يندرج مشروع قانون استعمال الوسائط الالكترونية في الاجراءات القضائية في إطار مسلسل إصلاح منظومة العدالة بالمملكة الذي أسفر عن إصدار ميثاق وطني من بين أهدافه الرئيسية العمل على رقمنة المحاكم و اعتماد الإدارة الالكترونية.
و إذا كانت الحضورية و التواجهية من بين أهم مبادئ المحاكمة العادلة كما هي متعارف عليها دوليا فإن الرغبة في تحقيق مبادئ الحكامة و إصدار الأحكام القضائية داخل أجل معقول وفق ما هو منصوص عليه دستوريا يفرض على أي تعديل للقواعد التقليدية التي انبنى عليها قانون المسطرة المدنية أن يراعي هذا التوازن باعتبار أن مبادئ المحاكمة العادلة وحدة لا تتجزأ.
و غني عن البيان أن إقرار قانون مسطري من هذا النوع يشكل ثورة في ميدان إجراءات التقاضي و بالتالي يتعين التريث و أخذ الوقت الكافي لتكون الانطلاقة صحيحة وهو ما يفرض بالضرورة إشراك الفاعلين الرئيسيين في منظومة العدالة قبل المصادقة عليه.
و قبل التطرق للملاحظات على مستوى مضمون التعديلات المقترحة لا بد من إبداء بعض الملاحظات من حيث الشكل و المنهجية.
المطلب الأول: ملاحظات على مستوى المنهجية و الشكل.
أول ما يمكن إثارته على مستوى منهجية إعداد المشروع أنه لا يتعلق فقط باستعمال الوسائط الالكترونية في الإجراءات القضائية و إنما هو مشروع قانون موسع يتضمن تعديلات أخرى تهم مواضيع المسطرة المدنية و نعطي أمثلة على ذلك من خلال الاستشهاد بتعديل و نسخ الفصل 33 الذي ألغى إمكانية الترافع عن الغير أمام القضاء من طرف الزوج أو القريب أو الصهر من الأصول أو الفروع أو الحواشي إلى الدرجة الثالثة. و كذا إضافة مقتضيات جديدة بخصوص تقرير جزاء عدم أداء الرسوم القضائية أو جزء منها من خلال تعديل الفصل 528 و كذا إعادة تنظيم كيفية تبليغ الاستدعاءات و إسناد هذه المهمة بصفة أصلية للمفوض القضائي و لجهات أخرى بكيفية احتياطية كما نص على ذلك الفصل 37 من المشروع فضلا عن تنظيم بيانات طلب التنفيذ و القاضي المكلف بالتنفيذ من خلال البند1 من الفصل 432 من المشروع و هي مقتضيات جديدة لم تكن منظمة من قبل. كل هذا يفرض على السلطة التنفيذية ألا تقدم مشروعا جزئيا لتعديل قانون المسطرة المدنية بل أن تقدمه في إطار تعديل شمولي لمقتضيات قانون المسطرة المدنية طالما أنه لا توجد أي ضرورة استعجالية للإسراع بالمصادقة على جزء مبتور من الكل و إلا سقطت في جملة من التناقضات عند طرح باقي أجزاء مشروع القانون المسطري للمصادقة على تعديله.
و في نفس النسق فإن اعتماد الوسائط الالكترونية في المسطرة المدنية كان يجب أن يسبقه المصادقة على القانون الأشمل الذي يؤطر هذا المجال و هو قانون التنظيم القضائي للمملكة و الذي سبق للمحكمة الدستورية أن قضت بعدم دستورية العديد من مقتضياته المضمنة في مشروع القانون رقم 15ـ38. و هذا ما يفرض من الناحية المنهجية إصدار قانون التنظيم القضائي قبل طرح قانون المسطرة المدنية للمصادقة عليه لأن الثاني مبني على الأول و مشتق منه.
و ما يعزز هذا التوجه هو أن التصور التشريعي لتعديل قانون المسطرة المدنية يمس بتنظيم أدوار و التزامات عدة فاعلين في منظومة العدالة و يتعلق الأمر بسلطات رؤساء المحاكم و الجمعيات العمومية و صلاحيات و التزامات المحامين و أطر كتابة الضبط و الخبراء و المفوضين القضائيين و غيرهم.
من ناحية ثانية يلاحظ أن مشروع القانون اعتمد ثلاثة طرق في التعديل أولها تتميم فصول معينة طبقا للمادة الأولى منه و ثانيها نسخ و تعويض فصول أخرى طبقا للمادة الثانية منه و ثالثها تغيير و تتميم فصول أخرى طبقا للمادة الثالثة منه. و الحال أنه كان بإمكان المشروع أن ينسخ جميع الفصول موضوع التعديل أو التتميم و يعوضها بفصول جديدة متكاملة الصياغة حتى لا يتيه المخاطب و يرتبك أمام تعدد التعديلات الواردة على الفصل الواحد الشيء الذي يشوش على المخاطب و يفرض عليه في كل حين الرجوع إلى النص القديم و عدم الاكتفاء بالنص الجديد. بل الأكثر من ذلك فإن المشروع لما نص في المادة الأولى- على سبيل المثال- على تتميم الفصل 31 ببنود أخرى فإنه تضمن مقتضيات تعدله و لا تتممه فقط، و هذا ما يفهم من اعتماد النظام المعلوماتي في تعيين القاضي المقرر و تعيين تاريخ أول جلسة و هو مقتضى يتعارض مع منطوق الفصل 31 مما يتبين معه أن المشروع أخطأ عندما أدرج التعديل في خانة التتميم بدلا من خانة النسخ و الإلغاء.
من ناحية ثالثة إذا كان مشروع القانون قد نص على استعمال الوسائط الالكترونية بخصوص الاستدعاءات و إجراءات التبليغ و محاضر و سجلات الجلسات و الأحكام و أداء الرسوم القضائية و التنفيذ.... إلا أنه أغفل تبليغ النيابة العامة في القضايا المدنية سواء عندما تكون طرفا منضما أو طرفا أصليا بنفس الوسائط الالكترونية كما أغفل إمكانية اعتماد هذه النيابة العامة الوسائط الالكترونية في تقديم المستنتجات أو الطعون و الحال أن النيابة العامة تعتبر جزء من السلطة القضائية يتعين معه أن تكون مشمولة بخطاب القانون شأنها شأن قضاء الحكم. مما يصح معه القول أن المشروع لم يكن شاملا بالرغم من أنه حاول أن يستوعب العديد من المجالات في مادة المسطرة المدنية.
و أخيرا فإن مشروع القانون لم يكلف نفسه عناء وضع بعض التعاريف الأساسية للمفاهيم الجديدة التي استحدثها من قبيل المنصة الالكترونية و الحساب الالكتروني المهني و العنوان الالكتروني و الدعامة الالكترونية و غيرها خلافا للمنهجية التي اعتمدها المشرع في إصدار القوانين الحديثة. كما لم يحدد أي أجل لإخراج النصوص التنظيمية المرتبطة بتفعيل الوسائط الالكترونية الأمر الذي قد يترك للسلطة التنفيذية مجالا زمنيا مفتوحا للتراخي في تنزيل مشروع المحكمة الرقمية.
المطلب الثاني: ملاحظات من حيث المضمون.
بالقراءة الأولية لمقتضيات المشروع المعروض علينا خاصة في شقه المتعلق بقانون المسطرة المدنية تبين أن المستجدات التي أتى بها تناولت على سبيل الخصوص:
أولا: تعيين القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر وفقا لنظام معلوماتي.
ثانيا: التبليغ الالكتروني للمقالات و المذكرات و المرفقات.
ثالثا: الحصول على نسخ الأحكام بطريقة الكترونية.
رابعا: أداء الرسوم القضائية بطريقة الكترونية.
أولا: تعيين القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر وفقا لنظام معلوماتي:
إذا كان قانون المسطرة المدنية الحالي يمنح اختصاص تعيين القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر للسيد رئيس المحكمة فإن المشروع المعروض أمامنا استعاض عن رئيس المحكمة بالنظام المعلوماتي أي أنه جعل هذا التعيين يتم بصفة آلية تلقائية بناء على برنامج تقني معد سلفا لا دخل فيه للعنصر البشري.
و إذا كان من مميزات التعيين الالكتروني إضفاء شفافية أكثر على عملية تعيين القاضي الذي سيبت في القضية أوالقاضي المقرر الذي سيعمل على تجهيزها فإن سلب هذا الاختصاص من رئيس المحكمة قد ينعكس سلبا على واقع توزيع الملفات على القضاة بحيث يميل الكثير من رؤساء المحاكم إلى مراعاة الضغط الواقع على بعض القضاة و خاصة رؤساء الهيئات من حيث عدد الملفات المدرجة باسمهم و كذا من حيث نوعية الملفات المحالة عليهم في المقابل فإن رئيس المحكمة و في سياق دوره التأطيري قد يراعي مدى حداثة و تجربة القاضي في إسناد الملفات إليه ليس من قبيل التدخل في القضاء و إنما من باب حسن الإدارة و تمكين القاضي الحديث العهد بالقضاء من فرصة كافية لدراسة الملفات البسيطة نوعا ما قبل إحالة الملفات التي تبدو أكثر تعقيدا.
و قد حاول المشروع أن يخفف من سلبيات تعيين القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر تلقائيا بواسطة النظام المعلوماتي بتخويله لرئيس المحكمة أن يغير القاضي المذكور بصفة استثنائية بمقرر معلل لكن دون أن يبين السبب هل يتعلق الأمر بسبب من أسباب التجريح أو التنافي فضلا على أنه لم يبين طبيعة هذا المقرر هل هو مقرر ولائي غير قابل للطعن أم أنه قرار قضائي يقبل الطعن و الإلغاء.
كذلك فإن تنصيص المشروع على أن النظام المعلوماتي يعين أول جلسة يعرض فيها الملف يعتبر سلبا للصلاحية الممنوحة للقاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر باعتباره صاحب الولاية في وضع يده على الملف و الأجدر بمعرفة و تقدير التاريخ المناسب لعرض الملف على أول جلسة بالنظر إلى عناوين الأطراف و عددهم و طبيعة ونوعية النزاع.
ثانيا: التبيلغ الالكتروني للمقالات و المذكرات و المرفقات.
يعتبر استدعاء أطراف الدعوى و تبليغهم بكل إجراء من إجراءات الدعوى من أهم مقتضيات مبدأ الحضورية و التواجهية. و إذا كان الأصل في القانون الحالي هو تبليغ أطراف الدعوى هو التبليغ المادي للوثائق و الذي يقع بواسطة مفوض قضائي أو كاتب للضبط أو بالطريق الإداري أو بالبريد المضمون أو بالقيم أو بالطريق الديبلوماسي فإن إلغاء الفصل 37 من قانون المسطرة المدنية و تعويضه بفصل جديد حمل تعديلين هامين: أولهما: جعل الأصل في التبليغ هو حصوله بواسطة أحد المفوضين القضائيين و استثناء يمكن أن يتم بواسطة أحد موظفي كتابة الضبط أو بالطريقة الإدارية. و ثانيهما إضافة وسيلة جديدة للتبليغ مستعملا صيغة فضفاضة و هي: أو بأي وسيلة أخرى للتبليغ بما فيها التبليغ الالكتروني. و نعتقد أن فتح إمكانية التبليغ الالكتروني يجب التعامل معه بحذر كبير خاصة و أن للتبليغ آثار قانونية هامة من شأنها أن تنعكس على المركز القانوني لأطراف الدعوى و لاسيما الإضرار بحقوقهم ومصالحهم.
من هذا المنطلق لوحظ أن المشروع المعروض أمامنا قام بتتميم الفصل 41 من قانون المسطرة المدنية بثمانية بنود إضافية تناولت التبليغ الالكتروني و ذلك بالتنصيص على إحداث منصة الكترونية رسمية للتقاضي عن بعد تتولى تأمين عملية التبادل اللامادي للإجراءات بين المحامين و محاكم المملكة بما يضمن موثوقية المعطيات المضمنة و سلامة الوثائق و أمن و سرية التبادلات الالكترونية و غيرها. و من أجل ضمان التبليغ الالكتروني فرض مشروع القانون على أصحاب المهن القضائية من محامين و مفوضين قضائيين و خبراء إنشاء حسابات الكترونية كما افترض توفر الإدارات العمومية على عناوين الكترونية في حين ترك لباقي الأطراف الحرية في الإدلاء بعناوينهم الالكترونية.
غير أن ما يلاحظ على الصياغة التشريعية المقترحة في البندين 5 و 6 من الفصل 41 أن التبليغ بالطريقة الالكترونية هي إمكانية متاحة للمحكمة إما تلقائيا أو بناء على أحد الأطراف بمعنى أنها ليست إلزامية. وهذا الخيار الممنوح للمحكمة قد يفرغ التبليغ الالكتروني من محتواه، هذا من جهة أولى. و من جهة ثانية فإن التراجع المخول للطرف الذي صرح برغبته في تبليغه الكترونيا في عنوانه الالكتروني المختار بدوره سوف يفرغ هذا النوع من التبليغ من محتواه و يعيدنا إلى نقطة الصفر خاصة فيما يخص صعوبات تبليغه إذا لم تنازل دفاعه عن النيابة عنه في الإجراءات. ومن جهة ثالثة فإن قبول صور المستندات في الإجراءات دون إلزام الطرف المدلي بها بتقديم أصولها أو صور رسمية منها لضمها للملف الورقي إلا في حالة إنكارها من طرف الخصم يعتبر قاعدة موضوعية في الإثبات و تعديلا لمقتضيات الإثبات المنصوص عليها في ق ل ع و خاصة ما تضمنه الفصل 440 من هذا الأخير.
كما يلاحظ أيضا أن إحالة مشروع القانون على نصوص تنظيمية لتحديد الكيفيات التقنية لعملية التبليغ الالكتروني و الحال أن المشروع منح لهذا التبليغ نفس الحجية الممنوحة للتبليغ التقليدي يعتبر مسألة فيها نظر. ذلك أن إحالة التشريع على نص تنظيمي في مسألة هي من صميم اختصاص التشريع - طالما أن الأمر هنا يتعلق بصحة التبليغ من الناحية القانونية - قد ينطوي على خرق دستوري في تمييز مجال التشريع عن مجال التنظيم.
فضلا عما ذكر فإن المشروع لم يحدد جزاء قانونا على عدم إنشاء المحامي أو المفوض القضائي لحساب الكتروني شخصي مهني من أجل ضمان عملية التبادل الالكتروني. فما هو جزاء الامتناع هل يشكل الأمر مخالفة تأديبية فقط أم أنه يمكن إحداث هذا الحساب الالكتروني رغما عن المعني بالأمر.
وقد أغفل المشروع الإشارة إلى إلغاء مسألة رفض التوصل عندما يتم التبليغ بالطريقة الالكترونية لأنه لا يتصور رفض التوصل في إطار هذا التبليغ الافتراضي.
ثالثا: الحصول على نسخ الأحكام بطريقة الكترونية.
نص البند 9 من الفصل 41 من المشروع على أنه لا يحول استخدام الوسائط الالكترونية دون حق الأطراف في الحصول ورقيا على النسخ العادية و التبليغية و التنفيذية للأوامر و الأحكام و القرارات القضائية. هذا المقتضى صريح في تقرير ازدواجية الدعامة الالكترونية و الحامل الورقي في ما يتعلق بالأوامر و الأحكام و القرارات القضائية وبذلك يتبين أن اعتماد الوسائط الالكترونية لن يلغي التعامل بالوثائق الورقية علما أن المشرع لم يحفز أصحاب المصلحة في الركون إلى الدعامات الالكترونية و لو من خلال التخفيض من الرسوم القضائية المؤداة من أجل الحصول على نسخ من المقررات المذكورة. و قد نص الفصل 53 من المشروع بأنه تسلم نسخة من الحكم بعد الإشهاد على مطابقتها للأصل لمن يطلبها من الأطراف بواسطة كتابة ضبط المحكمة التي أصدرته أو أي محكمة مجهزة بنظام معلوماتي خاص، بمعنى أن نسخة الحكم المعدة الكترونيا يمكن أن تستخرج من أية محكمة مزودة بنظام معلوماتي خاص شريطة الإشهاد على مطابقتها للأصل علما بأن موظف كتابة الضبط في هذه الحالة يتوفر فقط على النسخة الالكترونية و يستحيل عليه مراقبة مدى مطابقة النسخة الالكترونية لأصل الحكم و سجل الجلسة المحفوظ بكتابة ضبط المحكمة المصدرة للحكم. هذا المقتضى و إن كان قد خفف على أطراف الحكم أو من لهم مصلحة في الحصول على نسخة من الحكم باعتماد آلية القرب إلا أنه قد يحمل كاتب الضبط مسؤولية كبيرة في الإشهاد على مطابقة النسخة لأصلها و الحال أن جميع الأصول الورقية توجد بمحكمة أخرى.
و من مستجدات اقتراح تعديل الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية المتضمن للبيانات الإلزامية في الأحكام القضائية التنصيص على أن الأحكام توقع يدويا أو إلكترونيا حسب الحالات من طرف رئيس الهيئة و القاضي المقرر أو من القاضي المكلف بالقضية و كاتب الضبط. و في هذا المقتضى خيار تشريعي آخر يقضي بأن الازدواجية بين التوقيع اليدوي على الحامل الورقية و بين التوقيع الالكتروني هي اختيارية و ليست إلزامية. و هو ما يطرح إشكالية مدى نجاعة الوسائط الالكترونية إذا اختار القضاة تفعيل التوقيع على الحامل الورقي دون اعتماد التوقيع الالكتروني طالما لا يوجد أي نص قانوني يلزمهم بذلك. و هي نفس الازدواجية المطروحة على مستوى توقيع محاضر الجلسات و سجلات الأحكام – انظر الفصل 339 مكرر و الفصل 51 من المشروع-. لذا يبدو أن هذه الازدواجية ستظل قائمة و أنه ليس في نية المشرع الانتقال بصفة شمولية إلى النظام الالكتروني في معالجة تدبير الإجراءات القضائية.
رابعا: إيداع المقالات و أداء الرسوم القضائية بطريقة الكترونية.
من مستجدات المشروع الجديد أنه أتاح للطرف المدعي إيداع المقال الافتتاحي لدى كتابة الضبط على حامل ورقي أو عبر النظام الالكتروني المعد لهذه الغاية وفق الكيفيات التقنية بمقتضى نص تنظيمي – الفصل 31 من المشروع – كما أتاح إمكانية الأداء الالكتروني في جميع الأحوال التي تستوجب تأدية وجيبة قضائية أو إيداع مبلغ بما في ذلك المصاريف التي تتطلبها إجراءات تحقيق الدعوى – الفصل 528 من المشروع -. وهي إمكانية من شأنها تخفيف العبء على الأطراف و دفاعهم و تجسيد مبدأ القرب عمليا. غير أنه يلاحظ أن المشروع في نسخه للفصل 528 من القانون الحالي و تعويضه بفصل جديد لم يحل على أية مقتضيات تنظيمية لتفعيل تقنية الأداء الالكتروني بخلاف ما فعله عند تنظيم الإيداع الالكتروني للمقالات و التبليغ الالكتروني من خلال تعديل الفصل 31 وإضافة البند 7 من الفصل 41. فكيف تتأكد المحكمة من أن الوصل الالكتروني المدلى به يتعلق بالرسم القضائي أو الوجيبة القضائية المتعلقة بالملف المعروض أمامها أم أنه يتعين الإشهاد على الوصل المذكور من طرف وكيل الحسابات بنفس المحكمة؟
كانت هذه بعض الارتسامات العامة الأولية على مشروع القانون المتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية في شقه المتعلق بالمسطرة المدنية، و هو مشروع و لا شك يحتاج ابتداء من هذه اللحظة إلى العمل على تكوين وتأهيل الموارد البشرية لجعلها قادرة على مواكبة نظام المحكمة الرقمية في حالة اعتماده رسميا تفاديا لكل خلل أو ارتباك في التنزيل على أرض الواقع.
و إذا كانت الحضورية و التواجهية من بين أهم مبادئ المحاكمة العادلة كما هي متعارف عليها دوليا فإن الرغبة في تحقيق مبادئ الحكامة و إصدار الأحكام القضائية داخل أجل معقول وفق ما هو منصوص عليه دستوريا يفرض على أي تعديل للقواعد التقليدية التي انبنى عليها قانون المسطرة المدنية أن يراعي هذا التوازن باعتبار أن مبادئ المحاكمة العادلة وحدة لا تتجزأ.
و غني عن البيان أن إقرار قانون مسطري من هذا النوع يشكل ثورة في ميدان إجراءات التقاضي و بالتالي يتعين التريث و أخذ الوقت الكافي لتكون الانطلاقة صحيحة وهو ما يفرض بالضرورة إشراك الفاعلين الرئيسيين في منظومة العدالة قبل المصادقة عليه.
و قبل التطرق للملاحظات على مستوى مضمون التعديلات المقترحة لا بد من إبداء بعض الملاحظات من حيث الشكل و المنهجية.
المطلب الأول: ملاحظات على مستوى المنهجية و الشكل.
أول ما يمكن إثارته على مستوى منهجية إعداد المشروع أنه لا يتعلق فقط باستعمال الوسائط الالكترونية في الإجراءات القضائية و إنما هو مشروع قانون موسع يتضمن تعديلات أخرى تهم مواضيع المسطرة المدنية و نعطي أمثلة على ذلك من خلال الاستشهاد بتعديل و نسخ الفصل 33 الذي ألغى إمكانية الترافع عن الغير أمام القضاء من طرف الزوج أو القريب أو الصهر من الأصول أو الفروع أو الحواشي إلى الدرجة الثالثة. و كذا إضافة مقتضيات جديدة بخصوص تقرير جزاء عدم أداء الرسوم القضائية أو جزء منها من خلال تعديل الفصل 528 و كذا إعادة تنظيم كيفية تبليغ الاستدعاءات و إسناد هذه المهمة بصفة أصلية للمفوض القضائي و لجهات أخرى بكيفية احتياطية كما نص على ذلك الفصل 37 من المشروع فضلا عن تنظيم بيانات طلب التنفيذ و القاضي المكلف بالتنفيذ من خلال البند1 من الفصل 432 من المشروع و هي مقتضيات جديدة لم تكن منظمة من قبل. كل هذا يفرض على السلطة التنفيذية ألا تقدم مشروعا جزئيا لتعديل قانون المسطرة المدنية بل أن تقدمه في إطار تعديل شمولي لمقتضيات قانون المسطرة المدنية طالما أنه لا توجد أي ضرورة استعجالية للإسراع بالمصادقة على جزء مبتور من الكل و إلا سقطت في جملة من التناقضات عند طرح باقي أجزاء مشروع القانون المسطري للمصادقة على تعديله.
و في نفس النسق فإن اعتماد الوسائط الالكترونية في المسطرة المدنية كان يجب أن يسبقه المصادقة على القانون الأشمل الذي يؤطر هذا المجال و هو قانون التنظيم القضائي للمملكة و الذي سبق للمحكمة الدستورية أن قضت بعدم دستورية العديد من مقتضياته المضمنة في مشروع القانون رقم 15ـ38. و هذا ما يفرض من الناحية المنهجية إصدار قانون التنظيم القضائي قبل طرح قانون المسطرة المدنية للمصادقة عليه لأن الثاني مبني على الأول و مشتق منه.
و ما يعزز هذا التوجه هو أن التصور التشريعي لتعديل قانون المسطرة المدنية يمس بتنظيم أدوار و التزامات عدة فاعلين في منظومة العدالة و يتعلق الأمر بسلطات رؤساء المحاكم و الجمعيات العمومية و صلاحيات و التزامات المحامين و أطر كتابة الضبط و الخبراء و المفوضين القضائيين و غيرهم.
من ناحية ثانية يلاحظ أن مشروع القانون اعتمد ثلاثة طرق في التعديل أولها تتميم فصول معينة طبقا للمادة الأولى منه و ثانيها نسخ و تعويض فصول أخرى طبقا للمادة الثانية منه و ثالثها تغيير و تتميم فصول أخرى طبقا للمادة الثالثة منه. و الحال أنه كان بإمكان المشروع أن ينسخ جميع الفصول موضوع التعديل أو التتميم و يعوضها بفصول جديدة متكاملة الصياغة حتى لا يتيه المخاطب و يرتبك أمام تعدد التعديلات الواردة على الفصل الواحد الشيء الذي يشوش على المخاطب و يفرض عليه في كل حين الرجوع إلى النص القديم و عدم الاكتفاء بالنص الجديد. بل الأكثر من ذلك فإن المشروع لما نص في المادة الأولى- على سبيل المثال- على تتميم الفصل 31 ببنود أخرى فإنه تضمن مقتضيات تعدله و لا تتممه فقط، و هذا ما يفهم من اعتماد النظام المعلوماتي في تعيين القاضي المقرر و تعيين تاريخ أول جلسة و هو مقتضى يتعارض مع منطوق الفصل 31 مما يتبين معه أن المشروع أخطأ عندما أدرج التعديل في خانة التتميم بدلا من خانة النسخ و الإلغاء.
من ناحية ثالثة إذا كان مشروع القانون قد نص على استعمال الوسائط الالكترونية بخصوص الاستدعاءات و إجراءات التبليغ و محاضر و سجلات الجلسات و الأحكام و أداء الرسوم القضائية و التنفيذ.... إلا أنه أغفل تبليغ النيابة العامة في القضايا المدنية سواء عندما تكون طرفا منضما أو طرفا أصليا بنفس الوسائط الالكترونية كما أغفل إمكانية اعتماد هذه النيابة العامة الوسائط الالكترونية في تقديم المستنتجات أو الطعون و الحال أن النيابة العامة تعتبر جزء من السلطة القضائية يتعين معه أن تكون مشمولة بخطاب القانون شأنها شأن قضاء الحكم. مما يصح معه القول أن المشروع لم يكن شاملا بالرغم من أنه حاول أن يستوعب العديد من المجالات في مادة المسطرة المدنية.
و أخيرا فإن مشروع القانون لم يكلف نفسه عناء وضع بعض التعاريف الأساسية للمفاهيم الجديدة التي استحدثها من قبيل المنصة الالكترونية و الحساب الالكتروني المهني و العنوان الالكتروني و الدعامة الالكترونية و غيرها خلافا للمنهجية التي اعتمدها المشرع في إصدار القوانين الحديثة. كما لم يحدد أي أجل لإخراج النصوص التنظيمية المرتبطة بتفعيل الوسائط الالكترونية الأمر الذي قد يترك للسلطة التنفيذية مجالا زمنيا مفتوحا للتراخي في تنزيل مشروع المحكمة الرقمية.
المطلب الثاني: ملاحظات من حيث المضمون.
بالقراءة الأولية لمقتضيات المشروع المعروض علينا خاصة في شقه المتعلق بقانون المسطرة المدنية تبين أن المستجدات التي أتى بها تناولت على سبيل الخصوص:
أولا: تعيين القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر وفقا لنظام معلوماتي.
ثانيا: التبليغ الالكتروني للمقالات و المذكرات و المرفقات.
ثالثا: الحصول على نسخ الأحكام بطريقة الكترونية.
رابعا: أداء الرسوم القضائية بطريقة الكترونية.
أولا: تعيين القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر وفقا لنظام معلوماتي:
إذا كان قانون المسطرة المدنية الحالي يمنح اختصاص تعيين القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر للسيد رئيس المحكمة فإن المشروع المعروض أمامنا استعاض عن رئيس المحكمة بالنظام المعلوماتي أي أنه جعل هذا التعيين يتم بصفة آلية تلقائية بناء على برنامج تقني معد سلفا لا دخل فيه للعنصر البشري.
و إذا كان من مميزات التعيين الالكتروني إضفاء شفافية أكثر على عملية تعيين القاضي الذي سيبت في القضية أوالقاضي المقرر الذي سيعمل على تجهيزها فإن سلب هذا الاختصاص من رئيس المحكمة قد ينعكس سلبا على واقع توزيع الملفات على القضاة بحيث يميل الكثير من رؤساء المحاكم إلى مراعاة الضغط الواقع على بعض القضاة و خاصة رؤساء الهيئات من حيث عدد الملفات المدرجة باسمهم و كذا من حيث نوعية الملفات المحالة عليهم في المقابل فإن رئيس المحكمة و في سياق دوره التأطيري قد يراعي مدى حداثة و تجربة القاضي في إسناد الملفات إليه ليس من قبيل التدخل في القضاء و إنما من باب حسن الإدارة و تمكين القاضي الحديث العهد بالقضاء من فرصة كافية لدراسة الملفات البسيطة نوعا ما قبل إحالة الملفات التي تبدو أكثر تعقيدا.
و قد حاول المشروع أن يخفف من سلبيات تعيين القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر تلقائيا بواسطة النظام المعلوماتي بتخويله لرئيس المحكمة أن يغير القاضي المذكور بصفة استثنائية بمقرر معلل لكن دون أن يبين السبب هل يتعلق الأمر بسبب من أسباب التجريح أو التنافي فضلا على أنه لم يبين طبيعة هذا المقرر هل هو مقرر ولائي غير قابل للطعن أم أنه قرار قضائي يقبل الطعن و الإلغاء.
كذلك فإن تنصيص المشروع على أن النظام المعلوماتي يعين أول جلسة يعرض فيها الملف يعتبر سلبا للصلاحية الممنوحة للقاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر باعتباره صاحب الولاية في وضع يده على الملف و الأجدر بمعرفة و تقدير التاريخ المناسب لعرض الملف على أول جلسة بالنظر إلى عناوين الأطراف و عددهم و طبيعة ونوعية النزاع.
ثانيا: التبيلغ الالكتروني للمقالات و المذكرات و المرفقات.
يعتبر استدعاء أطراف الدعوى و تبليغهم بكل إجراء من إجراءات الدعوى من أهم مقتضيات مبدأ الحضورية و التواجهية. و إذا كان الأصل في القانون الحالي هو تبليغ أطراف الدعوى هو التبليغ المادي للوثائق و الذي يقع بواسطة مفوض قضائي أو كاتب للضبط أو بالطريق الإداري أو بالبريد المضمون أو بالقيم أو بالطريق الديبلوماسي فإن إلغاء الفصل 37 من قانون المسطرة المدنية و تعويضه بفصل جديد حمل تعديلين هامين: أولهما: جعل الأصل في التبليغ هو حصوله بواسطة أحد المفوضين القضائيين و استثناء يمكن أن يتم بواسطة أحد موظفي كتابة الضبط أو بالطريقة الإدارية. و ثانيهما إضافة وسيلة جديدة للتبليغ مستعملا صيغة فضفاضة و هي: أو بأي وسيلة أخرى للتبليغ بما فيها التبليغ الالكتروني. و نعتقد أن فتح إمكانية التبليغ الالكتروني يجب التعامل معه بحذر كبير خاصة و أن للتبليغ آثار قانونية هامة من شأنها أن تنعكس على المركز القانوني لأطراف الدعوى و لاسيما الإضرار بحقوقهم ومصالحهم.
من هذا المنطلق لوحظ أن المشروع المعروض أمامنا قام بتتميم الفصل 41 من قانون المسطرة المدنية بثمانية بنود إضافية تناولت التبليغ الالكتروني و ذلك بالتنصيص على إحداث منصة الكترونية رسمية للتقاضي عن بعد تتولى تأمين عملية التبادل اللامادي للإجراءات بين المحامين و محاكم المملكة بما يضمن موثوقية المعطيات المضمنة و سلامة الوثائق و أمن و سرية التبادلات الالكترونية و غيرها. و من أجل ضمان التبليغ الالكتروني فرض مشروع القانون على أصحاب المهن القضائية من محامين و مفوضين قضائيين و خبراء إنشاء حسابات الكترونية كما افترض توفر الإدارات العمومية على عناوين الكترونية في حين ترك لباقي الأطراف الحرية في الإدلاء بعناوينهم الالكترونية.
غير أن ما يلاحظ على الصياغة التشريعية المقترحة في البندين 5 و 6 من الفصل 41 أن التبليغ بالطريقة الالكترونية هي إمكانية متاحة للمحكمة إما تلقائيا أو بناء على أحد الأطراف بمعنى أنها ليست إلزامية. وهذا الخيار الممنوح للمحكمة قد يفرغ التبليغ الالكتروني من محتواه، هذا من جهة أولى. و من جهة ثانية فإن التراجع المخول للطرف الذي صرح برغبته في تبليغه الكترونيا في عنوانه الالكتروني المختار بدوره سوف يفرغ هذا النوع من التبليغ من محتواه و يعيدنا إلى نقطة الصفر خاصة فيما يخص صعوبات تبليغه إذا لم تنازل دفاعه عن النيابة عنه في الإجراءات. ومن جهة ثالثة فإن قبول صور المستندات في الإجراءات دون إلزام الطرف المدلي بها بتقديم أصولها أو صور رسمية منها لضمها للملف الورقي إلا في حالة إنكارها من طرف الخصم يعتبر قاعدة موضوعية في الإثبات و تعديلا لمقتضيات الإثبات المنصوص عليها في ق ل ع و خاصة ما تضمنه الفصل 440 من هذا الأخير.
كما يلاحظ أيضا أن إحالة مشروع القانون على نصوص تنظيمية لتحديد الكيفيات التقنية لعملية التبليغ الالكتروني و الحال أن المشروع منح لهذا التبليغ نفس الحجية الممنوحة للتبليغ التقليدي يعتبر مسألة فيها نظر. ذلك أن إحالة التشريع على نص تنظيمي في مسألة هي من صميم اختصاص التشريع - طالما أن الأمر هنا يتعلق بصحة التبليغ من الناحية القانونية - قد ينطوي على خرق دستوري في تمييز مجال التشريع عن مجال التنظيم.
فضلا عما ذكر فإن المشروع لم يحدد جزاء قانونا على عدم إنشاء المحامي أو المفوض القضائي لحساب الكتروني شخصي مهني من أجل ضمان عملية التبادل الالكتروني. فما هو جزاء الامتناع هل يشكل الأمر مخالفة تأديبية فقط أم أنه يمكن إحداث هذا الحساب الالكتروني رغما عن المعني بالأمر.
وقد أغفل المشروع الإشارة إلى إلغاء مسألة رفض التوصل عندما يتم التبليغ بالطريقة الالكترونية لأنه لا يتصور رفض التوصل في إطار هذا التبليغ الافتراضي.
ثالثا: الحصول على نسخ الأحكام بطريقة الكترونية.
نص البند 9 من الفصل 41 من المشروع على أنه لا يحول استخدام الوسائط الالكترونية دون حق الأطراف في الحصول ورقيا على النسخ العادية و التبليغية و التنفيذية للأوامر و الأحكام و القرارات القضائية. هذا المقتضى صريح في تقرير ازدواجية الدعامة الالكترونية و الحامل الورقي في ما يتعلق بالأوامر و الأحكام و القرارات القضائية وبذلك يتبين أن اعتماد الوسائط الالكترونية لن يلغي التعامل بالوثائق الورقية علما أن المشرع لم يحفز أصحاب المصلحة في الركون إلى الدعامات الالكترونية و لو من خلال التخفيض من الرسوم القضائية المؤداة من أجل الحصول على نسخ من المقررات المذكورة. و قد نص الفصل 53 من المشروع بأنه تسلم نسخة من الحكم بعد الإشهاد على مطابقتها للأصل لمن يطلبها من الأطراف بواسطة كتابة ضبط المحكمة التي أصدرته أو أي محكمة مجهزة بنظام معلوماتي خاص، بمعنى أن نسخة الحكم المعدة الكترونيا يمكن أن تستخرج من أية محكمة مزودة بنظام معلوماتي خاص شريطة الإشهاد على مطابقتها للأصل علما بأن موظف كتابة الضبط في هذه الحالة يتوفر فقط على النسخة الالكترونية و يستحيل عليه مراقبة مدى مطابقة النسخة الالكترونية لأصل الحكم و سجل الجلسة المحفوظ بكتابة ضبط المحكمة المصدرة للحكم. هذا المقتضى و إن كان قد خفف على أطراف الحكم أو من لهم مصلحة في الحصول على نسخة من الحكم باعتماد آلية القرب إلا أنه قد يحمل كاتب الضبط مسؤولية كبيرة في الإشهاد على مطابقة النسخة لأصلها و الحال أن جميع الأصول الورقية توجد بمحكمة أخرى.
و من مستجدات اقتراح تعديل الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية المتضمن للبيانات الإلزامية في الأحكام القضائية التنصيص على أن الأحكام توقع يدويا أو إلكترونيا حسب الحالات من طرف رئيس الهيئة و القاضي المقرر أو من القاضي المكلف بالقضية و كاتب الضبط. و في هذا المقتضى خيار تشريعي آخر يقضي بأن الازدواجية بين التوقيع اليدوي على الحامل الورقية و بين التوقيع الالكتروني هي اختيارية و ليست إلزامية. و هو ما يطرح إشكالية مدى نجاعة الوسائط الالكترونية إذا اختار القضاة تفعيل التوقيع على الحامل الورقي دون اعتماد التوقيع الالكتروني طالما لا يوجد أي نص قانوني يلزمهم بذلك. و هي نفس الازدواجية المطروحة على مستوى توقيع محاضر الجلسات و سجلات الأحكام – انظر الفصل 339 مكرر و الفصل 51 من المشروع-. لذا يبدو أن هذه الازدواجية ستظل قائمة و أنه ليس في نية المشرع الانتقال بصفة شمولية إلى النظام الالكتروني في معالجة تدبير الإجراءات القضائية.
رابعا: إيداع المقالات و أداء الرسوم القضائية بطريقة الكترونية.
من مستجدات المشروع الجديد أنه أتاح للطرف المدعي إيداع المقال الافتتاحي لدى كتابة الضبط على حامل ورقي أو عبر النظام الالكتروني المعد لهذه الغاية وفق الكيفيات التقنية بمقتضى نص تنظيمي – الفصل 31 من المشروع – كما أتاح إمكانية الأداء الالكتروني في جميع الأحوال التي تستوجب تأدية وجيبة قضائية أو إيداع مبلغ بما في ذلك المصاريف التي تتطلبها إجراءات تحقيق الدعوى – الفصل 528 من المشروع -. وهي إمكانية من شأنها تخفيف العبء على الأطراف و دفاعهم و تجسيد مبدأ القرب عمليا. غير أنه يلاحظ أن المشروع في نسخه للفصل 528 من القانون الحالي و تعويضه بفصل جديد لم يحل على أية مقتضيات تنظيمية لتفعيل تقنية الأداء الالكتروني بخلاف ما فعله عند تنظيم الإيداع الالكتروني للمقالات و التبليغ الالكتروني من خلال تعديل الفصل 31 وإضافة البند 7 من الفصل 41. فكيف تتأكد المحكمة من أن الوصل الالكتروني المدلى به يتعلق بالرسم القضائي أو الوجيبة القضائية المتعلقة بالملف المعروض أمامها أم أنه يتعين الإشهاد على الوصل المذكور من طرف وكيل الحسابات بنفس المحكمة؟
كانت هذه بعض الارتسامات العامة الأولية على مشروع القانون المتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية في شقه المتعلق بالمسطرة المدنية، و هو مشروع و لا شك يحتاج ابتداء من هذه اللحظة إلى العمل على تكوين وتأهيل الموارد البشرية لجعلها قادرة على مواكبة نظام المحكمة الرقمية في حالة اعتماده رسميا تفاديا لكل خلل أو ارتباك في التنزيل على أرض الواقع.