رفقته نسخة مجهزة للتحميل
![الإطار القانوني والفعّالية المؤسسية لمكافحة الفساد في اليمن: دراسة تحليلية في ضوء تحديات التنفيذ الإطار القانوني والفعّالية المؤسسية لمكافحة الفساد في اليمن: دراسة تحليلية في ضوء تحديات التنفيذ](https://www.marocdroit.com/photo/art/default/86396222-61463753.jpg?v=1739282176)
مقدمة:
تُعَدّ مكافحة الفساد إحدى القضايا المحورية التي تواجه الدول الحديثة لما لظاهرة الفساد من آثار سلبية على التنمية الاقتصادية والاجتماعية واستقرار المؤسسات السياسية والإدارية، فالفساد يُشكِّل تحدياً هيكلياً يعوق تحقيق الحوكمة الرشيدة ويُضعف ثقة المواطنين بالمؤسسات العامة، كما يؤدي إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية خاصة في ظل السياق الصعب الذي يمر به اليمن.
ومن خلال استقراء النصوص القانونية نجد أن اليمن يمتلك منظومة قانونية ومؤسسية معنية بمكافحة الفساد، تضم الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بالإضافة للمحاكم والنيابات التي لها دور أصيل في مكافحة الفساد ولا ننسى دور مجلس النواب في هذا الصدد، هذا إلى جانب الإطار التشريعي الذي ينظم عمل هذه المؤسسات وسنأتي على ذكرها في طيات هذا المقال.
ومع كل ذلك، تبرز العديد من الإشكاليات المتعلقة بفعالية هذه الآليات ومدى قدرتها على مواجهة التحديات المتزايدة بدءاً من ضعف الاستقلالية المؤسسية وصولاً إلى تأثير الصراع السياسي والأمني على أداء هذه الهيئات.
وسأهدف من خلال هذا المقال إلى تحليل الإطار القانوني والمؤسسي لمكافحة الفساد في اليمن من خلال استعراض التشريعات المنظمة وتقييم فعالية المؤسسات ذات الصلة وعلى وجه الخصوص الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، كما سأسلط الضوء على أبرز التحديات التي تعيق جهود مكافحة الفساد داخل اليمن.
وتأتي أهمية هذا الموضوع من كونه يشكل مدخلاً رئيسياً لتحقيق التنمية المستدامة في اليمن وتعزيز بناء مؤسسات الدولة على أسس من النزاهة والشفافية، ساعياً إلى تقديم رؤية متكاملة تُسهم في صياغة حلول قابلة للتطبيق لمكافحة الفساد وتجاوز العقبات التي تواجهها اليمن في هذا المضمار.
وسأتناول هذا الموضوع من خلال ثلاثة أوجه أولها الإطار القانوني لمكافحة الفساد في الجمهورية اليمنية، وثانيها سيكون الحديث عن الهيئات والمؤسسات المعنية بمكافحة الفساد في الجمهورية اليمنية، وثالثها سيبرز من خلاله التحديات الرئيسية لمكافحة الفساد في اليمن.
أولاً: الإطار القانوني لمكافحة الفساد في الجمهورية اليمنية:
يمثل الإطار القانوني لمكافحة الفساد في الجمهورية اليمنية منظومة شاملة تستهدف تعزيز النزاهة ومحاسبة المسؤولين عن الفساد، إلا أن تأثيره العملي على أرض الواقع لا يزال محدوداً بسبب تحديات متعددة، فبالرغم من مصادقة اليمن على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في 18 ديسمبر 2003م[1] التي توفر معايير دولية لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد واسترداد الأصول المنهوبة[2]؛ إلا أن التطبيق الفعلي لهذه الالتزامات يواجه صعوبات في ظل ضعف التعاون الدولي وقلة الكوادر الوطنية المؤهلة والمتخصصة.
ويلاحظ أن الدستور اليمني النافذ لسنة 1991م وتعديلاته قد كرس العديد من النصوص التي تنظم مكافحة الفساد ومن أبرزها المادة (62) المنظمة لرقابة مجلس النواب على أعمال السلطة التنفيذية، والمادة (91) التي توجب عرض الحساب الختامي لموازنة الدولة على مجلس النواب وكذلك عرض التقارير الصادرة عن الجهاز المختص بالرقابة والمحاسبة على المجلس، والمادة (125) التي حددت صلاحيات مجلس الشورى الدستورية ومنها استعراض تقارير جهاز الرقابة والمحاسبة ورفع تقرير بشأنها إلى رئيس الجمهورية، وكذلك المادة (139) التي نظمت إجراءات التحقيق ومحاكمة رئيس الوزراء أو نوابه أو الوزراء.
وبالحديث عن الإطار القانوني الوطني الخاص لمكافحة الفساد في الجمهورية اليمنية نجد أنه قد جاء شاملاً لمجموعة من القوانين الوطنية، فقد استجاب اليمن منذ وقت مبكر للتطورات الدولية والإقليمية في مكافحة الفساد وسن مجموعة من القوانين المنظمة لمكافحة هذه الآفة، فكان أول هذه القوانين صدوراً هو قانون الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الصادر بالقرار الجمهوري رقم (39) لسنة 1992م ولائحته التنفيذية التي صدرت بموجب قرار مجلس الرئاسة رقم (2) لسنة 1993م، والتزاماً من اليمن بتوقيعها ومصادقتها على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003م صدر قانون مكافحة الفساد رقم (39) لسنة 2006م ولائحته التنفيذية الصادرة لموجب القرار الجمهوري رقم (19) لسنة 2010م، وهذين القانونين لهما دور بارز وفعال في تحديد أطر وآليات مكافحة الفساد من خلال أهم جهازين؛ الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، وهناك أيضاً القانون رقم (23) لسنة 2007م بشأن المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية والذي نص على إنشاء الهيئة العليا للرقابة على المناقصات والمزايدات، وكذلك صدور اللائحة التنفيذية للقانون رقم (32) لسنة 2007م بشأن المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (53) لسنة 2009م وتعديلاتها.
وبالإضافة للقوانين الوطنية الخاصة بمكافحة الفساد هناك عدد من النصوص المتفرقة في عدد من القوانين والتي تطرقت لمكافحة الفساد بصورة صريحة أو ضمنية نذكر منها على سبيل المثال: القانون رقم (1) لسنة 2006م بإصدار اللائحة الداخلية لمجلس النواب، والقانون رقم (93) لسنة 2002م بشأن اللائحة الداخلية لمجلس الشورى، وكذلك القانون رقم (6) لسنة 1995م بشأن إجراءات اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا في الدولة.
ثانياً: الهيئات والمؤسسات المعنية بمكافحة الفساد في الجمهورية اليمنية:
إنَّ مكافحة الفساد في الجمهورية اليمنية يعد من أبرز القضايا التي تتطلب تنسيقاً وتعاوناً بين مختلف الهيئات والمؤسسات داخل الدولة، فتتوزع مسؤوليات مكافحة الفساد بين عدد من الجهات الحكومية والمستقلة التي أُنشئت لضمان النزاهة وتعزيز الشفافية والمساءلة، ومن أبرز هذه المؤسسات:
فالهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في اليمن تتكون من أحد عشر عضواً يتم اختيارهم وفق آلية تضمن تمثيل منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وقطاع المرأة، ويشترط في المرشح أن يكون يمني الجنسية ولا يقل عمره عن أربعين عاماً وحاصلاً على مؤهل جامعي على الأقل ولم يصدر بحقه حكم قضائي بات في قضايا فساد أو قضايا مخلة بالشرف والأمانة ما لم يُرد إليه اعتباره.
وأما عن آلية الاختيار فقد حددها القانون بأن يقوم مجلس الشورى بفتح باب التقديم لعضوية الهيئة ويقوم المجلس باختيار ثلاثين شخصاً من المتقدمين من تتوفر فيهم الشروط السابقة، ثم ينتخب مجلس النواب بالاقتراع السري أحد عشر عضواً من القائمة التي أقرها مجلس الشورى وتُرفع الأسماء المختارة إلى رئيس الجمهورية لإصدار قرار بتعيينهم، مع منح أعضاء الهيئة درجة وزير.
- ومما سبق فإنه يجب على الجهات المعنية باختيار أعضاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد مراعاة الإجراءات القانونية لتشكيلها وكذلك الشروط الواجب توافرها في المتقدمين لعضويتها والمنصوص عليها في قانون مكافحة الفساد؛ والتي -بطبيعة الحال- لا يمكن تجاوزها تحت ذريعة المبادرة الخليجية أو إعلان نقل السلطة اللذان لم يشملا هذه الإجراءات بأي استثناء، وبذلك فالأصل بقاء ما كان على ما كان عليه ما لم يرد ما يستثنيه بصورة صريحة، وجزاء مخالفة أي قرار بتشكيل الهيئة لهذه الاجراءات والشروط سيكون لا محالة عرضة للطعن أمام المحكمة الإدارية.
ثالثاً: التحديات الرئيسية التي تواجه مكافحة الفساد في اليمن:
يواجه مكافحة الفساد في اليمن تحدياً كبيراً في ظل البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة التي تعيشها الدولة حالياَ، ومن أبرز هذه التحديات غياب الاستقرار السياسي والأمني بسبب النزاعات المسلحة، وضعف المؤسسات الرقابية والقضائية التي تعاني من نقص الموارد والتدخلات السياسية، كما أن معظم الأجهزة الرقابية تعاني من نقص في الميزانية والكوادر المؤهلة مما يحد من قدرتها على مراقبة الأداء الحكومي، بالإضافة إلى انتشار ثقافة الفساد وتطبيعها كجزء من الحياة اليومية، ولا ننسى بأن غياب حملات التوعية حول مخاطر الفساد ساهم في استمرار هذه الممارسات وتبريرها.
ولا شك أن التأخير في إعادة تشكيل الهيئات المعنية بمكافحة الفساد وعلى رأسها الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة يشكل عائقاً كبيراً أمام جهود مكافحة الفساد، كما أن عدم انعقاد مجلسي النواب والشورى بصورة منتظمة يمثل تحدياً آخر، إذ يؤدي غياب الرقابة على الأجهزة التنفيذية للدولة إلى تقويض مبدأ المحاسبة مما قد يسهم في تفشي الفساد وتحوله إلى ظاهرة يصعب القضاء عليها.
كما يفاقم تضارب المصالح وغياب الشفافية وفعالية القوانين من هذه المشكلة، وهو ما يلاحظ حيث إن معظم التعاملات الحكومية أصبحت تتم دون شفافية أو إعلان عن المناقصات أو المشاريع العامة وهذا يعد أحد مخلفات الصراع الذي انعكس سلباً على قدرات الدولة وتنظيمها، كما أن انتشار السوق السوداء وعدم الشفافية في التعاملات المالية وضعف القطاع المصرفي أدى إلى صعوبة تتبع الأموال والكشف عن الفساد المالي.
وإلى جانب ذلك أدى تدهور الوضع الاقتصادي إلى تعزيز الاعتماد على ممارسات غير قانونية وهذا الأمر انعكس أيضاً على قطاع المساعدات الإنسانية الذي غالباً ما يكون عرضة للفساد بسبب غياب الرقابة الفعالة، وكل هذه العوامل تضع عوائق كبيرة أمام الجهود الوطنية والدولية لتحقيق النزاهة والشفافية في إدارة الموارد العامة ومؤسسات الدولة.
كما يعد القانون رقم (6) لسنة 1995م بشأن إجراءات اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا في الدولة من أهم التحديات التي تواجه مكافحة الفساد في اليمن، حيث أحاط هذا القانون إجراءات اتهام ومحاكمة شاغلي الوظائف العليا بمجموعة من القيود المعقدة التي قد تحول دون محاسبة المتورطين في قضايا الفساد.
الخاتمة:
رأينا في طيات هذا المقال أن الإطار القانوني لمكافحة الفساد في اليمن تمثل في مجموعة متكاملة من القوانين واللوائح التي تتماشى مع المعايير الدولية والتي أنشئت بموجبها مجموعة من الهيئات الرقابية والتي تشكل حائطاً أمام مشاريع الفساد، ومع كل ذلك فإن اليمن لا يزال يواجه تحديات كبيرة في تنفيذ هذه التشريعات بسبب الظروف السياسية والاقتصادية، وهذا الأمر يستدعي العمل على تعزيز استقلالية المؤسسات الرقابية، وتطوير آليات التنفيذ والمساءلة، وتطوير التعاون الدولي لاسترداد الأصول ومحاربة الفساد العابر للحدود.
وفيما يلي أبرز المقترحات التي يمكن من خلالها تطوير الفاعلية القانونية والمؤسسية لمكافحة الفساد في الجمهورية اليمنية؛ والتي ستؤدي إلى تحسين مستويات النزاهة والشفافية في اليمن وتعزيز ثقة المواطنين بالمؤسسات الحكومية وتقليل مظاهر الفساد مع تحقيق إدارة فعالة للموارد العامة تسهم في التنمية المستدامة:
تُعَدّ مكافحة الفساد إحدى القضايا المحورية التي تواجه الدول الحديثة لما لظاهرة الفساد من آثار سلبية على التنمية الاقتصادية والاجتماعية واستقرار المؤسسات السياسية والإدارية، فالفساد يُشكِّل تحدياً هيكلياً يعوق تحقيق الحوكمة الرشيدة ويُضعف ثقة المواطنين بالمؤسسات العامة، كما يؤدي إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية خاصة في ظل السياق الصعب الذي يمر به اليمن.
ومن خلال استقراء النصوص القانونية نجد أن اليمن يمتلك منظومة قانونية ومؤسسية معنية بمكافحة الفساد، تضم الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بالإضافة للمحاكم والنيابات التي لها دور أصيل في مكافحة الفساد ولا ننسى دور مجلس النواب في هذا الصدد، هذا إلى جانب الإطار التشريعي الذي ينظم عمل هذه المؤسسات وسنأتي على ذكرها في طيات هذا المقال.
ومع كل ذلك، تبرز العديد من الإشكاليات المتعلقة بفعالية هذه الآليات ومدى قدرتها على مواجهة التحديات المتزايدة بدءاً من ضعف الاستقلالية المؤسسية وصولاً إلى تأثير الصراع السياسي والأمني على أداء هذه الهيئات.
وسأهدف من خلال هذا المقال إلى تحليل الإطار القانوني والمؤسسي لمكافحة الفساد في اليمن من خلال استعراض التشريعات المنظمة وتقييم فعالية المؤسسات ذات الصلة وعلى وجه الخصوص الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، كما سأسلط الضوء على أبرز التحديات التي تعيق جهود مكافحة الفساد داخل اليمن.
وتأتي أهمية هذا الموضوع من كونه يشكل مدخلاً رئيسياً لتحقيق التنمية المستدامة في اليمن وتعزيز بناء مؤسسات الدولة على أسس من النزاهة والشفافية، ساعياً إلى تقديم رؤية متكاملة تُسهم في صياغة حلول قابلة للتطبيق لمكافحة الفساد وتجاوز العقبات التي تواجهها اليمن في هذا المضمار.
وسأتناول هذا الموضوع من خلال ثلاثة أوجه أولها الإطار القانوني لمكافحة الفساد في الجمهورية اليمنية، وثانيها سيكون الحديث عن الهيئات والمؤسسات المعنية بمكافحة الفساد في الجمهورية اليمنية، وثالثها سيبرز من خلاله التحديات الرئيسية لمكافحة الفساد في اليمن.
