MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



مناظرة العقار وانتظارات العقاريين، إشارات على هامش المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية.

     

محمد زعاج
- باحث في السياسة العقارية-



مناظرة العقار وانتظارات العقاريين، إشارات على هامش المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية.
تقديم:

اعتبارا لما تمثله المناظرة كـأحد أرقى نماذج الحوار، و أرضية حضارية لتبادل الأفكار خارج الإطار التقليدي المتمثل في البرلمان، انخرط المغرب في مسار بناء نموذجه التنموي في عقد سلسلة من المناظرات الوطنية والجهوية، كتقليد يفتح المجال أمام نقاش جدي، ينخرط فيه مختلف المتدخلين والفاعلين العموميين والخواص، نذكر منها على سبيل المثال المناظرة الوطنية حول إصلاح العدالة، الحوار الوطني حول الأراضي الجماعية، ومؤخرا المناظرة الوطنية حول الاقتصاد الاجتماعي والتضامني...الخ.

قبل أن يعلن السيد رئيس الحكومة بمناسبة الجلسة الشهرية المنعقدة وفقا لمقتضيات المادة 100 من دستور 2011، المخصصة لمناقشة السياسة العامة للحكومة في موضوع " السياسة العقارية بين متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإكراهات الواقع"، عزم الحكومة عقد مناظرة وطنية، بهدف التأسيس لسياسة عقارية حقيقية. وهي المناظرة المقررة يومي 8 و 9 دجنبر 2015 بالصخيرات.
كما أنها مبادرة  -متأخرة- تأتي إلى جانب السياق أعلاه، ضمن سلسلة الدراسات المنجزة في هذا الصدد بدءا بتقرير الخمسينية، ثم تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وغيرها من الندوات و الدراسات والتقارير، التي تؤكد في مجملها وبشكل غير خفي أن المغرب يعيش أزمة عقارية متعددة التجليات والتأثيرات، أو على الأقل – عند أكبر المتفائلين- وضعا عقاريا غير سليم، أساسه تركيبة عقارية معقدة في بعدها المادي- الميداني، والقانوني- التشريعي، بل و البشري أيضا. لطالما شكلت عاملا سيء الحضور، وحجرة عثرة أمام تجسيد التوجهات التنموية للدولة منذ الاستقلال، بل قبل ذلك عنصرا يعيق بناء نموذج تنموي على هذا المستوى.

وهي إكرهات تجد أهم تجلياتها في أربعة مظاهر أساسية، إلا أنها من حيث أسبابها الجوهرية لا تخرج في تقديري عن سبب رئيسي وأساسي ترتبط به وتنتج عنه جل الأسباب.

    خصوصية المنظومة العقارية:

يميز المغرب وضع عقاري خاص، سواء من حيث واقعه الميداني أو إطاره القانوني، وذلك بحكم ارتباطاته المتعددة، باعتباره مكونا ومؤثرا أساسيا في مسار بناء الدولة والحضارة المغربية الذي يمتد لقرون خلت، تشكلت خلالها مجموعة من الأنظمة العقارية، وعدة أشكال للمِلكية، بعضها لها ارتباط بالأعراف كاستمرار للمُكون القبلي باعتباره نواة للمجتمع المغربي، على غرار أراضي الجموع أو الجماعات السلالية. وبعض الآخر تشكل استناد لإرث إسلامي على الخصوص، متمثل بالأساس في الأملاك الوقفية أو الحبسية.
كما أن أوضاعا عقارية أخرى ارتبط وجودها بسياق سياسي وأمني معين، أفرز ما يسمى أراضي الجيش أو "الكيش"، بالإضافة لأنظمة عقارية أخرى كان للموقع الجغرافي، والنظام السياسي والتقسيم الإدراي والوظيفي دور في قيامها، على غرار أملاك الدولة العامة والخاصة، أملاك الجماعات المحلية أو الترابية، الملك الغابوي، وأملاك بعض المؤسسات العامة،...الخ.
كما أن المنظومة العقارية بالمغرب في بعدها التشريعي العام تقسم كما هو معلوم إلى عقار محفظ، خاضع لمقتضيات ظهير 12 غشت 1913 كما تم تعديله وتتميمه بظهير 14.07، و عقار غير محفظ، تطبق بشأنه مقتضيات مدونة الحقوق العينية من حيث الأصل، وظهير الالتزامات والعقود والفقه المالكي استثناء.  
هذه الهياكل العقارية، في مظاهرها القانونية والميدانية، بالنظر لخصوصية وضعها وارتباطها بمجموعة من التوازنات الاقتصادية والاجتماعية، الأمنية والسياسية، الدينية والديموغرافية..الخ، فرضت تنظيما قانونيا معينا، فريدا ومتباينا من حيث مبادئه وطرق تدبيره، تكريسا لهذه التوازنات والتراكمات التي فرضت نفسها كجزء لا يتجزأ عن نظامها العام.
إلا أنها في إطار ذلك لا تعكس بالضرورة انسجاما وتناغما، بل تنتظم في شكل شبكة من الأوضاع والعلاقات التي تعكس جملة من المؤشرات والمؤثرات التي يختلط فيها الإيجابي بالسلبي، بحكم اختلاف السياقات والأهداف والرهانات المتحكمة في إقرارها منذ البداية، وكذا استمرارها الذي ليس دائما حاجة يتطلبها تحقيق معادلة التنمية، بل كثيرا ما تمثل إكراها يجب على التنمية التكيف معه.
لكن في غياب رؤية وطنية واضحة على هذا المستوى، باعتباره إلتزاما أساسيا كان على الدولة الانخراط فيه، فإن حضور المنظومة العقارية كرقم صعب في معادلة التنمية، يبقى مشوبا بكثير من السلبية والانفلاتات والتفاوتات من قطاع لآخر، ومن منطقة لأخرى، خاصة على مستوى قطاعي التعمير والفلاحة
.
    اختلال التوازنات المجالية والعقارية والبيئية:

         تتعدد الممارسات والسلوكيات المُكَرِّسة لخرق الضوابط والمعايير القانونية لتنظيم النسيج المجالي من حيث ارتباطاته العقارية بالدرجة الأولى.
       وإذا كان أغلب هذه الخروقات تندرج في إطار التعمير العشوائي المتجسد في العمليات العقارية أو التعميرية (البناء، التجزيئ والتقسيم،..الخ) التي تتم بدون سند قانوني، أو دون الانضباط لمقتضيات هذا الأخير، فإن بعض هذه الممارسات تتم من خلال تعميم توجهات استثنائية رسمية – ما يسمى بنظام الاستثناءات- باعتبارها جزءا من سياسة الدولة ورؤيتها التنموية، مشكلة بذلك معضلة بنيوية حقيقية، وحجر عثرة من داخل الإطار المجالي، بل نقطة سوداء تخدش هذا الإطار، وتعكس سلبية كبيرة على مستوى توظيف واستغلال العقار. بل تجعل من الحديث عن رؤيا عقارية - تعميرية وطنية أمرا يفتقد للمصداقية، وتكذبه الممارسة والواقع العملي في أبسط تجلياته. خاصة إذا علمنا أن هذا الوضع بدأ يخرج عن السيطرة، وبالتالي من موقعه كاستثناء، إلى قاعدة وممارسة تكرسها جهات من داخل الإدارة وخارجها، كما أكدت على ذلك كثير من الدوريات الصادرة في هذا الإطار، وتقارير رسمية للأجهزة الرقابية، خاصة من خلال الملاحظات التي سبق وأن أبداها المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي لسنة 2013، والتقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول " نظام الاستثناءات في مجال التعمير"، وغيرها من التقارير التي رصدت مجموعة من مظاهر اختلال التوازن المجالي.
حيث يظل تنظيم المجال العمراني بالمغرب في ظل هذا الوضع، عُرضَة لتقلبات ظرفية، اجتماعية واقتصادية بالخصوص، بحكم قيامه على مقاربة تجزيئية للتنمية المجالية، ومناشدته هذه الأخيرة عبر الحلول الجزئية وردود الأفعال المعيبة، المؤثرة سلبا على التخطيط والتدبير العقاري والعمراني، الشيء الذي لا يسعف في اعتماد مقاربة رصينة للمسألة العمرانية في بعدها المرتبط على الخصوص بتوظيف الرصيد والثروة العقارية. بل أصبح التدخل العمومي على هذا المستوى أشبه ما يكون بتقديم مسكنات مؤقتة، في محاولة للتصدي لهذه الاختلالات والاستجابة لبعض الحاجيات المستعجلة.
من جانب آخر، تجدر الاشارة إلى أن التقديرات تتحدث على أن المغرب يفقد سنويا 5000 هكتار من الأراضي الفلاحية، لتلبية حاجيات التوسعات العمرانية بمختلف مظاهرها المعقلنة والعشوائية.
وقد أكدت دراسة في هذا الصدد أنجزتها وزارة الفلاحة، أن المساحات المحروثة بالمغرب ستتقلص في أفق 2025، إذ ستبلغ 90.000 هكتار فقط، حيث إنه بالرغم من منع البناء على الأراضي الفلاحية إلا في حدود ضيقة، فإن ذلك كثيرا ما لا يُحترم( ).
فإذا كان المغرب مطالب بتوفير حوالي 3000 هكتار سنويا موجهة للتعمير، الأمر الذي يستلزم بالمقابل تعبئة وعاء عقاري جديد، وبالتالي توسيع المجال الحضري مع ارتفاع حركة التمدن، وبحكم الاستنزاف الذي مس العقار المملوك للدولة و الأملاك الوقفية في المحيطات الحضرية، أصبح الوعاء العقاري لبعض الأنظمة العقارية كأراضي الجموع والكيش وأراضي الملك، ذات الصبغة القروية، رصيدا عقاريا بنيويا في التركيبة العقارية للمدن والتجمعات القروية، والمتنفس الوحيد أمام هذا الزحف.
إلا أن إدماج هذا الوعاء في المجال الحضري، بحكم خصوصية الوضع الميداني والقانوني لبعضها، كأراضي الجموع مثلا، وما ارتبط بها من إكراهات اجتماعية واقتصادية، أضحت تواجه جملة من المعيقات التي تحول دون اندماج سلس لهذه الأنظمة في الوسط الحضري، وصعوبة للتأقلم مع الظروف الجديدة، خاصة في ميداني الشغل وتدبير الحياة اليومية، ناتجة عن انتقالها السريع من أراض فلاحية إلى أراض حضرية وشبه حضرية، وما ترتب عنه من اختلاف المتطلبات، في ظل كثافة سكانية كبيرة وضغط سكاني تعرفه هذه المناطق، وفق ما أثير بمناسبة الحوار الوطني حول الأراضي الجماعية.
كما أنه على الرغم من التقدم المسجل نظريا بخصوص تغطية هذا الأراضي بوثائق التعمير، فإن بطئ تفعيل مضامينها عمليا، إلى جانب عدم استباقيتها لوثيرة الزحف العمراني على جميع الأراضي المحيطة بالمدن والمراكز القروية الناشئة، والتي تشكل الأراضي الجماعية جزءا كبيرا منها، ظهرت معه واستفحلت بعض السلوكيات التي أثرت سلبا على تنمية العقار الجماعي الحضري: كالترامي على هذه الأراضي واستغلالها بدون سند قانوني، وانتشار السكن العشوائي فوقها، بسبب المضاربات والمعاملات العقارية غير القانونية، التي يقوم بها بعض ذوي الحقوق. بالإضافة لعدم الملائمة بين طبيعة الاستغلال الحالي وإمكانيات الاستثمار المتاحة فوق الأراضي الجماعية الحضرية، في ظل غياب سياسة عقارية تمكن من تعبئتها وتثمينها.
هذا، ويشهد النظام الغابوي باعتباره من الروافد المجالية والمتنفسات البيئية، انتهاكات يومية، تندرج حسب ما جاء في تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2009، في إطار ما يسمى بـ " محو معالم القرينة الغابوية". الأمر الذي  أسهم في تراجع الغطاء الغابوي الوطني بما يقدر بـ 31000 هكتار سنويا، تحت تأثير عوامل بشرية مناخية، تقنية...إلخ( ) من قبيل التصحر، الحرائق، الرعي الجائر، قطع الأشجار، ثم التوسع العمراني الإسمنتي (زحف الاسمنت)، سواء تعلق الأمر بالبناء العشوائي أو بعض المشاريع العقارية التي تتم على حساب الأدوار الطبيعية للغابة، من خلال إفراط السلطات في إعمال "نظام الاستثناءات" خارج مقتضيات المنفعة العامة.
وهي ملاحظات تنطبق بأشكال ودرجات متفاوتة على باقي الأنظمة العقارية، خاصة أراضي ملك الدولة الخاص، أراضي الجموع، والأراضي الوقفية.
كما أن تأثير اختلال التوازنات المجالية هذا يتضاعف في ظل تعثر تحيين تصاميم التعمير وتعليقه، ما يجعل الوضعية الميدانية- في ظل ممارسات التعمير العشوائي- تتجاوز بكثير مقتضيات هذه التصاميم القديمة، وتطرح واقعا عقاري يستعصي أمام كل تحيين، كما أكد على ذلك تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2013.
كما يمثل حجم التجزيئ العقاري وطبيعته، والشياع السلبي، خاصة هذا الأخير مظهرا آخر من مظاهر اختلال التوازنات العقارية بالمغرب، حيث بالرغم من غياب دراسة رسمية في هذا الموضوع، يمكن التأكيد على أن الشياع السلبي بالمغرب يرهن جزء مهما من العقار، ويعيق اندماجه لخدمة الأهداف التنموية.
إلا أنه في إطار ذلك يستغرب أن معضلة الشياع لا زالت موضوعا لم يحض بما يستحق من الاهتمام، بل غالبا ما يتم إغفاله حتى على مستوى النقاشات غير الرسمية ( الندوات، الأيام الدراسية..الخ).

    قصور آليات تعبئة العقار وتوظيفه:

تجدر الاشارة إلى أن سوء تدبير عمليات استرجاع العقار التي أعقبت الاستقلال سنتي 1963 و1973، فوت على الدولة هكتارات من العقارات، وجعل بعضها رهين نزاعات لازالت قائمة، كما أكد على ذلك تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2011.
وإذا كان لغياب اعتماد آليات واضحة للاحتياط العقاري بُعيد الاستقلال ما يبرره، على اعتبار (البحبوحة) العقارية التي عاشها المغرب آنذاك، حيث كان هاجس توظيف أو بالأحرى تصريف الرصيد العقاري المهم الذي أصبحت الدولة تمتلك زمامه يطغى على التوجه نحو استثماره، فإنه الاعتماد المتزايد على ملك الدولة الخاص كمصدر وحيد في أغلب مشاريعها العقارية، بالإضافة لعمليات الترامي والفساد العقاري التي مسته، في ظل ضعف تغطية عمليات التحديد الإداري لأغلب العقارات العمومية المملوكة للدولة أو الخاضعة لوصايتها، بشكل أصبحت معه أملاك الدولة لا تكاد تحتمل، ولا تقوى على تلبية كثير من الحاجيات العقارية الموجهة لمشاريعها ومخططاتها التنموية.
الشيء الذي طرح بإلحاح سؤال تجديد الرصيد العقاري، باعتباره أحد أهم مقتضيات التخطيط العقاري ذو البعد المستقبلي المتوسط والبعيد. إلا أنه على الرغم من القناعة التي عبر عنها كثير من المهتمين والمتدخلين العموميين والخواص منذ أواخر سبعينات القرن الماضي، مع بدء مرحلة ما بعد المشاريع العقارية التي كلفت الدولة رصيدا عقاريا مهما، فإن المغرب لم ينخرط في أي مخطط أو توجه ملموس وواضح للاحتياط العقاري، خاصة بعد فشل فكرة "الوكالة الوطنية العقارية"، التي نشأت عقب المناظرة الوطنية حول السكنى والتعمير والمحافظة على البيئة الطبيعية والأصالة المغربية بمراكش سنة 1979، إلى جانب بعض التجارب الخاصة التي همت قطاع الإسكان وتجهيز الأراضي لهذا الغرض.
في المقابل، يسجل استمرار اعتماد مفرط على الرصيد العقاري المملوك للدولة، باعتباره أحد الخيارات التنموية الضيقة التي درجت المملكة على اللجوء إليها، مقابل تجاهل شبه تام للخيارات التنموية الأخرى التي تمثلها باقي الأنظمة العقارية، وكأنه المؤهل الوحيد للاستجابة لهذه التوجهات، الأمر الذي أدى بشكل تدريجي إلى استنزاف الثروة والاحتياط العقاري المهم الذي تمثله، خاصة من حيث نوعيته.
إلى جانب تكريس آليات بديلة أو استثنائية -على غرار نزع الملكية- مرتبطة بشكل آني بالمشاريع العقارية، دون أية نظرة توقعية للحاجيات العقارية - متوسطة أو بعيدة الأمد- التي تعتبر المعيار المميز لسياسة الاحتياطات العقارية عن غيرها من وسائل تعبئة العقار، وهو ما يجعل كثيرا من مشاريع الدولة رهينة المفاوضات والمشاكل المرتبطة بالعقارات المعنية، وتسوية الأمور مع أصحابها، خاصة حينما يتعلق الأمر بالخواص، أفرادا أو جماعات.
بل إن هذه الآليات البديلة والاستثنائية بدورها- وعلى ذكر نزع الملكية- بحكم محدودية آفاق الاقتناء وتكوين الاحتياطات العقارية ووعورة مسالكه، خاصة بالنسبة لأراضي الملك الخاص، أصبح إعمالها يتجاوز حجمه وموقعه كاستثناء، إلى بديل عن الأصل المتمثل في نهج آلية للاحتياط العقاري، التي أصبحت بالنسبة للمغرب تتخذ أبعادا مختلفة عن تلك التي خاضتها بعض دول أوربا، حيث يبرز توجه نحو دور جديد لآلية نزع الملكية، يتجاوز الدور الاستثنائي، إلى قاعدة وبديل عن الاقتناء. وهذا ما يتضح من خلال عدم تقييد مفهوم المنفعة العامة وربطه بالسلطة التقديرية للإدارة، وتوسيع الجهات المخولة للاستفادة من آلية نزع الملكية بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك بارتباط مع تعدد المتدخلين في الميدان العقاري.
وفي غياب فكر أو توجه نحو اعتماد آليات ومفاهيم معاصرة بديلة للاحتياط العقاري، خاصة من خلال عقلنة وحكامة توظيف العقار وفق بعد تسخيري لا استهلاكي، فإن البناء التنموي العقاري بالمغرب ظل منذ الاستقلال يمارس في ظل غياب لرؤيا واضحة وموحدة، أو دون "نموذج عقاري واضح" يسترشد به (تدبير) الثروة العقارية ككل أو- على الأقل- الرصيد العقاري الذي تتحكم فيه الدولة كليا أو جزئيا، وبالتالي إمكانية وضع إستراتيجية لتطوير هذا الرصيد وتنميته، ما أفضى إلى استنزافه، مقابل نتائج تنموية ضعيفة وسلبية.
 بل إن الدولة أصبحت تلجأ في سبيل تجسيد بعض مشاريعها ومخططاتها العقارية، خاصة منها تلك المتعلقة بتنزيل وثائق التعمير، إلى ممارسات وأساليب غير قانونية، تندرج في إطار "الاعتداء المادي"، كما تؤكد عليه أحكام وقرارات دورية للمحاكم الإدارية، إلى جانب التنبيه المستمر لمؤسسة الوسيط إلى الشكايات من ممارسات الدولة هذه، التي تعد في مقدمة الشكايات التي تتوصل بها هذه المؤسسة.
في الوقت الذي كان  يتوجب فيه على الدولة أن تلعب دورها كمنعش عقاري ممتاز، بدل التعويل على صفتها العامة، لأن الاعتماد على آلية نزع الملكية على ما يسجل عليه من تحفظات، كثيرا ما يدفع إلى تصادمات اجتماعية بين الدولة والمواطن، إلى جانب كونها آلية مكلفة ماليا و عقاريا، بل واجتماعيا أيضا.
وتتفاقم سلبيات ونتائج غياب نموذج عقاري وطني واضح لتوظيف، -لا تصريف- الثروة العقارية، يمكن الاسترشاد به من قبل جميع المتدخلين والفاعلين حسب ما أشار إليه "المركز المغربي للظرفية الاقتصادية" في دراسة له حول العقار( )، مع كون تدبير مخزون الأراضي العمومية رغم خضوعه لسلطة الدولة، إلا أنه موزع بين عدة جهات، بأجندات مختلفة ومخالفة أحيانا، حيث إن تدبير الرصيد العقاري تتولاه كل من وزارة المالية، الداخلية، المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، ووزارة الأوقاف...الخ. بدون خارطة طريق واضحة تتوافق وتتفاعل من خلالها مع الحاجيات والأهداف بشكل معقلن ومحكم ومتحكم فيه، ذو رؤية مستقبلية واضحة.
    
    محدودية آليات الرقابة العقارية:

إذا كان المغرب قد وفق إلى حد كبير بعد إقرار "المغربة" في حماية عقاره – الفلاحي بالخصوص- من اليد الأجنبية، خاصة من خلال ظهير 27 شتنبر 1963، رغم ما سجل بخصوص سوء تدبير عملية الاسترجاع كما أشرنا أعلاه، فإنه على مستوى الرقابة الداخلية، لا يمكن إلا التأكيد على أن المغرب قد فشل فشلا ذريعا، خاصة فيما يخص العقار التعميري والعمليات العقارية المرتبطة به، والعقار الفلاحي بدرجة أقل، فيما يتعلق بالأراضي الموزعة قبل سنة 1966، وقانون الاصلاح الزراعي، الى جانب تجربة شركات التنمية الفلاحية (صوديا وصوجيطا).
وهذا، رغم ما سخر لذلك من ترسانة قانونية مهمة. إلا أن النص القانوني باعتباره دعامة تشريعية لتنفيذه التوجهات الرقابية العقارية للدولة، كان لابد له من آليات لتجسيده وضمان تنفيذه على أرض الواقع، وهي الآليات التي لطالما خذلتنا، حيث لا يجد كثير منها  طريقه  للتفعيل، خاصة في بعده الوقائي.
والحديث هنا ينصب على عدم تفعيل الآليات الرقابية، ذلك أن القاعدة القانونية المعتمدة بخصوص "الرقابة العقارية" إن كانت ترتكز في المجمل على المنع الكلي أو الجزئي، النهائي أو المعلق على شرط أو ترخيص مسبق، وهو منع مرتبط بالعقار بحسب نوعيتة (فلاحي/غير فلاحي)..الخ، أو بحسب التصرفات والعمليات التي تطاله (بيع/انتفاع ..الخ)، أو متعلق بطبيعة الأعمال المادية التي سيخضع لها العقار (تجزئة/ تقسيم/ بناء..الخ). وهو ما يجعلها ذات بعد وقائي، زجري استثناء، ما يقتضي آليات عملية مواكبة لمنع كل خرق لهذه القاعدة القانونية الرقابية.
إن الرقابة العقارية بالمغرب لا تعيش أزمة مَأْسَسَةٍ أو تشريع، بل هي أزمة وعي وتفعيل لما هو قائم من الآليات، وغياب نموذج واضح لاستكمال وتفعيل الأدوار الميدانية التطبيقية للرقابة، في إطار من الفاعلية والتفاعل البنائين بين مختلف المكونات، والوعي والمصداقية والشفافية، بشكل يركز بالأساس على البعد الوقائي بالدرجة الأولى، ثم الزجري الصارم، مع تقوية وإحاطة المسؤولية بالكفاءات النزيهة، وبالآليات والوسائل والضمانات الكافية، ثم ربطها بعد ذلك بالمحاسبة.
خاصة إذا علمنا أن منظومة الرقابة بالمغرب، يميزها تعدد المتدخلين، بين السلطات إدارية، والسلطة القضائية، وغيرها من الأشخاص الذاتية والمعنوية، ما يعني استنتاجا أن سلطة الرقابة في حد ذاتها موزعة بين جهات عدة، في ظل كثرة المساطر وضعفٍ على مستوى التنسيق، وتفشي منطق الإتكالية- الفساد- الرشوة-...الخ.
 وهو ما يعني عمليا أيضا وجود ثغرات قانونية على مستوى تفعيل الآليات الرقابية التي تقتضي السرعة والفعالية.
ذلك أن قوة النموذج الرقابي في أي مجال، لا يقاس من خلال عدد المخالفين الذين تم توقيع العقوبة عليهم وحجم هذه العقوبة، بل بالنظر لقدرة وفعالية التدخل من أجل منع وقوع المخالفة من الأصل أو تفاقمها واستمرارها ومحو آثارها. لذلك فإن منع تصرف معين بموجب نص أو رفض منح ترخيص به استنادا لهذا النص، لا قيمة له إذا لم يتم إقرار آليات عملية لوقف الفعل المخالف، بل الحيلولة دون وقوعه وارتكابه، أو بالأحرى تفعيل أدوار ما هو موجود من القواعد والأجهزة القانونية.
إذا ثبت الأسباب والإشارات العامة أعلاه، فإن المؤكد في النهاية أنها تمثل في حقيقتها وجوهرها وضعا غير منفصل ومستقل بذاته، بل مظهرا عقاريا أو مجاليا، لعدة تراكمات سلبية على المستويين المادي والقانوني والاجتماعي، إلا أنها في استمرارها تعد ناتجة عن طبيعة الممارسة السائدة قبل كل شيء- في تجليات الرسمية العامة- أو غير الرسمية الخاصة.
فعلى الرغم من المجهودات المبذولة طلية الفترة الماضية، على مستوى تقوية وتحديث المنظومة القانونية من جهة، وإقرار مجموعة من الآليات والمفاهيم الجديدة فيما يخص تدبير المسألة التنموية، بما فيها جوانبها العقارية، على غرار الحكامة، التنمية البشرية، اللاتركيز، التشاركية، الالتقائية، الإندماج...الخ، إلا أنها على مستوى تنزيلها عمليا تصطدم بمجموعة من السلوكيات السلبية السائدة، التي يسهم فيها جل المتدخلين.
لذلك فإننا ببساطة في حاجة للاعتناء بالجوانب التنفيذية أكثر من الجوانب التشريعية، وهو التحدي الذي يجب على هذه المناظرة رفعه، قصد الخروج بعقد جديد بين جميع الفاعلين والمؤثرين الرئيسيين والثانويين.
بدل من أن تتحول إلى مناسبة روتينية لإصدار التوصيات والوصايا التي لن تجد طريقها للتنفيذ الإيجابي، مادامت الممارسات السلبية جزءا من السلوك العام لجل المتدخلين العمومين والخواص، وواقعا حيا وحاضر باستمرار ليثني كل مبادرة على تحقيق أهدافها.
أم ماذا؟


هوامش
  - البشير الزياني، ضياع 3000 هكتار سنويا، منها 5000 هكتار من الأراضي الفلاحية جريدة العلم، 18 شتنبر 2012، موقع جريدة العلم alalam.ma
2- محمد التفراوتي، المغرب يوقف زحف الرمال بتحصين الواحات. www.startimes.com
3 - أشار إليها مصطفى أزوكاح، هل تضع الحكومة حدا لفوضى تدبير الأراضي العمومية؟  من أجل الحد من المضاربة وارتفاع الأسعار ، يومية المساء 25/01/2012. http://www.maghress.com/almassae/149346  
يرجع أيضا لـ : - تقارير المجلس الأعلى للحسابات لسنوات 2009 – 2011 – 2013
    - تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حول " دراسة التأثيرات المترتبة عن الاستثناءات في مجال التعمير". - نونبر 2014.  
    - ورقة حول موضوع "ورش الأراضي الجماعية الحضرية وشبه الحضرية"، مقدم بمناسبة الحوار الوطني حول الأراضي الجماعية سنة 2014.  www.hiwarterrescollectives.ma


 




الاربعاء 9 ديسمبر 2015
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter