أيقض الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة 6نونبر2024، الانتباه الى فئة مهمة من المجتمع المغربي لها من الإمكانيات ما يؤهلها إلى المساهمة الكبيرة، سواء في تنمية الوطن أو في الدفاع عن مصالحه ومقدساته، الخطاب الملكي جاء بلغة التنويه والاعتزاز بالروح الوطنية التي يتحلى بها المغاربة المقيمون بالخارج، ولم يكتفي الخطاب الملكي بالتنويه، بل بالدعوى الى إحداث تحول جديد في تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج، عبر تفعيل المؤسسات وخلق أخرى جديدة، والعمل على تعزيز ترابط الجالية المغربية بالخارج مع وطنها.
وانسجاما مع هذه الدعوى الملكية فإننا ينبغي علينا التفكير جميعا، كل من زاويته حول مختلف المداخل التي يمكن من خلالها تحقيق الترابط بين الجالية المغربية بالخارج وبين وطنها، لتفعيل أدوارها الطلائعية في خدمة الوطن، مقابل تعزيز حضور هذه الفئة في السياسات العمومية وتقدير جهدها في المشهد العمومي الوطني.
ولذلك يمكن أن نتساءل ماهي أنجع الإصلاحات التي تمكن الجالية من التأثير والتأثر في الترابط بينها وبين وطنها؟
ولذلك نرى أن هناك تلاث مداخل أساسية (الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي) يمكن أن تساهم في تحقيق سياسة مندمجة خاصة بالجالية
- أولا: المدخل التنموي:
أولا نسجل بعض الملاحظات على قانون المالية 60.24 بمناسبة السنة المالية 2025، والذي نجده لم يتطرق لمساهمة الجالية بشكل صريح في التوازنات المالية للمملكة، ولم يفرد لها تبويبا يخصها سواء في الإيرادات أو في النفقات، أو عبر سياسة مالية عمومية موجهة، أو عبر التوقع الاقتصادي. علما أن تحويلات الجالية، من أهم مصادر موازنة الاقتصاد الخارجي للمغرب، سجلت سنة 2023 حوالي 115,3 مليار درهم، وهو رقم مرشح للارتفاع بقوة برسم سنة 2024، وكان الأجدر بالمشرع المالي سواء وزارة المالية أو البرلمان، إيلاء مساهمة مغاربة الخارج في مالية الدولة، بعض من التقدير، وادماج مجهودهم في السياسة المالية العمومية المغربية، لتشجيع هذه الفئة على الاندماج الاقتصادي في المغرب.
إذا علما أن 10% فقط من التحويلات المالية موجهة للاستثمار، وبالتالي نحتاج مزيدا من التحفيز الاقتصادي والتقدير التنموي لمغاربة الخارج، عبر التفكير في إعداد مخططات واضحة تتيح التوجه نحو الاستثمار، أي بتحديد المجالات المتاحة للاستثمار، وبتهيئة الظروف الاقتصادية (العقارات، صندوق التمويل، التحفيزات الضريبية، الرخاء الجمركي..) وأن تكون هذه المجالات ذات أهمية أولية واستراتيجية للمغرب، خاصة في التكنولوجية والطاقة والطب..
ولا تفكير استراتيجي لإدماج مغاربة العالم في الاقتصاد الوطني إلا عبر رقمنة المساطر الإدارية والخدمات، أي إحداث إدارة رقمية مندمجة ذات اختصاصات قطاعية متعددة، تمكن من الولوج السلس للمستثمرين، دون الحاجة الى التنقل عبر القطاعات والإدارات وكثرة التعقيدات.
من جانب آخر يجب البحث عن سبل إحداث مرصد لتعبئة الموارد البشرية، للكفاءات المغربية بالخارج، من الأطر والباحثين بمختلف الدول وبمختلف التخصصات، وترصيد هذه الطاقات البشرية وتثمينها لتعبة الخصاص الذي يهم المغرب، في العلوم الإنسانية والمعارف الاجتماعية، والمجالات ذات الراهنية، كالتكنولوجية والطاقة والاقتصاد الرقمي والطب الحديث، للاستثمار في مقومات البناء الحضاري للدولة.
- ثانيا: تحقيق الأمن الأسري والاجتماعي
لا شك أن أهم أشكال الترابط بين الدولة ورعياها في الخارج، هو بناء أسرة سليمة بمقومات الهوية الوطنية (الدين والثقافة والقانون)، ولتحقيق هذا النوع الهام من الترابط، ينبغي الوقوف على بعض الشروط، ومعالجة بعض الإشكاليات المتعلقة ببعض الجوانب القانونية، نخوض فيها على سبيل المثال. قضايا إبرام عقود الزواج في الخارج وإنهائها، والتي تحتاج الى التذييل في المغرب لينتج أثره، فيحتاج المعني بالأمر الى السفر الى المغرب، واللجوء الى المسطرة القضائية بعين المكان، وهذا فيه إهدار للوقت وإنهاك للمغاربة، خاصة اللذين يتواجدون ببلدان بعيدة. أو الإشكال مثلا المتعلق بالزواج المختلط، بين مغربية مسلمة وأجنبي غير مسلم، اللذان يصطدمان بمنع مدونة الأسرة لهذا الزواج، فيضطران الى التحايل على القانون، عبر وثيقة شهادة الإسلام مسلمة من طرف المجلس العلمي، ثم اللجوء الى ابرام عقد الزواج بناء عليها، و في هذ الصدد يمكن أن نقترح حلين: إما جعل مسطرة الزواج المختلط بالزوج الأجنبي غير المسلم تقع في القنصليات، وبإيفاد ممثل للمجلس العلمي بقنصليات المملكة بالخارج، لتسهيل الحصول على شهادة الإسلام، وهو حل يبقى في نظرنا سهل التحايل عليه، والحل الثاني هو جعل الزواج المختلط بالزوج الأجنبي مسطرة قضائية خالصة، تتم تحت وصاية القاضي (قاضي القنصلية) وهو الذي يعطي الإذن القضائي بإبرام هذا الزواج، بعدما يتبين من استقامة وأخلاق والوضع الاجتماعي للأجنبي طالب الزواج، وذلك بموجب حكم قضائي معلل، أي جعل هذه المسطرة شبيهة بمسطرة زواج القاصر في المغرب، هذا الحل يتطلب تليين قليلا مبدأ النظام العام (التحريم) ويتمشى مع التزامات المغرب الدولية خاصة ما يتعلق بمحاربة أشكال التمييز ضد النساء.
ومن الإشكالات الأخرى التي يعاني منها مغاربة المهجر مثلا، العناء في الحصول على بعض الوثائق خاصة شهادة ميلاد الأبناء، والتي بحكم تغيير السكن أو تغيير دولة المهجر بدولة أخرى، يبقى المواطن دائما رهين القنصلية التي تم تسجيل فيها الأبناء.
وبالتالي المدخل الأساسي لتحقيق الأمن الأسري إضافة الى التأطير الديني والثقافي، هو تأسيس ثقافة قرب الإدارة الوطنية من مرتفقها بالخارج، بإنشاء المنصات الرقمية لتسهيل الحصول على الوثائق الإدارية. إضافة لتأسيس محكمة رقمية، قائمة على التفاعل بين طلبات المواطن وبين القاضي، بالطرق الرقمية الامنة، الأمر الذي يتطلب إصلاحا للإدارة القضائية وتوسيع القانون القضائي الرقمي.
وفي نظرنا النقاش الداخلي الدائر حول إصلاح مدونة الأسرة، لم يشمل الأسرة المغربية بالخارج التي تتميز ببعض الخصوصيات في مجتمعات المهجر، وبالتالي نقاش الإصلاح، يجب أن يشغل حيزا لمراعاة ظروف الأسرة بالخارج، وإفرادها ببعض الامتيازات، بالإضافة الى تأهيل القانون الدولي الأسري الخاص المغربي، وجعله مدخل، لحماية وتأمين الأسرة المغربية بالخارج.
ومن جانب اجتماعي آخر، توجد فئة من المهاجرين ذات وضعية خاصة، هي فئة المهاجرين غير الشرعيين، الذين دفعتهم الحوافز الاقتصادية للهجرة كغيرهم من المهاجرين من كل بقاع العالم، وبالتالي يجب البحث عن إيجاد صيغة تشريعية لحماية للمغاربة المهاجرين غير الشرعيين، وتعبئتهم وتقديم الإرشاد والعون في بلدان الهجرة، وتسهيل وسائل الاندماج في الدول المستوطنة لهم، وبتنمية وتوطيد روح المواطنة لديهم.
- ثالثا: المشاركة السياسية
لا يمكن أن نتحدث عن روابط المواطنة، بين الفرد والدولة، دون مشاركة المواطن في صناعة القرار السياسي، وهو جانب من صناعة الهوية السياسية للمواطن المغربي بالخارج، دون أن نتركه لفضاءات التطرف السياسي، والمشرع يجب أن يتحلى بديمقراطية كاملة، ليوسع من هامش المشاركة السياسية، لجزء من المغاربة يقع خارج حدود التراب الوطني، إذ لا يوجد مانع دستوري ولا قانوني يقصر المشاركة السياسية للمغاربة بناء على الموطن الترابي، وبالتالي المجال السياسي العام هو ملك لجميع المغاربة بالداخل والخارج، بالأدوات الديمقراطية.
وبالتالي البحث عن مداخل لتعزيز مشاركة مغاربة الخارج في الفضاء السياسي العام، يجب أن تتسم ببعض الابداع، سواء في المشاركة في إنتاج السياسيات العمومية الموجهة لهم، أو بالمساهمة في السياسات العمومية العامة كقوة اقتراحية وتدبيرية تعطي إضافة نوعية في إنتاج التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولذلك نرى أن نطرح بعض اقتراحات الاندماج السياسي الكلي للجالية، بعيدا عن الترضية أو الريع الفئوي الذي يطبع النقاش كل مرة، عندما نتحدث عن تمثيلية لفئة معينة بالمؤسسات النيابية.
أولا على المستوى الترابي: إحداث هيئات منتخبة لدى السفارات المغربية، مع محاولة اشتمالها على التمثيل الجهوي لجهات المغرب الاثني عشر من مغاربة العالم، تعمل هذه الهيئات على تحقيق إلتقائية، بين السياسة الحكومية المركزية وبين تفعيل خيارات هذه السياسة ببلد السفارة، وتفعيل الديبلوماسية الموازية بفتح قنوات التواصل مع بلدان المهجر، في مختلف المستويات التواصل، الحكومية والحزبية والمدنية، وكذلك تفعيل الديبلوماسية الموازية للجهات الترابية المغربية مع نظريتها في بلد السفارة، عبر ممثلي الجهات في الهيئة المنتخبة.
ثانيا على المستوى البرلماني: ظل خيار إحداث تمثيلية للجالية المغربية بالبرلمان نقاشا موسميا لا يراوح مكانه منذ سنوات، ونعتقد أن الوقت قد حان، للتفكير الجدي في إيجاد طريقة مثلى، لإشراك مغاربة الخارج في المؤسسة التشريعية، وإن كان التمثيل النيابي في مجلس النواب قد يطرح بعض التعقيدات التقنية، فلا نعتقد أن الأمر نفسه ينطبق على مجلس المستشارين، ويكفي إجراء تعديل جزئي على القانون الداخلي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس المستشارين، ليسمح بانتخاب ممثلين عن الجالية المغربية بالخارج، على غرار ممثلي النقابات مثلا، خاصة إذا تم اعتماد إحداث الهيئات الترابية المنتخبة بسفارات المغرب بالخارج، لتشكل القاعدة لانتخاب ممثلي الجالية بمجلس المستشارين، وبالاعتماد على نمط تصويت متقدم بإحداث منصات التصويت الإلكتروني بعد تعبئة وتقييد جالية كل دولة.
بالنظر الى الثروة الديمغرافية المغربية، فإن عدد الجالية المغربية بالخارج يفوق ستة مليون مغربي، وهو رقم هائل يعادل دولا بأكملها، وبالتالي يجب التفكير في سياسة عمومية مندمجة مهتمة بكل الأبعاد، للارتقاء بهذه الفئة الى درجة صنع القرار بدل استهلاكه، وينبع الاهتمام الملكي البالغ بهذه الفئة من منطلق أنهم رعايا صاحب الجلالة بالخارج، وسفراء المغرب في الدفاع عن مصالح الوطن.
