MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



المحاكمة الزجرية عن بعد ومبدأ الشرعية الإجرائية

     

بقلم الأستاذ خـالــد هــلال
المحامي بهيئة الدار البيضاء
عضو المكتب التنفيذي للجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الانسان والاعلام



تعتبر المحاكمة العادلة حق من حقوق الإنسان الأساسية التي تهدف إلى حماية الأفراد من المساس بحقوقهم أو الإنتقاص أو الحرمان منها، ولأهميتها نصت عليها الاتفاقيات الدولية وكرستها الدساتير الوطنية وعملت التشريعات الداخلية الإجرائية على تنظيمها، كما أنها مؤشر على مدى احترام الدولة لكرامة المواطن وفق ما هو متعارف عليه دوليا. ومقياسا أصيلا في بناء دولة الحق والقانون ودليلا على صحة وسلامة النظام القضائي والجنائي.


   وإذا كان المشرع الجنائي في قانون الأبرياء أقر صراحة بمبدأ قرينة البراءة في مادته الأولى ونص في ختامه على أن الإجراءات القانونية المتخذة من قبل الأجهزة المتدخلة في سير المسطرة الجنائية يجب أن تتم وفق ما أقره المشرع من قواعد تحت طائلة إعتبارها كأنها لم تنجز.
    وأن تمسك المتهم أمام المحكمة الزجرية ببطلان الإجراءات المرتبطة بالبحث التمهيدي أو المتابعة أو التحقيق او المحاكمة لوجود اخلالات مسطرية ماسة بحقوقه وحرياته  لا يتأتى إلا في شكل دفوع أولية وشكلية وقتية قد تسقط بفوات الحق فيها.
    ولذلك لا يقبل منطقا ولا قانونا تصور محاكمة تخثل فيها شرعية قواعد المسطرة والتي أحاطها المشرع بجزاءات مختلفة ومنها البطلان والإبطال.
   وبما أن مبدأ الشرعية الإجرائية صار من المبادئ الهامة، وهو بلا شك يمثل ضمانة لكل أفراد المجتمع قبل أن يعتبر من أهم ضمانات المتهم لأنه مبدأ موحد في كل دساتير العالم ويكاد مختلفا عن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، الذي يثير الكثير من الإختلاف عل مستوى الأنظمة الوضعية المقارنة.
   و في ظل الوضع الوبائي الذي تعيشه جل دول العالم، و منها بلادنا في تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) شرعت وزارة العدل في تطبيق و أجرأة نظام "المحاكمة الزجرية عن بعد" باستخدام تكنولوجيا التواصل بين المتهمين نزلاء المؤسسات السجنية من جهة، والقضاة من جهة ثانية، بتنظيم جلسات التقاضي والمحاكمة عن بعد في إطار تنفيذ التدابير الإحترازية ، وتعزير الأمن الصحي للسجناء ومكونات أسرة العدالة ولا شك أن هذا الإجراء الإحترازي في هذه الظرفية مرتبط بأفق المحكمة الرقمية مستقبلا في إطار المشاريع الإستراتيجية التي تشتغل عليها الوزارة في سياق تنفيذ خطة الأصلاح الشامل لمنظومة العدالة.
    لا أحد منا يجادل في هذه المبادرة الإحترازية والمؤقتة في ظل غياب تشريع، إذا كان هدفها الأمن الصحي وحماية الأفراد وسلامتهم من الأخطار وتكريسا  للحق في الحياة كما ينص على ذلك الفصل 20 من دستور2011، لكن احتراما لمبدأ الأمن القانوني، الذي يعد غاية القانون، وظيفته تأمين النظام القانوني من العيوب و الإخلالات وهو مبدأ أسست له المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
