تندلع الحروب بين الدول من أجل تأمين المصالح والبحث عن مصادر القوة كشرط أساسي للبقاء، وقد قامت كثير من الحروب الكبرى عبر التاريخ على المعادلة الصفرية التي تتمثل في النصر الحاسم لطرف مقابل إلحاق الهزيمة بالطرف الثاني واستسلامه وإذعانه لشروط وإملاءات المنتصر، بينما تتمثل المعادلة غير الصفرية كونها تتيح للطرفين حالة مغايرة جراء مقاربة التوازن مما يجعلهما يبحثان عن “الحل الوسط” والبحث عن البدائل الممكنة، علما أن المصالح هي ما يحكم السياسة.
ونجد أن الأحداث الأخيرة التي يشهدها العالم أعادت النقاش حول هاتين النظريتين، خصوصا في الحرب الروسية الأوكرانية.
لقد ساد لدى كثير من الملاحظين انطباع أولي بأن المعادلة الصفرية ستكون حاسمة في هاته الحرب، حيث ظنوا أنها ستكون خاطفة وحاسمة؛ لكن تبين مع مرور الوقت أنها طالت، مما أدى إلى استنزاف الطاقات والموارد، وباتت التكلفة مرتفعة بالنسبة للطرفين، لا سيما أن الجدوى منها أصبحت موغلة في الضبابية، لأنها لم تستطع مثلا وقف تمدد الناتو بدول الجوار التي تريد الانضمام إليه…!
من جهة أخرى، ما زالت أوكرانيا تعتقد أن صمودها كفيل باستعادة كل الأراضي في دونباس وزاباروجيا وشبه جزيرة القرم التي تعتبرها موسكو أراض روسية. كما أن دول حلف الناتو بدأت تثقل كاهلها الآثار السلبية لهذه الحرب على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، حيث وصل التضخم إلى مستويات قياسية، هذا دون الحديث عن تبعات هذه الحرب على الاقتصاد العالمي.
ويبدو أن الحسابات الصفرية في الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تتمثل في رغبة كل طرف في الحصول على “كل شيء” مقابل “لا شيء”، تبدو صعبة التحقق على أرض الواقع. والواضح أن التشبث بشعار “النصر الكامل” بات بعيد المنال.
ثمة انطباع لدى بعض المحللين مفاده أن المعادلة الصفرية ممكنة التحقق على أرض المعركة، معلنين أن سيناريو الحرب العالمية الثالثة على الأبواب؛ بل إن صناع القرار والنخب العسكرية وشركات الأسلحة بدأت في التحضير لقادم الاحتمالات وسط توتر وحيرة للشارع الأوربي. كما تصاعدت خدمات الإنفاق العسكري؛ بل إن فرنسا القوة النووية قامت، مؤخرا في 18 مارس 2024، بتوقيع اتفاق بين وزارة الدفاع الفرنسية وشركة الكهرباء الفرنسية من أجل استغلال إحدى المحطات النووية.
إن الخيار النووي بات مطروحا، تذكيه الآلة الإعلامية الغربية بشكل رهيب.. بينما على أرض الواقع نجد أن الطرفين يقتصران على أسلحة الحرب التكتيكية باستثناء استخدام الصواريخ الباليستية في بعض المناسبات.
ثمة تساؤل يفرض نفسه: هل التلويح بالخيار النووي يدخل في إطار الردع النووي (Nuclear Deterrence)؟
في هذا الإطار نستحضر مقولة المنظر توماس شيلينغ، الذي يرى في السلاح النووي أداة نفوذ وليس أداة تدمير.
إن النظرية الواقعية الجديدة في العلاقات الدوليةNeo-Realism تبتعد عن الانطباعية والحماسة الشعبوية والبروباغندا؛ لأنها تنهل من دراسات استراتيجية من أجل البحث عن الطبيعة البنيوية للحروب في النظام الدولي وتفنيد الحسابات المرتبطة باستخدام الأسلحة النووية، لأنه وحسب فيشير كينيت والتز مؤسس المدرسة الواقعية الجديدة، أن الدول الكبرى تتسابق للرفع من قدراتها العسكرية وبسط نفوذها الجيوسياسي مشكلة ميزانا للقوة Balance Of Power يعد المعيار الرئيسي لاستقرار النظام الدولي، حيث تقف الدول على أكف مختلفة للميزان في حالة شك متبادل وتصبح مساعي أية دولة لتأمين نفسها سببا في تغيير الميزان وبالتالي مصدر تهديد للدول الأخرى فتنشأ بذلك” معضلة أمنية” (Security Dilemma)وحلقة مغلقة قد تنتهي بانهيار الميزان وصدام الدول الكبرى، لكن الدول تتصرف بعقلانية أثناء حدوث الصدام حيث تطرح آنذاك حسابات الحرب.. لأن الأسلحة النووية ترفع من حجم الخسائر المحتملة للحرب، مما يؤدي إلى تدمير متبادل.
إن التصرف العقلاني(Rational Actor) يجعل الدول تبني قدراتها بناء على حسابات حذرة؛ لأنها لا تقدم على المغامرة العسكرية إلا حين تكون فوائدها المرجوة أكثر من خسائرها المتوقعة أو عندما تكون ظروف السلم أشد وطأة من التبعات المحتملة للحرب، رغم أن الحروب تظل أمرا يصعب التكهن بمجرياته.
يعرف JC wylie الردع وفقا لرؤية منع استخدام القوة العسكرية على أنه” إجراء لمنع الحروب بدلا من تنفيذها، باستخدام الوسائل النفسية بدلا من الوسائل المادية، إذ قدرة الردع تعزز الدفاع والعكس بالعكس”.
إن Wylie يركز في تعريفه هذا على العامل النفسي الذي يستخدم في الردع بدلا من العناصر المادية، لذا يعتبر توماس شلنغThomas Shelling أن الفرق بين الهجوم والردع هو الفرق بين الاعتداء والتخويف بالاعتداء، إنه نوع من التسوية للوصول إلى اتفاق يكون فيه وضع الخصم أفضل من وضعه إن لم يتجاوب مع الردع.
إن التهويل الإعلامي والحرب النفسية التي تحاول أن تصور لنا أن العالم مقبل على حرب نووية وسط غليان شعبي نعتبرها بروباغندا تهدف إلى غايات أخرى من طرف مراكز البحث وصناع القرار.
بقي أن نشير إلى أن الخطاب العقلاني الذي يمتح من البراغماتية والواقعية السياسية كفيل بأن يحقق للطرفين أهدافا سياسية؛ مما يفتح المجال لإعادة تقييم المشهد ضمن سياق استراتيجي بعيد عن التحليلات الانطباعية.
إن “ثمن السلام” يحتاج إلى الجرأة والشجاعة والواقعية السياسية، وضرورة الإيمان بأن كل حرب دارت على امتداد التاريخ تنتهي أو ينتج عنها تغيير في الحدود أو مراكز القوة بما يعنيه ذلك من تبعات وتأثيرات اجتماعية وسياسية واقتصادية على المجتمعات التي تتعرض للمعارك والحروب
ونجد أن الأحداث الأخيرة التي يشهدها العالم أعادت النقاش حول هاتين النظريتين، خصوصا في الحرب الروسية الأوكرانية.
لقد ساد لدى كثير من الملاحظين انطباع أولي بأن المعادلة الصفرية ستكون حاسمة في هاته الحرب، حيث ظنوا أنها ستكون خاطفة وحاسمة؛ لكن تبين مع مرور الوقت أنها طالت، مما أدى إلى استنزاف الطاقات والموارد، وباتت التكلفة مرتفعة بالنسبة للطرفين، لا سيما أن الجدوى منها أصبحت موغلة في الضبابية، لأنها لم تستطع مثلا وقف تمدد الناتو بدول الجوار التي تريد الانضمام إليه…!
من جهة أخرى، ما زالت أوكرانيا تعتقد أن صمودها كفيل باستعادة كل الأراضي في دونباس وزاباروجيا وشبه جزيرة القرم التي تعتبرها موسكو أراض روسية. كما أن دول حلف الناتو بدأت تثقل كاهلها الآثار السلبية لهذه الحرب على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، حيث وصل التضخم إلى مستويات قياسية، هذا دون الحديث عن تبعات هذه الحرب على الاقتصاد العالمي.
ويبدو أن الحسابات الصفرية في الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تتمثل في رغبة كل طرف في الحصول على “كل شيء” مقابل “لا شيء”، تبدو صعبة التحقق على أرض الواقع. والواضح أن التشبث بشعار “النصر الكامل” بات بعيد المنال.
ثمة انطباع لدى بعض المحللين مفاده أن المعادلة الصفرية ممكنة التحقق على أرض المعركة، معلنين أن سيناريو الحرب العالمية الثالثة على الأبواب؛ بل إن صناع القرار والنخب العسكرية وشركات الأسلحة بدأت في التحضير لقادم الاحتمالات وسط توتر وحيرة للشارع الأوربي. كما تصاعدت خدمات الإنفاق العسكري؛ بل إن فرنسا القوة النووية قامت، مؤخرا في 18 مارس 2024، بتوقيع اتفاق بين وزارة الدفاع الفرنسية وشركة الكهرباء الفرنسية من أجل استغلال إحدى المحطات النووية.
إن الخيار النووي بات مطروحا، تذكيه الآلة الإعلامية الغربية بشكل رهيب.. بينما على أرض الواقع نجد أن الطرفين يقتصران على أسلحة الحرب التكتيكية باستثناء استخدام الصواريخ الباليستية في بعض المناسبات.
ثمة تساؤل يفرض نفسه: هل التلويح بالخيار النووي يدخل في إطار الردع النووي (Nuclear Deterrence)؟
في هذا الإطار نستحضر مقولة المنظر توماس شيلينغ، الذي يرى في السلاح النووي أداة نفوذ وليس أداة تدمير.
إن النظرية الواقعية الجديدة في العلاقات الدوليةNeo-Realism تبتعد عن الانطباعية والحماسة الشعبوية والبروباغندا؛ لأنها تنهل من دراسات استراتيجية من أجل البحث عن الطبيعة البنيوية للحروب في النظام الدولي وتفنيد الحسابات المرتبطة باستخدام الأسلحة النووية، لأنه وحسب فيشير كينيت والتز مؤسس المدرسة الواقعية الجديدة، أن الدول الكبرى تتسابق للرفع من قدراتها العسكرية وبسط نفوذها الجيوسياسي مشكلة ميزانا للقوة Balance Of Power يعد المعيار الرئيسي لاستقرار النظام الدولي، حيث تقف الدول على أكف مختلفة للميزان في حالة شك متبادل وتصبح مساعي أية دولة لتأمين نفسها سببا في تغيير الميزان وبالتالي مصدر تهديد للدول الأخرى فتنشأ بذلك” معضلة أمنية” (Security Dilemma)وحلقة مغلقة قد تنتهي بانهيار الميزان وصدام الدول الكبرى، لكن الدول تتصرف بعقلانية أثناء حدوث الصدام حيث تطرح آنذاك حسابات الحرب.. لأن الأسلحة النووية ترفع من حجم الخسائر المحتملة للحرب، مما يؤدي إلى تدمير متبادل.
إن التصرف العقلاني(Rational Actor) يجعل الدول تبني قدراتها بناء على حسابات حذرة؛ لأنها لا تقدم على المغامرة العسكرية إلا حين تكون فوائدها المرجوة أكثر من خسائرها المتوقعة أو عندما تكون ظروف السلم أشد وطأة من التبعات المحتملة للحرب، رغم أن الحروب تظل أمرا يصعب التكهن بمجرياته.
يعرف JC wylie الردع وفقا لرؤية منع استخدام القوة العسكرية على أنه” إجراء لمنع الحروب بدلا من تنفيذها، باستخدام الوسائل النفسية بدلا من الوسائل المادية، إذ قدرة الردع تعزز الدفاع والعكس بالعكس”.
إن Wylie يركز في تعريفه هذا على العامل النفسي الذي يستخدم في الردع بدلا من العناصر المادية، لذا يعتبر توماس شلنغThomas Shelling أن الفرق بين الهجوم والردع هو الفرق بين الاعتداء والتخويف بالاعتداء، إنه نوع من التسوية للوصول إلى اتفاق يكون فيه وضع الخصم أفضل من وضعه إن لم يتجاوب مع الردع.
إن التهويل الإعلامي والحرب النفسية التي تحاول أن تصور لنا أن العالم مقبل على حرب نووية وسط غليان شعبي نعتبرها بروباغندا تهدف إلى غايات أخرى من طرف مراكز البحث وصناع القرار.
بقي أن نشير إلى أن الخطاب العقلاني الذي يمتح من البراغماتية والواقعية السياسية كفيل بأن يحقق للطرفين أهدافا سياسية؛ مما يفتح المجال لإعادة تقييم المشهد ضمن سياق استراتيجي بعيد عن التحليلات الانطباعية.
إن “ثمن السلام” يحتاج إلى الجرأة والشجاعة والواقعية السياسية، وضرورة الإيمان بأن كل حرب دارت على امتداد التاريخ تنتهي أو ينتج عنها تغيير في الحدود أو مراكز القوة بما يعنيه ذلك من تبعات وتأثيرات اجتماعية وسياسية واقتصادية على المجتمعات التي تتعرض للمعارك والحروب