يلاحظ بأن المغرب ومنذ مجيء حكومة عبدالاله بنكيران وضع خطة لإصلاح منظومة العدالة وشكل هيئة عليا للحوار الوطني بهذا الخصوص نتج عنها ميثاق أضحى يعرف بميثاق إصلاح منظومة العدالة ضمن في ما سمي بالتوجيهات الجوهرية التي يقترحها، التوجيه رقم 12 بالصفحة 51 من الميثاق على الشكل التالي:
"مراجعة التشريعات المنظمة للمهن القضائية والقانونية في اتجاه تعزيز استقلالها ..."
إلا أن الباحث سيجد بأن من بين التوصيات التي خلص إليها الميثاق فيما يخص مهنة المحاماة التوصية رقم 49 والتي تفيد "حضور الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف أو من يمثله، في المجلس التأديبي للمحامين، دون أن يشارك في المداولات واتخاذ القرار".
فهل راجع واضعو الميثاق نصهم وضبطوا توجيهاتهم وتوصياتهم أم أنه اختلط عليهم الأمر ولم يستوعبوا ما هو استقلال المحاماة لدرجة أنهم سيسيؤون لما بناه المحامون من أجل استقلالهم الجماعي وسيجعلون جميع النضالات التي خاضها هؤلاء في مهب الريح.
ويمكن التساؤل عن مصدر هذه المبادرة التي لا تخدم مهنة المحاماة بقدر ما تشكك في سريرة المحامين وقدرتهم على تسيير أمورهم وأحوالهم بأنفسهم تحت رقابة القضاء. فهل فقد المجتمع ثقته في المحامين إلى درجة إقحام النيابة العامة في المجالس المهنية التأديبية ؟ ثم ما الفائدة من حضور النيابة العامة في هذه المجالس دون أخذ الكلمة ؟ أم أن الأمر يتعلق بعقلية بوليسية محضة تهدف إلى التجسس على قطاع ينفرد باستقلاله ؟.
حقيقة أن التبرير الذي أتى به الميثاق يتكلم على فصل سلطة المتابعة عن سلطة الفصل بإمكانه أن يقنع السذج منا. إلا أن الحقيقة خلاف ذلك وأن خطورة تطبيق هذه التوصية من شأنها أن تفتح الباب على المجهول. ثم ما معنى حضور موظف تابع لتعليمات وزير العدل الذي هو من الجهاز التنفيذي وسط محامين منتخبين من قبل زملائهم لتدبير شؤونهم المهنية في استقلال تام عن أي جهة ؟.
والمثير للجدل هو تبني توصية حضور النيابة العامة بالمجالس التأديبية من قبل اللجنة العليا للحوار الوطني التي كان يرأسها وزير العدل والحريات وهو محام وبحضور ومشاركة ثلاثة رؤساء لجمعية هيئات المحامين بالمغرب أحدهم رئيس ممارس[1] والآخرين رؤساء سابقين إلى جانب ترأس أحدهم سابقا للاتحاد الإفريقي للمحامين أيضا [2] وترأس الآخر العديد من الجمعيات[3] وكذا بمشاركة نقيبين سابقين أحدهما وزيرا سابقا للعدل [4] والآخر نقيبا سابقا لهيئة المحامين بالدارالبيضاء إلى جانب محام أخر رئيس جمعية عدالة وهي جمعية حقوقية[5] بالإضافة إلى محام يرأس الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء[6]. بل إن اللجنة العليا عقدت عدة اجتماعات في الكثير من المدن بحضور نقباء وزملاء كان عليهم جميعا الاستماتة في الدفاع عن استقلال المحاماة.
بل كان على أعضاء اللجنة العليا لإصلاح منظومة العدالة أن يفكروا بكل بساطة ربما في مجلس تأديبي مصغر[7] يرأسه النقيب السابق الذي لم يتابع المحامي المشتكى به ويوكلوا البث في استئناف المقرارات الصادرة عن المجالس التأديبية لمحاكم الاستئناف الإدارية وهي تبث في غرفة المشورة[8] ليبقى حق النقض مكفولا لجميع الإطراف أمام محكمة النقض ليكون للجميع الضمانات الكافية للدفاع عن مصالحه بعيدا عن المزايدات وتصفية الحسابات والمجاملات والمحاباة وحتى عن شراء الذمم.
وعلى أي حال فإن حضور النيابة العامة بالمجالس التأديبية إن هو تبلور على أرض الواقع من شأنه أن يشكل وصمة عار على جبين كل محام باعتبارنا جميعا مسؤولين عن الدفاع عن استقلال مهنتها وعلى المجتمع برمته أن يعلم أن استقلالنا هو الضمانة الأساسية للدفاع عن حياة وحرية وشرف ومال أفراده.
الهوامش
[1]حسن وهبي نقيب سابق لهيئة المحامين بأكادير ورئيس جمعية هيآت المحامين بالمغرب قاطع مسار الحوار احتجاجا على عدم إشراك عدد كافي من المحامين في اللجنة العليا لإصلاح منظومة العدالة ثم عاد واستأنف عمله داخل اللجنة، رجل مهني بكل معنى الكلمة.
[2] عبدالعزيز بنزاكور عين وسيطا للمملكة بتاريخ 18 مارس 2011، رجل خدم مهنة المحاماة وطنيا وإقليميا.
عبدالرحيم الجامعي حقوقي حتى النخاع يشفع له موقفه الرافض لتقاضي أي مقابل ملكي عن عمله داخل اللجنة العليا.[3]
[4]محمد الطيب الناصري رحمة الله عليه، نقيب هيئة المحامين بالدارالبيضاء سابقا، اسم على مسمى، طيب، وكفء ورجل نزيه ماضيه يتكلم مكانه.
[5] عبد العزيز النويضي محام من الحقوقيين المغاربة المرموقين الذي قدم الكثير في مجال حقوق الإنسان ويشفع له نضاله الدائم وموقفه الذي جعله يرفض سنة 2014 أعلى وسام للجمهورية الفرنسية بسبب موقف رئيسها من القضية الفلسطينية
عبداللطيف الحاتمي من المحامين الذين استماتوا في الدفاع عن استقلال القضاء تشفع له سريرته وماضيه وسمعته الطيبة. [6]
[7] لا معنى لمحكمة تأديبية تتشكل من عشرين عضوا مثلا بينما محكمة الجنايات وكذا غرفة المشورة لا تتعدى خمسة أعضاء ويمكن أن يتشكل هذا المجلس التأديبي من أربعة أعضاء يتم اختيارهم من بين أقدم أعضاء المجلس إضافة إلى نقيب السابق.
[8]اعتبرت الغرفة الإدارية لدى محكمة النقض في عدة اجتهادات بأن المقرارات الصادرة عن مجالس هيئات المحامين جزء لا يتجزأ من المادة الإدارية متمسكة بالمعيار الموضوعي بدل المعيار العضوي. راجع "العمل القضائي وقانون مهنة المحاماة" ندوة 10 يونيو 2002، دفاتر المجلس الأعلى العدد 3، سنة 2004 الصفحة 115.