يعتبر القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية الصادر بمقتضى الظهير الشريف المؤرخ في 03 أكتوبر 2002 , من القوانين التي تميزت بطفرة نوعية في التشريعات الوطنية المرتبطة بحريات الأفراد , فالفقه يجمع بأن هذا القانون من أخطر القوانين التي تعالج مجموعة من المتناقضات بين حق الدولة في العقاب من جهة و ضمان حرية الفرد من جهة ثانية , و هذا التعديل بطبيعة الحال - كما نعلم – جاء استجابة لمجموعة من الأسباب السياسية و القانونية و الحقوقية و المرتبطة أساسا في انخراط المغرب في مسلسل الإصلاح التشريعي و تحقيق الانسجام و التوافق بين القوانين الوطنية و الاتفاقيات الدولية .
و بدورها فإن المقتضيات المتعلقة بمؤسسة قاضي التحقيق أو ما يسمى بالتحقيق الإعدادي قد طالها التعديل استجابة للأسباب السابق ذكرها , خصوصا و أن مسطرة التحقيق الإعدادي لها تماس مباشر بحقوق الأشخاص و حرياتهم ذلك أن تنظيم إجراءات التحقيق هو شكل من أشكال التنسيق بين مصلحة المجتمع في القصاص من مرتكبي الجرائم و بين صيانة حقوق الأفراد الأساسية و حرياتهم , فالمعادلة التي يتوخها المشرع من إجراءات التحقيق الإعدادي هي تحقيق العدالة من خلال الكشف على مرتكبي الجرائم و تقديمهم للمحاكمة دون المساس بحقوق الدفاع و ضمان حريات الأفراد و حرمة مساكنهم .
كما تتجلى أهمية مسطرة التحقيق الإعدادي في تأثيرها على مرحلة المحاكمة , و هكذا كلما كانت إجراءات التحقيق تتميز بالنزاهة و الشفافية و تنجز وفق ما نص عليه القانون كان ذلك في مصلحة المحاكمة العادلة بحيث نصت المادة 221 من قانون المسطرة الجنائية على أن (( قاضي التحقيق يبين الوصف القانوني للفعل المنسوب للمتهم كما يبين بدقة الأسباب التي من شأنها أن تدعم وجود أدلة كافية أو عدم وجودها )) .
و تجدر الإشارة إلى أن النظم القانونية في هذا الصدد انقسمت إلى تيارين , فهناك النظام الأنجلو سكسوني الذي أعطى للنيابة العامة سلطة التحقيق و الإتهام و بالتالي فلا وجود لقاضي التحقيق ( كالنظام الإيطالي و الياباني و المصري و الكويتي ..)في المقابل نجد مجموعة من الأنظمة القضائية و خصوصا الأوربية ما زالت تحتفظ بهاته المؤسسة كجزء من تاريخها كإسبانيا الذي يعتبر فيها التحقيق دعامة أساسية لتعزيز شروط المحاكمة العادلة بل إن قضاء التحقيق يتمتع باستقلالية واسعة .
و بالنسبة للمشرع المغربي فقد نظم هاته المؤسسة في المسطرة الجنائية و أخذ بمبدأ ثنائية التحقيق سواء في المحكمة الابتدائية أو محكمة الإستئناف بل إن مدونة السير طبقا للمادة 137 جعلته إجباري في حوادث السير المميتة .قد نظم قانون المسطرة الجنائية إجراءات التحقيق الإعدادي في القسم الثالث من باب الأول.
و ما أهمية قضاء التحقيق كانت راسخة في الفكر القانوني المغربي منذ التأسيس لمسلسل الإصلاح التشريعي و القضائي المغربي فجاء في قولة الاستاذ بيير دوفي، المحامي العام لدى محكمة الاستئناف بالرباط في إطار وصفه لقاضي التحقيق سنة 1959 :
((هذا الرجل الذي يملك سلطات واسعة و يتصرف في حرية المواطنين و شرفهم يباشر مهمته ضمن شبكة القوانين العسيرة حيث ينبغي له أن يستعمل علمه و خبرته ، لكن في نهاية الأمر إنما هي صفاته الأخلاقية و ضميره و فضائله التي تكسب مهمته عظمتها الحقيقي )) .
في هذا الإطار يأتي تنظيم هاته الندوة ضمن الأنشطة الهادفة لنادي الشباب القانوني بكلية الحقوق بطنجة ، حول موضوع : ((أي دور لقاضي التحقيق في المسطرة الجنائية المغربية ؟ )) و ذلك بتاريخ 29/03/2016 , و التي تأتي في سياق مواكبة المستجدات القانونية التي تعرفها الساحة الحقوقية و القانونية المغربية , ذلك أن المسطرة الجنائية , تعتبر من أبرز القوانين التي لها ارتباط وثيق و صلة قريبة بحقوق الإنسان .
كما أن أهمية الموضوع تظهر خصوصا في أثار مسطرة التحقيق الإعدادي على المحاكمة , إذ أنها تعتبر مهد أو مفتاح المسطرة الجنائية على ضوء الممارسة الميدانية في هذا المجال .
بل ليس قاضي التحقيق فقط , بل رسالة القضاء بصفة عامة , فكما جاء في الخطاب السامي لصاحب الجلالة الحسن الثاني رحمه الله على هامش افتتاح المجلس الأعلى للقضاء سنة 1964:
(( إن بين أيدي القاضي أكبر سلطة و أخطرها في المجتمع فهو يتحكم في الأنساب و الأموال , و في حريات البشر و أرواحهم كما أنه مؤتمن على حقوق الدولة و على مؤسساتها المقدسة .
لذلك فإن هذه السلطة الخطيرة المسندة إليه , إذا كانت تقتضي منه أن يكون متضلعا في الفقه و القانون و ماهرا في صناعة القضاء فإنها تحتم عليه أن يكون أكثر من ذلك نقي الضمير , طاهر النفس لا تغيره الأطماع و الأهواء و الشهوات , و لا يستجيب إلا ما يمليه عليه القانون و ضميره المهني .))
فالنقاش القانوني الدائر حاليا حول دور قاضي التحقيق في المسطرة الجنائية , يدفع الباحث في الشأن القضائي و القانوني و المهني و رجل القانون لطرح مجموعة من التساؤلات حول دور قضاء التحقيق في سير الإجراءات الزجرية ؟ كما يطرح سؤال العلاقة الجدلية بين قضاء التحقيق و المحاكمة العادلة ؟ و كذا سؤال حاجة المحاكمة الجنائية لقاضي التحقيق ؟ و مظاهر تأثير التحقيق الإعدادي على ضمانات الحق في المحاكمة العادلة ؟ بالإضافة إلى أمر مهم و جوهري و هو أنه إذا كانت قد مرت أكثر من 10 سنوات على تجربة نظام ثنائية التحقيق في بلادنا , فماذا أثبتت هاته التجربة ؟ هل الإبقاء على قضاء التحقيق , و نهج مبدأ إصلاح هاته المؤسسة من خلال تقييم هاته التجربة ؟ و ذلك مع تعزيز وضعيته و مراجعة الصلاحيات المخولة له أم أن الوضعية تستدعي إعادة النظر في جدوى الإبقاء عليه و بالتالي إلغاءه و تفويض صلاحياته إلى جهات قضائية أخرى ؟ إذن فأي مستقبل لقضاء التحقيق في بلادنا ؟
كل هاته الإشكالات سيحاول ثلة من الأساتذة الباحثين على مقاربتها وفق زوايا متعددة و مختلفة , في هذه الندوة العلمية التي ستكون من تأطير ثلة من الأساتذة الجامعيين المتخصصين في المادة الجنائية و مهنيين أكفاء يسهرون على التطبيق العادل للقانون سواء في الهيئة القضائية أو هيئة الدفاع . من هذا المنطلق فالنادي يساهم في إحياء النقاش القانوني الهادف و الفعال لأجل الخروج بخلاصات و توصيات مهمة في هذا المجال تسهم في خدمة العدالة و الأمن القانوني و القضائي و الاجتماعي في بلادنا .
و بدورها فإن المقتضيات المتعلقة بمؤسسة قاضي التحقيق أو ما يسمى بالتحقيق الإعدادي قد طالها التعديل استجابة للأسباب السابق ذكرها , خصوصا و أن مسطرة التحقيق الإعدادي لها تماس مباشر بحقوق الأشخاص و حرياتهم ذلك أن تنظيم إجراءات التحقيق هو شكل من أشكال التنسيق بين مصلحة المجتمع في القصاص من مرتكبي الجرائم و بين صيانة حقوق الأفراد الأساسية و حرياتهم , فالمعادلة التي يتوخها المشرع من إجراءات التحقيق الإعدادي هي تحقيق العدالة من خلال الكشف على مرتكبي الجرائم و تقديمهم للمحاكمة دون المساس بحقوق الدفاع و ضمان حريات الأفراد و حرمة مساكنهم .
كما تتجلى أهمية مسطرة التحقيق الإعدادي في تأثيرها على مرحلة المحاكمة , و هكذا كلما كانت إجراءات التحقيق تتميز بالنزاهة و الشفافية و تنجز وفق ما نص عليه القانون كان ذلك في مصلحة المحاكمة العادلة بحيث نصت المادة 221 من قانون المسطرة الجنائية على أن (( قاضي التحقيق يبين الوصف القانوني للفعل المنسوب للمتهم كما يبين بدقة الأسباب التي من شأنها أن تدعم وجود أدلة كافية أو عدم وجودها )) .
و تجدر الإشارة إلى أن النظم القانونية في هذا الصدد انقسمت إلى تيارين , فهناك النظام الأنجلو سكسوني الذي أعطى للنيابة العامة سلطة التحقيق و الإتهام و بالتالي فلا وجود لقاضي التحقيق ( كالنظام الإيطالي و الياباني و المصري و الكويتي ..)في المقابل نجد مجموعة من الأنظمة القضائية و خصوصا الأوربية ما زالت تحتفظ بهاته المؤسسة كجزء من تاريخها كإسبانيا الذي يعتبر فيها التحقيق دعامة أساسية لتعزيز شروط المحاكمة العادلة بل إن قضاء التحقيق يتمتع باستقلالية واسعة .
و بالنسبة للمشرع المغربي فقد نظم هاته المؤسسة في المسطرة الجنائية و أخذ بمبدأ ثنائية التحقيق سواء في المحكمة الابتدائية أو محكمة الإستئناف بل إن مدونة السير طبقا للمادة 137 جعلته إجباري في حوادث السير المميتة .قد نظم قانون المسطرة الجنائية إجراءات التحقيق الإعدادي في القسم الثالث من باب الأول.
و ما أهمية قضاء التحقيق كانت راسخة في الفكر القانوني المغربي منذ التأسيس لمسلسل الإصلاح التشريعي و القضائي المغربي فجاء في قولة الاستاذ بيير دوفي، المحامي العام لدى محكمة الاستئناف بالرباط في إطار وصفه لقاضي التحقيق سنة 1959 :
((هذا الرجل الذي يملك سلطات واسعة و يتصرف في حرية المواطنين و شرفهم يباشر مهمته ضمن شبكة القوانين العسيرة حيث ينبغي له أن يستعمل علمه و خبرته ، لكن في نهاية الأمر إنما هي صفاته الأخلاقية و ضميره و فضائله التي تكسب مهمته عظمتها الحقيقي )) .
في هذا الإطار يأتي تنظيم هاته الندوة ضمن الأنشطة الهادفة لنادي الشباب القانوني بكلية الحقوق بطنجة ، حول موضوع : ((أي دور لقاضي التحقيق في المسطرة الجنائية المغربية ؟ )) و ذلك بتاريخ 29/03/2016 , و التي تأتي في سياق مواكبة المستجدات القانونية التي تعرفها الساحة الحقوقية و القانونية المغربية , ذلك أن المسطرة الجنائية , تعتبر من أبرز القوانين التي لها ارتباط وثيق و صلة قريبة بحقوق الإنسان .
كما أن أهمية الموضوع تظهر خصوصا في أثار مسطرة التحقيق الإعدادي على المحاكمة , إذ أنها تعتبر مهد أو مفتاح المسطرة الجنائية على ضوء الممارسة الميدانية في هذا المجال .
بل ليس قاضي التحقيق فقط , بل رسالة القضاء بصفة عامة , فكما جاء في الخطاب السامي لصاحب الجلالة الحسن الثاني رحمه الله على هامش افتتاح المجلس الأعلى للقضاء سنة 1964:
(( إن بين أيدي القاضي أكبر سلطة و أخطرها في المجتمع فهو يتحكم في الأنساب و الأموال , و في حريات البشر و أرواحهم كما أنه مؤتمن على حقوق الدولة و على مؤسساتها المقدسة .
لذلك فإن هذه السلطة الخطيرة المسندة إليه , إذا كانت تقتضي منه أن يكون متضلعا في الفقه و القانون و ماهرا في صناعة القضاء فإنها تحتم عليه أن يكون أكثر من ذلك نقي الضمير , طاهر النفس لا تغيره الأطماع و الأهواء و الشهوات , و لا يستجيب إلا ما يمليه عليه القانون و ضميره المهني .))
فالنقاش القانوني الدائر حاليا حول دور قاضي التحقيق في المسطرة الجنائية , يدفع الباحث في الشأن القضائي و القانوني و المهني و رجل القانون لطرح مجموعة من التساؤلات حول دور قضاء التحقيق في سير الإجراءات الزجرية ؟ كما يطرح سؤال العلاقة الجدلية بين قضاء التحقيق و المحاكمة العادلة ؟ و كذا سؤال حاجة المحاكمة الجنائية لقاضي التحقيق ؟ و مظاهر تأثير التحقيق الإعدادي على ضمانات الحق في المحاكمة العادلة ؟ بالإضافة إلى أمر مهم و جوهري و هو أنه إذا كانت قد مرت أكثر من 10 سنوات على تجربة نظام ثنائية التحقيق في بلادنا , فماذا أثبتت هاته التجربة ؟ هل الإبقاء على قضاء التحقيق , و نهج مبدأ إصلاح هاته المؤسسة من خلال تقييم هاته التجربة ؟ و ذلك مع تعزيز وضعيته و مراجعة الصلاحيات المخولة له أم أن الوضعية تستدعي إعادة النظر في جدوى الإبقاء عليه و بالتالي إلغاءه و تفويض صلاحياته إلى جهات قضائية أخرى ؟ إذن فأي مستقبل لقضاء التحقيق في بلادنا ؟
كل هاته الإشكالات سيحاول ثلة من الأساتذة الباحثين على مقاربتها وفق زوايا متعددة و مختلفة , في هذه الندوة العلمية التي ستكون من تأطير ثلة من الأساتذة الجامعيين المتخصصين في المادة الجنائية و مهنيين أكفاء يسهرون على التطبيق العادل للقانون سواء في الهيئة القضائية أو هيئة الدفاع . من هذا المنطلق فالنادي يساهم في إحياء النقاش القانوني الهادف و الفعال لأجل الخروج بخلاصات و توصيات مهمة في هذا المجال تسهم في خدمة العدالة و الأمن القانوني و القضائي و الاجتماعي في بلادنا .