر للمنفعة الخاصة.
حقوق الارتفاق المقررة لمصلحة مياه الأملاك العامة : ويحق بموجبها لصاحب الرخصة أو الاجتياز على هذه المياه، أن يستغل الأملاك الخاصة اللازمة لإيصال المياه وتصريفها وأن يسد السدود المنشأة في مجاري المياه، وأن يغمر الضفاف بإعلان سطح الماء وأن يغمر الأراضي إذا أنشئت خزانات وفق القوانين المتعلقة بنظام المياه.
حقوق الارتفاق المقررة لمصلحة الخطوط البرقية والهاتف : وتخضع بمقتضاها الأملاك الخاصة إلى ارتفاقات المرور ووضع الأعمدة ودعائم لإنشاء وصيانة واستثمار مختلف وسائل الاتصال.
ثانيا : إجراءات التعويض عن حقوق الارتفاقات المقررة لمصلحة المواقع الحربية والمنشآت العسكرية والملاحة الجوية.
وبمقتضاها يمتنع على أصحاب العقارات المجاورة لهذه المواقع والمنشآت احترام مسافات أفقية محددة قانونا القيام بأي بناء وأغراس على هذا الجزء من عقار أقيم وفقا لنظام الارتفاقات العسكرية
أما بالنسبة لحقوق الارتفاق المقررة لمصلحة الملاحة الجوية والتي بموجبها يمنع على أصحاب العقارات المجاورة للمطارات أو لقواعد الطيران. وحتى مسافات تعين وفق الأنظمة الدولية إقامة أية منشآت أكثر من علو معين حسب الأحوال ووفقا للارتفاقات المقررة لمصلحة الملاحة الجوية.
المبحث الثاني: مسطرة تعويض العقارات موضوع حقوق الارتفاقات المقررة لأجل المنفعة الخاصة.
إذا كانت الارتفاقات المقررة لأجل المنفعة العامة تستفيد من إجراءات ومساطر خاصة في تحديد التعويض، وتبقى التعويضات في إطار هذه النصوص الخاصة خاضعة لرقابة القاضي الإداري، فإن الارتفاقات المقررة لأجل المنفعة الخاصة تبقى خاضع للقواعد المنصوص عليها في مدونة الحقوق العينية، ويتم تحديد التعويض عن حقوق الارتفاق إما بالتراضي بين الطرفين، أو عن طريق القضاء وذلك في إطار دعوى المسؤولية المدنية.
المطلب الأول: التعويض بالتراضي عن حقوق الارتفاقات المقررة لأجل المنفعة الخاصة
إذا تقرر حق ارتفاق لعقار على حساب عقار آخر، فإنه يمكن لمالكي العقارين سواء العقار المرتفق أو العقار المرتفق به التراضي بخصوص التعويضات المقررة لجبر الأضرار التي من المحتمل أن تلحق بالعقار المرتفق به، وتختلف قيمة التعويض حسب الحالات، فإذا كان الارتفاق مقررا بالطبيعة، فإن التعويض لا يكون نقدا وقد يتمثل في بعض الإجراءات والتدابير التي قد يقوم بها مالك العقار المرتفق للحفاظ على العقار المرتفق به، أما إذا كان الارتفاق ناشئ عن إرادة الإنسان فقد يشمل التعويض مبالغ مالية لجبر الأضرار المحتملة.
الفقرة الأولى: التعويض عن الارتفاقات الطبيعية والقانونية
عرفت المادة 39 من مدونة الحقوق العينية الارتفاقات الطبيعية بأنها "تحمل تفرضه الوضعية الطبيعية للأماكن على عقار لفائدة عقار مجاور"، ويدخل في عداد الارتفاقات الطبيعية حق المسيل والصرف، فما المقصود بحق المسيل والصرف وكيف يتم التعويض عنهما؟
تنص المادة 60 من مدونة الحقوق العينية عل ما يلي"تتلقى الأراضي المنخفضة المياه السائلة سيلا طبيعيا من الأراضي التي تعلوها دون أن تساهم يد الإنسان في إسالتها، ولا يجوز لمالك الأرض المنخفضة أن يقيم سدا لمنع هذا السيل، كما لا يجوز لمالك الأرض العالية أن يقوم بما من شأنه أن يزيد من عبء الارتفاق الواقع على الأرض المنخفضة"، انطلاقا من مقتضيات هذه المادة فإن مجرد حق المسيل والصرف لا يترتب عنه أي تعويض لصاحب العقار المرتفق به[19]، وذلك على اعتبار أنه بدوره يستفيد من هذا الحق، غير أنه يمكن له مطالبة باقي المستفيدين بالمساهمة في القيام بالتجهيزات اللازمة لحماية العقارات المجاورة لمجرى المياه من الفيضانات، كالمساهمة في حفر مجرى أو بناء ساقية أوسد وذلك دون المس بحقوق باقي المرتفقين. واستثناء من المبدأ العام الذي لا يرتب أي تعويض عن حق المسيل والصرف، فإنه يحق لصاحب الأرض المنخفضة الحق في التعويض وذلك في حالة زيادة عبء الارتفاق الطبيعي لسيل المياه كأن تغمر المياه عقاره بالكامل وذلك تطبيقا لمقتضيات المادة 61 من مدونة الحقوق العينية.
عموما فان الارتفاقات الطبيعية لا يترتب عنها أي تعويض إلا إذا ألحقت هذه الارتفاقات أضرار بالغة وجسيمة بالعقار المرتفق به، وزاد ذلك من الأعباء والمصاريف المادية لمالك العقار المرتفق به، والتي ينفقها من أجل الحفاظ على عقاره من الهلاك.
أما فيما يتعلق بالارتفاقات القانونية وخاصة تلك المقررة للمنفعة الخاصة فيستحق التعويض عنها، وتتحدد هذه الارتفاقات في حق المرور وحق المجرى، فبالنسبة لارتفاق المرور فقد نص عليه المشرع المغربي في المادتين [20]، 64 و 65 من مدونة الحقوق العينية، حيث يحق لكل مالك عقار ليس له منفذ إلى الطريق العمومي أو له منفذ غير كافي لاستغلال عقاره أن يحصل على ممر في أرض جاره، ويتوقف الحصول على ارتفاق المرور دفع تعويض لمالك العقار المرتفق به، ويتم تحديد قيمة هذا التعويض بالتراضي بين مالك العقار المرتفق بالمرور ومالك العقار المرتفق به، غير أنه إذا لم يتم الاتفاق على قيمة التعويض فيحق للطرف المتضرر اللجوء إلى القضاء للحصول على تعويض عادل كفيل بجبر الأضرار التي لحقت عقاره، وإلى جانب التعويض يشترط أن يقام الممر في مكان لا يلحق أضرار بالغة وجسيمة بالعقار المرتفق به.
أما بالنسبة لحق المجرى فقد نظمه المشرع في إطار المواد من 65 إلى 59 من مدونة الحقوق العينية، وهو من حقوق الارتفاق المقررة بمقتضى القانون بحيث لا يجوز لملاك الأراضي منع من يثبت له حق المجرى من تمرير الماء بأرضهم، ويعرف حق المجرى بأنه الحق في تمرير ماء الري من مورده بأرض الغير للوصول به إلى الأرض المراد سقيها به وذلك عبر مجرى أو مواسير، ويقوم صاحب العقار المرتفق من المجرى بإنشاء هذا المجرى بالعقارات المرتفق بها على نفقته الخاصة،ويدفع مقابل ذلك تعويض مناسب يتم تحديده طبقا للعادات والأعراف المعمول بها في هذا المجال وبتراضي الأطراف، هذا ويجب أن يقام المجرى في مكان لا ينتج عنه إلا أقل ضرر، وإذا تفاقمت الأضرار على العقار المرتفق به من جراء إهمال صاحب العقار المرتفق كعدم قيامه بالإصلاحات والترميمات اللازمة للمجاري، فإنه يتحمل التعويض عن هذه الأضرار التي لحقت صاحب العقار المرتفق به. وفي مقابل ذلك لا يحق لمالك العقار المرتفق به منع مالك العقار المرتفق من الدخول إلى الأرض من أجل القيام بالإصلاحات والترميمات اللازمة لاستمرار حق المجرى، وكل ضرر ينتج عن هذا المنع يتحمل مسؤوليته مالك الأرض.
الفقرة الثانية: التعويض عن الارتفاقات المنشأة بإرادة الإنسان.
يحق للأفراد الاتفاق على إنشاء ارتفاقات وذلك استنادا إلى مقتضيات المادة 41 من مدونة الحقوق العينية والتي تنص على أنه:" يجوز لملاك العقارات إحداث ارتفاقات عليها أو لفائدتها وذلك باتفاق فيما بينهم مع مراعاة أحكام القانون". ويتم هذا الاتفاق في إطار عقد بين ملاك العقارات ويجوز أن يتضمن العقد كافة الشروط والتحملات الناتجة عن الارتفاقات، كما يبين العقد نطاق حقوق الارتفاقات وكيفية استعمالها، وذلك شريطة ألا تخالف هذه الارتفاقات النظام العام، حيث يعد العقد باطلا ومبطلا لارتفاقات المقررة متى لم يتوفر على شروط صحة الارتفاقات المنشأة بإرادة الإنسان[21].
بالنسبة للتعويض عن هذه الارتفاقات فإنه يتم تحديد قيمتها وكيفية دفعها في العقد المبرم بين ملاك العقارات، ويجب أن تتناسب هذه التعويضات مع الأضرار التي من المحتمل أن تلحق العقار المرتفق به، ويحق لملاك العقارات في حالة عدم التوافق بشأن هذه التعويضات الاستعانة بخبير لتحديد قيمة التعويضات المستحقة، وفي حالة ما إذا تجاوزت الأضرار الحدود المتوقعة عند إبرام العقد، وخاصة إذا كانت هذه الأضرار التي لم يتم توقعها عند إبرام العقد ناتج بالدرجة الأولى عن حق الارتفاق ولا تدخل في إطار القوة القاهرة أو الحوادث الفجائية، فإنه يحق لمالك العقار المتضرر المطالبة بمراجعة قيمة التعويض، وتعديله حتى يصير متناسبا مع الأضرار التي لحقت عقاره وكفيلا بجبر أضراره، وإذا لم يستجب مالك العقار المرتفق للطلب، فيمكن للمتضرر اللجوء إلى القضاء والمطالبة بالتعويض في إطار المسؤولية العقدية.
عموما إن جل الارتفاقات المشروعة المنشأة بإرادة الإنسان والتي من شأنها أن تحقق استفادة عقار من حق ارتفاق على حساب عقار آخر، تترتب عنها بالضرورة تعويضات، وتبقى هذه التعويضات بدورها خاضعة لإرادة الإنسان، حيث يقوم ملاك العقارات بتحديد قيمة التعويضات بأنفسهم أو بالاستعانة بخبير، ويمكن أن تكون هذه التعويضات عينية كتعويض جزء من عقار بجزء آخر، أو نقدية وذلك بدفع مقابل مالي عن حق الارتفاق.
المطلب الثاني: التعويض القضائي عن الارتفاقات المقررة من أجل المنفعة الخاصة.
إذا لم يتفق ملاك العقارات على قيمة التعويضات عن حقوق الارتفاقات، فإنه يحق لمالك العقار المتضرر سواء أكان المرتفق أو المرتفق به ، اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت عقاره من جراء حق الارتفاق، وذلك في إطار دعوى المسؤولية المدنية، وتكون هذه المسؤولية تقصيرية إذا نتجت هذه الأضرار عن حقوق ارتفاق قانونية أو طبيعية وكانت السبب المباشر في هذه الأضرار هو أحد ملاك العقارات سواء العقار المرتفق أو العقار المرتفق به كالإهمال أو عدم التبصر وعدم الحيطة، وقد تكون المسؤولية عقدية إذا كانت الارتفاقات ناشئة عن إرادة ملاك العقارات وذلك في حالة إخلال أحد الملاك بالتزاماته التعاقدية اتجاه المالك الآخر كعدم أداء التعويض المتفق عليه في العقد.
الفقرة الأولى: التعويض عن الارتفاقات في إطار دعوى المسؤولية التقصيرية
إذا تضرر أحد ملاك العقارات من جراء حق الارتفاق، وكان هذا الضرر ناتج مباشرة عن ارتفاق عقار على عقار آخر، فإنه يحق لصاحب العقار المتضرر التقدم للقضاء من أجل المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت عقاره من جراء حق الارتفاق، وذلك في إطار دعوى المسؤولية التقصيرية، وتعتبر المسؤولية التقصيرية عن الخطأ الشخصي من أهم مظاهر المسؤولية المدنية على الإطلاق، فالتعايش الاجتماعي يفرض على الأفراد احترام الضوابط التي يقوم عليها التعايش كاحترام حقوق الغير وعدم التعدي على ممتلكاتهم، وأي إخلال بهذا النظام إلا ويحمل صاحبه تبعات هذا الإخلال[22].
ولتحقق المسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي في إطار حق الارتفاق فإنه يلزم توفر الأركان الثلاثة التي هي الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما، وهذه العناصر الثلاثة تعد ضرورية لتحقق كل المسؤوليات التقصيرية سواء كانت مسؤولية شخصية أو موضوعية فهي بمثابة القاسم المشترك الذي يجمع بين مختلف مظاهر المسؤولية المدنية عموما.
ويتمثل الخطأ في إطار حق الارتفاق في إقبال أحد ملاك العقارات على ارتكاب فعل التعدي، وهذا هو العنصر المادي للخطأ وقد يكون إيجابيا أو سلبيا، ولا يكون مالك العقار متعديا في نظر القانون إلا إذا أخل بالالتزامات التي يفرضها عليه القانون أو العرف وتسبب بذلك في إلحاق ضرر بغيره من ملاك العقارات، وقد نظم المشرع المغربي المسؤولية التقصيرية في الفصلين 77 و 78 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، ويتأسس الخطأ التقصيري في المسؤولية التقصيرية على الإهمال أو عدم التبصر كما يمكن أن يكون تعسف في استعمال الحق، وهذه الصورة الأخيرة هي أكثر انتشارا في حقوق الارتفاق، ومتى تعسف صاحب العقار المرتفق في استعمال حقه في الارتفاق المقرر إما بالطبيعة أو بناء على القانون ونتج عن هذا التعسف في استعمال حق الارتفاق ضرر بمالك العقار المرتفق به، ويتمثل الضرر التقصيري حسب مقتضيات الفصل 98 من قانون الالتزامات والعقود المغربي في:
"... الخسارة التي لحقت المدعي فعلا والمصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر إلى إنفاقها لإصلاح نتائج الفعل الذي ارتكب إضرارا به وكذلك ما حرم منه من نفع في دائرة الحدود العادية لنتائج هذا الفعل ويجب على المحكمة أن تقدر الأضرار بكيفية مختلفة ...". ولكي تستجمع المسؤولية التقصيرية كافة أركانها ويستحق مالك العقار المتضرر التعويض لابد من توفر ركن ثالث وهو العلاقة السببية بين الفعل التقصيري والضرر، وتعني أن يكون الفعل أو التعسف في استعمال الحق من طرف مالك أحد العقارات هو السبب الأساسي والمباشر في الضرر الواقع، وألا يكون الضرر ناتج عن قوة قاهرة أو حادث فجائي.
إذن تعتبر دعوى المسؤولية التقصيرية من بين المساطر التي يمكن سلوكها للحصول على التعويض في إطار حقوق الارتفاق، وذلك متى توفرت أركانها، ويمكن تحقق المسؤولية التقصيرية بشكل كبير في الارتفاقات الطبيعية والارتفاقات القانونية خاصة وأن الخطأ التقصيري في المسؤولية التقصيرية هو كل فعل صدر عن أحد ملاك العقارات المرتفقة أو المرتفق بها خرقا للقانون والأعراف والعادات المعمول بها في المجال.
الفقرة الثانية: التعويض عن حقوق الارتفاقات في إطار دعوى المسؤولية العقدية
تعتبر المسؤولية العقدية جزءا لا يتجزأ من المسؤولية المدنية عموما، فكلاهما يهدف إلى تعويض الطرف المتضرر عن الأضرار والخسائر التي لحقت به، سواء كان ذلك ناتجا عن إخلال ببنود العقد أو عن تأخر في تنفيذه، وهو ما يسمى بالمسؤولية العقدية، ويتطلب قيام المسؤولية التقصيرية توافر ثلاثة شروط وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما.
وتتحقق المسؤولية العقدية في حقوق الارتفاق الناشئة بإرادة الإنسان، وذلك على اعتبار أن هذه الأخير تنشأ بمقتضى عقد بين مالك العقار المرتفق ومالك العقار المرتفق به، وبالتالي تنعقد مسؤولية أحد أطراف العقد متى أخل بالتزامات المضمنة بالعقد، وألحق هذا الإخلال بالالتزام ضررا بالطرف الأخر، وكانت هناك علاقة مباشرة بين الإخلال والضرر، ويمكن أن يكون الإخلال بالالتزامات في إطار حق الارتفاق في شكل تنفيذ غير صحيح للعقد أو عدم التنفيذ وقد يصدر ذلك عن صاحب العقار المرتفق به عبر منع صاحب العقار المرتفق من ممارسة حقه في الارتفاق،كأن يمنعه من حق المرور أو المجرى أو القيام بالتجهيزات اللازمة للاستفادة من الحق على أكمل وجه، وتكون هذه الحقوق موثقة في العقد، كما يمكن أن يصدر الإخلال من مالك العقار المرتفق كأن يمتنع عن دفع التعويض المتفق عليه في العقد مقابل الاستفادة من حق الارتفاق أو تجاوز حق الارتفاق للحدود المسموح بها في العقد. أما الضرر في إطار حق الارتفاق فهو الخسارة التي لحقت مالك العقار المرتفق أو المرتفق به من جراء إخلال الطرف الآخر بالتزاماته التعاقدية وقد يكون الضرر ماديا أو معنويا. أما بالنسبة للعلاقة السببية بين الإخلال بالالتزام العقدي والضرر الذي لحقق الطرف الآخر، أي أن يكون للإخلال سبب مباشر في الضرر الحاصل وألا يكون ذلك راجع لأسباب خارجة عن إرادة أطراف عقد الارتفاق كحدوث قوة قاهرة جعلت من العقار المرتفق أو المرتفق به غير قابل لتنفيذ الالتزامات التعاقدية وغير صالح للارتفاق به.
ومتى تحققت شروط المسؤولية العقدية في الارتفاقات الناشئة عن إرادة الإنسان، فيحق لمالك العقار المتضرر التقدم إلى القضاء للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء إخلال الطرف الآخر بالالتزامات الملقاة على عاتقه بمقتضى العقد المبرم بينها، وهكذا تكون دعوى المسؤولية العقدية من بين أهم المساطر القضائية التي يمكن سلوكها من أجل الحصول على التعويض في إطار حقوق الارتفاق المنشأة بإرادة الإنسان وذلك متى توفرت شروط هذه المسؤولية.
خــــــاتــمــــــة :
يتضح انطلاقا من تحليلنا على أن مسطرة التعويض في قانون نزع الملكية وفي قوانين التعمير تعرف تعقيدا ليس فحسب من ناحية الإجراءات والتدابير بل وأيضا من ناحية الضوابط القانونية و الأحكام العامة لتعويض وجبر الأضرار، حيث إن المشرع في قانون نزع الملكية من اجل المنفعة العامة و الاحتلال المؤقت ينص على إمكانية تعويض الضرر المباشر و الحالي و المحقق مع إغفال الأضرار غير المباشرة و غير المحققة في وقت نزع الملكية، وأيضا تم إغفال جبر الضرر المعنوي على خلاف التشريع الفرنسي الذي خرج عن هذه القاعدة، ولم يأخذ بشرط كون الضرر حاليا ومحققا مما فتح المجال للتعويض عن العديد من الأضرار.
و من النقاط المستنتج أيضا من خلال هذا العمل هو أن نزع الملكية يسلك مسطرتين، المسطرة الإدارية و المسطرة القضائية ، وبذلك فالإدارة لا يمكنها أن تكون خصما وحكما في نفس الوقت. لذا كان لابد على القضاء التخلص من هاجس المال العام انصياعا لرغبات الإدارة، لأن الأمر في الحقيقة يتعلق بتعد على الملكية، و الإضرار والإجحاف بصحابها أكثر عن طريق إقرار تعويض غير مناسب وغير عادل، فدور القضاء يتجلى في خلق توازن حقيقي بين مصالح الخواص ومصالح الإدارة في حماية المال العام.دون أن ننسى إشكالية التعويض عن الأضرار الناتجة عن التراجع عن عملية نزع الملكية بعد الشروع في مسطرتها علما أن المادة 43 من قانون نزع الملكية تعطي للجهة الإدارية المعنية الحق قي التراجع عن عملية نزع الملكية في أي مرحلة من مراحل المسطرة الإدارية أو القضائية .
أما فيما يخص ارتفاقات التعمير فيمكن أن نستنتج ,فيما يخص تصميم التهيئة,أن هناك أضرارا لم ينص القانون على إمكانية تعويضها، كإشكالية التعويض عن الأضرار اللاحقة بالأفراد بسبب عدم تفعيل تصاميم التهيئة بعد مرور 10 سنوات المقررة في المادة 28 من مدونة التعمير.
لائحة المراجع المعتمدة
إدريس الفاخوري : الحقوق العينية وفق القانون رقم 39.08 مطبعة المعارف الجديدة 2015
محامدي لمعكشاوي : المختصر في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة على ضوء التشريع والفقه والقضاء مطبعة النجاح الجديدة 2013
محمد لفروجي : مدونة التعمير وفق أخر التعديلات مع النصوص التطبيقية، مطبعة النجاح الجديدة 2013
محمد الكشبور : نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، قراءة في النصوص وفي مواقف القضاء، مطبعة النجاح الجديدة 2007
عبد القادر العرعاري: مصادر الالتزام، الكتاب الثاني، المسؤولية المدنية، مطبعة الأمنية، الرباط، 2014
محمد الأعرج : "القانون الإداري المغربي"، الطبعة 2010
محمد قصري : "مجلة القضاء والقانون" العدد 149
العربي المحمدي : " بحث لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون العام في موضوع " نزع الملكية من أجل المنفعة العامة وحماية الملكية الخاصة" جامعة محمد الخامس أكدال، السنة الجامعية 2013 – 2012.
القانون رقم 81 – 7 المتعلق بنزع الملكية والاحتلال المؤقت
قانون الالتزامات والعقود
قانون رقم 90 – 12 المتعلق بالتعمير
ظهير 17 يونيو 1992 المتعلق بالتعمير
ظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتنمية التكتلات القروية
الهوامش
يعتبر حق الملكية من الحقوق المقدسة، والمضمونة دستوريا حسب الفصل 35 من الدستور المغربي لسنة 2011،حيث يعد هذا الحق حقا لا يمكن المساس به أو الحد من مداه إلا متى دعا إلى ذلك تحقيق المنفعة العامة، ويتم ذلك عادة عن طريق ما يسمى بحق الارتفاق. وهكذا و بالرجوع إلى مقتضيات المادة 37 من مدونة الحقوق العينية، نجد المشرع يعرف حق الإرتفاق بكونه: "حق عيني قوامه تحمل مقرر على عقار من أجل استعمال أو منفعة عقار يملكه شخص آخر"، وينشأ إما عن الوضعية الطبيعية للأماكن أو بحكم القانون أو بمقتضى اتفاقات تقع بين المالكين( المادة 38 من المدونة).
ومن أبرز القوانين المنظمة للقيود الواردة على حق الملكية القانون 81ـ7 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت. والقانون 90ـ12 المتعلق بالتعمير و 90ـ25 المتعلق بالتجزئات العقارية و المجموعات السكنية وتقسيم العقارات، ومجموعة من النصوص الخاصة المتعلقة بالمباني التاريخية والمنشآت العسكرية والحربية ،والمنشآت المائية.
وهكذا، فقد أثير الإشكال حول مدى استحقاق التعويض عن الارتفاقات العامة والخاصة التي تقع على عقارات الأفراد ، وما هي المسطرة المتبعة للحصول على هذه التعويضات؟
وجدير بالذكر أنه إذا كانت الارتفاقات المنظمة بنصوص خاصة حماية للملك العام يستحق عنها التعويض عن الأضرار الناتجة عنها، فإن المادة 84 من قانون التعمير رقم12.90 أشارت صراحة إلى عدم استحقاق أي تعويض بالنسبة للارتفاقات استجابة لمقتضيات الأمن والصحة والمتطلبات الجمالية. مما يفتح نقاشا حقوقيا حول هذه المسألة.
أما فيما يتعلق بالارتفاقات المقررة لأجل المنفعة الخاصة،فإن مدونة الحقوق العينية لم تبين بشكل دقيق الإجراءات والمساطر التي يجب إتباعها من طرف الأطراف المتضررة من جراء الارتفاقات المنصوص عليها في هذه المدونة كحق المطل وحق المسيل وحق المجرى... فالمدونة تحدثت عن تعويض عادل يتم انطلاقا من اتفاق الطرفين أو بالاستعانة بخبير، أما في حالة عدم التوافق بين الأطراف فإن القضاء يكون هو الفيصل للبث في النزاع.
من هنا، فان للموضوع أهمية بالغة بحكم أن مسطرة التعويض تلعب دورا مهما في جبر الضرر الناتج عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، أو تعويض بالتراضي أو بحكم قضائي ينصف الطرفين. لهذا فغاية الخوض في موضوع مسطرة تعويض العقارات، موضوع حقوق الارتفاق، هي توضيح الصعوبات التي يعانيها ملاك هاته العقارات والمتمثلة في تعقد المساطر وطول الإجراءات الواجب إتباعها للحصول على تعويض عادل ،كفيل بجبر الأضرار التي تلحقهم من جراء الارتفاقات المقررة على عقاراتهم. غير أنه اعترضتنا مجموعة من الصعوبات من أبرز ها، على الإطلاق، تشتت النصوص القانونية التي تنظم مسطرة التعويض من جهة ، وتنوع الاختصاص القضائي في منازعات الارتفاقات من جهة ثانية، فتارة يؤول الاختصاص للقاضي المدني، الذي يطبق مجموعة من النصوص التي تندرج في إطار المادة المدنية، و أخرى للقاضي الإداري الذي يصدر أحكاما مستندا في ذلك على النصوص القانونية إن وجدت، ويجتهد في غيابها.
فإذا كانت الارتفاقات تعتبر قيدا قانونيا على الملكية لتحقيق المنفعة العامة أو الخاصة من شأنها أن تحد من تصرفات المالك في عقاره خلافا للقاعدة المنصوص عليها بالفصل 35 من الدستور، فان الإشكالية المطروحة هي: هل يرتب هذا القيد القانوني الحق في التعويض خصوصا إذا ترتبت عنها أضرار، وما هي المساطر الواجب إتباعها للحصول على هذا التعويض ؟
وذلك من خلال الإجابة على السؤالين التاليين:
- كيف نظم المشرع مسطرة التعويض عن الارتفاقات المقررة لأجل المنفعة العامة؟
- ما هي الإجراءات والمساطر المتبعة من أجل استحقاق التعويض عن الارتفاقات المقررة لأجل المنفعة الخاصة؟
وللتحقق من هذا الافتراض سنستعين بالمنهج التحليلي لكونه سيساعدنا على تحليل النصوص القانونية والأحكام والقرارات القضائية لمعرفة الكيفية التي تعامل المشرع المغربي و القضاء مع مسطرة التعويض عن الارتفاقات الخاصة منها والعامة، معتمدين على التصميم التالي:
المبحث الأول : مسطرة تعويض العقارات موضوع حق الارتفاق المقررة للمنفعة العامة و وثائق التعمير وبعض النصوص الخاصة
المطلب الأول: المسطرة المقررة في قانون نزع الملكية من أجل المنفعة العامة
الفقرة الأولى : أحكام التعويض عن حق الارتفاق في مجال نزع الملكية.
الفقرة الثانية : الاختصاص القضائي في تحديد التعويض
المطلب الثاني: مسطرة التعويض المقررة في وثائق التعمير وبعض النصوص الخاصة
الفقرة الأولى: مسطرة التعويض المقررة في وثائق التعمير
الفقرة الثانية : مسطرة التعويض المقررة في بعض النصوص الخاصة.
المبحث الثاني: مسطرة تعويض العقارات موضوع حقوق الارتفاقات المقررة لأجل المنفعة الخاصة.
المطلب الأول: التعويض بالتراضي عن حقوق الارتفاقات المقررة لأجل المنفعة الخاصة
الفقرة الأولى: التعويض عن الارتفاقات الطبيعية والقانونية
الفقرة الأولى: التعويض عن الارتفاقات الطبيعية والقانونية
المطلب الثاني: التعويض القضائي عن الارتفاقات المقررة من أجل المنفعة العامة
الفقرة الأولى: التعويض عن الارتفاقات في إطار دعوى المسؤولية التقصيرية
الفقرة الثانية: التعويض عن حقوق الارتفاقات في إطار دعوى المسؤولية العقدية.
المبحث الأول : مسطرة تعويض العقارات موضوع حق الارتفاق المقررة للمنفعة العامة و وثائق التعمير وبعض النصوص الخاصة.
لقد أخذ المشرع المغربي بالمفهوم الضيق للضرر الواجب التعويض عنه، حيث اعتبر قانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، أن الضرر الواجب التعويض عنه أثناء نزع الملكية من أجل المنفعة العامة هو الضرر الحالي والمحقق الناشئ مباشرة عن نزع الملكية، دون أن يمتد هذا التعويض إلى كل من الضرر غير المحقق والضرر المحتمل والضرر غير المباشر، و في هذا المطلب سنتطرق إلى المسطرة المقررة في قانون نزع الملكية من اجل المنفعة العامة و مسطرة التعويض المقررة في وثائق التعمير و بعض النصوص الخاصة,مما يستوجب منا الإجابة عن التساؤلات التالية,ما هي أحكام التعويض وما هو وقته؟ وما هي إجراءات التعويض في ارتفاقات التعمير؟
المطلب الأول: المسطرة المقررة في قانون نزع الملكية من أجل المنفعة العامة
في القديم، وفي ظل جل الشرائع تقريبا، ظلت الملكية حقا مطلقا، يتصرف فيه صاحبه كما يحلو له، بل ومقدسا يمتنع عن الكافة المساس به[1].
وفي الوقت الراهن، وفي ظل كل الشرائع الحديثة تقريبا، أضحت الملكية الخاصة حقا ذو وظيفة اجتماعية واقتصادية، بل إن هذه الوظيفة الحديثة لحق الملكية قد وجدت لها نوعا من الصدى.[2]
وللقيام بتسهيل عملية نزع الملكية على الجهة التي تتولى مباشرتها، وكذا تحقيق ضمانات أكثر بالنسبة للخواص المنزوع ملكيتهم ، فالمشرع المغربي لم يكتف فقط بالتنصيص على استصدار مقرر إعلان المنفعة العامة، على اعتبار أن هذا الأخير لا يحدد سوى المنطقة المنزوعة ملكيتها، بل تم التأكيد على ضرورة تحديد الأملاك الواقعة داخل تلك المنطقة بدقة تكريسا لمبدأ الشفافية الإدارية، ومباشرة نزع الملكية في أحسن الظروف، وتحقيق النجاعة المطلوبة من هذه العملية، وهذا التحديد يتم بموجب قرار إداري يصدر لاحقا ويسمى قرار التخلي(الفصل 7 من القانون 7.84).[3]
وفي هذا المطلب سنتطرق إلى أحكام التعويض عن حق الارتفاق في نزع الملكية (الفقرة الأولى)، والاختصاص القضائي في تحديد التعويض (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : أحكام التعويض عن حق الارتفاق في مجال نزع الملكية
إن القواعد العامة التي تحكم التعويض في مجال نزع الملكية ينظمها الفصل 20 من القانون رقم 81-7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة بالاحتلال المؤقت، وقد نص هذا الفصل على ما يلي :
يحدد التعويض عن نزع الملكية طبق القواعد التالية :
- يجب أن لا يشمل إلا الضرر المحقق الناشئ مباشرة عن نزع الملكية ولا يمكن أن يمتد إلى ضرر غير محقق أو محتمل أو غير مباشر.
- يحدد التعويض حسب قيمة العقار يوم صدور نزع الملكية.
- يجب ألا يتجاوز التعويض المقدر بهذه الكيفية قيمة العقار يوم نشر مقرر التخلي أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة المعين للأملاك التي تنتزع ملكيتها.
- يغير التعويض عند الاقتضاء باعتبار ما يحدثه الإعلان عن الأشغال أو العملية المزمع إنجازها من فائض القيمة، أو ناقصها بالنسبة لجزء العقار الذي لم تنتزع ملكيته.
أولا : الجهة المختصة في تحديد التعويض :
لم يحدد القانون رقم 81- 7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة تركيبة اللجنة الإدارية المختصة بتحديد التعويض عن نزع الملكية، لأن السلطة التنظيمية تناولت ذلك وأوضحت المادة 19 من المرسوم التطبيقي رقم 328 . 82 . 2 المؤرخ في 19 أبريل 1983 تشكيلة هذه اللجنة والتي تتكون من
- السلطة المحلية بصفتها رئيسا.
- رئيس دائرة أملاك الدولة الخاصة أو منتدبه.
- قابض التسجيل والتمبر أو منتدبه.
- ممثل الإدارة طالبة نزع الملكية.
o إذا تعلق الأمر بأراضي حضرية مبنية أو غير مبنية:
- مفتش الضرائب الحضرية أو منتدبه.
- مفتش التعمير أو منتدبه.
- وإذا تعلق الأمر بأراضي قروية
- مفتش الضرائب القروية أو منتدبه.
- المدير الإقليمي لوزارة الفلاحة أو منتدبه.
ثانيا : اللجنة الإدارية وآلية اشتغالها
تعقد اللجنة الإدارية اجتماعاتها كلما دعت الضرورة ذلك، في المكان المخصص لها ، ويجوز أن تعقدها حتى خارج أوقات العمل وتكون اجتماعاتها ومداولاتها سرية.
وتتخذ اللجنة الإدارية قراراتها بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين. وإذا لم تتوفر الأغلبية يتبث كل عضو تقديره للسعر والأساس الذي بني عليه هذا التقدير في النموذج المعد لذلك، وتفرغ التقديرات، ويؤخذ بمتوسط الأسعار المقدرة.
ويمنع من المشاركة في اللجنة وفي مداولات تحديد التعويض:
- زوجة المعني.
- فروعه أو أقاربه.
- أصهاره حتى الدرجة الرابعة.
- من له الوصاية أو القوامة عليه (من يقوم مقامه).
الفقرة الثانية : الاختصاص القضائي في تحديد التعويض
تعد المنفعة العامة مناط نزع الملكية فهي الأساس الذي بني عليه هذا النظام ككل وأمام عدم وجود مفهوم دقيق لفكرة المنفعة العامة كان لزاما على القضاء أن يوفر رقابة فعالة للمنفعة العامة. وأمام عجز الرقابة العادية لكبح أوجه الانحراف الذي شاب عمل الإدارة في تقديرها للمنفعة العامة كان من الواجب على القضاء أن يستوعب هذه الأمور ويطور رقابته في هذا الصدد بهدف خلق توازن يوفر حماية حقيقية للملكية الخاصة[5].
إذن، ما هي قواعد وكيفية تحديد التعويض ؟ وما هو وقت تحديد التعويض ؟
أولا: قواعد وكيفية تحديد التعويض
حدد الفصل 20 من قانون نزع الملكية[6] الكيفية التي على أساسها يحسب التعويض وهي كما يلي:
يجب ألا يشمل التعويض إلا الضرر الحالي دون المستقبلي: ويراعى في تقدير هذا التعويض قيمة العقار يوم نشر مقرر التخلي أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة المعين للأملاك التي ستنزع ملكيتها.
التعويض لا يشمل إلا الضرر المباشر: إن الضرر الواجب تعويضه هو الضرر الناجم مباشرة عن نزع الملكية، وهذا يعني أن التعويض لا يشمل الخسارة التي لحقت المنزوع ملكيته بطريقة غير مباشرة.
أن يكون الضرر ماديا: لا يهتم قانون نزع الملكية إلا بتعويض الأضرار المادية أما الأضرار المعنوية في مسطرة نزع الملكية فلا أهمية لها بالنسبة للمشرع المغربي.
أن يكون التعويض شاملا للضرر وعادلا: والتعويض الشامل والعادل يجب أن يجبر الضرر الناجم عن فقدان الملكية. أما بالنسبة لصاحبه حق المنفعة كالمكتري مثلا فإن التعويض يخص فقط إفراغه من المحل وما يترتب عن ذلك من أثر.
القاعدة أن يكون التعويض نقدا: وينص الفصل 30 على أنه " إذا لم يعرف ذوو الحقوق بأنفسهم، وجب إيداع التعويضات المستحقة لدى صندوق الإيداع والتدبير".
ثانيا : التحديد الزمني للتعويض وتغير قيمته :
يحدد قدر التعويض، عملا بالفقرة الثانية من الفصل 20 من قانون نزع الملكية، حسب قيمة العقار يوم صدور قرار نزع الملكية، دون أن تراعى في تحديد هذه القيمة البناءات والأغراس والتحسينات المنجزة دون موافقة نازع الملكية منذ نشر أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة المعين للأملاك المقرر نزع ملكيتها.
المطلب الثاني: مسطرة التعويض المقررة في وثائق التعمير وبعض النصوص الخاصة
إذا كانت وثائق التعمير وخاصة المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية يحدد المناطق المتعلقة بالارتفاقات حسب مدلول الفصل 4 من ظهير 17 يونيو 1992[7] كارتفاقات عدم البناء والتعلية والارتفاقات الخاصة بحماية الموارد المائية والتاريخية، فإن تصميمي التهيئة والتنمية هما اللذان يحددان ارتفاقات التعمير، ويدخلان التوجهات الأساسية للمخطط التوجيهي حيز التطبيق، لذلك يعتبران هما المصدر الأساسي لارتفاقات التعمير[8].
إذن ما هي مسطرة التعويض المقررة في وثائق التعمير والمقررة في بعض النصوص الخاصة؟
الفقرة الأولى: مسطرة التعويض المقررة في وثائق التعمير
لا يتم نزع الملكية للمنفعة العامة إلا مقابل تعويض، وقد فرض المشرع على الإدارة أن تقوم في المرحلة الأولى بتقييم العقار أو العقارات التي ستنزع ملكيتها[9] قبل التعويض.
إذا كانت ارتفاقات التعمير قيدت بشكل قانوني على الملكية لتحقيق المنفعة العامة من شأنها أن تحد من تصرف المالك في ملكه خلافا للمقتضيات الدستورية المنصوص عليها بالفصل 35 من دستور 2011 [10] ، فهل يرتب هذا القيد القانوني الحق في التعويض خصوصا إذا ترتب عنه أضرار محققة؟ وما هي إجراءات التعويض المقررة في تصميمي التهيئة والتنمية ؟ وما هي إجراءات التعويض المقررة في قرارات التخطيط حدود الطرق العامة وقرارات تخطيط حدود الطرق العامة المعينة فيها الأراضي المراد نزع ملكيتها لما تستوجب العملية؟.
أولا : إجراءات التعويض المقررة في تصميم التهيئة والتنمية
ابتدءا من تاريخ اختتام البحث العلني، الى حين صدور النص القاضي بالمصادقة على مشروع تصميم التهيئة، لا يجوز الإذن في أي عمل من أعمال البناء والغرس وإحداث تجزئات أو مجموعات سكنية إذا كان ذلك يخالف أحكام هذا المشروع وينتهي العمل ابتدءا من نفس التاريخ بأحكام تصميم التهيئة أو التنطيق الذي يكون آنذاك ساري المفعول [11].
قد يترتب على تصميم التهيئة فرض ارتفاقات على عقار خلال مدة 10 سنوات من تاريخ المصادقة على تصميم التهيئة بمرسوم من طرف الوزير الأول [12]، تجعل المالك ممنوعا من بنائه، كما قد يترتب على تصميم التهيئة اعتبار عقار ممنوع البناء بصفة نهائية وتخصيصه كمنطقة خضراء وهو ما كان مسموحا به، وقد يترتب عن تصميم التهيئة التقليص من عدد الطوابق المسموح بها وقد يكون العقار مسموحا ببنائه في وقت معين قبل المصادقة على تصميم التهيئة، ويكون المعني بالأمر قد تقدم بطلب الترخيص ببنائه أو إقامة تجزئة به بعد أن أعد لذلك الوثائق اللازمة إلى أن يفاجأ بالمنع ببنائه اعتبارا لتخصيصه ممرا للراجلين حسب تصميم التهيئة الجديد ، فهل مثل هذه الحالة ترتب الحق في التعويض؟
إن الإحاطة بهذا الموضوع يقتضي البحث في مدى مسؤولية الدولة عن القوانين المرتبة للضرر من خلال القضاء المقارن. وبالرجوع إلى المادة 84 من قانون التعمير 90 – 12 نجدها تنص على أنه:
لا يستحق أي تعويض على الارتفاقات المحدثة عملا بأحكام هذا القانون والنصوص التنظيمية الصادرة لتطبيقه استجابة لمقتضيات الأمن والصحة والمتطلبات الجمالية، بيد أنه يستحق تعويضا، إذا نتج عن الارتفاقات المشار إليها أعلاه، إما مساسا بالحقوق المكتسبة وإما تغييرا أدخل على الحالة التي كانت عليها الأماكن من قبل ونشأ عنه ضرر مباشر مادي محقق، ويحدد التعويض بحكم قضائي في حالة عدم اتفاق من يعنيه الأمر على ذالك. إلا أنه طبقا لقانون التعمير فإن الآثار المترتبة عن المنفعة العامة تنتهي عند انقضاء 10 سنوات تبتدئ من تاريخ نشر النص القاضي بالموافقة على تصميم التهيئة في الجريدة الرسمية، ولا يجوز القيام بإعلان المنفعة العامة للغرض نفسه في ما يتعلق بالمناطق المخصصة للتجهيزات قبل انصرام اجل 10 سنوات ، في حين أن تصميم التنمية [13]، تسري المنفعة العامة الخاصة به 10 سنوات قابلة للتجديد شريطة بحث علني لمدة شهر واحد.
ثانيا : إجراءات التعويض المقررة في قرارات تخطيط حدود الطرق العامة وقرارات تخطيط حدود الطرق العامة المعينة فيها الأراضي المراد نزع ملكيتها لما تستوجب العملية .
تعتبر قرارات تخطيط حدود الطرق العامة[14]، بمثابة إعلان بأن المنفعة العامة تقضي بإنجاز العمليات المنصوص عليها فيها، ويستمر مفعولها طوال 10 سنوات، وتقتصر هذه المدة على سنتين فقط فيما يتعلق بقرارات تخطيط حدود الطرق العامة المعينة فيها الأراضي المراد نزع ملكيتها لما تستوجب العملية.[15]
يخضع إحداث الطرق الجماعية للمساهمة المجانية المنصوص عليها في الفصل 37 من قانون 90– 12 إلا أن تطبيق هذه المادة يثير مجموعة من الإشكاليات بخصوص التعويض المستحق، سواء في إطار نزع الملكية أو في إطار الاعتداء المادي[16]. فقد تستغرق الطريق العامة الجماعية جميع مساحات العقار وقد تشمل مساحة الطريق المذكورة الجزء الأكبر من مساحته بشكل يفوق الربع. وقد تكون تلك المساحة أقل من الربع وقد تقل في عرض الطريق على 10 أمتار لا تتجاوز أو تقل عن الربع المنصوص عليه بالفصل 37 من قانون 90 – 12 وقد يتعلق الأمر بطريق جماعية واحدة أو متعددة وقد يتعلق الأمر بتوسعة الطريق دون إحداثها كما قد ينجم عن إحداث الطريق الجماعية بقاء جزء من أرض المالك المجاور للطريق غير صالحة للاستعمال أو يترتب عن إحداث تلك الطريق تقليص قيمة الأرض المتبقاة وسنحاول رصد جميع هاته الفرضيات :
في حالة استغراق الطريق العامة الجماعية جميع مساحة العقار : في هاته الحالة يحرم المالك نتيجة ذلك من عقاره بصفة مطلقة، ويفقد مزية المجاورة بهذه الطريق مما يتعذر معه تطبيق مقتضيات الفصل 37 من القانون 90 – 12 على اعتبار أن هذا المقتضى القانوني يخاطب الملاكين الذين تصير أو تبقى أرضهم مجاورة للطريق العامة الجماعية لذلك يكون محقا في التعويض عن فقدان ملكه. ويحدد هذا التعويض إما بالإستناذ إلى ضوابط مقتضيات القانون 81-7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت الصادر بتاريخ 22 دجنبر 1980 ، في حالة سلوكها وإما في حالة نظرية الاعتداء المادي بناءا على الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود[17] في حالة الإخلال بمسطرة نزع الملكية[18]
حالة تجاوز مساحة المقتطعة لربع القطعة الأرضية : بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 37 من القانون 90 – 12 نجد أن المساهمة المجانية تؤخذ في جزء من الأرض يعادل مستطيلا يكون عرضه عشر أمتار وطوله مساويا لطول واجهة الأرض الواقعة على الطريق المراد إحداثها على ألا تتعدى هذه المساهمة قيمة ربع القطعة الأرضية فإن هي تجاوزت هذا الربع ولم تتجاوز عشرة أمتار المحددة لعرض الطريق كان المالك محقا في طلب التعويض عن المساحة الزائدة عن الربع الذي لا يكون مشمولا بالمساهمة المجانية.
حالة ما إذا كانت المساحة المقتطعة تقل عن الربع ولا تتجاوز عشرة أمتار استنادا إلى التفسير القضائي لمدلول الفصل 37 أعلاه من خلال الأحكام السالفة الذكر لا يكون مالك البقعة الأرضية التي تصير أو تبقى مجاورة للطريق العامة الجماعية مدينا للجماعة بأي تعويض في حالة ما إذا كان عرض قطعة أرضه المساهم بها مجانيا قد تم حصره في عشرة أمتار وكان طولها مساويا لطول واجهة تلك الأرض وإن قل عن الربع المنصوص عليه بالفصل 37 أعلاه.
حالة ما إذا كانت المساحة المقتطعة تقل عن الربع وفي نفس الوقت تقل عن عرض عشرة أمتار يكون المالك للقطعة الأرضية التي تصير أو تبقى مجاورة للطريق العامة الجماعية مدينا للجماعة بالفرق المحدد في أقل من 10 أمتار ويتم تحصيل الضرائب المباشرة.
حالة ما إذا كانت المساحة المقتطعة تقل عن الربع وفي نفس الوقت تفوق 10 أمتار عرضا استحقاق التعويض عن المساحة الزائدة على عشرة أمتار بالنسبة للعرض حتى وإن كان الجزء المقتطع أقل من ربع المساحة الإجمالية للقطعة.
حالة بقاء المساحة المتبقية من العقار بعد المساهمة المجانية غير صالحة لأي نوع من أنواع البناء
طبقا للفقرة الثالثة من المادة 37 من قانون التعمير 90 – 12 التي تقول " إذا بقي من بقعة أرضية بعد أن يكون قد أخد منها ما يلزم لإنجاز طريق عامة جماعية جزء غير قابل للبناء بموجب الضوابط الجاري بها العمل يجب على الجماعة أن تتملكه إذا طلب منها المالك ذلك".
الفقرة الثانية : مسطرة التعويض المقررة في بعض النصوص الخاصة.
إن حقوق الارتفاق القانونية نوعان : منها ما هو مقرر للمنفعة العامة، ومنها ما هو مقرر للمنفعة الخاصة.
وفي هذه الفقرة سنتطرق إلى إجراءات التعويض عن حقوق الارتفاق المقررة لمصلحة مياه الأملاك العامة والخطوط البرقية والهاتف وفي الفقرة الثانية سنتناول موضوع إجراءات التعويض عن حقوق الارتفاقات المقررة لمصلحة المواقع الحربية والمنشآت العسكرية والملاحة الجوية كنماذج من مساطر التعويض في بعض القوانين الخاصة.
أولا : إجراءات التعويض في حقوق الارتفاق المقررة لمصلحة مياه الأملاك العامة والخطوط البرقية والهاتف
إن حقوق الارتفاق القانونية على نوعين : منها ما هو مقرر للمنفعة العامة، ومنها ما هو مقرر للمنفعة الخاصة.
حقوق الارتفاق المقررة لمصلحة مياه الأملاك العامة : ويحق بموجبها لصاحب الرخصة أو الاجتياز على هذه المياه، أن يستغل الأملاك الخاصة اللازمة لإيصال المياه وتصريفها وأن يسد السدود المنشأة في مجاري المياه، وأن يغمر الضفاف بإعلان سطح الماء وأن يغمر الأراضي إذا أنشئت خزانات وفق القوانين المتعلقة بنظام المياه.
حقوق الارتفاق المقررة لمصلحة الخطوط البرقية والهاتف : وتخضع بمقتضاها الأملاك الخاصة إلى ارتفاقات المرور ووضع الأعمدة ودعائم لإنشاء وصيانة واستثمار مختلف وسائل الاتصال.
ثانيا : إجراءات التعويض عن حقوق الارتفاقات المقررة لمصلحة المواقع الحربية والمنشآت العسكرية والملاحة الجوية.
وبمقتضاها يمتنع على أصحاب العقارات المجاورة لهذه المواقع والمنشآت احترام مسافات أفقية محددة قانونا القيام بأي بناء وأغراس على هذا الجزء من عقار أقيم وفقا لنظام الارتفاقات العسكرية
أما بالنسبة لحقوق الارتفاق المقررة لمصلحة الملاحة الجوية والتي بموجبها يمنع على أصحاب العقارات المجاورة للمطارات أو لقواعد الطيران. وحتى مسافات تعين وفق الأنظمة الدولية إقامة أية منشآت أكثر من علو معين حسب الأحوال ووفقا للارتفاقات المقررة لمصلحة الملاحة الجوية.
المبحث الثاني: مسطرة تعويض العقارات موضوع حقوق الارتفاقات المقررة لأجل المنفعة الخاصة.
إذا كانت الارتفاقات المقررة لأجل المنفعة العامة تستفيد من إجراءات ومساطر خاصة في تحديد التعويض، وتبقى التعويضات في إطار هذه النصوص الخاصة خاضعة لرقابة القاضي الإداري، فإن الارتفاقات المقررة لأجل المنفعة الخاصة تبقى خاضع للقواعد المنصوص عليها في مدونة الحقوق العينية، ويتم تحديد التعويض عن حقوق الارتفاق إما بالتراضي بين الطرفين، أو عن طريق القضاء وذلك في إطار دعوى المسؤولية المدنية.
المطلب الأول: التعويض بالتراضي عن حقوق الارتفاقات المقررة لأجل المنفعة الخاصة
إذا تقرر حق ارتفاق لعقار على حساب عقار آخر، فإنه يمكن لمالكي العقارين سواء العقار المرتفق أو العقار المرتفق به التراضي بخصوص التعويضات المقررة لجبر الأضرار التي من المحتمل أن تلحق بالعقار المرتفق به، وتختلف قيمة التعويض حسب الحالات، فإذا كان الارتفاق مقررا بالطبيعة، فإن التعويض لا يكون نقدا وقد يتمثل في بعض الإجراءات والتدابير التي قد يقوم بها مالك العقار المرتفق للحفاظ على العقار المرتفق به، أما إذا كان الارتفاق ناشئ عن إرادة الإنسان فقد يشمل التعويض مبالغ مالية لجبر الأضرار المحتملة.
الفقرة الأولى: التعويض عن الارتفاقات الطبيعية والقانونية
عرفت المادة 39 من مدونة الحقوق العينية الارتفاقات الطبيعية بأنها "تحمل تفرضه الوضعية الطبيعية للأماكن على عقار لفائدة عقار مجاور"، ويدخل في عداد الارتفاقات الطبيعية حق المسيل والصرف، فما المقصود بحق المسيل والصرف وكيف يتم التعويض عنهما؟
تنص المادة 60 من مدونة الحقوق العينية عل ما يلي"تتلقى الأراضي المنخفضة المياه السائلة سيلا طبيعيا من الأراضي التي تعلوها دون أن تساهم يد الإنسان في إسالتها، ولا يجوز لمالك الأرض المنخفضة أن يقيم سدا لمنع هذا السيل، كما لا يجوز لمالك الأرض العالية أن يقوم بما من شأنه أن يزيد من عبء الارتفاق الواقع على الأرض المنخفضة"، انطلاقا من مقتضيات هذه المادة فإن مجرد حق المسيل والصرف لا يترتب عنه أي تعويض لصاحب العقار المرتفق به[19]، وذلك على اعتبار أنه بدوره يستفيد من هذا الحق، غير أنه يمكن له مطالبة باقي المستفيدين بالمساهمة في القيام بالتجهيزات اللازمة لحماية العقارات المجاورة لمجرى المياه من الفيضانات، كالمساهمة في حفر مجرى أو بناء ساقية أوسد وذلك دون المس بحقوق باقي المرتفقين. واستثناء من المبدأ العام الذي لا يرتب أي تعويض عن حق المسيل والصرف، فإنه يحق لصاحب الأرض المنخفضة الحق في التعويض وذلك في حالة زيادة عبء الارتفاق الطبيعي لسيل المياه كأن تغمر المياه عقاره بالكامل وذلك تطبيقا لمقتضيات المادة 61 من مدونة الحقوق العينية.
عموما فان الارتفاقات الطبيعية لا يترتب عنها أي تعويض إلا إذا ألحقت هذه الارتفاقات أضرار بالغة وجسيمة بالعقار المرتفق به، وزاد ذلك من الأعباء والمصاريف المادية لمالك العقار المرتفق به، والتي ينفقها من أجل الحفاظ على عقاره من الهلاك.
أما فيما يتعلق بالارتفاقات القانونية وخاصة تلك المقررة للمنفعة الخاصة فيستحق التعويض عنها، وتتحدد هذه الارتفاقات في حق المرور وحق المجرى، فبالنسبة لارتفاق المرور فقد نص عليه المشرع المغربي في المادتين [20]، 64 و 65 من مدونة الحقوق العينية، حيث يحق لكل مالك عقار ليس له منفذ إلى الطريق العمومي أو له منفذ غير كافي لاستغلال عقاره أن يحصل على ممر في أرض جاره، ويتوقف الحصول على ارتفاق المرور دفع تعويض لمالك العقار المرتفق به، ويتم تحديد قيمة هذا التعويض بالتراضي بين مالك العقار المرتفق بالمرور ومالك العقار المرتفق به، غير أنه إذا لم يتم الاتفاق على قيمة التعويض فيحق للطرف المتضرر اللجوء إلى القضاء للحصول على تعويض عادل كفيل بجبر الأضرار التي لحقت عقاره، وإلى جانب التعويض يشترط أن يقام الممر في مكان لا يلحق أضرار بالغة وجسيمة بالعقار المرتفق به.
أما بالنسبة لحق المجرى فقد نظمه المشرع في إطار المواد من 65 إلى 59 من مدونة الحقوق العينية، وهو من حقوق الارتفاق المقررة بمقتضى القانون بحيث لا يجوز لملاك الأراضي منع من يثبت له حق المجرى من تمرير الماء بأرضهم، ويعرف حق المجرى بأنه الحق في تمرير ماء الري من مورده بأرض الغير للوصول به إلى الأرض المراد سقيها به وذلك عبر مجرى أو مواسير، ويقوم صاحب العقار المرتفق من المجرى بإنشاء هذا المجرى بالعقارات المرتفق بها على نفقته الخاصة،ويدفع مقابل ذلك تعويض مناسب يتم تحديده طبقا للعادات والأعراف المعمول بها في هذا المجال وبتراضي الأطراف، هذا ويجب أن يقام المجرى في مكان لا ينتج عنه إلا أقل ضرر، وإذا تفاقمت الأضرار على العقار المرتفق به من جراء إهمال صاحب العقار المرتفق كعدم قيامه بالإصلاحات والترميمات اللازمة للمجاري، فإنه يتحمل التعويض عن هذه الأضرار التي لحقت صاحب العقار المرتفق به. وفي مقابل ذلك لا يحق لمالك العقار المرتفق به منع مالك العقار المرتفق من الدخول إلى الأرض من أجل القيام بالإصلاحات والترميمات اللازمة لاستمرار حق المجرى، وكل ضرر ينتج عن هذا المنع يتحمل مسؤوليته مالك الأرض.
الفقرة الثانية: التعويض عن الارتفاقات المنشأة بإرادة الإنسان.
يحق للأفراد الاتفاق على إنشاء ارتفاقات وذلك استنادا إلى مقتضيات المادة 41 من مدونة الحقوق العينية والتي تنص على أنه:" يجوز لملاك العقارات إحداث ارتفاقات عليها أو لفائدتها وذلك باتفاق فيما بينهم مع مراعاة أحكام القانون". ويتم هذا الاتفاق في إطار عقد بين ملاك العقارات ويجوز أن يتضمن العقد كافة الشروط والتحملات الناتجة عن الارتفاقات، كما يبين العقد نطاق حقوق الارتفاقات وكيفية استعمالها، وذلك شريطة ألا تخالف هذه الارتفاقات النظام العام، حيث يعد العقد باطلا ومبطلا لارتفاقات المقررة متى لم يتوفر على شروط صحة الارتفاقات المنشأة بإرادة الإنسان[21].
بالنسبة للتعويض عن هذه الارتفاقات فإنه يتم تحديد قيمتها وكيفية دفعها في العقد المبرم بين ملاك العقارات، ويجب أن تتناسب هذه التعويضات مع الأضرار التي من المحتمل أن تلحق العقار المرتفق به، ويحق لملاك العقارات في حالة عدم التوافق بشأن هذه التعويضات الاستعانة بخبير لتحديد قيمة التعويضات المستحقة، وفي حالة ما إذا تجاوزت الأضرار الحدود المتوقعة عند إبرام العقد، وخاصة إذا كانت هذه الأضرار التي لم يتم توقعها عند إبرام العقد ناتج بالدرجة الأولى عن حق الارتفاق ولا تدخل في إطار القوة القاهرة أو الحوادث الفجائية، فإنه يحق لمالك العقار المتضرر المطالبة بمراجعة قيمة التعويض، وتعديله حتى يصير متناسبا مع الأضرار التي لحقت عقاره وكفيلا بجبر أضراره، وإذا لم يستجب مالك العقار المرتفق للطلب، فيمكن للمتضرر اللجوء إلى القضاء والمطالبة بالتعويض في إطار المسؤولية العقدية.
عموما إن جل الارتفاقات المشروعة المنشأة بإرادة الإنسان والتي من شأنها أن تحقق استفادة عقار من حق ارتفاق على حساب عقار آخر، تترتب عنها بالضرورة تعويضات، وتبقى هذه التعويضات بدورها خاضعة لإرادة الإنسان، حيث يقوم ملاك العقارات بتحديد قيمة التعويضات بأنفسهم أو بالاستعانة بخبير، ويمكن أن تكون هذه التعويضات عينية كتعويض جزء من عقار بجزء آخر، أو نقدية وذلك بدفع مقابل مالي عن حق الارتفاق.
المطلب الثاني: التعويض القضائي عن الارتفاقات المقررة من أجل المنفعة الخاصة.
إذا لم يتفق ملاك العقارات على قيمة التعويضات عن حقوق الارتفاقات، فإنه يحق لمالك العقار المتضرر سواء أكان المرتفق أو المرتفق به ، اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت عقاره من جراء حق الارتفاق، وذلك في إطار دعوى المسؤولية المدنية، وتكون هذه المسؤولية تقصيرية إذا نتجت هذه الأضرار عن حقوق ارتفاق قانونية أو طبيعية وكانت السبب المباشر في هذه الأضرار هو أحد ملاك العقارات سواء العقار المرتفق أو العقار المرتفق به كالإهمال أو عدم التبصر وعدم الحيطة، وقد تكون المسؤولية عقدية إذا كانت الارتفاقات ناشئة عن إرادة ملاك العقارات وذلك في حالة إخلال أحد الملاك بالتزاماته التعاقدية اتجاه المالك الآخر كعدم أداء التعويض المتفق عليه في العقد.
الفقرة الأولى: التعويض عن الارتفاقات في إطار دعوى المسؤولية التقصيرية
إذا تضرر أحد ملاك العقارات من جراء حق الارتفاق، وكان هذا الضرر ناتج مباشرة عن ارتفاق عقار على عقار آخر، فإنه يحق لصاحب العقار المتضرر التقدم للقضاء من أجل المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت عقاره من جراء حق الارتفاق، وذلك في إطار دعوى المسؤولية التقصيرية، وتعتبر المسؤولية التقصيرية عن الخطأ الشخصي من أهم مظاهر المسؤولية المدنية على الإطلاق، فالتعايش الاجتماعي يفرض على الأفراد احترام الضوابط التي يقوم عليها التعايش كاحترام حقوق الغير وعدم التعدي على ممتلكاتهم، وأي إخلال بهذا النظام إلا ويحمل صاحبه تبعات هذا الإخلال[22].
ولتحقق المسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي في إطار حق الارتفاق فإنه يلزم توفر الأركان الثلاثة التي هي الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما، وهذه العناصر الثلاثة تعد ضرورية لتحقق كل المسؤوليات التقصيرية سواء كانت مسؤولية شخصية أو موضوعية فهي بمثابة القاسم المشترك الذي يجمع بين مختلف مظاهر المسؤولية المدنية عموما.
ويتمثل الخطأ في إطار حق الارتفاق في إقبال أحد ملاك العقارات على ارتكاب فعل التعدي، وهذا هو العنصر المادي للخطأ وقد يكون إيجابيا أو سلبيا، ولا يكون مالك العقار متعديا في نظر القانون إلا إذا أخل بالالتزامات التي يفرضها عليه القانون أو العرف وتسبب بذلك في إلحاق ضرر بغيره من ملاك العقارات، وقد نظم المشرع المغربي المسؤولية التقصيرية في الفصلين 77 و 78 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، ويتأسس الخطأ التقصيري في المسؤولية التقصيرية على الإهمال أو عدم التبصر كما يمكن أن يكون تعسف في استعمال الحق، وهذه الصورة الأخيرة هي أكثر انتشارا في حقوق الارتفاق، ومتى تعسف صاحب العقار المرتفق في استعمال حقه في الارتفاق المقرر إما بالطبيعة أو بناء على القانون ونتج عن هذا التعسف في استعمال حق الارتفاق ضرر بمالك العقار المرتفق به، ويتمثل الضرر التقصيري حسب مقتضيات الفصل 98 من قانون الالتزامات والعقود المغربي في:
"... الخسارة التي لحقت المدعي فعلا والمصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر إلى إنفاقها لإصلاح نتائج الفعل الذي ارتكب إضرارا به وكذلك ما حرم منه من نفع في دائرة الحدود العادية لنتائج هذا الفعل ويجب على المحكمة أن تقدر الأضرار بكيفية مختلفة ...". ولكي تستجمع المسؤولية التقصيرية كافة أركانها ويستحق مالك العقار المتضرر التعويض لابد من توفر ركن ثالث وهو العلاقة السببية بين الفعل التقصيري والضرر، وتعني أن يكون الفعل أو التعسف في استعمال الحق من طرف مالك أحد العقارات هو السبب الأساسي والمباشر في الضرر الواقع، وألا يكون الضرر ناتج عن قوة قاهرة أو حادث فجائي.
إذن تعتبر دعوى المسؤولية التقصيرية من بين المساطر التي يمكن سلوكها للحصول على التعويض في إطار حقوق الارتفاق، وذلك متى توفرت أركانها، ويمكن تحقق المسؤولية التقصيرية بشكل كبير في الارتفاقات الطبيعية والارتفاقات القانونية خاصة وأن الخطأ التقصيري في المسؤولية التقصيرية هو كل فعل صدر عن أحد ملاك العقارات المرتفقة أو المرتفق بها خرقا للقانون والأعراف والعادات المعمول بها في المجال.
الفقرة الثانية: التعويض عن حقوق الارتفاقات في إطار دعوى المسؤولية العقدية
تعتبر المسؤولية العقدية جزءا لا يتجزأ من المسؤولية المدنية عموما، فكلاهما يهدف إلى تعويض الطرف المتضرر عن الأضرار والخسائر التي لحقت به، سواء كان ذلك ناتجا عن إخلال ببنود العقد أو عن تأخر في تنفيذه، وهو ما يسمى بالمسؤولية العقدية، ويتطلب قيام المسؤولية التقصيرية توافر ثلاثة شروط وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما.
وتتحقق المسؤولية العقدية في حقوق الارتفاق الناشئة بإرادة الإنسان، وذلك على اعتبار أن هذه الأخير تنشأ بمقتضى عقد بين مالك العقار المرتفق ومالك العقار المرتفق به، وبالتالي تنعقد مسؤولية أحد أطراف العقد متى أخل بالتزامات المضمنة بالعقد، وألحق هذا الإخلال بالالتزام ضررا بالطرف الأخر، وكانت هناك علاقة مباشرة بين الإخلال والضرر، ويمكن أن يكون الإخلال بالالتزامات في إطار حق الارتفاق في شكل تنفيذ غير صحيح للعقد أو عدم التنفيذ وقد يصدر ذلك عن صاحب العقار المرتفق به عبر منع صاحب العقار المرتفق من ممارسة حقه في الارتفاق،كأن يمنعه من حق المرور أو المجرى أو القيام بالتجهيزات اللازمة للاستفادة من الحق على أكمل وجه، وتكون هذه الحقوق موثقة في العقد، كما يمكن أن يصدر الإخلال من مالك العقار المرتفق كأن يمتنع عن دفع التعويض المتفق عليه في العقد مقابل الاستفادة من حق الارتفاق أو تجاوز حق الارتفاق للحدود المسموح بها في العقد. أما الضرر في إطار حق الارتفاق فهو الخسارة التي لحقت مالك العقار المرتفق أو المرتفق به من جراء إخلال الطرف الآخر بالتزاماته التعاقدية وقد يكون الضرر ماديا أو معنويا. أما بالنسبة للعلاقة السببية بين الإخلال بالالتزام العقدي والضرر الذي لحقق الطرف الآخر، أي أن يكون للإخلال سبب مباشر في الضرر الحاصل وألا يكون ذلك راجع لأسباب خارجة عن إرادة أطراف عقد الارتفاق كحدوث قوة قاهرة جعلت من العقار المرتفق أو المرتفق به غير قابل لتنفيذ الالتزامات التعاقدية وغير صالح للارتفاق به.
ومتى تحققت شروط المسؤولية العقدية في الارتفاقات الناشئة عن إرادة الإنسان، فيحق لمالك العقار المتضرر التقدم إلى القضاء للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء إخلال الطرف الآخر بالالتزامات الملقاة على عاتقه بمقتضى العقد المبرم بينها، وهكذا تكون دعوى المسؤولية العقدية من بين أهم المساطر القضائية التي يمكن سلوكها من أجل الحصول على التعويض في إطار حقوق الارتفاق المنشأة بإرادة الإنسان وذلك متى توفرت شروط هذه المسؤولية.
خــــــاتــمــــــة :
يتضح انطلاقا من تحليلنا على أن مسطرة التعويض في قانون نزع الملكية وفي قوانين التعمير تعرف تعقيدا ليس فحسب من ناحية الإجراءات والتدابير بل وأيضا من ناحية الضوابط القانونية و الأحكام العامة لتعويض وجبر الأضرار، حيث إن المشرع في قانون نزع الملكية من اجل المنفعة العامة و الاحتلال المؤقت ينص على إمكانية تعويض الضرر المباشر و الحالي و المحقق مع إغفال الأضرار غير المباشرة و غير المحققة في وقت نزع الملكية، وأيضا تم إغفال جبر الضرر المعنوي على خلاف التشريع الفرنسي الذي خرج عن هذه القاعدة، ولم يأخذ بشرط كون الضرر حاليا ومحققا مما فتح المجال للتعويض عن العديد من الأضرار.
و من النقاط المستنتج أيضا من خلال هذا العمل هو أن نزع الملكية يسلك مسطرتين، المسطرة الإدارية و المسطرة القضائية ، وبذلك فالإدارة لا يمكنها أن تكون خصما وحكما في نفس الوقت. لذا كان لابد على القضاء التخلص من هاجس المال العام انصياعا لرغبات الإدارة، لأن الأمر في الحقيقة يتعلق بتعد على الملكية، و الإضرار والإجحاف بصحابها أكثر عن طريق إقرار تعويض غير مناسب وغير عادل، فدور القضاء يتجلى في خلق توازن حقيقي بين مصالح الخواص ومصالح الإدارة في حماية المال العام.دون أن ننسى إشكالية التعويض عن الأضرار الناتجة عن التراجع عن عملية نزع الملكية بعد الشروع في مسطرتها علما أن المادة 43 من قانون نزع الملكية تعطي للجهة الإدارية المعنية الحق قي التراجع عن عملية نزع الملكية في أي مرحلة من مراحل المسطرة الإدارية أو القضائية .
أما فيما يخص ارتفاقات التعمير فيمكن أن نستنتج ,فيما يخص تصميم التهيئة,أن هناك أضرارا لم ينص القانون على إمكانية تعويضها، كإشكالية التعويض عن الأضرار اللاحقة بالأفراد بسبب عدم تفعيل تصاميم التهيئة بعد مرور 10 سنوات المقررة في المادة 28 من مدونة التعمير.
لائحة المراجع المعتمدة
إدريس الفاخوري : الحقوق العينية وفق القانون رقم 39.08 مطبعة المعارف الجديدة 2015
محامدي لمعكشاوي : المختصر في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة على ضوء التشريع والفقه والقضاء مطبعة النجاح الجديدة 2013
محمد لفروجي : مدونة التعمير وفق أخر التعديلات مع النصوص التطبيقية، مطبعة النجاح الجديدة 2013
محمد الكشبور : نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، قراءة في النصوص وفي مواقف القضاء، مطبعة النجاح الجديدة 2007
عبد القادر العرعاري: مصادر الالتزام، الكتاب الثاني، المسؤولية المدنية، مطبعة الأمنية، الرباط، 2014
محمد الأعرج : "القانون الإداري المغربي"، الطبعة 2010
محمد قصري : "مجلة القضاء والقانون" العدد 149
العربي المحمدي : " بحث لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون العام في موضوع " نزع الملكية من أجل المنفعة العامة وحماية الملكية الخاصة" جامعة محمد الخامس أكدال، السنة الجامعية 2013 – 2012.
القانون رقم 81 – 7 المتعلق بنزع الملكية والاحتلال المؤقت
قانون الالتزامات والعقود
قانون رقم 90 – 12 المتعلق بالتعمير
ظهير 17 يونيو 1992 المتعلق بالتعمير
ظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتنمية التكتلات القروية
الهوامش
[1] بل إن بعض التشريعات السارية المفعول حاليا مازالت تتبنى الفكرة نظريا وإن كانت قد إبتعدت عنها من حيث الواقع، فعلى سبيل المثال فقد نص الفصل 544 من القانون المدني الفرنسي على أن " الملكية هي حق الانتفاع بالشيء والتصرف فيه على نحو أشد ما يكون إطلاقا بشرط ألا يستعمله بكيفية تحرمها الأنظمة والقوانين.
"La propriété est le droit de jouir et de disposer des choses de la manière la plus absolue pourvu qu’on n’en fasse pas un usage prohibé par les lois et les règlements " .
"La propriété est le droit de jouir et de disposer des choses de la manière la plus absolue pourvu qu’on n’en fasse pas un usage prohibé par les lois et les règlements " .
[2] محمد الكشبور "نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، الطبعة الثانية 2007 .
[3] محمد الأعرج "القانون الإداري المغربي"، الطبعة 2010 .
[4] محمادي لمعكشاوي، "المختصر في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة على ضوء التشريع والفقه والقضاء،" الطبعة 2013 .
[5] العربي المحمدي " بحث لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون العام في موضوع " نزع الملكية من أجل المنفعة العامة وحماية الملكية الخاصة" جامعة محمد الخامس أكدال، السنة الجامعية 2013 – 2012.
[6] القانون رقم 81 – 7 المتعلق بنزع الملكية والاحتلال المؤقت
[7] القانون 90 – 12 المتعلق بالتعمير
[8] محمد قصري "مجلة القضاء والقانون" العدد 149
[9] محمد الكشبور مرجع سابق
[10] حسب المادة 35 من دستور 2011 يضمن القانون حق الملكية.
ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون.
تضمن الدولة حرية المبادرة والمقاولة، والتنافس الحر. كما تعمل على تحقيق تنمية بشرية مستدامة، من شأنها تعزيز العدالة الاجتماعية، والحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية، وعلى حقوق الأجيال القادمة.
تسهر الدولة على ضمان تكافؤ الفرص للجميع، والرعاية الخاصة للفئات الاجتماعية الأقل حظا.
ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون.
تضمن الدولة حرية المبادرة والمقاولة، والتنافس الحر. كما تعمل على تحقيق تنمية بشرية مستدامة، من شأنها تعزيز العدالة الاجتماعية، والحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية، وعلى حقوق الأجيال القادمة.
تسهر الدولة على ضمان تكافؤ الفرص للجميع، والرعاية الخاصة للفئات الاجتماعية الأقل حظا.
[11] ظهير 17 يونيو 1992 المتعلق بالتعمير.
[12] رئيس الحكومة حاليا
[13] تصميم التنمية المنظم بظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتنمية التكتلات القروية
[14] يجوز لرؤساء الجماعات بعد مداولة المجلس أن يصدروا قرارات تهدف إلى إحداث طرق جماعية وساحات ومواقف سيارات عامة بالجماعات أو إلى تغيير تخطيطها أو عرضها أو حذفها كلا أو بعضا، وتكون هذه القرارات مصحوبة بخريطة تبين فيها حدود الطرق والساحات ومواقف السيارات المزمع إحداثها أو إدخال تغيير عليها أو حذفها.
ويمكن أن تعتبر القرارات المشار إليها أعلاه بمثابة قرارات تعين فيها الأراضي المراد نزع ملكيتها لكونها لازمة لإنجاز العمليات المنصوص عليها فيها.
ولهذه الغاية تعين في القرارات الأنفة الذكر العقارات المراد نزع ملكيتها مع بيان مشمولاتها ومساحتها وأسماء من يحتمل أن يكون مالكين لها
ويمكن أن تعتبر القرارات المشار إليها أعلاه بمثابة قرارات تعين فيها الأراضي المراد نزع ملكيتها لكونها لازمة لإنجاز العمليات المنصوص عليها فيها.
ولهذه الغاية تعين في القرارات الأنفة الذكر العقارات المراد نزع ملكيتها مع بيان مشمولاتها ومساحتها وأسماء من يحتمل أن يكون مالكين لها
[15] المادة 34 من قانون 90 – 12 المتعلق بالتعمير
[16] محمد قصري مرجع سابق
[17] المادة 79 من قانون الالتزامات والعقود " الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها والأخطاء لمستخدميها".
[18] محمد قصري مرجع سابق الصفحة 217.
[19] تنص المادة 61 من مدونة الحقوق العينية على:" لكل مالك الحق في استعمال مياه المطر التي تنزل في أرضه والتصرف فيها وإذا كان استعمال تلك المياه والاتجاه المعطى لها يزيد عبء الارتفاق الطبيعي لسيل المياه المبين في المادة أعلاه، فإن لصاحب الأرض المنخفضة الحق في التعويض، وذلك مع مراعاة القوانين والأنظمة الجاري بها العمل".
[20] المادة 64 من مدونة الحقوق العينية تنص:" لكل مالك عقار ليس له منفذ إلى الطريق العمومي أو له منفذ غير كافي لاستغلال عقاره أن يحصل على ممر في أرض جاره نظير تعويض مناسب شرط أي يقام هذا الممر في المكان الذي لا يسبب للأرض المرتفق بها إلا أقل ضرر".
المادة 65 من مدونة الحقوق العينية:" إذا تم تقسيم ملك وأصبحت بعض أجزائه محصورة ولا منفذ لها إلى الطريق العمومي، فلا يجوز لملاكها المطالبة بالمرور إلا في الأجزاء التي كانت موضوع التقسيم فإذا تعذر ذلك تطبق مقتضيات المادة السابقة".
المادة 65 من مدونة الحقوق العينية:" إذا تم تقسيم ملك وأصبحت بعض أجزائه محصورة ولا منفذ لها إلى الطريق العمومي، فلا يجوز لملاكها المطالبة بالمرور إلا في الأجزاء التي كانت موضوع التقسيم فإذا تعذر ذلك تطبق مقتضيات المادة السابقة".
[21] تتحدد الشروط الواجب توافرها لصحة الارتفاقات المنشأة بإرادة الإنسان في:
* يجب أن لا يكون الارتفاق مخالفا للقانون أو النظام العام كما ما في إنشاء حق ارتفاق بالمرور لتسهيل تهريب المخدرات.
* يجب أن يكون الارتفاق لذي يستفيد منه شخص مقررا لمنفعة عقار لا لمنفعة شخص ذلك أن التكليف الذي يستفيد منه شخص بصفته مالكا للعقار من غير أن يستفيد منه العقار نفسه لا يعتبر ارتفاقا وهو تكليف باطل.
* يجب أن يكون الارتفاق مقررا على عقار لا على شخص.
للتفصيل أكثر في هذه الشروط يراجع:
إريس الفاخوري: الحقوق العينية وفق القانون رقم 39-08، منشورات مجلة الحقوق، سلسلة المعارف القانونية والقضائية، 2013، ص 172.
مأمون الكزبري: التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي الجزء الثاني، شركة الهلال للطباعة والنشر الرباط، الطبعة الثانية 1987، الصفحة 598.
* يجب أن لا يكون الارتفاق مخالفا للقانون أو النظام العام كما ما في إنشاء حق ارتفاق بالمرور لتسهيل تهريب المخدرات.
* يجب أن يكون الارتفاق لذي يستفيد منه شخص مقررا لمنفعة عقار لا لمنفعة شخص ذلك أن التكليف الذي يستفيد منه شخص بصفته مالكا للعقار من غير أن يستفيد منه العقار نفسه لا يعتبر ارتفاقا وهو تكليف باطل.
* يجب أن يكون الارتفاق مقررا على عقار لا على شخص.
للتفصيل أكثر في هذه الشروط يراجع:
إريس الفاخوري: الحقوق العينية وفق القانون رقم 39-08، منشورات مجلة الحقوق، سلسلة المعارف القانونية والقضائية، 2013، ص 172.
مأمون الكزبري: التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي الجزء الثاني، شركة الهلال للطباعة والنشر الرباط، الطبعة الثانية 1987، الصفحة 598.
[22] عبد القادر العرعاري: مصادر الالتزام، الكتاب الثاني، المسؤولية المدنية، مطبعة الأمنية، الرباط، 2014، الصفحة 69