MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



إشكالية الاختصاص النوعي للتعويض عن الخطأ القضائي

     

سعيد صحصاح
باحث في قانون المنازعات العمومية



إشكالية الاختصاص النوعي للتعويض عن الخطأ القضائي
 


يعد إقرار مسؤولية الدولة عن الأخطاء القضائية سبيلا لترشيد عمل مرفق القضاء باعتباره من المرافق العمومية للدولة وتعزيز مكانته كمؤتمن على الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور المغربي من الفصل 19 إلى 40 منه حيث يفيدنا التاريخ القديم والحديث أن عدم مساءلة الدولة عن أخطاء قضائها أدى إلى تعسف وهتك الحريات بالرغم من أن الشرائع السماوية وخاصة الشريعة الإسلامية التي أقرت بمبدأ التعويض من بيت مال المسلمين عن الأخطاء المقترفة من قبل القضاء. وقد شهد التاريخ العربي عموما عدد المظالم القضائية

 كما أن الحكم بالبراءة ليس كافيا لإصلاح وجبر الأضرار المادية والمعنوية التي أصابت البريء وترتيبا على ما ذكر وتأسيسا لمقتضيات المادة 122 من الدستور الناصة على "حق كل متضرر من خطأ قضائي من الحصول على تعويض تتحمله الدولة".

فقبل الخوض في مسألة الاختصاص النوعي لابد من التأكيد بداية على أن القضاء المغربي لم يستقر على اجتهاد قار بخصوص البث في تعويض ضحية الخطأ القضائي حيث قضى المجلس الأعلى بأن العمل القضائي بوجه خاص لا يندرج في المجال الإداري كما يندرج به نشاط المرافق العامة بما فيها مرفق العدالة، ومن ثم يبقى خاضعا للأنظمة التشريعية للمسؤولية وحصره للجهة المختصة للنظر في دعاوي التعويض الناتجة عن الأخطاء القضائية في القضاء العادي الذي يستشف من قرار غرفته الإدارية تحت عدد 344 بتاريخ 30 أبريل 2008 في الملف الإداري عدد 248/4/2008 القاضي بأن الاختصاص النوعي في الحكم بالتعويض لفائدة ضحية الخطأ القضائي يرجع للغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى استنادا للمادتين 571 و573 من قانون المسطرة الجنائية.

وبناء على تاريخ صدور القرار كانت محاكم الاستئناف الإدارية قد شرعت في ممارسة اختصاصها النوعي للبث في استئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية طبقا للمادة 21 من قانون 80.03 المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية التي نصت على أن أحكامه تدخل حيز التنفيذ بعد مرور شهر على نشر المرسوم المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة الأولى من نفس القانون بالجريدة الرسمية الذي قد نشر بتاريخ 14 غشت 2006 مرافق 19 رجب 1427 وأن محاكم الاستئناف ابتدأت عملها بتاريخ 14 شتنبر 2006 أي قبل صدور القرار السابق بأكثر من تسعة أشهر.

ويكون بذلك المجلس الأعلى عقد لنفسه الاختصاص النظر في استئناف الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية استنادا للمادة 12 من قانون 80.03 المحدث للمحاكم الاستئناف الإدارية التي تنص على أن "تبقى مقتضيات المادة 13 من القانون 41.90 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية سارية المفعول في شأن استئناف الأحكام الصادرة في موضوع الاختصاص النوعي ويحيل المجلس الأعلى الملف بعد البث فيه إلى المحكمة المختصة".

إن هذه المادة تبقى على جزء من الاختصاص النوعي السابق للمجلس الأعلى فيما يخص النظر في استئناف المحاكم الإدارية. الأمر الذي يشكل استثناءا لا يمكن الخروج عن حدوده المرسومة في المادة 13 التي تنص على ما يلي حرفيا "إذا أثير دفع بعدم الاختصاص النوعي أمام جهة قضائية عادية أو إدارية وجب عليها أن تبث فيه بحكم مستقل ولا يجوز لها أن تضمه إلى الموضوع.
وللأطراف أن يستأنفوا الحكم المتعلق بالاختصاص النوعي أيا كانت الجهة القضائية الصادرة عنها أمام المجلس الأعلى الذي يجب عليه أن يبث في الأمر داخل أجل ثلاثين يوما يبتدئ من تسلم كتابة الضبط به لملف الاستئناف".

