مقدمة:
يعتبر الحق في حرية الرأي والتعبير من الحقوق الأساسية التي تحميها الشِّرعة الدولية لحقوق الإنسان، وقد تم الاعتراف بحرية الرأي والتعبير، أول مرة، بموجب الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن، الصادر سنة 1789، حيث نصت مادته الحادية عشر على أن:"حرية إيصال الأفكار والآراء تعد واحدة من أغلى حقوق الإنســـان، وأن كل مواطن يستطيع الكلام والطباعة بكل حرية...". لقد تم الاهتمام في البدايات الأولى بحرية الرأي والتعبير (Liberté d’opinion et d’expression) على حساب الحق في حرية الرأي والتعبير (Droit à la liberté d’opinion et d’expression)، وبفضل التراكمات المعرفية سيحل الحق في حرية الرأي والتعبير، باعتباره أعم وأشمل، محل حرية الرأي والتعبير.
والحق في حرية الرأي والتعبير مفاده السماح بممارسة هذه الحرية باعتبارها حقا كونيا لجميع الناس بغض النظر عن جنسهم وعن الحدود الجغرافية، وهو ما التَّوكيد عليه في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر سنة 1948، التي نصت على أنه: "لكلِّ شخص حقُّ التَّمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقييد أو تضييق.
يشتمل الحق في حرية الرأي والتعبير على حقين متلازمين الأول هو الحق في الرأي، والثاني هو الحق في التعبير عن الرأي، وبالتالي فإنه من غير الممكن الفصل بين هذين الحقين، أي أنه لا يتصور وجود أحدهما بمعزل عن الآخر، فحق التعبير هو أجرأة للحق في الرأي، وبموجبهما يحق للفرد التعبير عن آرائه ونقلها للآخرين، فيتحوَّل الرأي من مجرد فكرة إلى تعبير صريح، وقد صرحت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب قرارها رقم 59، في 14 دجنبر 1946، بأن :"حرية تداول المعلومات يعتبر حقا أساسيا للأفراد..."، ومع مرور الوقت توالى الاعتراف العالمي بالحق في حرية التعبير بموجب المادة العاشرة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لسنة 1950 التي نصت على أنه: "لكل إنسان الحق في حرية التعبير، الذي يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقي المعلومات والأفكار".
وقد أعادت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في نفس السنة، التَّأكيد على أهمية "حق كل إنسان في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء في شكل مكتوب أو مطبوع أو عبر قالب فني أو بأيَّة وسيلة أخرى يختارها، شريطة عدم إساءة استعمال هذا الحق للإضرار بالآخرين أو المس بالأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة".
والمغرب، باعتباره عضوا فاعلا في الأمم المتحدة، وبحكم تفاعله مع مُخرجات المجتمع الدولي ذات الصلة بحقوق الإنسان، انخرط بشكل طوعي في مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، فشرع في الانضمام التدريجي لمقتضيات الشِّرعَة الدَّولية لحقوق الإنسان، بمصادقته على العديد من الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان من قبيل تصديقه على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في 03 ماي 1979، وهذا الأمر يلزمه استنادا إلى مرجعية القانون الدولي بإدماج الشِّرعَة الدَّولية لحقوق الإنسان في السياسة العامة ذات الصلة بحقوق الإنسان وفاء بالتزامه بمقتضيات الاتفاقيات الدولية التي يعد طرفا فيها.
وعلاقة بالحق في حرية الرأي والتعبير، تضمن الدستور المغربي لسنة 2011 مجموعة من المقتضيات ذات الصلة بهذا الحق والتي من شأن احترامها وضمان ممارستها أن يساهمان في ترسيخ حقوق الإنسان كما هي معترف بها دوليا، وقد نصَّ الدستور المغربي على حرية الفكر والرأي والتعبير بكل أشكالها (الفصل 25)، والحق في التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء (الفصل 28)، علما بأن مصادقته على هذا العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تقتضي ملاءمة تشريعاته مع مقتضيات العهد المذكور وهو الأمر الذي دفعه للقيام ببعض الملاءمات القانونية من أجل الوفاء بتعهداته الدولية، ولعل أول ملاءمة قام بها هي تعزيز الحق في حرية الرأي والتعبير بسَنّ قانون جديد للصحافة والنشر.
أولا: توصيات اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المُوجَّهة للمغرب بخصوص حرية الرأي والتعبير
منذ انفتاح المغرب على آلية تقديم التقارير الدورية للجنة المعنية بحقوق الإنسان، باعتبارها مختصة بفحص المعلومات المضمنة في التقارير المقدمة في إطار إنفاذ مقتضيات العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهي توجه له العديد من التوصيات، بهدف تعزيز حرية الرأي والتعبير وضمان ممارستها فعليّا، فضلا عن مطالبته بالتضمين الدستوري للحق في حرية الرأي والتعبير في الوثيقة الدستورية وإن كانت هذه التوصيات تأخذ أحيانا طابعا صريحا وأحيانا أخرى تستشف ضمنيا وتتم الإشارة إليها بأسلوب غير مباشر.
فبمناسبة تقديم التقرير الدوري الثاني، في مارس 1990، تساءل أعضاء اللجنة عن ما إذا كان العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية يعتبر جزءا لا يتجزأ من التشريع الداخلي للمغرب؟، وما إذا كان من حق المواطن المغربي أن يُعتد بالحقوق التي يضمنها هذا العهد ولم ينص عليها الدستور المغربي أمام المحاكم أم لا؟، وهل تمتلك المحاكم الوطنية صلاحية إلغاء قانون يتضمَّن أحكاما تخالف مقتضيات العهد، وما إن كانت هناك حالات استندت فيها المحاكم لمقتضيات هذا العهد؟، نفس الأمر ينطبق على التقرير الثالث المُقدَّم، في 20 يوليوز1993، حيث أوصت اللجنة المعنية الدولة المغربية بملاءمة تشريعها الداخلي مع مقتضيات العهد المذكور، ولم تُخفِ قلقها مما أسمته "القيود المفروضة على حرية التعبير والرقابة التي تمارسها الحكومة على وسائل الإعلام والصحفيين بسبب التعبير"، معتبرة ذلك يَحُدُّ من تطبيق مقتضيات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
شهد التقرير الدوري الرابع المقدم، في يناير1997، بدوره، إبداء بعض الملاحظات الختامية المتمثلة أساسا في مُطالبة المغرب بتعديل قانون الصحافة والنشر و"إزالة كل الصعوبات التي تحُول دون ممارسة حرية الرأي والتعبير، سواء من خلال نصوص القانون الجنائي أو قانون الصحافة والنشر"، نفس الوضع يسري على التقرير الدوري الخامس الذي قدَّمه المغرب، في شهر مارس 2004، حيث أعربت اللجنة عن "القلق من استمرار ورود أنباء تفيد بأن الصحفيين يتعرضون لمضايقات في إطار ممارستهم لعملهم"، وأوصت اللجنة المعنية المغرب باتخاذ التدابير اللازمة لوقف "مضايقة الصحفيين" والعمل على أن يكون تشريعه في انسجام تام مع أحكام المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وبمناسبة فحصها للتقرير الدوري السادس، المقدم في شهر يوليوز 2015، رحبت اللجنة المعنية باعتماد القانون رقم 88.13 بمثابة مدونة للصحافة والنشر، الذي ألغى كل العقوبات السالبة للحرية، وفي نفس الوقت أشارت لإشكالية "إدراج أحكام جديدة في القانون الجنائي"، بموازاة ذلك، تنص على عقوبة السجن عن بعض الجرائم والجنح، وأوصت اللجنة المعنية الدولة المغربية بتنقيح مجموعة القانون الجنائي، وذلك حتى يتلاءم تشريعها مع أحكام المادة 19 من العهد المذكور، وأن تحرص على أن تتوافق القيود المفروضة على حرية التعبير مع الشروط المحددة في المادة 19 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية.
ثانيا: تفاعل المغرب مع توصيات اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المتعلقة بحرية الرأي والتعبير
قام المغرب ببعض الخطوات من أجل ملاءمة تشريعه الوطني مع مقتضيات العهد المذكور، وهكذا فقد قامت الحكومة المغربية، بنسخ أحكام القانون رقم 77.00 بمثابة قانون الصحافة والنشر بالقانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، باعتباره يندرج في إطار الجهود التي يبذلها المغرب من أجل ملاءمة تشريعه الداخلي مع مقتضيات الدستور سيما الفصول 25، 27، 28، وكذا تفعيلا لتوصيات اللجنة المعنية بحقوق الإنسان وانسجاما مع التعليق العام للجنة المعنية بحقوق الإنسان رقم 34 حول المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، سيما الفقرة الثانية التي تنص على أن حرية الرأي والتعبير شرطان لا غنى عنهما لتحقيق النمو الكامل للفرد، واعتبارهما عنصران أساسيان من عناصر أي مجتمع ويشكلان حجر الزاوية لكل مجتمع تسوده الحرية والديمقراطية، وكذا تجاوبا مع توصيات فريق العمل المعني بالاستعراض الدوري الشامل، بتاريخ 6 يوليوز 2012 الذي أوصى بـ"إزالة العقوبات السالبة للحرية من قانون الصحافة". وتضمن القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر بعض المعطيات الايجابية منها:
- تعزيز ضمانات الحرية في الممارسة الصحفية؛
- محاربة التمييز العنصري؛
- حماية الحياة الخاصة والحق في الصورة؛
- جعل القضاء سلطة حصرية في قضايا الصحافة.
ثالثا: مدى ملاءمة مسودة مشروع القانون رقم 22.20 لمقتضيات العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية
خلفت النسخة المسربة لمشروع قانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، ردود فعل متباينة ليس فقط من قبل رواد مواقع التواصل الرقمي والسياسيين والحقوقيين والمثقفين، بل حتى داخل مكونات الأغلبية الحكومية نفسها، كما هو الحال مع أحزاب: العدالة والتنمية؛ التجمع الوطني للأحرار؛ الحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتي عبَّرت عن رفضها لأي مقتضيات تشريعية تتعارض مع ممارسة الحريات والحقوق المكفُولة دستوريا مع تأكيدها على ضمان ممارسة الحقوق الأساسية ومن ضمنها الحق في حرية الرأي والتعبير، فهذا المشروع الذي تم تسريب مسودته أحدث ارتباكا داخل الأغلبية، وهو ما بدا واضحا من خلال بلاغاتها، كما خلق موجة من المواجهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين التنظيمات الموازية للأحزاب، حيث عبرت السكرتارية الوطنية لقطاع المحامين الاتحاديين، عن "إدانتها للتسريب المُتَعَمَّد من طرف وزير الدولة في حقوق الإنسان لمسودة المشروع".
أخضعت المادة الثالثة من المشروع كل مُستعمِلي شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح وكل المِنَصَّات المخصصة للتواصل الفردي أو لنشر محتوى معين لمُقتضياتِه، بيد أن مادته الرابعة استثنت منصَّات الإنترنيت التي تقدم محتوى صحفي أو تحريري، في حين نصت المادة 14 من مشروع القانون المذكور على أن كل من قام عمدا بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات والبضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك، عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو شبكات البث المفتوح، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 5000 إلى 50000 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، وبحسب المادة 18 منه، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 2000 إلى 20000 درهم، كل من بثَّ محتوى يتضمن خبرا زائفا من شأنه التشكيك في جودة بعض المنتوجات والبضائع وتقديمها على أنها تشكل تهديدا على الصحة العامة.
صحيح أن حرية الرأي والتعبير لا تعني بأنه بإِمكَان الأفراد أن يكتبوا أو ينشروا ما شاؤوا ومتى شاؤوا، لأن حرية التعبير على هذا النحو ستُصبِح فوضى، والحياة في المجتمعات المنظمة لا تقوم على الفوضى، ولئن كانت حرية الرأي والتعبير تخضع لبعض القيود بموجب القانون، وهذا أمر معمول به في كل بلدان العالم، وأقرته حتى الشِّرعَة الدولية لحقوق الإنسان، إلا أن ذلك لا يبرر تدخل الحكومة لسَنّ بعض القوانين "المُكبِّلة أو المُعَطِّلة" للحق في حرية الرأي والتعبير عبر مواقع التواصل الرقمي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، لأن الأصل في وسائل التواصل الرقمي هو الحُريَّة والاستثناء هو التقييد، حتى وإن كانت المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تسمح بتقيِيد هذا الحق، إلا أنها حدَدَّت بشكل حصري ودقيق الحالات التي يمكن للقانون أن يُقيِّد فيها الحق في حرية الرأي والتعبير وهي محصُورَة في حدود القانون وما هو ضروري لاحترام حقوق وسمعة الآخرين، وحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة، كما منعت المادة 20 من ذات العهد ترويج وبث أيَّة أفكار أو الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية وكل ما يعتبر أو يشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.
وما دام أن المغرب طرفا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومادام أن الدستور المغربي لسنة 2011 يضمن حرية الفكر والرأي والتعبير بكل أشكالها (الفصل 25)، والحق في التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية (الفصل 28)، وبما أن المغرب يتوفر على بعض النُّصُوص الخاصة التي تعاقب عن أي استغلال منحرف لوسائل التواصل الرقمي من قبيل السب والشتم أو الدعوة إلى الكراهية أو التمييز، وما دام أن الممارسة أثبتت بأن القضاء وبمناسبة نظره في بعض الجنح المرتكبة بواسطة وسائل الاتصال الاجتماعي يستند على مقتضيات القانون الجنائي، فإن أيَّة محاولة لتقنين استعمال شبكات التواصل الرقمي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، يجب أن يُراعِي عدم المس بالمكتسبات الحقوقية التي راكمها المغرب في مجال الحق في حرية الرأي والتعبير، لأنه من الصعب جدا ضبط منصات التواصل الاجتماعي والرقمي خاصة في ظل تواجد إمكانية فتح حسابات بأسماء مُزورَّة كما هو الشأن بالنسبة لحساب "حمزة مون بيبي"، الذي لا زال موضوع تحريات أمنية وقضائية من طرف الجهات المختصة. وعليه، فمحاولة تقيِيد منصات التواصل الاجتماعي قد يطرح إشكالية استفحال ظاهرة الحسابات الوهمية.
على سبيل الختم:
أصبح الفضاء العمومي الرقمي يضم فاعلين جدد كانوا حتى عهد قريب مقصيِّين من النقاشات التي كانت تهيمن عليها مؤسسات الوساطة التقليدية ممثلة في الأحزاب السياسية والمجالس المنتخبة والنقابات المهنية والصحافة المكتوبة، بحيث كان من الصعب جدا تصوُّر نقاشات عمومية خارج هذه الإطارات والتنظيمات الكلاسيكية، غير أن تطور وسائل التواصل الرقمي ساهم في ظهور جيل جديد من الفاعلين الذين يرفعُون مجموعة من المطالب التي تَتَّخذ تارة طابعا سياسيا وتارة أو أحيانا أخرى تأخذ طابعا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
وقد سبق لألفين توفلر أن تحدث، عن التغيير الذي ستُحدثه وسائل الاتصال الرقمي بقوله بأن تكنولوجيات المعلوميات تمثل على المدى الطويل بالنسبة للسلطة تهديدا أخطر بكثير من تهديد النقابات والأحزاب السياسية، وبالفعل فقد ظهرت مجموعة من المواقع الرقمية التي تتيح للأفراد التعبير عن آرائهم ومواقفهم من كل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كان من المستبعد جدا التعبير عنها دون المُرور عبر قنوات الوساطة التقليدية، وهو نفس الأمر الذي ذهب إليه علي محمد بن رحومة، الذي تحدَّث عن علم الاجتماع الآلي وعن الحركة البشرية المرقمنة، أي الأشخاص الذين توجهوا نحو الفضاء العمومي الافتراضي الذي يتيح لهم إمكانية التكتل والتنظيم والتجمع في شكل تنسيقيات واتحادات افتراضية تضم تشكيلات متنوعة إيديولوجيا وترفض كل تأطير حزبي/نقابي/جمعوي.
تأسيسا عليه، يمكن القول بأن أيَّة محاولة من الدولة لضبط وتقنين شبكات التواصل الرقمي يجب أن يُراعي ضرورة التوفيق بين حماية النظام والأمن العموميين والحفاظ على المكتسبات التي حققها المغرب في مجال حرية الرأي والتعبير باعتبارها مكفُولة بموجب الدستور وبموجب المواثيق الدولية ذات الصلة التي صادق عليها المغرب، مع الأخذ بعين الاعتبار موقف اللجنة المعنية بحقوق الإنسان من مشروع القانون رقم 22.20 وذلك بمناسبة فحصها للتقرير الدوري السابع للمغرب المُزمع تقديمه في نونبر 2020، والمتعلق بتنفيذ مقتضيات العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي لن تتوانى في انتقاد مضامينه.
وفي الختام، نُؤكِّد بأنه لا يمكن تغيير المجتمع بمرسوم، إن جاز لنا استعارة هذه العبارة من ميشيل كروزييه، وكتابه المُعَنون :"لا يُمكِن تغيير المجتمع بمرسوم"، وكذا نتساءل عن مدى حاجة المغرب لمثل هذا المشروع الذي يطغى عليه الجانب الجزري الذي قد يخدم مصالح اقتصادية لجهات معينة؟، وهذا التساؤل يستمد مشروعيته من كون أن المغرب له التزامات وتعَهُّدات دولية تجاه هيئات المعاهدات، وحقَّقَ بتفاعله الايجابي مع توصياتها مجموعة من المكتسبات في مجال حرية الرأي والتعبير تُمَيِّزُه عن غيره من دول الجوار وهو ما يستلزم الحفاظ عليها وتطويرها وتعزيزها وليس تقييدها ببعض النصوص التشريعية.