المراجع المعتمد
قانون المالية 60.24
مدنة الأسرة المغربية
المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمغرب 2021
القانون التنظيمي رقم 11-28 المتعلق بمجلس المستشارين
وانسجاما مع هذه الدعوى الملكية فإننا ينبغي علينا التفكير جميعا، كل من زاويته حول مختلف المداخل التي يمكن من خلالها تحقيق الترابط بين الجالية المغربية بالخارج وبين وطنها، لتفعيل أدوارها الطلائعية في خدمة الوطن، مقابل تعزيز حضور هذه الفئة في السياسات العمومية وتقدير جهدها في المشهد العمومي الوطني.
ولذلك يمكن أن نتساءل ماهي أنجع الإصلاحات التي تمكن الجالية من التأثير والتأثر في الترابط بينها وبين وطنها؟
ولذلك نرى أن هناك تلاث مداخل أساسية (الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي) يمكن أن تساهم في تحقيق سياسة مندمجة خاصة بالجالية
- أولا: المدخل التنموي:
أولا نسجل بعض الملاحظات على قانون المالية 60.24 بمناسبة السنة المالية 2025، والذي نجده لم يتطرق لمساهمة الجالية بشكل صريح في التوازنات المالية للمملكة، ولم يفرد لها تبويبا يخصها سواء في الإيرادات أو في النفقات، أو عبر سياسة مالية عمومية موجهة، أو عبر التوقع الاقتصادي. علما أن تحويلات الجالية، من أهم مصادر موازنة الاقتصاد الخارجي للمغرب، سجلت سنة 2023 حوالي 115,3 مليار درهم، وهو رقم مرشح للارتفاع بقوة برسم سنة 2024، وكان الأجدر بالمشرع المالي سواء وزارة المالية أو البرلمان، إيلاء مساهمة مغاربة الخارج في مالية الدولة، بعض من التقدير، وادماج مجهودهم في السياسة المالية العمومية المغربية، لتشجيع هذه الفئة على الاندماج الاقتصادي في المغرب.
إذا علما أن 10% فقط من التحويلات المالية موجهة للاستثمار، وبالتالي نحتاج مزيدا من التحفيز الاقتصادي والتقدير التنموي لمغاربة الخارج، عبر التفكير في إعداد مخططات واضحة تتيح التوجه نحو الاستثمار، أي بتحديد المجالات المتاحة للاستثمار، وبتهيئة الظروف الاقتصادية (العقارات، صندوق التمويل، التحفيزات الضريبية، الرخاء الجمركي..) وأن تكون هذه المجالات ذات أهمية أولية واستراتيجية للمغرب، خاصة في التكنولوجية والطاقة والطب..
ولا تفكير استراتيجي لإدماج مغاربة العالم في الاقتصاد الوطني إلا عبر رقمنة المساطر الإدارية والخدمات، أي إحداث إدارة رقمية مندمجة ذات اختصاصات قطاعية متعددة، تمكن من الولوج السلس للمستثمرين، دون الحاجة الى التنقل عبر القطاعات والإدارات وكثرة التعقيدات.
من جانب آخر يجب البحث عن سبل إحداث مرصد لتعبئة الموارد البشرية، للكفاءات المغربية بالخارج، من الأطر والباحثين بمختلف الدول وبمختلف التخصصات، وترصيد هذه الطاقات البشرية وتثمينها لتعبة الخصاص الذي يهم المغرب، في العلوم الإنسانية والمعارف الاجتماعية، والمجالات ذات الراهنية، كالتكنولوجية والطاقة والاقتصاد الرقمي والطب الحديث، للاستثمار في مقومات البناء الحضاري للدولة.
- ثانيا: تحقيق الأمن الأسري والاجتماعي
لا شك أن أهم أشكال الترابط بين الدولة ورعياها في الخارج، هو بناء أسرة سليمة بمقومات الهوية الوطنية (الدين والثقافة والقانون)، ولتحقيق هذا النوع الهام من الترابط، ينبغي الوقوف على بعض الشروط، ومعالجة بعض الإشكاليات المتعلقة ببعض الجوانب القانونية، نخوض فيها على سبيل المثال. قضايا إبرام عقود الزواج في الخارج وإنهائها، والتي تحتاج الى التذييل في المغرب لينتج أثره، فيحتاج المعني بالأمر الى السفر الى المغرب، واللجوء الى المسطرة القضائية بعين المكان، وهذا فيه إهدار للوقت وإنهاك للمغاربة، خاصة اللذين يتواجدون ببلدان بعيدة. أو الإشكال مثلا المتعلق بالزواج المختلط، بين مغربية مسلمة وأجنبي غير مسلم، اللذان يصطدمان بمنع مدونة الأسرة لهذا الزواج، فيضطران الى التحايل على القانون، عبر وثيقة شهادة الإسلام مسلمة من طرف المجلس العلمي، ثم اللجوء الى ابرام عقد الزواج بناء عليها، و في هذ الصدد يمكن أن نقترح حلين: إما جعل مسطرة الزواج المختلط بالزوج الأجنبي غير المسلم تقع في القنصليات، وبإيفاد ممثل للمجلس العلمي بقنصليات المملكة بالخارج، لتسهيل الحصول على شهادة الإسلام، وهو حل يبقى في نظرنا سهل التحايل عليه، والحل الثاني هو جعل الزواج المختلط بالزوج الأجنبي مسطرة قضائية خالصة، تتم تحت وصاية القاضي (قاضي القنصلية) وهو الذي يعطي الإذن القضائي بإبرام هذا الزواج، بعدما يتبين من استقامة وأخلاق والوضع الاجتماعي للأجنبي طالب الزواج، وذلك بموجب حكم قضائي معلل، أي جعل هذه المسطرة شبيهة بمسطرة زواج القاصر في المغرب، هذا الحل يتطلب تليين قليلا مبدأ النظام العام (التحريم) ويتمشى مع التزامات المغرب الدولية خاصة ما يتعلق بمحاربة أشكال التمييز ضد النساء.
ومن الإشكالات الأخرى التي يعاني منها مغاربة المهجر مثلا، العناء في الحصول على بعض الوثائق خاصة شهادة ميلاد الأبناء، والتي بحكم تغيير السكن أو تغيير دولة المهجر بدولة أخرى، يبقى المواطن دائما رهين القنصلية التي تم تسجيل فيها الأبناء.
وبالتالي المدخل الأساسي لتحقيق الأمن الأسري إضافة الى التأطير الديني والثقافي، هو تأسيس ثقافة قرب الإدارة الوطنية من مرتفقها بالخارج، بإنشاء المنصات الرقمية لتسهيل الحصول على الوثائق الإدارية. إضافة لتأسيس محكمة رقمية، قائمة على التفاعل بين طلبات المواطن وبين القاضي، بالطرق الرقمية الامنة، الأمر الذي يتطلب إصلاحا للإدارة القضائية وتوسيع القانون القضائي الرقمي.
وفي نظرنا النقاش الداخلي الدائر حول إصلاح مدونة الأسرة، لم يشمل الأسرة المغربية بالخارج التي تتميز ببعض الخصوصيات في مجتمعات المهجر، وبالتالي نقاش الإصلاح، يجب أن يشغل حيزا لمراعاة ظروف الأسرة بالخارج، وإفرادها ببعض الامتيازات، بالإضافة الى تأهيل القانون الدولي الأسري الخاص المغربي، وجعله مدخل، لحماية وتأمين الأسرة المغربية بالخارج.
ومن جانب اجتماعي آخر، توجد فئة من المهاجرين ذات وضعية خاصة، هي فئة المهاجرين غير الشرعيين، الذين دفعتهم الحوافز الاقتصادية للهجرة كغيرهم من المهاجرين من كل بقاع العالم، وبالتالي يجب البحث عن إيجاد صيغة تشريعية لحماية للمغاربة المهاجرين غير الشرعيين، وتعبئتهم وتقديم الإرشاد والعون في بلدان الهجرة، وتسهيل وسائل الاندماج في الدول المستوطنة لهم، وبتنمية وتوطيد روح المواطنة لديهم.
- ثالثا: المشاركة السياسية
لا يمكن أن نتحدث عن روابط المواطنة، بين الفرد والدولة، دون مشاركة المواطن في صناعة القرار السياسي، وهو جانب من صناعة الهوية السياسية للمواطن المغربي بالخارج، دون أن نتركه لفضاءات التطرف السياسي، والمشرع يجب أن يتحلى بديمقراطية كاملة، ليوسع من هامش المشاركة السياسية، لجزء من المغاربة يقع خارج حدود التراب الوطني، إذ لا يوجد مانع دستوري ولا قانوني يقصر المشاركة السياسية للمغاربة بناء على الموطن الترابي، وبالتالي المجال السياسي العام هو ملك لجميع المغاربة بالداخل والخارج، بالأدوات الديمقراطية.
وبالتالي البحث عن مداخل لتعزيز مشاركة مغاربة الخارج في الفضاء السياسي العام، يجب أن تتسم ببعض الابداع، سواء في المشاركة في إنتاج السياسيات العمومية الموجهة لهم، أو بالمساهمة في السياسات العمومية العامة كقوة اقتراحية وتدبيرية تعطي إضافة نوعية في إنتاج التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولذلك نرى أن نطرح بعض اقتراحات الاندماج السياسي الكلي للجالية، بعيدا عن الترضية أو الريع الفئوي الذي يطبع النقاش كل مرة، عندما نتحدث عن تمثيلية لفئة معينة بالمؤسسات النيابية.
أولا على المستوى الترابي: إحداث هيئات منتخبة لدى السفارات المغربية، مع محاولة اشتمالها على التمثيل الجهوي لجهات المغرب الاثني عشر من مغاربة العالم، تعمل هذه الهيئات على تحقيق إلتقائية، بين السياسة الحكومية المركزية وبين تفعيل خيارات هذه السياسة ببلد السفارة، وتفعيل الديبلوماسية الموازية بفتح قنوات التواصل مع بلدان المهجر، في مختلف المستويات التواصل، الحكومية والحزبية والمدنية، وكذلك تفعيل الديبلوماسية الموازية للجهات الترابية المغربية مع نظريتها في بلد السفارة، عبر ممثلي الجهات في الهيئة المنتخبة.
ثانيا على المستوى البرلماني: ظل خيار إحداث تمثيلية للجالية المغربية بالبرلمان نقاشا موسميا لا يراوح مكانه منذ سنوات، ونعتقد أن الوقت قد حان، للتفكير الجدي في إيجاد طريقة مثلى، لإشراك مغاربة الخارج في المؤسسة التشريعية، وإن كان التمثيل النيابي في مجلس النواب قد يطرح بعض التعقيدات التقنية، فلا نعتقد أن الأمر نفسه ينطبق على مجلس المستشارين، ويكفي إجراء تعديل جزئي على القانون الداخلي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس المستشارين، ليسمح بانتخاب ممثلين عن الجالية المغربية بالخارج، على غرار ممثلي النقابات مثلا، خاصة إذا تم اعتماد إحداث الهيئات الترابية المنتخبة بسفارات المغرب بالخارج، لتشكل القاعدة لانتخاب ممثلي الجالية بمجلس المستشارين، وبالاعتماد على نمط تصويت متقدم بإحداث منصات التصويت الإلكتروني بعد تعبئة وتقييد جالية كل دولة.
بالنظر الى الثروة الديمغرافية المغربية، فإن عدد الجالية المغربية بالخارج يفوق ستة مليون مغربي، وهو رقم هائل يعادل دولا بأكملها، وبالتالي يجب التفكير في سياسة عمومية مندمجة مهتمة بكل الأبعاد، للارتقاء بهذه الفئة الى درجة صنع القرار بدل استهلاكه، وينبع الاهتمام الملكي البالغ بهذه الفئة من منطلق أنهم رعايا صاحب الجلالة بالخارج، وسفراء المغرب في الدفاع عن مصالح الوطن.
المراجع المعتمد
قانون المالية 60.24
مدنة الأسرة المغربية
المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمغرب 2021
القانون التنظيمي رقم 11-28 المتعلق بمجلس المستشارين