غير أن المجلس الأعلى أعلى محكمة النقض حاليا في هذا القرار وجد أمامه استئناف لحكم صادر عن المحكمة الإدارية في قضية لم يثار فيها بتاتا الدفع بعدم الاختصاص النوعي فهو حكم غير مستقل بالبث في دفع من هذا القبيل.

ورغم ذلك فقد جعل من الاستثناء قاعدة وأعطى لنفسه اختصاصا نوعيا يتنافى مع قانون إحداث محاكم الاستئناف الإدارية عموما، ويتنافى مع صراحة المادة  12 من القانون المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية 80.03 والمادة 13 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية 41.90.

وهو ما يعتبر تعديا على الاختصاص النوعي لمحكمة الاستئناف الإدارية وتجاوزا لحدود الاستثناء الذي لا يمكن أن تصبح قاعدة ولم يتم إثارة أي منازعة في الاختصاص النوعي.
مقابل ذلك أصدر المجلس الأعلى أي محكمة النقض قرارا مخالفا تحت عدد 906 بتاريخ 28/11/2007 في الملفين 41/06/2006 و128/7/2006 بتأييد الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالتعويض وعلل اختصاص القضاء الإداري نوعيا للبث في تعويض ضحية الخطأ القضائي بما يشكل ردا على ما قرره سابقا في قضية لا يملك في الواقع اختصاص الخوض فيها. وان محكمة الاستئناف الإدارية هي المختصة للبث في استئناف يثار ضد الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالتعويض والذي لا رائحة فيه لإثارة الدفع بعدم الاختصاص النوعي.

حيث قضت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في حكم لها "حيث يعيب المستأنف الحكم المستأنف بخرق قواعد الاختصاص النوعي على اعتبار أن الجهة المختصة بالتعويض عن الضرر اللاحق بمن صدر قرار المراجعة لفائدته استنادا للمادة 573 من قانون المسطرة الجنائية هي القضاء الجنائي وليس القضاء الإداري.

لكن عبارة يقبل طلب التعويض في سائر مراحل مسطرة المراجعة الواردة في الفقرة الثالثة من المادة 573 من قانون المسطرة الجنائية تفيد حتما أن اختصاص القضاء الجنائي للبث في طلب التعويض عن الضرر الناتج عن الخطأ القضائي المقدم من قبل من صدر قرار المراجعة لفائدته. هو اختصاص مانع لا يزاحمه فيه القضاء الإداري، بل إن صدور هذا القرار لا يمنع المتضرر من تقديم طلب التعويض أمام المحكمة الإدارية استنادا للمادة 8 من قانون 90.41 التي تمنح الاختصاص للمحاكم الإدارية للبث في دعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببتها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام ولم تستثن الأضرار الناتجة عن الخطأ القضائي ويستنتج من ذلك أن المتضرر من هذا الخطأ الخيار بين تقديم طلب التعويض أمام القضاء الجنائي في إطار مسطرة المراجعة الجارية أمام المجلس الأعلى أو أمام المحكمة الإدارية بعد صدور قرار المراجعة لفائدته.

ورغم أن هذا القرار قد أقر باختصاص القضاء الإداري استنادا على المادة 8 من قانون 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية لكن منح الخيار لضحية الخطأ القضائي بين سلوك مسطرة التعويض أمام
القضاء الإداري أو سلوكها أمام القضاء الجنائي قد لا يصادف الصواب

مقابل ذلك نجد أن مشرع المسطرة الجنائية حدد اختصاص الغرفة الجنائية للمجلس الأعلى فيما يخص المراجعة إذا أنها إما تبطل القرار المشوب بالخطأ القضائي بدون إحالة وإما بالإحالة عملا بالفصل 570 من قانون المسطرة الجنائية فالغرفة الجنائية محددة الاختصاص للبث في مدى توفر أسباب المراجعة أو عدمها عملا بالفصل 566 ق.م.ج فهي محكمة لا يمتد اختصاصها للبث في تسرب الخطأ للحكم الصادر في الدعوى العمومية أو عدم تسربه ومناقشة الموضوع في قيام الخطأ أو عدم قيامه لأن ذلك مسند لمحكمة الإحالة عملا بالفصل 572 من ق.م.ج.
فكيف إذن نريد لهذا الاختصاص أن يتجاوز إلى الحكم بالتعويض لفائدة ضحية الخطأ القضائي.

لو أراد المشرع أن يسند الاختصاص للبث في تعويض ضحية الخطأ القضائي لأسنده لأحد الجهتين لصرح بذلك وخصوصا وأن الاختصاص النوعي من أصول النظام القضائي والنظام العام التي لا يجتهد فيها والتذكير بأن السكوت عن الشيء في القانون الشكلي يفسر بالمنع عكس ما هو عليه الحال في القواعد القانونية المنظمة للموضوع والتي تسيطر عليها قاعدة أصولية راسخة وهي أن الأصل هو الإباحة وما سكت عنه مباح.

وبالتالي فالعبارة الواردة في الفصل 573 من قانون المسطرة الجنائية تقرر مبدأ الحق في التعويض للمتضرر من الخطأ القضائي الذي من حقه في سائر مراحل المراجعة أو أحوالها أن يطلبه وأن هذه العبارة لا تسند الاختصاص لا للغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى ولا لمحكمة الإحالة.

وإذا كان المشرع أعطى سابقا الاختصاص النوعي للقضاء الجنائي للحكم بتعويض المتضرر من الخطأ القضائي فإن ذلك يغير من الحقيقة القانونية الثابتة وهي احتكار القضاء الإداري لاحقا لهذا الاختصاص.

لأنه من حيث القواعد العامة فإن المادة الثامنة من قانون 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية نسخ لأي نص قد يكون واردا بالمسطرة الجنائية يجيز الحكم على شخص من أشخاص القانون العام بالتعويض أما حينما اتجهت إرادة المشرع نحو تأسيس قضاء إداري متخصص بموجب قانون 90.41 استهدافا منه لازدواجية القضاء وتحقيق الهدف المتوخى منه. إذ كيف يترك هذا القرار أو ما سبقه من القرارات صراحة قاعدة الاختصاص والاتكاء على سكوت المشرع في الفصول 570 وما يليها من المسطرة الجنائية عن التصريح بالجهة المختصة الذي لا يمكن تفسيره سوى بالمنع لا بالإحالة؟ وكيف يمكن غض النظر عن مقتضيات المادة 474 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي  الذي هو الشريعة العامة وما تتضمنه تلك المقتضيات من النص على نسخ القانون اللاحق للسابق إن كان متعارضا معه أو منظما لكل الموضوع الذي ينظمه؟.

إن الأمر في غاية الوضوح من الناحية القانونية فالقضاء الإداري هو صاحب الاختصاص وحده ولا سند حتى للأخذ بخيار الضحية لأنه يضرب في الصميم ازدواجية القضاء ومن حيث روح القوانين التي لا تستهدف إلا العدل فإنه لا يغقل أن يظلم الضحية مرة بالخطأ القضائي ومرة بحرمانه من تدرج التقاضي وسجنه في درجة واحدة وهي الأعلى والحال أن أمثاله من ضحايا الضرر الأقل جسامة ومرارة يتمتعون بالتقاضي أمام المحكمة الإدارية ابتدائيا وأمام محكمة الاستئناف الإدارية ويستفيدون من الطعن بالنقض.

إضافة إلى أن اختصاص القضاء الجنائي من شانه أن يحرم الضحية من التعويض إذا فاته المطالبة خلال نظر الغرفة الجنائية في المراجعة أو محكمة الإحالة.

وهذا أمر يتنافى مع تقرير الحق له في التعويض، ويصبح الأمر كمن يعطي باليمنى ويسحب باليسرى وهو ما يتنافى مع قصد المشرع.

مما أثار حكم المحكمة الإدارية الأخير بتاريخ 31/1/2013 في الملف عدد 70/12/2012 جوابا صريحا عن تساؤلات طرحت من قبل حول مدى اختصاص المحكمة الإدارية في طلبات التعويض عن الخطأ القضائي وعلى خلاف التوجهات السابقة سواء لدى المجلس الأعلى أو المحاكم الإدارية في أحكامها السابقة التي ذهبت بعدم اختصاصها في البث في هذا النوع من الدعاوي تأسيسا على مبدأ عدم مساءلة الدولة عن أعمالها القضائية احتراما لاستقلالية القضاء وحجية الأحكام وقوة الشيء المقضي به.

