أما الأقوال فهي للنقيـب الأستاذ حسن بيرواين ؛ وللسيد رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء ؛ حول ما قيل إنه صرح به من عدم إجبارية التمثيل بمحام في تقديم طلب فتح مسطرة التسوية القضائية ؛ و أما القول فهو لي ؛ أدلي به علي غرار إدلاء السيد النقيب بدلو هيأة المحامين بالدار البيضاء؛ علي حد قوله ؛ علــِّنا نستــقي من البئر ماءً زلالا.
هو رأي ووجهة نظر متواضعان ؛ خاضعان للتمحيص والتأييد أو التفنيد .
- فيما يتعلق بوظيفة ودور مهنة المحاماة
لا أحد علي الإطلاق ؛ - فيما أظن- ؛يمكن أن يشك أو يشكك في الوظيفة الهامة والدور الإيجابي للمحامي وللمهنة في كل أصناف المحاكمات ؛ وبشكل عام في منظومة العدالة . فالمحامي سند الطرف ودفاعه في خصومته سواء ضد خصم عاد في دعوي مدنية أو تجارية ؛ أو ضد خصم غير عاد كالنيابة العامة والإدارة ؛ في كل الصور التي يمكن أن يجد أي شخص نفسه فيها مضطرا لمواجهتم .
لذلك ؛ يبدو لي إذا تم الاتفاق علي هذه المسلمة ؛ فإن الباقي من الكلام ؛ سينزل من درجة الحدة القصوى إلي درجة الحدة العادية المقبولة في مجال المناقشة واختلاف الرأي .
فيما يتعلق بموضوع الأقوال :
بعد هذا ؛ أنتقل إلي موضوع الخلاف القانوني المثار ؛ وهو هل التمثيل بمحام في مسطرة التسوية القضائية ؛تحديدا؛ واجب وإجباري ؛ أم لا .؟
مع ملاحظة أنني لم أسمع كلام السيد رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء ؛ولا أعرف السياق الذي ورد فيه ؛ فإنني أصدق الأستاذ النقيب فيما نقله عنه ؛ مع مراعاة ما سيأتي بعده .
لقد جاءت مقالة الأستاذ النقيب بيرواين متضمنة من جهة ؛ رسائل صريحة ومشفرة تهم علاقة المهنة مع الدولة والمؤسسة القضائية ؛ والتي لا دخل لي فيها ؛ ومن جهة أخري؛دسمة فقهيا ؛ مليئة بالآراء ووجهات النظر التي أثارتها عنده كلمات السيد رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء ؛ وهي ما يهمني في هذا القول .
أولا : فيما يتعلق بالعلاقة بين المقال والطلب وموضوع الدعوي :
1 ) يظهر أن منطلق الخلاف ؛ هو ما قد يكون ذكره السيد رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء في معرض تبرير رأيه بخصوص عدم وجوب تقديم طلب فتح مسطرة التسوية القضائية بواسطة محام ؛ انطلاقا فيما يظهر من المادة 576 من مدونة التجارية ؛ ربطا مع المادة 13 من قانون المحاكم التجارية ؛ التى توجب رفع الدعوي أمام هذه المحكمة بمقال مكتوب موقع من محام .
إن مصطلح المقال ؛ يختص به التشريع الإجرائي المغربي . فيم تستعمل قوانين الإجراءا ت أو المرافعات العربية مصطلحات أخري ؛ صحيفة [ مصر ] ؛ لائحة [ الأردن ] ؛ عريضة [ تونس ولبنان ] . ولعل المصطلح المغربي هو ترجمة معجمية لكلمة requête ؛ التي جاءت في النص الفرنسي الأصلي للظهير الشريف بمثابة قانون بالمصادقة علي نص قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 ؛ في الفصول 31 ؛ 141 ؛ 328 ؛ 354 ، أو لعله –أي المصطلح – مستوحي من التراث القضائي المغربي حيث كان يستعمل لفظ المقال [ بسكون الميم وفتح القاف ] كناية عن القول الصادر عن الشخص الماثل أمام القاضي طلبا لإنصافه . وفي معجم القاموس المحيط " القول هو الكلام وقال قولا ومقالا " .
- فالمقال إذن ؛ ليس مصطلحا قانونيا ؛ ليس فكرة قانونية ؛ وليست له أي حمولة قانونية مسطرية محددة ومنتجة لأي أثر .بل هو كلمة تعتمد للإشارة لما يقوله الشخص قولا شفويا أو نصا مكتوبا ؛ ويعرضه علي القاضي للنظر فيه . وبالتالي ؛ فإن قيمته الإجرائية شبه منعدمة ؛ ومن ثم فإن ما قد يكون بناه عليه السيد رئيس المحكمة التجارية من ربط بين غياب كلمة مقال في المادة 576 ؛ وبين المادة 13 من ق مح تج التي تقرن كلمة المقال بالمحامي ؛ للقول بعدم وجوب التمثيل بمحام في تقديم طلب فتح مسطرة التسوية القضائية ؛ استنباط ضعيف التعليل ولا أوافقه الرأي فيه؛ فلا علاقة البتة بين عدم استعمال كلمة مقال في م 576 وبين القول بعدم وجوب تقديم الطلب بواسطة محام . ويكون ما جاء في رد السيد النقيب ؛ من "أن المقال هو مجرد سند مادي أو وعاء يتضمن الطلبات والملتمسات؛ "هو قول صحيح ومتوافق مع المنطق القانوني السليم ؛ ؛ مع مراعاة ما سيأتي بعده
2 ) اعتبر السيد النقيب ؛ أنه " لا يختلف اثنان أن الطلب القضائي هو موضوع الدعوي الذي يعرض علي القضاء ؛
أي ما يرفعه المتقاضي إلي نظر المحكمة ملتمسا الحكم له به "
- إن صيغة اليقين والجزم القطعي بعدم وجود اختلاف ؛ فيها مبالغة لغوية وقانونية . ذلك أن هذا الأمر بالذات أي تحديد ماهية الطلب ومدلول الدعوي ؛ محل وموضوع خلاف واختلاف بين فقهاء مرموقين ذوي شهرة معترف بها ؛ في مجال فقه القانون الإجرائي ؛ من العرب والفرنسيين ؛ ويمكن الاطلاع علي ذلك في أمهات مراجع وكتب هذا العلم .
خلافا لما ذكره السيد النقيب من أن الطلب القضائي هو موضوع الدعوي؛ فإن فقها متواترا ومشهودا له ؛ عربيا وفرنسيا ؛ يميز بين الكلمات الثلاث .
- فمن جهة ؛ فالطلب هو عمل إجرائي تفتتح به الخصومة l’instance ؛وموضوعه هو الحكم المطلوب صدوره. - الطلب شرط إجرائي أولي لوضع المحكمة يدها علي النزاع ؛ وهو الذي تشترط فيه الشروط المعروفة من تحديد بيانات هوية الأطراف والوقائع ...
- ومن ثم ؛ فالطلب ليس هو موضوع الدعوي؛ لأن الدعوي ؛ ليس لها موضوع ؛ فهي حق إجرائي شخصي ينتمي لطائفة الحقوق ؛ وهو معرض للانقضاء والانتقال ؛ ، أحيانا توصف في الفقه علاقة بمحل الحق الموضوعي ؛ نفسه ؛ فيقال دعوي عينية وعقارية ....؛دون أن يغير ذلك وصفها الأساسي المذكور .
- ومن جهة أخري ؛ فإن الموضوع يرتبط بالنزاع ؛ أي ما يطلب الحكم فيه. هو ما يطلب الفصل فيه بناء علي الطلب المقدم من ذي المصلحة . المحكمة لا تحكم في الدعوي ؛ ولكن في موضوع النزاع المعروض عليهـــــا بواسطة الطلب ؛ الذي يفرغ في شكل مقال أو صحيفة أو عريضة . ولذلك نجد أن ما يحرره المحامون ذو دلالة عميقة ؛ فعنوان المقال يكون عادة : مقال لطلب الحكم ب...؛ وبالفرنسية كان المحامون الفرنسيون في المغرب قديما وتبعهم المغارية الذين تدربوا علي أيديهم ونقلوا ذلك للأجيال الموالية ؛ يكتبون:requête aux fins de .
3 ] في معرض تفنيده لرأي السيد رئيس المحكمة التجارية ؛ اعتبر السيد النقيب " أن التمييز بين الطلب والمقال ينطوي علي نتائج خطيرة .. منها أنه يحول دون استحقاق الرسم القضائي النسبي المنصوص عليه في الفصل 24 من الأحكام الطبقةعلي المصاريف القضائية "
- أعترف ؛ أنني لم أفهم هذه الفكرة ؛ ولم أجد خيطا يربط بين عدم اعتبار المقال طلبا وبين استحقاق الرسوم القضائية ؛ فالمادة 24 المشار أليها تتحدث عن الأداء عن كل طلب .
- إن ما سبق للسيد النقيب قوله - وهو علي حق في ذلك - ؛ من أن التمييز بين المقال والطلب ؛ تميـيز غير معلل ولا يمكن أن يؤدي إلي استبعاد المادة 13 ؛ يتناقض ظاهريا مع هذا القول بأن التمييز سيؤدي إلي عدم استحقاق الرسوم . فإذا كان القول الأول صحيحا – وهو كذلك – فإن العبرة ليست بالكلمة المستعملة ؛ مقال أو طلب ؛ ولكن العبرة حسب المادة 24 هي للطلب أي لما يطلب الحكم به .
عموما ؛ أكون ممتنا لو عرفت معني هذا الربط ؛ خلاف ما قلته .
ثانيا : هل التمثيل بواسطة محام ؛ وجوبي وإجباري في فتح مسطرة التسوية القضائية .
- يتشابه التشريع المغربي مع بعض التشريعات العربية ؛ وأحيانا مع التشريع الفرنسي في إجبارية تمثيل المتقاضين بمحام؛ وإن كان التشريع الفرنسي لا يلزمهم بذلك أمام المحاكم التجارية .
- فما هو القول الممكن اعتباره ؛ في الخلاف الناشئ بين رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء وبين السيد نقيب هيأة المحامين بنفس المدينة ؛ بخصوص حالة طلب فتح مسطرة التسوية القضائية دون سواها .
- لقد قدم السيد النقيب عدة مبررات لتفنيد رأي رئيس المحكمة التجارية؛ وتعزيز رأيه – أي النقيب – بخصوص إلزامية وإجبارية التمثيل بمحام في جميع النزاعات المعروضة علي المحكمة في معرض تطبيق مساطر صعوبات المقاولة وبصفة خاصة ؛ مسطرة فتح التسوية القضائية.
- إذا تجاوزنا ضعف التعليل المعتمد من طرف السيد رئيس المحكمة التجارية ؛ فإن مبررات السيد النقيب ؛ هي نفسها محل نظر .*
1] صحيح أن المادة 13 من قانون المحاكم التجارية؛ تنص علي أن المقال يقدم بمقال مكتوب موقع عليه من محام . وهذا ما يجعل القاعدة - بصفة مبدئية - عامة وتهم كل الدعاوي المقدمة أمام المحكمة التجارية .
لكن هذه العمومية في نطاق القاعدة نفسها؛ يمكن ألا تكون مطلقة إطلاقا كاملا تاما .
- منطلق النقاش هنا ؛ ليس المادة 13 ؛ وليس الخلاف حول مدلول المقال والطلب؛ أي أن الخلاف ليس علي مستوى القانون المسطري العام أو الخاص ؛ ولكن علي مستوي الأخص؛ أي علي مستوي القانون الخاص بالمجال موضوع المناقشة ؛ وهو الكتاب الخامس من مدونة التجارة.
- من المعروف أن هذا الجزء من المدونة ؛ يتضمن قواعد موضوعية وأخري إجرائية مسطرية ؛ بعضها يتشابه مع القواعد العامة والخاصة وبعضها ذو خصوصية مرتبطة بالموضوع المنظم في هذا الكتاب ؛ وهو بذلك ؛ يخرج عن القانونين؛ العام ؛ [المسطرة المدنية ] و الخاص [ قانون المحاكم التجارية ] ؛ وبالتالي فهو الواجب التطبيق في الحالة التي نحن بصددها .
- إن سؤال الربط بين المساطر المختلفة في هذا الكتاب الخامس ؛ وبين مبدأ إجبارية التمثيل بمحام أمام المحكمة التجارية وفقا للمادة 13 من قانونها؛ يقتضي – حسبما يبدو لي - التمييز بين المساطر التي تخضع لإجبارية المحامي دون خلاف ؛ وبين تلك التي يمكن ألا تخضع لهذه الإلزامية ؛بمعني أنه قد توجد في إطار الكتاب الخامس؛ مساطر لا تستدعي بالنظر لأطرافها وموضوعها وطبيعتها ؛ إجبارية تقديمها بمحام ولو مرحليا.
لتأسيس وتقعيد هذا القول ؛ يكون من المناسب التذكير بأمر لا يخلو من أهمية رغم بداهته .
يترتب علي ممارسة الإدعاء ؛ نشأة خصومة أي ؛ مواجهة قانونية بين خصمين ؛ يطلب أحدهما الحكم علي الآخر .
من هذه الزاوية ؛ تعتبر حقوق الدفاع ؛ أحد أهم ضمانات المحاكمة العادلة في مختلف صورها وأنواعها .
حق الدفاع له عدة مظاهر وأوجه ؛ ما يهمنا منها هنا ؛ هو المساندة القانونية من طرف محام ؛ يتولي الدفاع عن مصالح وحقوق الطرف ؛ مدعيا أو مدعي عليه ؛ بصفة كافية وصحيحة .
- وجود المحامي ؛ إذن ؛حلقة مفصلية في منظومة الدفاع ؛ وفي المحاكمة ؛هذا أمر لا شك فيه .
لكن هذا الوجود مع ذلك قد يتغير نطاقه وقوته بارتباط بمركز ووضعية الطرف في الخصومة؛ وبموضوع الطلب نفسه .
فمتي كان موضوع الطلب مما يقتضي الحجاج والنقاش القانوني ؛ كان وجود المحامي ضروريا ولا محيد عنه .ومتي لم يكن كذلك ؛ أصبحت الحاجة للاستعانة بخدمات المحامي ؛ أقل درجة [ بصرف النظر عن كون القانون ينص علي إجبارية التمثيل بمحام ] فطلب ترتيب الدائنين مثلا ؛ لا يحتاج لمحام .
- إذا قمنا بإسقاط هذا الرأي أو التصور [ وأقول رأي أو تصور ] ؛ حصريا ؛علي حالة تقديم طلب فتح مسطرة التسوية القضائية ؛ أمكن استنتاج ما يلي :
- في إطار الوضعية الجديدة بعد تعديل الكتاب الخامس ؛ فقد أجاز المشرع للمحكمة الحكم تلقائيا بتحويل مسطرة الإنقاذ إلي تسوية أو تصفية قضائية[ م 564 ] ، وفي ذات الوقت أوجب علي المقاولة في شخص رئيسها تقديم طلب فتح مسطرة التسوية بعد ثبوت التوقف عن الدفع [ المادة 576 ] ؛ كما أجازت المادة 578 لأحد الدائنين تقديم طلب فتح مسطرة التسوية القضائية بمقال افتتاحي .
2 ] هنا مربط الفرس وعقدة الإشكال في الخلاف الناشئ حول قول السيد رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء .
- إن الفرق بين الصورتين المذكورتين المتعلقتين بطلب فتح مسطرة التسوية القضائية ؛ واضح علي المستوي اللغوي وعلي المستوي الموضوعي والإجرائي .فقد استعمل المشرع بالنسبة لرئيس المقاولة كلمة طلب ؛ دون إرفاقها بأي تدقيق أو توضيح بخصوص السند الشكلي التي يقدم فيه الطلب ؛ وهذا في حد ذاته ليس دالا علي شيئ ؛ في حين استعمل في م 576 عندما كان يتكلم عن الدائن ؛ عبارة " يمكن فتح المسطرة [ يعني مسطرة التسوية القضائية ] ؛بمقال افتتاحي لأحد الدائنين ".
- مع تأكيد ما قلته سابقا عن صحة رأي الأستاذ النقيب ؛فيما يتعلق بالتكييف القانوني الإجرائي للمقال ؛ فإنه لا يمكن أن يبرر المساواة بين الحالتين ؛ في إطار الربط مع المادة 13 من ق مح تج التي توجب تقديم المقال بواسطة محام ؛بصرف النظر عن الشكل الذي يمكن أو يجب أن تفرغ فيه الطلبات المشار إليها في النماذج المشار إليها في تحليله .
- في رأيي المتواضع ؛ أن المشرع قصد التمييز بين الحالتين ؛ فلم يستعمل فيهما نفس المصطلحات والمفاهيم الإجرائية؛ لسببين اثنين :
- أما السبب الأول ؛ فيتعلق بأمر جوهري يتصل ببنية الخصومة وأشخاصها .ففي الحالة الأولي ؛ فإن رئيس المقاولة وفقا للمادة 576 ؛ يتقدم بطلب فتح مسطرة التسوية القضائية ؛ ضد نفسه ؛ وليس ضد الغير ؛ ومن ثم لا يوجد خصم مدعي عليه ؛ يطلب الحكم عليه ؛ إنه يطلب الحكم علي نفسه ؛ فهي دعوي ضد النفس ؛ وبالتالي ؛ فإن موجب الحاجة لمحام للدفاع والتمثيل ؛ لا يبدو ملحا بنفس القوة التي تقدمها المادة 13 ؛ وقد يكون هذا ما قصده السيد رئيس المحكمة التجارية .
- في حين أنه بالنسبة للحالة الثانية ؛ [ م 578 ] أي تقديم الطلب من أحد الدائنين؛ فإن المدعي هو الغير والمدعي عليه هو المقاولة ؛ وبالتالي فهناك خصمان وهناك خصومة حقيقية بالمعني الإجرائي ؛ وبالتالي فإن وضعية المدعي فيها مختلفة عن الوضعية السابقة؛ مما يجعل تطبيق المادة 13 إجباريا ومجرد تحصيل حاصل ؛ أي أن الدائن ملزم بالاستعانة بمحام لتقديم طلبه [ علما بأنه لا يوجد في المادة 13 جزاء علي عدم تقديم المقال بواسطة محام ] .
- أما السبب الثاني ؛ فإنه مستمد من المادتين 577 و 578 ؛ المرتبطتين بسابقتهما .
- لقد أوجبت المادة 577 علي رئيس المقاولة ؛ إرفاق طلب فتح مسطرة التسوية القضائية ؛ بعدد من الوثائق المحاسبية والبيانات المتعلقة بالمقاولة لتعزيز الطلب الموجه ضد نفسه . وبما أنه هو العالم بحالته المالية؛ بناء علي ما سبق القضاء به من التصريح بتوقفه عن الدفع بعد فشل مسطرة الإنقاذ؛ فإنه ملزم بتقديم كل الوثائق ذات الصلة بوضعيته المالية ؛ وبالتالي فهو في نزاع مع نفسه ؛ أولا ثم بعد ذلك مع دائنيه ؛ فلن يحتاج لمحام للدفاع عنه ؛ علي الأقل في هذه المرحلة ؛ إذ قد يكون في حاجة للمحامي بالنسبة مثلا للطعن في بعض القرارات والأحكام الصادرة إما أثناء سير المسطرة أو بعد انتهائها .
لكن ؛ عندما ننتقل إلي المادة 578 ؛ المتعلقة بطلب أحد الدائنين فتح مسطرة التسوية ضد نفس المقاولة ؛ فإننا سنجد أن المدعي هو الغير الدائن ؛ والمقاولة في شخص رئيسها هي المدعي عليها؛ فهناك خصمان متقابلان ؛ وهناك خصومة حقيقية ؛ وبالتالي فإن وضعية المدعي فيها تختلف عن الوضعية السابقة.
نحن هنا إذن ؛ بصدد الرجوع إلي الوضعية العادية ؛ وهي تقديم طلب من مدع ضد مدعي عليه ؛ بما يتطلبه ذلك من إثبات الصفة والمصلحة والدين الخ .. هي إذن دعوي عادية تحتمل المنازعة والخصام وبالتالي الدفاع؛ ومن ثم فإن تقديم الدائن لطلب فتح مسطرة التسوية القضائية ؛يجب أن يكون بمقال موقع من طرف محام وفق ما تقضي به المادة 13 ق مح تج .
3 ) لفت نظري فى كلام الأستاذ النقيب ؛ بخصوص إجبارية التمثيل بواسطة محام أمام المحكمة التجارية ؛قولــــــــــــــــه
أن المتقاضي صاحب المصلحة والحق في رفع الطلب وتقديم الملتمسات ؛ عديم الأهلية في تمثيل نفسه أمام المحكمة التجارية"
- الجملة فيها ؛ فلتــة قلم ؛ أدت إلي خلل لغوي وقانوني .
- في اللغة ؛ مثـــُل [ بضم الثاء ] يمثل مثولا أي وقف بين يدي شخص آخر ؛ ومنه مثل أمام القاضي أو الحاكم ومنه التمثيل أي قيام شخص مكان آخر في هذا العمل .وقد استعار القانون المصطلح فاعتمده في الحالات التي توجب اللجوء اليه . فهناك التمثيل الشرعي فيى مدونة الأسرة حيث النائب الشرعي يمثل عديم الأهلية وناقصها في القيام بالأعمال القانونية الموضوعية والإجرائية اللازمة لحماية حقوقه ومصالحه . وهناك التمثيل العضوي عند أشخاص القانون العام والخاص المعنويين ؛ فالشركة لها أهلية التقاضي ولكن الذي يتقاضي باسمها هو ممثلها القانوني حسب نظامها القانوني .ثم هناك التمثيل الإجرائي أو الفني وهو ذو طبيعة تعاقدية ؛ ويقوم به وكيل الخصام غير المحترف ؛ عندما يجيز القانون ذلك ؛ أو المحامي كما في معظم الحالات التي يقضي فيها القانون بوجوب تقديم الطلب القضائي بواسطة محام .هو تمثيل فني ؛ يقوم به المحامي ؛ و لا علاقة له بأهلية المتقاضي ؛ ولا يوجد بالتالي في القانون؛ مفهوم تمثيل الشخص نفسه؛ ولا يوجد مفهوم انعدام أهلية التمثيل لدي الشخص نفسه ؛ لأن التمثيل يكون عن الغير وليس عن النفس . [ يمكن تصور انعدام أهلية التمثيل عند الغير كما هو محدد في م 34 ق م م أو عند المحامي نفسه في الحالات المحددة في قانون المحاماة ] .
4 ) أخيرا ؛ حاء في قول السيد النقيب ؛ في معرض تأكيده علي عمومية إجبارية التمثيل بمحام ؛ أمام المحكمة التجارية ؛ أن ذلك ينطبق علي جميع المتدخلين في مساطر الصعوبة بمن فيهم السنديك . وهو قول غير موفق؛ لأن السنديك ليس طرفا في المساطر ؛ بل هو هيأة عضوية من هيآت المسطرة ؛مفروضة بقوة القانون ذات اختصاصات محددة ؛ ويعمل بصفة مستقلة ؛ وبالتالي فإنه غير معني بالتمثيل الإجباري بمحام رغم أن الأمر يتعلق بالمحكمة التجارية.
ختاما ؛ هذا قول يحتمل الصواب والخطأ . إنه مجرد رأي شخصي ؛ يمكن الاتفاق معه ؛ أو معارضته وتفنيده؛ وفي جميع الأحوال ؛ فإن الخلاف لا يفسد للود قضية .
الرباط ؛ 13 – 6 - 2020
هو رأي ووجهة نظر متواضعان ؛ خاضعان للتمحيص والتأييد أو التفنيد .
- فيما يتعلق بوظيفة ودور مهنة المحاماة
لا أحد علي الإطلاق ؛ - فيما أظن- ؛يمكن أن يشك أو يشكك في الوظيفة الهامة والدور الإيجابي للمحامي وللمهنة في كل أصناف المحاكمات ؛ وبشكل عام في منظومة العدالة . فالمحامي سند الطرف ودفاعه في خصومته سواء ضد خصم عاد في دعوي مدنية أو تجارية ؛ أو ضد خصم غير عاد كالنيابة العامة والإدارة ؛ في كل الصور التي يمكن أن يجد أي شخص نفسه فيها مضطرا لمواجهتم .
لذلك ؛ يبدو لي إذا تم الاتفاق علي هذه المسلمة ؛ فإن الباقي من الكلام ؛ سينزل من درجة الحدة القصوى إلي درجة الحدة العادية المقبولة في مجال المناقشة واختلاف الرأي .
فيما يتعلق بموضوع الأقوال :
بعد هذا ؛ أنتقل إلي موضوع الخلاف القانوني المثار ؛ وهو هل التمثيل بمحام في مسطرة التسوية القضائية ؛تحديدا؛ واجب وإجباري ؛ أم لا .؟
مع ملاحظة أنني لم أسمع كلام السيد رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء ؛ولا أعرف السياق الذي ورد فيه ؛ فإنني أصدق الأستاذ النقيب فيما نقله عنه ؛ مع مراعاة ما سيأتي بعده .
لقد جاءت مقالة الأستاذ النقيب بيرواين متضمنة من جهة ؛ رسائل صريحة ومشفرة تهم علاقة المهنة مع الدولة والمؤسسة القضائية ؛ والتي لا دخل لي فيها ؛ ومن جهة أخري؛دسمة فقهيا ؛ مليئة بالآراء ووجهات النظر التي أثارتها عنده كلمات السيد رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء ؛ وهي ما يهمني في هذا القول .
أولا : فيما يتعلق بالعلاقة بين المقال والطلب وموضوع الدعوي :
1 ) يظهر أن منطلق الخلاف ؛ هو ما قد يكون ذكره السيد رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء في معرض تبرير رأيه بخصوص عدم وجوب تقديم طلب فتح مسطرة التسوية القضائية بواسطة محام ؛ انطلاقا فيما يظهر من المادة 576 من مدونة التجارية ؛ ربطا مع المادة 13 من قانون المحاكم التجارية ؛ التى توجب رفع الدعوي أمام هذه المحكمة بمقال مكتوب موقع من محام .
إن مصطلح المقال ؛ يختص به التشريع الإجرائي المغربي . فيم تستعمل قوانين الإجراءا ت أو المرافعات العربية مصطلحات أخري ؛ صحيفة [ مصر ] ؛ لائحة [ الأردن ] ؛ عريضة [ تونس ولبنان ] . ولعل المصطلح المغربي هو ترجمة معجمية لكلمة requête ؛ التي جاءت في النص الفرنسي الأصلي للظهير الشريف بمثابة قانون بالمصادقة علي نص قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 ؛ في الفصول 31 ؛ 141 ؛ 328 ؛ 354 ، أو لعله –أي المصطلح – مستوحي من التراث القضائي المغربي حيث كان يستعمل لفظ المقال [ بسكون الميم وفتح القاف ] كناية عن القول الصادر عن الشخص الماثل أمام القاضي طلبا لإنصافه . وفي معجم القاموس المحيط " القول هو الكلام وقال قولا ومقالا " .
- فالمقال إذن ؛ ليس مصطلحا قانونيا ؛ ليس فكرة قانونية ؛ وليست له أي حمولة قانونية مسطرية محددة ومنتجة لأي أثر .بل هو كلمة تعتمد للإشارة لما يقوله الشخص قولا شفويا أو نصا مكتوبا ؛ ويعرضه علي القاضي للنظر فيه . وبالتالي ؛ فإن قيمته الإجرائية شبه منعدمة ؛ ومن ثم فإن ما قد يكون بناه عليه السيد رئيس المحكمة التجارية من ربط بين غياب كلمة مقال في المادة 576 ؛ وبين المادة 13 من ق مح تج التي تقرن كلمة المقال بالمحامي ؛ للقول بعدم وجوب التمثيل بمحام في تقديم طلب فتح مسطرة التسوية القضائية ؛ استنباط ضعيف التعليل ولا أوافقه الرأي فيه؛ فلا علاقة البتة بين عدم استعمال كلمة مقال في م 576 وبين القول بعدم وجوب تقديم الطلب بواسطة محام . ويكون ما جاء في رد السيد النقيب ؛ من "أن المقال هو مجرد سند مادي أو وعاء يتضمن الطلبات والملتمسات؛ "هو قول صحيح ومتوافق مع المنطق القانوني السليم ؛ ؛ مع مراعاة ما سيأتي بعده
2 ) اعتبر السيد النقيب ؛ أنه " لا يختلف اثنان أن الطلب القضائي هو موضوع الدعوي الذي يعرض علي القضاء ؛
أي ما يرفعه المتقاضي إلي نظر المحكمة ملتمسا الحكم له به "
- إن صيغة اليقين والجزم القطعي بعدم وجود اختلاف ؛ فيها مبالغة لغوية وقانونية . ذلك أن هذا الأمر بالذات أي تحديد ماهية الطلب ومدلول الدعوي ؛ محل وموضوع خلاف واختلاف بين فقهاء مرموقين ذوي شهرة معترف بها ؛ في مجال فقه القانون الإجرائي ؛ من العرب والفرنسيين ؛ ويمكن الاطلاع علي ذلك في أمهات مراجع وكتب هذا العلم .
خلافا لما ذكره السيد النقيب من أن الطلب القضائي هو موضوع الدعوي؛ فإن فقها متواترا ومشهودا له ؛ عربيا وفرنسيا ؛ يميز بين الكلمات الثلاث .
- فمن جهة ؛ فالطلب هو عمل إجرائي تفتتح به الخصومة l’instance ؛وموضوعه هو الحكم المطلوب صدوره. - الطلب شرط إجرائي أولي لوضع المحكمة يدها علي النزاع ؛ وهو الذي تشترط فيه الشروط المعروفة من تحديد بيانات هوية الأطراف والوقائع ...
- ومن ثم ؛ فالطلب ليس هو موضوع الدعوي؛ لأن الدعوي ؛ ليس لها موضوع ؛ فهي حق إجرائي شخصي ينتمي لطائفة الحقوق ؛ وهو معرض للانقضاء والانتقال ؛ ، أحيانا توصف في الفقه علاقة بمحل الحق الموضوعي ؛ نفسه ؛ فيقال دعوي عينية وعقارية ....؛دون أن يغير ذلك وصفها الأساسي المذكور .
- ومن جهة أخري ؛ فإن الموضوع يرتبط بالنزاع ؛ أي ما يطلب الحكم فيه. هو ما يطلب الفصل فيه بناء علي الطلب المقدم من ذي المصلحة . المحكمة لا تحكم في الدعوي ؛ ولكن في موضوع النزاع المعروض عليهـــــا بواسطة الطلب ؛ الذي يفرغ في شكل مقال أو صحيفة أو عريضة . ولذلك نجد أن ما يحرره المحامون ذو دلالة عميقة ؛ فعنوان المقال يكون عادة : مقال لطلب الحكم ب...؛ وبالفرنسية كان المحامون الفرنسيون في المغرب قديما وتبعهم المغارية الذين تدربوا علي أيديهم ونقلوا ذلك للأجيال الموالية ؛ يكتبون:requête aux fins de .
3 ] في معرض تفنيده لرأي السيد رئيس المحكمة التجارية ؛ اعتبر السيد النقيب " أن التمييز بين الطلب والمقال ينطوي علي نتائج خطيرة .. منها أنه يحول دون استحقاق الرسم القضائي النسبي المنصوص عليه في الفصل 24 من الأحكام الطبقةعلي المصاريف القضائية "
- أعترف ؛ أنني لم أفهم هذه الفكرة ؛ ولم أجد خيطا يربط بين عدم اعتبار المقال طلبا وبين استحقاق الرسوم القضائية ؛ فالمادة 24 المشار أليها تتحدث عن الأداء عن كل طلب .
- إن ما سبق للسيد النقيب قوله - وهو علي حق في ذلك - ؛ من أن التمييز بين المقال والطلب ؛ تميـيز غير معلل ولا يمكن أن يؤدي إلي استبعاد المادة 13 ؛ يتناقض ظاهريا مع هذا القول بأن التمييز سيؤدي إلي عدم استحقاق الرسوم . فإذا كان القول الأول صحيحا – وهو كذلك – فإن العبرة ليست بالكلمة المستعملة ؛ مقال أو طلب ؛ ولكن العبرة حسب المادة 24 هي للطلب أي لما يطلب الحكم به .
عموما ؛ أكون ممتنا لو عرفت معني هذا الربط ؛ خلاف ما قلته .
ثانيا : هل التمثيل بواسطة محام ؛ وجوبي وإجباري في فتح مسطرة التسوية القضائية .
- يتشابه التشريع المغربي مع بعض التشريعات العربية ؛ وأحيانا مع التشريع الفرنسي في إجبارية تمثيل المتقاضين بمحام؛ وإن كان التشريع الفرنسي لا يلزمهم بذلك أمام المحاكم التجارية .
- فما هو القول الممكن اعتباره ؛ في الخلاف الناشئ بين رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء وبين السيد نقيب هيأة المحامين بنفس المدينة ؛ بخصوص حالة طلب فتح مسطرة التسوية القضائية دون سواها .
- لقد قدم السيد النقيب عدة مبررات لتفنيد رأي رئيس المحكمة التجارية؛ وتعزيز رأيه – أي النقيب – بخصوص إلزامية وإجبارية التمثيل بمحام في جميع النزاعات المعروضة علي المحكمة في معرض تطبيق مساطر صعوبات المقاولة وبصفة خاصة ؛ مسطرة فتح التسوية القضائية.
- إذا تجاوزنا ضعف التعليل المعتمد من طرف السيد رئيس المحكمة التجارية ؛ فإن مبررات السيد النقيب ؛ هي نفسها محل نظر .*
1] صحيح أن المادة 13 من قانون المحاكم التجارية؛ تنص علي أن المقال يقدم بمقال مكتوب موقع عليه من محام . وهذا ما يجعل القاعدة - بصفة مبدئية - عامة وتهم كل الدعاوي المقدمة أمام المحكمة التجارية .
لكن هذه العمومية في نطاق القاعدة نفسها؛ يمكن ألا تكون مطلقة إطلاقا كاملا تاما .
- منطلق النقاش هنا ؛ ليس المادة 13 ؛ وليس الخلاف حول مدلول المقال والطلب؛ أي أن الخلاف ليس علي مستوى القانون المسطري العام أو الخاص ؛ ولكن علي مستوي الأخص؛ أي علي مستوي القانون الخاص بالمجال موضوع المناقشة ؛ وهو الكتاب الخامس من مدونة التجارة.
- من المعروف أن هذا الجزء من المدونة ؛ يتضمن قواعد موضوعية وأخري إجرائية مسطرية ؛ بعضها يتشابه مع القواعد العامة والخاصة وبعضها ذو خصوصية مرتبطة بالموضوع المنظم في هذا الكتاب ؛ وهو بذلك ؛ يخرج عن القانونين؛ العام ؛ [المسطرة المدنية ] و الخاص [ قانون المحاكم التجارية ] ؛ وبالتالي فهو الواجب التطبيق في الحالة التي نحن بصددها .
- إن سؤال الربط بين المساطر المختلفة في هذا الكتاب الخامس ؛ وبين مبدأ إجبارية التمثيل بمحام أمام المحكمة التجارية وفقا للمادة 13 من قانونها؛ يقتضي – حسبما يبدو لي - التمييز بين المساطر التي تخضع لإجبارية المحامي دون خلاف ؛ وبين تلك التي يمكن ألا تخضع لهذه الإلزامية ؛بمعني أنه قد توجد في إطار الكتاب الخامس؛ مساطر لا تستدعي بالنظر لأطرافها وموضوعها وطبيعتها ؛ إجبارية تقديمها بمحام ولو مرحليا.
لتأسيس وتقعيد هذا القول ؛ يكون من المناسب التذكير بأمر لا يخلو من أهمية رغم بداهته .
يترتب علي ممارسة الإدعاء ؛ نشأة خصومة أي ؛ مواجهة قانونية بين خصمين ؛ يطلب أحدهما الحكم علي الآخر .
من هذه الزاوية ؛ تعتبر حقوق الدفاع ؛ أحد أهم ضمانات المحاكمة العادلة في مختلف صورها وأنواعها .
حق الدفاع له عدة مظاهر وأوجه ؛ ما يهمنا منها هنا ؛ هو المساندة القانونية من طرف محام ؛ يتولي الدفاع عن مصالح وحقوق الطرف ؛ مدعيا أو مدعي عليه ؛ بصفة كافية وصحيحة .
- وجود المحامي ؛ إذن ؛حلقة مفصلية في منظومة الدفاع ؛ وفي المحاكمة ؛هذا أمر لا شك فيه .
لكن هذا الوجود مع ذلك قد يتغير نطاقه وقوته بارتباط بمركز ووضعية الطرف في الخصومة؛ وبموضوع الطلب نفسه .
فمتي كان موضوع الطلب مما يقتضي الحجاج والنقاش القانوني ؛ كان وجود المحامي ضروريا ولا محيد عنه .ومتي لم يكن كذلك ؛ أصبحت الحاجة للاستعانة بخدمات المحامي ؛ أقل درجة [ بصرف النظر عن كون القانون ينص علي إجبارية التمثيل بمحام ] فطلب ترتيب الدائنين مثلا ؛ لا يحتاج لمحام .
- إذا قمنا بإسقاط هذا الرأي أو التصور [ وأقول رأي أو تصور ] ؛ حصريا ؛علي حالة تقديم طلب فتح مسطرة التسوية القضائية ؛ أمكن استنتاج ما يلي :
- في إطار الوضعية الجديدة بعد تعديل الكتاب الخامس ؛ فقد أجاز المشرع للمحكمة الحكم تلقائيا بتحويل مسطرة الإنقاذ إلي تسوية أو تصفية قضائية[ م 564 ] ، وفي ذات الوقت أوجب علي المقاولة في شخص رئيسها تقديم طلب فتح مسطرة التسوية بعد ثبوت التوقف عن الدفع [ المادة 576 ] ؛ كما أجازت المادة 578 لأحد الدائنين تقديم طلب فتح مسطرة التسوية القضائية بمقال افتتاحي .
2 ] هنا مربط الفرس وعقدة الإشكال في الخلاف الناشئ حول قول السيد رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء .
- إن الفرق بين الصورتين المذكورتين المتعلقتين بطلب فتح مسطرة التسوية القضائية ؛ واضح علي المستوي اللغوي وعلي المستوي الموضوعي والإجرائي .فقد استعمل المشرع بالنسبة لرئيس المقاولة كلمة طلب ؛ دون إرفاقها بأي تدقيق أو توضيح بخصوص السند الشكلي التي يقدم فيه الطلب ؛ وهذا في حد ذاته ليس دالا علي شيئ ؛ في حين استعمل في م 576 عندما كان يتكلم عن الدائن ؛ عبارة " يمكن فتح المسطرة [ يعني مسطرة التسوية القضائية ] ؛بمقال افتتاحي لأحد الدائنين ".
- مع تأكيد ما قلته سابقا عن صحة رأي الأستاذ النقيب ؛فيما يتعلق بالتكييف القانوني الإجرائي للمقال ؛ فإنه لا يمكن أن يبرر المساواة بين الحالتين ؛ في إطار الربط مع المادة 13 من ق مح تج التي توجب تقديم المقال بواسطة محام ؛بصرف النظر عن الشكل الذي يمكن أو يجب أن تفرغ فيه الطلبات المشار إليها في النماذج المشار إليها في تحليله .
- في رأيي المتواضع ؛ أن المشرع قصد التمييز بين الحالتين ؛ فلم يستعمل فيهما نفس المصطلحات والمفاهيم الإجرائية؛ لسببين اثنين :
- أما السبب الأول ؛ فيتعلق بأمر جوهري يتصل ببنية الخصومة وأشخاصها .ففي الحالة الأولي ؛ فإن رئيس المقاولة وفقا للمادة 576 ؛ يتقدم بطلب فتح مسطرة التسوية القضائية ؛ ضد نفسه ؛ وليس ضد الغير ؛ ومن ثم لا يوجد خصم مدعي عليه ؛ يطلب الحكم عليه ؛ إنه يطلب الحكم علي نفسه ؛ فهي دعوي ضد النفس ؛ وبالتالي ؛ فإن موجب الحاجة لمحام للدفاع والتمثيل ؛ لا يبدو ملحا بنفس القوة التي تقدمها المادة 13 ؛ وقد يكون هذا ما قصده السيد رئيس المحكمة التجارية .
- في حين أنه بالنسبة للحالة الثانية ؛ [ م 578 ] أي تقديم الطلب من أحد الدائنين؛ فإن المدعي هو الغير والمدعي عليه هو المقاولة ؛ وبالتالي فهناك خصمان وهناك خصومة حقيقية بالمعني الإجرائي ؛ وبالتالي فإن وضعية المدعي فيها مختلفة عن الوضعية السابقة؛ مما يجعل تطبيق المادة 13 إجباريا ومجرد تحصيل حاصل ؛ أي أن الدائن ملزم بالاستعانة بمحام لتقديم طلبه [ علما بأنه لا يوجد في المادة 13 جزاء علي عدم تقديم المقال بواسطة محام ] .
- أما السبب الثاني ؛ فإنه مستمد من المادتين 577 و 578 ؛ المرتبطتين بسابقتهما .
- لقد أوجبت المادة 577 علي رئيس المقاولة ؛ إرفاق طلب فتح مسطرة التسوية القضائية ؛ بعدد من الوثائق المحاسبية والبيانات المتعلقة بالمقاولة لتعزيز الطلب الموجه ضد نفسه . وبما أنه هو العالم بحالته المالية؛ بناء علي ما سبق القضاء به من التصريح بتوقفه عن الدفع بعد فشل مسطرة الإنقاذ؛ فإنه ملزم بتقديم كل الوثائق ذات الصلة بوضعيته المالية ؛ وبالتالي فهو في نزاع مع نفسه ؛ أولا ثم بعد ذلك مع دائنيه ؛ فلن يحتاج لمحام للدفاع عنه ؛ علي الأقل في هذه المرحلة ؛ إذ قد يكون في حاجة للمحامي بالنسبة مثلا للطعن في بعض القرارات والأحكام الصادرة إما أثناء سير المسطرة أو بعد انتهائها .
لكن ؛ عندما ننتقل إلي المادة 578 ؛ المتعلقة بطلب أحد الدائنين فتح مسطرة التسوية ضد نفس المقاولة ؛ فإننا سنجد أن المدعي هو الغير الدائن ؛ والمقاولة في شخص رئيسها هي المدعي عليها؛ فهناك خصمان متقابلان ؛ وهناك خصومة حقيقية ؛ وبالتالي فإن وضعية المدعي فيها تختلف عن الوضعية السابقة.
نحن هنا إذن ؛ بصدد الرجوع إلي الوضعية العادية ؛ وهي تقديم طلب من مدع ضد مدعي عليه ؛ بما يتطلبه ذلك من إثبات الصفة والمصلحة والدين الخ .. هي إذن دعوي عادية تحتمل المنازعة والخصام وبالتالي الدفاع؛ ومن ثم فإن تقديم الدائن لطلب فتح مسطرة التسوية القضائية ؛يجب أن يكون بمقال موقع من طرف محام وفق ما تقضي به المادة 13 ق مح تج .
3 ) لفت نظري فى كلام الأستاذ النقيب ؛ بخصوص إجبارية التمثيل بواسطة محام أمام المحكمة التجارية ؛قولــــــــــــــــه
أن المتقاضي صاحب المصلحة والحق في رفع الطلب وتقديم الملتمسات ؛ عديم الأهلية في تمثيل نفسه أمام المحكمة التجارية"
- الجملة فيها ؛ فلتــة قلم ؛ أدت إلي خلل لغوي وقانوني .
- في اللغة ؛ مثـــُل [ بضم الثاء ] يمثل مثولا أي وقف بين يدي شخص آخر ؛ ومنه مثل أمام القاضي أو الحاكم ومنه التمثيل أي قيام شخص مكان آخر في هذا العمل .وقد استعار القانون المصطلح فاعتمده في الحالات التي توجب اللجوء اليه . فهناك التمثيل الشرعي فيى مدونة الأسرة حيث النائب الشرعي يمثل عديم الأهلية وناقصها في القيام بالأعمال القانونية الموضوعية والإجرائية اللازمة لحماية حقوقه ومصالحه . وهناك التمثيل العضوي عند أشخاص القانون العام والخاص المعنويين ؛ فالشركة لها أهلية التقاضي ولكن الذي يتقاضي باسمها هو ممثلها القانوني حسب نظامها القانوني .ثم هناك التمثيل الإجرائي أو الفني وهو ذو طبيعة تعاقدية ؛ ويقوم به وكيل الخصام غير المحترف ؛ عندما يجيز القانون ذلك ؛ أو المحامي كما في معظم الحالات التي يقضي فيها القانون بوجوب تقديم الطلب القضائي بواسطة محام .هو تمثيل فني ؛ يقوم به المحامي ؛ و لا علاقة له بأهلية المتقاضي ؛ ولا يوجد بالتالي في القانون؛ مفهوم تمثيل الشخص نفسه؛ ولا يوجد مفهوم انعدام أهلية التمثيل لدي الشخص نفسه ؛ لأن التمثيل يكون عن الغير وليس عن النفس . [ يمكن تصور انعدام أهلية التمثيل عند الغير كما هو محدد في م 34 ق م م أو عند المحامي نفسه في الحالات المحددة في قانون المحاماة ] .
4 ) أخيرا ؛ حاء في قول السيد النقيب ؛ في معرض تأكيده علي عمومية إجبارية التمثيل بمحام ؛ أمام المحكمة التجارية ؛ أن ذلك ينطبق علي جميع المتدخلين في مساطر الصعوبة بمن فيهم السنديك . وهو قول غير موفق؛ لأن السنديك ليس طرفا في المساطر ؛ بل هو هيأة عضوية من هيآت المسطرة ؛مفروضة بقوة القانون ذات اختصاصات محددة ؛ ويعمل بصفة مستقلة ؛ وبالتالي فإنه غير معني بالتمثيل الإجباري بمحام رغم أن الأمر يتعلق بالمحكمة التجارية.
ختاما ؛ هذا قول يحتمل الصواب والخطأ . إنه مجرد رأي شخصي ؛ يمكن الاتفاق معه ؛ أو معارضته وتفنيده؛ وفي جميع الأحوال ؛ فإن الخلاف لا يفسد للود قضية .
الرباط ؛ 13 – 6 - 2020