مقدمة:
المسؤولية الإدارية أداة تقنية تلزم الأشخاص العموميون بتحمل مسؤولية أعمالهم وتصرفاتهم التي تتولد عنها أضرار ينبغي تعويضها[1].
ويمكن تحريك المسؤولية الإدارية إذا ما أثبت الضحية وجود خطأ [2] ، ومفهوم الخطأ هو، بشكل عام ، مفهوم غامض ، غير انه يمكن تعريفه على انه:" كل إخلال بالتزام سابق "[3]. علاوة على ذلك ، فإنه ، في القانون الإداري ليس له معنى واحد. إذ تتعدد التكيفات المعطاة لأنواع الخطأ في القانون الإداري. وقد درج القضاء الاداري على التمييز بين الخطأ الجسيم والخطأ البسيط و بين الخطأ العمدي والخطأ غير العمدي و بين الخطأ الواجب إثباته والخطأ المفترض وأخيرا بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي ( وهو الذي يهم هنا) هذا الأخير "هو الخطأ الذي ينسب إلى الموظف الذي يكون قد قام بأعمال لا تمت بمصلحة المرفق بأي صلة، ونتجت عنها أضرار للغير فيكون ملزما يجبر الضرر من ماله الخاص لكونه هو الفاعل[4]".
تميزت المسؤولية الادارية بنظام حديث وسريع التطور ، لم ينشأ إلا في اخر القرن التاسع عشر وكان للقضاء الفضل في تطويره وإثرائه. فلم يكن يعترف في أول الأمر بمسؤولية السلطة العامة، وذلك استنادا إلى أن مساءلة الدولة ومقاضاتها وإلزامها بالتعويض أمر يتنافى مع سيادتها ، إلى أن نشأ هذا النظام خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، واتسعت المسؤولية لتشمل الاعمال الضارة للإدارة. ويعتبر حكم ” بلانكو ” Blanco ”الصادر من محكمة التنازع بتاريخ 8 فبراير 1873حكماً فاصلاً، حيث أقر مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تلحق الأفراد بسبب تصرفات الأشخاص الذين تستخدمهم في المرفق العام[5] .
في الوقت الراهن يبدو لنا أن وجود مسؤولية السلطة العامة أمر طبيعي، إذ يتوجب على أشخاص القانون العام، على غرار الأشخاص العاديين، أن يسألوا عن تصرفاتهم ويعوضوا ضحايا الأضرار التي يتسببون فيها[6].
بالإضافة إلى ذلك عرفت نظرية الخطأ في المسؤولية الإدارية تطورا ملحوظا وإيجابيا بالنسبة للدفاع عن حقوق الضحايا وظهر هذا التطور أثناء مراحل عملية التمييز التي قام بها القضاء الإداري بين الخطأ المرفقي الذي تسأل عنه الإدارة و الخطأ الشخصي الذي يسأل عنه الموظف ويتحمل التعويض من ماله الخاص.
لم يتم تقرير مسؤولية الموظف العمومي إلا مع إعلان حقوق الإنسان والمواطن بتاريخ 26 اوت 1789 على إثر الثورة الفرنسية فقد نصت المادة 15 منه على أنه: " يحق للمجتمع مساءلة أي موظف في إدارات الدولة "، هذه المادة كان من شانها أن تعترف بالمسؤولية الشخصية للموظف، ولكن آنذاك أعطي لها تفسيرا ضيقا، وتم فهمها على أنها مسؤولية سياسية للمسؤولين، وأن مسؤولية الموظف هي مسؤولية تأديبية فقط [7]. و لكن بعد ذلك تم الاعتراف بمسؤولية الموظف العمومي مع صدور قرار [8]Pelletier" بتاريخ 19 شتنبر 1870 الذي يعد قرارا "مبدئيا في هذا الشأن، حيث جاء "بمفهوم جديد لمسؤولية الموظف". إذ ميز بين الخطأ الشخصي الذي يتحمل الموظف بسببه مسؤوليته شخصيا أمام القضاء العادي ، وبين الخطأ المرفقي الذي تتحمل بسببه الإدارة مسؤوليتها أمام القضاء الإداري.
في المغرب فإن الوضع يختلف تماما بحيث ترجع البوادر الأولى للمسؤولية الإدارية، في شكل نصوص قانونية ، حيث يستنتج نظام المسؤولية الادارية عن الخطأ الشخصي للموظف من خلال الفصل80 من قانون الالتزامات والعقود حيث جاء فيه على :"أن مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم".
يكتسي الموضوع اهمية بالغة بالنظر إلى انه موضوع متجدد باستمرار لم يتوقف ابدا عن التطور والتحول إذ تحول من نظام لعدم الجمع بين المسؤوليات الى نظام للجمع بينها رغم النص الصريح في هذا الصدد ومن نظام لحماية الضحايا إلى نظام لحماية الموظفين العموميين المسؤولين عن الخطأ. وهو ما أدى الى فشل نظام المسؤولية الشخصية للموظفين العموميين برمته.
وتهدف هذه الدراسة إلى ضبط هذه التحولات من خلال رصد المبادئ الضابطة للنظام الحالي للمسؤولية الشخصية للموظفين العموميين والانحرافات التي عرفها من خلال توضيح نقاط ضعفه و الكشف عن مظاهر واسباب فشله . فإذا كان القاضي الاداري المغربي قد تبنى نظرية الجمع بين المسؤولية المرفقية والمسؤولية الشخصية للموظف العمومي من أجل حماية للضحايا إلا ان هذه النظرية انحرفت عن اهدافها الحقيقية والمعلنة واصبحت وسيلة لحماية الموظفين المخطئين ، إذ ان قيام الدولة بتغطية الاضرار التي تسبب فيها موظفيها في حالة عسرهم سيكون من نتائجه الخفية وغير المعلنة هو توفير حصانة لهؤلاء الموظفين في ممارستهم لوظائفه والى افلاتهم من العقاب ،كما تهدف الدراسة و تقديم بعض الحلول لتجاوز اوضع حد لإحساس الموظفين العموميين من الافلات من العقاب وحماية الاموال العمومية.
وبناء عليه ، فإن الموضوع يتمحور حول الاشكالية التالية : هل الضمانات الصريحة التي يوفرها البناء القضائي للنظام القانوني للمسؤولية الادارية عن الاخطاء الشخصية للموظفين العموميين هي ضمانات لصالح الضحية ام انها في الحقيقة تتجه وبشكل متناقض إلى ضمان حماية ضمنية للموظف وذلك على خلاف أهدافها المعلنة؟
لدراسة هذه الاشكالية سيتم الاعتماد على المنهج الوصفي قصد إبراز مختلف القواعد الضابطة للمسؤولية الادارية للموظفين العموميين عن أخطائهم الشخصية، و المنهج التحليلي بهدف تفكيك عناصر الموضوع و تحليل النصوص القانونية على ضوء آراء الفقه . بالإضافة إلى دراسة مجموعة من الاحكام والقرارات القضائية في هذا المجال من خلال تحليل مضمونها والتعليق عليها ، وعرض بعض الحلول المقترحة لتجاوز فشل النظام الحالي للمسؤولية الادارية للموظفين العموميين عن اخطائهم الشخصية .
من أجل ذلك سيتم التطرق في المطلب الاول المسؤولية الادارية عن الخطأ الشخصي من قاعدة التنافي إلى قاعدة الجمع بينما يتناول المطلب الثاني لنظام الجمــــع بين المسؤوليات من حماية ضحايا الأخطاء الشخصية إلى حماية الموظفين . وذلك وفق التصميم الآتي:
المطلب الاول: المسؤولية الادارية عن الخطأ الشخصي: من قاعدة التنافي إلى قاعدة الجمع
المطلب الثاني: المسؤولية الادارية عن الخطأ الشخصي: من حماية الضحية إلى حماية الموظف
المطلب الاول: نصوص تشريعية واضحة واجتهادات قضائية متناقضة
أكد المشرع المغربي وبشكل صريح على قاعدة عدم جواز الجمع بين مسؤولية الموظف العمومي وبين مسؤولية الدولة ، فالخطأ إما أن يكون خطأ مرفقيا، يسأل عنه الشخص العام، وإما أن يكون خطأ شخصيا لا يرتب سوى مسؤولية الموظف الذي صدر عنه دون مسؤولية الدولة ، غير ان القضاء الاداري المغربي إذا كان قد أكد بدوره على هذه القاعدة وأخذ بفكرة التمييز بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي . إلا أنه وفي أحكام و قرارات قضائية اخرى أعطى طبيعة مختلفة للعلاقة بين الخطأين بتبنيه لنظرية الجمع بين المسؤوليات، فأحيانا يعتبر العلاقات بين الخطأين علاقة تضاد واحينا اخرى يعتبرها علاقة توافق .
الفرع الاول: قاعدة تنافي المسؤوليات: قاعدة تشريعية صريحة
أقر المشرع المغربي مبدأ التنافي بين المسؤوليتين الإدارية والشخصية، حيث ان المسؤولية إما ان تكون إدارية او شخصية. وهو ما يظهر من الفصيل 79 و80 من قانون الالتزامات والعقود[9].
ينص الفصل 79 منه على أن" الدولة و البلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها".
بينما نص الفصل 80 على أن "مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم ولا تجوز مطالبة الدولة و البلديات بسبب هذه الأضرار إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها ".
من خلال هذين الفصلين، يتبين أن المشرع حمل الدولة المسؤولية عن أخطائها المرفقية، فيما حمل الموظفين والاعوان العموميين المسؤولية عن أخطائهم الشخصية .
ففي حالة ارتكاب الموظف أعمال التدليس، أو كان الخطأ المرتكب جسيما فإن الامر يستوجب على المتضرر رفع دعوى التعويض امام المحاكم العادية ضد الموظف المرتكب الخطأ الشخصي، وفي حالة ثبوت اعساره تتدخل الإدارة لأداء التعويض وهنا يجب رفع الدعوى أمام المحاكم الإدارية. فالجمع بين المسؤولية الشخصية للموظف والمسؤولية الإدارية للمرفق العام إذن هو أمر محظور بموجب مقتضيات الفصل 80 من قانون الالتزامات والعقود، و لا يمكن مطالبة المرفق إلا في حالة إعسار الطبيب مرتكب الخطأ.
فإذا كان الخطأ الشخصي هو السبب الوحيد في الضرر، فإن الموظف هو الذي تتم إدانته لوحده دون الإدارة ، وعلى المتضرر أن يحاول أولا الحصول على التنفيذ في مواجهة الموظف المخطئ ولا يمكنه ان يرفع دعوى التعويض ضد الإدارة إلا في حالة إعساره . وهو ما نص عليه الفصل 80 من قانون الالتزامات والعقود :"...لا تجوز مطالبة الدولة و البلديات بسبب هذه الأضرار إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها...". لذلك فمسؤولية الإدارة لا تثار إلا بصورة احتياطية وعند ثبوت عسر الموظف.
وعليه ، فإن دعوى التعويض التي يمكن رفعها على الإدارة للحصول على تعويض هي من قبيل الدعاوي الاحتياطية التي لا يمكن قبولها إلا بعد أن توجه الدعوى ضد الموظف ويثبت اعساره بتقديم محضر عدم وجود ما يحجز. كما ينبغي الاشارة إلى أن حلول الدولة محل الموظف في أداء التعويض هو حلول مؤقت إذ يمكن للإدارة أن ترجع على الموظف لاسترجاع ما دفعته من تعويض عن خطئه الشخصي[10].
وقد طبق القاضي الاداري المغربي [11] منذ امد بعيد نظام عدم الجمع بين المسؤوليتين، فالمسؤولية إما أن تكون هناك مسؤولية إدارية وإما أن تكون مسؤولية شخصية وفي هذه الحالة الأخيرة لا يمكن مطالبة الجماعات العمومية إلا في حالة إعسار الموظف المسؤول.
الفرع الثاني : قبول الاجتهاد القضائي الاداري المغربي لقاعدة الجمع المسؤوليات : تجاهل واضح لنص صريح و توسع غير مقبول
إذا كان القاضي الاداري المغربي قد طبق منذ أمد بعيد بدقة أحكام المواد 79 و80 من قانون الالتزامات والعقود للتفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي وبالتالي قاعدة عدم الجمع بين المسؤوليات فإنه وبشكل مناقض تماما قد أقر في بعض الاحكام الاخرى مبدأ الجمع بين المسؤوليتين بسبب الخطأ الشخصي لوحده او بسبب ارتكابه داخل المرفق العام باعتبار ان الإدارة مسؤولة عن الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي وتنبع مسؤوليتها عن الخطأ الشخصي من اعتباره وقع داخل المرفق العام وبحكم اهمال الادارة للدور المنوط بها للإشراف ومراقبة الموظف.
المسؤولية الإدارية أداة تقنية تلزم الأشخاص العموميون بتحمل مسؤولية أعمالهم وتصرفاتهم التي تتولد عنها أضرار ينبغي تعويضها[1].
ويمكن تحريك المسؤولية الإدارية إذا ما أثبت الضحية وجود خطأ [2] ، ومفهوم الخطأ هو، بشكل عام ، مفهوم غامض ، غير انه يمكن تعريفه على انه:" كل إخلال بالتزام سابق "[3]. علاوة على ذلك ، فإنه ، في القانون الإداري ليس له معنى واحد. إذ تتعدد التكيفات المعطاة لأنواع الخطأ في القانون الإداري. وقد درج القضاء الاداري على التمييز بين الخطأ الجسيم والخطأ البسيط و بين الخطأ العمدي والخطأ غير العمدي و بين الخطأ الواجب إثباته والخطأ المفترض وأخيرا بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي ( وهو الذي يهم هنا) هذا الأخير "هو الخطأ الذي ينسب إلى الموظف الذي يكون قد قام بأعمال لا تمت بمصلحة المرفق بأي صلة، ونتجت عنها أضرار للغير فيكون ملزما يجبر الضرر من ماله الخاص لكونه هو الفاعل[4]".
تميزت المسؤولية الادارية بنظام حديث وسريع التطور ، لم ينشأ إلا في اخر القرن التاسع عشر وكان للقضاء الفضل في تطويره وإثرائه. فلم يكن يعترف في أول الأمر بمسؤولية السلطة العامة، وذلك استنادا إلى أن مساءلة الدولة ومقاضاتها وإلزامها بالتعويض أمر يتنافى مع سيادتها ، إلى أن نشأ هذا النظام خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، واتسعت المسؤولية لتشمل الاعمال الضارة للإدارة. ويعتبر حكم ” بلانكو ” Blanco ”الصادر من محكمة التنازع بتاريخ 8 فبراير 1873حكماً فاصلاً، حيث أقر مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تلحق الأفراد بسبب تصرفات الأشخاص الذين تستخدمهم في المرفق العام[5] .
في الوقت الراهن يبدو لنا أن وجود مسؤولية السلطة العامة أمر طبيعي، إذ يتوجب على أشخاص القانون العام، على غرار الأشخاص العاديين، أن يسألوا عن تصرفاتهم ويعوضوا ضحايا الأضرار التي يتسببون فيها[6].
بالإضافة إلى ذلك عرفت نظرية الخطأ في المسؤولية الإدارية تطورا ملحوظا وإيجابيا بالنسبة للدفاع عن حقوق الضحايا وظهر هذا التطور أثناء مراحل عملية التمييز التي قام بها القضاء الإداري بين الخطأ المرفقي الذي تسأل عنه الإدارة و الخطأ الشخصي الذي يسأل عنه الموظف ويتحمل التعويض من ماله الخاص.
لم يتم تقرير مسؤولية الموظف العمومي إلا مع إعلان حقوق الإنسان والمواطن بتاريخ 26 اوت 1789 على إثر الثورة الفرنسية فقد نصت المادة 15 منه على أنه: " يحق للمجتمع مساءلة أي موظف في إدارات الدولة "، هذه المادة كان من شانها أن تعترف بالمسؤولية الشخصية للموظف، ولكن آنذاك أعطي لها تفسيرا ضيقا، وتم فهمها على أنها مسؤولية سياسية للمسؤولين، وأن مسؤولية الموظف هي مسؤولية تأديبية فقط [7]. و لكن بعد ذلك تم الاعتراف بمسؤولية الموظف العمومي مع صدور قرار [8]Pelletier" بتاريخ 19 شتنبر 1870 الذي يعد قرارا "مبدئيا في هذا الشأن، حيث جاء "بمفهوم جديد لمسؤولية الموظف". إذ ميز بين الخطأ الشخصي الذي يتحمل الموظف بسببه مسؤوليته شخصيا أمام القضاء العادي ، وبين الخطأ المرفقي الذي تتحمل بسببه الإدارة مسؤوليتها أمام القضاء الإداري.
في المغرب فإن الوضع يختلف تماما بحيث ترجع البوادر الأولى للمسؤولية الإدارية، في شكل نصوص قانونية ، حيث يستنتج نظام المسؤولية الادارية عن الخطأ الشخصي للموظف من خلال الفصل80 من قانون الالتزامات والعقود حيث جاء فيه على :"أن مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم".
يكتسي الموضوع اهمية بالغة بالنظر إلى انه موضوع متجدد باستمرار لم يتوقف ابدا عن التطور والتحول إذ تحول من نظام لعدم الجمع بين المسؤوليات الى نظام للجمع بينها رغم النص الصريح في هذا الصدد ومن نظام لحماية الضحايا إلى نظام لحماية الموظفين العموميين المسؤولين عن الخطأ. وهو ما أدى الى فشل نظام المسؤولية الشخصية للموظفين العموميين برمته.
وتهدف هذه الدراسة إلى ضبط هذه التحولات من خلال رصد المبادئ الضابطة للنظام الحالي للمسؤولية الشخصية للموظفين العموميين والانحرافات التي عرفها من خلال توضيح نقاط ضعفه و الكشف عن مظاهر واسباب فشله . فإذا كان القاضي الاداري المغربي قد تبنى نظرية الجمع بين المسؤولية المرفقية والمسؤولية الشخصية للموظف العمومي من أجل حماية للضحايا إلا ان هذه النظرية انحرفت عن اهدافها الحقيقية والمعلنة واصبحت وسيلة لحماية الموظفين المخطئين ، إذ ان قيام الدولة بتغطية الاضرار التي تسبب فيها موظفيها في حالة عسرهم سيكون من نتائجه الخفية وغير المعلنة هو توفير حصانة لهؤلاء الموظفين في ممارستهم لوظائفه والى افلاتهم من العقاب ،كما تهدف الدراسة و تقديم بعض الحلول لتجاوز اوضع حد لإحساس الموظفين العموميين من الافلات من العقاب وحماية الاموال العمومية.
وبناء عليه ، فإن الموضوع يتمحور حول الاشكالية التالية : هل الضمانات الصريحة التي يوفرها البناء القضائي للنظام القانوني للمسؤولية الادارية عن الاخطاء الشخصية للموظفين العموميين هي ضمانات لصالح الضحية ام انها في الحقيقة تتجه وبشكل متناقض إلى ضمان حماية ضمنية للموظف وذلك على خلاف أهدافها المعلنة؟
لدراسة هذه الاشكالية سيتم الاعتماد على المنهج الوصفي قصد إبراز مختلف القواعد الضابطة للمسؤولية الادارية للموظفين العموميين عن أخطائهم الشخصية، و المنهج التحليلي بهدف تفكيك عناصر الموضوع و تحليل النصوص القانونية على ضوء آراء الفقه . بالإضافة إلى دراسة مجموعة من الاحكام والقرارات القضائية في هذا المجال من خلال تحليل مضمونها والتعليق عليها ، وعرض بعض الحلول المقترحة لتجاوز فشل النظام الحالي للمسؤولية الادارية للموظفين العموميين عن اخطائهم الشخصية .
من أجل ذلك سيتم التطرق في المطلب الاول المسؤولية الادارية عن الخطأ الشخصي من قاعدة التنافي إلى قاعدة الجمع بينما يتناول المطلب الثاني لنظام الجمــــع بين المسؤوليات من حماية ضحايا الأخطاء الشخصية إلى حماية الموظفين . وذلك وفق التصميم الآتي:
المطلب الاول: المسؤولية الادارية عن الخطأ الشخصي: من قاعدة التنافي إلى قاعدة الجمع
المطلب الثاني: المسؤولية الادارية عن الخطأ الشخصي: من حماية الضحية إلى حماية الموظف
المطلب الاول: نصوص تشريعية واضحة واجتهادات قضائية متناقضة
أكد المشرع المغربي وبشكل صريح على قاعدة عدم جواز الجمع بين مسؤولية الموظف العمومي وبين مسؤولية الدولة ، فالخطأ إما أن يكون خطأ مرفقيا، يسأل عنه الشخص العام، وإما أن يكون خطأ شخصيا لا يرتب سوى مسؤولية الموظف الذي صدر عنه دون مسؤولية الدولة ، غير ان القضاء الاداري المغربي إذا كان قد أكد بدوره على هذه القاعدة وأخذ بفكرة التمييز بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي . إلا أنه وفي أحكام و قرارات قضائية اخرى أعطى طبيعة مختلفة للعلاقة بين الخطأين بتبنيه لنظرية الجمع بين المسؤوليات، فأحيانا يعتبر العلاقات بين الخطأين علاقة تضاد واحينا اخرى يعتبرها علاقة توافق .
الفرع الاول: قاعدة تنافي المسؤوليات: قاعدة تشريعية صريحة
أقر المشرع المغربي مبدأ التنافي بين المسؤوليتين الإدارية والشخصية، حيث ان المسؤولية إما ان تكون إدارية او شخصية. وهو ما يظهر من الفصيل 79 و80 من قانون الالتزامات والعقود[9].
ينص الفصل 79 منه على أن" الدولة و البلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها".
بينما نص الفصل 80 على أن "مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم ولا تجوز مطالبة الدولة و البلديات بسبب هذه الأضرار إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها ".
من خلال هذين الفصلين، يتبين أن المشرع حمل الدولة المسؤولية عن أخطائها المرفقية، فيما حمل الموظفين والاعوان العموميين المسؤولية عن أخطائهم الشخصية .
ففي حالة ارتكاب الموظف أعمال التدليس، أو كان الخطأ المرتكب جسيما فإن الامر يستوجب على المتضرر رفع دعوى التعويض امام المحاكم العادية ضد الموظف المرتكب الخطأ الشخصي، وفي حالة ثبوت اعساره تتدخل الإدارة لأداء التعويض وهنا يجب رفع الدعوى أمام المحاكم الإدارية. فالجمع بين المسؤولية الشخصية للموظف والمسؤولية الإدارية للمرفق العام إذن هو أمر محظور بموجب مقتضيات الفصل 80 من قانون الالتزامات والعقود، و لا يمكن مطالبة المرفق إلا في حالة إعسار الطبيب مرتكب الخطأ.
فإذا كان الخطأ الشخصي هو السبب الوحيد في الضرر، فإن الموظف هو الذي تتم إدانته لوحده دون الإدارة ، وعلى المتضرر أن يحاول أولا الحصول على التنفيذ في مواجهة الموظف المخطئ ولا يمكنه ان يرفع دعوى التعويض ضد الإدارة إلا في حالة إعساره . وهو ما نص عليه الفصل 80 من قانون الالتزامات والعقود :"...لا تجوز مطالبة الدولة و البلديات بسبب هذه الأضرار إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها...". لذلك فمسؤولية الإدارة لا تثار إلا بصورة احتياطية وعند ثبوت عسر الموظف.
وعليه ، فإن دعوى التعويض التي يمكن رفعها على الإدارة للحصول على تعويض هي من قبيل الدعاوي الاحتياطية التي لا يمكن قبولها إلا بعد أن توجه الدعوى ضد الموظف ويثبت اعساره بتقديم محضر عدم وجود ما يحجز. كما ينبغي الاشارة إلى أن حلول الدولة محل الموظف في أداء التعويض هو حلول مؤقت إذ يمكن للإدارة أن ترجع على الموظف لاسترجاع ما دفعته من تعويض عن خطئه الشخصي[10].
وقد طبق القاضي الاداري المغربي [11] منذ امد بعيد نظام عدم الجمع بين المسؤوليتين، فالمسؤولية إما أن تكون هناك مسؤولية إدارية وإما أن تكون مسؤولية شخصية وفي هذه الحالة الأخيرة لا يمكن مطالبة الجماعات العمومية إلا في حالة إعسار الموظف المسؤول.
الفرع الثاني : قبول الاجتهاد القضائي الاداري المغربي لقاعدة الجمع المسؤوليات : تجاهل واضح لنص صريح و توسع غير مقبول
إذا كان القاضي الاداري المغربي قد طبق منذ أمد بعيد بدقة أحكام المواد 79 و80 من قانون الالتزامات والعقود للتفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي وبالتالي قاعدة عدم الجمع بين المسؤوليات فإنه وبشكل مناقض تماما قد أقر في بعض الاحكام الاخرى مبدأ الجمع بين المسؤوليتين بسبب الخطأ الشخصي لوحده او بسبب ارتكابه داخل المرفق العام باعتبار ان الإدارة مسؤولة عن الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي وتنبع مسؤوليتها عن الخطأ الشخصي من اعتباره وقع داخل المرفق العام وبحكم اهمال الادارة للدور المنوط بها للإشراف ومراقبة الموظف.
.سليمان محمد الطماوي، القضاء الإداري، الكتاب الثاني، قضاء التعويض وطرق الطعن في الأحكام، دار الفكر العربي، ص.118-119.[1]
- يمكن ايضا تحريك المسؤولية الادارية في غياب أي خطا وهو ما يسمى نظرية المخاطر أو المسؤولية بدون خطأ. [2]
[3] - Jean-Pierre Dubois, La responsabilité administrative, Collection Approches, CASBAH Editions, Alger, 1998- Editions La découverte, Paris 1996, P51..
[4] -عبد الله حداد، تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي، الطبعة 2002، ص. 182.
[5]- Yves GAUDEMET, Traité de droit administratif, Tome1, Droit administratif général, 16e édition, L.G.D.J, Paris, 2001, P. 801.
- ميشال روسي، المنازعات الادارية بالمغرب، ترجمة محمد هيري و الجيلالي أمزيد ،مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط2002،ص.175.[6]
[7] - jean- pierre DUBOIS, faute des agents et responsabilité administrative, répertoire de la responsabilité d publique, encyclopédie DALLOZ, page 14..
[8] - T.C, 30/07/1873, "PELLETIER", G.A.J.A, P 9 et 10
تتلخص وقائع هذه القضية في أنه: "بموجب السلطة المستمدة من حالة الحصار صادرت السلطة العسكرية أول عدد صحيفة أصدرها "بيليتييه"، فرفع هذا الأخير دعوى ضد كل من قائد المنطقة العسكرية ومحافظ L’oise ومحافظ الشرطة أمام المحكمة المدنية لإلغاء عملية المصادرة، والأمر بإرجاع نسخ الصحف المحجوزة، وتعويض الأضرار الناجمة عن هذا التصرف، استأنف المحافظ هذا الحكم أمام محكمة التنازع التي قررت أنه في القضية المطروحة أمامها فإن الخطأ المرتكب من طرف السلطات الإدارية هو خطأ مرفقي يؤدي إلى عقد اختصاص القضاء الإداري وليس خطأ شخصيا.
تتلخص وقائع هذه القضية في أنه: "بموجب السلطة المستمدة من حالة الحصار صادرت السلطة العسكرية أول عدد صحيفة أصدرها "بيليتييه"، فرفع هذا الأخير دعوى ضد كل من قائد المنطقة العسكرية ومحافظ L’oise ومحافظ الشرطة أمام المحكمة المدنية لإلغاء عملية المصادرة، والأمر بإرجاع نسخ الصحف المحجوزة، وتعويض الأضرار الناجمة عن هذا التصرف، استأنف المحافظ هذا الحكم أمام محكمة التنازع التي قررت أنه في القضية المطروحة أمامها فإن الخطأ المرتكب من طرف السلطات الإدارية هو خطأ مرفقي يؤدي إلى عقد اختصاص القضاء الإداري وليس خطأ شخصيا.
[9] - ظهير 12 غشت 1913 المكون لقانون الالتزامات والعقود المغربي المنشور بالجريدة الرسمية في نسختها الفرنسية عدد 46 ص 76، كما غير وتمم ظهير الشريف رقم 1.07.129 الصادر بتاريخ 30/11/2007 –ج.ر عدد 5584 المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 06 دجنبر 2007 ص 3379.
[10] ـ ميشال روسي، مرجع سابق،ص.219.
[11] - نذكر على سبيل المثال :
1-الحكم صادر عن المحكمة الابتدائية بتازة بتاريخ 26/10/1971، فارسي يعيش ،المسؤولية المدنية للمعلم في القانون المغربي والمقارن، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء،2001، ص. 141. وتتلخص وقائع القضية حول قيام معلم بضرب تلميذ بعصا على رجله وأدى ذلك إلى بتر رجل التلميذ. فتم الحكم جنائيا على المعلم بالحبس والتعويض لفائدة الضحية، وبعد سلوك مسطرة التنفيذ ضد المعلم بخصوص التعويض المحكوم به لفائدة الضحية ، تبين أن المعلم غير قادر على الاداء حسب محضر "عدم وجود ما يحجز" . وبناء على الحكم الجنائي والمحضر تقدم أولياء التلميذ بدعوى ضد الدولة . وعند مناقشة القضية دفعت الدولة بعدم الاحتجاج بالحكم الجنائي لأنها لم تكن طرفا فيه، كما دفعت بعدم قبول دعوى المدعين على أساس ان الامر يتعلق بحادثة مدرسية لكن اولياء الضحية ردوا على هذا الدفع بكون الحكم الجنائي قضى بعدم الاختصاص في النظر في الطلب الموجه ضد الدولة على أساس انه لا يجوز مطالبتها إلا عند إعسار الموظفين التابعين لها استنادا للفصل 80 من الظهير المذكور، وبناء على هذا الاخير حكمت المحكمة بإحلال الدولة محل المعلم المحكوم عليه في أداء المبالغ المطالب بها".
2-قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) قرار رقم154 المؤرخ ب24فبراير 2007عدد1456/04/02/2005.
وتتلخص وقائع القضية ان المدعي اصالة عن نفسه ونيابة عن ابنه القاصر…..تقدم بمقال افتتاحي امام المحكمة الادارية بمراكش ...يعرض فيه ان زوجته المرحومة….كانت مصابة بفقر الدم، و نقلت الى مستشفى ابن زهير لحقنها بالدم واثناء تلقيها الاسعافات الاولية تحت اشراف الممرض المداوم….تم تطعيمها بدم مخالف لفصيلتها الدموية (+0) مما تسبب وفاتها في اليوم الموالي، وان هذا الخطأ الطبي ارتكب من طرف الممرض المذكور والدكتور……المسؤولان عن حقن الدم بالمستشفى والذين ادينا من اجل جنحة القتل الخطأ ابتدائيا واستئنافيا. وبالنظر لكونهما موظفان بالمستشفى التابع لوزارة الصحة فان الخطأ المرتكب من طرفها يكتسي صبغة الخطأ المصلحي الذي تتحمل مسؤوليته الدولة طبقا للفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود، لذلك يلتمس الحكم على الدولة المغربية في شخص السيد الوزير الاول بادائها لفائدته اصالة عن نفسه ونيابة عن ابنه القاصر المذكور تعويضا عن الضرر المعنوي اللاحق بهما قدره (200.000.00 درهم)، وبعد جواب المدعى عليهم وتمام الاجراءات قضت المحكمة بالحكم على الدولة المغربية في شخص وزارة الصحة بادائها لفائدة المدعي اصالة عن نفسه تعويضا معنويا قدره خمسون الف درهم ونيابة عن ابنه القاصر تعويضا معنويا قدره خمسون الف درهم وصرحت: ..."وإن كان يكتسي طابعا شخصيا كما جاء في الحكم الجنحي الذي حاز قوة الشيء المقضي به، فإنه في نفس الوقت، يعتبر الفعل الضار خطأ طبيا ينسب إلى المستشفى، وتلزم الإدارة بالتعويض عنه".
فاستأنفت الدولة المغربية الحكم وعابت عليه خرق القانون ولا سيما الفصلين 79 و 80 من قانون الالتزامات والعقود ذلك ان الفعل المرتكب من طرف الدكتور المعالج والممرض الذي حقن الهالكة بالدم يعتبر خطأ شخصيا ادينا بسببه امام المحكمة الزجرية بمحكمة الاستئناف ولا تتحمل الدولة المسؤولية عنه، ولا يمكن الحكم عليها الا عند اثبات عسر هذين الشخصين. فألغت محكمة النقض الحكم الصادر عن المحكمة الادارية بمراكش مؤكدة على أنه:" وحيث ان القرار الاستئنافي الجنحي الصادر ... عن محكمة الاستئناف بمراكش في الملف رقم ايد الحكم الابتدائي القاضي بإدانة كل من الممرض…….والطبيب…..من اجل القتل الخطأ الناتج عن حقن الضحية بدم ليس من فصيلة دمها بسبب عدم تبصرهما وعدم احتياطهما وهو خطأ مادي جسيم وصل الى حد ارتكابهما لجريمة تقع تحت طائلة القانون الجنائي ولا يندرج ضمن المخاطر العادية التي يتعرض لها الموظف في اداء عمله اليومي. وحيث ان مستخدمي الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الاضرار الناتجة عن تدليسهم او عن الاخطاء الجسيمة الواقعة منهم في اداء وظائفهم طبقا للفصل 80 من قانون الالتزامات والعقود. وانه لا تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه الاضرار الا عند اعسار الموظفين المسؤولين عنها طبقا لنفس الفصل. وحيث انه لما كان الخطأ المرتكب من طرف الطبيب والممرض المذكورين قد بلغ من الجسامة حدا ادى الى ادانتهما جنائيا من اجله فان هذا الخطأ لا يشكل خطأ مصلحيا بالمعنى المنصوص عليه في الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود وان الحكم المستأنف عندما حمل الدولة المسؤولية عن اختلال تسير المرفق الصحي يكون قد خرق مقتضيات الفصلين 79 و 80 المشار اليهما وواجب الالغاء".
1-الحكم صادر عن المحكمة الابتدائية بتازة بتاريخ 26/10/1971، فارسي يعيش ،المسؤولية المدنية للمعلم في القانون المغربي والمقارن، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء،2001، ص. 141. وتتلخص وقائع القضية حول قيام معلم بضرب تلميذ بعصا على رجله وأدى ذلك إلى بتر رجل التلميذ. فتم الحكم جنائيا على المعلم بالحبس والتعويض لفائدة الضحية، وبعد سلوك مسطرة التنفيذ ضد المعلم بخصوص التعويض المحكوم به لفائدة الضحية ، تبين أن المعلم غير قادر على الاداء حسب محضر "عدم وجود ما يحجز" . وبناء على الحكم الجنائي والمحضر تقدم أولياء التلميذ بدعوى ضد الدولة . وعند مناقشة القضية دفعت الدولة بعدم الاحتجاج بالحكم الجنائي لأنها لم تكن طرفا فيه، كما دفعت بعدم قبول دعوى المدعين على أساس ان الامر يتعلق بحادثة مدرسية لكن اولياء الضحية ردوا على هذا الدفع بكون الحكم الجنائي قضى بعدم الاختصاص في النظر في الطلب الموجه ضد الدولة على أساس انه لا يجوز مطالبتها إلا عند إعسار الموظفين التابعين لها استنادا للفصل 80 من الظهير المذكور، وبناء على هذا الاخير حكمت المحكمة بإحلال الدولة محل المعلم المحكوم عليه في أداء المبالغ المطالب بها".
2-قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) قرار رقم154 المؤرخ ب24فبراير 2007عدد1456/04/02/2005.
وتتلخص وقائع القضية ان المدعي اصالة عن نفسه ونيابة عن ابنه القاصر…..تقدم بمقال افتتاحي امام المحكمة الادارية بمراكش ...يعرض فيه ان زوجته المرحومة….كانت مصابة بفقر الدم، و نقلت الى مستشفى ابن زهير لحقنها بالدم واثناء تلقيها الاسعافات الاولية تحت اشراف الممرض المداوم….تم تطعيمها بدم مخالف لفصيلتها الدموية (+0) مما تسبب وفاتها في اليوم الموالي، وان هذا الخطأ الطبي ارتكب من طرف الممرض المذكور والدكتور……المسؤولان عن حقن الدم بالمستشفى والذين ادينا من اجل جنحة القتل الخطأ ابتدائيا واستئنافيا. وبالنظر لكونهما موظفان بالمستشفى التابع لوزارة الصحة فان الخطأ المرتكب من طرفها يكتسي صبغة الخطأ المصلحي الذي تتحمل مسؤوليته الدولة طبقا للفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود، لذلك يلتمس الحكم على الدولة المغربية في شخص السيد الوزير الاول بادائها لفائدته اصالة عن نفسه ونيابة عن ابنه القاصر المذكور تعويضا عن الضرر المعنوي اللاحق بهما قدره (200.000.00 درهم)، وبعد جواب المدعى عليهم وتمام الاجراءات قضت المحكمة بالحكم على الدولة المغربية في شخص وزارة الصحة بادائها لفائدة المدعي اصالة عن نفسه تعويضا معنويا قدره خمسون الف درهم ونيابة عن ابنه القاصر تعويضا معنويا قدره خمسون الف درهم وصرحت: ..."وإن كان يكتسي طابعا شخصيا كما جاء في الحكم الجنحي الذي حاز قوة الشيء المقضي به، فإنه في نفس الوقت، يعتبر الفعل الضار خطأ طبيا ينسب إلى المستشفى، وتلزم الإدارة بالتعويض عنه".
فاستأنفت الدولة المغربية الحكم وعابت عليه خرق القانون ولا سيما الفصلين 79 و 80 من قانون الالتزامات والعقود ذلك ان الفعل المرتكب من طرف الدكتور المعالج والممرض الذي حقن الهالكة بالدم يعتبر خطأ شخصيا ادينا بسببه امام المحكمة الزجرية بمحكمة الاستئناف ولا تتحمل الدولة المسؤولية عنه، ولا يمكن الحكم عليها الا عند اثبات عسر هذين الشخصين. فألغت محكمة النقض الحكم الصادر عن المحكمة الادارية بمراكش مؤكدة على أنه:" وحيث ان القرار الاستئنافي الجنحي الصادر ... عن محكمة الاستئناف بمراكش في الملف رقم ايد الحكم الابتدائي القاضي بإدانة كل من الممرض…….والطبيب…..من اجل القتل الخطأ الناتج عن حقن الضحية بدم ليس من فصيلة دمها بسبب عدم تبصرهما وعدم احتياطهما وهو خطأ مادي جسيم وصل الى حد ارتكابهما لجريمة تقع تحت طائلة القانون الجنائي ولا يندرج ضمن المخاطر العادية التي يتعرض لها الموظف في اداء عمله اليومي. وحيث ان مستخدمي الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الاضرار الناتجة عن تدليسهم او عن الاخطاء الجسيمة الواقعة منهم في اداء وظائفهم طبقا للفصل 80 من قانون الالتزامات والعقود. وانه لا تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه الاضرار الا عند اعسار الموظفين المسؤولين عنها طبقا لنفس الفصل. وحيث انه لما كان الخطأ المرتكب من طرف الطبيب والممرض المذكورين قد بلغ من الجسامة حدا ادى الى ادانتهما جنائيا من اجله فان هذا الخطأ لا يشكل خطأ مصلحيا بالمعنى المنصوص عليه في الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود وان الحكم المستأنف عندما حمل الدولة المسؤولية عن اختلال تسير المرفق الصحي يكون قد خرق مقتضيات الفصلين 79 و 80 المشار اليهما وواجب الالغاء".
[12] – حكم عدد 1003 في الملف رقم 560/03 ش.ت، منشور في المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، في العدد 59 السنة 2004، ص. 217.
[13] - التي تم الحكم عليها بأداء التعويض بدلا من الوزارة المعنية، لأن هذه الأخيرة لا تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وإنما هي تابعة للدولة المغربية، التي لها تلك الشخصية...
[14] – يراجع تعليق الأستاذين أمال المشرفي وامحمد عنتري ، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية. العدد 59 ،ص.171
[15] -محمد محجوبي، مدى امكانية الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى التعويض في ضوء الاجتهاد القضائي المغري، المجلة المغربية للادارة المحليةوالتنمية،عدد64،شتنبر-أكتوبر2005،ص.51.
[16] -Basri Driss et autres, Droit administratif marocain, p. 712.
[17] - الأمر الاستعجالي رقم 172 صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 02-05-2007 ، شركة صوكرار ضد وزير الداخلية .
[18] - Rivero et Waline, , Droit administratif p. 248.
[19] -Benoit(F.b.), Le droit administratif Français, Dalloz1968, p.725.
[20] -Eveillaird (G.), « Nouveauté sue le (s) juge(s) compétent en cas de faute personnelle’ »,D.A. , 2014, comm,60.
[21] -ميشال روسي، مرجع سابق ،ص. 217.
-المرجع نفسه.[22]
[23] -Dubois(J.P.,) « Développement d’une responsabilité administratif du fait d’une faute personnelle « RDPP, n°84.
- ميشال روسي، مرجع سابق ،ص.219.[24]
[25]- ظهير شريف رقم 1.02.255 صادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002) بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجريدة الرسمية عدد 5078 بتاريخ 27 ذي القعدة 1423 (30 يناير2003)، ص 315. صيغة محينة بتاريخ 25 مارس 2019.
[26] -Roques (F.), «L’action récursoire dans le droit administratif de la responsabilité », AJDA, 1991,p.75
- فمثلا إذا ارتكب موظف ما عملية تزوير فالقاضي يمكن ان يرى في ذلك بانه خرق وتعطيل لقوانين وقواعد المرفق. [27]
[28] - Rivero et Waline,op.cit.,, p. 250,
[29]-Waline(M.), « de l’irresponsabilité des fonctionnaires pour les fautes personnelles et des moyens d’y remédier » ,RDP ,1948,p.5
[30]-Deffigier (G.), L’action récursoire de l’état contre son agent peut être exercée après une transaction,AJDA,2009,p.895
[31]-Maestre(J.C.,), « La responsabilité des agents publics à l’égard des collectivités publiques doit-elle-être abandonnée », in Mélanges Marcel Waline, T2, LGDJ ,1974 ,P.574.
[32] --Becet (J.-M.,), op.cit., P.183-184.
[33] -Becet (J.-M.,), op.cit., P.171.
[34]- Thery(j.), Compétence et fond du droit dans le contentieux de la responsabilité pécuniaire de fonctionnaire,EDCE ,1958 ,N°12, p.77.