تقديم
يأتي مشروع قانون 24.19 المتعلق بنقابات العمال والمنظمات المهنية للمشغلين بصيغته الحالية المحينة على ضوء ملاحظات مختلف القطاعات الوزارية[1]، كمحاولة لتكريس ما تضمنه دستور 2011 من مقتضيات وخاصة ما جاء ديباجته التي تنص على مبادئ المشاركة والتعددية والتشاركية، ومنطوق بعض فصوله[2].
إضافة إلى السعي نحو إخراج قانون يجمع النصوص التشريعية المنظمة للمنظمات النقابية والموزعة بين ظهير رقم 1.57.119 المتعلق بالنقابات المهنية بالقطاع العام، وبين فصول القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل والذي ينظم العمل النقابي بالقطاع الخاص، وتضمينها مدونة واحدة تتجاوز ازدواجية الأحكام القانونية المنظمة للمنظمات النقابية المتفرقة بين القانونين أعلاه.
ويظهر من خلال دراسة الصيغة الحالية لمشروع قانون24.19 -والتي هي الصيغة المعروضة على التشاور مع مختلف الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين-، محاولة المشرع المغربي لإخراج قانون شامل ينظم العمل النقابي في البلاد من خلال نص واحد يتجاوز تشتت النصوص القانونية، ويتضمن مقتضيات قانونية مستجدة تنظم هذا القطاع، إلا أن محاولة المشرع هذه لم تخلوا من القصور الذي يتجلى بداية على المستوى الشكلي لمشروع قانون 24.19 الذي تخللته عدة جوانب حرية بالانتقاد والتصويب.
وبالرغم من الطابع الإيجابي لبعض المستجدات التي تضمنها مشروع القانون على المستوى الموضوعي إلا أن كثيرا من الجوانب الموضوعية التي تضمنها المشروع لا تتجاوز كونها تكريسا لما سبق التنصيص عليه في القوانين السابقة، إضافة الإبقاء على مقتضيات قانونية أخرى طالتها العديد من الانتقادات والدعوات الفقهية إلى تغييرها وتجاوزها، فيما تضمن المشروع الحالي ما يمكن اعتباره تراجعا عن المكتسبات القانونية التي كان منصوصا عليها في النصوص السابقة، وهو ما سيتم العمل على تفصيله أكثر خلال هذا المقال من خلال التصميم التالي:
المحور الأول: الملاحظات الشكلية على مشروع قانون 24.19 المتعلق بالمنظمات النقابية
المحور الثاني: الملاحظات الموضوعية على مشروع قانون 24.19 المتعلق بالمنظمات النقابية
المحور الأول: الملاحظات الشكلية على مشروع قانون 24.19 المتعلق بالمنظمات النقابية
يمكن ملاحظة أوجه قصور الجانب الشكلي لمشروع قانون 24.19 المتعلق بالمنظمات النقابية على عدة مستويات انطلاقا من ديباجة المشروع مرورا بتقسيمه وتوزيع مواده وصياغتها، وصولا إلى تراجع المشروع عن المقاربة التشاركية من خلال تبني تقنية الإحالة على القانون التنظيمية.
أولا: القصور الشكلي على مستوى ديباجة وتقسيم مشروع القانون المتعلق بالمنظمات النقابية
اعتمد المشرع في صياغته لمشروع قانون 24.19 على افتتاحه بديباجة تناولت مبدأ الحرية النقابية والتكريس الدستوري لها انطلاقا من دستور 1962 وصولا إلى دستور 2011، إلى جانب بيان دوافع صياغة هذا المشروع مع تقديم عام لأبرز ما يتضمنه، وذلك قبل الشروع بعرض أبوابه وما تضمنه من مقتضيات.
ففيما يتعلق بالديباجة يلاحظ أن المشروع انطلق فيها من المواثيق الدولية والاقليمية دون تحديد هذه المواثيق، وذكر بالإطار القانوني الوطني المؤطر للمنظمات النقابية، وبالمقتضيات الدستورية ذات الصلة، ثم عمل على تقديم عام لعناوين أبواب المشروع، دون الوقوف عند المبادئ العامة المؤطرة للحرية النقابية من مرجعياتها الدولية والإقليمية ودون ترجيح بين مصادر القانون المنظمة للحريات النقابية، حيث يمكن تجاوز هذه الديباجة.
كما يسجل على ديباجة المشروع تنصيصها أن مشروع القانون جاء من أجل تجاوز الازدواجية التشريعية التي يعرفها الحقل النقابي في البلاد من خلال وضع قانون يسرى على كل العمال والمستخدمين بما فيهم موظفي الدولة، والحقيقة أن مشروع القانون كرس تلك الازدواجية ولم يتجاوزها، حيث كانت المقتضيات القانونية التي تحكم العمل النقابي تتوزع بين تلك المضمنة ظهير 1957 وبين تلك المضمنة مدونة الشغل، وفي مشروع القانون هذا نص المشرع في المادة 143 منه على نسخ مقتضيات ظهير 1957 دون مدونة الشغل الأمر الذي يعزز تلك الازدواجية ولا يتجاوزها.
إما على مستوى تقسيم المشروع، فقد تضمن هذا الأخير ما مجموعه 144 مادة موزعة داخل خمسة عشرة بابا، ومما يلاحظ على تقسيم الأبواب هذا أن بعض الأبواب تتضمن مادتين فقط، كما أن بعض أبواب المشروع تتضمن فكرة تقبل أن يتم دمجها مع أفكار أخرى في إطار خلق نظاما قانونيا واحدا يهم كل باب[3]، بما يعني إمكانية تقليص عدد الأبواب ودمجها انطلاقا من النظام القانوني الذي تتناوله وتنظمه، حيث يدخل في الاحكام العامة مجال التطبيق والتعاريف، ويمكن تخصيص باب للتأسيس والانخراط يتضمن التأسيس والانخراط والأهلية المدنية وتوقف وحل المنظمات النقابية، وبالمقابل يصعب أن نجد ثلاثة أبواب موزعة تتضمن التمثيلية النقابية وصلاحيات المنظمات الأكثر تمثيلية والحوار الاجتماعي في الوقت الذي يمكن تجميعهم في باب واحد، وهنا يمكن الاعتماد على تقسيم القانون التنظيمي للأحزاب السياسية والذي يتضمن 6 أبواب[4].
وإضافة إلى دمج الأبواب فإن هناك بالمقابل عدداً من المواد التي تضمنها المشروع تحتاج هي الأخرى للتجميع والدمج والتي من أبرزها تلك المواد التي تحكم تأسيس النقابات، حيث تتقاسم هذا المقتضى ثلاث مواد وتتضمن كلها نفس المقتضيات القانونية، الأمر الذي يجعل معه من الأجدر بالمشرع أن يقوم بدمج هذه المواد في مادة واحدة تتضمن حق الموظفين والأجراء والمشغلين والعمال المستقلين في تأسيس نقابة فيما بينهم[5].
ويلاحظ إلى جانب ما سبق على مستوى الباب المتعلق بمجال التطبيق والتعاريف تتضمنه مجموعة من التعاريف الغير مكتملة والغير واضحة، كما توجد مواد خارج هذا الباب تتضمن تعاريف يمكن دمجها في مقتضيات الفرع الخاص بالتعاريف.
ثانيا: القصور الشكلي على مستوى المصطلحات ولغة مشروع القانون المتعلق بالمنظمات النقابية
من المستجدات التي يمكن ملاحظها على مستوى المصطلحات التي تضمنها المشروع قيام المشرع خلاله بهجر بعض المصطلحات التي كانت متداولة في ظل القوانين السابقة ويتعلق الأمر بمصطلح "من تمثلهم" الذي استخدمه المشرع في المادة التاسعة من المشروع عند تحديده الهدف المرجو من وراء تأسيس النقابات ليكون بذلك متوافقا مع ما تضمنه الفصل 8 من دستور 2011 الذي جاء فيه "تساهم المنظمات النقابية للأُجراء، والغرف المهنية، والمنظمات المهنية للمشغلين، في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها"، ومتجاوزا بذلك ما اعتمده المشرع من مصطلحات للدلالة على نفس المعنى في كل من مدونة الشغل في المادة 396 التي عبرت عن ذلك بجملة : " للفئات التي تؤطرها" والفصل الأول من ظهير 1957 الذي استعمل جملة "المنخرطين فيها".
ويلاحظ أيضا محاولة المشروع اعتماد مصطلحات موحدة حيث خصص المادة 2 منه تقديم تعاريف لمصطلحات كان من المفروض أن يلتزم بها طيلة مواد المشروع، وهو ما لم يوفق فيه سواء على مستوى النقص في الشرح لبعض المصطلحات[6]، أو على مستوى تداخل بعض المصطلحات والمفاهيم[7]، وكذلك عدم احترام فصول المشروع للمصطلحات التي تم تبنيها في المادة 2 منه[8]، بالإضافة الى عدم تغطية المادة 2 من المشروع لكل المصطلحات الواردة في باقي المواد[9].
كما يلاحظ على المشروع استخدامه مصطلحات جديدة بشكل مبهم دون بيان المقصود بها، ويتعلق الأمر بمصطلح "العمال المستقلون" الوارد في المواد 1 و2 و12 من المشروع، خاصة وأن هذا المصطلح لم يسبق لمقتضيات القانونية المغربية أن استخدمته الأمر الذي يثير نوعا من الغموض حوله، كما لم يستطع المشروع وخاصة عبر المادة 2 منه تجميع كل المصطلحات القانونية الواردة به[10].
إلى جانب ذلك فإن المشروع تضمن بعض الجمل البعيدة عن اللغة القانونية المحترمة للوضوح والدقة والتجريد، والمتناقضة أحيانا [11]، إضافة إلى أخطاء في صياغة المواد[12] والتي تحتاج إلى مراجعة لغوية، ويلاحظ أيضا على المشروع جرده بعضا من الجرائم التي تمنع تولي مهام الإدارة والتسيير بالنقابة[13]، وهو جرد يمكن الاستغناء عليه وتعويضه بالجرائم الماسة بالشرف والأمانة والجرائم المالية.
- ترقبوا الجزئ الثاني من المقال قريبا
[1] صيغة أعدتها وزارة الشغل والادماج المهني، بتاريخ غشت 2020 وعرضتها على المركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب.
[2] الفصل 8 و29 من دستور 2011.
[3] حيث يمكن جعل المشروع يتضمن:
- الباب الأول: الاحكام العامة (يشتمل على مجال التطبيق "الباب الأول"، والتعاريف والأحكام العامة "الباب الثاني")؛
- الباب الثاني: التأسيس والانخراط (يشتمل على الأهداف والتأسيس والانخراط "الباب الثالث" والأهلية المدنية والعلامات النقابية "الباب الرابع"، وتوقف وحل المنظمات النقابية "الباب الثاني عشر")؛
- الباب الثالث: مبادئ تنظيم وتسيير المنظمات النقابية (يشتمل على تنظيم وتسيير النقابات " الباب الخامس"، وعلى التسهيلات النقابية وحماية الحق النقابي "الباب العاشر")
- الباب الرابع: التمثيلية النقابية والحوار الاجتماعي (يشتمل على التمثيلية النقابية "الباب السابع"، وصلاحيات المنظمات الأكثر تمثيلا "الباب الثامن"، والحوار الاجتماعي "الباب التاسع")
- الباب الخامس: نظام تمويل المنظمات النقابية وكيفيات مراقبته (تشتمل على الدعم المالي الممنوح لبعض النقابات ومراقبة صرفه "الباب الحادي عشر")
- الباب السادس: اتحاد النقابات (يشتمل على اتحاد النقابات "الباب السادس")
- الباب السابع: الزجرية (يشتمل المراقبة والمقتضيات الزجرية "الباب الرابع عشر")
- الباب الثامن: احكام انتقالية (يشتمل أحكام مختلفة وانتقالية " الباب الثالث عشر"، وأحكام ختامية " الباب الخامس).
[4] القانون التنظيم رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، ظهير شريف رقم 1.11.166 صادر في 24 من ذي القعدة 1432 (22 أكتوبر 2011) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، الجريدة الرسمية عدد 5889 بتاريخ 26 ذو القعدة 1432 (24 أكتوبر 2011)، ص 5172.
[5] المواد 10 و12 من المشروع.
[6] المشغلون: المشغلون الخاضعون للقانون الخاص وماذا عن الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية الا تعتبر في حكم المشغل.
[7] النقابة أو النقابات: نقابة او نقابات العمال، ونقابة او نقابات المشغلين، وتعريف المنظمات النقابية: نقابات العمال أو المشغلين واتحاداتها، أيا كانت تسميتها وتكوينها ونطاقها.
[8] تنص المادة 10 على السماح للموظفين، في الوقت الذي تم جعل مصطلح العمال يشمل الاجراء والموظفين بناء على المادة 2 من المشروع.
[9] رؤساء النقابات الموظفين والمستخدمين (المادة 26)، تنسيقيات نقابية (المادة 67).
[10] تعريف الحوار الاجتماعي الوطني (المادة 89).
[11] المادة 90 والمادة 5 من المشروع.
[12] تتمثل فيما تضمنته المادة 19 من المشروع التي جاء فيها " يتولى رئيس النقابة أو الشخص الذي ينتدبه ملفا يتعلق بتأسيس النقابة إيداع لدى السلطة الإدارية المحلية التي يدخل مقر النقابة في مجال اختصاصها الترابي أو عن طريق مفوض قضائي مقابل وصل مختوم وداخل أجل أقصاه ثلاثين يوما من تاريخ اختتام الجمع العام التأسيسي".
[13] المادة 45 من المشروع.