البلاغات الأخيرة لنادي القضاة، لا يمكن إلا أن تثير الانتباه!
ثمة لغة سياسية مباشرة، وإعلان حاسم لمواقف واصطفافات يصعب تصور صدورها من طرف قضاة.
كثيرة هي التنظيمات المهنية التي تابعت مرور قوانين تهمها أمام البرلمان، فعلت ذلك وهي تعلن عن رأيها، أو حتى وهي تترافع دفاعا عن مطالبها ومناصرة لأفكارها، ثم انسحبت لتترك للنواب أمر الحسم والبت النهائي باسم تمثيلية الأمة والمشروعية الديمقراطية.
لكن جزءا من ممثلي الجسم القضائي، فعل أكثر من ذلك: عبّر عن مواقفه، أساسا، من قضية استقلالية النيابة العامة، وخاض معركته الكبرى في سبيل ذلك – معركة تشبه إلى حد كبير إشعال النّار في الهشيم، فهم كانوا يعرفون أن الاتجاه العام للدولة قد حُسم نحو هذه الاستقلالية – وبعد ذلك، تحول ممثلو السلطة القضائية إلى مُراقبين عامين للنواب، يُقَرِعونهم على «التراجعات»، ويستكثرون عليهم التعديلات، ويستنجدون بالقوى الحية لإجبار البرلمان على الامتثال للدستور، ثم يقررون الاعتصام احتجاجاً على تصويت النواب.
أتفق مع القضاة الذين قالوا إنه ليس على المغاربة التخوف من «دولة القضاة».
نعم فالعبارة استعملت في هذا الجدل خارج سياقها. الدولة في المغرب نعرف مكانها جيداً، والقضاة أول من يعرفون ذلك بالتأكيد.
نعم، لسنا أمام دولة القضاة، لكننا قريبون من حالة «حزب القضاة»، حيث يترك بعض السّادة القضاة جانبا كل واجب التحفظ، وضرورة التجرد، ومُقومات الاستقلالية، ليعلنوا للملإ خصوماتهم السياسية مع مُمثلي باقي السلط؛ في الحكومة وفي البرلمان، كما لو كانوا مجرد أعضاء في جمعية من المجتمع المدني أو نشطاء في تنظيم حقوقيٍ.
لقد اعتبر بعض السادة القضاة أننا أضعنا أربع سنوات في مناقشة مسألة الاستقلالية، وأنا معهم، فمشكلة القضاء في بلادنا لم تكن يوما هي تبعية النيابة العامة لوزير العدل. لم يكن بالقطع وزراء العدل هم من فَبرك المحاكمات الصُورية في زمن الرصاص، ولم يكن وزراء العدل هم من يتحدث عن الخط الآخر من هواتف التعليمات التي طالما تحدثت عنها بلاغات الحقوقيين وتقارير الإنصاف والمُصالحة، ولم يكن وزراء العدل هم من يأمر باقتحام المنازل لضبط الخصوم السياسيين للدولة في وضعيات الفساد و»الخيانات الزوجية» الجاهزة.
لَستُ متفقا مع مشروع القانون التنظيمي للسلطة القضائية، وأعتبر تدبير الحكومة لمسألة استقلالية النيابة العامة عبارة عن كارثة حقيقية. في المُقابل، سبق لي في أكثر من مرة أن تضامنت مع نادي القضاة طيلة مساره، وداخله هناك العديد من الأصدقاء، وفكرته الأصلية مليئة بالجرأة والإقدام والدفاع عن شرف مهنة استثنائية، لكن لابد من القول – بشكل أخويٍ – أننا في حاجة ماسة إلى إعادة تعريف وظيفة التنظيم المهني التي تختلف نسبيا عن العمل النقابي، وتختلف كثيرا عن العمل السياسي، وتختلف مطلقا عن العمل الحزبي.
عمل البرلمان هو صناعة التشريع، وعمل القضاة هو تطبيق القانون، وإذا اعتبر البعض أن بعض النصوص القانونية تتعسف على الدستور، فهناك في المغرب مؤسسة اسمها المجلس الدستوري..
من حق التمثيليات الفئوية والمهنية التعبير عن آرائها ومواقفها، لكن من واجبها احترام البرلمان الذي لا يُشرّع للفئات، ولكن يُشرّع للمصلحة العامة.
ثمة لغة سياسية مباشرة، وإعلان حاسم لمواقف واصطفافات يصعب تصور صدورها من طرف قضاة.
كثيرة هي التنظيمات المهنية التي تابعت مرور قوانين تهمها أمام البرلمان، فعلت ذلك وهي تعلن عن رأيها، أو حتى وهي تترافع دفاعا عن مطالبها ومناصرة لأفكارها، ثم انسحبت لتترك للنواب أمر الحسم والبت النهائي باسم تمثيلية الأمة والمشروعية الديمقراطية.
لكن جزءا من ممثلي الجسم القضائي، فعل أكثر من ذلك: عبّر عن مواقفه، أساسا، من قضية استقلالية النيابة العامة، وخاض معركته الكبرى في سبيل ذلك – معركة تشبه إلى حد كبير إشعال النّار في الهشيم، فهم كانوا يعرفون أن الاتجاه العام للدولة قد حُسم نحو هذه الاستقلالية – وبعد ذلك، تحول ممثلو السلطة القضائية إلى مُراقبين عامين للنواب، يُقَرِعونهم على «التراجعات»، ويستكثرون عليهم التعديلات، ويستنجدون بالقوى الحية لإجبار البرلمان على الامتثال للدستور، ثم يقررون الاعتصام احتجاجاً على تصويت النواب.
أتفق مع القضاة الذين قالوا إنه ليس على المغاربة التخوف من «دولة القضاة».
نعم فالعبارة استعملت في هذا الجدل خارج سياقها. الدولة في المغرب نعرف مكانها جيداً، والقضاة أول من يعرفون ذلك بالتأكيد.
نعم، لسنا أمام دولة القضاة، لكننا قريبون من حالة «حزب القضاة»، حيث يترك بعض السّادة القضاة جانبا كل واجب التحفظ، وضرورة التجرد، ومُقومات الاستقلالية، ليعلنوا للملإ خصوماتهم السياسية مع مُمثلي باقي السلط؛ في الحكومة وفي البرلمان، كما لو كانوا مجرد أعضاء في جمعية من المجتمع المدني أو نشطاء في تنظيم حقوقيٍ.
لقد اعتبر بعض السادة القضاة أننا أضعنا أربع سنوات في مناقشة مسألة الاستقلالية، وأنا معهم، فمشكلة القضاء في بلادنا لم تكن يوما هي تبعية النيابة العامة لوزير العدل. لم يكن بالقطع وزراء العدل هم من فَبرك المحاكمات الصُورية في زمن الرصاص، ولم يكن وزراء العدل هم من يتحدث عن الخط الآخر من هواتف التعليمات التي طالما تحدثت عنها بلاغات الحقوقيين وتقارير الإنصاف والمُصالحة، ولم يكن وزراء العدل هم من يأمر باقتحام المنازل لضبط الخصوم السياسيين للدولة في وضعيات الفساد و»الخيانات الزوجية» الجاهزة.
لَستُ متفقا مع مشروع القانون التنظيمي للسلطة القضائية، وأعتبر تدبير الحكومة لمسألة استقلالية النيابة العامة عبارة عن كارثة حقيقية. في المُقابل، سبق لي في أكثر من مرة أن تضامنت مع نادي القضاة طيلة مساره، وداخله هناك العديد من الأصدقاء، وفكرته الأصلية مليئة بالجرأة والإقدام والدفاع عن شرف مهنة استثنائية، لكن لابد من القول – بشكل أخويٍ – أننا في حاجة ماسة إلى إعادة تعريف وظيفة التنظيم المهني التي تختلف نسبيا عن العمل النقابي، وتختلف كثيرا عن العمل السياسي، وتختلف مطلقا عن العمل الحزبي.
عمل البرلمان هو صناعة التشريع، وعمل القضاة هو تطبيق القانون، وإذا اعتبر البعض أن بعض النصوص القانونية تتعسف على الدستور، فهناك في المغرب مؤسسة اسمها المجلس الدستوري..
من حق التمثيليات الفئوية والمهنية التعبير عن آرائها ومواقفها، لكن من واجبها احترام البرلمان الذي لا يُشرّع للفئات، ولكن يُشرّع للمصلحة العامة.