نسخة للتحميل
مقـدمة:
إن موضوع حقوق الإنسان والأزمات الصحية ليس بالجديد نظريا على مستوى الساحة الدولية، حيث إن المنظومة القانونية الدولية كانت قد أكدت في العديد من الوثائق الدولية الحقوقية على الحق في الصحة باعتباره حق أساسي من حقوق الإنسان وما يقتضي ذلك من إجراءات وتدابير تكفل التمتع الكامل بهذا الحق سواء في الظروف العادية أو الطارئة، كما تناولت بعض دساتير دول العالم هذا الحق باهتمام ضعيف. وقد أعطى دستور منظمة الصحة العالمية وكذلك إعلان "ألما آتا" مفهوما واسعا للحق في الصحة. حيث عبر إعلان "الما آتا" عن: (الحاجة الماسة لعمل كل الحكومات وكل العاملين بالصحة والتنمية والمجتمع الدولي في سبيل توفير حماية وتعزيز الصحة لكل إنسان في العالم). وهو الإعلان الصادرعن المؤتمر الدولي للرعاية الصحية الأولية عام: 1978م المنعقد في (الما آتا عاصمة كازاخستان آنذاك) تحت رعاية منظمة الصحة العالمية و اليونسيف.
وإن كانت بعض التشريعات الوطنية قد جاءت بهذا الحق الأساسي من حقوق الإنسان انطلاقا من دورها في تنفيذ الالتزامات الدولية في مجال الصحة، فإن المشرع الموريتاني قد تدارك هذا الأمر في التعديل الدستوري لعام 2012 بموجب القانون الدستوري رقم: 2012/015 الصادر بتاريخ: 20 مارس 2012. حيث نص في المادة: 19 فقرة: 2 (جديدة) على أنه: "يتمتع المواطنون بنفس الحقوق ونفس الواجبات تجاه الأمة ويساهمون في بناء الوطن، ولهم الحق وفقا لنفس الظروف، في التنمية المستدامة وفي بيئة متوازنة تحترم الصحة".
وإذا كانت حماية الصحة العامة باعتبارها مكونا من مكونات النظام العام التقليدي، تسمح بتقييد حقوق الإنسان، فإنه في ظل الوضعية الراهنة المتعلقة بالأزمة الصحية المرتبطة بوباء: "كوفيد 19" وما تفرضه من التدابير الإجرائية للوقائية من هذا الوباء العالمي يمكن تأسيسا على القانون رقم: 73/009 الصادر بتاريخ: 23/01/1973 المتعلق بحماية النظام العام اعتبار "جائحة كورونا كوفيد 19" حالة صحية تمثل بطبيعتها أو بخطورتها طابع الكارثة العمومية. ولعل ذلك ما يقتضى إعلان حالة طوارئ ظرفية ضمن الإجراءات الاحترازية الوقائية التي اعتمدتها سائر دول العالم بما في ذلك موريتانيا التي كانت من بين أول دول المنطقة المغاربية في اتخاذ تلك التدابير والإجراءات الاحترازية.
وبهذا الصدد فإن المادة: الأولى من القانون: 73/009 السالف الذكر نصت على أنه: "يمكن إعلان حالة الطوارئ على بعض أو كل تراب الجمهورية الإسلامية الموريتانية إما في حالة اعتداء أو تهديد باعتداء خارجي ، أو في حالة كارثة وشيكة ناتجة عن مساس خطير بالنظام العام ، أو في حالة أحداث تمثل بطبيعتها أو بخطورتها طابع الكارثة العمومية".
فضلا هذا كله وطبقا لأحكام قانون التأهيل البرلماني رقم: 2020/004 الصادر بتاريخ: 22 إبريل 2020 الذي يمنح تفويض البرلمان للحكومة فقد صادق مجلس الوزراء الموريتاني في: 30 من إبريل 2020 على مشروع أمر قانوني يتضمن بعض الإجراءات الضرورية لمكافحة "وباء فيروس كورونا كوفيد 19" وتأثراته. وهو مشروع يهدف إلى تعزيز الإجراءات المتخذة التي سيتم القيام بها في مجالات تمس الحريات الفردية والجماعية وحظر التجول وإغلاق الحدود وفرض الإجراءات الصحية الاحترازية ، ومن جهة أخرى فإن مشروع الأمر القانوني سن عقوبات في حق المخالفين لأحكامه.
إن معايير حقوق الإنسان العالمية، تأخذ اليوم، طريقها إلى التشريعات الوطنية ولكن وجودها يرتبط بوجود إرادة سياسية لضمان حقوق الإنسان بشكل فعال للأفراد. فالتمتع الفعلي بحقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها عالميا، يتطلب إرساء سياسة وطنية من اجل تعزيز هذه الحقوق وحمايتها بواسطة مؤسسات وطنية[1].
تأسيسا على ذلك كله يمكن أن نساءل: هل من شرعية للدول في تقييد احترام التزامها في مجال حقوق الإنسان غير إعلان حالة الطوارئ، أم أن حالة الطوارئ وحدها هي التي تبرر الحد من حقوق الإنسان؟. كيف يمكن أن تضمن السياسة الوطنية في مجال حقوق الإنسان تمتع الإنسان بحقوقه وحرياته العامة إذا كانت بعض التشريعات تجيز للدول تقييد احترام التزامها في مجال حقوق الإنسان؟. آم انه يمكن التمييز في مجال الالتزامات بالمعايير الدولية لحقوق بين حقوق مطلقة غير مقيدة، وأخرى خاضعة لأحكام التقييد؟. كيف يكون التزام الدول بنظم الرعاية الصحية الأولية كوسيلة لتعزيز النظم الصحية بشكل عام في ظل جائحة "فيروس كورونا كوفيد 19" ، انطلاقا من ضرورة التزام الدول باحترام الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان؟.
إن معالجة مختلف الإشكاليات السابقة تقتضي التعرض لموضوع: "شرعية تقييد حدود حقوق الإنسان خلال الأزمات الصحية" وفقا لمحورين رئيسين نقف في المحور الأول منهما على: الأساس القانوني لحماية النظام والأمن العامين في ضوء جائحة كرونا ، على أن نرصد في المحور الثاني: مدى شرعية تقييد الدول احترام التزاماتها في مجال حقوق الإنسان.
المحور الأول: الأساس القانوني لحماية النظام والأمن العامين في ضوء جائحة كورونا.
إن المكانة التي تشغلها حقوق الإنسان في النظام القانوني الدولي جعلت مجموعة من المعايير الدولية تشكل مرجعية لالتزامات الدولة في مجال حقوق الإنسان، وبالتالي دفعت أيضا الدول بالعمل على ملاءمة تشريعاتها الوطنية مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان[2]، حتى تتفاعل أكثر مع المكانة التي يستحقا الفرد داخل المجتمع الإنساني الذي يعيش فيه، فالتشبث بالاختباء وراء السيادة والسلطان الداخلي للدولة أضحى مبررا واهيا لتبرير دعم الامتثال لما تعهدت به في المواثيق الدولية، حيث، إن الدولة تسمح لهيئات دولية بمراقبة مدى احترامها لمبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، سواء على مستوى التشريع الوطني أو على مستوى المؤسسات القانونية لحماية حقوق الإنسان[3].
إن وضع المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان، ليس المقصود منه هو فرض القواعد الدولية على الدولة، فتتم إساءة فهم أولوية القانون الدولي على التشريع الوطني، الأمر لا يرتبط بمساس للسلطان الداخلي، وإنما هو تعبير عن تناسق في الممارسة القانونية للدولة. ومن هذا المنطلق، فكل دولة تلتزم باحترام الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، هي بالضرورة خاضعة لمبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي، وهو ما يفرض على المحاكم الداخلية إعطاء الأولوية في التطبيق للقانون الدولي في مجال حقوق الإنسان. وهذا ما يفسر لماذا تتعهد الدول الأطراف في الشرعية الدولية لحقوق الإنسان باتخاذ مجموعة من التدابير التشريعية والإجراءات القانونية، وما يلزم من خطوات لضمان التمتع الفعلي لمواطنيها بالحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية، التي صادقت عليها الدولة[4].
أولا: مقتضيات حماية النظام والأمن العامين في ظل حالة الطوارئ الصحية:
يتطلب جو السكينة العامة في الحالتين العادية والطارئة ضرورة الحفاظ على النظام والأمن العامين وفق المقتضيات الدستورية والنظم القانونية للدولة، وطالما أن الإنسان يعيش في مجتمع فعليه أن يلتزم بقواعد وأصول قانونية تحفظ حريته بما يتلاءم مع حريات الآخرين ويتناسب مع نظام المجتمع العام وسلامة واستقراره. إذ لابد من ضوابط قانونية تحدد ممارسة الأفراد حرياتهم. غير أن تنظيم ممارسة الحريات العامة لا يقع دائما على ذات المستوى وإنما يتغير تبعا للظروف العادية التي يكون فيها المجتمع أو الظروف الاستثنائية.
وفي ظروف كاللتي يفرضها وباء "فيروس كورونا كوفيد 19" يمكن تكييف هذه الوضعية بالحالة الصحية التي تمثل بطبيعتها أو بخطورتها طابع الكارثة العمومية استنادا على نص المادة: الأولى من القانون: 73/009 السابق، المتعلق بحماية النظام العام، ولعل ذلك ما يتطلب إعلان حالة الطوارئ الصحية التي يعلنها رئيس الجمهورية بموجب مرسوم. إذ يحدد القانون السلطات الاستثنائية التي يتمتع بها رئيس الجمهورية بمقتضى الأحكام العرفية وحالة الطوارئ، وذلك حسب المادة: 71 من الدستور الموريتاني[5] التي نصت على أن: "الأحكام العرفية وحالة الطوارئ يقرها رئيس الجمهورية لمدة أقصاها (30) يوما. للبرلمان أن يمدد هذه الفترة، وفي هذه الحالة يجتمع البرلمان وجوبا إذا لم يكن في دورة". ووفقا للسلطات الاستثنائية التي يحدها القانون لرئيس الجمهورية بهذا الصدد جاء في المادة: 3 (جديدة) من القانون رقم: 73/009 حول حماية النظام[6] أنه: "يمكن لرئيس الجمهورية، في الدوائر التي أعلنت فيها حالة الطوارئ أن يأمر السلطات المحلية بــ:
هذا ومن مقتضيات حماية النظام العام والأمن الصحي احترام الحق في الصحة، فقد أكدت منظمة الصحة العالمية في المؤتمر الدولي للرعاية الصحية الأولية 1978م على اعتبار الصحة حق أساسي لكل إنسان، وكانت قد أصدرت بهذا الخصوص توصية أخرى بسطت فيها ما يقتضيه إعمال هذا الحق من التزامات، التي هي بمثابة المبادئ التي ينبغي أن تقيم عليها الدول نظمها[9]. كما عملت المواثيق الدولية، التي أقرت هذا الحق، أيضا على تحديد مختلف التدابير التي يقتضيها التمتع بالحق في الصحة بما يشمل أيضا الوقاية من الأمراض ومعالجة المرضى. ونكتفي هنا بإيراد نموذجين هما: العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقية حقوق الطفل.
فقد جاء في الفقرة الثانية من المادة: 12 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ما يلي:
(د) تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض".
وجاء في المادة: 24 من اتفاقية حقوق الطفلما يلي: "تتابع الدول الأطراف إعمال هذا الحق كاملا وتتخذ، بوجه خاص التدابير المناسبة... ومن بينها ما يتعلق بخفض وفيات الرضع والأطفال؛ وكفالة توفير المساعدة الطبية والرعاية الصحية اللازمتين لجميع الأطفال مع التشديد على تطوير الصحة الأولية؛ كفالة الرعاية الصحية للأمهات قبل الولادة وبعدها[10]...".
وبالعودة إلى التوصية التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية بشأن إعمال الحق في الصحة فهي "تعتقد أن من أكثر المبادئ فعالية في إنشاء وتنمية النظم الصحية الوطنية تلك التي أثبتتها التجربة في عدد من البلدان وهي:
يمكن التمييز بين عدة أساليب في تنظيم الحريات العامة في الحالتين العادية والطارئة، ويختلف تدخل السلطة في تنظيم الحريات تبعا لنوع الحرية وعلاقتها بالغير من الأفراد من جهة أو تبعا لمدى تأثيرها على النظام العام من جهة أخرى، ويمكن التمييز بين نظامين أو ثلاثة أنظمة لتدخل الدولة: (التنظيم الوقائي[12]: Régime preventive ، التنظيم العقابي أو الزجري[13]:Régime répressif ، الإعلام المسبق[14]: Pré-notification).
هذا وفي ظل الوضعية التي يفرضها التعامل مع وباء فيروس كورونا كوفيد 19 وما يناسب ذلك من مقتضيات حالة الطوارئ الصحية اتخذت البلاد الموريتانية كغيرها من بلدان العالم رُزمة من التدابير والإجراءات الوقائية الاستباقية لمحاصرة هذا الداء العُضال أو تحديد دائرة خطره وعدم الاستهانة به، لما له من تأثيرات قد تتجاوز الإمكانات الصحية والاقتصادية لبعض دول العالم بما في ذلك موريتانيا. ولعل من أبرز الخطوات الهامة التي شملتها تلك الإجراءات تتلخص في المراحل التالية:
المحور الثاني: شرعية تقييد الدول احترام التزاماتها في مجال حقوق الإنسان.
يمكن التمييز في مجال الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان بين الحقوق الفردية المطلقة والحقوق الجماعية المقيدة أو الخاضعة لأحكام التقييد. فبالنسبة للالتزامات الفردية المطلقة فهي لا تسمح للدولة بالتحفظ عليها، لأنها ترتبط بحقوق أساسية متأصلة في الكائن البشري كالحق في الحياة والحرية والسلامة الجسدية؛ وهذه الأصناف الثلاثة من حقوق الإنسان استثنتها المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية من أي تقييد تسببه الظروف الاستثنائية. لذلك فالفرد يتمتع بهذه الحقوق بصفته الإنسانية، وينحصر دور الدولة في هذا الإطار، في إعمال هذه الحقوق بدون أي قيد أو شرط وفي جميع الظروف، سواء في زمن السلم أو في فترة الحرب[16].
من جانب آخر تخضع مجموعة من الالتزامات المتعلقة بالمعايير الدولية للحريات العامة التي يمارسها الأفراد بشكل جماعي لأحكام التقييد، حيث تتمتع الدولة بسلطة وضع الشروط التي تقيد ممارسة هذه الحقوق داخل المجتمع، تحقيقا للحفاظ على النظام العام أو الأمن القومي أو الأخلاق العامة. فممارسة حرية التعبير والرأي وحرية التجمع وحرية التظاهر وتكوين الجمعيات تخضع للقيود والشروط المتعلقة بالنظام العام والأمن القومي، على أساس أن يكون منصوصا عليها في التشريع الوطني، حتى لا تترك أي مجال للسلطات العمومية للإساءة في تفسيرها أو تقييدها بشكل تعسفي[17].
كما يجوز للدول، أن تقيد احترام التزاماتها في مجال حقوق الإنسان، في حالة الطوارئ بسبب الحرب أو الاضطرابات، وفي هذه الحالة يشترط الامتثال لمجموعة من المعايير[18].
أولا: إعمال المعايير الدولية لحماية حقوق الإنسان إزاء "وباء كوفيد 19":
إن طبيعة المعايير الدولية الواردة في التشريع الدولي لحقوق الإنسان ، تقتضي أن تتخذ الدول مجموعة من التدابير والإجراءات الفعلية، لضمان الوفاء بتعهدها باحترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا، من خلال التنصيص عليها في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي للاجئين والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
إن الهدف من وضع معايير دولية لتطبيق حقوق الإنسان هو تأصيل فكرة كونية حقوق الإنسان وتجاوز قيود السيادة الوطنية، حيث تتعهد الدول أمام المجتمع الدولي، من خلال مصادقتها على مجموعة من المواثيق الدولية، على تعزيز واحترام مبادئ حقوق الإنسان والامتثال للمعايير الدولية لتحقيق المستوى المطلوب إنجازه، دون أي تحفظ، في مجال الحريات والحقوق الأساسية للكائن البشري. هذا وقد جاءت التزامات الدول الأطراف بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان على نحو يختلف إلى نوعين[22]:
ينصرف الالتزام بالتنفيذ التدريجي، إلى عدم تحقيق التمتع الفوري بطائفة من الحقوق في فترة زمنية محددة، لاستحالة ضمانها للأفراد بشكل سريع، ولارتباطها بالتدابير المتخذة من طرف الدولة، على المستوى الاجتماعي والاقتصادي. مما يجعل الاستفادة منها يطبعه التدرج والتأني كالحق في التنمية المستدامة والسكن اللائق والتغطية الصحية، وتعميم التربية والتعليم تماشيا مع أقصى ما تسمح به الموارد المتاحة للدولة[23].
ثانيا: نطاق تطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان:
إن الضوابط القانونية التي يتضمنها العهدين الدوليين تحولت إلى معايير ملزمة، بعدما تعهدت الدول بذلك، وعلى هذا النحو فإلزامية العهدين الدوليين قيدت سيادة الدول، وأخرجت حقوق الإنسان من مجال الإرادة السياسية للدولة، ووضعت حدا لتمتع الوحدات السياسية بالسيادة المطلقة داخل النسق الدولي المعاصر، على عكس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يحمل قيمة معنوية وأدبية نتيجة الشعور الجماعي بأهميته كمرجعية أخلاقية في مجال حقوق الإنسان.
إن تحديد القوة الإلزامية للمعايير الدولية المنصوص عليها في العهدين الدوليين يتأكد في مادتها الثانية، فمن جهة أولى تنص المادة الثانية للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن:
ب – أن تكفل لكل من يطالب بمثل هذا العلاج، أن يفصل في حقه بواسطة السلطات المخصصة القضائية والإدارية أو التشريعية أو أيه سلطة أخرى مختصة، بموجب النظام القانوني للدولة وأن تطور إمكانات علاج القضائية؛
ج – أن تكفل قيام السلطات المختصة بوضع العلاج عند منحه موضع التنفيذ.
ومن جهة أخرى، فالمادة الثانية من للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تشير إلى تتعهد كل دولة في العهد الحالي أن تقوم منفردة، ومن خلال المساعدة والتعاون الدوليين، باتخاذ الخطوات الاقتصادية والفنية، ولأقضى ما سمح به مواردها المتوفرة، من أجل التوصل تدريجا للتحقيق الكامل للحقوق المعترف بها في العهد الحالي، بكافة الطرق المناسبة بما في ذلك على وجه الخصوص تبني الإجراءات التشريعية[26].
خاتمة:
إن التمتع الكامل بالحق في الصحة العامة باعتباره حق أساسي من الحقوق والحريات العامة لئن كان يقتضي تقييد بعض حقوق الإنسان في إطار مبدأ حماية النظام والأمن العامين. فإن حماية تلك الحقوق والحريات ترتبط دستوريا بدولة القانون ارتباطا وثيقا، حيث يعلو مبدأ سيادة القانون ويقوم نظام الحكم على أساس مبادئ الديمقراطية[27].
وبطبيعة الحال فإن قيام النظام السياسي على أساس الديمقراطية الحقة والتزامه بحقوق الإنسان نصا وروحا، وكفالته للحقوق والحريات هو إطار الحماية الدستورية الأساسي؛ إذ كانت حقوق الإنسان وحرياتُه محلاً لاهتمام جميع الشرائع ورجال الفكر والفلاسفة منذ أن وجدت البشرية على وجه المعمورة، أصبحت حماية تلك الحقوق والحريات من الأمور التي توليها الحكومات والأنظمة السياسية أهمية بالغة عبر عصور مختلفة، فقد ظهرت في هذا الإطار العديد من النظريات التي أخذت على عاتقها مسؤولية تفعيل آليات حماية حقوق الإنسان، كما طُرحت بهذا الصدد مسألة إيجاد الضمانات التي من شأنها أن تكفل التزام الدول باحترام تلك الحقوق والحريات العامة[28]، وذلك وفق وثيقة قانونية حظيت بإجماع دول العالم على تطبيق ذلك الالتزام سُميت بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي صادقت عليه بموجب قرارها رقم: 217، في 10 ديسمبر 1948م وتلتها فيما بعد الوثائق الحقوقية الدولية المُمثلة للشرعة الدولية لحقوق الإنسان، إذ لم تكتسب حقوق الإنسان طابعها القانوني والدولي إلا بعد صدور هذا الإعلان عن منظمة الأمم المتحدة، فكانت هذه الخطوة الهامة في تطبيق وتدوين حقوق الإنسان تعبيرا عن عصر التنظيم الدولي الجديد، الذي لم يتبلور بشكل فعال إلا بعد نشأة هيئة الأمم المتحدة عام 1945م.
وتأسيسا على ذلك فإن أي حديث عن حماية حقوق الإنسان أو تقييدها يبدو في سياقه العام مرتبطا بضرورة المواءمة بين التشريعات الوطنية ونطاق تطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان. إذ يتبين أن إدماج المعايير الدولية في القوانين الوطنية يشكل الخطوة الأولى نحو الالتزام بتعزيز وحماية حقوق الإنسان تكريسا لنص المادة: الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد تستطيع الهيئات الدولية والمؤسسات الوطنية تقديم المشورة إلى الحكومة بشأن التدابير الواجب اتخاذها للوفاء بالالتزامات الدولية، وذلك قصد إرساء خطة وطنية لتوفير الخدمات الاجتماعية والتغطية الصحية وتعميم التربية والتعليم وحماية الأسرة والطفولة وإدماج المعاقين والقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة وغير ذلك.
إن موضوع حقوق الإنسان والأزمات الصحية ليس بالجديد نظريا على مستوى الساحة الدولية، حيث إن المنظومة القانونية الدولية كانت قد أكدت في العديد من الوثائق الدولية الحقوقية على الحق في الصحة باعتباره حق أساسي من حقوق الإنسان وما يقتضي ذلك من إجراءات وتدابير تكفل التمتع الكامل بهذا الحق سواء في الظروف العادية أو الطارئة، كما تناولت بعض دساتير دول العالم هذا الحق باهتمام ضعيف. وقد أعطى دستور منظمة الصحة العالمية وكذلك إعلان "ألما آتا" مفهوما واسعا للحق في الصحة. حيث عبر إعلان "الما آتا" عن: (الحاجة الماسة لعمل كل الحكومات وكل العاملين بالصحة والتنمية والمجتمع الدولي في سبيل توفير حماية وتعزيز الصحة لكل إنسان في العالم). وهو الإعلان الصادرعن المؤتمر الدولي للرعاية الصحية الأولية عام: 1978م المنعقد في (الما آتا عاصمة كازاخستان آنذاك) تحت رعاية منظمة الصحة العالمية و اليونسيف.
وإن كانت بعض التشريعات الوطنية قد جاءت بهذا الحق الأساسي من حقوق الإنسان انطلاقا من دورها في تنفيذ الالتزامات الدولية في مجال الصحة، فإن المشرع الموريتاني قد تدارك هذا الأمر في التعديل الدستوري لعام 2012 بموجب القانون الدستوري رقم: 2012/015 الصادر بتاريخ: 20 مارس 2012. حيث نص في المادة: 19 فقرة: 2 (جديدة) على أنه: "يتمتع المواطنون بنفس الحقوق ونفس الواجبات تجاه الأمة ويساهمون في بناء الوطن، ولهم الحق وفقا لنفس الظروف، في التنمية المستدامة وفي بيئة متوازنة تحترم الصحة".
وإذا كانت حماية الصحة العامة باعتبارها مكونا من مكونات النظام العام التقليدي، تسمح بتقييد حقوق الإنسان، فإنه في ظل الوضعية الراهنة المتعلقة بالأزمة الصحية المرتبطة بوباء: "كوفيد 19" وما تفرضه من التدابير الإجرائية للوقائية من هذا الوباء العالمي يمكن تأسيسا على القانون رقم: 73/009 الصادر بتاريخ: 23/01/1973 المتعلق بحماية النظام العام اعتبار "جائحة كورونا كوفيد 19" حالة صحية تمثل بطبيعتها أو بخطورتها طابع الكارثة العمومية. ولعل ذلك ما يقتضى إعلان حالة طوارئ ظرفية ضمن الإجراءات الاحترازية الوقائية التي اعتمدتها سائر دول العالم بما في ذلك موريتانيا التي كانت من بين أول دول المنطقة المغاربية في اتخاذ تلك التدابير والإجراءات الاحترازية.
وبهذا الصدد فإن المادة: الأولى من القانون: 73/009 السالف الذكر نصت على أنه: "يمكن إعلان حالة الطوارئ على بعض أو كل تراب الجمهورية الإسلامية الموريتانية إما في حالة اعتداء أو تهديد باعتداء خارجي ، أو في حالة كارثة وشيكة ناتجة عن مساس خطير بالنظام العام ، أو في حالة أحداث تمثل بطبيعتها أو بخطورتها طابع الكارثة العمومية".
فضلا هذا كله وطبقا لأحكام قانون التأهيل البرلماني رقم: 2020/004 الصادر بتاريخ: 22 إبريل 2020 الذي يمنح تفويض البرلمان للحكومة فقد صادق مجلس الوزراء الموريتاني في: 30 من إبريل 2020 على مشروع أمر قانوني يتضمن بعض الإجراءات الضرورية لمكافحة "وباء فيروس كورونا كوفيد 19" وتأثراته. وهو مشروع يهدف إلى تعزيز الإجراءات المتخذة التي سيتم القيام بها في مجالات تمس الحريات الفردية والجماعية وحظر التجول وإغلاق الحدود وفرض الإجراءات الصحية الاحترازية ، ومن جهة أخرى فإن مشروع الأمر القانوني سن عقوبات في حق المخالفين لأحكامه.
إن معايير حقوق الإنسان العالمية، تأخذ اليوم، طريقها إلى التشريعات الوطنية ولكن وجودها يرتبط بوجود إرادة سياسية لضمان حقوق الإنسان بشكل فعال للأفراد. فالتمتع الفعلي بحقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها عالميا، يتطلب إرساء سياسة وطنية من اجل تعزيز هذه الحقوق وحمايتها بواسطة مؤسسات وطنية[1].
تأسيسا على ذلك كله يمكن أن نساءل: هل من شرعية للدول في تقييد احترام التزامها في مجال حقوق الإنسان غير إعلان حالة الطوارئ، أم أن حالة الطوارئ وحدها هي التي تبرر الحد من حقوق الإنسان؟. كيف يمكن أن تضمن السياسة الوطنية في مجال حقوق الإنسان تمتع الإنسان بحقوقه وحرياته العامة إذا كانت بعض التشريعات تجيز للدول تقييد احترام التزامها في مجال حقوق الإنسان؟. آم انه يمكن التمييز في مجال الالتزامات بالمعايير الدولية لحقوق بين حقوق مطلقة غير مقيدة، وأخرى خاضعة لأحكام التقييد؟. كيف يكون التزام الدول بنظم الرعاية الصحية الأولية كوسيلة لتعزيز النظم الصحية بشكل عام في ظل جائحة "فيروس كورونا كوفيد 19" ، انطلاقا من ضرورة التزام الدول باحترام الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان؟.
إن معالجة مختلف الإشكاليات السابقة تقتضي التعرض لموضوع: "شرعية تقييد حدود حقوق الإنسان خلال الأزمات الصحية" وفقا لمحورين رئيسين نقف في المحور الأول منهما على: الأساس القانوني لحماية النظام والأمن العامين في ضوء جائحة كرونا ، على أن نرصد في المحور الثاني: مدى شرعية تقييد الدول احترام التزاماتها في مجال حقوق الإنسان.
المحور الأول: الأساس القانوني لحماية النظام والأمن العامين في ضوء جائحة كورونا.
إن المكانة التي تشغلها حقوق الإنسان في النظام القانوني الدولي جعلت مجموعة من المعايير الدولية تشكل مرجعية لالتزامات الدولة في مجال حقوق الإنسان، وبالتالي دفعت أيضا الدول بالعمل على ملاءمة تشريعاتها الوطنية مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان[2]، حتى تتفاعل أكثر مع المكانة التي يستحقا الفرد داخل المجتمع الإنساني الذي يعيش فيه، فالتشبث بالاختباء وراء السيادة والسلطان الداخلي للدولة أضحى مبررا واهيا لتبرير دعم الامتثال لما تعهدت به في المواثيق الدولية، حيث، إن الدولة تسمح لهيئات دولية بمراقبة مدى احترامها لمبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، سواء على مستوى التشريع الوطني أو على مستوى المؤسسات القانونية لحماية حقوق الإنسان[3].
إن وضع المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان، ليس المقصود منه هو فرض القواعد الدولية على الدولة، فتتم إساءة فهم أولوية القانون الدولي على التشريع الوطني، الأمر لا يرتبط بمساس للسلطان الداخلي، وإنما هو تعبير عن تناسق في الممارسة القانونية للدولة. ومن هذا المنطلق، فكل دولة تلتزم باحترام الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، هي بالضرورة خاضعة لمبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي، وهو ما يفرض على المحاكم الداخلية إعطاء الأولوية في التطبيق للقانون الدولي في مجال حقوق الإنسان. وهذا ما يفسر لماذا تتعهد الدول الأطراف في الشرعية الدولية لحقوق الإنسان باتخاذ مجموعة من التدابير التشريعية والإجراءات القانونية، وما يلزم من خطوات لضمان التمتع الفعلي لمواطنيها بالحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية، التي صادقت عليها الدولة[4].
أولا: مقتضيات حماية النظام والأمن العامين في ظل حالة الطوارئ الصحية:
يتطلب جو السكينة العامة في الحالتين العادية والطارئة ضرورة الحفاظ على النظام والأمن العامين وفق المقتضيات الدستورية والنظم القانونية للدولة، وطالما أن الإنسان يعيش في مجتمع فعليه أن يلتزم بقواعد وأصول قانونية تحفظ حريته بما يتلاءم مع حريات الآخرين ويتناسب مع نظام المجتمع العام وسلامة واستقراره. إذ لابد من ضوابط قانونية تحدد ممارسة الأفراد حرياتهم. غير أن تنظيم ممارسة الحريات العامة لا يقع دائما على ذات المستوى وإنما يتغير تبعا للظروف العادية التي يكون فيها المجتمع أو الظروف الاستثنائية.
وفي ظروف كاللتي يفرضها وباء "فيروس كورونا كوفيد 19" يمكن تكييف هذه الوضعية بالحالة الصحية التي تمثل بطبيعتها أو بخطورتها طابع الكارثة العمومية استنادا على نص المادة: الأولى من القانون: 73/009 السابق، المتعلق بحماية النظام العام، ولعل ذلك ما يتطلب إعلان حالة الطوارئ الصحية التي يعلنها رئيس الجمهورية بموجب مرسوم. إذ يحدد القانون السلطات الاستثنائية التي يتمتع بها رئيس الجمهورية بمقتضى الأحكام العرفية وحالة الطوارئ، وذلك حسب المادة: 71 من الدستور الموريتاني[5] التي نصت على أن: "الأحكام العرفية وحالة الطوارئ يقرها رئيس الجمهورية لمدة أقصاها (30) يوما. للبرلمان أن يمدد هذه الفترة، وفي هذه الحالة يجتمع البرلمان وجوبا إذا لم يكن في دورة". ووفقا للسلطات الاستثنائية التي يحدها القانون لرئيس الجمهورية بهذا الصدد جاء في المادة: 3 (جديدة) من القانون رقم: 73/009 حول حماية النظام[6] أنه: "يمكن لرئيس الجمهورية، في الدوائر التي أعلنت فيها حالة الطوارئ أن يأمر السلطات المحلية بــ:
- تنظيم أو تحريم تجول الأشخاص والسيارات.
- تنظيم إقامة الأشخاص في بعض المناطق.
- الأمر بالإغلاق المؤقت لقاعات العرض والحانات، وأماكن التجمع من كل نوع.
- حظر كل الاجتماعات التي من طبيعتها إثارة أو خلق فوضى".
- أن يحرم الإقامة في بعض الدوائر أو الأماكن عل كل شخص قاطن في الدوائر المذكورة في المادة: 3، يحاول إعاقة عمل السلطات العمومية بأي صورة كانت؛
- أن يفرض الإقامة الجبرية في دائرة أو محل معين على كل شخص يقطن في الدوائر المذكورة في المادة: 3، ويظهر من نشاطه خطورة على الأمن والنظام العام؛ ويتعين على السلطات الإدارية اتخاذ كافة التدابير من أجل ضمان حاجيات الأشخاص الخاضعين للإقامة الجبرية وكذلك أسرهم"[7].
هذا ومن مقتضيات حماية النظام العام والأمن الصحي احترام الحق في الصحة، فقد أكدت منظمة الصحة العالمية في المؤتمر الدولي للرعاية الصحية الأولية 1978م على اعتبار الصحة حق أساسي لكل إنسان، وكانت قد أصدرت بهذا الخصوص توصية أخرى بسطت فيها ما يقتضيه إعمال هذا الحق من التزامات، التي هي بمثابة المبادئ التي ينبغي أن تقيم عليها الدول نظمها[9]. كما عملت المواثيق الدولية، التي أقرت هذا الحق، أيضا على تحديد مختلف التدابير التي يقتضيها التمتع بالحق في الصحة بما يشمل أيضا الوقاية من الأمراض ومعالجة المرضى. ونكتفي هنا بإيراد نموذجين هما: العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقية حقوق الطفل.
فقد جاء في الفقرة الثانية من المادة: 12 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ما يلي:
- تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق، تلك التدابير اللازمة من أجل:
- تحسين معدل المواليد وموتى الرضع وتأمين نمو الطفل نموا صحيا؛
- تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية؛
(د) تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض".
وجاء في المادة: 24 من اتفاقية حقوق الطفلما يلي: "تتابع الدول الأطراف إعمال هذا الحق كاملا وتتخذ، بوجه خاص التدابير المناسبة... ومن بينها ما يتعلق بخفض وفيات الرضع والأطفال؛ وكفالة توفير المساعدة الطبية والرعاية الصحية اللازمتين لجميع الأطفال مع التشديد على تطوير الصحة الأولية؛ كفالة الرعاية الصحية للأمهات قبل الولادة وبعدها[10]...".
وبالعودة إلى التوصية التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية بشأن إعمال الحق في الصحة فهي "تعتقد أن من أكثر المبادئ فعالية في إنشاء وتنمية النظم الصحية الوطنية تلك التي أثبتتها التجربة في عدد من البلدان وهي:
- إعلان مسؤولية الدولة والمجتمع عن حماية صحة السكان على أساس تنفيذ مجموعة مركبة من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية التي تبيح بطريق مباشر أو غير مباشر بلوغ ، أعلى مستوى ممكن من الصحة عن طريق إنشاء نظام وطني شامل للخدمات الصحية يستند إلى خطة وطنية وتخطيط محلي...
- توفير التدريس الرشيد للعاملين الصحيين والوطنيين في كافة المستويات كأساس لنجاح أي نظام صحي، وتوعية جميع العاملين الطبيين بمسؤوليتهم الكبيرة تجاه المجتمع؛
- النهوض بالخدمات الصحية أساسا عن طريق إجراءات موسعة لتعزيز العمل الوقائي بالنسبة للمجتمع والفرد، الأمر الذي يتطلب تكامل الخدمات العلاجية الوقائية في كافة المؤسسات والخدمات الطبية والصحية...
- تقديم رعاية طبية وقائية وعلاجية من أحسن مستوى ممكن من الكفاءة لجميع سكان البلاد بحيث لا تحول دونها عوائق مالية أو غيرها وذلك عن طريق إنشاء شبكة مناسبة من الخدمات العلاجية والوقائية التأهيلية؛
- التوسع في كل دولة، في تطبيق نتائج التقدم في البحوث الطبية وممارسة الصحة العامة في العالم من أجل توفير الظروف التي تمكن من الحصول على أكبر قدر ممكن من الفعالية لجميع الإجراءات التي تتخذ في مجال الصحة؛
- التثقيف الصحي للجمهور وإشراك قطاعات عريضة منه في تنفيذ جميع برامج الصحة العامة كتعبير عن المسؤولية الفردية والجماعية لكافة أفراد المجتمع عن حماية صحة الإنسان[11]".
يمكن التمييز بين عدة أساليب في تنظيم الحريات العامة في الحالتين العادية والطارئة، ويختلف تدخل السلطة في تنظيم الحريات تبعا لنوع الحرية وعلاقتها بالغير من الأفراد من جهة أو تبعا لمدى تأثيرها على النظام العام من جهة أخرى، ويمكن التمييز بين نظامين أو ثلاثة أنظمة لتدخل الدولة: (التنظيم الوقائي[12]: Régime preventive ، التنظيم العقابي أو الزجري[13]:Régime répressif ، الإعلام المسبق[14]: Pré-notification).
هذا وفي ظل الوضعية التي يفرضها التعامل مع وباء فيروس كورونا كوفيد 19 وما يناسب ذلك من مقتضيات حالة الطوارئ الصحية اتخذت البلاد الموريتانية كغيرها من بلدان العالم رُزمة من التدابير والإجراءات الوقائية الاستباقية لمحاصرة هذا الداء العُضال أو تحديد دائرة خطره وعدم الاستهانة به، لما له من تأثيرات قد تتجاوز الإمكانات الصحية والاقتصادية لبعض دول العالم بما في ذلك موريتانيا. ولعل من أبرز الخطوات الهامة التي شملتها تلك الإجراءات تتلخص في المراحل التالية:
- المرحلة الأولى: الإجراءات والتدابير الشاملة: رغم أن بعض الدول وصلت إلى ذروة تفشي "كوفيد 19" في مراحله الأولى وسجلت حالات مرتفعة من الإصابة، فإن الإجراءات التي أخذت بها موريتانيا لمكافحة انتشار "كوفيد 19" ساهمت في وضعه خلفها نتيجة استمرارها في تلك الإجراءات رغم ضعف منظومتها الصحية. وقد شملت المرحلة الأولى من هذه الإجراءات ما يتعلق بــ: (الحجر الصحي الشامل، غلق المحال التجارية وصالات العرض، حظر التجول، منع التجمع، غلق الحدود البرية والجوية داخليا وخارجيا، والتوقيف المؤقت للدراسة، وكذا الحث على تنفيذ إجراء التباعد الجسدي بما يراعي المسافة الجسدية الآمنة بين الأشخاص: مترين أو متر على الأقل، هذا مع تطبيق إجراءات الوقاية الصحية كارتداء الكمامات وغسل اليدين بالصابون وتعقيمهما، وكذا تجنب المصافحة بالأيدي وتعليق صلاة الجمعة في المساجد...).
- المرحلة الثانية: اعتمدت فيها الإجراءات الوقائية الخاصة إزاء مكافحة "فيروس كورونا كوفيد 19" التخفيف من حزمة الإجراءات الشاملة أو التدرج في التدابير الوقائية لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية ، وتخصيص صندوق طوارئ خاص بالتبرعات والإعانات لتقديمها في شكل مساعدات للمواطنين، مع زيادة فترات حظر التجول في مرحلتين عن الإجراء العادي الأول: (السادسة مساء حتى السادسة صباحا) ، بحيث انتقل في المرحلتين من: (التاسعة مساء إلى السادسة صباحا) ومن: (الساعة الحادي عشر ليلا إلى ساعات الصباح الأولى). هذا إلى جانب إجراءات أخرى تتعلق بفتح الأسواق والمطاعم ورفع تعليق صلاة الجمعة في المساجد مع الحفاظ على الإجراءات الوقائية واحترام مسافة التباعد الجسدي الآمن.
- المرحلة الثالثة: هي التي ستشمل رفع كامل للقيود والإجراءات الإحترزاية على مستوى المؤسسات العمومية والخاصة والعودة إلى الحياة الطبيعية.
المحور الثاني: شرعية تقييد الدول احترام التزاماتها في مجال حقوق الإنسان.
يمكن التمييز في مجال الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان بين الحقوق الفردية المطلقة والحقوق الجماعية المقيدة أو الخاضعة لأحكام التقييد. فبالنسبة للالتزامات الفردية المطلقة فهي لا تسمح للدولة بالتحفظ عليها، لأنها ترتبط بحقوق أساسية متأصلة في الكائن البشري كالحق في الحياة والحرية والسلامة الجسدية؛ وهذه الأصناف الثلاثة من حقوق الإنسان استثنتها المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية من أي تقييد تسببه الظروف الاستثنائية. لذلك فالفرد يتمتع بهذه الحقوق بصفته الإنسانية، وينحصر دور الدولة في هذا الإطار، في إعمال هذه الحقوق بدون أي قيد أو شرط وفي جميع الظروف، سواء في زمن السلم أو في فترة الحرب[16].
من جانب آخر تخضع مجموعة من الالتزامات المتعلقة بالمعايير الدولية للحريات العامة التي يمارسها الأفراد بشكل جماعي لأحكام التقييد، حيث تتمتع الدولة بسلطة وضع الشروط التي تقيد ممارسة هذه الحقوق داخل المجتمع، تحقيقا للحفاظ على النظام العام أو الأمن القومي أو الأخلاق العامة. فممارسة حرية التعبير والرأي وحرية التجمع وحرية التظاهر وتكوين الجمعيات تخضع للقيود والشروط المتعلقة بالنظام العام والأمن القومي، على أساس أن يكون منصوصا عليها في التشريع الوطني، حتى لا تترك أي مجال للسلطات العمومية للإساءة في تفسيرها أو تقييدها بشكل تعسفي[17].
كما يجوز للدول، أن تقيد احترام التزاماتها في مجال حقوق الإنسان، في حالة الطوارئ بسبب الحرب أو الاضطرابات، وفي هذه الحالة يشترط الامتثال لمجموعة من المعايير[18].
- يجب أن تكون حالة الطوارئ معلنة؛
- يجب إبلاغ التدابير المحددة لأحكام التقييد بمعاهدة دولية رسميا إلى المنظمات الدولية المختصة والدول الأطراف الأخرى؛
- لا يسمح بالتقيد إلا بالمقدار اللازم للحالة؛
- يجب إنهاء عدم التقيد بمجرد أن تسمح الحالة بذلك؛
- يجب عدم مساس الحقوق الخاضعة لعدم التقيد، مثل الحق في الحياة والحرية والسلامة الجسدية.
أولا: إعمال المعايير الدولية لحماية حقوق الإنسان إزاء "وباء كوفيد 19":
إن طبيعة المعايير الدولية الواردة في التشريع الدولي لحقوق الإنسان ، تقتضي أن تتخذ الدول مجموعة من التدابير والإجراءات الفعلية، لضمان الوفاء بتعهدها باحترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا، من خلال التنصيص عليها في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي للاجئين والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
إن الهدف من وضع معايير دولية لتطبيق حقوق الإنسان هو تأصيل فكرة كونية حقوق الإنسان وتجاوز قيود السيادة الوطنية، حيث تتعهد الدول أمام المجتمع الدولي، من خلال مصادقتها على مجموعة من المواثيق الدولية، على تعزيز واحترام مبادئ حقوق الإنسان والامتثال للمعايير الدولية لتحقيق المستوى المطلوب إنجازه، دون أي تحفظ، في مجال الحريات والحقوق الأساسية للكائن البشري. هذا وقد جاءت التزامات الدول الأطراف بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان على نحو يختلف إلى نوعين[22]:
- النوع الأول: التزامات السلوك:
- النوع الثاني: التزامات التنفيذ التدريجي:
ينصرف الالتزام بالتنفيذ التدريجي، إلى عدم تحقيق التمتع الفوري بطائفة من الحقوق في فترة زمنية محددة، لاستحالة ضمانها للأفراد بشكل سريع، ولارتباطها بالتدابير المتخذة من طرف الدولة، على المستوى الاجتماعي والاقتصادي. مما يجعل الاستفادة منها يطبعه التدرج والتأني كالحق في التنمية المستدامة والسكن اللائق والتغطية الصحية، وتعميم التربية والتعليم تماشيا مع أقصى ما تسمح به الموارد المتاحة للدولة[23].
ثانيا: نطاق تطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان:
إن الضوابط القانونية التي يتضمنها العهدين الدوليين تحولت إلى معايير ملزمة، بعدما تعهدت الدول بذلك، وعلى هذا النحو فإلزامية العهدين الدوليين قيدت سيادة الدول، وأخرجت حقوق الإنسان من مجال الإرادة السياسية للدولة، ووضعت حدا لتمتع الوحدات السياسية بالسيادة المطلقة داخل النسق الدولي المعاصر، على عكس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يحمل قيمة معنوية وأدبية نتيجة الشعور الجماعي بأهميته كمرجعية أخلاقية في مجال حقوق الإنسان.
إن تحديد القوة الإلزامية للمعايير الدولية المنصوص عليها في العهدين الدوليين يتأكد في مادتها الثانية، فمن جهة أولى تنص المادة الثانية للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن:
- تتعهد كل دولة طرف في العهد الدولي الحالي، احترام وتأمين الحقوق المقررة، لكافة الأفراد ضمن إقليمها والخاضعين لولايتها دون تمييز من أي نوع، سواء كان ذلك بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الرأي السياسي أو غيره أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو صفة الولادة أو غيرها[24].
- تتعهد كل دولة طرف في العهد الحالي عند غياب النص في إجراءاتها التشريعية أو غيرها من الإجراءات، باتخاذ الخطوات اللازمة، طبقا لقوانينها الدستورية ولنصوص العهد الحالي، من أجل وضع الإجراءات التشريعية أو غيرها اللازمة لتحقيق الحقوق المقررة في العهد الحال[25].
- تتعهد كل دولة طرف العهد الحالي:
ب – أن تكفل لكل من يطالب بمثل هذا العلاج، أن يفصل في حقه بواسطة السلطات المخصصة القضائية والإدارية أو التشريعية أو أيه سلطة أخرى مختصة، بموجب النظام القانوني للدولة وأن تطور إمكانات علاج القضائية؛
ج – أن تكفل قيام السلطات المختصة بوضع العلاج عند منحه موضع التنفيذ.
ومن جهة أخرى، فالمادة الثانية من للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تشير إلى تتعهد كل دولة في العهد الحالي أن تقوم منفردة، ومن خلال المساعدة والتعاون الدوليين، باتخاذ الخطوات الاقتصادية والفنية، ولأقضى ما سمح به مواردها المتوفرة، من أجل التوصل تدريجا للتحقيق الكامل للحقوق المعترف بها في العهد الحالي، بكافة الطرق المناسبة بما في ذلك على وجه الخصوص تبني الإجراءات التشريعية[26].
خاتمة:
إن التمتع الكامل بالحق في الصحة العامة باعتباره حق أساسي من الحقوق والحريات العامة لئن كان يقتضي تقييد بعض حقوق الإنسان في إطار مبدأ حماية النظام والأمن العامين. فإن حماية تلك الحقوق والحريات ترتبط دستوريا بدولة القانون ارتباطا وثيقا، حيث يعلو مبدأ سيادة القانون ويقوم نظام الحكم على أساس مبادئ الديمقراطية[27].
وبطبيعة الحال فإن قيام النظام السياسي على أساس الديمقراطية الحقة والتزامه بحقوق الإنسان نصا وروحا، وكفالته للحقوق والحريات هو إطار الحماية الدستورية الأساسي؛ إذ كانت حقوق الإنسان وحرياتُه محلاً لاهتمام جميع الشرائع ورجال الفكر والفلاسفة منذ أن وجدت البشرية على وجه المعمورة، أصبحت حماية تلك الحقوق والحريات من الأمور التي توليها الحكومات والأنظمة السياسية أهمية بالغة عبر عصور مختلفة، فقد ظهرت في هذا الإطار العديد من النظريات التي أخذت على عاتقها مسؤولية تفعيل آليات حماية حقوق الإنسان، كما طُرحت بهذا الصدد مسألة إيجاد الضمانات التي من شأنها أن تكفل التزام الدول باحترام تلك الحقوق والحريات العامة[28]، وذلك وفق وثيقة قانونية حظيت بإجماع دول العالم على تطبيق ذلك الالتزام سُميت بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي صادقت عليه بموجب قرارها رقم: 217، في 10 ديسمبر 1948م وتلتها فيما بعد الوثائق الحقوقية الدولية المُمثلة للشرعة الدولية لحقوق الإنسان، إذ لم تكتسب حقوق الإنسان طابعها القانوني والدولي إلا بعد صدور هذا الإعلان عن منظمة الأمم المتحدة، فكانت هذه الخطوة الهامة في تطبيق وتدوين حقوق الإنسان تعبيرا عن عصر التنظيم الدولي الجديد، الذي لم يتبلور بشكل فعال إلا بعد نشأة هيئة الأمم المتحدة عام 1945م.
وتأسيسا على ذلك فإن أي حديث عن حماية حقوق الإنسان أو تقييدها يبدو في سياقه العام مرتبطا بضرورة المواءمة بين التشريعات الوطنية ونطاق تطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان. إذ يتبين أن إدماج المعايير الدولية في القوانين الوطنية يشكل الخطوة الأولى نحو الالتزام بتعزيز وحماية حقوق الإنسان تكريسا لنص المادة: الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد تستطيع الهيئات الدولية والمؤسسات الوطنية تقديم المشورة إلى الحكومة بشأن التدابير الواجب اتخاذها للوفاء بالالتزامات الدولية، وذلك قصد إرساء خطة وطنية لتوفير الخدمات الاجتماعية والتغطية الصحية وتعميم التربية والتعليم وحماية الأسرة والطفولة وإدماج المعاقين والقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة وغير ذلك.
[1] - الدكتور: يوسف البحيري. حقوق الإنسان: "المعايير الدولية وآليات الرقابة". المطبعة والوراقة الوطنية الداوديات ، الطبعة الثانية: 2012 ، ص: 86.
[2] - أقرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بشأن طابع الالتزام القانوني للعهدين الدوليين في التعليق العام رقم: 31 بأن انتهاكات أية دولة طرف للحقوق المضمونة تستوجب اهتمام هذه الدول الأطراف.
[3] - الدكتور: يوسف البحيري. حقوق الإنسان: "المعايير الدولية وآليات الرقابة..............، مرجع سابق: ص: 88.
[4] - تتحمل الدولة بانضمامها بانضمامها إلى اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية ثلاث التزامات: أساسية هي: ( الاحترام والحماية والوفاء):
- التزام الاحترام : يعني أن الدولة ملزمة باحترام حقوق الإنسان ويستتبع هذا الالتزام حظر أي أفعال من جانب الحكومات قد تقوض التمتع بالحقوق، فبشأن إعمال الحق في التعليم على سبيل المثال، إن هذا الالتزام يستوجب على الحكومات أن تحترم كفالة تقديم التعليم الديني والأخلاقي للأطفال وفقا لمعتقداتهم.
- التزام الحماية: يتطلب التزام الحماية من الدول أن تحمي حقوق الأفراد من التجاوزات، مثالا على ذلك، يجب أن تحمي الدولة حق حقوق الأفراد من التجاوزات، مثالا على ذلك، مثالا على ذلك يجب تحمي الدولة حق الأطفال في التعليم من تدخل أطراف أخرى، بما في ذلك الآباء والأسرة. وتتمتع الدول بهامش عريض للتقدير في هذا الالتزام وعلى سبيل المثال فإن الحق في سلامة الشخص وأمنه يفرض على الدول مكافحة ظاهرة العنف المرأة والطفل.
- التزام الوفاء: تطالب الدول بموجب التزام الوفاء، باتخاذ إجراءات كفالة إمكانية ممارسة حقوق الإنسان، فالحق في التعليم مثلا يجب على الدولة أن توفر الطرق والوسائل لحصول الجميع على التعليم الأولي المجاني والإلزامي والتعليم الثانوي المجاني والتعليم العالي والتدريب المهني وتعليم الكبار ومحو الأمية. أنظر: دليل البرلمانيين في حقوق الإنسان، مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان والإتحاد البرلماني الدولي، جنيف، 2006.
- التزام الاحترام : يعني أن الدولة ملزمة باحترام حقوق الإنسان ويستتبع هذا الالتزام حظر أي أفعال من جانب الحكومات قد تقوض التمتع بالحقوق، فبشأن إعمال الحق في التعليم على سبيل المثال، إن هذا الالتزام يستوجب على الحكومات أن تحترم كفالة تقديم التعليم الديني والأخلاقي للأطفال وفقا لمعتقداتهم.
- التزام الحماية: يتطلب التزام الحماية من الدول أن تحمي حقوق الأفراد من التجاوزات، مثالا على ذلك، يجب أن تحمي الدولة حق حقوق الأفراد من التجاوزات، مثالا على ذلك، مثالا على ذلك يجب تحمي الدولة حق الأطفال في التعليم من تدخل أطراف أخرى، بما في ذلك الآباء والأسرة. وتتمتع الدول بهامش عريض للتقدير في هذا الالتزام وعلى سبيل المثال فإن الحق في سلامة الشخص وأمنه يفرض على الدول مكافحة ظاهرة العنف المرأة والطفل.
- التزام الوفاء: تطالب الدول بموجب التزام الوفاء، باتخاذ إجراءات كفالة إمكانية ممارسة حقوق الإنسان، فالحق في التعليم مثلا يجب على الدولة أن توفر الطرق والوسائل لحصول الجميع على التعليم الأولي المجاني والإلزامي والتعليم الثانوي المجاني والتعليم العالي والتدريب المهني وتعليم الكبار ومحو الأمية. أنظر: دليل البرلمانيين في حقوق الإنسان، مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان والإتحاد البرلماني الدولي، جنيف، 2006.
[5] - دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية ومشروعي القانونين الاستفتائيين. جمع وإعداد المديرية العامة للنشر ، يوليو 2017 ، ص: 26.
[6] - أنظر: المؤسسات السياسية والحريات العمومية في موريتانيا (مجموع أهم النصوص التشريعية والتنظيمية). جمع وإعداد: د/ محمد ولد سيديا ولد خباز ، د/ سيدي إبراهيم ولد محمد أحمد ، د/ سيدي محمد ولد حدمين ، د/ محمد الأمين ولد داهي. دار روائع مجد لاوي: 2003 ، ص: 208.
[7] - أنظر: المؤسسات السياسية والحريات العمومية في موريتانيا (مجموع أهم النصوص التشريعية والتنظيمية).............، مرجع سابق: ص: 2009.
[8] - تنص المادة: 5 من القانون رقم: القانون رقم: 73/009 المتعلق بحماية النظام على أنه: "يمكن للمرسوم المعلن لخالة الطوارئ وحسب ترتيبات صريحة أن:
- يُعطي لرؤساء الدوائر المذكورة في المادة: 3 السلطة للأمر بتفتيش المنازل في الليل وفي النهار؛
- يسمح بكل الإجراءات من إقامة الرقابة على المراسلات، وضمان مراقبة الصحافة والمنشورات، بجميع أنواعها، وكذلك بالراديو والعروض السينمائية والتمثيليات.
[9] - أحمد ادريشو: (القضاء وثقافة حقوق الإنسان "تأملات حول توظيف مفاهيم ومقتضيات القانون المدني بغرض ملاءمة القانون المغربي لحقوق الإنسان") ، دفاتر حقوق الإنسان . منشورات سلسلة المعرفة القانونية: مطبعة الأمنية بالرباط ، الطبعة الأولى: 1434 هـ / 2014م – ص: 118.
[10] - أحمد ادريشو: القضاء وثقافة حقوق الإنسان.............. ، مرجع سابق ، ص: (119 و 120).
[11] - التوصية رقم: 661/23 ماي 1970 – 184/ ص: 34 عن: دليل قرار جمعية الصحة العالمية والمجلس التنفيذي/ المجلد الأول 1972 – 1948 منظمة الصحة العالمية. جنيف 1973 – الطبعة العربية 1979.
[12] - يخضع فيه الأفراد للموافقة المسبقة من السلطة لممارسة حرياتهم. وينقسم بدوره إلى نوعين أو ثلاثة: (المنع ، الترخيص المسبق ، التأهيل)
[13] - يفترض هذا النوع من التنظيم ألا تتدخل السلطة مسبقا لممارسة الحرية وإنما تتدخل عندما يتجاوز الأفراد الحدود التي رسمها القانون لممارسة حرياتهم. وفي هذه الحالة تفرض السلطة العقاب على فاعل الجرم بعد حدوث الفعل وتسبب الضرر وهكذا تترك للمواطن حرية التصرف حسب رغباته شرط أن يتحمل نتائج أعماله عندما تكون متعارضة مع القانون.
[14] - هو نظام يفرض على أفراد أو مجموعة التقدم بإعلام السلطة مسبقا بممارسة نشاط أو حرية معينة. ويقترب هذا النظام في مضمونه من النظام العقابي عندما تقف السلطة من الإعلام المسبق موقفا سلبيا، يبقى عند حدود أخذ العلم به ، لا تستطيع السلطة أخذ العلم من منع ممارسة هذه الحرية أو الحد منها إلا عندما يترتب على ذلك إخلال بالأمن العام أو النظام في البلاد، كما يحدث مثلا بالنسبة لحرية التجمع والتظاهر. ويعتبر هذا الأسلوب وسطاً بين الأسلوبين الوقائي والعقابي؛ وهذا الإعلام ليس من أجل أخذ الترخيص أي أن الإدارة لا تملك منع أو رفض ممارسة هذا الحق، إذ هو مجرد الإعلام، وهذا ما يميزه عن الترخيص المسبق.
[15] أنظر: - المادة: 10 من الدستور الموريتاني: ويأتي في فقرتها الأخيرة: (لا تقيد الحرية إلا بقانون). دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية ومشروعي القانونين الاستفتائيين........ ، مرجع سابق، ص: 6.
[16] - الدكتور: يوسف البحيري. حقوق الإنسان: "المعايير الدولية وآليات الرقابة".................، مرجع سابق، ص: (89 ، 90).
[17] - الدكتور: يوسف البحيري. حقوق الإنسان: "المعايير الدولية وآليات الرقابة".......................، مرجع سابق، ص: (90).
[18] - أنظر: دليل البرلمانيين في حقوق الإنسان، مرجع سابق، ص: 23.
[19] - مصطفى الفلالي، حقوق الإنسان العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1999، ص: 264.
[20] - الالتزامات المتعلقة بتحريم الإعدام خارج القانون والتعذيب و الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري تكتسي طابع القاعدة الآمرة التي لا يجوز نقضها أو المساس بها ولا تسمح بممارسة أي سلطات واسعة تقديرية أو تفسيرية من طرف الدولة بشأن تطبيقها.
[21] - دعا الاتحاد الدولي للقضاء في اجتماعه المنعقد بمراكش في اكتوبر 2009 إلى العمل على تقنين التنصت وحماية الحياة الخاصة للأفراد واعتبار القضاء هو السلطة الوحيدة التي تأمر بالتنصت في حالة الضرورة المرتبطة بالحفاظ على الأمن العام.
[22] - الدكتور: يوسف البحيري. حقوق الإنسان: "المعايير الدولية وآليات الرقابة".................، مرجع سابق، ص: (90 ، 91).
[23] - ينطبق مبدأ الإعمال التدريجي على التزامات الدولة الإيجابية بالوفاء والحماية في مجال الصحة ليس في ضمان حق كل شخص في الصحة الجيدة، ولكن تلزم الدول، وفقا للقدرات الاقتصادية لكل منها وللتراث الاجتماعي والثقافي واحترام المعايير الدولية الدنيا، بإنشاء وتسيير نظام صحي عمومي يستطيع من ناحية المبدأ أن يضمن للجميع إمكانية الوصول إلى بعض الخدمات الصحية الأساسية.
[24] - أنظر: الدكتور: يوسف البحيري. حقوق الإنسان: "المعايير الدولية وآليات الرقابة"..................، مرجع سابق: ص: 95.
[25] - أن الدول الأطراف تلتزم بمبدأ نطاق الحماية الأوسع لحقوق الإنسان، فإذا كانت القوانين الوطنية تسمح بضمانات حمائية أفضل لبعض الحقوق الأساسية مقارنة مقارنة مع مقتضيات العهدين، فالأولوية تعطى للتشريعات الوطنية.
[26] أنظر: الدكتور: يوسف البحيري. حقوق الإنسان: "المعايير الدولية وآليات الرقابة"..................، مرجع سابق: ص: 96.
[27] - أنظر: فتحى سرور. الحماية الدستورية للحقوق والحريات، دار الشروق ، الطبعة الثانية: ص: 14.
[28] - راجع مقدمة أطروحتنا للدكتوراه في القانون العام حول موضوع: "الحماية الدستورية لحقوق الإنسان في موريتانيا (الأسس والآفاق) دراسة مقارنة. نوقشت في يوم الخميس 23 نوفمبر 2017 في جامعة عبد المالك السعدي بطنجة ، السنة الجامعية: 2017 – 2018. ص: 3.