حيـادا عن مبدأ "الديمقراطية التشاركية" التي أثث لها دستور فاتـح يوليوز 2011، وتكريسا لمنطـق "البيروقراطية التشاركيـة" والتنزيل اللاديمقراطي للمقتضيات الدستورية، صادق المجلس الحكومي المنعقـد يوم 23 أبريـل 2015، على مشروع القانون التنظيمي رقم 44.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديـم العرائـض إلى السلطات العمومية، ومشروع القانون التنظيمي رقم 64.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديـم الملتمسـات في مجال التشريـع.
وتقعيـدا عليه، سنحاول من خلال هذه المقالة تسليـط الضوء على جوانـب من الاختلالات التي تعتري مشروعي القانونين التنظيميين، اللذان يشكلان إنجيـلا للمجتمع المدنـي بالمغرب، وذلك كتالـي:
أولا: أن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع، ومشروع القانون التنظيمي المتعلق بالحـق في تقديم العرائـض إلى السلطات العمومية، لم يكونـا وفيّيـن لتوصيـات اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، حيث أدار المشرع ظهـره لجملة من التوصيات الوجيهـة، التي تقدمت بها اللجنة، من ذلك عـدم اشتراط معيـار "الانتخاب" في الذين يحـق لهم تقديم الملتمسات أو العرائـض، لكون الفصليـن 14 و15 من دستور 2011، يشيـر فقط إلى المواطنات والمواطنين بدون تقييـد، بيـد أن مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بالحق في تقديـم الملتمسات في مجال التشريع والحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، اشترطا في مقـدمـي الملتمسات والعرائـض، أن يكونوا مقيّديـن في اللوائح الانتخابية العامـة، بـل الأكثـر من ذلك اشترط المشرع في هؤلاء، أن يكونوا متمتعيـن بالحقوق المدنية والسياسية، وفي وضعية جبائية سليمـة. ومن تـمّ يمكن القول أن المشرع قـد خلـق مساطر تعجيزية لتقديم العرائض والملتمسات في مجال التشريع، تسعـى إلى فرمـلة وكبْـح إحدى أهم آليات إشراك المجتمع المدني في صناعة السياسات العمومية، التي جاء بها دستـور فاتح يوليوز 2011.
ولم يقـف العبـث التشريعي عنـد هذا الحـد، بل تعدّاه عندما اشترط أن يتـم تقديـم العريـضة إلى السلطات العمومية من طرف 7200 مواطنة ومواطـن، وأن تقـدّم الملتمسات في مجال التشريع عبـر لائحة موقعة على الأقـل من قبـل 25000 مواطنة ومواطـن، ولصحة التوقيعات المضمنة في اللائحة يجب أن تكون مصادق عليها من طرف السلطات المحلية ! وهو ما يجعـل هذه المقتضيـات تتناقض مع أهم المرتكزات التي قامت عليها الوثيـقة الدستورية " المشاركـة"، حـدّ الهذيـان.
فما معنى من حشـد هذا العدد الهائـل من المواطنات والمواطنين، الذي لا تضمّـه حتـى قواعـد أغلـب الأحزاب السياسية المغربية؟ مع اشتراط حزمـة من الشروط التعجيزية، وذلك قصـد تقديم عريضـة إلى السلطات العمومية، قـد يتم الأخـذ بها أو ترمـى بين رفوف ديوان رئيس الحكومة، أو تقديـم ملتمس من طرف 25000 ألـف مواطنة ومواطن، إلى مجلس النواب أو مجلس المستشارين، اللذان يعرفان حالة ركـود على مستوى الأداء التشريعي، على اعتبار أن معظم النصوص التشريعية عبارة عن مشاريع قوانين مصدرها الحكومة، إذ سجـل سنة 2011، ما مجموعه 88 مشروع قانون، في مقابل 9 مقترحات قوانين فقط تقـدم بها البرلمان، ولمثل هذا قال سقراط: " كلّمني حتى أراك".
ثانيــا: أن مشروعي القانونين التنظيميين، لم يحددا اللغة التي يجب أن تحرر بها الملتمسات والعرائـض، مع العلـم أن لجنة الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، أوصـت بـ " السمـاح بتحرير الملتمس بإحدى اللغتين العربية أو الأمازيغية أو بهما معا"، وذلك تفعيلا لمقتضيات الفصل 5 من دستور 2011، الذي ينـص على أن العربية والأمازيغية لغتين رسميتين للدولة.
ثالثــا: أن مشروع القانون التنظيمي رقم 44.14 المتعلق بالحق في تقديم العرائـض إلى السلطات العمومية، قـد أوّل عبارة " السلطات العمومية" الواردة في الفصل 15 من دستور 2011، تأويلا ضيّقـا، حيـث حصـر هذه العبارة في شخص رئيس الحكومة، وهو ما يعـد ترسيخا لمنطق الدولة المركزية، وشذوذا يعـوق التنزيـل الديمقراطي لورش الجهوية المتقدمـة. ومن تـمّ كان بالأحرى على المشرع التوسـع في تفسيـر عبارة " السلطات العمومية، لتشمل كل شخص معنوي عام له صفة هيأة عمومية، مركزية أو محلية، إدارية أو منتخبة، تتولى مسؤولية معينة في إعداد أو تنفيذ أو تقييم سياسة عمومية.
رابعــا: إذا كان المشرع موفقا أثنـاء تناوله لمسألة الطعـن في الملتمسات المقدّمة في مجال التشريع، من خلال تنصيصه في الفقرة الأخيرة من المادة 10 من القانون رقـم 64.14، على أنه: " لا يقبل قرار رفـض الملتمس أي طعـن"، على اعتبـار أن "التشريع من أعمال السيادة، وأن البرلمان لا يعـد جهة إدارية يمكن الطعن في قراراتها"، فإنـه لم يكن على صعيـد واحد على مستوى مشروع القانون التنظيمي رقم 44.14 المتعلق بالحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، بحيث سكت المشرع في شأن الطعن في العرائض المقدمة من طرف المواطنات والمواطنين، ولم ينـص على حقهم في الطعن في قرار رئيس الحكومة حالة رفـض العريضة بعلة عدم استيفاءها أحد الشروط الشكلية أو الموضوعية، على اعتبار أنه جهـة إدارية، كما غفـل المشرع من التنصيص على ضرورة تعليل قرارات رفـض الملتمسات المقدمة في مجال التشريع وقرارات رفض العرائض المقدمة إلى السلطات العمومية.
خـامسـا: عـدم تحديد المشرع بدقّـة المجالات التي لا يمكن أن يكون موضوعها تقديـم ملتمس في مجال التشريع أو عريضة إلى السلطات العمومية، حيـث جاء باستثناءات غيـر دقيقة، كتنصيصه على عدم قبول الملتمسات والعرائـض التـي تمـسّ بثوابت الأمـة، كالاختيار الديمقراطي للأمة، والمكتسبات التي تم تحقيقها في مجال الحريات والحقوق الأساسية كما هو منصوص عليها في الدستور ... وغيرها من الاستثناءات التي ستمنح لرئيس الحكومة (حالة العرائض) وللبرلمان (حالة الملتمسات)، سلطة بسـط توجهاته على الفاعـل المدني.
كما تجدر الإشارة إلى أن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالحـق في تقديـم العرائض إلى السلطات العمومية، قـد استثنى القضايا التي تتعلق بالدفاع الوطني. وهو مقتضى معيـب، على اعتبار أن بعض الإجراءات التي تهـم الشـق المالي في تدبير المؤسسة العسكرية، لا يجب أن تظل طـيّ الكثمان، لا حـق للمجتمع المدني في المطالبة بالكشف عنها، كالصفقات المتعلقة بالأسلحة، بعض المشاريع المبرمجة في إطار ميزانية تجهيـز المؤسسة العسكرية، التي قـد تشهـد اختلالات مالية.
وعلى سبيـل الختـام، يمكن القول أن مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بالحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع والحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، لم يعكسا الفلسفة التي قامت عليها الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011، والتي جعلت من " مبـدأ المشاركة" أحـد مقومات الدولة الحديثة، حيث تـم كبْـح وفرْمَلـة أية مشاركة للمجتمع المدني في صناعة السياسات العمومية عبر آلية الملتمسات وآلية العرائـض.
وتقعيـدا عليه، سنحاول من خلال هذه المقالة تسليـط الضوء على جوانـب من الاختلالات التي تعتري مشروعي القانونين التنظيميين، اللذان يشكلان إنجيـلا للمجتمع المدنـي بالمغرب، وذلك كتالـي:
أولا: أن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع، ومشروع القانون التنظيمي المتعلق بالحـق في تقديم العرائـض إلى السلطات العمومية، لم يكونـا وفيّيـن لتوصيـات اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، حيث أدار المشرع ظهـره لجملة من التوصيات الوجيهـة، التي تقدمت بها اللجنة، من ذلك عـدم اشتراط معيـار "الانتخاب" في الذين يحـق لهم تقديم الملتمسات أو العرائـض، لكون الفصليـن 14 و15 من دستور 2011، يشيـر فقط إلى المواطنات والمواطنين بدون تقييـد، بيـد أن مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بالحق في تقديـم الملتمسات في مجال التشريع والحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، اشترطا في مقـدمـي الملتمسات والعرائـض، أن يكونوا مقيّديـن في اللوائح الانتخابية العامـة، بـل الأكثـر من ذلك اشترط المشرع في هؤلاء، أن يكونوا متمتعيـن بالحقوق المدنية والسياسية، وفي وضعية جبائية سليمـة. ومن تـمّ يمكن القول أن المشرع قـد خلـق مساطر تعجيزية لتقديم العرائض والملتمسات في مجال التشريع، تسعـى إلى فرمـلة وكبْـح إحدى أهم آليات إشراك المجتمع المدني في صناعة السياسات العمومية، التي جاء بها دستـور فاتح يوليوز 2011.
ولم يقـف العبـث التشريعي عنـد هذا الحـد، بل تعدّاه عندما اشترط أن يتـم تقديـم العريـضة إلى السلطات العمومية من طرف 7200 مواطنة ومواطـن، وأن تقـدّم الملتمسات في مجال التشريع عبـر لائحة موقعة على الأقـل من قبـل 25000 مواطنة ومواطـن، ولصحة التوقيعات المضمنة في اللائحة يجب أن تكون مصادق عليها من طرف السلطات المحلية ! وهو ما يجعـل هذه المقتضيـات تتناقض مع أهم المرتكزات التي قامت عليها الوثيـقة الدستورية " المشاركـة"، حـدّ الهذيـان.
فما معنى من حشـد هذا العدد الهائـل من المواطنات والمواطنين، الذي لا تضمّـه حتـى قواعـد أغلـب الأحزاب السياسية المغربية؟ مع اشتراط حزمـة من الشروط التعجيزية، وذلك قصـد تقديم عريضـة إلى السلطات العمومية، قـد يتم الأخـذ بها أو ترمـى بين رفوف ديوان رئيس الحكومة، أو تقديـم ملتمس من طرف 25000 ألـف مواطنة ومواطن، إلى مجلس النواب أو مجلس المستشارين، اللذان يعرفان حالة ركـود على مستوى الأداء التشريعي، على اعتبار أن معظم النصوص التشريعية عبارة عن مشاريع قوانين مصدرها الحكومة، إذ سجـل سنة 2011، ما مجموعه 88 مشروع قانون، في مقابل 9 مقترحات قوانين فقط تقـدم بها البرلمان، ولمثل هذا قال سقراط: " كلّمني حتى أراك".
ثانيــا: أن مشروعي القانونين التنظيميين، لم يحددا اللغة التي يجب أن تحرر بها الملتمسات والعرائـض، مع العلـم أن لجنة الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، أوصـت بـ " السمـاح بتحرير الملتمس بإحدى اللغتين العربية أو الأمازيغية أو بهما معا"، وذلك تفعيلا لمقتضيات الفصل 5 من دستور 2011، الذي ينـص على أن العربية والأمازيغية لغتين رسميتين للدولة.
ثالثــا: أن مشروع القانون التنظيمي رقم 44.14 المتعلق بالحق في تقديم العرائـض إلى السلطات العمومية، قـد أوّل عبارة " السلطات العمومية" الواردة في الفصل 15 من دستور 2011، تأويلا ضيّقـا، حيـث حصـر هذه العبارة في شخص رئيس الحكومة، وهو ما يعـد ترسيخا لمنطق الدولة المركزية، وشذوذا يعـوق التنزيـل الديمقراطي لورش الجهوية المتقدمـة. ومن تـمّ كان بالأحرى على المشرع التوسـع في تفسيـر عبارة " السلطات العمومية، لتشمل كل شخص معنوي عام له صفة هيأة عمومية، مركزية أو محلية، إدارية أو منتخبة، تتولى مسؤولية معينة في إعداد أو تنفيذ أو تقييم سياسة عمومية.
رابعــا: إذا كان المشرع موفقا أثنـاء تناوله لمسألة الطعـن في الملتمسات المقدّمة في مجال التشريع، من خلال تنصيصه في الفقرة الأخيرة من المادة 10 من القانون رقـم 64.14، على أنه: " لا يقبل قرار رفـض الملتمس أي طعـن"، على اعتبـار أن "التشريع من أعمال السيادة، وأن البرلمان لا يعـد جهة إدارية يمكن الطعن في قراراتها"، فإنـه لم يكن على صعيـد واحد على مستوى مشروع القانون التنظيمي رقم 44.14 المتعلق بالحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، بحيث سكت المشرع في شأن الطعن في العرائض المقدمة من طرف المواطنات والمواطنين، ولم ينـص على حقهم في الطعن في قرار رئيس الحكومة حالة رفـض العريضة بعلة عدم استيفاءها أحد الشروط الشكلية أو الموضوعية، على اعتبار أنه جهـة إدارية، كما غفـل المشرع من التنصيص على ضرورة تعليل قرارات رفـض الملتمسات المقدمة في مجال التشريع وقرارات رفض العرائض المقدمة إلى السلطات العمومية.
خـامسـا: عـدم تحديد المشرع بدقّـة المجالات التي لا يمكن أن يكون موضوعها تقديـم ملتمس في مجال التشريع أو عريضة إلى السلطات العمومية، حيـث جاء باستثناءات غيـر دقيقة، كتنصيصه على عدم قبول الملتمسات والعرائـض التـي تمـسّ بثوابت الأمـة، كالاختيار الديمقراطي للأمة، والمكتسبات التي تم تحقيقها في مجال الحريات والحقوق الأساسية كما هو منصوص عليها في الدستور ... وغيرها من الاستثناءات التي ستمنح لرئيس الحكومة (حالة العرائض) وللبرلمان (حالة الملتمسات)، سلطة بسـط توجهاته على الفاعـل المدني.
كما تجدر الإشارة إلى أن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالحـق في تقديـم العرائض إلى السلطات العمومية، قـد استثنى القضايا التي تتعلق بالدفاع الوطني. وهو مقتضى معيـب، على اعتبار أن بعض الإجراءات التي تهـم الشـق المالي في تدبير المؤسسة العسكرية، لا يجب أن تظل طـيّ الكثمان، لا حـق للمجتمع المدني في المطالبة بالكشف عنها، كالصفقات المتعلقة بالأسلحة، بعض المشاريع المبرمجة في إطار ميزانية تجهيـز المؤسسة العسكرية، التي قـد تشهـد اختلالات مالية.
وعلى سبيـل الختـام، يمكن القول أن مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بالحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع والحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، لم يعكسا الفلسفة التي قامت عليها الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011، والتي جعلت من " مبـدأ المشاركة" أحـد مقومات الدولة الحديثة، حيث تـم كبْـح وفرْمَلـة أية مشاركة للمجتمع المدني في صناعة السياسات العمومية عبر آلية الملتمسات وآلية العرائـض.