   وإذا كان تصدير دستور 2011 أسس على حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني من جهة وجعل الإتفاقيات الدولية المصادق عليها في نطاق أحكام الدستور والقوانين تسمو على التشريعات الوطنية من جهة ثانية.
      فإلى أي حد ستساهم تقنية المحاكمة الزجرية عن بعد كإجراء إحترازي مؤقت مع حالة الطوارئ في حماية سلامة و صحة المتهمين نزلاء المؤسسات السجنية و أطراف الخصومة الجنائية و مكونات أسرة العدالة ؟ و هل هذه التقنية تتعارض مع مبادئ و حقوق الدفاع المتعارف عليها دوليا ؟  وماهو الإطار و السند القانوني لهذه التقنية ؟
      يحق لنا من خلال الإشكالية طرح  الأسئلة الفرعية التالية :
  • ماهو سند إعتماد تقنية -video conférence - في إطار محاكمة زجرية عن بعد؟
  • هل هذه التقنية مباحة ولا تتعارض مع قواعد المحاكمة العادلة ؟
  • هل حالة الطوارئ والظرفية الوبائية تبرر اللجوء إلى هذه التقنية الإحترازية لمحاكمة السجناء عن بعد؟
  • هل هذه المحاكمة تساير مبادئ حقوق الإنسان وما أملته المواثيق والإتفاقيات الدولية ؟
  •  هل هذا الإجراء الإحترازي يضمن أليات الحضورية والعلانية في المحاكمة؟
  •  كيف يمكن للقاضي الجنائي أن يحكم حسب اقتناعه الصميم في ظل محاكمة عن بعد؟
  • وهل هذه المحاكمة تتوقف على إذن كتابي أو شفوي أو موافقة صريحة من أطراف الخصومة الجنائية؟ وهل الموافقة الصريحة لأحد أطراف الخصومة الجنائية دون الأطراف الأخرى تجيز المحاكمة ؟
         تلكم مجموعة من التساؤلات التي قضت مضجع العديد من أقلام الباحثين و الحقوقيين و الإعلاميين سنحاول بكل تواضع المساهمة في الإجابة ولو عن بعضها بقلم حر مليئ بمداد من ضمانات وحقوق المتهم من خلال الواقع و القانون والممارسة المهنية.
أولا : التأطير القانوني و التشريعي لتقنية المحاكمة الزجرية عن بعد
        كان للتطور العلمي و التكنولوجي الكبير الحاصل  في عصرنا الراهن أثره الواضح في كافة مرافق الحياة المعاصرة , الأمر الذي أدى إلى إستفادة العديد من القطاعات العامة والخاصة من هذا التطور وفي ظل تطور المعطيات التكنولوجية الحديثة و متطلبات القواعد الجزائية , جعل بعض التشريعات الجزائية تحاول إعادة النظر في المبادئ القانونية المستقرة  و استحداث قواعد ووسائل جديدة تواجه كل المشكلات و الظروف الطارئة لخدمة العدالة الجزائية ولمسايرة التطور العلمي  الحاصل.
     وتعد تقنية المحاكمة الزجرية عن بعد عبر وسيلة-  video conférence - من أهم ثمار تلك الجهود , اذ تعتبر هذه الوسيلة خروجا عن الطابع التقليدي في ميدان التحقيق        والمحاكمة  الذي أتسم به مرفق العدالة الجنائية , إلى طابع تكنولوجي و إلكتروني عصري لتحقيق محاكمة  جزائية عن بعد, والتي تعتمد إحدى وسائل الإتصال المرئي السمعي –البصري من خلال الأنترنيت , حيث يثم نقل الصوت و الصورة لمجموعة من الأشخاص المجتمعين في مكان ما إلى مجموعة أخرى  من الأشخاص المجتمعين في مكان أخر , وهي تقنية تطلبت وجود أنترنيت ذات سرعة عالية و ميكروفونات وسماعات ذات جودة معقولة وكذلك كاميرات الويب أو" webcam " يستطيع المشتركون فيه التحقيق أو المحاكمة سماع ورؤية الطرف الأخر في نفس الوقت كما لو كان الإجتماع في نفس المكان وليس في مكانين متباعدين.
    وأنه ارتباطا بهذا التطور التكنولوجي العلمي، لم نجد ضمن التشريع الجنائي ببلادنا أية نصوص إجرائية سواء في قانون المسطرة الجنائية أو سواء ضمن مجموعة القوانين الجنائية ما يوثق ويؤطر لإستعمال تقنية -video conférence - في إطار المحاكمة الزجرية عن بعد.
   وأنه بالرجوع الى مشروع قانون المسطرة الجنائية في مجمل مستجداته ومن خلال التجربة المهنية لأسبوع من الممارسة بعد انطلاق تنظيم جلسات المحاكمة الزجرية عن بعد تنفيذا للتدابير الإحترازية وتعزيزا للأمن الصحي للسجناء ومكونات أسرة العدالة.
  وغير خاف أنه بغض النظر عن غياب النص التشريعي والسند القانوني الذي يؤطر هذه المحاكمات عن بعد. إلا أنه وإحساسا من المحامي بما تمليه الظرفية المؤقتة وما تعيشه بلادنا من تفشي لجائحة فيروس كرونا المستجد (كوفيد19) لبى المحامون نداء رسالة الدفاع النبيلة ونداء الوطن الحبيب بكل تضحية وتفان و خروجهم إلى إعلاء رسالة الدفاع الإنسانية و المشاركة في تجربة المحاكمة الزجرية عن بعد محاولة منهم لإبرازمكامن سلبيات و إيجابيات هاته التجربة وما تتطلبه المحاكمة العادلة من حقوق وضمانات مسؤولين عن حمايتها وإثارة كل خرق أو إخلال بشأنها.
    وإذا كان كما سبق الإشارة إليه وفي ظل غياب أي نص تشريعي أو سند قانوني يمكن من الإستناد اليه لتبرير اللجوء إلى هذه التجربة , من غير مشروع  ق.م.ج في بعض نصوصه أتاح إستثناءات في بعض مقتضياته إمكانية اللجوء الى تقنية (video conférence ) عنونها باستعمال  وسائل الإتصال عن بعد، وفق ما نصت على المادة 1-193 في الباب العاشر مكرر بعنوان (استعمال تقنيات الاتصال عن بعد) و التي خولت لقاضي التحقيق تلقائيا عندما تحول أسباب جدية دون حضور الضحية أو المتهم أو الشاهد أو الخبير أو المطالب بالحق المدني أو لسبب البعد عن المكان الذي يجري فيه التحقيق إمكانية تلقي التصريحات  أو الإستماع اليهم عبر تقنية الإتصال عن بعد تضمن سرية البث .
    كذلك المادة 2 -193 من المشروع منحت لقاضي التحقيق إمكانية الإستماع إلى الشهود عن طريق وسائل الإتصال عن بعد في إطار إنابة قضائية يوجهها الى قاضي التحقيق بالمحكمة التي يوجد بدائرتها الشخص المراد الإستماع إليه عن بعد .
   وكذلك ما م النص عليه في المادة 4-347 التي منحت للمحكمة إمكانية تلقائية أو بناءا على ملتمس النيابة العامة أو أحد الأطراف أو من ينوب عنهم تطبيق مقتضيات المادة 1-193 من هذا المشروع بسبب البعد الجغرافي عن مكان المحاكمة .
كما أن المشروع  في مادته 5  - 347 قيد سلطة هيئة المحكمة  وألزمها  بتعليل وتبيان أسباب اللجوء لتقنية الإتصال عن بعد للإستماع إلى الأشخاص موضوع الإجراء القانوني , وخولت لهيئة المحكمة توجيه إنابة قضائية إلى المحكمة التي يوجد بدائرتها الشخص أو الأشخاص المعنيون بالأمر للسهر على عملية الإستماع إليهم عن بعد , يتولاها رئيس المحكمة الموجهة إليها الإنابة القضائية في الإشراف على هذا الاجراء بتعينه لقاضي  تكون مهمة تنفيد الإنابة القضائية باستدعاء الشخص أو الأشخاص و الإستماع اليه أو إستنطاقه أو المواجهة أو تلقي تصريحات مباشرة من قبل الهيئة القضائية التي أصدرت الانابة.
وحيت نسجل أنه في ظل هذا المشروع الذي نعتبره من حيث المبدأ نقلة تشريعية مهمة في مواكبة التطور التكنولوجي الدولي وضرورة ملحة في استحداث قواعد ووسائل أتصال جديدة لخدمة وتطوير العدالة الجنائية.
لكن نسجل أنه مشروع غير متكامل من حيث البنية التحتية اللوجستيكية وغير منسجم من حيث نصوصه مع مستجدات الظروف العملية و التطبيقية له مستقبلا ومن ذلك فاللجوء إلى تقنية المحاكمة الزجرية عن بعد من خلال المشروع لم توضح أطراف الخصومة وباقي الأشخاص المتدخلين فيها بحيث جاءت شاملة بجميع الأطراف دون تحديد دور كل واحد عكس إجراءات التحقيق التي استثنت المتهم من هذه التقنية وخاصة المادة 1-193.    
     كما أن المشروع حصر الأسباب المبررة للجوء الى هذه التقنية وربطها بتعذر حضور المتهم وباقي الأطراف و المتدخلين في الخصومة أو لبعد أحدهم عن مكان المحاكمة أو التحقيق.
والتي يتعين معه التريت وإعادة الصياغة التشريعية وفق مقومات مبادئ حقوق الإنسان ومبادئ المحاكمة العادلة مع إشراك هيئات المحامين بالمغرب وهي المعنية بالممارسة المهنية اليومية و المسؤولة عن حماية حقوق الدفاع ومنظومة حقوق الإنسان.
ثانيا : التأطير الحقوقي لتقنية المحاكمة الزجرية عن بعد
      إن الشرعية الإجرائية هي القاعدة الثانية من قواعد الشرعية الجنائية وهي تشترك مع باقي حلقاتها في اشتراط أن يكون القانون هو المصدر لكل إجراء يسمح بالمساس بالحرية أو إنتهاك الحقوق فلا يجوز القيام باي إجراء ضد المتهم أو إخضاعه لأي إجراء من إجراءات المحاكمة ، لم يكن منصوصا عليه في قانون المسطرة الجائية .
    ويترتب على مبدأ قانونية الإجراءات الجنائية أن المشرع هو المختص وحده بتحديد قواعد المسطرة الجنائية , وعليه يمنع على باقي السلط أن تشاركه في ذلك، سواء كانت تابعة للجهاز التنفيذي أو للجهاز القضائي ، وتبعا لما ذكر فانه يمنع على الحكومة إصدار دوريات أو مناشير تتضمن  إجراء أو تعديلا لقواعد المسطرة الجنائية ، وكل ما تملكه هو إصدار المراسيم المتعلقة بتنفيذ هذه القوانين ، ذلك أن أي قرار إداري يتولى معالجة أمر يتعلق بالخصومة الجنائية يكون مشوبا بعدم الدستورية ، الشئ نفسه يقال بالنسبة للسلطة القضائية التي عليها الامتناع عن تطبيق إجراءات تمس سريان الدعوى العمومية دون أن يكون منصوصا عليها في قانون المسطرة الجنائية ، ولو كان ذلك بتفويض من المشرع .
       وإذا كان المبدأ الحقوقي شموليا في تكريس مبادئ حقوق الإنسان ومنها الحق في الحياة كأول الحقوق وحق الفرد في السلامة الصحية وصحة أسرته الفصل 20و21 من دستور 2011.
 
     وإذا كانت المقاربة الصحية في ظل الوضع الوبائي الذي تعيشه جل دول العالم ومنها بلادنا تعرف تفشي جائحة خطيرة من فيروس مستجد (كوفيد19) تدعوا إلى إتخاذ إجراءات إحترازية ، فإن اللجوء في إعتقادنا والمتواضع إلى تقنية المحاكمة الزجرية عن بعد، هو إن كان موضوعي يهدف إلى حماية سلامة وصحة الأفراد من خطر جائحة فيروس كرونا الذي يعد من الأخطار التي قد تذهب بحياة الأفراد و أسرهم ، فإن المقاربة الحقوقية تقتضي ،إحترام ما هو قانوني من حقوق المتقاضين و قواعد تسيير العدالة كما نص على ذلك الفصل 117 وما يليه من دستور 2011 ، وأن الفصل 120 منه أسس لشروط المحاكمة العادلة بأن تكون المحاكمة داخل أجل معقول، لأن تأجيل محاكمة أشخاص يوجدون رهن الاعتقال يتعارض مع مبدأ قرينة البراءة التي هي حق من حقوق المتهم و التي تلازمه مند ولادته وطيلة  حياته وقاعدة الشك يفسر لصالح المتهم، فإحترام هذه الضمانات الإجرائية .كلها رهين بسلامة نظام قضائي جنائي .
    واذا كان مبدأ الملائمة يقضي أن يكون أي تشريع وطني ملائم للإتفاقيات الدولة .
    وأنه في ظل غياب تشريع إجرائي يبيح المحاكمة الزجرية عن بعد ، وإعمالا للقاعدة الفقهية  "الضرورات تبيح المحظورات " فإنه في نظرنا المتواضع، تبقى تقنية إجراء المحاكمة الزجرية عن بعد في ظل غياب السند القانوني وفي ظل المقاربة الصحية يتطلب من القاضي الإجتهاد في تدبير المرحلة من خلال إتخاد إجراءات لا تتعارض مع قانون المسطرة الجنائية من جهة و مبادئ المحاكمة العادلة من جهة أولى من خلال إستحضارالبعد الإنساني و الحقوقي لهذه المحاكمة .
تالثا: التأطير الواقعي و التقني و الجزاء القانوني للمحاكمة الزجرية عن بعد
   إن إجراء محاكمة زجرية عن بعد في ظل هذه الظرفية لتصريف ملفاة السجناء المعتقلين  وتمتيعهم بحقهم في محاكمة داخل أجل معقول دون تأخير تجد صعوبات واقعية من حيث عدم توافرنظام  دعائم الكتروني يوفر نقل الصورة و الصوت من مؤسسة السجن لهيئة المحكمة  وأطراف الخصومة الجنائية بشكل جماعي ومشترك يسمح لكل طرف في الدعوى الجنائية أن يتتبع مباشرة إجراءات المحاكمة .
  وأن هذا المقتضى هو من أعدم هذه التقنية , لأن إستعمال وسائل الإتصال لإجراء هذه المحاكمة عن بعد يتطلب مبدأ الحضورية و الشفوية و العلانية , فحتى الحضورية إن كانت عبر الصورة و الصوت فهي غير مكتملة لأن هيئة المحكمة صعب عليها أن تساير إجراءات إستجواب وإستسفار المتهم من مكان وجوده بالمؤسسة السجنية لضعف وجود انترنيت ذا سرعة عالية ، وميكروفونات و سماعات ذات جودة عالية و كاميرات الويب سهلة النقل دون تعطل، كما أن إمكانية إجراء محاكمة عن بعد تتوقف على موافقة صريحة للمتهم ولكافة أطراف الدعوى الجنائية في استعمال هذه التقنية وهو إجراء كذلك محل مناقشة قانونية من حيث أن وجود المتهم بالمؤسسة السجنية يعدم إرادته ،فقد يوافق على التقنية عبتا دون أدنى معرفة بها وبحقوقه القانونية، ودون أن يكون له محام للتخابر معه بشأنها.
وقد يرفض التقنية وفي هذه الحالة يتعين على هيئة المحكمة ارجاء محاكمته إلى أجل اخر بقصد حضوره الذاتي و المادي للمحكمة.
كما أن من بعض الملاحظات التي سجلت على هذه التقنية في الطرح الأول بعد افتراض موافقة صريحة للمتهم على تقنية المحاكمة عن بعد ما يلي :
  • صعوبة إطلاع المتهم على ما تضمنه المحضر من إجراءات تمهيدية.
  • صعوبة إطلاع المتهم على محضرتصريحه في حالة منازعته في المادة 24 من ق م ج بخصوص توقيعه أمام الضابطة القضائية .
  • صعوبة إطلاع المتهم على المحجوزات وعرضها عليه ومواجته بها .
  • في الحالة التي يرفض فيها المتهم الخروج من زنزانته إلى مقرغرفة الإتصال بالمؤسسة السجنية لحضورالجلسة عن بعد،هل ستطبق في حقه المادة 314من ق م ج؟
  • بالنسبة لجرائم الجلسات، إذا كان المتهم نفسه هو من أحدث اضطرابا تطلب طرده من الجلسة بتفعيل المادة  358 ق م ج وأستمرت المناقشة في غيبة المتهم كيف يمكن لكاتب الضبط أن ينتقل إلى المؤسسة  السجنية في ظل حالة الطوارئ لتلاوة محضرالمناقشات    و الملتمسات و الأحكام و القرارات التمهيدية الصادرة مند طرده.
  • المادة 385 من ق م ج تنص على حق المتهم في طلب أجل لإعداد دفاعه واختيار محام كيف سيتم اختيار محام من طرفه في ظل انعدام وسائل الاتصال و التواصل و المخابرة مع عائلته في ظل جائحة كورونا مع قرار منع إخراج السجناء من المؤسسة السجنية .علما أن هذا الحق ينتج عنه البطلان في حالة مخالفته.
    هذه بعض الملاحظات الواقعية و التقنية لإجراءات المحاكمة الزجرية عن بعد  و التي ستطرح لامحالة مستقبلا جزاءات قانونية من (بطلان و إبطال ) اعتبارا للمواد 300و 324 و 370 و 374 و 751 من قانون المسطرة الجنائية.
    وفي خصم هذا النقاش القانوني الذي أثير حول مدى صحة إجراءات المحاكمة الزجرية عن بعد من عدمها ومدى سلامتها من الناحية القانونية بعد استحضار كل من البعد القانوني و البعد الحقوقي وكذا البعد التقني و الواقعي و استحضارا للأمن الصحي.
                                يطرح السؤال العريض التالي:
   هل المحاكمة الزجرية عن بعد لها تأثير و أثر على السلطة التقديرية للقاضي الجنائي؟ بمعنى هل لها تأثير على الاقتناع الصميم الذي اشترطته المادة 286 من ق م ج وبصورة متكررة من خلال الإشارة المتكررة "....ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم.....ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر إقتناع القاضي...."
من هنا لا بد أن نقف على تعريف ومعنى الإقتناع ومعنى الصميم :
  • فالاقتناع في معجم المعاني الجامع يعني الإرتياح و القبول و الاطمئنان ،و الإقتناع في الفقه الجنائي يعني أن للقاضي الجنائي مطلق الحرية في قبول جميع الأدلة التي يقدر جدواها لتكوين قناعته و إستبعاد أي دليل لا يطمئن اليه.
  • و الصميم في معنى معجم المعاني الجامع يعني العمق ، الخالص ،الوسط ، وقانونا يعني أن القاضي الجنائي غير مقيد بوسائل اثبات دون الأخرى في الأدلة المعروضة عليه
ومن هذا نجد أن القاضي الجنائي يبحث في الأدلة و القرائن و الوسائل ويأخذ بما إطمئن إليه وجدانه و قلبه بصفة خالصة وعميقة ، وهو إحساس ذاتي داخلي لا يصل أليه القاضي الجنائي إلا في إطار محاكمة حضورية للمتهم وباقي أطراف الخصومة الجنائية .    كما أنه لا شك في أن تمكين المتهم من حضور محاكمة عن قرب دور كبير في طمأنته و يشكل ضمانة هامة له تساعد القاضي الجنائي من ملامسة وقائع القضية من خلال حركات المتهم و إنفعالاته وطريقة إجابته ومحيا وجهه وتصرفات جسده وملامح سرده وأنه أثناء مواجهته سواء بمعطيات القضية من محجوزات و شهود سيساهم في تعميق  القاضي الجنائي ودراسة كل العوامل النفسية و البيئية للمتهم لتكوين قناعته الوجدانية من خلال عملية سلوكية إحساسية، تلتقي فيها المعرفة والإدراك من جهة و الإحساس و الشعور من جهة تانية لاتخاذ القرار الجنائي المناسب فا لتواجهية وسيلة وغاية في آن واحد تمكن القاضي الجنائي من التوصل الى قناعة وجدانية سليمة لا تتأتى الا بحضور المتهم جسدا وذاتا وليس في شكل صورة وصوت عبر وسائل الاتصال.

وكخلاصة لكل ما سبق،
    فان المحاكمة الزجرية عن بعد المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد هي محاكمة تعتريها صعوبات لوجستيكية تقنية وأخرى بشرية فرضتها حالة الطوارئ التي تعيشها كل دول العالم وتبقى تجربة ضرورية تبررها حالة الطوارئ الصحية ومقاربة الأمن الصحي في إطار حماية منظومة النظام العام لأن السلامة الصحية جزء لا يتجزأ من النظام العام في إنتظار إعادة النظر في الصياغة القانونية لمشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد وشرعنة تقنية المحاكمة الزجرية عن بعد مع ملائمتها لمبادئ حقوق الانسان و المواثيق الدولية.


                                                              ،،،انتهى بحمد الله وتوفيقه،،،
 
 
 
 
 
    
 



الثلاثاء 12 ماي 2020
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter