إن لكل شيء استثنائه ولو انفرد، لذلك فمن المزايا أن نجد دساتير الدول عامة والدساتير المغربية خاصة، نَاصَّةً على حالة إستثناء عمل المؤسسات، وهو ما يفسر أن الدستور اذا كان في الاصل يمثل ديمقراطية عمل المؤسسات، فإن هذا في الحقيقة يعني أن حالة الاستثناء تُمثل عكس ذلك، ولا يمكن القول بما يخالفه ولو تم الإحتجاج بأن حالة الاستثناء تعتبر نصا في دستور ديمقراطي بمعنى ان كل ما تخوله الديمقراطية هو من الديمقراطية، فهذا مايجعلنا نقف امام عدم امكانية الوصول الى ديمقراطية مثالية كما يزعم البعض .
وبخصوص التجربة المغربية فقد دأب المشرع الدستوري المغربي على تخصيص الفصل 35 في كل من دستور 1996– 1972 – 1970- 1962 والفصل 34 في دستور 1992. من أجل تبيان وتوضيح أحكام حالة الاستثناء .
أما في آخر تعديل دستوري عرفه المغرب في 28 يوليو 2011 فقد تم التطرق إلى احكام هذه الحالة بموجب الفصل 59 من نفس التعديل كمايلي :
"إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، يمكن للملك أن يُعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة.
ويُخول الملك بذلك صلاحية اتخاذ الإجراءات،التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع، في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية.
لايحل البرلمان أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية.
تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة
رفع حالة الاستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها، وباتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها. "
وبغض النظر عن تطبيقات حالة الإستثاء في المغرب أيام السبعينات، فإننا سنكتفي في هذا الرحاب بدراسة الجوانب النظرية لحالة الاستثناء أحكاما وقواعدا وفق مذهب جليل حاولنا اتبعناه، كما يلي :
يذهب الكثير من شراح الدستور المغربي الى وضع منهجية خاصة في تحليل المقتضيات الدستورية لحالة الاستثناء يُبين فيها الاركان الجوهرية والأركان الشكلية لحالة الاستثناء كما يأتي :
أولا : الأركان الجوهرية / الموضوعية : ويقصد بها الحالة الواقعية التي من خلالها يتم التأسيس لفكرة الاستثناء، فهي حالات يجب توفرها قبل الإنتقال الى الأركان الشكلية للحالة، وهي على العموم حسب الفصل اعلاه تضم حالتين:
حالة تهديد حوزة التراب الوطنيي.
- حالة الاحداث المعرقلة للسير العادي للمؤسسات الدستورية.
الاستشارة الملزمة في شكلها والاختيارية في مضمونها لرئيس الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان، ورئيس المحكمة الدستورية . قبل الاعلان وقبل الرفع .
الاعلان والرفع بظهير .
إلقاء الخطاب الملكي بالاعلان أو بالرفع .
أما بخصوص مضمون العمل الدستوري في حالة الاستثناء، فإن الملاحظ ان الملك يحظى بجانب كبير من الاختصاصات التي تُخول له العمل من اجل ارجاع الامور الى نصابها .
غير انه لايمكن ان نفهم من هذا إطلاقية هذه الصلاحيات - كما ذهب الى ذلك البعض - لأن الفصل 59 ببساطة قد حدد نطاق هذا التدخل في إجراءات الدفاع عن الوحدة الترابية، فضلا عن الاجراءات التي تخول الملك الرجوع بالحالة العادية في اقرب الاجآل .
غير أن القراءة المتمعنة للفصل 59 من التعديل الجديد، تمكن اصحاب الرأي المناقض من الاحتجاج باطلاقية الصلاحيات الملكية في حالة الاستثناء من خلال بعض الحجج ، وهو ما يمكن تقويضه كالآتي :
- غياب جهة تحدد المجالات التي تدخل ضمن مجالات الدفاع :
الرد على الحجة :
ان منطلق هذه الحجة بالكاد يكون صحيحا عندما نكون امام السلطة الواسعة للملك أثناء حالة الاستثناء، غير اننا يجب ان نحدد اولا مكامن هذه السلطة الواسعة.
فأولا هذه السلطة محدودة بطبيعتها في السلطة التقديرية للملك، وليس في الاستحواذ على اي مجال كيف ما كان. ولعل الفرق بينهما ان الثاني يُخول فيه جلالته ممارسة الاختصاص المتعلق باجراءات الدفاع بشكل مطلق وغير مقيد، اما الثاني - وهو المقصود في الفصل 59 - فهو يفيد امكانية ادخال الملك لأي اختصاص قدَّر ان موضوعه داخل في مجال الدفاع الى هذا الاخير، بمعنى آخر ان الملك يكون امام أصل واستثناء، فالاصل هو اختصاص الدفاع بعينه، كاعتبار الملك القائد الاعلى للقوات المسلحة الملكية، وهو الامر الذي لا يحتاج الى الشساعة في السلطة التقديرية لادراجه في ميدان الدفاع لانه مظهر مظاهر الاصل ذاته، أما استثناء فيتجلى في المجالات العادية التي لا تدخل في الاصل (بمقتضى الدستور) والتي يكون للملك بموجبها استخدام السلطة التقديرية لإدخالها في مجالات الدفاع، وهو مايعني ان الملك مطالب في هذا الصنف باعطاء مبررات تضمين هذه المجالات في ميدان الدفاع، وبالتالي فالأمر لايحتاج بذلك قيام مؤسسة تحدد للملك مجالات الدفاع التي يجب أن يتقيد بها الملك مادام الدستور بعينه يحددها بكل وضوح .
ثانيا أن هذه السلطة التقديرية رغم اتصافها بالتوسع الا انها تكون محدودة باطار قانوني نرجعه الى عبارة " يُخَول" (التي سنناقش آثارها في الأجزاء اللاحقة )الواردة في الفصل 59 أعلاه والتي تعني ان الملك هو "مُخَوَّلُ" الصلاحيات، وان هناك "المُخَوِّلُ"، وهو كل المؤسسات الدستورية المنصوص عليها في هذا التعديل الدستوري الأخير، والتي تملك اختصاصات متعلقة بالدفاع بناء على الدستور . وهو مايعني ان الملك لا يجوز له ان يُمدد من اختصاصات الدفاع الى حدود يتجاوز فيها من جهة الحدود الدستورية في الحالة العادية للمؤسسات المُخَوِّلة عند ممارستها للمجالات الخاصة بالدفاع، فك مثال ان يصدر الملك ظهير بمثابة قانون النظام العسكري، وهو الذي لايخوله الدستور للبرلمان في اي فصل من الفصول التي تنظم صلاحيات البرلمان بتاتا، ومن جهة أخرى لايجوز له أثناء حالة الاستثناء أن يمدد صلاحياته الى ان تبلغ سلطات المحاكم العادية، أو مؤسسات الحكامة وغيرها من المؤسسات التي لا تملك وبالتالي لا تُخول اختصاصات الدفاع. وعليه فالامر كمابينا سابقا لايحتاج مؤسسة او جهة تحدد لنا مجال صلاحيات الملك اثناء حالة الاستثناء بل يكتفي الرجوع الى تحديدات الدستور.
- عمومية اللفظ في تخويل الملك لممارسة الاجرءات التي ترجع الوضع العادي :
الرد على الحجة :
ان الرد على هذه الحجة بسيط بسيط، فعبارة "ويقتضيها الرجوع " الوارد في المقطع الاخير من الفقرة الاولى من الفصل 59، تظهر على انه شرط مقيد بتحقق اصل الشرط وهو أجراءات الدفاع، بمعنى ان هذا اللفظ وإن تمتع بالعمومية فهو لفظ مرتبط باجراءات الدفاع اي أن قصد المشرع سار نحو مايلي : " للمك الحق في ممارسة اجراءت الدفاع التي بامكانها ارجاع الوضع الى ماهو عليه في اسرع وقت ممكن ". وهذا أبان على أن هذه العمومية مقيدة باجراءات الدفاع التي لا يجوز للمك مجاوزتها. أي انها لاتعدو الا داخلة في اطار مافصلنا فيه أعلاه من ردنا على الحجة الاولى .
وبخوضنا داخل هذه الاركان معا ، يمكننا الوقوف انذاك لدى الاشكاليات التالية:
الاشكالية الاولى : حالة الاستثناء وإجراء التوقيع بالعطف .
وفي هذه النقطة بالذات نعالج ما يمكن ملاحظته على الفصل 59 من الدستور المعدل في علاقته بالفصل 42 (الفقرة الاخيرة).
أولا : إشكالية تحديد الاصل من الاستثناء.
إن المُسَلّم به في علم القواعد الفقهية أو الاصولية، هو أن القاعدة الاصل دائما ماتتصف بالتوسع في فهمها ، وأن قاعدة الاستثناء هو مايخالف ذلك، ان حالات الاصل تكون غير محددة بينما حالات الاستثناء تكون محددة بعِدَّتها وبعددها لانها لو لم تكن كذلك وتم التوسع فيها وفي حالاتها، آنذاك قد نصل الى اعتبار القاعدة الاستثنائية أصلا ثانيا.
وفي حدود التطبيقات الدستورية لهذه القاعدة، نجد المراجعة الدستورية الاخيرة في فصلها 42 الفقرة الاخيرة، تنص على مايلي :
" تُوقع الظهائر بالعطف من قبل رئيس الحكومة، ماعدا تلك المنصوص عليها في الفصول 41 و 44 (الفقرة الثانية) و 47 (الفقرة الأولى والسادسة) و51 و57 و59 و 130 (الفقرة الأولى) و 174 ".
وبناء عليه يمكن إعتبار هذا الفصل محددا بشكل صريح للقاعدة الاصل، وهي ان توقع جميع الظهائر كيفما كانت بالعطف من لدن رئيس الحكومة. أما الإستثناء فهو محدد أيضا - حسب مقتضيات الفصل- في حالات معدودة تشمل ظهائر ملكية مُبينة في فصول محددة لا يوقع عليها رئيس الحكومة بالعطف، وهي الفصل 41 بشأن الصلاحيات الدينية لجلالة الملك، والفصل 44 المرتبط بالشخصيات التي يعينها الملك، والفصل 47 بشأن تعيين رئيس الحكومة وأعضائها أو إعفائهم، و الفصل 51 المتعلق بحل البرلمان، و الفصل 57 المتعلق بتعيين القضاة، والفصل 59 المتعلق بحالة الاستثناء، والفصل 130 الفقرة الأولى والرابعة المتعلقتين بتعيين بعض قضاة المحكمة الدستورية، والفصل 174 المتعلق بمقترحات ومشاريع تعديل الدستور .
واذا كانت دراستنا في هذا الصدد منصبة على حالة الإستثناء وحدها، فإننا سنحاول إكتشاف مدى واقعية التطبيق الفعلي لقاعدة الأصل والاستثناء بين الفصل 42 في البند الاول من الفقرة الاخيرة منه والفصل 59 .
بعدما عرفنا من مقتضيات الفصل 42 ان القاعدة الاصل هي توقيع رئيس الحكومة على الظهائر الملكية بالعطف، وبعدما عرفنا ايضا أن نفس الفصل قد حدد حالات استثنائية ومن بينها الفصل 59 . دعونا الآن ندخل في غمار هذا الفصل لنرى مدى محدودية الظهائر في هذا الاستثناء .. ولابأس ان نُذكر-القارئ- بأن الاستثناء يكون محدود دائما النوع والعدد.
إنه وبتأملنا للفصل 59 من الدستور المغربي، خاصة من زاوية صلاحية الملك في اصدار الظهائر نجد ان عدد الظهائر عموما تنقسم الى ثلاثة انواع :
- ظهير الإعلان .
- ظهير الرفع .
- ظهائر الاختصاص، ونقصد بها تلك التي يمكن للمك ان يصدرها بناء على صلاحياته الواسعة في اتخاظ اجراءات الدفاع عن الوحدة الترابية.
- يتم إعلان الملك لحالة إستثناء واحدة بموجب ظهير واحد، وهو الأمر الذي يساير المنطق وفي نفس الحين يساير صفة محدودية العدد التي تمتاز بها قاعدة الاستثناء .
- بناء على الفقرة الاخيرة من الفصل 59 يمكن إدراك ان اجراء الاعلان اذا اتخذ بظهير واحد، فان ذلك يعني ان اجراء الرفع لا يتم الا بنفس الاجراء اي ظهير رفع واحد . وهو مايتفق كذلك مع صفة المحدودية.
- ان للملك في حالة الاستثناء سلطة تقديرية واسعة تفرض له صلاحيات غير محدودة في جانب الدفاع عن الوحدة الترابية، اي ان عدد الظهائر التي قد يصدرها جلالته غير محدود ، وهو ما يتعارض ما صفة قاعدة الاستثناء التي يدخل الفصل 59 و فصول أخرى ضمنه، اذا ماعتبرنا البند الاول من الاخيرة من الفصل 42 هو الأصل.
مايترتب عن خرق قاعدة توسع الأصل ومحدودية الإستثناء في هذه الحالة:
- تواجد نقاط إلتقاء بين الإستثناء والاصل، وبالتالي اي الأحكام نطبق عليها هل حكم حالة الاصل ، ام حكم قاعدة الاستثناء .
- انعدام وجود الاستثناء، واقرار أصلين ، وبالتالي ايهما سنعتبره استثناءا عندما نكون امام ضرورة وضع الاستثناء .
بعدما تحدثنا عن الاختلال الذي قد يحدثه إنعدام تحديد الحالات الاستثنائية التي لايوقع فيها رئيس الحكومة على الظهائر الملكية بالعطف، فاننا في اطار الاجابة عن سؤال هذه الاشكالية لن نتجاوز مقتضيات الفصل 42 في فقرته الاخيرة في علاقت مع الفصل 59 المنظم لحالة الاستثناء .
وبناء عليه فإن ظاهر الفصل 42 في فقرته الأخيرة يحيل إلى ان رئيس الحكومة لا يوقع بالعطف على الظهائر الواردة في الفصل 59. وأن مايخرج عن هذا الفصل اذا لم يندرج ضمن قائمة الفصول المستثناة في الفصل 42 فإنه آنذاك يرجع الى الاصل وهو توقيع رئيس الحكومة بالعطف ولو لم ينص الدستور صراحة على ذلك.
وتنقسم الظهائر التي يوقع عليها رئيس الحكومة بالعطف إلى قسمين حسب التنصيص الدستوري، فالقسم الأول يتعلق بتلك الظهائر التي سكت النص المنظم لها على التصريح بإمكانية التوقيع عليها بالعطف من لدن رئيس الحكومة. ومع ذلك فانها تخضع لتلك المسطرة بناء على كون توقيعه اصلا لا استثناء . ومثاله الفصل 50 في فقرته الثانية بشأن ظهائر اصدارالامر بتنفيذ القانون. والفصل 99 بشأن حالة الحرب.
أما القسم الثاني ، فيضم ذاك النوع من الظهائر التي تنظمها نصوص دستورية تنص صراحة على خضوعها لمسطرة التوقيع بالعطف، وهي ايضا تطرح تأكيد النص الدستوري على دخولها في الاصل، وهو أمر لايليق إذا ماعلمنا بان التأكيد لايكون الا للإستثناء خوفا من ادخاله في الاصل لاخلاف ذلك. وهو مايمكن استجلائه في الفصل 74 عندما نص على مايلي : " يمكن الإعلان لمدة ثلاثين يوما عن حالة الحصار بمقتضى ظهير يوقعه رئيس الحكومة، ولايمكن تمديد هذا الاجل الا بقانون .".
وعلى العموم فبعودتنا الى الجواب على سؤالنا حول مدى إمكانية رئيس الحكومة في التوقيع بالعطف على ظهائر جلالة الملك فإنه يمكن إدراك إحدى أخطر هفوات الدستور، عندما نربط الفصول 74 و 99 و 59 من جهة والفصل 42 في فقرته الثانية من جهة ثانية على النحو الاتي :
أولا : في علاقة حالة الإستثناء بحالة الحصار .
إن خير مايمكن ان نعرف به الشيء هو التعريف بالاركان، لذلك فحالة الاستثناء التي ينظمها الدستور المغربي، يقصد بها حالة دستورية لها اجراءات خاصة، تكون نتيجة لظروف واقعية محتملة الحدوث تعرقل السير العادي للمؤسسات او تهدد الوحدة الترابية على العموم .
وإذا أخذنا بهذا التعريف مبدأيا فإننا نتوصل الى ان حالة الاستثناء هي حالة واسعة النطاق بحيث ان قد تشمل اي حدث يدخل في مجال أركانها الموضوعية، فتضم بذلك على سبيل المثال، الثورات، الانقلابات، والحرب (وخاصة الحرب الدفاعية)، الحصار، الحركات الاحتجاجية (اذابلغت من الخطورة مايدخلها في هذا المجال)...
وبناء عليه، فلو تعرضت الدولة للحصار من جهة معينة، فان من النتائج التي قد تترتب عنها هو تعرض السير العادي لمرافق الدولة للاختناق بحيث لا تقوم بعملها على أكمل وجه وهو ما يساير الركن الجوهري الثاني لحالة الاستثناء وفي بعض الاحيان اذا كان الحصار عسكريا فان الامر لامحالة سيمس بالركن الجوهري الاول لحالة الاستثناء، وهو مايستدعي بشكل آلي اللجوء الى مسطرة الاعلان عن حالة الاستثناء بموجب الفصل 59 من الدستور. فيشكل الحصار في هذه الحالة الركن الجوهري لحالة الإستثناء. وهوما يخول اعتبارها مندرجة في اطار الفصل 59 فيما يطبق عليه من أحكام الفصل 42 الفقرة الاخيرة، والتي تتلخص في ان كل الظهائر الواردة في الفصل 59 لا تكون خاضعة لمسطرة التوقيع بالعطف من لدن رئيس الحكومة. وهو مانجد خلافه اذا ما أخذنا بمقتضيات الفصل 74 من نفس الدستور الذي يقول بأن الاعلان عن حالة الحصار يكون بواسطة ظهير يوقع بالعطف من لدن رئيس الحكومة..
فأي الفصلين نتبع ؟
وأما عن القول بإمكانية جمع حكم الفصلين معا، حيث نكون اما السيناريو الاتي: إذا استشعر جلالة الملك بأن هناك مايدعو الى اعلان حالة الحصار، فانه سيقوم باصدار ظهير بعد التداول فيه في المجلس الوزاري مضمونه الاعلان عن حالة الحصار، وهو الامر نفس الذي سيشكل أساس اللجوء الى مسطرة حالة الاستثناء التي تبتدأ من الاستشارة الملكية وتنتهي في الخطاب الملكي . وهو مايجعل الفصلين 74 و59 في تكامل وانسجام، فتنتفي بذلك الاسس التي يقوم عليها السؤال عن اي الفصلين نتبع.
وحسب رأينا، فهذا توجه مردود لعلة بسيطة، هي ان حالة الاستثناء تكون دوما متصلة بعنصر الاستعجال، وهو ما يظهر من صياغة الفصل 59 ذاته حيث ان اللجوء الى حالة الاستثناء لايكون بعد حصول الخطر، وانما يكون قبل حدوثه لتجنب هذا الخطر، وهذا يُظهر حقيقة العبارة الاتية " اذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة..." ، " مايعرقل السير العادي...". إذن فكلمة التهديد والعرقلة هنا ببساطة تعبر عن مقدمات الخطر، وليس الخطر في حد ذاته، ولذلك فان الفصل 59 لم يُعَقِّد مسطرة اللجوء الى حالة الاستثناء لعلة الاستعجال، وهو خلاف ذلك في حالة السيناريوا أعلاه .
هذا علاوة على ان عنصر الاستعجال ايضا ينتفي عندما نتحدث قاعدة "توازي الشكليات"، حيث أنه بموجب هذه القاعدة لايتم رفع حالة الحصار بشكل صحيح الا بالطريقة التي تم اعلانها بها أي " بظهير". وبتالي فعودتنا الى حالة الاستقرار الدستوري بعودة المؤسسات الى عملها المعتاد – بعدما تم الاعلان عن حالة الاستثناء وحالة الحصار معا - يقتضي ان يتم رفع حالة الحصار أولا بظهير (يتم توقيعه من لدن رئيس الحكومة بالعطف) ثم بعد ذلك يتم رفع حالة الاستثناء ايضا بظهير لا يصدر إلا بعد اجراء الاستشارة، وتوجيه الخطاب الى الامة، وهو امر كما تلاحظ - ياسيدي القارئ - يستلزم وقتا طويلا ينافي عنصر الإستعجال .
ثانيا : في علاقة حالة الإستثناء بحالة الحرب و إشكالية ظهير الفصل 49.
ودون تجاوز ما آلت إليه آخر فكرة في تحديد العلاقة بين حالة الحصار وحالة الإستثناء، يمكننا أن نؤسس العلاقة بين حالة الاستثناء وحالة الحرب على نفس القاعدة، بمعنى أن حالة الحرب اذا كانت خاضعة للحكم الصريح الوارد في الفقرة الاخيرة من الفصل 42 (اي انها تخضع لتوقيع رئيس الحكومة بالعطف)، فإنها كذلك تطرح أمامنا مشكلة ادراجها ضمن إما ضمن احكام الفصل 59 (التي تقضي بعد اخضاعها للتوقيع بالعطف من لدن رئيس الحكومة.) أو أحكام الفصل 42 (والتي لا تُخضع الفصل 99 المتعلق بحالة الحرب للاستثناء الذي يخول للمك الحق في اتخاذ ظهير لايوقع عليه رئيس الحكومة بالعطف.) .
بيد أنه وبتعرضنا للفصل 99 من المراجعة الدستورية الاخيرة، والذي ينص على مايلي : " يتم إتخاذ قرار إشهار الحرب داخل المجلس الوزاري، طبقا للفصل 49 من هذا الدستور، وبعد إحاطة البرلمان علما بذلك من لدن الملك ". نستنتج ان قرار الاشهار يتم اعتماده بناء على مقتضيات الفصل 49 من الدستور. وهوالذي يطرح أممانا ضرورة الجواب على السؤالين التاليين :
السؤال الاول : هل يقع إصدار قرارات المجلس الوزاري بظهائر ؟
إن الفائدة من هذا السؤال، كامنة في تحديد جواب على سؤال آخر هو : هل قرار الحرب المنصوص عليه في الفصل 99 يعتبر ظهيرا ام لا ؟ وهو سؤال بدوره يحيلنا جوابه على إمكانية إدراجه (أي القرار) في خانة الظهائر التي توقع بالعطف أو لا.
لقد استطاعت التجربة الدستورية المغربية أن تجد جوابا صريحا على هذا السؤال، إذ ان كل المجالات والمشاريع الواردة في الفصل 49 لا يتم اعتمادها الا بعد صدورها في ظهير، على الرغم من تواجد فوارق مسطرية في كل مجال على حدة، فمثلا نجد مشاريع القوانين الاطار الواردة في الفصل 71 لا يتم اعتمادها بظهير الا بعد اصدار الأمر بتنفيذها من لدن جلالة الملك وفق الفصل 50 وذلك بعد مرور مسطرة تشريعية محددة يعرفها القارئ الباحث . بينما نجد مسطرة "السياسة العامة للدولة" تجعل محطة المجلس الوزاري آخر محطة يكون فيها قرار المجلس عبارة عن ظهير وهو عكس النموذج الاول (القوانين الاطار).
السؤال الثاني : بناء على السؤال الأول، هل يعتبر مايصدره المجلس الوزاري بناء على الفصل 49 قابلا للتوقيع بالعطف من لدن رئيس الحكومة ؟
بعدما عرفنا من خلال آخر فكرة توصلنا اليها، أن المجلس المجلس الوزاري يصدر قراراته التي تعتمد بواسطة ظهائر . جاز لنا البحث عن جواب للسؤال أعلاه . تفضي بنا الملاحظة الدقيقة للفصل 49 المنظم لمجالات تداول المجلس الوزاري، إلى صعوبة تحديد جواب صريح للسؤال أعلاه، إذ أن التسرع بالقول بالقاعدة الاصل (خضوع كل الظهائر الى مسطرة التوقيع بالعطف من لدن رئيس الحكومة)، بحجة وضوح الفصل 42 كما أوضحنا ذلك أعلاه، أمر يلزمه إعادة النظرخاصة إذا ما بنينا تحليلنا لحالة الحصار الذي ينص عليها الفصل 74 وحالة الحرب على كونهما مظهرين من مظاهر حالة الاستثناء، وهو مايترتب عنه خضوعهما لنفس الحكم الوارد في الفصل 42 الذي يستثني الفصل 59 المتعلق بحالة الاستثناء من مسطرة التوقيع بالعطف، وبالتالي فنكون امام عدم إمكانية إدراج الفصل 49 في حكم القاعدة الاصل. لوجود مجالات تخضع لمسطرة التوقيع بالعطف ومجالات اخرى لا تخضع لذلك، وهي مسألة بالتالي ترجعنا الى ضرورة تحديد التوقيع بالعطف انطلاقا من النص الاصلي لتلك المجالات التي يختص المجلس الوزاري فيها .
وعليه فاننا بعدما أن علمنا بان قرار الاعلان عن حالة الحرب المنصوص عليها في الفصل 99 هو بمثابة ظهير، فهو إذن لا يحتاج لنعلم هل يعد قابلا للتوقيع بالعطف ام لا اذا ما طبقنا قاعدة التحديد اعلاه .
الاشكالية 2 : الإستشارة الملكية للمؤسسات الواردة في الفصل 59، بين اشكالية السِّرِّ و الوضعية الخاصة للمؤسسات.
لقد تحدثنا في سابق الكلام عن ان لحالة الإستثناء أركان جوهرية واخرى شكلية، وفي معرض حديثنا هذا سوف نحاول تسليط الضوء على إحدى الاجراءات الشكلية من أجل الوصول إلى شرح أعمق لحالة الاستثناء على ما تركها عليه فقهاء القانون الدستوري .
وبتركيزنا إذن على مسألة الاستشارة الملكية بإعتبارها جزء من المسطرة الاجبارية التي يلتزم الملك بها في الاعلان عن حالة الاستثناء، يتضح لنا أننا في أمس الحاجة للاستفسار عن مفهوم الاستشارة، وتبيان أنواعها .. وذلك كله قبل التطرق الى السر من وراء ايراد المشرع الدستوري للمؤسسات المعنية بالاستشارة دون التنصيص على غيرها .
وعموما، فيمكن تعريف الإستشارة، على أنها طلب المشورة والرأي في موضوع معين، من طرف جهة محددة معترف بها، من جهة أو هيئة اخرى، وذلك بناء على نص قانوني معين يصرح بمشروعية اللجوء إليها.
وبخصوص حق اللجوء نميز يمكن التمييز في الاستشارة بين الإستشارة الإختيارية، أو الإستشارة الإجبارية .. أما الاستشارة الإختيارية فيقصد بها ان الجهة الطالبة للمشورة لهما السلطة التقديرية الكاملة في لجوئها او عدم لجؤها الى الاستشارة من الجهة الاخرى.. وهو العكس بالنسبة للاستشارة الاجبارية، حيث ان هذا النوع يفترض إجبار القانون في الحالات المحددة بموجبه، الجهة الطالبة للرأي في اللجوء إلى الاستشارة. غير أن هذا الوضع لايعني إجبار القانون للجهة المُستشيرة في الأخذ بمضمون الاستشارة، لأن مضمون هذه الاخيرة يبقى رأيا غير ملزم .
أما بخصوص الاستشارة الواردة في الفصل 59، فإننا مبدأيا نلاحظ أن مجرد التنصيص على الاستشارة يعتبر من من قبيل الاستشارة الاجبارية، لان هذه الاخيرة لايمكن ان تستقيم بعدم التنصيص لإعتبار أن الأصل في الاستشارة هو الإختيارية، وبالتالي فعدم لجوء جلالة الملك لها في حالة توفر الاركان الموضوعية أمر يجعل مسطرة الاعلان عن حالة الاستثناء معيبة بعيب الانحراف عن المسطرة التي يحددها الدستور.
ومن أجل الاستعاب الجيد لقارئنا في بحثنا عن اجابة لإشكاليتنا أعلاه، فضلنا تناول الموضوع كمايلي :
أولا : سر الاستشارة الملكية للمؤسسات الدستورية المعينة في الفصل 59 من الدستور المغربي.
يشترط الفصل 59 من الدستور المغربي في الاستشارة، توجه جلالة الملك بشكل اجباري في حالة إستشعاره بوجود إحدى العوامل التي تدخل ضمن الأركان الجوهرية لحالة الاستثناء إلى رئيس الحكومة و رئيس المحكمة الدستورية ورئيسي مجلسي البرلمان، من أجل أخذ رأيهم قبل اصداره لظهير الاعلان عن حالة الاستثناء.
ولعل مايجب الاجابة عنه في هذا الصدد كامن في السؤال التالي : مالسر من وراء اختيارالمشرع الدستوري المغربي لهذه المؤسسات بالتحديد ؟
إنه وقبل التعرض لرأينا من هذه الإشكالية لزِم القول أولا بأن كلمة "رئيس" التي تضاف أمام كل مؤسسة يذكرها الدستور في الفصل 59، ليست عبارة يمكن الاحتجاج بها ضد القول بان المشرع الدستوري لايقصد المؤسسة بعينها وأنه يقصد الرئيس في حد ذاته، لأن القول بخلاف ذلك يؤدي بنا الى أن الملك ليعلن حالة الاستثناء يحتاج الى الاستشارة مع الحكومة رئيسا ووزراء، والبرلمان بكل أعضائه فضلا عن كل أعضاء المحكمة الدستورية، وهو أمر عسير يتنافى وعنصر الاستعجال الذي هو المقصد من حالة الاستثناء، وهي الحجة - حسب رأينا - التي تفسر لجوء المشرع الدستوري إلى مبدأ التمثيلية ليضمن سهولة مسطرة الاعلان كذلك الرفع، حيث اعتبر ان الاستشارة مع رؤساء المؤسسات هو بمثابة استشارة مع كل هذه المؤسسات، وهو أمر تترتب عنه نتائج من بينها مشروعية العمل الملكي في القيام بأعمال الدفاع في حالة الاستثناء. وهو ماسنثبته في قادم الكلام .
وفي ظل الحديث عن ما اعتبرناه سرا، لزم التدقيق في عبارة "يُخَوَّلُ الملك" الواردة في الفصل 59، فهي عبارة توحي - كما يتضح - بأن الملك لا يملك الاختصاص الاصلي والكامل ( والمقصد من هذه العبارة ان الملك قد يملك قسطا كبيرا من الاختصاصات المتعلقة بالدفاع لكنه لا يملكها بشكل كامل لأن هناك مؤسسات دستورية وغير دستورية لها نفس الاختصاص.) بخصوص إجراءات الدفاع ومايتعلق بها، في الحالة العادية، وأنه اصبح يتمتع في حالة الاستثناء بكامل الصلاحية في ممارسة اجراءات الدفاع وكل مايتعلق بها .
اذن فيبقى السؤال الذي يطرح، هو ماهي المؤسسات التي تتمتع بالصلاحيات المتعلقة مجالات الدفاع في الحالة العادية؟ اي ماهي المؤسسات الدستورية التي تخول الملك في حلة الاستثناء دورها في مجالات الدفاع ؟
انه ومن خلال الاجابة عن هذا السؤال، سيتضح لنا مباشرة السر من وراء الاستشارة الملكية في الفصل 59 المتعلق بحالة الاستثناء، وعلى العموم فان الهيئات التي لها علاقة بمجالات الدفاع في الدستور هي الحكومة والبرلمان بغرفتيه فضلا عن المحكمة الدستورية، وهي نفس المؤسسات التي ينبغي على الملك استشارتها اذا توفر احد الاركان الجوهرية لحالة الاستثناء . وهذا هو السر الحقيقي من وراء ايراد هذه المؤسسات بشكل حصري ومحدد. وبالتالي فهذا مايمنح الشرعية الكاملة للملك في ممارسة اجراءات الدفاع عن الوحدة الترابية اذا أُعلِنت حالة الاستثناء .
وبناء على هذه المعطيات وجب علينا من باب التوضيح ايضاح وجه اختصاص هذه المؤسسات في ميدان الدفاع وكل ما قد يتعلق به . وذلك كمايلي :
- الملك :
ولعل مايؤكد ايضا هذا الكلام ( للمزيد في هذه النقطة، راجع، مصطفى قلوش، النظام الدستوري المغربي، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط، المغرب، ط4، ص22.) هو خطاب 19 غشت 1972 عندما قال جلالة الملك الراحل الحسن الثاني : "... ولهذا قررت من اليوم أن ألغي منصب وزير الدفاع وكذا منصب المأجور العام المساعد على أن وزارة الدفاع ستكون على شكل إدارة أدير شؤونها بنفسي ...". وهذا مايوحي بالمسؤولية الاولى لجلالة الملك في الحفاظ على دوام الدولة واستقلالها..
- الحكومة :
ولعل مايوحي ايضا على ان للحكومة دورا فعلا في مسائل الدفاع عن الوحدة الوطنية داخليا وخارجيا هو الفص 54 عندما نص على ان تركيبة المجلس الاعلى للامن تضم رئيس الحكومة و وزراء محددين . هذا فضلا عن الفصل 92 المنظم لمجالات تداول مجلس الحكومة خاصة في بنده 5 الناص على "القضايا الراهنة المرتطة بحقوق الانسان والنظام العام"، هذا الاخير الذي يضم مجالات ثلاثة قد ترتبط بمجالات الدفاع في حالات الاستثناء، خاصة منها مايرتبط بالسكينة العامة والامن العام. هذا بالاضافة الى مراسيم القوانين والمراسيم التنظيمية المنصوص عليها في البند 7 و 8، وهو مايشرع للملك بموجب الفصل 59 تملكه لإصدار المراسيم في حالة الاستثناء .
- غرفتي البرلمان :
ولمعرفة مظاهر اختصاص البرلمان في مجال الدفاع وجب اولا الاستئناس بالفصل 71 من فقرته الاولى الذي يقول " يختص القانون، بالاضافة الى المواد المسندة اليه صراحة بفصول اخرى من الدستور بالتشريع ...". وهو مايعني ان مظاهر تخصص البرلمان بغرفتيه في مجالات الدفاع او كل مايتعلق به تنقسم الى نوعين :
وأما النوع الاول فيظهر في الفصلين 74 والفصل 99 المتعلقين بحالتي الحصار والحرب. حيث ان تدخل البرلمان وان كان تدخلا غير اساسي في هتين الحالتين قد يشكل عائقا امام جلالة الملك في حالة رفعه لحالة الاستثناء، وبالتالي فبموجب الفصل 59 فان البرلمان يخول الملك حقه في تمديد حالة الحصار، كما ان الملك ايضا يستغني عن احاطة مجلسي البرلمان علما باعلان الحرب، ولعل هذا يكون اذا افترضنا وجود حصار او حرب لا تصل الى اكمال الاركان الجوهرية لحالة الاستثناء، والا فاننا سنكون امام تناقض دستوري ، او اهمال لعنصر الاستعجال وهو ماتناولناه بالتفصيل في الاشكالية الثانية من هذا المقالة .
أما بخصوص النوع الثاني، فهو يظهر من خلال الفصل 71 المنظم لقوانين الاطار، حيث ان البند 13 المتعلق بنظام مصالح وقوات حفظ الامن، يُأصل لمجال من المجالات التي قد تتعلق بمسائل الدفاع عن الوحدة الوطنية، الا اننا قد نلقى إشكالا في هذا الصدد !!
لعل أسهل طريقة لتوضيح الاشكال الذي توصلنا اليه في هذا المقام، هو وضع مقارنة بين القانون العادي الممدد لحالة الحصار والذي قد يتكرر كلما تكرر الوضع المؤدي لها وبالتالي فقد نسميها على ذلك بقانون الظرف أي القانون الذي لايصح وضعه الا اذا حدث ظرف معين، أما قوانين الاطار (ومن بينها نموذجنا في البند 13 من الفصل 71) فلا يحكمها مثل هذا الشرط او الظرف بل قد تكون قبل وقوع الظرف، أو حتى بعده . وفي هذه الحالة الاخيرة (اي ان يكون قانون الاطار لاحقا لإعلان حالة الاستثناء، وقبل رفعها ) ففي هذه الحالة يخول الملك بناء على الفصل 59 اذا تعلق قانون الاطار باجراءات الدفاع، الحق في اصدار هذا القانون دون ان يمر في المسطرة التشريعية الموضحة في الفصل 84، وهذه الحالة على هذا القول لاتطرح امامنا اي اشكال .
بيد ان ما يطرح الاشكال الذي حدثناك به سلفا، هو صدور قانون الاطار المرتبط باجراءات الدفاع قبل اعلان حالة الاستثناء. وهو مايعني ان البرلمان لم يترك الفرصة امام جلالة الملك ليمارس صلاحياته وفق الفصل 59. وهو مايطرح بدوره اشكالية توقف نجاح احدى عمليات الدفاع عن الوحدة الوطنية على اصدار جلالة الملك لقانون الاطار الذي اصدره البرلمان قبلا وهو ماقد يوحي للبعض ان اختصاص جلالة الملك في هذه الحالة قد انتهى على الاقل من جهة هذا المظهر من مظاهر تدخل البرلمان في مجالات الدفاع عن الوحدة والسيادة الوطنيتين.
وأما عن رأينا في هذا الصدد، فهو مُسند الى ضرورة توسيع دائرة فهم عبارة " يُخوَّل الملك..." حيث ان هذه العبارة في نظرنا قد تصل الى درجة إمكانية الغاء أي قانون كيف ما كان، ولو كان قانونا تنظيميا، اذ ان مجرد توقف الاجراءات التي يخولها الدستور لجلالة الملك في حالة الاستثناء على مجال من مجالات القانون او الحكومة او غيرها من المؤسسات، أمر يجعله متنصلا من كل القيود الدستورية والقانونية بصفة عامة، وبالتالي فرهانة عمله في ظل الفصل 59 بقانون اطار تم وضعه سابقا، ام يجعل الغاء ذلك القانون من بين اجراءات الدفاع نفسها فجاز بذلك الغاء القانون.
وما نشترطه في هذا الرأي هو ان جلالة الملك ليس من حقه الغاء او اصدار قانون منافي لذلك القانون كيف ما شاء، بل انه مرهون بقيامه بما يجب على البرلمان ان يفعله في مثل هذه الاجراءات وهو ماسنبينه في الحال .
اذا كان الفصل 133 من الدستور المغربي يمنح القانون حصانة ضد الالغاء انطلاقا من اعتماده لتقنية الدفع، فان احتمال الغاء القانون لا يمكن الا بموجب القاعدة التالية " لا يلغي القانون الا القانون، ولا يعدل القانون الا بالقانون " وهذا مايعني ان جلالة الملك في حالتنا هذه ، قد يلجأ الى اصدار قانون اطار آخر يحمل نفس عنوان قانون الاطار الذي أصدره البرلمان قبل اعلان حالة الاستثناء، بموجبه قد ينص على احدى النصين الاتيين او هما معا :
النص الاول : يلغي هذا القانون، كل نص قد تم العمل به في القانون رقم .. المؤرخ في .. (ويتم التنصيص في الفراغ على رقم وتاريخ اصدار الامر بتنفيذ القانون الذي اصدره البرلمان قبل اعلان حالة الاستثناء).
النص الثاني: تعدل فصول هذا القانون المقتضيات التي تم التنصيص عليها في القانون رقم كذا تاريخ كذا . (وهنا يورد جلالة الملك في ذلك القانون الجديد المقتضيات التي تتوقف عليها اجراءات الدفاع).
غير ان ما يطرح اشكالية جديدة هي الحالة التي يكون فيها قانون الاطار المتعلق بالدفاع قد أُصْدِر في حقه قرار من المحكمة الدستورية تقر بدستوريته، وهو الامر الذي يجعل ذلك القانون محصنا من جميع الجهات، فلا يمكن بالتالي الغائه لا بالتعديل ولا بالالغاء الصريح، ولو كان اقتراح الغائه مقدما من المحكمة الدستورية نفسها أو من جلالة الملك او من اي جهة اخرى، وذلك كما تم توضيحه في الفقرة الاخيرة من الفصل 134.
إن الحل في نظرنا لتخلص جلالة الملك من هذا القيد يبقى -حسب رأينا- مرهون بمراجعته للدستور مراجعة شاملة، او مراجعة جزئية تهم بالتحديد الفقرة الاخيرة من الفصل 134. ولا يجوز له في اي ظرف من الظروف خرق مقتضى هذه الفقرة، ولو بحجة القيام باجراءات الدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد المبينة في الفصل 59، لان هذه الاجراءات تتأسس على سلطة التخويل لا على الحرية المطلقة للملك. "والله اعلم"
- المحكمة الدستورية :
ان عَملنا في هذه النقطة بنفس الطريقة التي قمنا بها في تبيان علاقة المؤسسات باجراءات، انطلاقا من معاينة طبيعة الاختصاص، امر لا يمكنه ان يفضي لنا بنتائج قوية ومعتبرة، إذ ان النظر في صلاحيات المحكمة الدستورية كما بينها الدستور لا توحي بشيء يدل على الدور الذي تلعبه المحكمة الدستورية في مجال الدفاع عن الوحدة الوطنية وسيادة البلاد .
وما قد يساعدنا في هذا المقام، قبل الخوض في الاهم، هو ان للمحكمة الدستورية أسس قانونية ودستورية قوية تتجسد في الفصول 132 و133 و134، تستطيع من خلالها عرقلة عنصر الاستعجال الذي تشترطه حالة الاستثناء، وهو ما يستدعي بالضرورة جعلها في قائمة المؤسسات المُستَشَارة التي تخول الملك حق ممارسته لصلاحيتها بشكل قانوني .
و لتبيان أهم مظاهر هذه العرقلة يجب اولا ان نعرف البرلمان في ظل حالة الاسستثناء لايجوز حله إلا في الحالة التي يكون فيها الحل مرهونا بمجال الدفاع، عنده فان جلالة الملك يمارس حقه في الحل بناء على الفصل 51 الذي يحيل على الفصول 96 و 97 و 98 وذلك بنا على النتيجة التي توصلنا اليها في ان عبارة التخويل الواردة في الفصل 59 انما هي عبارة تدل على ان الملك يستحوذ على جميع السلطات المتعلقة بمجال الدفاع، وانه ان قمنا بجرد المؤسسات التي لها علاقة بمجالات الدفاع بشكل مباشر، فاننا نجد الملكية تستحوذ على نصيب الاسد، اي ان ملكية حالة الاستثناء تخول اختصاصات ملكية الحالة العادية، وان الملك لا يمكن ان يستشير نفسه ثم يخول لنفسه ما له اصلا، لذلك خلت الملكية من الهيئات المستشارة في الفصل 59 .
وعموما فان عدم امكانية حل البرلمان في الحدود التي بينها للتو، أمر يترتب عنه، بقاء السلطة التشريعية ممارسة لإختصاصاتها في حالة الاستثناء، ماعاد مايتعلق منها بمجال الدفاع حيث يقوم جلالة الملك باصداره. غير ان هذا الحديث لا يعني حرمان المعارضة من حقها في اللجوء الى المحكمة الدستورية، وهو مايعني أن الملك في اطار ممارسته لهذا الاستثناء قد يتعرض من الناحية المسطرية لعرقلة المحكمة الدستورية. وهو مايجعلنا نتحدث عن امكانية الملك في ان يُخول القيام باعمال المحكمة الدستورية .
لقد سلمنا سابقا بان جلالة الملك بموجب حالة الاستثناء يخُول القيام باجراءات الدفاع الخاصة بمؤسسات الاستشارة، الا ان مايطرح نفسه بقوة في هذا الصدد، هو كيفية قيام جلالة الملك بعمل المحكمة الدستورية. هل تعفى فقط أعماله التي تخضع لرقابة المحكمة الدستورية من الرقابة التي تمارسها هذه الأخيرة، أم انه يتم تعطيل المحكمة الدستورية، ليقوم الملك بدورها ؟
1 – اعفاء الملك من الرقابة، وبقاء المحكمة تمارس اختصاصاتها .
ان المرمى من هذا الاعتبار، هو ان المحكمة الدستورية ان إستمرت في عملها اثناء اعلان حالة الاستثناء، فإنها بلا شك ستعيق عمل جلالته أثناء ممارسة اختصاصاته في هذا الظرف، لذلك فمن المفيد - حسب هذا الاعتبار - ان ترفع رقابة المحكمة الدستورية على اعمال جلالة الملك التي يمارسها بالنيابة عن السلطة التشريعية و التي لها علاقة بالدفاع، مع إستمرارها في أداء أعمالها الأخرى التي لا تدخل في مجالات الدفاع عن الوحدة الوطنية وسيادة الدولة.
ومما يُحتج به أثناء الاخذ بهذا الحل هو ماورد في الفقرة 4 من الفصل 132، والذي يقول مايلي : " تبت المحكمة الدستورية في الحالات المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من هذاالفصل، داخل أجل شهر من تاريخ الإحالة. غير أن هذا الأجل يُخفض في حالة الاستعجال إلى ثمانية أيام، بطلب من الحكومة. ".. وعين الحجة في هذا النص كامنة في عنصر الاستعجال الذي يشكل أيضا اساس العمل اثناء اعلان حالة الاستثناء كما علمنا سلفا، وبناء على علاقة التلازم هذه –حسب هذا الإعتبار- يمكننا ان نبني ان للمحكمة الدستورية اثناء حالة الاستثناء دورا، لا يدخل في مجالات الدفاع، وفي نفس الوقت لا يعرقل الاجراءات التي يمارسها الملك، وضمن هذا الدور الاخير يندرج مقصد هذا النص. وما يؤكد لنا من جهة اخرى مدى قوة هذه الحجة هي ماورد في الفصل 25 من القانون التنظيمي للمجلس الدستوري الذي يصيب مايلي : " في الحالات المنصوص عليها في الفصل 48 من الدستور ( دستور 1996 ) يحيل الوزير الاول القضية الى المجلس الدستوري، ويبت هذا الاخير فيها خلال شهر، وتخفض هذه المدة الى ثمانية ايام، اذا صرحت الحكومة بان الامر يدعوا الى التعجيل.". وهو الامر الذي يتماشى ويتفق ويساير الفكرة التي ينادي بها المتفقون مع هذا الاعتبار، أي ان الاستعجال الوارد في هذين الفصلين لا يمكن ان يكون الا مرتبطا بحالة الاستثناء.
وفضلا عن ماسلف، يمكن استنتاج أن للمحكمة الدستورية نوعين من الإختصاص في ظل حالة الاستثناء، أما الأول فيرتبط بمجالات الدفاع وفيه لاتقوم المحكمة الدستورية بعملها المعتاد، لان جلالة الملك هو من يتولى تلك الاختصاصات، وتفاديا للعرقلة فان المحكمة الدستورية ترفع يدها على مراقبة هذا المجال. أما النوع الثاني فهو يجسد ما لايدخل في مجالات الدفاع عن الوحدة الترابية الوطنية، و تقوم فيه المحكمة الدستورية بعملها المعتاد.
غير انه يبدوا لنا أن من الاهمية بما كان ان نشير إلى ان مايميز هذين الاختصاصين هو صفة "عدم التعيين أوالتحديد"، بمعنى أن المحكمة الدستورية يصعب عليها تحديد متى قد تعرقل بممارستها لعملها العادي مايخوله الفصل 59 للملك من إجراءات للدفاع، وهو الأمر نفسه الذي سيتعرض له جلالته، إذا ما أراد توسيع دائرة اختصاصه المتعلقة بمجالات الدفاع، بحيث ان المحكمة الدستورية ستحتج بتدخله في اختصاصاتها، او انه اعدم دورها بالكامل . ونفس النتيجة ستقع إذا صرحت المحكمة الدستورية بناء على النوع الثاني من اختصاصاتها بقرار اكتشف جلالة الملك أنه لامحالة سيعرقل الإجراءات التي اتخذها للدفاع كمقترحات المراجعة الدستورية التي قد يتقدم بها رئيس الحكومة أو أعضاء البرلمان.
وعلاوة على ماسبق، فإن ما احتج به انصار هذا الاعتبار في ان عنصر الاستعجال الوارد في الفصل 132 من الدستور ، والفصل 25 من القانون التنظيمي للمجلس الدستوري، هو استعجال حالة الاستثناء، أمر مردود، لا محالة. إذ ان عنصر الاستعجال في الحقيقة لايرتبط دائما في الدستور المغربي بحالة الاستثناء، بل قد يرتبط ايضا باعتبارات اخرى كضمان استمرارية المرافق العامة باصدار قوانين، أو كالنموذج الوارد في الفصل 86 من ضرورة ايداع مشاريع القونين التنطيمية في البرلمان قبل نهاية الولاية التشريعية الاولى التي تلي صدور نفس الدستور... وهي كلها مسائل يرتبط الاستعجال بها بالوضعية القانونية للمعني بها . وبالتالي فيترتب عن هذا الكلام، ان القصد من عبارة الاستعجال انما انصرفت الى حالات اخرى، فلا يجوز بذلك اعتبارها حجة مطلقة .
وفضلا عن كل هذا، فانه وبمسايرتنا لما قد تتوجه اليه حجج هذا الاعتبار، في ان الاستعجال قد يُعني ايضا بالاضافة الى الحالات الأخرى بحالة الاستثناء، فان ذلك سرعان ما يزول إذا ما علمنا أن الفقرة الثانية والثالثة المشار اليهما في الفصل132 ضمن فقرته الرابعة المشار اليها اعلاه، تتعلقان برقابة المحكمة الدستورية على مقترحات أو مشاريع القوانين التنظيمية التي صادق عليها البرلمان، ومقترحات النظامين الداخليين لغرفتي البرلمان، فضلا عن القوانين العادية التي لم يصدر الامر بتنفيذها بعد، وهي كلها من اعمال البرلمان، وهو ما يعني ان مجرد ارتباطها بإجراءات الدفاع أثناء حالة الاستثناء، أمر يخول مباشرة لجلالة الملك مسألة التصرف فيها، هذا مايعني حسب الفكرة الاولى لهذا الاعتبار، ان رقابة المحكمة الدستورية سترفع، وهو مايدل أيضا على ان الفصل 132 في فقرته الرابعة يبطل عمله، اي ان المحكمة لم تعد لديها امكانية في الاستعجال، واذا انتفى الاستعجال، انتفت معه الفكرة التي قد يُحتج بها في نصر امكانية اشتغال المحكمة الدستورية اثناء حالة الاستثناء .
2 - تعطيل المحكمة الدستورية وقيام الملك بكل أعمالها :
ان جلالة الملك حسب هذا الاعتبار، يشكل منارة تتجسد بكل دقة في حالة الاستثناء. اذ أن عنصر الرقابة الذي يشكل محور كل محكمة ، يجعل من جلالته بعد استحواذه عليها في ظل حالة الاستثناء، محورا للرقابة على اختصاصات كل المؤسسات الدستورية. التي لا تزال آنذاك في حالة اشتغال باعمال تكون خارج نطاق ميدان الدفاع او كل مايتعلق به . وهو الامر الذي يجعل ممارسة الملك للاختصاصاته اثناء هذه الفترة أكثر سهولة وآمانا من كل ما قد تعرقل به تلك المؤسسات جلالته اثناء ادائه للخدمة. فلو افترضنا على سبيل المثال ان البرلمان الذي لا يحل بصريح النص في الفصل 59 قد اصدر قانونا لايدخل في ميدان مجالات الدفاع لكنه في نفس الوقت قد يشكل او اخلالا سواء بصفة مباشرة او ضمنية يعيق اجراءات الدفاع التي يمارسها الملك .عندها حسب هذا الاعتبار جاز للملك بصفة قانونية ان يضع حدا لذلك القانون اولا باستخدام حقه الذي خوله البرلمان له بشكل آلي في ان يرفع رسالة الطعن قبل ان يصدر بنفسه الامر بتنفيذه، وبعد ذلك يقوم بالبت فيه. ونفس الحق سيستعمله ببته في مقتضيات الفصل 79، والفصل 73 من الدستور.
لعل الفائدة من هذا، هو ان الملك سيتلقى دعامة دستورية اخرى تمكنه من الوقوف على ادق التفاصيل في الدولة ومؤسساتها، وهي ماسيمكنه من تجاوز هذه الحالة العصيبة والامثلة في الافتراض لذلك كثيرة كثيرة . لذلك ففي اطار بته هذا، سيقوم بالرقابة على اعمال المؤسسات الدستورية في مطابقة اعمالها لروح الدستور، سواء من الناحية المسطرية التي تقرها الفصول الاخرى من الدستور في الحالة العادية، كمراعاته لمدى توافق القانون الذي اصدره البرلمان (اثناء حالة الاستثناء) للمسطرة التشريعية المنصوص عليها في الفصل 84 بالنسبة للقانون العادي، او الواردة في الفصل 85 بالنسبة للقوانين التنظيمية، كما أنه سيراقب مدى عدم خروج تلك العمال عن المغزى والمرمى من الذي يبتغيه الفصل 59 ، كأن يتقدم البرلمان باقتراح لمراجعة الدستور، في وقت قد يشكل ذلك مسا باجراءات الدفاع التي تشكل اساس حالة الاستثناء. وبالتالي فان اختصاصه في هذه الحالة لن يتوقف عند حد اصدار قرار موضوعه مراقبة صحة من عدم صحة اجراءات المراجعة. لانه من المحتمل ان تكون صحيحة، وهو ما قد يعرقل من جديد عمل جلالته. بل ان دوره في هذه سينفذ الى درجة رفض المقترح بحجة انه ليس من اختصاص البرلمان بل هو من اختصاصه هو ذاته (اي جلالة الملك)، بحجة خرق البرلمان لمقتضى الفصل 59 الذي يخول الملك الحق في ممارسة كل مايتعلق باجراءات الدفاع اثناء اعلان حالة الاستثناء، ومادام ان مراجعة الدستور هاهنا قد تعرقل اجراءات الدفاع التي يتخذها الملك، فانها بذلك تدخل مجالات الدفاع نفسها، فيكون التعليل الذي يقدمه جلالته (في اطار استحواذه على المحكمة الدستورية) تعليلا سليما وقويا من الناحية الدستورية.
واخيرا يجب التذكير ان دور المحكمة الدستورية في ظل حالة الاستثناء، (اذا اعتمدنا منطلقات هذا الاعتبار) لا تكون معدومة بشكل نهائي، بل ان دورها يبقى رهينا بالاستشارة الواردة في الفصل 59 ، اي اسشارتي الاعلان والرفع، هذه الاخيرة التي تدل - حسب هذا الاعتبار- على تعطيل المحكمة الدستورية لا على الغائها بصفة نهائية .
وفي نهاية نقاشنا لهذه النقطة، يمكن ان ننطلق من جديديد نحو اشكاليات متوحة اخرى، من ان عبارة "يُخول الملك" المنصوص عليها في الفصل 59 ، لا تدل بالضرورة على ان الملك لا يملك اختصاصات في مجال الدفاع عن الوحدة الترابية، بل ان حالة الاستثناء حد ذاتها تخول لجلالته الحق في ممارسة باقي الاختصاصات التي تملكها المؤسسات الدستورية في مجال الدفاع وفي الحالة العادية. اي ان الحق في ممارسة اجراءات حالة الاستثناء قائمة دوما ولو بشك محدود. والقصد من ذلك ان الملك لا يرفع حالة الاستثناء في حالة الخطر دوما، بل ان ماله من اختصاصات في مجال الدفاع عن الوحدة الترابية قد تغنيه عن ذلك ، فتكون حالة الاستثناء لا قيمة واقعية لها .
ويبدوا ان هذه الافكار التي تحدثنا عنها لحد الان، هي افكار تندرج ضمن حالة استثناء دستورية تكون فيها المؤسسات المعنية في حالة عادية من حيث مكانتها الدستورية، اي ان الاشكال الذي سيزيد من تعقيد الامور اثناء تحليلنا لحالة الاستثناء هو الحالة التي تجتمع فيها حالة الاستثناء المنصوص عليها في الفصل 59 مع، الحالات الخاصة التي تتعرض لها المؤسسات الدستورية التي لها ادوار في حالة الاستثناء.
ثانيا : الحالات الخاصة لمؤسسات الاستشارة الواردة في الفصل 59.
إن اي علم، ولد من رحم ملاحظة علم آخر، ولعل الرغبة في تطوير هذا العلم لايتم إلا بنقد معطيات ذلك العلم نفسه. وبالعودة إلى أصل اشكاليتنا في هذه المقالة ندرك اننا قد حولنا تسليط الضوء على السر الكامن من وراء الاستشارة الواردة في الفصل 59 من الدستور المغربي، لنصل الى نتيجة مفادها ان الاستشارة وان كانت اختيارية في الاخذ بها، فانها لاتكون موجهة الا لجهة لها على الاقل دراية بموضوع الاستشارة، ولن نجد مايحقق هذا الشرط أكثر من جهة اختصاصها الاصلي هو موضوع الاستشارة. وهو الامر الذي ينطبق تماما على مؤسسات الاستشارة الواردة في الفصل 59، وهي التي لها صلة سواء بشكل مباشر او غير مباشر في مجالات الدفاع .
الا ان ما يهمنا في هذه النقطة هو التعرف على مدى صحة اجراءات اعلان حالة الاستثناء من خلال جزئية الاستشارة من جهة، والوضعية الخاصة للمؤسسات المعنية بالاستشارة من جهة ثانية، وذلك كله من اجل بلوغ أقصى نقطة يمكن الوصول اليها من خلال الملاحظة المباشرة للنصوص، وهذه هي غاية مذهبنا.
وعموما فاننا لابراز جوانب هذه الاشكالية، سننتهج الطريقة الاتية :
- الحكومة :
- حالة الحكومة غير المنصبة .
وباخذنا لهذا المنطلق، الذي يقضي بالتنصيب المزدوج للحكومة، فاننا نستنتج ان الحكومة لايجوز لها ممارسة اي صلاحية يقدمها لها الدستور الا بتوفر الركنين او التنصيبين معا، وهذا مايعني ان الحكومة الفاقدة للتعيين الملكي، وهو التنصيب الأولي لاتكون مستكملة لوجودها الشرعي الذي يخول لها ممارسة اعمالها، وفي نفس الآن سؤالها. ولو حدث ان أفرزت انتخابات مجلس النواب الاغلبية المستحقة للتعيين، اذ ان هذا الامر يبقى مجرد شرط لتحقق ركن التعيين فقط . وهو نفس الحكم الذي سنأخذ به بالنسبة للتنصيب الثاني الذي يمارسه مجلس النواب.
وخلاصة القول اذن، أن الحكومة غير المنصبة هي بمثابة مشروع أو مقترح حكومة يقدمه جلالة الملك الى مجلس النواب الذي يقوم بالتصويت عليه بمضمون قبولها او رفضها وفق الاغلبية المنصوص عليها في الفصل 88، على الرغم من ان الامر قد يبدوا في اول وهلة تصويتا على برنامج هذه الحكومة لا الحكومة نفسها، وهو ماقد نردعليه بحجة بسيطة، اذ ان مسألة الثقة بصفة عامة في الدستور المغربي يكون هدفها المس بكيان المؤسسة من خلال تسليط الضوء على عمل من اعمال هذه الاخيرة، الامر الذي يعني ان المقصد اذا خالف اللفظ ، فان المقصد يغلب على اللفظ، لان اللفظ يقوم والمقصد على خلاف ذلك . وعلى ذلك ندرك ان للحكومة غير المنصبة وجهان ااحدهما ايجابي والىخر سلبي، أما الايجابي، فيكون في الحالة التي تقع بين تعيين جلالته لأعضاء الحكومة المقترحة، وقبل تقديمها الى مجلس النواب من اجل البت في برنامجها بالقبول او بالرفض. أما الثاني وهو السلبي ، فيقع بين المدة التي تبدأ من وقت رفض مجلس النواب للتنصيب، الى حدود الفترة التي يتم فيها التصريح من جلالة الملك بتعيين مقترح حكومة جديدة (طبعا من خلال تعيينه لرئيس الحكومة).
وبخصوص كلا الوجهين، فاننا نلاحظ عليهما نقصا على مستوى التنصيب، وهو مايرتب - الفكرة التي انطلقنا منها - على ذلك النموذج عدم مشروعية القيام باي عمل من الاعمال التي يخولها الدستور للحكومة المكتملة اصلا،. فهل هذه القاعدة تأثر في دور رئيس الحكومة في حالة الاستثناء ياترى ؟
** موقعها في ظل حالة الإعلان عن حالة الاستثناء.
أرآيت يا سيادة القارئ، لو أننا آخذنا بما توصلنا إليه في آخر فكرة، وأضفنا إليها أنه لو وقع أثناء إعلان جلالة الملك لحالة الاستثناء تزامن مع احدى حالات الحكومة غير المنصبة، خاصة إذا استحضرنا ان مسألة اللجوء الى الاستشارة في ظل الفصل 59 أمر ملزم لما وضحناه قبلا. ومادام رئيس الحكومة من بين المؤسسات المستشارة في هذا الفصل، فان الفصل لا يقصد الا الحالة الطبيعية له اي في الحالة التي تتوفر فيه حكومته على الركنين اللذان تحدثنا عنهما سالفا. أما حالتنا هذه فهي حالة ناقصة، تطرح امامنا مدى صحة مسطرة الاعلان أو رفع حالة الاستثناء..
وبربطنا بين هذه المسألة من جهة وبين عنصر الاستعجال الذي تتأسس عليه حالة الاستثناء، فإننا سرعان ماسندرك بانه لا يجوز لنا رفض الاعلان عن حالة الاستثناء تحت أي ظرف كان، ولو كان مسطريا شريطة ان تتسم المسطرة بالنقص لا العدم، وما نقصده بهذا القول ان مجرد حدوث انعدام احدى مؤسسات مسطرة الاعلان او الرفع، يعني مباشرة عدم صحة المسطرة، وبالتالي يكون لكل من له المصلحة الحق في الطعن فيها، لكن مالجهة التي تختص بالبت في مثل هذه القضايا ؟
غير أننا نستوجب في شرطنا الذي وضعناه، ضرورة مراعاة نوع النقص الذي حدث، إذ النقص في هذه الحالة قد يكون بعديا، أو قبليا. فأما عيب النقص البعدي فهو الذي يصيب الحكومة أثناء أو بعد مزاولتها لعملها كسحب الثقة أو الحكومة المستقيلة، ونرى في هذا العيب، ان الحكومة مادامت قد اكتسبت تجربة ميدانية من خلال القيام باعمالها المعتادة، فإنها تكون اهلا للاستشارة (اللجوء اجبارية) فتصح المسطرة بها، كما أن الملك يُخول ممارسة إختصاصاتها التي كانت لهم قبل تعرضها للعارض الذي احدث لها نقصا. أما عيب النقص القبلي ( كما في حالتنا الخاصة بالحكومة غير المنصبة) فهو ذلك العيب الذي قد يحدث للحكومة قبل إكتمال مسطرة تنصيبها المزدوج. أي ان الحكومة فيه لم تمارس بعد أي إختصاص دستوري لها باستثناء الاقتراح الوارد في الفقرة الثانية من الفصل47، وبالتالي ففاقد الشيء لا يعطيه اي أن جلالة الملك يخول - حسب رأينا - اختصاصات الحكومة دون الحاجة الى إستشارة مع رئيس هذا النوع من الحكومات.
وأما عن ما نقوي به هذا الرأي فنُرجعها الى إنعدام الصفة و المصلحة لدى الحكومة غير المنصبة، حيث أنه حتى افترضنا تواجد هيئة تبت في المنازاعات المرتبطة باحترام المساطر الدستورية، فانها لابد ان تطلب من رئيس الحكومة الغير المنصبة كشرط إساسي لقبول دعواها في حرمانها من الإستشارة، صفته ومن ثم مصلحته، وهما شرطان لايتوفران في هذه النموذج الخاص من الحكومة، فحتى لو توفرت المصلحة فانها تبقى بلا جدوى لانها ترتبط دائما بالصفة التي تنعدم فيه الا حين تحقق التنصيب البرلماني المنصوص عليه في الفصل 88من الدستور .
- حالة حكومة تصريف الامور الجارية.
وانطلاقا من هذا المعطى، يمكن ان نستنتج ان حكومة تصريف الامور الجارية هي كل حكومة يقع تواجدها الزمني بين مدة انتهاء ولايتها الدستورية (وهذا الإنتهاء له نوعين : انتهاء طبيعي، ويقع بانتهاء مدة الولاية الحكومية المقررة في خمس سنوات، أما النوع الثاني، فهو انتهاء ظرفي او عارض يكون بانتهاء مدة العمل الحكومي نيجة ظرف معين، كسحب الثقة من البرلمان أو استقالة رئيس الحكومة...) من جهة، وتشكيل الحكومة الجديدة من جهة ثانية، من أجل تولي مهام المرحلة الانتقالية التي يكون الهدف منها هو تأمين الوضعية قبل دخول الحكومة الجديدة حيز الوجود الدستوري .
غير ان مايطرح الإشكالية الكبيرة في هذا النوع من الحكومة هو عبارة "التشكيل" فضلا عن طبيعة تلك الاعمال التي تقوم بتوليها. وهي إشكالياتان نتناولهما بايجاز قبل النظر في وضعية هذا النوع من الحكومات في حالة الاستثناء.
أولا : عبارة التشكيل بين التعيين والتنصيب .
إن لتحديد معنى عبارة "التشكيل" المنصوص عليها في الفقرة الاخيرة من الفصل 47، أهمية قصوى في تحديد النطاق الزمني الذي تمارس فيه حكومة تصريف الامور الجارية أعمالها. هذا خاصة إذا ما علمنا ان مفهوم التشكيل يحيط به مفهومين محورين في مسطرة تنصيب الحكومة، وهما التعيين والتنصيب.
وقبل دراسة هذه الاشكالية، يجب الـتأكيد أولا بأن مفهوم التشكيل لا ينصرف الى مفهوم آخر بعيد عن المفهومين التعيين الملكي اوالتنصيب البرلماني، إذ ان القراءة المتمعنة في ذات الفصل 47 تقر بربط التشكيل بالحكومة الجديدة. هذه الاخير التي لا تستقيم كما قلنا بذلك سلفا الا بتواجد تعيين ملكي يتبعه مباشرة تنصيب برلماني. وهو الذي يترتب عنه ارتباط مفهوم التشكيل بأحد اثنين لا ثالث لهما .
الاتجاه الاول : التشكيل هو التعيين.
إن الافتراض بكون التشكيل بمثابة التعيين أمر يترتب عليه تقلص الآجال الذي ينبغي فيه على حكومة تصريف الامور الجارية ان تمارس اختصاصاتها فيه، وذلك بالمقارنة مع افتراض كون التنصيب بمثابة التشكيل..
وبالتالي فإن المدة التي تمارس فيها الحكومة، الأعمال الجارية، تبتدأ مع إنتهاء الولاية التشريعية لمجلس النواب (وتبلغ خمس سنوات كما يبين الفصل 62 في فقرته الاولى) الذي انتخبها، الى غاية إفراز مجلس النواب الجديد أغلبية جديدة، يعين الملك فيها رئيس الحكومة الجديدة من الحزب المتصدر للانتخابات كما هو مُوضَّحٌ في الفقرة الاولى من الفصل 47. وهو مايعني - حسب انصار هذا الرأي- ان حكومة التعيين ستمارس كامل صلاحياتها دون الحاجة الى تنصيب، أو - في راي آخر موازي - ستمارس اختصاصات حكومة تصريف الاعمال بالنيابة عن الحكومة التي سلمتها تلك السلطة الى غاية تنصيبها، وأظنه بيت القصيد في عبارة كبير الفقه الدستوري في بلادنا، حيث قال : "... بحيث يقتصر عملها الى حين الحصول على تزكية البرلمان على مجرد إصدار القرارات الكفيلة بتسيير العمل اليومي للحكومة." ( د. مصطفى قلوش، النظام الدستوري المغربي، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، ص225.) ، وهما معا - في نظرنا- رأيان تَوَسَّمَا بعلة وخلل لاينبغي السكوت عنه.
واما عن حجية هذا الاتجاه فلعل أولها راجع الى ان الممارسة العملية الفعلة لهذا الفصل إقتضت كون التشكيل المطروح في الفقرة الاخيرة من الفصل 47، بمثابة تعيين، بحيث أن تسليم الحقائب الوزارية من طرف حكومة السيد عباس الفاسي السابقة لفائدة حكومة السيد بنكيران، لم يقع الا مباشرة بعد التعيين الملكي .
أما من جهة أخرى، فالحجية الثانية لهذا الإتجاه، قد ندركها من خلال ان الفصل 47 الذي وردت فيه عبارة التشكيل لايمكن فهمها إلا بالتعيين، لعلة واحدة هي "ضرورة فهم المجهول بسياقه"، إذ ان الناظر في مضمون الفصل 47 يوحي بأنه فصل لا يتحدث الا عن التعيين، لذلك فإن مقصد المشرع الدستوري أثناء صياغته لهذا الفصل لم ينصرف إلا لغاية إعتبار التشكيل بمثابة التعيين ذاته .
الاتجاه الثاني : التشكيل هو التنصيب .
أما اذا افترضنا كون التشكيل هو التنصيب - وهو ما نرجحه - ، فهو على العكس يرتب تمديد الآجال الذي تمارس فيه حكومة تصريف الامور الجارية اختصاصاتها الدستورية مقارنة مع الاتجاه الاول .
إن إتفاقنا مع هذا الاتجاه يقتضي منا التصريح بالدلائل الكافية المرجحة له، ولعل أرجح مايمكن الاحجتاج به هو انتقاد ما ورد من حجج وبراهين تقوي فكرة الاتجاه الاول. ذلك أن هذا الأخير - كما بينا أعلاه - يقضي بأن النهاية الزمنية لصلاحيات حكومة تصريف الأمور تقع بمجرد التعيين الملكي لرئيس الحكومة، وان الحكومة المعينة من قبل جلالة الملك إما أن تقوم بكل أدوارها الدستورية على انها قد استوفت كل الاجراءات التي تخول لها العمل بشكل مشروع، أو ان تقوم باستلام مهمة تصريف الامور الى غاية تنصيبها.
وهذان كما قلنا رأيان لا أساس صحيح لهما، إذ ان الأخذ بالرأي الاول سيجعل من التنصيب البرلماني أمر لاجدوى منه، بينما يبقى الرأي الثاني أيضا مجرد رأي لاقيمة له اذا علمنا بتناقضه لمقصد الفصل 47 في فقرته الأخيرة التي تتحدث عن عبارة، " ..الحكومة المنتهية مهامها..." وهي شرط لا يتوفر في الحكومة الغير منصبة، لأنها لم تمارس بعد اي اختصاص .
أما عن الحجة المتعلقة بالممارسة العملية، فهي ايضا حجة مردودة على أصحابها، لاننا لو تأملنا بشكل دقيق عبارات الفصل 47 في فقرته الاخيرة التي تتحدث عن حكومة تصريف الأمور، فاننا سنطر السؤال التالي :
لماذا لم يدرج المشرع الدستوري هذه الفقرة ضمن فصول الاحكام الانتقالية ؟
إن الاجابة عن هذه السؤال بصراحة سيجعل امر الرد على الحجة العملية امر هينا وسهلا. حيث ان المشرع الدستوري لم يدرج هذه الفقرة ضمن الاحكام الانتقالية لأنها مختلفة عن تلك الاحكام. ووجه الاختلاف كامن في ان الاحكام الانتقالية تقتضي قيام هيئة او مؤسسة دستورية في ظل الدستور المنصرم، باعمال الهيئة او المؤسسة المقابلة لها في الدستور الجديد الى غاية تأسيس هذه الاخيرة، أي ان هذا الأمر يتعلق بدستورين، أحدهما قديم والآخر جديد .
بينما فقرتنا التي نتحدث عنها لا يرتبط مضمونها بنفس الغاية، بل يرتبط الامر بحكومتين احدهما قديمة والاخرى جديدة في ظل دستور واحد هو الدستور الحالى (2011). وهذا يعني ان الحكومة المنصبة في ظل الدستور القديم (حكومة السيد عباس الفاسي) لا تخضع لمقتضى هذا الفصل، وبالتالي لايمكن اخذه كحجة للقول بان الممارسة العملية اثبتت بان التعيين هو التشكيل، بل ان حكومة السيد بن كيران الحالية والمتجهة الى الزوال هي من ستخضع لاحكام هذا الفصل، آنذاك امكن الحديث عن هذه الحجة التي تناقض اصل الحقيقة كمابيناها.
وخلاصة القول ان الحالة التي بمقتضاها سنتجاوز كل هذه العيوب هو اعتبار التشكيل تنصيبا. وبالتالي تقوم الحكومة المنتهية مهامها بممارسة اختصاصات تصريف الامور الى حين تنصيب مجلس النواب لحكومة التعيين، كما انها ستمارسها لو حدث ان وقع حل البرلمان من طرف الملك لمرات عديدة بحجة رفضه تنصيب حكومة التعيين كما هو مقرر في البند الأخير من الفصل 98 من الدستور .
ثانيا : طبيعة الاختصاصات التي تتولها حكومة تصريف الامور الجارية .
من الصعب تحديد المغزى من عبارة تصريف الامور الجارية قبل صدور القانون التنظيمي للحكومة القاضي بالتفصيل في ذلك بناء على الفصل 87 من الدستور، إلا ان ما نعرفه، هو أن قصد المشرع الدستوري في هذه العبارة قد انصرف الى توضيح ان تصريف الامور الجارية يبقى فقط جزء من الاختصاص الأصلي للحكومة المكتملة التنصيب المزدوج. أي ان حكومة تصريف الامور لا يجوز لها ان تمارس اختصاصات تدخل ضمن الأجزاء الآخرى. لذلك فاننا نستنتج حكومة تصريف الاعمال تشكل القاعدة الاصل في اختصاص الحكومة العادية، اي الاختصاص الذي تتمتع بها هذه الاخيرة دون ان تحتاج الى نص دستوري يبين لها ذلك. وهو اختصاص يتميز بالمرونة والقابلية للتوسع، ألا وهو الحرص على السير العادي والمضطرد للمرافق العامة في الدولة. فحكومة تصريف الأمور إذن، تقوم بممارسة كل الصلاحيات المتعلقة بالسير العادي للمرافق، وهي مهمة قد تنفذ عند الضرور في تقدير الحكومة، الى اي اختصاص حكومي اخر لا يعتبر في الاصل ضمن مجال استمرارية عمل مرافق الدولة. وهي اختصاصات تمارسها حكومة التصريف بناء على برنامجها الذي كانت تعمل به قبيل انتهاء ولايتها الدستورية.
ثالثا: الوضعية الدستورية لحكومة تصريف الامور في ظل حالة الاستثناء.
و رجوعا بنا إلى القاعدة التي وضعناها من أجل إظهار مدى صحة الاستشارة الواردة في الفصل 59 بالنسبة للحالات الخاصة للحكومة من عدمها، نستنتج أن حكومة تصريف الامور هي بمثابة نوع من الحالات الخاصة للحكومة التي لها طابع النقص البعدي .
وبناء عليه، فإنه لو حدث أن رأيت ياسيادة القارئ، ان حالة الاستثناء قد اكتملت اركانها الموضوعية في ظرفية تكون فيها الحكومة التي ينبغي على الملك استشارة رئيسها، في حالة حكومة تصريف الامور أو أي حكومة اخرى لها طابع النقص البعدي، فان تجاهل جلالته لرئيس هذه الحكومة امر لا يجوز، كما انه لا يجوز القول باختيارية لجوئه الى استشارة رئيسها، بل على العكس من ذلك تماما، لزمه الالتجاء الى هذه الاستشارة.
وأما عن حجتنا، فدعونا نرجع من جديد الى مقتضيات الفصل 47 في فقرته الاخيرة، حينما تقول : "تواصل الحكومة المنتهية مهامها، تصريف الامور الجارية الى غاية تشكيل الحكومة الجديدة ". ونذكر منذ أمد غير بعيد أننا صرحنا بأن الامور الجارية التي تقوم بها الحكومة مرتبطة بالأساس بمبدأ إستمرارية المرفق، وهي اختصاص يتميز بالمرونة والقابلية للتوسع، وبالتالي فإن حكومة تصريف الأمور وما جرى مجرها، تمتلك بعد إنتهاء عملها هذا الاختصاص الذي بسلطتها التقديرية قد توسعه ببرهان مبرر، ليشمل أيضا اختصاص الحكومة العادية في ميدان حالة الاستثناء، سواء بقيام رئيسها بدور المستشار في الاعلان أو في الرفع، او بقيامها في ظل حالة الاستثناء بأعمال لها صفتان، الصفة الاولى انها تهدف الى ضمان استمرارية المرافق، أما الصفة الثانية انها لا يجب ان تدخل في مجالات الدفاع ولو استهدفت هدف الصفة الاولى .
هذا بالاضافة الى ان خاصية المرونة التي تحدثنا عنها، لا يمكن بموجبها ان يتجاهل الملك اختصاصات حكومة تصريف الأمور، إذ أن امتلاكها هذا قد يصل في غالبه الى درجة ارتباطه بميادين الدفاع المقررة في يد الحكومة العادية، وأن الاستشارة ايضا كما قلنا لاتوجه الا لاصحاب الخبرة والممارسة، وهما معا أمران يتجهان في مصلحة إجبارية استشارة رئيس حكومة تصريف الامور الجارية أثناء اعلان حالة الاستثناء.
- البرلمان :
- حالة مابين الدورات البرلمانية.
إن للبرلمان المغربي حسب ما أشرنا اليه قبل قليل، دورتان عاديتين، فضلا عن امكانية عقد دورة استثنائية بناء عن الفصل 66 وهو مايدل على تواجد فراغ برلماني تعقد فيه هذه الدورة. لذلك فلتحديد هذا الفراغ، يكفي القول بان الحدود القانونية للدورات البرلمانية حسب الدستور هي ثلاثة أنواع : النوع الاول وهو الحد الاختياري، بموجبه يختار البرلمان الأجل الذي تنتهي فيه الدورة، وهو اجل ينزل على الاربع اشهر على ابعد تقدير، اما النوع الثاني ونسميه بحد الجواز، حيث انه لا يقع الا بشرطين أولهما ان تمتد الدورة اربعة اشهر على الاقل، وثانيهما ان يتم الختم بمرسوم (الفصل 65 الفقرة الاولى منه). اما النوع الثالث فقد نسميه بحد الدورة بقوة القانون، ويكون بامكانية تجاوز الدورة البرلمانية لمدة الاربع اشهر اذا لم يتوفر الشرط الثاني، لكنها لا يجب ان تمتد الى درجة تدخل فيها المجال الزمني للدورة البرلمانية التالية.
- صحة مسطرة الاستشارة، بوجود فراغ برلماني .
بيد أننا وإن سلمنا بالفكرة السابقة، فإننا سرعان ماسنجد إشكالية أخرى لا تبتعد عن هذا الميدان، ولعلنا نكون في مواجهة هذه الاشكالية اذا أمعنا الملاحظة في نص الفصل 62 في فقرته الثالثة التي تقول مايلي : " ينتخب رئيس مجلس النواب وأعضاء المكتب، ورؤساء اللجان الدائمة ومكاتبها، في مستهل الفترة النيابية، ثم في سنتها الثالثة عند دورة ابريل لما تبقى في الفترة المذكورة."
إن ما نلاحظه في هذا الفصل، أن في كل ولاية نيابية لمجلس النواب ينتخب رئيسان، الاول مع بداية الولاية النيابية للمجلس، والثاني في السنة الثالثة من نفس الولاية، وهو النص الذي سايره النظام الداخلي لمجلس النواب ( وهو النظام الذي أقره المجلس الدستوري بناء على قراريه، 924 و 929، سنة 2013 .) في فصوله من 15 إلى 18 .
وبأخدنا للفصول من 15 الى 17 من نفس النظام، فإنه يتضح لنا انها فصول تنظم مسطرة انتخاب رئيس مجلس النواب، غير أن السؤال الذي يراودنا، هو في حالة حدوث شغور منصب رئيس المجلس مباشرة بعد الجلسة الاخيرة من دورة أكتوبر، وقبل إنعقاد دورة أبريل التي سينتخب فيها الرئيس الثاني لمجلس النواب، وحدث أيضا ان وقع في هذه المدة (وهي مدة فراغ مؤقت) ما يشير الى ضرورة اعلان حالة الاستثناء، عندها مالحكم الذي يصلح تطبيقه في هذه الأثناء مع مراعاة هذا الإنعدام، فضلا عن عنصر الاستعجال الذي تتسم به حالة الاستثناء بصفة عامة من إعلانها الى رفعها ؟
لعل (المتسرع) في تصفح النظام الداخلي لمجلس النواب، سيقول أن المادة 18 من هذا النظام تعد جواب على هذا السؤال، غير ان ذلك في مخالف للحقيقية بعلة في ذات النص. ولذلك لابأس في أن نتعرض لمقضيات هذا الفصل كالاتي :
" في حالة شغور منصب رئيس المجلس لسبب من الأسباب، يتم انتخاب رئيس جديد لما تبقى من الفترة الأولى أو الثانية في اجل حسب الحالتين التاليتين:
- إذا كانت الدورة منعقدة، في مدة أقصاها خمسة عشر يوما.
- في الفترة الفاصلة بين الدورات، يتعين عقد دورة استثنائية في مدة أقصاها 15 يوما، من تاريخ شغور منصب الرئيس.
من هذا النص يظهر لنا جليا أنه يصعب إيجاد فراغ على مستوى شغور منصب رئيس المجلس، لفائدة تحسب لمصلحة المشرع هي فكرة النواب الذي يبلغ عددهم - حسب هذا النظام - ثمانية نواب للرئيس. هذا ايضا بالاضافة الى فكرة اعلان انتخاب الرئيس الجديد في اجل محدد أدناه في يوم واقصاه في 15 يوما .
غير اننا لا يمكن ان نكتفي بالفقرة الاولى من هذا الفصل أو حتى ايضا بالمقطع الاول من الفقرة الاخيرة، لان هذه الاخير طرحت مجال عدم إختصاص النائب في مواد محددة على سبيل الحصر، وهو مايعني حرمان نائب الرئيس الذي حدث له سبب الشغور من ممارسة بعض الاختصاصات التي تدخل في حضنها حالة الاستثناء المنظمة في الفصل 59. وهو مايعني اننا رجعنا الى نقطة الصفر بالنسبة للبحث عن جواب لسؤالنا .
وعليه فاننا نستنتج أن المادة 18 من النظام الداخلي لم تراعي عنصر الاستعجال الذي تتميز به مسطرة الاعلان عن حالة الاستثناء، إذ أن جلالة الملك اذا كان ملزما باللجوء للاستشارة فانه سيلاقي امامه فراغ عندما يقرر اللجوء الى رئيس مجلس النواب لغاية إستشارته، فهل يستشير الرئيس الذي حدث له سبب الشغور وهو امر ليس بالهين خاصة اذا ارتبط السبب باحدى صور انعدام الاهلية مثلا، أم انه سيخرق مقتضى المادة 18 ليستشير نائب الرئيس . وما يدل ايضا على هذا المال لعنصر الاستعجال، هو ماقررته نفس المادة في أن الاجل الاقصى الذي يمكن فيه تعيين الرئيس الجديد بعد وقوع حالة الشغور هو 15 يوم وهو في نظرنا، أجل لم يراعي فيه مجلس النواب (أعضاء ورئيسا) الذي صوت على هذا النظام، أن لرئيس المجلس صلاحيات تتطلب الاستعجال والكثير من الحذر. بصراحة، لا أدري كيف مرت مثل هذه المادة من المجلس الدستوري،(غير المختص) من الرقابة !!!
- رأينا في ماينبغي إتباعه في إشكالية الفراغ المؤقت وحالة الاستثناء .
إن اشارتنا في هذه المقالة ألى ان عيب انعدام المؤسسة يؤدي مباشرة الى بطلان مسطرة الاستشارة، أمر لم نأخذه بتاتا بإطلاقيته، إذا اننا نميز بين الانعدام بسبب وبين الانعدام بغير سبب، وبالنسبة لهذا الأخير فهو يكون عند حالة الرفض الصريح للمسؤل عن القيام بمهمته الاستشارية (وتكون قليلة الحدوث بل)، وهي في رأينا بمثابة رفض للقيام باي عمل، مما يترتب عنه ضرورة اتخاذ اجراءات التاديب اللازمة ولعل اقصاها واقربها الى الصواب هي العزل وتجاوز المستشير لإستشارته أو من سيأتي بعده في حالة الاستعجال. أما النوع الأول فيجب تحديد السبب فيما اذا كان مشروعا أو غير ذلك، فإذا كان الانعدام راجعا الى سبب غير مشروع آنذاك كان للمؤسسة التي انعدمت ان تطالب باستفسار رسمي لذلك، أو ان ترفع دعوى عدم تطبيق مقتضيات الدستور، وهنا ايضا نرجع الى فكرة انعدام المؤسسة المختصة بذلك في الدستور الحالي. أما في الحالة التي يكون فيها سبب الغياب او الانعدام مشروعا كما في حالتنا هذه، فإنه يتم تغليب عنصر الاستعجال على النص، فيكون بذلك جلالة الملك في غنى عن تلك الاستشارة ولو ألزمه النص بذلك. وقس على ذلك ما شئت، كما في حالة حل البرلمان من طرف الملك ولو كان حلا ذا غاية حرماني، لانه لايكون ملزما بالتبرير وهو عكس الامر بالنسبة لحق رئيس الحكومة في الحل لانه مقيد بما ينص عليه الفصل 104 . أما بالنسبة لحالة مابين الولايتين التشريعيتين لمجلس النواب حيث يكون فيه الرئيس غائبا، فنشير الى انه ليس هناك مايمنع رئيس مجلس النواب المؤقت من ممارسة صلاحيات الاستشارة سواء المتعلقة بالفصل 59 او غيره .
- حالة التقادم الدستوري للبرلمان وإشكالية التنزيل السليم الفصل 176.
ينص الفصل 176 من الدستور المغربي على انه : " إلى حين انتخاب مجلسي البرلمان، المنصوص عليهما في هذا الدستور، يستمر المجلسان القائمان حاليا في ممارسة صلاحياتهما، ليقوما على وجه الخصوص، بإقرار القوانين اللازمة لتنصيب مجلسي البرلمان الجديدين، وذلك دون إخلال بالأحكام المنصوص عليها في الفصل 51 من الدستور." .
وتأسيسا على هذا الفصل، يمكن أن نقول أن المشرع الدستوري أخذ معيار الوحدة في خطابه الموجه نحو غرفتي البرلمان، بحيث ان المجلس الواحد ليست له أية قيمة بالنسبة للمجلس الآخر على الاقل عند الإنتقال من مجلسين يحكمهما التعديل الدستوري لسنة 1996 إلى مجلسين جديدين تحكمها مقتضيات التعديل الاخير. وهذا يعني ان ما أثبتته الممارسة الواقعية لتنزيل مقتضيات هذا الفصل أمر ليس بالسليم ولا بالجائز، حيث أنها توجهت نحو ارساء مجلس النواب وفق التعديل الاخير وبقاء مجلس المستشارين الذي كان قد أنتخب بناء على الدستور القديم .
ان تصور وقوع ما يُشَرِّعُ اعلان حالة الاستثناء، ونحن في هذه الوضعية الراهنة التي يعتبر فيها مجلس المستشارين في حالة تقادم دستوري كما أوضحنا سالفا، أي ان الملك في اطار مسطرة الاعلان عن حالة الاستثناء يكون امام ضرورة أن يحدد هل رئيس مجلس المستشارين يكون أهلا للاستشارة أم لا ؟
وفي هذا نرى أن سبب غياب المجلس يكون سببا كافيا ليكون مشروعا، ذلك أن سبب عدم انتخاب مجلس المستشارين لايعود الى حالة دستورية، بل راجع الى تأويل غير سليم لنص دستوري، وبالتالي فهذه الممارسة غير السليمة بمثابة خرق سافر للدستور، وهو مايمكن ان نقول عنه ما اسس على باطل فهو باطل، اي ان استشارة الملك لرئيس مجلس المستشارين الذي يكون في مثل هذه الوضعية قد تصير باطلة لان وضعية المؤسسة المستشارة غير دستورية، وبالتالي فلضمان السلامة في التطبيق يجب على الملك ان يرعي عنصر الاستعجال الذي تتميز به حالة الاستثناء، وعليه فالملك لا يضطر الى استشارة هذه المؤسسة بل يجب الاستعجال في انتخاب المجلس بشكل سليم قبل نهاية حالة الاستثناء .
- المحكمة الدستورية :
إن الحالة الخاصة التي نقصدها، لايمكن ان تعدوا الا الحالة المنصوص عليها في الفصل 177 من الدستور المغربي، وهو ينص على الاتي : " يستمر المجلس الدستوري القائم حاليا في ممارسة صلاحياته، الى ان يتم تنصيب المحكمة الدستورية المنصوص عليها في هذا الدستور."
وبتحليلنا لهذه المقتضيات، نجد ان قصد المشرع الدستوري قد انصرف الى ان المجلس الدستوري، وهو الذي تم التنصيص عليه في دستور 1996، يقوم بمواصلة عمله، الى ان يتم تنصيب المحكمة الدستورية كبديل منصوص عليه في التعديل الدستوري الأخير خاصة من الفصل 129 الى الفصل 134. وهو مايعني ان المجلس الدستوري لا يجوز له ان يمارس الاختصاصات الموكولة للمحكمة الدستورية في ظل التعديل الدستوري الأخير، لان صلاحياته المشار اليها في الفصل 177 لا يمكن ان نجدها في هذا التعديل الدستوري الاخير بل اننا نجدها في اطار الدستور المراجع لسنة 1996 اضافة الى مايبينه القانون التنظيمي رقم 93.29 الذي يتعلق بالمجلس الدستوري ذاته.
لعل الفائدة من هذا الشرح، كامنة في ان سلطة إستشارة رئيس المحكمة الدستورية في اطار الفصل 59، هو أيضا يدخ ضمن اختصاصات المحكمة الدستورية في هذا الدستور، وبالتالي فحسب شرحنا لفصل 177 لا يجوز لرئيس لمجلس الدستوري ان يحل محل رئيس المحكمة الدستورية في هذه الاستشارة، وهو مايترتب عنه فراغ من جهة المحكمة الدستورية التي يدخل استشارة رئيسها ضمن الاجراءات الوجوبية لاعلان او رفع حالة الاستثناء . وبالتالي فما موقع هذه الوضعية على مستوى الاعلان عن حالة الاستثناء التي تتسم بطابع الاستعجال ؟
وأما عن رأينا في هذا الباب، فلعلنا في حاجة ماسة لغاية فهم الوضع فهما سليما، استرجاع ماقلناه عن الانعدام بسبب و الانعدام بغير سبب ، وبربطنا لهذا المعطى مع مابصرناه في تحليل الفصل 177 ، فان وضعية المحكمة الدستورية هذه تعتبر وضعية معللة بسبب مشروع، مادامت الحكومة قد طبقت الفصل 86 من الدستور تطبيقا سليما، وبالتالي فيكون الملك في غنى عن الاستشارة بتغليب طابع الاستعجال الذي يستمد مشروعيته من أحكام الفصل 59 على النص ذاته الذي يقر باجبارية اللجوء الى الاستشارة، أما عن المجلس الدستوري فلا يكون جلالته مُلزم اللجوء الى إستشارة رئيسه، بل تبقى خبراته في محل اختيار اللجوء اليها .
وخلاصة القول هي أن المشرع الدستوري، كان بإمكانه ان يتفادى مثل هذه الوضعية بشكل نتفادى به المشكل الذي يترتب عن هذه الوضعية، إذ أن الفصل 177 من هذا التعديل يقابله في الدستور المراجع في سنة 1996 الفصل 108 الذي ينص على مايلي : " إلى أن يتم تنصيب المجلس الدستوري، حسب تركيبته المنصوص عليها في هذا الدستور، يمارس المجلس الدستوري القائم حاليا الاختصاصات المسندة اليه باحكام الدستور والقوانين الاختصاصات المسندة اليه باحكام الدستور والقوانين التنظيمية.". وهو نص على هذا الاعتبار اكثر وضوحا وسلامة من النص الحالي. اذ انه أخذ في توضيح مجال الاختصاص الذي يناله المجلس الدستوري المنصب بموجب تعديل 1992. غير ان المشكل في هذا الفصل اانه لايحدد اي الدستورين سيطبق المجلس الدستورى احكامه. وهي نقطة حسمها مقتضى الفصل 108 من دستور 1992 عندما نص على مايلي : " إلى ان يتم تنصيب المجلس الدستوري تمارس الغرفة الدستورية بالمجلس الاعلى جميع الصلاحيات التي يخولها الدستور إياه."
خاتمة :
إن المقصد من هذه المقالة ليس تبيان نواقص الدستور وعيوبه.. او تبيان اوجه الحسن والاتقان فيه في راينا، وانما هو محاولة لاحياء مناهج مذهب عظيم وجليل من براثن الماضي والجهل ، فهي كما تَلحظون خاصة عند مناقشتنا للإشكالية الاولى والثانية، لم نركز فيها على مايقع في آن كتابتها، بل هي توحي الى احتمال قد يقع في لاحق ماقد يأتي اذا ثبت العمل بهذا الدستور زمانا يكفي لوقوعها ، ولعل هذا هوما قد ورد في المذهب الأراتي القائل بنفس الفكرة .
ونحن في ختام الكلام، لا يسعنا الا ان نقول مثل مقاله الفقيه الاعظم ابو حنيفة النعمان عندما خاطب قائلا " لقد علمنا هذا رأيا، فمن جائنا باحسن منه قبلنها " فما ثبت بيقين فلايزول الا بيقين مثله، والله اعلى وأعلم.