شكلت نهاية الحرب الباردة مدخلا لبروز أزمات جيوسياسية من نوعٍ آخر فرضت العديد من الارتدادات المختلفة للقضايا السياسية وإدارة الأزمات الدولية في ذلك الصدد، أدت تلك الأزمات إلى إتاحة الفرصة لظهور العديد من الحركات الانفصالية المطالبة بنيل الاستقلال بشكل سلمي أو بقوة السلاح، ما خلف صراعات دموية واسعة امتدت لسنوات في بعض الأحيان. فقد فتح انهيار الاتحاد السوفيتي الباب بمصراعيه أمام القوميات والأقليات الإثنية التي طالما احتضنها العملاق البائد طيلة مدة تأسيسه منذ الثورة البلشفية. فقد انكشفت النزاعات القومية في البلقان وتفككت دول (يوغسلافيا الاتحادية)، واستقلت دول عديدة (أوكرانيا-دول البلطيق...).
لقد باتت تكلفة الانفصال وتداعياته مرتفعة جدًا بالنسبة للدولة الأم وللإقليم الذي تقع فيه، نظرًا لإمكانية مطالبة أقاليم أخرى بالانفصال من جانب، واحتمال نشوب صراعات بني الدولة الجديدة والدولة المنفصلة عنها أو دول أخرى مجاورة، علاوة على تبعات الاعتراف أو عدم الاعتراف الدولي بالدولة” الوليدة“ التي قد لا تمتلك واقعيًا مقومات الدولة بمفهومها التقليدي.
والملاحظ أن الاستجابة الدولية للحركات الانفصالية تتأثر بالاعتبارات الجيوسياسية. قد تدعم البلدان أو تعارض الحركات الانفصالية اعتماداً على مصالحها الاستراتيجية. على سبيل المثال، دعمت الولايات المتحدة انفصال جنوب السودان من السودان في عام 2011 كوسيلة لإضعاف الحكومة في الخرطوم، والتي كان ينظر إليها على أنها مؤيد للإرهاب. كما دعمت أوغندا انفصال جنوب السودان، نظراً لوجود منافع سوف تحققها من هذا الانفصال؛ فقد كانت أوغندا ستستفيد اقتصادياً من تطوير البنية التحتية في هذه الدولة الحبيسة، خصوصاً مع وجود خطط تبحث إمكانية إقامة أنبوب لتصدير النفط يمر عبر أراضيها.
كما قد يكون للانفصال ارتدادات ينجم عنها نشوء دول رخوة وضعيفة لا تملك من مقومات الحياة الدولية ومؤسسات الدولة الفاعلة والقوية إلا الاسم لتتحول إلى مرتع للعصابات الإجرامية مهددة أمن واستقرار جيرانها (مالي كمثال). وحتى لو وجدت كيانات تملك من مواصفات السيادة ما يؤهلها للانفصال، إلا أنها قد لا تتوفر على الإمكانات والموارد اللازمة لإدارة الدولة والاضطلاع بالمهام المنوطة بها إزاء المواطنين الذين يعيشون فوق ترابها (حالة جنوب السودان بعد انفصاله عن الدولة الأم). بيد أن الأخطر من ذلك كله هو احتمال اندلاع مواجهات عنيفة بسبب رغبة بعض الأطراف في الانفصال.
وسواء تعلق الأمر بكاتالونيا أو كردستان العراق أو جنوب السودان أو غيرها من الأقاليم (أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا- ترانسنيستريا الانفصالية التي انفصلت عن مولدوفا عام 1992 بفضل الدعم الروسي في حرب جورجيا عام 2008- شبه جزيرة القرم عام 2014 (لا تعترف بهما الأمم المتحدة)) ، أو كوسوفو المستقلة عام 2008 وتعاني من مشاكل في الشمال ذي الغالبية الصربية، أو لها مطامح انفصالية ، فإن القاسم المشترك بينها في الغالب هو الرغبة في الحصول على الاعتراف الدولي المنفرد(ولو من دولة أو من دولتين)، و التمتع بحقوق أكثر والتطلع لمستقبل أفضل، لكن الواقع قد يظهر عكس ذلك. فهناك كيانات نجحت في تحقيق الانفصال بفضل (عوامل داخلية وخارجية)، فجنوب السودان مثلا الذي انفصل عن الشمال في 2011، يعيش حاليا حالة من الانهيار والانقسامات ويغرق في العنف والفوضى.
الأكيد أن الاعتراف الدولي المنفرد (صادر عن دولة أو دولتين) –ولو بصورة غير مباشرة، من خلال تقديم الدعم الإعلامي والرعاية للمطالب الانفصالية– سلاح تستخدمه بعض القوى للضغط على أطراف أخرى وابتزازها. وفي هذا الإطار، يمكن –على سبيل المثال– فهم الدعم التركي المتواصل لجمهورية القبارصة الأتراك (لا تعترف بها الأمم المتحدة) التي تعتبر أداة مهمة للضغط على اليونان وإضعافها.
ختاما، ما نود التأكيد عليه هو أنه مع استمرار اتساع نشاط الحركات الانفصالية في الوقت الراهن يبدو أن العالم مقبل علي مرحلة بلقنة جديدة، ربما تتطلب تحسين أوضاع الأقليات والاستماع إليهم، وإشراكهم في ممارسة السلطة والتوزيع العادل للثروة، وتبني أطر وأشكال جديدة من الفيدرالية لمنح الحكم الذاتي والرابطة الحرة، أو تبني الكونفدرالية وهي رابطة تضم في عضويتها دولا مستقلة ذات سيادة، لتجنب خطر الانفصال والتقسيم.
لقد باتت تكلفة الانفصال وتداعياته مرتفعة جدًا بالنسبة للدولة الأم وللإقليم الذي تقع فيه، نظرًا لإمكانية مطالبة أقاليم أخرى بالانفصال من جانب، واحتمال نشوب صراعات بني الدولة الجديدة والدولة المنفصلة عنها أو دول أخرى مجاورة، علاوة على تبعات الاعتراف أو عدم الاعتراف الدولي بالدولة” الوليدة“ التي قد لا تمتلك واقعيًا مقومات الدولة بمفهومها التقليدي.
والملاحظ أن الاستجابة الدولية للحركات الانفصالية تتأثر بالاعتبارات الجيوسياسية. قد تدعم البلدان أو تعارض الحركات الانفصالية اعتماداً على مصالحها الاستراتيجية. على سبيل المثال، دعمت الولايات المتحدة انفصال جنوب السودان من السودان في عام 2011 كوسيلة لإضعاف الحكومة في الخرطوم، والتي كان ينظر إليها على أنها مؤيد للإرهاب. كما دعمت أوغندا انفصال جنوب السودان، نظراً لوجود منافع سوف تحققها من هذا الانفصال؛ فقد كانت أوغندا ستستفيد اقتصادياً من تطوير البنية التحتية في هذه الدولة الحبيسة، خصوصاً مع وجود خطط تبحث إمكانية إقامة أنبوب لتصدير النفط يمر عبر أراضيها.
كما قد يكون للانفصال ارتدادات ينجم عنها نشوء دول رخوة وضعيفة لا تملك من مقومات الحياة الدولية ومؤسسات الدولة الفاعلة والقوية إلا الاسم لتتحول إلى مرتع للعصابات الإجرامية مهددة أمن واستقرار جيرانها (مالي كمثال). وحتى لو وجدت كيانات تملك من مواصفات السيادة ما يؤهلها للانفصال، إلا أنها قد لا تتوفر على الإمكانات والموارد اللازمة لإدارة الدولة والاضطلاع بالمهام المنوطة بها إزاء المواطنين الذين يعيشون فوق ترابها (حالة جنوب السودان بعد انفصاله عن الدولة الأم). بيد أن الأخطر من ذلك كله هو احتمال اندلاع مواجهات عنيفة بسبب رغبة بعض الأطراف في الانفصال.
وسواء تعلق الأمر بكاتالونيا أو كردستان العراق أو جنوب السودان أو غيرها من الأقاليم (أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا- ترانسنيستريا الانفصالية التي انفصلت عن مولدوفا عام 1992 بفضل الدعم الروسي في حرب جورجيا عام 2008- شبه جزيرة القرم عام 2014 (لا تعترف بهما الأمم المتحدة)) ، أو كوسوفو المستقلة عام 2008 وتعاني من مشاكل في الشمال ذي الغالبية الصربية، أو لها مطامح انفصالية ، فإن القاسم المشترك بينها في الغالب هو الرغبة في الحصول على الاعتراف الدولي المنفرد(ولو من دولة أو من دولتين)، و التمتع بحقوق أكثر والتطلع لمستقبل أفضل، لكن الواقع قد يظهر عكس ذلك. فهناك كيانات نجحت في تحقيق الانفصال بفضل (عوامل داخلية وخارجية)، فجنوب السودان مثلا الذي انفصل عن الشمال في 2011، يعيش حاليا حالة من الانهيار والانقسامات ويغرق في العنف والفوضى.
الأكيد أن الاعتراف الدولي المنفرد (صادر عن دولة أو دولتين) –ولو بصورة غير مباشرة، من خلال تقديم الدعم الإعلامي والرعاية للمطالب الانفصالية– سلاح تستخدمه بعض القوى للضغط على أطراف أخرى وابتزازها. وفي هذا الإطار، يمكن –على سبيل المثال– فهم الدعم التركي المتواصل لجمهورية القبارصة الأتراك (لا تعترف بها الأمم المتحدة) التي تعتبر أداة مهمة للضغط على اليونان وإضعافها.
ختاما، ما نود التأكيد عليه هو أنه مع استمرار اتساع نشاط الحركات الانفصالية في الوقت الراهن يبدو أن العالم مقبل علي مرحلة بلقنة جديدة، ربما تتطلب تحسين أوضاع الأقليات والاستماع إليهم، وإشراكهم في ممارسة السلطة والتوزيع العادل للثروة، وتبني أطر وأشكال جديدة من الفيدرالية لمنح الحكم الذاتي والرابطة الحرة، أو تبني الكونفدرالية وهي رابطة تضم في عضويتها دولا مستقلة ذات سيادة، لتجنب خطر الانفصال والتقسيم.
الرابط
https://www.interregional.com/article/State-of-The-World:/2409/Ar