ويأتي هذا الحكم لدعم وترسيخ مبدأ مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي وتعويض ضحيته كمبدأ دستوري ودعما لاختصاص المحاكم الإدارية لهذا النوع من الدعاوى استنادا على مقتضيات المادة 122 من الدستور ومقتضيات المادة الثامنة من القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية الذي يتعين التصريح باختصاص المحاكم الإدارية للنظر في الطلب.

بذلك تكون المحكمة الإدارية بالرباط أقرت بتوجه يواكب المعطى الجديد الذي أتى به الدستور المغربي وحماية حقوق وحريات المتقاضين وتطبيق القانون التطبيق السليم باعتبار مرفق القضاء مرفقا عموميا من مرافق الدولة شانه شان باقي المرافق العمومية يخضع لقواعد المسؤولية الإدارية على فرض ثبوتها ولا يحد من المسؤولية أو يلغيها من حيث مبدأ الاستقلال وخصوصية مرفق القضاء لأن مرفق العدالة ليس فوق المحاسبة أو المساءلة طالما الشرعية والمشروعية هي عماد وحصن المرافق العمومية لخضوع الجميع لمقتضياتها كما استندت المحكمة على المادة 154 من الدستور التي تنص في فقرتها الثانية على أن المرافق العمومية تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديموقراطية التي أقرها الدستور" الذي يشكل ضمانا لحماية حقوق المتقاضين ولقواعد سير العدالة وصونا للأمن القانوني والقضائي خاصة بعدما كان الوضع على مستوى التشريع والقضاء هو عدم مسؤولية الدولة عن أخطاء القضاء كقاعدة عامة وأقر المشرع مسؤوليتها في حالات استثنائية ضيقة احتراما لمبدأ حجية الأحكام وقوة الشيء المقضي به كما أن العمل القضائي في منأى عن أي مراقبة إلا عن طريق الطعون المنصوص عليهما في الفصل 391 من قانون المسطرة المدنية دعوى المخاصمة وتلك المفصلة في المواد 570 إلى 573 من قانون المسطرة الجنائية بخصوص مسطرة المراجعة فأصبح لزاما لمواكبة هذا المعطى الجديد وأمام تزايد هامش الخطأ لدى السلطات القضائية لابد من إدخال تعديلات على مقتضيات قوانين المسطرة المدنية والجنائية وخاصة القانون الجنائي الذي يعود إلى سنة 1962 بالرغم من التعديلات التي شملته مع الأخذ بعين الاعتبار التطور الذي شهده الاجتهاد القضائي ببلادنا خاصة أحكام المحاكم الإدارية و بإخراج قانون تنظيمي ينظم التعويض بتحديد الجهة القضائية المختصة نوعيا للنظر في طلبات التعويض عن الخطأ القضائي خصوصا وأن الدولة تكون مسؤولة عن التعويض وطرفا في الدعوى مع تحديد هيأة قضائية مستقلة فمن غير المستساغ جعل السلطة القضائية ذاتها خصما وحكما مما نرى تكوين لجنة مختلطة مهمتها البث في هاته الطلبات في إطار إشراك مجموعة من القطاعات وزارة العدل باعتبارها الوصية على المرفق مع وزارة المالية والداخلية و ممثلين عن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وجمعيات المجتمع المدني المهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان وجعل هذه اللجنة تحت رئاسة رئيس مؤسسة الوسيط أو من يمثله والتي تعمل تحت الإشراف المباشر لرئيس الحكومة.

المراجـع:
  • محمد الأعرج: المنازعات الإدارية والدستورية في تطبيقات القضاء المغربي، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية سلسلة مواضيع الساعة عدد 83/2013
  • حكم عدد 325 مكرر بتاريخ 31/1/2013 ملف عدد 170/12/2012 منشور بموقع العلوم القانونية Marocdroit.com
  • قرار المجلس الأعلى بتاريخ 30/04/2008 عدد 248/4/2008 منشور بمجلة الحقوق المغربية دلائل الأعمال القضائية الدليل الثاني ماي 2009 ص 405.
  • علي العلوي الحسني :تعليق على قرار المجلس الأعلى عدد 558 بتاريخ 27/06/2007 منشور بمجلة المحاكم عدد 5/1 يوليوز غشت 2008.
 



الجمعة 22 مارس 2013
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter