MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




تدبير الزمن البرلماني على قاعدة التمثيل النسبي بين حقوق المعارضة ومنطق الأغلبية

     

ذ حاتم إيوزي
باحث في العلوم السياسية والقانونية



تدبير الزمن البرلماني على قاعدة التمثيل النسبي بين حقوق المعارضة ومنطق الأغلبية
     لم يكن صدور ظهير تنفيذ نص الدستور ( 29 يوليوز 2011 ) نقطة نهاية، أكثر من خمسة أشهر من النقاش والجدال والحوار، قضايا الدستور والمؤسسات، إذ أن جزء من النقاش سيستمر وفي حالات كثيرة بنفس الحدة والتوثر السابقين، تحت عنوان مركزي كبير هو مسألة تفعيل الدستور، بعض القضايا كانت ذات طبيعة سياسية محضة رغم تقديمها في جبة الإشكاليات الدستورية، لكن بعضها الآخر كان يطرح في العمق إشكاليات قانونية واضحة.[1] 

  ومن ضمن القضايا التي كانت ولازالت موضع نقاش قانوني ودستوري منذ صدور الدستور، هو مطلب تقوية دور مؤسسة البرلمان بشكل عام و تعزيز مكانة المعارضة البرلمانية (على وجه الخصوص) في البنية السياسية والمؤسساتية، حيث كان مطلبا أساسيا ضمن مطالب الإصلاح السياسي والدستوري التي رفعتها مختلف القوى السياسية والنقابية والحقوقية للجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، بعد أن ظلت حقوق المعارضة البرلمانية في المغرب مقيدة من طرف المشرع الدستوري على مدار التجربة الدستورية طيلة خمسة عقود، (ابتدءا من دستور 1962 حتى دستور 2011).

 وبالرغم من تفاوت هذه المطالب، إلا أن تقوية الدور السياسي والقانوني للمعارضة البرلمانية وتكريس أدوارها الدستورية حظي بحيز مهم في مذكرات الأحزاب السياسية على وجه الخصوص في أفق إعطاء المعارضة البرلمانية مكانة خاصة في الوثيقة الدستورية، وتخويلها الآيات الكفيلة بضمان قيامها بمهامها التمثيلية والتشريعية والرقابية .. ومساهمتها في البناء الديمقراطي والمؤسساتي، وتكريس مبدأ توازن السلطات، والتوازن المؤسساتي.

ودون الخوض في تقييم تجربة عشر سنوات على دسترة حقوق المعارضة البرلمانية من خلال النظر في أثر تنزيل أحكام الدستور ومقتضيات النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان وباقي النصوص والقوانين التنظيمية ذات الصلة على واقع الحال، والذي كان موضوع العديد من الدراسات والكتابات الفقهية والقانونية والدستورية، ارتأينا من خلال هذه الدراسة  تناول قواعد اقتسام الزمن البرلماني، وإشكالية اعتماد قاعدة التمثيل النسبي في الجانب المتعلق بتوزيع الوقت المخصص للمعارضة البرلمانية والأغلبية الحكومية، عند مناقشة مشاريع القوانين وممارسة المهام الرقابية المسندة لأعضاء مجلسي البرلمان، انطلاقا من الواقع ومما ينص عليه دستور المملكة، وباستحضار دروس التجربة الفرنسية التي تكون موضوع استلهام من طرف المشرع المغربي.

   ولا يمكن الحديث عن وضعية "المعارضة " بالمغرب التي حظيت بحيز مهم في الوثيقة الدستورية حيث ثم ذكها ثماني مرات[2]، دون العودة إلى المرجعية الدستورية باعتبارها مدخلا مهما لضمان وصيانة حقوق المعارضة، وإلى القواعد القانونية ( النظام الداخلي أساسا ) التي  حدد آليات وكيفيات ممارسة هذه الحقوق، إلى جانب تأويلات القضاء الدستوري.   
 
 أولا: التمثيل النسبي وفق أحكام الدستورية، ومقتضيات النظام الداخلي.
 
إن طرح إشكالية مدى دستورية اعتماد قاعدة التمثيل النسبي في توزيع الغلاف الزمني على مختلف مكونات المجلس ( خاصة المعارضة والأغلبية ) يجد ما يبرره في بعض أحكام الوثيقة الدستورية، وبعض قرارات المجلس الدستوري عند مراقبته لمدى مطابقة النظام الداخلي لمجلس النواب للدستور.

 وفي هذا السياق، فإن الملاحظ من خلال الفصل 10 من دستور 2011 إلى جانب باقي المقتضيات المرتبطة بحقوق المعارضة البرلمانية الواردة في الوثيقة الدستورية كالفصل 60 والفصل 69 والفصل 82 من الدستور، أن المشرع الدستوري قد اختار وهو يؤسس للقواعد الدستورية لنظام المعارضة المزاوجة بين التنصيص صراحة بشكل لا يسمح بأي تقديرعلى بعض الحقوق كما هو الشأن بالنسبة لترؤس المعارضة للجنة المكلفة بالتشريع ولجنة دائمة أخرى على الأقل[3]، وتخصيص يوم واحد على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين، (من بينها تلك المقدمة من قبل المعارضة)[4]، وبين التنصيص بشكل عام على وجوب ضمان بعض الحقوق نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر، حرية الرأي والتعبير والاجتماع، والمشاركة الفعلية في مسطرة التشريع وفي مراقبة العمل الحكومي، دون تحديد كيفيات وآليات تمكين المعارضة البرلمانية من هذه الحقوق المضمونة بقوة الدستور، مع التنصيص على أن تحديد كيفيات ممارسة هذه الحقوق سيتم بموجب قوانين تنظيمية أو قوانين أو بمقتضى النظام الداخلي لكل مجلس من مجلسي البرلمان[5].

   وبالرغم من أن إحالة المشرع الدستوري على القوانين والقوانين التنظيمية وعلى النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان لتنزيل الضمانات والحقوق السالفة الذكر، من خلال التنصيص في الفقرة الأخيرة من الفصل 10 من الدستور على عبارة " تحدد كيفيات ممارسة فرق المعارضة لهذه الحقوق، حسب الحالة، بموجب قوانين تنظيمية أو قوانين أو بمقتضى النظام الداخلي لكل مجلس من مجلسي البرلمان"

  فإن النظام الداخلي لمجلس النواب عند تنظيمه لحقوق المعارضة النيابية في الباب السادس تحت عنوان "حقوق المعارضة"، لم يستوعب عمق الإصلاح الدستوري ولم يكن جريئا بوضعه للآليات الكفيلة بضمان وحماية هذه الحقوق لتكون متناغمة مع التحولات السياسية التي شهدها المغرب حينها، ومع خطاب 9 مارس الذي دعى إلى تعديل دستوري شامل يستند على سبعة مرتكزات أساسية، شكل تكريس مكانة المعارضة البرلمانية أحد أهم مرتكزاته[6]، وكذلك مع الخطاب الملكي الموجه لأعضاء مجلسي البرلمان في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية التاسعة[7]، الذي دعى من خلاله إلى إخراج نظام خاص بالمعارضة البرلمانية.

  كما لم يساير النظام الداخلي لمجلس النواب الذيتم تعديله ووضعه بمنطق الأغلبية، روح الدستور وإرادة المشرع الدستوري الذي خصص للمعارضة البرلمانية مكانة مهمة في هندسة الوثيقة الدستورية، حيث ظل تعامله مع هذه الأخيرة لا يتجاوز المنطق الرقمي والعددي الضيق، معتبرا إياها مجـرد فاعـل سياسـي وليس موقعــا ومركزا قانونيــا، ومكون أساسي في مجلسي البرلمان يشارك في وظيفتي التشريع والمراقبة حسب ما ورد في الفقرة الثانية من الفصل 60 من الدستور.

   لقد كان للانحراف في التنزيل السليم والديمقراطي للمقتضيات الواردة في الوثيقة الدستورية، ولمعاكسة النظام الداخلي للدستور، أثر سلبي على ممارسة المعارضة البرلمانية لوظائفها الدستورية من خلال تقييد حق المعارضة في التعبير عن مواقفها من القوانين المعروضة للمصادقة عن طريق تطبيق قاعدة التمثيل النسبي، وعدم تمكين مختلف مكونات المجلس من مناقشة مشاريع القوانين بشكل منصف وعادل بما يضمن التعبير الحر عن آرائها ومواقفها، وتقديم بدائلها واقتراحاتها، علما أن مرحلة المناقشة والتعبير عن المواقف لا يمكن فصلها بأي شكل من الأشكال عن عملية صناعة القوانين.
  كما ساهم اعتماد هذه القاعدة في تعطيل عمل المجلس بمناسبة الجلسة الشهرية لرئيس الحكومة المخصصة لمناقشة السياسات العامة،  حيث أثار اعتماد التمثيل النسبي جدلا سياسيا و دستوريا و قانونيا، وصل حد الصراعات والتوترات بين الأغلبية والمعارضة، أدت إلى اتهام الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني للمعارضة " الانقلاب الناعم على الدستور"[8]، كما تم اعتبار مطالب المعارضة  البرلمانية بأنها "مزايدة سياسية رخيصة، وبأن مطالبها ابتزاز واضح ومستهجن، كما نعتت أيضا بالوقاحة والتمرد على المؤسسات الدستورية"[9]، ليعود نفس الحزب اليوم من موقعه كأقلية بمجلس النواب ليدعوا إلى تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب بالتقليص من العدد المطلوب لتشكيل فريق نيابي حتى يتمكن هذا الأخير من التمثيل في مكتب مجلس النواب وترؤس لجنة نيابية دائمة ... واكتساب بعض الحقوق المخولة للفرق النيابية.

  وقد تم الحسم في الجدل الذي لازم موضوع توزيع الغلاف الزمني المخصص "لجلسة المساءلة الشهرية" – دون باقي الجلسات المخصصة للرقابة والتشريع - بتوزيع الغلاف الزمني المخصص لمجلس النواب بالمناصفة بين الأغلبية والمعارضة حيث تم تعديل المادة 157 من النظام الداخلي لمجلس النواب التي كانت تنص في  الفقرة الثالثة على "تخصيص نسبة من هذه الأسئلة للمعارضة لا تقل عن نسبة تمثيليتها"،  بالمادة 207 من النظام الداخلي كما أقره مجلس النواب بتاريخ 29 أكتوبر 2013 التي أصبحت تنص بعد مراجعتها على ما يلي:
" يوزع الغلاف الزمني المخصص لهذه الجلسة على الشكل التالي:
 نصف الحصة الزمنية الإجمالية لرئيس الحكومة؛
  •  يوزع النصف الآخر مناصفة بين الأغلبية والمعارضة.
  • توزع الحصة الزمنية المخصصة لفرق ومجموعات الأغلبية على أساس قاعدة التمثيل النسبي فيما بينها.
  • توزع الحصة الزمنية المخصصة لفرق ومجموعات المعارضة فيما بينها بحسب تمثيليتها النسبية.
  • تراعى في هذا التوزيع حقوق النواب غير المنتسبين."
 
  
ومن هذا المنطلق نعتقد أن التعامل مع المعارضة النيابية بلغة الأرقام عن طريق اعتماد قاعدة التمثيل النسبي في توزيع الغلاف الزمني المخصص للأسئلة الشفهية ولمناقشة البرنامج الحكومي ومشاريع ومقترحات القوانين... تتعارض بشكل واضح مع مقتضى دستوري لا يحتمل التوسع في التأويل، مقتضى ينص صراحة على وجوب ضمان المشاركة الفعلية للمعارضة البرلمانية في مسطرة التشريع وفي مراقبة العمل الحكومي الواردة في الفصل العاشر من الدستور، بحيث لا يمكن الحديث عن ضمان هذه الحقوق دون وجود فضاء للنقاش..، وحيز زمني منصف وعادل يقوم على توزيع الغلاف الزمني مناصفة بين الأغلبية والمعارضة لتحقيق التوازن المؤسساتي، والمساواة، والعدالة، وتكافؤ الفرص كما هو معمول به في بعض التجارب المقارنة والممارسات الفضلى التي حرصت على ترصيد وتكريس دور المعارضة، ورعايته وتطويره باعتبارها تشكل دعامة أساسية لحماية النظام السياسي والمساهمة في استقراره.

  وفي هذا الإطار، ارتأينا استحضار التجربة الفرنسية اعتبارا لكون المقتضيات المنصوص عليها في دستور 2011 المرتبطة بالمعارضة البرلمانية قد استلهمها المشرع الدستوري المغربي من مراجعة الدستور الفرنسي لسنة 2008.

  فبالرغم من اختيار فرنسا للعقلنة البرلمانية كأحد أهم الأسس التي قامت عليها الجمهورية الخامسة فإن المراجعة الدستورية ل23 يوليوز 2008 تميزت بالتخفيف من القيود على العمل البرلماني، وتقوية حقوق المعارضة ومأسستها ومنحها مكانة دستورية لم تكن متاحة لها من قبل، ليتم تحصين هذه الحقوق عند وضع النظام الداخلي للجمعية الوطنية الذي أسس نظاما خاصا للمعارضة.

  حيث أرسى النظام الداخلي مبدأ المساواة في توزيع الزمن المخصص للنقاش، بمناسبة تصريح الوزير الأول مسؤوليته، طبقا للبند الأول من الفصل 49 من الدستور، أو في حالة قيام الحكومة بتصريح اختياري متبوع بتصويت، دون إثارة المسؤولية ( الفصل 50 من الدستور )[10]
   وطبقا للفقرة السادسة من المادة 48 من الدستور الفرنسي التي تنص على تخصيص ﺟﻠﺴﺔ واﺣﺪة ﻓﻲ اﻷﺳﺒﻮع على اﻷﻗﻞ ﻷﺳﺌﻠﺔ أﻋﻀﺎء اﻟﺒﺮﻟﻤﺎن وأﺟﻮﺑﺔ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ، فقد حدد النظام الداخلي توزيع الزمن المخصص لهذه الجلسات في الفقرة الثانية من المادة 133 مناصفة بين الأغلبية والمعارضة، مع منح الحق في طرح السؤال الأول لأحد نواب فرق المعارضة أو إلى نائب لا ينتمي لأي فريق.

 بالإضافة إلى أن نصف الأسئلة الشفوية، بدون نقاش، تقدم من قبل نواب أعضاء فرق المعارضة.

   وحدد النظام الداخلي للجمعية الوطنية معايير للاستفادة من الزمن البرلماني خارج محددات ومنطق التمثيل النسبي، فحسب ما ورد في "الفقرة السابعة من المادة 49" من النظام الداخلي للجمعية فقد تم تخصيص حد أدنى من التوقيت لكل فريق، و يكون التوقيت الأكبر لفرق المعارضة، وفي حالة ما إذا كان هناك وقت إضافي فينبغي أن تخصص 60% من هذا التوقيت الإضافي لفرق المعارضة، الذي يوزع بين مكوناتها طبقا لوزن أو لتمثيلية كل مكون من مكونات فرق المعارضة.

   كما تنص "الفقرة الثانية من المادة 132" من النظام الداخلي، على أنه وبناء على "المادة 50-1 من الدستور الفرنسي" بخصوص البيانات التي تقدمها الحكومة وتكون متبوعة بالمناقشة، تحدد ندوة الرؤساء التوقيت الإجمالي المخصص للفرق وللنواب غير المنتمين، ويخصص نصف التوقيت الممنوح للفرق إلى فرق المعارضة الذي يوزع على مكوناتها من جهة، ومن جهة أخرى، يوزع النصف الآخر على الفرق الأخرى بما يتناسب مع أهميتها العددية.

ثانيا: موقف القضاء الدستوري من اعتماد قاعدة التمثيل النسبي.

     في السياق التجربة المغربية، يجب التذكير بإن دستور 2011 لم ينص على تمكين المعارضة البرلمانية من حقوق وامتيازات على أساس تمثيليتها وعلى أساس اعتماد قاعدة التمثيل النسبي إلا بمناسبة انتخاب مكتب مجلس النواب ومكتب مجلس المستشارين حسب منطوق الفصلين 62[11] و63[12] من الدستور، ونعتبر أن تعميم هذه القاعدة لتتجاوز التمثيل النسبي في انتخاب هياكل المجلس، وتنسحب إلى تدبير الزمن البرلماني وتوزيع الوقت بين الأغلبية والمعارضة لا يجد له سند في أحكام الدستور، بل ويتعارض مع روح الدستور وإرادة المشرع الدستوري حيث أن هذا الأخير وعند التنصيص على حقوق المعارضة البرلمانية في الفصل العاشر لم يلجأ إلى معيار التمثيلية بل حدد على سبيل الحصر اعتماد مبدأ التمثيلية والتناسب فيما يتعلق بالحق في استعمال الحيز الزمني في وسائل الإعلام العمومية (فقط لا غير).

  ولا يمكن الحديث عن موضوع تدبير الزمن البرلماني، واعتماد قاعدة التمثيل النسبي في توزيع الغلاف الزمني دون الوقوف على موقف القضاء الدستوري من خلال اجتهاداته وقراراته عند مراقبته لمدى دستورية مقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب، ودون الرجوع إلى تأويلاته الدستورية التي تهم حقوق ومكانة المعارضة البرلمانية.
وفي هذا الإطار، تستوقفنا بعض الاجتهادات ومنها القرار رقم 2013/924 الصادر بتاريخ 2013/08/22، بشأن المادة 207 من النظام الداخلي كما أقره مجلس النواب في جلسته العامة المنعقدة في فاتح غشت 2013.

حيث أن المجلس الدستوري وهو ينظر في مدى دستورية المادة 207 من النظام الداخلي السالفة الذكر قضى بمنح المعارضة نفس الحصة الزمنية الممنوحة للأغلبية في مناقشة موضوع يتصل بالسياسة العامة للحكومة، إذ صرح في شأن هذه المادة: " حيث إنه لئن كانت قاعدة التمثيل الديمقراطي المبنية على الانتخابات ونتائجها، وفقا لأحكام الفصل الثاني والفصلين 11 (الفقرة الأولى) و47 (الفقرة الأولى) من الدستور، تقتضي مبدئيا أن تؤول للأغلبية حصة زمنية تفوق تلك التي تؤول للمعارضة، فإن المكانة التي حرص الدستور على تخويلها للمعارضة، لا سيما بموجب الفصلين 10 و69 منه، تبرر، فيما يخص مناقشة موضوع يتصل بالسياسة العامة للحكومة يتولى رئيسها الإجابة عنها، العدول استثناء عن القاعدة المذكورة ومنح المعارضة نفس الحصة الزمنية الممنوحة للأغلبية "

   إن هذا التأويل الذي استند عليه المجلس الدستوري المتسم بالتناقض (كما سنبين لاحقا)، جعل المساحة الدستورية المخصصة للمعارضة البرلمانية تتسع وتضيق في الآن نفسه باتساع وضيق هامش التأويل، حينما قضى بجواز منح المعارضة البرلمانية نفس الحصة الزمنية المخصصة للأغلبية عند مناقشة موضوع يتصل بالسياسة العامة للحكومة يتولى رئيسها الإجابة عنها من جهة، واعتبر هذا الترخيص -من جهة أخرى-عدول واستثناء عن قاعدة التمثيل النسبي، ومنع تطبيق المناصفة في الآليات الرقابية الأخرى خاصة الأسئلة الأسبوعية.

  والملاحظ أيضا أنه:

أولا، أن المجلس الدستوري اختار أن يستند على الفصلين 10 و 69 من الدستور، دون مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 60 من الدستور الذي اعتبرت " المعارضة مكون أساسي في المجلسين، وتشارك في وظيفتي التشريع والمراقبة، طبقا لما هو منصوص عليه في هذا الباب. " علما أن وظيفتي الرقابة والتشريع وظيفتين رئيسيتين.
ثانيا، أن المشرع الدستوري عند تنصيصه على حقوق المعارضة في الفصلين 10 و69 من دستور 2011 لم يقرنها بالتمثيل النسبي، كما لم يتطرق إلى الحصة الزمنية المخصصة للمعارضة أثناء الجلسة المتعلقة بالسياسة العامة.
ثالثا: أن المجلس الدستوري قد جانب الصواب عندما لجأ إلى التأويل على فكرة عامة وردت في الفصلين 11 و47 من الدستور وهي "قاعدة التمثيل الديمقراطي المبنية على الانتخابات ونتائجها " والتي بموجبها يتعين مبدئيا منح الأغلبية حصة زمنية أكبر من تلك المخولة للمعارضة.

   إن اعتبار المجلس الدستوري أن توزيع الحصة الزمنية المخصصة لجلسة الأسئلة الشهرية مناصفة بين الأغلبية والمعارضة مجرد استثناء عن القاعدة يشمل فقط مناقشة موضوع يتصل بالسياسة العامة للحكومة يتولى رئيسها الإجابة عنها (حيث ميز المجلس الدستوري بين الأسئلة الشهرية والأسبوعية)، يتناقض مع ما ذهب إليه المجلس الدستوري في نفس القرار، بشأن نفس المادة، عندما اعتبر أنه لا يمكن التمييز بين الأسئلة الشهرية والأسبوعية، بصرف النظر عن من يطرحها ومن يجيب عنها  كما جاء في القرار السالف الذكر: " حيث إن أسئلة النواب وأجوبة الحكومة، المنظمة بموجب الفصل 100 من الدستور، بغض النظر عن كونها أسبوعية أو شهرية وبصرف النظر عن موضوعها وعن من يطرحها ومن يجيب عنها، يتعين أن تخضع لنفس المبادئ المنظمة للعلاقات بين البرلمان والحكومة المقررة في الدستور"
 وفي نفس الإطار، ومن أجل الوقوف على مدى سداد وصواب تأويل المجلس الدستوري لمسألة اعتماد قاعدة التمثيل النسبي في توزيع الغلاف الزمني بين الأغلبة والمعارضة فيجب توضيح ما يلي:

 اعتبارا للأهمية التي تكتسيها لغة الدستور كأداة للتأصيل والتقعيد القانوني والتقنين، ولفهم النية والقصد القانوني لدى المشرع الدستوري، فإن هذا الأخير عند صياغته للفصل 10 من الدستور اختار في مناسبتين استعمال فعل ( يضمن ) في الفقرتين الأولى والثانية.

 " يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية.

  ويضمن الدستور، بصفة خاصة، للمعارضة الحقوق التالية: ..."
  وباستعمال الدستور لفعل المضارع المعلوم "يضمن" عند مخاطبته للمشرع المحال عليه تنزيل هذه الحقوق، يكون قد ألزم هذا الأخير بعدم مخالفة هذه المقتضيات وعدم التوسع في تأويلها، حيث أن جميع أفعال المضارع في القانون تساوي فعل أمر.

 وعطفا على ما سبق، فإن استعمال كلمة " يضمن " في الدستور ارتبطت أيضا بحقوق دستورية غير قابلة للتأويل الغير الديمقراطي، كما هو الشأن بالنسبة للحق في السلامة الشخصية (الفصل 21( والحق في الملكية )الفصل 35(.

  ومن أجل توضيح أكثر لأثر تدبير الزمن البرلماني على قاعدة التمثيل النسبي، ارتأينا اختيار مثال من الواقع، يؤكد ما سبق أن طرحناه سابقا، ويجيب بما لا يدع مجال للشك، عن إشكالية تعارض اعتماد هذه القاعدة مع المطلب الدستوري القاضي بتمكين المعارضة البرلمانية من الحقوق التي تضمن مشاركتها الفعلية والفعالة في القيام الوظائف والمهام الدستورية (التشريعية والرقابية).

 حيث أن اعتماد قاعدة التمثيل النسبي في توزيع الغلاف الزمني (المحدد 1080 دقيقة) والمخصص لمداخلة الفرق النيابية بمجلس النواب بمناسبة مناقشة الجزء الأول من مشروع قانون المالية برسم سنة 2022، أفرز تباين كبير جدا في الوقت المخصص لكل من فرق الأغلبية والمعارضة.
 حيث خصص لفرق الأغلبية (ثلاثة فرق) 747 دقيقة، بنسبة 69,16 %
بينما خصص لفرق المعارضة (أربع فرق ومجموعة نيابية) 333 دقيقة، بنسبة 30,83 %
   كما يترتب على اعتماد نفس القاعدة، في توزيع الغلاف الزمني المخصص للأسئلة الشفهية والتعقيب عليها خلال الولاية التشريعية الحالية (2021 – 2026) تمكين الأغلبية (ثلاث فرق نيابية) من 45,35 دقيقة من أجل طرح الأسئلة والتعقيب عليها، في المقابل تمكين المعارضة بمختلف مكوناتها (أربع فرق ومجموعة نيابية) من 15,85 دقيقة.

وخلاصة القول
 
إن تكريس صورة البرلمان كما أرادها دستور 2011 كفضاء للنقاش العمومي يستوعب انشغالات المواطنات والمواطنين، ويستحضر مكانة المعارضة البرلمانية.

 وكمجال أيضا للحوار والتفاعل والتعاون بين الأغلبية والمعارضة، وليس فضاء للنقاش بين الحكومة وأغلبيتها.

  يقتضي تجاوز مرحلة اكتشاف معنى الدستور إلى التنزيل الديمقراطي والسليم لمقتضياته خاصة تلك المتعلقة بالمعارضة البرلمانية، ووضع الأليات الكفيلة بحمايتها وضمان عدم التعسف عليها بعد إقرارها في النظام الداخلي والقوانين ذات الصلة.

   ولا شك أن مناسبة وضع ومراجعة النظام الداخلي لمجلس النواب[13] ستكون لحظة الوفاء لروح الدستور، ومناسبة لإصلاح بنيوي عميق يتجاوز مفهوم التمثيلية الكلاسيكية كآلية لتقاسم المسؤولية في تدبير الزمن البرلماني واتخاذ وصنع القرار البرلماني، ولا يمكن تحقيق هذه الغايات إلا عبر إقرار نظام داخلي كاختصاص مخول لأعضاء مجلسي البرلمان بتوافق بين كل مكوناته - دون اللجوء إلى إمكانية إقرار النظام الداخلي بالتصويت طبقا لمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 69 من الدستور[14] -، بالإضافة إلى تقوية الضمانات القانونية للتنزيل السليم لحقوق المعارضة البرلمانية وتقويم الانحراف الذي قد يشوب تطبيق الحقوق المخولة لمكونات المعارضة البرلمانية، في ظل عدم وجود إمكانية اللجوء إلى المحكمة الدستورية والاحتكام إليها في حالة التنازع بخصوص تطبيق مقتضيات النظام الداخلي[15]  
 
الهوامش
[1]  ذ حسن طارق، إشكاليات تفعيل الدستور في المرحلة الإنتقالية والدخول البرلماني، من وحي البرلمان، صفحة 11
[2]  أربع مرات في الفصل10 من الدستور
  مرتين في الفصل 69 من الدستور
  مرة واحدة في الفصل 60 والفصل 82 من الدستور
[3] الفصل 69 من الدستور.
[4]  الفصل 82 من الدستور.
[5]  الفصل 10 من الدستور.
[6]  ومن هذا المنطلق المرجعي الثابت، قررنا إجراء تعديل دستوري شامل، يستند على سبعة مرتكزات أساسية :
....
خامسا : تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين، بتقوية دور الأحزاب السياسية، في نطاق تعددية حقيقية، وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية، والمجتمع المدني ;
....
[7]   "وفي نفس السياق، ندعو لإخراج النظام الخاص بالمعارضة البرلمانية، لتمكينها من النهوض بمهامها، في مراقبة العمل الحكومي، والقيام بالنقد البناء، وتقديم الاقتراحات والبدائل الواقعية، بما يخدم المصالح العليا للوطن"
[8]  كلمة الحبيب شوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، المهرجان الافتتاحي لمؤتمر شبيبة العدالة والتنمية، منشورة بموقع حزب العدالة والتنمية، بتاريخ 13/06/2013
[9]   عبد اللطيف بروحو، عضو فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب،  "لماذا قاطعت المعارضة جلسة رئيس الحكومة" منشور بجريدة هيسبريس الإلكترونية، 13/06/2013
[10]  د. محمد أتركين، نظام المعارضة البرلمانية، منشورات مجلة الحقوق، سلسلة الدراسات والأبحاث، مطبعة المعارف الجديدة، ص 67
[11]  الفقرة الأخيرة من الفصل 62 من الدستور:
يُنتخب أعضاء المكتب على أساس التمثيل النسبي لكل فريق.
[12] الفقرة الأخيرة من الفصل 63 من الدستور:
يُنتخب أعضاء المكتب على أساس التمثيل النسبي لكل فريق.
[13]  أحالت الفقرة الأخيرة من الفصل10 من الدستور على النظام الداخلي لتديد كيفيات ممارسة المعارضة لحقوقها:
   "تحدد كيفيات ممارسة فرق المعارضة لهذه الحقوق، حسب الحالة، بموجب قوانين تنظيمية أو قوانين أو بمقتضى النظام الداخلي لكل     مجلس من مجلسي البرلمان".
  كما نصت المادة 69 من الدستور على ما يلي:
  ........
يحدد النظام الداخلي بصفة خاصة :
   - قواعد تركيب وتسيير الفرق والمجموعات البرلمانية والانتساب إليها، والحقوق الخاصة المعترف بها لفرق المعارضة
   - واجبات الأعضاء في المشاركة الفعلية في أعمال اللجان والجلسات العامة،والجزاءات المطبقة في حالة الغياب
   - عدد اللجان الدائمة واختصاصها وتنظيمها، مع تخصيص رئاسة لجنة أو لجنتين للمعارضة، على الأقل، مع مراعاة مقتضيات الفصل 10 من هذا الدستور
 
[14]   "يضع كل من المجلسين نظامه الداخلي ويقره بالتصويت، إلا أنه لا يجوز العمل به إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقته لأحكام هذا الدستور".
 
[15]   قرار المجلس الدستوري رقم : 98/215 بتاريخ 1998/06/03
بشان النزاع بين رئاسة مجلس النواب و بعض الفرق النيابية حول إعمال وتأويل وتطبيق بعض مواد النظام الداخلي لمجلس النواب عند التصويت على البرنامج الحكـومي يوم 24 أبريل 1998، الذي صرح فيه بعدم الاختصاص
" حيث إنه لا يوجد في الدستور ولا في القوانين التنظيمية نص يسند إلى المجلس الدستوري مراقبة طريقة تصويت مجلس النواب على البرنامج الحكومي ، من حيث هو ، و الكيفية التي يتعيّن وفقها إعلان نتائجه"
    قرار المجلس الدستوري رقم : 13/ 927 بتايخ 2013/11/07                                                       
    بشأن طلب التصريح بعدم دستورية الجلسات الرقابية لمجلس المستشارين على العمل الحكومي وبطلان جميع المبادرات والأعمال التشريعية التي أقدمت أو قد تُقدِم عليها الحكومة، لعدم استكمالها للإجراءات المرتبطة بالتنصيب البرلماني طبقا لأحكام الفصل 88 من الدستور، الذي صرح فيه بعد الاختصاص
" حيث إن الدستور ينص في الفقرة الأولى من فصله 132 على أن المحكمة الدستورية تمارس الاختصاصات المسندة إليها بفصول الدستور وبأحكام القوانين التنظيمية؛
وحيث إنه ليس في فصول الدستور ولا في القوانين التنظيمية ما يخول المجلس الدستوري - الذي يستمر بموجب الفصل 177 من الدستور في ممارسة صلاحياته إلى أن يتم تنصيب المحكمة الدستورية- اختصاص البت في دستورية انعقاد الجلسات الرقابية لمجلس المستشارين على العمل الحكومي"
 



الاربعاء 24 نونبر 2021
MarocDroit "منصة مغرب القانون الأصلية"

تعليق جديد
Twitter