MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



العدالة عن بعد ((télé-justice

     

ذ/ عزيز نداعلي وحميد
باحث في الدراسات القانونية والقضائية



العدالة عن بعد ((télé-justice
إن تفشي فيروس كورونا المستجد - كوفيد 19-  عبر العالم، واتخاذ كافة الدول لإجراءات احترازية للحد من انتشاره، وتفاعل الكل ضد هذا الوباء من خلال تبني تعليمات الحجر الصحي، تفاديا لانتقال العدوى، وإغلاق المعابر الحدودية بين الدول خلال فترات الطوارئ الصحية الخاصة بها.
والمغرب لم يكن بمنأى عن هذا الوباء ألقى بضلاله على مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب خاصة مع إعلان حالة الطوارئ الصحية بتاريخ 20/03/2020، وما واكبها من تبني المشرّع للمرسوم بمثابة قانون رقم 2.20.292 الصادر بتاريخ 23/03/2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، والمرسوم رقم 2.20.293 الصادر بتاريخ 24/03/2020 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد 19، وكان لهذا الأمر أثر بالغ فيما يتعلق بالجوانب المرتبط بتدبير عمل كافة القطاعات الحكومية بما فيها مرفق العدالة.
فقد أظهرت أزمة فيروس كورونا كوفيد 19 ضرورة تطوير آليات ممارسات المحكمة الرقمية وتيسير عمل القضاة وموظفي الإدارة القضائية والمحامين، وتنويع أدوات عملهم لتبسيط الإجراءات وضمان الحقوق وصون الحريات بأسهل الطرق وفى أسرع وقت وبأقل تكلفة ممكنة.
ولعل ما سطره ميثاق إصلاح منظومة العدالة من توصيات همت مجموعة من الأهداف الرئيسية التي ترمي في مجملها إلى إصلاح هذه المنظومة، بما فيها عصرنة أساليب الإدارة القضائية، وتمكنها من تسهيل أداء القضاء لمهمته على الوجه الأكمل، وتلبية حاجيات المواطنين بنجاعة وفعالية، كما جاء في الهدف الرئيسي السادس المتعلق بتحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها، وخاصة فيما يتعلق بإرساء مقومات المحكمة الرقمية.
ولا يجب أن ننكر مجهودات وزارة العدل فيما يتعلق بتفعيل هذه التوصيات وخاصة في الشق المتعلق بتوفير الأنظمة المعلوماتية الآمنة، والبرامج المتعلقة بالإدارة القضائية والمساطر، والسعي إلى نزع التجسيد المادي عن الإجراءات والمساطر القضائية، واعتماد التوقيع الإليكتروني في التعامل مع مختلف مكونات الإدارة القضائية، واعتماد الأداء الإليكتروني لاستيفاء الرسوم والمصاريف القضائية والغرامات، كل هذه التدابير التي سيتم الوقوف عليها بتفصيل في متن هذه الورقة، والتي كان الهدف منها إرساء جميع التدابير الرامية إلى إيجاد عدلة عن بعد (télé-justice) تستقيم وتوجه وزارة العدل، بما يتوافق أولا مع حالة الطوارئ الصحية التي دخلت حيز التنفيذ ابتداء من 20/03/2020 إلى تاريخ 20/04/2020، والذي تم تمديده لنفس المدة إلى غاية 20/05/2020، وثانيا فيما يتعلق بالعمل على تنزيل تدابير حقيقية لعدالة عن بعد (télé-justice)، لِمَا بعد انحسار فيروس كورونا.
وانسجاما مع المنشور رقم 01 الصادر عن وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة بتاريخ 16/03/2020 وجهت وزارة العدل منشورا إلى السادة المسؤولين الإداريين دعت فيما دعت إليه بخصوص مجال الرقمنة إلى اعتماد الخدمات الرقمية المتوفرة عبر موقع mahakim.ma من قبيل الحصول على السجلين التجاري والعدلي عن بعد، والاطلاع على مآل الملفات القضائية عن بعد، وإيداع القوائم التركيبية الخاصة بالشركات عن بعد، فإنها وضعت اللمسات الأخيرة على عدد من الخدمات الرقمية الجديدة عن بعد التي ستحد من تنقل المرتفقين إلى المحاكم أو الإدارة المركزية للحصول على هذه الخدمات، بهدف توفير الحماية والسلامة الصحية للقضاة والموظفين ومساعدي القضاء والمرتفقين بالتنسيق مع المسؤولين القضائيين والاداريين.
