MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




"الحجر الصحي بين الشريعة الاسلامية والقوانين الوضعية"

     

بقلم الأستاذة أمينة رضوان
باحثة في العلوم القانونية



"الحجر الصحي بين الشريعة الاسلامية والقوانين الوضعية"
يقصد بالحجر الصحي منع الشخص من الخروج من منطقة معينة تفشى فيها الوباء، و منع الناس من دخول تلك المنطقة للسبب نفسه، وقد شرع الحجر الصحي للحد من انتشار مرض معد أو وباء معين.
ويعدّ الحجر الصحي وسيلة لمنع انتشار المرض المعد أو العدوى من وباء معين بين الناس.
وقد عرف الحجر الصحي في مختلف الأديان، وأقرته مختلف الدول باختلاف مشاربها و تنوع أنظمتها.
وخلال هذا البحث سننظر الحجر الصحي في الشريعة الاسلامية (مبحث أول) و في القوانين الوضعية (مبحث ثاني) ، كالآتي:
                         المبحث الأول
تعامل الشريعة الاسلامية مع الحجر الصحي
كان الاسلام سبّاقا لمعالجة موضوع الحجر الصحي، حيث انتشرت أوبئة كثيرة  في عهد الرسول  كالطاعون مثلا، وفي هذا جاء حديث الرسول صلى الله عليه و سلم «إِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ بِأَرْضٍ فَلا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا مِنْهَا» ، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم : " الطاعون غدة كغدة البعير، المقيم بها كالشهيد، والفار منها كالفار من الزحف"، مقرا بذلك صلى الله عليه وسلم القاعدة الفقهية التالية: "يُرتكب الضرر الأخف لدفعِ الضرر الأعظم" ، باعتبار أن المسلم إذا كان مريضًا بمرضٍ معدٍ فيه خطر على غيره فيتعين عليه ألاّ يختلط بالناس تفاديا لانتشار العدوى بينهم.
 وقد توفي بالطاعون عدد من الصحابة الكرام مثل أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، اللذان أصيبا في طاعون عمواس الذي ضرب الشام أثناء خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولقد أخذ الصحابة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه:"لا يوردن ممرض على مصحّ"، وهو ما دفع سيدنا عمر بن الخطاب إلى أن يعود أدراجه من الشام حينما انتشر مرض الطاعون وقال نفرّ من قدر الله إلى قدر الله، بعدما أكد له الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف، فقال: إن عندي في هذا علمًا، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "إذا سمعتُم به بأرض، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تَخْرُجُوا فرارًا منه".
ولتفادي العدوى من الأوبئة فقد منعت حتى صلاة الجماعة ذرءا لتفشي الوباء بين المصلين، و في هذا نورد ما أمر به الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنهما حينما  قال لمؤذنه في يوم مطير: "إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، قال: فكأن الناس استنكروا ذاك، فقال: أتعجبون من ذا، قد فعل ذا من هو خير مني، إن الجمعة عَزْمة -أي: واجبة-، وإني كرهت أن أحرجكم فتمشوا في الطين والدَّحض -أي: والزلل والزلق".
وفي العهد الأموي أمر الأموي الوليد بن عبد الملك ببناء أول مستشفى في دمشق وأصدر أمراً بعزل المصابين بالجذام عن مرضى آخرين في المستشفى وكان ذلك بين سنتي 706 و 707 (1) .
ولقد أسس الإسلام الحجر الصحي من منطلق الحفاظ على النفس انطلاقا من الآية القرآنية التالية: "وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" (‌2)  وأيضا في الآية الكريمة: "وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا" (‎3) .
وبهذا نصل إلى أن الحجر الصحي هو إجراء وقائي، هدفه الحد من انتشار عدوى وباء معين، وقد أقرته شريعتنا الاسلامية التي كانت سباقة في تأسيس مبادئه انطلاقا من الآيات القرآنية التي ذكرناها أعلاه، و ما أقره الرسول الكريم برصد مجموعة من الأحاديث النبوية في هذا المجال، و ما جسده الصحابة الكرام من عمل، و كل هذا يندرج في إطار الحفاظ على النفس البشرية من الأسقام بمختلف أنواعها، و هو الاتجاه الذي صارت عليه الأنظمة الوضعية عند تفشي مرض معد في دولة معينة أو في مختلف دول العالم، و هو ما سنقف عليه في المبحث الموالي.
المبحث الثاني
الحجر الصحي من خلال القوانين الوضعية
إثر تفشّي فيروس كورونا القاتل سارت مختلف الدول نحو سنّ قوانين تهم الحظر الصحي، وهكذا أغلقت  الصين مدينة ووهان بؤرة تفشي هذا الفيروس من  خلال توقف وسائل النقل فيها واغلاق أماكن أخرى في البلاد، مما أثر على حياة عشرات الملايين من الناس. و بعد تدهور الوضع الصحي بايطاليا أصبحت هذه الأخيرة مهددة بعدم السيطرة على وباء كورونا مما حذا بها الى اتباع إجراء الحظر الصحي نتيجة ارتفاع عدد الوفيات بها إذ أصبحت ثاني دولة في تفشي المرض بعد الصين، وبعد ذلك فرضت جلّ دول العالم نظام الحجر الصحي متخذة من هذا التدبير الأساس للحد من انتشار العدوى في بلدانها، و لم يكن المغرب بمعزل عن ذلك اذ سرعان ما سنّ المرسوم بقانون رقم 2.20.292 صادر في 28 من رجب 1441 (23 مارس 2020) المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و الاجراءات الاعلان عنها، والمرسوم رقم 2.20.293 صادر في 29 من رجب 1441 (24 مارس 2020) المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد 19 (4) ، واللذان جاءا بمجموعة من التدابير لتفادي انتشار المرض. و بقراءة لهذين المرسومين نجد ان المشرع جعل حالة الطوارئ الصحية مفروضة على جميع التراب المغربي باعتبار أن وباء كورونا  يهدد حياة الأشخاص و سلامتهم، كما حدد المشرع المغربي  فترة زمنية لحالة الطوارئ الصحية تبتدأ من 20/03/2020 وتنتهي في 20/04/2020 مع إمكانية تمديد مدة سريان مفعولها، مضيفا أن هذه التدابير لا تحول دون استمرارية المرافق العمومية الحيوية وتأمين الخدمات للمرتفقين، و أنه يتعين على الأفراد التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية. كما خوّل قانون الطوارئ الصحي للسلطات العمومية اتخاذ مجموعة تدابير متمثلة في عدم مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم ومنع أي تنقل لكل شخص خارج محل سكناه إلا في الحالات الضرورية القصوى ، ومنع التجمعات والتجمهرات والاجتماعات للأشخاص إلا إذا كانت لغرض مهني و روعيت فيها تدابير الوقاية وإغلاق المحلات التجارية و من في حكمها التي تستقبل العموم. كما خوّل للحكومة في حالة الضرورة القصوى إمكانية اتخاذ - بصفة استثنائية - أي إجراء ذي طابع اقتصادي أو مالي أو اجتماعي أو بيئي يكتسي صبغة استعجالية يكون من شأنه الاسهام مباشرة في مواجهة الآثار السلبية المترتبة عن إعلان حالة الطوارئ.
وقد كفل المشرع ضمان التطبيق السليم لهذه التدابير بمجموعة عقوبات جنائية متجلية  في معاقبة المخالفين للأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر و بغرامة بين 300 و1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين دون الاخلال بالعقوبة الجناية الأشد، ويعاقب بنفس العقوبة كل من عرقل تنفيذ قرارات السلطات العمومية المتخذة عن طريق العنف أو التهديد أو التدليس أو الاكراه. كما يعاقب أيضا كل من قام بتحريض الغير على مخالفة هاته القرارات بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوّه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية، أو بواسطة المكتوبات أو المطبوعات أو الصور أو الأشرطة المبيعة أو الموزعة أو المعروضة في الأماكن أو الاجتماعات العمومية، أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم أو بواسطة مختلف وسائل الاعلام السمعية البصرية أو الالكترونية وأي وسيلة أخرى.
      ومجمل القول فإن فرض حالة الحظر الصحي مبتغى كل مجتمع من أجل الحفاظ على مكوناته البشرية و ضمان سلامتهم الجسدية، تفاديا لأي عدوى قد يأتي بها مرض معد. و قد كان الاسلام سبّاقا إلى فرض الحظر الصحي، و هو ما سارت عليه المجتمعات المتعاقبة وصولا إلى عصرنا الحالي نتيجة تفشي جائحة كورونا، و في هذا ضمان للحد من انتشار العدوى بين الأفراد والجماعات.
 
 
 
الهوامش
https://arabicpost.net(1)
(2) الآية 195 من سورة البقرة
(3) الآية 29 من سورة النساء
 (4) مرسومين منشورين بالجريدة الرسمية، السنة التاسعة بعد المائة، العدد 6867 مكرر ، 29 من رجب 1441 ( 24 مارس 2020) الصفحة 1782_1783
 



الثلاثاء 28 أبريل 2020
MarocDroit "منصة مغرب القانون الأصلية"

تعليق جديد
Twitter