إعداد
كوثر الركراكي
باحثة في سلك الدكتوراه بكلية الحقوق طنجة
نظم المجلس العلمي المحلي لعمالة طنجة أصيلة بتنسيق مع كلية الحقوق بطنجة ندوة علمية تحت عنوان الحماية الشرعية والقانونية للبيئة وذلك يوم الثلاثاء 25 يونيو 2013 بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بطنجة، تميزت هذه الندوة بالحضور اللافت للمهتمين بالموضوع (باحثين وحقوقيين) تابعوا بإمعان عروض قيمة في مواضيع ذات صلة مباشرة بالبيئة بالإضافة إلى مشاركة عدد من الأساتذة الجامعيين المختصين.
استهلت أشغال الندوة بكلمة افتتاحية للدكتور عبد السلام بنحدو الذي رحب بالجهات المنظمة حيث أكد على أهمية تنظيم هذا اللقاء الذي يسلط الضوء على الحماية الشرعية والقانونية للبيئة.
بعد ذلك أعطيت الكلمة للسيد عميد كلية الحقوق بطنجة الدكتور محمد يحيى الذي اعتبر أن موضوع الحماية الشرعية والقانونية للبيئة من المواضيع الأساسية خصوصا في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعرفها المغرب ،وباعتباره كذلك من الحقوق الكونية (فهو يمثل الجيل الرابع للحقوق) كما أكد أن المغرب كان له السبق في إعطاء أهمية خاصة لهذا الموضوع مما شكل تراكما أساسيا توج من خلال الدستور الجديد الذي نص على الحقوق البيئية. واعتبر أن القيمة المضافة لهذا اليوم الدراسي ستكون من خلال مقاربة للجانب القانوني والشرعي لموضوع البيئة، وأشار إلى أن التشريع الإسلامي كان له السبق في هذا الموضوع ويأتي هذا اللقاء في إطار الانفتاح على المحيط الاقتصادي والاجتماعي، هذا ما يؤكد دينامية المؤسسة في مناقشة مواضيع ذات أهمية خاصة، وبالخروج بتوصيات من أجل المساهمة في تأهيل المؤسسات خاصة في جانب ذو أهمية كبرى وهو
البيئة،ومن أجل إعداد ترسانة قانونية هناك مخطط تشريعي للحكومة الحالية يتعلق بالموضوع ،واعتبر أن خلاصة هذه الندوة ستساهم ولو بقدر يسير من أجل حل الإشكاليات المطروحة.
وقد افتتح الجلسة الأولى الدكتور عبد الخالق أحمدون عضو المجلس العلمي ونائب عميد كلية الحقوق بطنجة حيث استعرض برنامج الندوة واعتبر أن هذا اللقاء يأتي في إطار مشروع أحدثه المجلس العلمي يتعلق الأمر بالمرصد الجهوي للبيئة ومنتدى الشباب للبيئة، وأكد على أن التغلب على المشاكل البيئية يجب أن يتم عن طريق الإنسان وذلك من خلال الإرشاد و التوعية.
فحماية البيئة والمحافظة عليها يطرح رؤية تنطلق من تعاليم الإسلام وهي تعاليم خالدة سامية لا ينطليها تغيير أو تبديل.
وأضاف أن الاتفاقيات الدولية أكدت على أن تأتي التشريعات المتعلقة بحماية البيئة من عقيدة الأمة وذلك من أجل الحد من تدهور الأوضاع البيئية خاصة أننا نعيش العديد من المشاكل الناتجة عن هذا التدهور. ولا شك أن هذه المنظومة ستؤسس لرؤية خاصة لضبط وترشيد علاقة الإنسان بالبيئة، كما أكد على أن الهدف من المنتدى أو المشروع هو:
- مساعدة الشباب على تعزيز المقررات الدراسية المرتبطة بالبيئة.
- التربية البيئية عبر دروس الوعظ والإرشاد وذلك من خلال الندوات والأيام الدراسية والأنشطة....
- توثيق المعلومات المتعلقة بالفقه الإسلامي المتعلقة بالبيئة.
- تكثيف برامج التوعية البيئية لمختلف الفئات العمرية بإشراك الجمعيات والمؤسسات تكون الغاية منها غرس الوازع الديني للأفراد وإيقاظ الضمائر التي لا شك أنها توقظ الوعي بالمسؤولية.
- التعريف بالتراث الإسلامي البيئي وإحياء التراث البيئي من خلال هيئات متخصصة في هذا المجال من أجل نشر الأبحاث والدراسات.
- تقديم الإرشادات العلمية عن كيفية التعامل مع البيئة.
- إعداد مسابقات، ندوات إعلامية بيئية وذلك من أجل أن يحس المواطن أنه مسؤول أمام الله وأمام الوطن حيث أننا نرصد العديد من المخالفات التي تؤكد جهل الإنسان بتعاليم الإسلام البيئية.
كما أن تطور صناعة السفن خاصة بعد ظهور البترول الذي يتم نقله عبر البحار أدت إلى ظهور العديد من الحوادث البحرية التي كانت السبب في تلوث البحر، وقد انتبه الأوروبيون بعد أحداث بحرية كثيرة مما جعل المشرع الدولي قلقا على البيئة البحرية حيث توالت اللقاءات المتعلقة بالموضوع والمعاهدات الدولية 1982 والمغرب يعتبر عضوا فعالا ساهم في المجتمع الدولي فيما يتعلق بالموضوع ، وتتمثل خصوصية هذه المعاهدة في أنه سيتم الاعتراف لأول مرة بمجموعة 77 (دول العالم الثالث) حيث وضعت للتصديق عليها شروط تتمثل في أنه على كل دولة لديها موانئ أن تؤثث وتجهز هذه الموانئ عن طريق إحداث معامل صغيرة لاحتراق البترول واعتبر أن موانئ التجارة في المغرب التي تعرف حركات خطيرة في المجال البحري هي ضعيفة ومتوسطة، كما أشار أن مدونة التجارة البحرية هي مدونة لم تخرج إلى الوجود لأن المادة البحرية في المغرب تلتقي فيها أكثر من 12 وزارة، لذلك اكتفى المغرب بإصدار قوانين بيئية.
وفي مداخلة الدكتور جميلة العماري التي ناقشت الحماية القانونية للبيئة اعتبرت أن الاهتمام بالبيئة بدأ منذ الستينات حيث تم إصدار العديد من القوانين من أجل إنقاذ المغرب من تردي الوضع البيئي، كما أن المغرب دخل متأخرا في مجال الحماية البيئية لذلك فإن هذا المجال لا زال يعرف العديد من الإشكاليات.
هذه التجربة التشريعية لم تأتي من فراغ وإنما من العديد من المؤتمرات الدولية والخطابات الملكية التي دعت إلى إحداث ميثاق وطني للبيئية إلا أن هذه التجرية تبقى ضعيفة من أجل الحماية وذلك بسبب العديد من العراقيل والمشاكل المطروحة في هذا الموضوع والتي جعلت من هذا التشريع قاصرا عن حماية البيئة وذلك لأنه:
- تشريع وجه لأجل مصالح اقتصادية.
- عدم الترابط والاتصال مع الحقائق الاجتماعية من جهة والحماية القانونية من جهة ثانية.
- هناك بعض الثغرات حيث أن مجال حرب التلوث لم تحظى بالأهمية لذلك فإن المواد الكيماوية الخطيرة لم تأخذ حقها الكافي في التشريع المغربي باستثناء محاولات خجولة لا ترقى إلى الحماية المنتظرة مما أدى إلى تردي الوضع البيئي وظهور العديد من الأمراض الخطيرة.
- عدم الوصول إلى المعلومة مما أدى إلى تردي الوضع البيئي.
- لا بد من إعطاء تكوين للفئات المهتمة بالموضوع البيئي.
- وضع سياسية بيئية ناجعة.
- عدم وجود بنية تحتية مناسبة (تحاليل، خبراء، مختصون، قانونيون مختصون في متابعة العقوبات...).
- في المعاهد القضائية يجب أن يكون مختصون في هذا المجال نظرا لخطورة الموضوع.
- ضعف تحسيس المواطنين (يجب أن يصل إلى المواطنين الحملات التحسيسية، ندوات، لقاءات المتعلقة بالموضوع، وتعتبر هذه الندوة خطوة لا بأس بها في هذا المجال).
- تردي الوضع المؤسساتي حيث اعتبرت أنه بدون مؤسسات لا يمكن تطبيق أي تشريع.
- هناك تشتت في البنيات الإدارية فهذا الموضوع يتقاسمه مجموعة من الهيئات والوزارات والمؤسسات والقطاعات (الصحة، التجهيز، المياه والغابات) هذه الوزارات تعتبر البيئة موضوعا ثانويا.
- المهتمون الدوليون بالموضوع خصصوا مجال البيئة في قطاع محدد، لذلك لا بد من مزج هذه التجارب وخلق وزارة تعنى بالبيئة.
- لا بد من التنسيق بين الوزارات من أجل سياسة بيئية فاعلة وتكثيق كافة الجهود لعدم الوقوع في هذه الإشكالات التي تكلف البلد أموالا طائلة.
- ضعف التنسيق، نقص الوسائل المادية، الخبراء المتخصصين، ميزانية مستقلة خاصة بالبيئة.
- تشخيص الوضع: تردي الوضع التشريعي والمؤسساتي فهي تقترح:
- إيجاد قطاع قانوني للمحافظة على البيئة.
- متابعة التنمية الاقتصادية.
- تحقيق التناسق القانوني المتصل بالبيئة ولن يتأتى ذلك إلا من خلال قيام المغرب بالتزاماته الدولية وإصلاح قانوني يتمثل في خلق مدونة قانونية شاملة جامعة لكل ما يعالج البيئة (مساعدة الخبراء والمشتغلين في المجال البيئي، الباحثين....).
- تكييف النصوص القانونية، تعديل النصوص القديمة من أجل النهوض بالوضع البيئي بالمغرب.
- سد الثغرات القطاعية: تقترح في هذا الصدد خلق :
- خلق رسوم بيئية لتنمية المداخيل التي يجب أن توجه إلى ما تمت بعثرته في هذا المجال.
- احترام البيئة.
- تكوين الشركاء وإعلام العموم.
- مراكز في الجامعات وكليات الحقوق والعلوم، مختبرات....
- تكوين القضاة باعتبارهم آلية أساسية لتفعيل النص القانوني.
- خلق مناصب الشغل.
- التكوين البيئي لرؤساء وأطر المقاولة.
- تمكين المواطن من الوصول إلى المعلومة.
- الندوات والخرجات الإعلامية والأيام الدراسية ولما لا أسبوع للبيئة ،برامج لتوعية المواطن.
وقد تحدث الدكتور أحمد الجباري في مداخلته حول موضوع حماية البيئة في الشريعة الإسلامية
عن الأهمية البالغة التي حظيت بها البيئة في الشريعة الإسلامية حيث أرسى الإسلام الضوابط والقواعد التي تنظم علاقة الإنسان بالبيئة، كما أن الإسلام وضع الإطار العام لحماية البيئة في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، وقد ناقش هذا الموضوع من خلال القرآن والسنة، والتراث الفقهي الإسلامي.
أما مداخلة الأستاذ عبد اللطيف شهبون التي تمحورت حول المقاربة الحقوقية للبيئة ،فقد اعتبر أن هذه المقاربة تستند إلى رؤية كونية لتنظيم الحياة ولتنظيم معيش الإنسان في الكون، كما أن جميع حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والبيئية... هي كل متكامل، لكنه يعتمد على البيئة بمفهومها الطبيعي الإيكولوجي، أو البيئة المشيدة.
كما أشار إلى أن الحديث عن هذه الحقوق (صحة، غذاء، الحصول على الخدمات )لا يمكن أن يتم دون بيئة صحية حتى وإن سجلنا أن الاهتمام بالبيئة جاء متأخرا (بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وما خلفته من مشاكل جمة في العقود الأخيرة ) فإننا نلحظ تزايد الاهتمام بحقوق الإنسان في علاقتها بالبيئة في الأدبيات الحقوقية والاتفاقيات الدولية،على الرغم من ذلك هناك تراكم على مستوى القوانين والاتفاقيات الدولية ودراسات وخبرات أكاديمية علمية في هذ الموضوع.
وقد تعرضت الدكتوراه سعاد الحميدي: الحماية الجنائية للبيئة حيث اعتبرت أن تدخل المشرع بالتجريم والعقاب ينطوي على الاهتمام بموضوع البيئة نظرا لما لهذه الأخيرة من أهمية كبيرة شملها القانون الجنائي بالحماية الأمر هنا لا يرتبط بالمساس الفردي ولكن الأمر يتجاوز فيه الاعتداء على حق الجماعة بأسرها، والمس بأسس بقائها وعوامل وجودها وتطورها، وقد تحدثت عن ظهور أنواع جديدة من الجرائم كما تحدثت عن طبيعة الأحكام التي خصها المشرع المغربي للبيئة بالإضافة إلى أهمية تدخل القانون الجنائي في مجال البيئة وعن المقصود بهذه الحماية، وتعرضت كذلك لخصوصية الجرائم البيئية وقواعد حماية البيئة.
أما الدكتورة كوثر مربوح فقد تطرقت لموضوع حماية البيئة البحرية (باللغة الفرنسية) وذلك من خلال محورين: تعرضت في المحور الأول للاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة التلوث البحري، أما المحور الثاني فقد استعرضت من خلاله الاتفاقيات الدولية الرامية إلى تحسين السلامة البحرية.
وجاءت مداخلة الدكتور بوحوص هشام تحت عنوان: مسؤولية الشركات الاجتماعية في الحفاظ على البيئة، حيث سلط الضوء على الأخطار التي تكون الشركات هي السبب فيها بسبب قراراتها واعتبر أن البيئة في المغرب ليست على ما يرام، لذلك يجب وضع استراتيجية وطنية من أجل الحفاظ على التنمية الاجتماعية وعلى الثروة البيئية، كما ناقش تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المتعلق بالبيئة.
وقد تدخلت الدكتورة هند الخمال بموضوع تحت عنوان: البيئة والتنمية (باللغة الفرنسية).
تحدثت الدكتورة وداد العيدوني في آخر الجلسة عن موضوع: التربية البيئية في الإسلام: حيث لأشارت إلى وجود 991 آية من كتاب الله عز وجل تنص على حماية البيئة وهذا دليل على اهتمام الإسلام بهذا الموضوع، كما قامت بتعريف التربية البيئية بأنها تعلم كيفية إدارة العلاقة بين الإنسان وبيئته وتعلم كيفية استخدام الأدوات واتخاذ القرارات البيئية العقلانية وضرورة الإدراك والفهم وتكوين اتجاهات للمحافظة على البيئة، ومن خلال هذا التعريف ترى الأستاذة أن التربية البيئية هي جانب من التربية التي تساعد الناس على العيش بصحة جيدة.
تحدثت كذلك عن الاهتمام الدولي ببرامج التربية البيئية حيث جاءت مجموعة من المؤتمرات التي تمس البيئة، كمؤتمر ريوديجانيرو الذي خصص فصلا كاملا حول التربية البيئية لكي يصبح العالم أكثر رفاهية لبني البشر،كما أكدت على أن التربية البيئية تسعى إلى إعداد إنسان بيئي وذلك بناء على الخاصية الثلاثية البيئية التي تعني أن الإنسان يجب عليه أن يتعلم عن البيئة ومن البيئة ولأجل البيئة.
وأضافت أن الإسلام وضع منذ أكثر من15 قرنا مسؤولية الاستثمار والعناية بالطبيعة حيث اعتبر سوء إدارة الطبيعة إثما عظيما، لذلك فإن القرآن الكريم يدعو للتعاطف مع الطبيعة وجعل بينها وبين الكائن الحي مودة وألفة.
وقد استعرضت الأستاذة المحاضرة أهم مبادئ ومقومات ومجالات التربية البيئية والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
*المبادئ: مبدأ خلق هادف، مبدأ التوازن والاتزان والوحدة ، الخلافة، الأمانة، العلم، الحلال والحرام، العدل، والاعتدال والتوازن، فهذه المبادئ تؤطر الناس مما يؤدي إلى تحقيق السعادة للفرد.
*مقومات: الألوهية، الكون، الإنسان، الحياة، وهي مجمل التصور الإسلامي للتربية البيئية.
*مجالات التربية البيئية: مجال التربية في صيانة المورد الطبيعي، التوازن الطبيعي، تصحيح المعتقدات الخاطئة.
أشغال الندوة العلمية تواصلت بفتح باب المناقشات أمام الحضور ، وقد أسفرت هذه الندوة على مجموعة من المقترحات والتوصيات.