في إطار الإجراءات الاحترازية من أجل التصدي لتداعيات فيروس Covid19، ونظرا للظرفية الاستعجالية وغياب انعقاد البرلمان، اتخذت الحكومة تطبيقا للفصل 81 من الدستور مرسوما بقانون بتاريخ 07 أبريل 2020 يعدل المادة 43 من قانون المالية لسنة 2020، وهي تقنية تسمح للحكومة في البلدان التي تعقد برلماناتها دورتين في السنة، بواسطة مراسيم قوانين (أي مراسيم تحمل قوانين) من اتخاذ تدابير تدخل ضمن مجال القانون شريطة عرضها على البرلمان بقصد المصادقة عليها في الدورة الموالية.
- ما لم تفعله المحكمة-
يتمثل التساؤل القانوني المطروح أساسا في مدى جواز تعديل الحكومة لمادة من قانون المالية بواسطة مرسوم بقانون؟
وبالرغم من كون هذا التساؤل تمت إثارته في مذكرة الطعن، فإن المحكمة الدستورية اعتبرت في قرارها أنه لا وجوب لمعالجتة، وذلك بالرغم انه تساؤل لا لزوم لإثارته في مذكرة الإحالة، لكون النازلة لا تتعلق بدعوى بين طرفين، حيث أن القاضي الدستوري لا تحكمه قاعدة البت في حدود طلبات أطراف النزاع.
إن التحجج على بعض مقتضيات النص موضوع الرقابة لا يحد من اختصاص القاضي الدستوري من فحص النص برمته، فأطراف الإحالة يمكنها إحالة النص على المحكمة الدستورية من أجل الرقابة الدستورية من غير إثارة أي دفع في مذكرة الإحالة، والمحكمة الدستورية تكون ملزمة بفحص النص القانوني مع المرسوم بقانون موضوع المصادقة، وهو الشيء الذي لم تفعله المحكمة الدستورية.
إن بلادنا كباقي دول العالم تعيش لحظة مهمة من تاريخها، والقانون يجب أن يتسق مع التأويل الذي يعطيه القاضي الدستوري للنص القانوني. فبمناسبة الطعن، وبالرغم من عدم مطالبة الموقعين على الإحالة بذلك (وهو الأمر الذي ينتفي في نازلة الحال)فإن القاضي الدستوري ملزم بفحص دستورية ومعالجة كل الأسئلة الدستورية الممكن إثارتها، فالنص يجب فحصه على ضوء التدقيق القانوني خصوصا عندما لا ينص هذا النص سوى على مادتين.
- اختصار جد مختصر-
عند نشر قرار المحكمة الدستورية، فإن القاضي الدستوري يفترض فيه أنه راقب النص برمته، فحينما لا يثير أي مسألة، فإن هذا يعني أن القانون موضوع الرقابة متسق مع الدستور، ولو تضمن هذا القانون خللا وإن كان غير مرتبط بظروف الأزمة فإنه يمكن الاستمرار بنفس التوجه حتى في الظروف العادية، فقرارات المحكمة الدستورية ملزمة لكل السلطات العمومية والإدارية والقضائية، ولا يمكن الطعن فيها!
إن القانون ينص على أن "قوانين المالية لا يمكن تعديلها خلال السنة إلا بواسطة قوانين تعديلية للمالية"، فقانون المالية التعديلي شأنه شأن قانون المالية يخضع للمسطرة القانونية نفسها المنصوص عليها في المادة 46 وما بعدها من القانون التنظيمي لقانون المالية.
ونظرا للظروف الاستعجالية، فإن الحكومة اختصرت الطريق بواسطة مرسوم بقانون من أجل تجاوز سقف التمويلات الخارجية، وعلاقة بهذا فإن المحكمة الدستورية ملزمة عبر تعليل رصين وحكيم إما أن تصرح بدستورية أو عدم دستورية النص موضوع الرقابة وفي كل الأحوال فإن هذه النقطة تثير الشك.
- مرور الحكومة بالبرلمان؟-
إن المشكل يكمن في صمت المحكمة الدستورية وذلك بدعوى أن النص موضوع الرقابة لا يتكون سوى من جملة واحدة (مادة فريدة)، ولا يتضمن أي نقطة يمكن إثارتها، ومن غير مراقبتها لمضمون ومحتوى المرسوم بقانون تكون المحكمة بذلك قد قبلت ضمنيا إمكانية تعديل الحكومة لقانون المالية دون اللجوء إلى قانون تعديلي للمالية ! فالمحكمة الدستورية قد أضفت وصف الدستورية حتى على المقتضيات التي لم تخضعها للمراقبة.
وفي هذا الإطار، فإن المحكمة الدستورية كان عليها ألا تتجاهل وباء Covid19، بحيث إمكانية الحكومة التحرك في إطار الاستعجال والمصلحة العامة، وهو نفس المبدأ الذي تم تكريسه من طرف المجلس الدستوري سابقا بخصوص الإعفاءات بأثر رجعي للقانون (قرار مؤرخ في 31 دجنبر 2001 المتعلق بقانون المالية لسنة 2002).