وتلى منشور وزارة العدل منشور صادر عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية بتاريخ 14/04/2020 يتعلق بتهيئة القضايا لمرحلة ما بعد رفع حالة الطوارئ الصحية، والدعوة إلى الحرص على التدبير الأمثل لمرحلة ما بعد الإعلان عن رفع حالة الطوارئ الصحية، والاستعداد الاستباقي لمواجهة جميع التحديات لسد أي منفذ للتعثر أو التأخير في العمل والخدمات القضائية، واستحضارا للتوجهات الملكية السامية لصاحب الجلالة محمد السادس التي تؤكد على أهمية إصدار الأحكام العادلة داخل آجال معقولة تضمن الحقوق وتصون الحريات وتحقق الامن القضائي وتكرس الثقة، والدعوة إلى الاعداد لمشاريع الاحكام والقرارات بخصوص الملفات المعينين فيها لتيسير البت فيها في أقرب الآجال ووفق الضمانات القانونية.  
     إن المتأمل في بلاغ المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يؤكد على مسألة غاية في الأهمية تتجلى فيما ذهب إليه بالاستعداد الاستباقي لمواجهة كل التحديات التي قد تسفر عنها مرحلة ما بعد انحسار فيروس كورونا، هذه التحديات التي حصرها البلاغ في التعثر والتأخير والتراكم في الخدمات القضائية، كما أكد على أهمية إصدار الأحكام والقرارات القضائية في أجل معقول.
وقد طال لسان النقد لغة البلاغ، لكونه حث القضاة على إعداد مشاريع أحكام أو قرارات مسبقة، وهذا فيه خروج عن الأصل العام المتمثل جاهزية هذه القضايا، وعدم مناقشتها أمامها بعرض الحجج والأدلة بين أطرافها بما يحقق ضمان الحق في الدفاع كأهم ضمانات المحاكمة العادلة، ويخرج بالقضاة عن حيادهم، فإذا كنا سنرهق كاهل القضاة بإعداد مشاريع أحكام وقرارات قَبْلاً، وأثناء مناقشة القضايا تظهر توجهات أخرى مخالفة، فإنه يتعين على القضاة إعادة صياغة المشروع بما ينسجم واقتناعهم الوجداني بالنظر إلى ما نوقش أمامهم شفاهيا وحضوريا حسب الأحوال. (المسطرة الكتابية أو المسطرة الشفوية)
وعلى هذا الأساس، وبالنظر إلى الظرفية الاستثنائية – المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية - التي يعيشها المغرب عامة ومرفق العدالة بشكل خاص، باعتباره أحد أهم الدعامات الأساسية لضمان الحقوق وصون الحريات وتحقيق الامن القضائي، وتعزيز ثقة المتقاضين، يجب الدعوة بشكل جاد إلى تكريس أهم تجليات المحكمة الرقمية في عدالة رقمية تعتمد وسائل الاتصال عن بعد والتكنولوجيات الحديثة والانترنيت والتوقيع الإلكتروني فى إجراءات التقاضي وغيرها من الإجراءات الكفيلة للقيام بالمهام المنوطة بهم في أحسن الظروف والأحوال.
هنا لا بد من أن نتساءل بشكل جدي هل وزارة العدل جادة في تنزيل المحكمة الرقمية؟ وبشكل خاص إجراء جلسات البت في القضايا عبر تقنية التواصل عن بعد، أم هل سيقتصر الأمر على المحكمة الإليكترونية دون غيرها؟
لمحاولة استجماع عمق الإشكال لا بد أن نميز بداية بين المحكمة الرقمية والمحكمة الإليكترونية، وإبراز خصائص المحكمة الرقمية، والوقوف على أهم الصعوبات التي تعترض أو اعترضت تنزيل هذا المقتضى إلى حد الآن، ولكن قبل ذلك، لا يجب أن ننكر ما تم إنجازه لحد الساعة من أوراش في اتجاه تفعيل نمط رقمي جديد يروم خدمة مساعدي القضاء ومرتفقي العدالة.
 التمييز بين المحكمة الإليكترونية والمحكمة الرقمية
فالمحكمة الاليكترونية: هي استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصال في تحقيق الولوج لمرفق العدالة وتسهيل التواصل بين مختلف الفاعلين فى ميدان القانون والقضاء، إذن فهي منهجية عملية جديدة تقوم على اعتماد التقنيات المعلوماتية ووسائل الاتصال في ممارسة الوظائف الأساسية للمحاكم، بقصد تحسين فعاليتها ونتائجها وجودة خدماتها المقدمة، وبغرض تسهيل عملية التواصل مع المرتفقين.
أما المحكمة الرقمية: لها من منظور القانون المقارن تعريفان أحدهما خاص والآخر عام، فالأول يعتبر المحاكم الرقمية محاكم نوعية تختص بالنظر في الجرائم الرقمية digital crimes والتي الأصل فيها هو الولوج إلى المعطيات الشخصية الإليكترونية عبر شبكة الانترنيت أو الشبكات الخاصة باعتماد جهاز الحاسوب أو الهواتف الذكية أو اللوحات الإليكترونية، ويدخل في زمرتها الجرائم الواقعة على نظم المعالجة الآلية للمعطيات، جرائم الابتزاز الإليكتروني..
والثاني يعتبر المحاكم الرقمية محاكم تنظر في القضايا المعروضة عليها يعرض جلساتها عبر مؤتمرات الفيديو، يباشر من خلالها البت في الدعاوي والفصل فيها باعتماد مجموعة من التقنيات المعلوماتية والضوابط القانونية المتوافقة مع الإجراءات المسطرية والتقنية المعمول بها في هذا الباب[1].
من خلال التعاريف يمكن ملاحظة كون المحكمة الرقمية تستوعب في عملها المحكمة الإليكترونية باعتبارها منهجية عملية جديدة تقوم على اعتماد التقنيات المعلوماتية ووسائل الاتصال في ممارسة الوظائف الأساسية للمحاكم، للنظر في القضايا المعروضة عليها في جلسات رقمية، تعتمد التقنيات المعلوماتية وشبكة الانترنيت وتقنيات التواصل عن بعد، ويمكن القول على أن المحكمة الرقمية والمحكمة الإليكترونية هما اسمان لمسمى واحد، غير أنه لا يمكن الحديث عن محكمة رقمية من دون تنزيل عملي لمحكمة إليكترونية، بمعنى أوضح  فالمحكمة الإليكترونية هي مرحلة سابقة عن المحكمة الرقمية من حيث الإيجاد والتنزيل.
خصائص المحكمة الرقمية:
من خلال التعريف يمكن استخلاص أهم خصائص المحكمة الرقمية في التالي:
  1. محكمة معلوماتية تعتمد في مجملها على الأنظمة المعلوماتية، وشبكة الانترنيت عالية الصبيب، تعتمد التبادل الإليكتروني مع مساعدي القضاء ومحرري المحاضر.
  2. محكمة ذكية تعتمد على الحاسوب أو اللوحات الإليكترونية والهواتف الذكية في تصريف أعمالها دون حاجتها إلى السجلات الورقية والمحاضر ونماذج المطبوعات.
  3. محكمة غير مقيدة بزمكان: وإنما يمكن لها أن تعقد لقاءاتها أو جلساتها في أي ظرفية كانت – حالة الطوارئ الصحية مثلا - باعتماد وسائل الاتصال الحديثة عبر تقنيات التواصل عن بعد (السكايب) أو تقنية الفيديو كونفيرونس..
  4. محكمة مؤهلة: تعتمد على موارد بشرية (قضاة، كتاب الضبط) مؤهلة في الجوانب التقنية والمعلوماتية وإعداد البرامج المعلوماتية واستعمالها..
  5. محكمة المسطرة التقنية: ستكون من أولويات المشرع فيما يتعلق بتعديل القوانين الإجرائية (قانون المسطرة الجنائية، قانون المسطرة المدنية..) بما يتناسب وتوجه السلطات الحكومية في هذا الباب.
  6. محكمة تواصل: فالمحكمة الرقمية لا يجب ألا تعتمد على الانترنيت فقط، وإنما يمكنها الاستناد إلى التواصل عبر الهاتف، باعتماد رقم أخضر، للتوصل بالمعلومات القضائية في إطار المساعدة القانونية.
  7. محاكم خالية من متقاضين: هذه المحكمة ستعفي بعض المتقاضين من الانتقال إلى المحاكم وستحد كذلك من الاكتظاظ، والحد بذلك من مضاربات السماسرة بالقرب من بوابات المحاكم.
ولو افترضنا أن وزارة العدل عملت على تنزيل ترتيبات المحكمة الرقمية خلال فترة الحجر الصحي وإعلان حالة الطوارئ لم يكن لقطار العدالة أن يتخلف عن الركب خلال هذه الفترة، العصيبة، ولتمَّ تصريف كل القضايا عن بعد، في احترام تام للتعليمات السلطات المحلية بالبقاء في البيوت تحت شعار " خليك في دارك تنجي بلادك " ولما كانت وزارة العدل في حاجة إلى بعض من التدابير الوقائية الرامية إلى حماية السادة القضاة والاطر والموظفين العاملين بالمحاكم وبالإدارة المركزية بحكم أن هذه الحماية وفرتها المحكمة الرقمية قبل تفشي وباء كورونا كوفيد 19، ولم يكن لبلاغ المجلس الأعلى للسلطة القضائية من جدوى بحكم الإمكانات المتاحة للقضاة للنظر في القضايا والدعاوي المعروضة عليهم عن بعد، ولما كان هناك أي  منفذ للتعثر أو التأخير في العمل والخدمات القضائية – وفق ما جاء في لغة البلاغ - لكن للأسف لم يكن للمحكمة الرقمية من وجود في ظل تفشي الوباء مما حدا بنا إلى اعتماد أوراش المحكمة الإليكترونية في انتظار استكمال مشروع المحكمة الرقمية إلى نهايته.
أهم أوراش وزارة العدل في اتجاه تنزيل المحكمة الإليكترونية
  • الشباك الإليكتروني لطلب السجل العدلي هذه الخدمة تسمح بطلب السجل العدلي عن طريق الانترنيت، مرفق بدليل المستعمل ومعزز بمقطع فيديو يوضح كيفية ملأ البيانات المطلوبة، مع إمكانية متابعة الطلب.
  • بوابة المساطر القضائية تتضمن مجموعة من النصوص القانونية الموضوعية والإجرائية في القضاء المدني، والقضاء التجاري، والقضاء الإداري، والقضاء الجنائي.
  • مركز تتبع وتحليل الشكايات المحدث سنة 2010 والذي يتضمن مجموعة من البيانات الخاصة بالمشتكي، وإمكانية معرفة مآل الشكاية بعد تسجيلها، مع إمكانية إرفاق الشكاية بأي وثيقة معززة لها بعد تحميلها إليكترونيا.
  • مستخرج السجل التجاري: الذي بالولوج إليه يحيل على اختيار المحكمة المعنية، مع إمكانية الاستعانة بلجنة التنسيق المتعلقة بالسجل التجاري التي تجيب على كل أسئلة واستفسارات المرتفقين.
  • بوابة الخدمات الإليكترونية للمحاكم: تعرض الوصلة الخدمات الإدارية والقضائية الإليكترونية المقدمة من طرف وزارة العدل، وتشمل هذه الخدمات:
  • تتبع مآل الشكايات والملفات وجدول الجلسات
  • طلب وتسلم مجموعة من شواهد السجل التجاري ووثائق إدارية وقضائية أخرى.
  • طلب مستخرج السجل العدلي
  • الاطلاع على البيوعات القضائية..    
  • بوابة الخدمات الإدارية والقضائية عبر الخط، والتي تندرج هذه البوابة ضمن الدعامات الأساسية التي تعتمدها وزارة العدل من أجل تفعيل استراتيجيتها المتعلقة بتحديث الإدارة القضائية عبر التجسيد اللامادي للمساطر والإجراءات القضائية.
  • السجل الوطني الإلكتروني للضمانات المنقولة والخاص بإشهار الضمانات المنقولة والعمليات التي تدخل في حكمها، وبالبحث عن الإشعارات بالتقييد التي ترد عليها، وهو في مراحله التجريبية.
  • بوابة خاصة بوضعية تضمين وتحيين معطيات السجلات الرقمية بمختلف محاكم المملكة، التي تساعد على قياس التقدم الحاصل في مجالي التحيين والتضمين، وهذا من شأنه أن يؤثر على نوعية وجودة الخدمات المقدمة عن بعد للمرتفقين.
  •   تطوير تطبيق تدبير السجل الوطني للاعتقال الاحتياطي الذي من شأنه الاستغناء عن السجلات الورقية المرتبطة بهذه الوضعية، كما من شأنه أن يوفر إحصائيات فعالة لخريطة الاعتقال الاحتياطي بالمغرب.
  •   تطبيق تتبع التنفيذ مع شركات التأمين، من شأن هذا التطبيق إزالة الريبة والشك بين المتقاضي ومحاميه في علاقتهما مع شركة التأمين، وهو يضفي على العلاقة بينهم نوع من الشفافية الذي سيمكن الضحايا من معرفة مآل ملفاتهم خلال مرحلة التنفيذ.
  •   تحسين وتجويد أنظمة تدبير القضايا والتطبيقات المكملة ( S@J2)
  • بوابة عدالة: البوابة القانونية والقضائية تحت إشراف مديرية الدراسات والتعاون والتحديث، والتي تتضمن مجموعة النصوص القانونية، والاتفاقيات والمناشير، واجتهادات قضائية وإحصاءات، ودراسات ومؤلفات، بالإضافة إلى أهم المستجدات القانونية.
  • بوابة منتدى التشريع تحت إشراف مديرية التشريع، يهدف هذا المنتدى إلى تمكين الزوار من إبداء تصوراتهم بخصوص المبادرات التشريعية التي تعدها الوزارة.
الصعوبات التي تعترض تنزيل المحكمة الرقمية سبق القول إن المحكمة الإلكترونية ما هي إلا بداية لتجسيد المحكمة الرقمية، بمعنى أننا بصدد وضع اللبنات الواحدة تلو الأخرى للوصول إلى بناء صرح محكمة رقمية فاعلة، غير أن هذا البناء تعترضه بعض الصعوبات، ويمكن إجمالها في مقولة اليد الواحدة لا تصفق، وأن الوزارة ومعها باقي المتدخلين في المنظومة (الهيئة المشتركة) – (هيئة المحامين) – (قطاع الاتصال) العمل وفق مقاربة تشاركية على تجاوز هذه الصعوبات والتي يمكن عرض أبرزها فيما يلي:
  • الملاحظ من خلال تفحص بعض البوابات الإلكترونية وخاصة تطبيق E-Justice Mobile Maroc  أنه يتعذر عليه القيام بالمطلوب، ويحيل على رسالة مفادها "لا تتوفر أية معلومة موافقة لبحثكم" رغم صحة المعطيات المضمنة، بالإضافة إلى عدم تحيين بعض هذه البوابات، لدرجة أنها ما زالت تحتفظ بالاسم القديم لوزارة العدل، وعلى فرض أنها لبَّت الطلبات وخاصة البوابة الإلكترونية لطلب السجل العدلي، ومستخرج السجل التجاري، إلا أنها لم تعف المتقاضين من حضور المحاكم للحصول على السجل المطلوب يدا بيد بعد إدلاء صاحب الطلب بتعريفه أمام المكتب المعني ، وأداء واجب تحرير الوثيقة المطلوبة.
 
  • عدم امكانية استخراج السجلات المطلوبة بعد توقيعها إلكترونيا، بحكم عدم اعتماد الأداء عبر الانترنيت، ورغم أن وزارة العدل كانت سباقة إلى تبني المستخرجات الإلكترونية، في حين استطاعت مجموعة من المؤسسات شبه عمومية (الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية) ومؤسسات التعاضدية (ومؤسسة الضمان الاجتماعي) التي استطاعت اعتماد الأداء عن بعد، وعلى الوزارة اعتماد هذا الطرح لتجنب انتقال المتقاضين إلى المحاكم من أجل سحب الوثائق الإدارية والقضائية.
 
 
  • إن المتأمل في بعض البوابات الإلكترونية يجد نفسه أمام مجموعة من البيانات المطلوب ملأها، وهي مسألة غاية في التعقيد، لا نتحدث عن الأشخاص الذين لهم تكوين معلوماتي، وإنما الصعوبة تجد صداها عندما يتعلق الأمر بنسبة كبيرة من المتقاضين الذين لا يحسنون التعامل مع الأجهزة الرقمية ويفضلون المجيء إلى المحكمة لمباشرة الإجراء مباشرة.
إذن نحن هنا أمام صعوبة ترتبط بالمتقاضين الذين ليست لهم معرفة بالجوانب التقنية والمعلوماتية، فهذا وحده كفيل بتأجيل بناء صرح المحكمة الرقمية إلى أمد غير مسمى.  
  • الصعوبة المرتبطة بدرجة الصبيب وتوفير التجهيزات والمعدات المعلوماتية للرفع من صبيب الشبكة الافتراضية VPN لفائدة جميع المحاكم، وتغطية جميع المحاكم بخدمة الانترنيت، واعتماد الصبيب العالي بالإدارة المركزية من شبكة الانترنيت LL واقتناء شواهد التوقيع الإليكتروني لتعزيز الثقة الرقمية، وتطوير وتعميم الأنظمة والبرامج والتطبيقات المعلوماتية الجديدة، لآنه لا يعقل أن نبادر إلى خلق مجموعة من التطبيقات الإلكترونية وأمام ضعف الصبيب فإنه لا يسعنا الاستفادة منها ولو أنها ذات جودة عالية، كما أن اعتماد عدالة عن بعد تقتضي وجود صبيب عالي الجودة لنقل فعاليات الجلسات بدون انقطاع في البث، لما ستسفر عنه هذه الأخيرة من آثار قد تمس بأحد الأطراف.
 
  • إن إدماج الأنظمة المعلوماتية في قطاع العدالة أكثر تعقيدا مما كان متوقعا، نظرا لكثرة الإجراءات والمساطر وتعقدها في المحاكم التقليدية، كما أن تطوير وتطبيق نظام العدالة الرقمية يستتبع تعديل وتغيير وتطويع بعض المعايير والأنظمة والقوانين التي تؤطر الممارسات القضائية بين الفاعلين الأساسين في ميدان العدالة، وأنه بحكم مناقشة القوانين الإجرائية – قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية – على المشرع التعجيل بإدخال تعديلات جوهرية على قوانين المسطرة تسمح بالولوج إلى المحكمة الرقمية وبإضفاء الشرعية المسطرية على عملها لتصريف القضايا في أقرب الآجال.
 
  • الصعوبة المرتبطة بتأهيل الموارد البشرية للوزارة، وتكوينهم ليكونوا على استعداد لمرحلة انتقالية، للقطع مع النمط التقليدي للاشتغال.
كما أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة سيعملان على بلورة تصورهما لمواردهما البشرية بما يتمشى واحتياجات المحكمة الرقمية.  
  • عدم استكمال العديد من الصفقات المرتبطة بتحديث الإدارة القضائية، من قبيل تقوية خلايا التطوير المعلوماتي، التخزين الاحتياطي للمعطيات وحفظ وأرشفة المعطيات التقنية، غياب التقارير السنوية حول مدى نجاعة التطبيقات المعلوماتية في تقديم خدمات الإدارة القضائية.
إن مناط إعداد هذه الورقة هو دعوة وزارة العدل وبالتبع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، وهيئات المحامين، والضابطة القضائية، وهيئة الموثقين العصريين، والعدول، والخبراء القضائيين، والمفوضين القضائيين، والنساخ، كل فيما يخصه باعتبارهم الفاعلين المباشرين والأساسيين في حقلي العدالة والعدالة عن بعد، من أجل التعبئة لإنجاح تجربة المحكمة الرقمية بشكل تشاركي وخاصة خلال فترة إعلان حالة الطوارئ الصحية في ظل الحاجة إلى المزيد من الوقت للتوصل إلى لقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد COVID19.
تمديد حالة الطوارئ الصحية لشهر أضافي مع إمكانية اتخاذ تدابير أخرى خلال هذه الفترة كفيل بالدفع في اتجاه اعتماد تصور رقمي لمجابهة حالة التوقف المفاجأة لصرح العدالة عن مساره العادي، وأن هذا التصور خلال هذه المرحلة لا يجب أن يأتي مرتجلا ومن دون اعتماد المقاربة التشاركية التي تغلب لغة الحوار، نعم صحيح الوقت يزاحمنا ولا مجال للبقاء مكتوفي الأيدي حيال هذه الحالة الطارئة والتي سترخي بظلالها بلا شك على مرحلة ما بعد انحسار الوباء، اعتماد الاتصال عبر تقية السكايب يمكنها أن تكون حلا لكنها ليست بالمثالية التي نتصورها في ظل عدم وجود صبيب عالي الجودة   FIBRE OPPTIQUEلنقل الصورة والصوت بشكل واضح، مع ما يرافق الأمر من صعوبة على مستوى حاجة المحكمة إلى الاستماع إلى الضحايا ومصرحي المحضر أو شهود اللائحة في القضايا الجنحية، وحاجة المحكمة إلى الاستماع في جلسات البحث إلى أطراف الدعوى، والشهود في القضايا المدنية.
وتحقيقا لضمانات المحاكمة العادلة  لعدالة عن بعد، ونظرا لما للحق في الدفاع من أهمية باعتباره أحد أهم ركائز المحاكمة العادلة وفق ما جاءت به المواثيق الدولية، وما دبجته ديباجة قانون المسطرة الجنائية، وفي ظل الوضعية الحالية يتعين رقمنة عمل هيئات الدفاع بما ينسجم وتوجه الوزارة وباقي الشركاء في اتجاه عدالة تعتمد القرب عن طريق التواصل عن بعد، إذ على هيئات الدفاع أخذ المبادرة لتقنين عملهم باعتماد وسائط إلكترونية في تعاملهم مع موكليهم أو مؤازريهم، مع ما يرافق الأمر من صعوبة واقعية مرتبطة بما سبق تسطيره، كما أن العدالة عن بعد تعتمد على دور الدفاع في إقرار تقنية التواصل عبر الإيمايل عوض عنوان المخابرة، وعبر فتح حسابات خاصة بتطبيقات - CONFERENCE VIDEO ليتسنى التواصل معهم عبر تقنية التواصل عن بعد، تحقيقا لضمانات المحاكمة العادلة خلال فترة الطوارئ الصحية، وضمانا لمحاكمة عادلة في عدالة عن بُعد، بَعد انحسار الوباء.
لا يجب أن ننسى بأن المحاكم وهي بصدد تجهيز القضايا المعروضة عليها لا تقتصر على الاستماع إلى الأطراف أو الشهود أو الخبراء، والتوصل بمذكرات الدفاع وملتمساتهم الختامية، أو مرافعاتهم الشفهية عن بعد، بل إنها تتفاعل أيضا مع مجموعة من المؤسسات الإدارية (الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، مكاتب الحالة المدنية، أملاك الدولة، الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، الوكيل القضائي للمملكة..) والمؤسسات المالية (صندوق الإيداع والتدبير، بريد بنك، شركات التأمين..) إلى غيرها من المؤسسات التي يتعين عليها في ظل هذه الجائحة إعداد تصور رقمي باعتمادها على الوسائط الإليكترونية في تصريفها لأعمالها، وفي تواصلها مع المحاكم لتسريع وثيرة النظر في القضايا المعروضة على أنظارها في أقرب وقت احتراما للمبدأ الدستوري بضرورة البت في القضايا في أجل معقول./.
 
 
 
 
 
[[1]]url:#_ftnref1 ) العدالة الرقمية من النظرية إلى التطبيق، مقال ذ/ الخامس فاضيلي نشر بتاريخ 24/01/2018 بموقعه الشخصي juris.ma تم الاطلاع عليه بتاريخ 20/04/202



الثلاثاء 28 أبريل 2020
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter