MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



تكييف كوفيد 19 على ضوء قانون الشغل

     

الاسم محمد افكير طالب باحث سلك الدكتوراه كلية الحقوق طنجة
محام متمرن بهيئة طنجة



إن الخوض في البحث في هذا الموضوع جاء من منطلق راهنيته الآنية من جهة، ولما يعرفه المغرب من تفشي جائحة كورونا_ كوفيد 19_من جهة ثانية، حيث عرف نقاشا مجتمعيا واسعا خصوصا إذا علمنا أن العديد من الأجراء لا زالوا يمارسون عملهم بشكل اعتيادي داخل الوحدات الإنتاجية أو المحلات التجارية دون توقف.
 وإذا كان المغرب قد اتخذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية التي جنبته الكثير من الخسائر البشرية، فإنه بالمقابل لم يوقف عجلة الاقتصاد خصوصا في بعض المناطق الصناعية مما أدى إلى تفشي بؤر للوباء، كان ضحيتها اليد العاملة في هاته الوحدات الإنتاجية.
من هذا المنطلق يتبادر إلى الأذهان سؤال في غاية الأهمية بخصوص هؤلاء الأجراء وهو هل يعتبر تفشي بؤر الوباء بهاته الوحدات الإنتاجية والتجارية حادثة شغل بالنسبة للأجراء، أم هو مجرد مرض عادي، وفي حالة الإجابة على السؤال السابق، من هي الجهة المخول لها منح التعويض للأجراء؟
ولمعالجة هذه الإشكالات ارتأيت اعتماد المنهجية التالية:
سأناقش في المحور الأول، مدى اعتبار كوفيد ـ19ـ  قوة قاهرة، غير متوقعة من طرفي عقد الشغل، وإذا سلمنا بذلك فهل يعتبر الإصابة بالجائحة داخل الوحدة الإنتاجية أو التجارية حادثة شغل، أومجرد مرض عادي، أم يرقى إلى اعتباره مرضا مهنيا، المحور الثاني.
 
المحور الأول : ما مدى اعتبار كوفيد ـ19ـ قوة قاهرة.
عرف المشرع المغربي القوة القاهرة من خلال الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود حيث جاء فيه:" القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية (الفيضانات والجفاف والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا....".
وانطلاقا مما سبق فإنه يمكن القول إلى حد بعيد على أن جائحة كورونا هي قوة قاهرة، على اعتبار أنها أمر غير متوقع لا من طرف المشغل ولا من طرف الأجير، والطرفان معا قد أرغما على عدم تنفيذ التزاماتهما بسبب لم يتوقعانه، فالمشغل ونظرا لنظرية الظروف الطارئة فقد ألزمته الدولة بإغلاق وحدته الإنتاجية درءا للخطر المحدق بالأمن العام والصحة العامة للمواطنين، وهذا الأمر خارج عن إرادته وبالتالي فتنفيذ التزامه تجاه الأجير مستحيل وهو ما نص عليه الفصل 269 من ق ل ع، كذلك الأمر بالنسبة للأجير فإذا ما أصيب بهذا المرض أو الجائحة فإنه لا يستطيع أن ينفذ التزاماته تجاه المشغل المنصوص عليها في مدونة الشغل وبالطبع لظروف خارج عن إرادته مما يجعل تنفيذ الالتزام أمرا مستحيلا.
وإذا نظرنا لتوضيحات منظمة الصحة العالمية بخصوص الفيروس، فقد صرحت بأنه فصيلة من كبيرة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للإنسان والحيوان معا، ويسبب للبشر حالات عدوى الجهاز التنفسي التي تتراوح حدتها بين نزلات البرد المعروفة إلى الأمراض الأشد وخامة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة وهي التي تعرف ب ـ السارس ـ[[1]]url:#_ftn1 .
وقد عملت معظم دول العالم على فرض حالة الطوارئ الصحية بسبب القوة القاهرة التي سببها الفيروس، مما يجعل تنفيذ الالتزامات التعاقدية وغير التعاقدية أمرا مستحيلا لا يد للملتزم فيه، فهو مرغم على عدم التنفيذ لسبب أجنبي وغير متوقع.
وتجدر الإشارة هنا إلى وضعية أطراف عقد الشغل هي متوقفة بناءا على مرسوم صادر من رئيس الحكومة تحت عدد 2.20.292، وبالتالي نحن أمام توقف لعقد الشغل وليس إنهاء سواء بالنسبة للعقود المحددة المدة أو غير المحددة المدة، فقد نصت المادة السادسة من هذا المرسوم على ما يلي:" يوقف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها، ويستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة....".
ومسألة اعتبار جائحة كورونا قوة قاهرة تحتاج لاجتهادات قضائية في هذا الباب ـ ولو أني أميل إلى حد كبير لاعتبارها كذلك ـ توحد العمل على مستوى المحاكم المغربية، خاصة ما سينتج عن هذا التوقف من آثار في مواجهة كلا طرفي عقد الشغل بعد رفع حالة الطوارئ الصحية.
المحور الثاني : ما مدى اعتبار كوفيد 19 حادثة شغل أو مرض مهني
بداية لابد من التفريق بين المرض المهني وحادثة الشغل، خصوصا وأن البعض يعتبر أن جائحة كورونا هو مرض مهني، وهو أمر محل انتقاد خصوصا إذا علمنا أن المرض المهني هو كل مرض ناتج عن التعرض الدائم والمتكرر والمستمر لضرر معين لمدة زمنية معينة  تؤدي بصاحبها إلى أضرار لا على المستوى القريب ولكن على المستوى البعيد وهو ما لا يتحقق مع مرض كوفيد 19، كما عمل المشرع المغربي على تحديد قائمة بالأمراض المهنية الناتجة عن بعض الأعمال، في ظهير 31 ماي 1943 الذي عدد القوائم التي تصنف الأمراض المهنية عند بداية العمل بهذا الظهير وهي 18 قائمة أدخلت عليها عدة تعديلات زادت في عدد الأمراض المهنية، وحسب التعديل الأخير بواسطة القرار رقم 1999 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4788 بتاريخ 20 أبريل 2000، فإن عدد القوائم وصل إلى 86 قائمة وطبعا هذه القائمة لا تضم مرض كوفيد 19، لأن من بين أهم الشروط الأساسية هو عمل الأجير بانتظام في المجال المسبب للمرض المهني وهذه المسألة تدخل في إطار السلطة التقديرية لقاضي الموضوع.
وبالتالي فمن خلال ما سبق يمكن القول على أن الأجراء الذين أصيبوا بمرض كوفيد 19 بمقرات عملهم لم يتعرضوا لمرض مهني، ومن هنا فهل يعتبر مرضهم حادثة شغل؟
تطرق المشرع المغربي لتعريف حادثة الشغل في المادة 3 من القانون 12ـ18 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل حيث جاء فيها:" تعتبر حادثة شغل كل حادثة، كيفما كان سببها يترتب عنها ضرر، للمستفيد من أحكام هذا القانون، سواء كان أجيرا أو يعمل بأية صفة تبعية كانت وفي أي محل كان إما لحساب مشغل واحد أو عدة مشغلين، وذلك بمناسبة أو بسبب الشغل أو عند القيام به، ولو كانت هذه الحادثة ناتجة عن قوة قاهرة أو كانت ظروف الشغل قد تسببت في مفعول هذه القوة أو زادت في خطورتها إلا إذا أثبت المشغل أو مؤمنه طبقا للقواعد العامة للقانون أن مرض المصاب كان سببا مباشرا في وقوع الحادثة
ويقصد بالضرر في مفهوم هذا القانون كل إصابة جسدية أو نفسية تسببت فيها حادثة الشغل وأسفرت عن عجز جزئي أو كلي، مؤقت أو دائم، للمستفيد من أحكامه".
وانطلاقا مما سبق فإنه يمكن القول على أن إصابة الأجير داخل مقر العمل يعتبر بمفهوم المادة المذكورة يعتبر حادثة شغل متى توفرت شروطها والمتمثلة أساسا في: وجوب مساس الإصابة بجسم الأجير سواء كان هذا الضرر ظاهريا أو خفيا، خارجيا أو داخليا، كما يجب أن تقع الإصابة فجأة، كما يجب أن تكون الإصابة بمناسبة قيامه بالعمل داخل الوحدة الإنتاجية، مع العلم بأن الاجتهاد القضائي المغربي دأب على اعتبار أن الحادثة التي يتعرض لها الأجير أثناء قيامه بالعمل بمثابة حادثة يحميها قانون الشغل.
وأساس التفرقة بين كون مرض كوفيد 19 هو حادثة شغل أو مرض مهني أو مرض عادي هو التعويض، وبالتالي إذا ما اعتبرناه حادثة شغل فإن التعويض المستحق للأجير تتحمله شركة التأمين حسب المادة 34 من مدونة الشغل، أما إذا لم تتوفر المقاولة على تأمين فإن صندوق الضمان المنصوص عليه في المادة 46 و47 هو الذي يحل للتعويض عن حادثة الشغل، أما إذا ما اعتبرنا كوفيد 19 مرض عادي حل بالأجير فإن صندوق الضمان الاجتماعي هو من يقوم بتعويض الأجير.
وختاما يبقى هذا المقال هو رأي قانوني يمكن أن يصيب كما يمكن أن يخطئ وأظن على أن الاجتهاد القضائي هو الفيصل في قادم الأيام لحسم هذا النقاش القانوني.
 
 
 
 
 
[[1]]url:#_ftnref1 ـ د أمينة رضوان: مدى مساهمة فيروس كورونا في إنهاء العلاقة الشغلية، مقال منشور بمجلة الباحث عدد خاص بجائحة كورونا العدد 17 أبريل 2020.



الثلاثاء 28 أبريل 2020
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter