1 المسطرة المدنية الجابية
ان القراءة الاولية في مشاريع القوانين الشكلية المرتبطة بالإجراءات المسطرية كأداة للوصول الى الحق وتحقيق المحاكمة العادلة تدفعنا من منظور علم السياسة الى البحت عن الاهداف الحقيقية للدولة من الاصلاح عبر تنزيل مقتضيات الميثاق , ان الاصلاح بواسطة القانون بصفة عامة , انما يهدف الى احد الخلاصات التالية:
اما الحفاظ على الواقع, او تغيير هدا الواقع, او التأثير فيه, وبقراءة في ثنايا فصول مشروعي قانون المسطرة المدنية و قانون المسطرة الجنائية نجد ان هدف واضعو هده المشاريع هو التأثير على الواقع بهدف الوصول الى تخفيض تكاليف العدالة من جهة وجعلها مصدر دخل لخزينة الدولة, واداة لتصريف الطاقات العاطلة من حاملي الشواهد من جهة اخرى.
لدلك وبداخل ثنايا الفصول نجد وعلى عكس اغلب النصوص المسطرية السابقة مصدر غير محدد لمدا خيل مالية للدولة والمتمثلة في الغرامات المفروضة لصالح خزينة الدولة هده الغرامات التي تتموقع داخل تمفصلات النصوص وتمس اغلب المتعاملين مع قطاع العدل من متقاضين ومساعدي القضاء ومثال دلك الفصل 7من مشروع قانون المسطرة المدنية الذي ينص على انه يحكم على كل من يتقاضى بسوء نية بغرامة مدنية لفائدة الخزينة العامة تتراوح بين 500 و5000درهم و الفصل 62 من نقس المشروع الذي يجيز للرئيس ان يحكم على الاطراف بغرامة تتراوح بين 100 و1000درهم وهو حكم لايقبل اي طعن, والمادة 92 التي تجيز الحكم على الخبراء بغرامة لفائدة الخزينة العامة, والمادة 202 التي تجيز الحكم على الشهود المتخلفين بغرامة لاتتعدى 200 درهم والمادة 118 التي تنص على انه ادا تبت من التحقيق ان المستند محرر او موقع او مبصم ممن انكره, امكن الحكم عليه بغرامة لفائدة الخزينة العامة من 500 الى 5000 درهم, والمادة 126 التي تنص على انه يحكم على مدعي الزور المرفوض طلبه بغرامة لفائدة الخزينة العامة من 500 الى 5000 درهم, والمادة 202 التي تنص على وجوب الحكم على المدين في الامر بالأداء الدي يقوم بالتعرض او الاستئناف بغرامة من 5 في المائة الى 15 في المائة من مبلغ الدين المحكوم به, والمادة 308 التى تنص على انه يحكم على الطرف الدي لم يستجب لتعرضه بغرامة لا تتجاوز 1000درهم بالنسبة لمحاكم الدرجة الاولى و2000درهم بالنسبة لمحاكم الدرجة التانية و3000درهم بالنسبة لمحكمة النقض ,والمادة 483 التي تنص على انه يحكم على الطرف الدي خسر طلب اعادة النظر بغرامة تساوي 2000 درهم امام محكمة الدرجة الاولى و3000درهم امام محكمة الدرجة التانية و5000درهم امام محكمة النقض والمادة 573 التي تنص على انه يحكم على طالب الصعوبة في حالة رفض طلبه بغرامة لفائدة خزينة الدولة لاتقل عن 1000درهم ولا تزيد على 5000درهم وهي فصول تؤكد بالملموس ان المشاريع المسطرية اصبحت ادوات لاستخلاص مداخل لفائدة خزينة الدولة وهو مايشكل تناقض مع الفلسفة القانونية القائمة على اساس جبر الضرر, دلك ان المتضرر من التعسف في استعمال الحق هو المتقاضي وليس الدولة ,ان الدستور نص على ان القاضي يتولى حماية حقوق الاشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون, وان حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون ,وان حق التقاضي يكون مجانيا في الحالات المنصوص عليها قانونا ,وهدا هو التنزيل للدستور إلا ادا عدنا الى التاريخ من اجل تنزيل " المسطرة الجابية".
2- المادة 44 من مشروع قانون المسطرة المدنية والحرمان من الولوج المستنير للعدالة
الاكيد ان المتطلع في مشروع قانون المسطرة المدنية سيجد ان الهدف من بعض المقتضيات المرتبطة بمهنة المحاماة والتي اتى بها المشروع ماهي الا تنزيل لمقتضيات الميثاق الهادفة في فلسفتها العامة الى فرض الرقابة والتقليص من صلاحيات المحامي مما يشكل مساس خطير من مشروع الدولة بمبادئ الامم المتحدة الاساسية بشان دور المحامين, ولعل الاطلاع على المشروع سوف يوضح ذلك , فعلى مستوى الولوج الى العدالة مثلا فقد تم استثناء الفقراء من الاستفادة من الخدمات القانونية للمحامين, ذلك ان القضايا المتعلقة بالزواج والنفقة والطلاق والتطليق والحضانة والحالة المدنية والقضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا اصبح بالإمكان الولوج إليها بدون ضمان حق الانسان في المحاكمة العادلة التي يضمنها الفصل 120 من الدستور, والذي ينص على ان لكل شخص الحق في المحاكمة العادلة , وفي حكم يصدر داخل اجل معقول ,وقد نصت مبادئ الامم المتحدة الاساسية بشان دور المحامين على ضرورة ان تكفل الحكومات توفير التمويل الكافي والموارد الاخرى اللازمة لتقديم الخدمات القانونية للفقراء, ولغيرهم من الاشخاص المحرومين عند الاقتضاء, وتتعاون الهيئات المهنية للمحامين في تنظيم وتوفير الخدمات والتسهيلات وغيرها من الموارد .
ان المساطر القانونية للدولة ملزمة باستبطان المفاهيم والمبادئ الاساسية لحقوق الانسان, ومنها تمكين المواطن من الخدمات القانونية للمحامين, بحيث تنص المبادئ الاساسية على انه تضمن الحكومات توفير اجراءات فعالة واليات قادرة على الاستجابة, تتيح الاستعانة بالمحامين بصورة فعالة وعلى قدم المساواة لجميع الاشخاص الموجودين في اراضيها دون اي تمييز من اي نوع كان ومنها التمييز بسبب الملكية او المولد او اي وضع اقتصادي او غير اقتصادي.
ان التنصيص في مقتضيات المادة 44 من مشروع المسطرة المدنية على امكانية اللجوء الى المحكمة الاجتماعية من طرف الطرف الضعيف دون الحاجة الى الاستعانة بمحام يدخل في اطار تنصل واضعو المشروع من الالتزامات القانونية المنصوص عليها في الدستور والمواثيق الدولية ذات الصلة والتي تلزم الحكومات بتمكين الفقراء من مواطنيها او المقيمين على اراضيها من الولوج المستنير للعدالة , والولوج المستنير يتجلى في الزامية المحامي في كل المساطر لضمان شروط المحاكمة العادلة والتي لن يصل اليها المواطن الصالح الفقير الذي لايتقن المشي في دهاليز المحاكم
3- النيابة العامة ومفهوم النظام العام في مشروع قانون المسطرة المدنية
ان مقتضيات مشروع قانون المسطرة المدنية تعتبر في قلب القضية الاقتصادية والاجتماعية والتي شكلت أهم التحديات التي واجهت الدولة في مغرب هنا والان، وترمي المعادلة الإقتصادية والاجتماعية داخل مشاريع الميثاق بصفة عامة إلى قيام توازن جديد بين منطق الدولة ومنطق السوق,ويتضح ذلك من الادوار الموكولة للنيابة العامة داخل هندسة مشروع قانون المسطرة المدنية والتي لم تتغير الا من حيث الشكل المتمثل في توضيح ادوارها كطرف اصلي او كطرف منظم في الدعوى المدنية .
ان الدولة والسوق بالمغرب تبعا لذلك لازال في صراع مستديم مرت فيه الدولة المغربية لابسيطرة الدولة على السوق فحسب، بل بنوع من التأميم للاقتصاد والخدمات الإجتماعية والتعليم والثقافة لفائدة النخبة على حساب الجماهير.
وهذا مايوضح أن الأمر غير صحي على الإطلاق وأنه على الدولة أن تخرج لا من العلاقة الأبوية الخاطئة المفرطة التي كانت للدولة تجاه المجتمع بل أيضا من الحرب الباردة القائمة حاليا بينهما , ان ابتداع صنوف متطورة من الإعتداء على أملاك الدولة وعلى عقاراتها من طرف الاوساط الهجينة جعلت علاقتها بالدولة ملتبسة تترجح بين مطالبتها بالعودة إلى الحماية السابقة, وتجاهلها تماما لمصلحة الروح الفردية أو الإعتماد على الجماعات الخيرية أو الدينية المراقبة من طرف الدولة ,النيابة العامة في مشروع المسطرة المدنية
غير انه ينبغي ملاحظة ان النخبة المغربية كسرت عقدها الاجتماعي مع المجتمع في ما يخص الإقتصاد الموجه من جانب واحد و تمكنت بما لها من وسائل أمن وقمع وبما في المجتمع من هشاشة في تنظيماته المدنية والنقابية من أن تخنق إعتراضات المجتمع على هذا التخلي الأحادي الجانب عن العقد السابق بينهما.
وهدا مادفع بالمجتمع الى تبني حلول بديلة استبعدت كليا من متخيلها الجمعي مفهوم النظام العام المحمي بقوانين الدولة لفائدة الانتهازية الفردية التي اعطت واقع جديد من الصعب احتوائه بالنص القانوني الجامد , ويتضح ذلك من خلال انتشار تعبير بعض الأوساط الاجتماعية عن كبتها وسخطها بالالتحاق بالتيارات المتطرفة وما نتج عنه من سلوك ,أو المطالبة بالرجوع إلى التحرر والإستقلال النسبي عن الغرب لحماية الناس بعضهم لبعض على وجه هذه الأرض وما نتج عنه من سلوك , او التماهي الكلي مع الغرب وما نتج عنه من سلوك كذلك , مما يجعل مفهوم النظام العام ومراقبته من طرف النيابة العامة في مهب الريح بالنظر الى السلوكيات المختلفة التي تنتمي الى انساق ثقافية مختلفة او مصالح متضاربة والتي افرزها الواقع الجديد .
لدلك وقبل اعادة انتاج النص المرتبط بالنظام العام داخل القانون المسطري فان التحول الذي عرفه العالم اليوم يدعونا إلى تصحيح الخلل الموجود بين النخبة والجماهير ،من خلال خلق التوازن الضروري لفهم الخوصصة لمختلف القطاعات الإنتاجية، مع العلم أنه من التهور أن تخرج الدولة من مسؤولياتها الاجتماعية بالكامل فتغادر لا النقل والإتصال والزراعة فحسب، بل أيضا التعليم, والصحة, والخدمات الإجتماعية، لان كرامة الانسان وأمنه الروحي هو النظام العام الحقيقي في المجتمع الانساني المعاصر.