أولاً: الإطار القانوني لمكافحة الفساد في الجمهورية اليمنية:
يمثل الإطار القانوني لمكافحة الفساد في الجمهورية اليمنية منظومة شاملة تستهدف تعزيز النزاهة ومحاسبة المسؤولين عن الفساد، إلا أن تأثيره العملي على أرض الواقع لا يزال محدوداً بسبب تحديات متعددة، فبالرغم من مصادقة اليمن على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في 18 ديسمبر 2003م[1] التي توفر معايير دولية لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد واسترداد الأصول المنهوبة[2]؛ إلا أن التطبيق الفعلي لهذه الالتزامات يواجه صعوبات في ظل ضعف التعاون الدولي وقلة الكوادر الوطنية المؤهلة والمتخصصة.
ويلاحظ أن الدستور اليمني النافذ لسنة 1991م وتعديلاته قد كرس العديد من النصوص التي تنظم مكافحة الفساد ومن أبرزها المادة (62) المنظمة لرقابة مجلس النواب على أعمال السلطة التنفيذية، والمادة (91) التي توجب عرض الحساب الختامي لموازنة الدولة على مجلس النواب وكذلك عرض التقارير الصادرة عن الجهاز المختص بالرقابة والمحاسبة على المجلس، والمادة (125) التي حددت صلاحيات مجلس الشورى الدستورية ومنها استعراض تقارير جهاز الرقابة والمحاسبة ورفع تقرير بشأنها إلى رئيس الجمهورية، وكذلك المادة (139) التي نظمت إجراءات التحقيق ومحاكمة رئيس الوزراء أو نوابه أو الوزراء.
وبالحديث عن الإطار القانوني الوطني الخاص لمكافحة الفساد في الجمهورية اليمنية نجد أنه قد جاء شاملاً لمجموعة من القوانين الوطنية، فقد استجاب اليمن منذ وقت مبكر للتطورات الدولية والإقليمية في مكافحة الفساد وسن مجموعة من القوانين المنظمة لمكافحة هذه الآفة، فكان أول هذه القوانين صدوراً هو قانون الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الصادر بالقرار الجمهوري رقم (39) لسنة 1992م ولائحته التنفيذية التي صدرت بموجب قرار مجلس الرئاسة رقم (2) لسنة 1993م، والتزاماً من اليمن بتوقيعها ومصادقتها على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003م صدر قانون مكافحة الفساد رقم (39) لسنة 2006م ولائحته التنفيذية الصادرة لموجب القرار الجمهوري رقم (19) لسنة 2010م، وهذين القانونين لهما دور بارز وفعال في تحديد أطر وآليات مكافحة الفساد من خلال أهم جهازين؛ الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، وهناك أيضاً القانون رقم (23) لسنة 2007م بشأن المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية والذي نص على إنشاء الهيئة العليا للرقابة على المناقصات والمزايدات، وكذلك صدور اللائحة التنفيذية للقانون رقم (32) لسنة 2007م بشأن المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (53) لسنة 2009م وتعديلاتها.
وبالإضافة للقوانين الوطنية الخاصة بمكافحة الفساد هناك عدد من النصوص المتفرقة في عدد من القوانين والتي تطرقت لمكافحة الفساد بصورة صريحة أو ضمنية نذكر منها على سبيل المثال: القانون رقم (1) لسنة 2006م بإصدار اللائحة الداخلية لمجلس النواب، والقانون رقم (93) لسنة 2002م بشأن اللائحة الداخلية لمجلس الشورى، وكذلك القانون رقم (6) لسنة 1995م بشأن إجراءات اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا في الدولة.
ثانياً: الهيئات والمؤسسات المعنية بمكافحة الفساد في الجمهورية اليمنية:
إنَّ مكافحة الفساد في الجمهورية اليمنية يعد من أبرز القضايا التي تتطلب تنسيقاً وتعاوناً بين مختلف الهيئات والمؤسسات داخل الدولة، فتتوزع مسؤوليات مكافحة الفساد بين عدد من الجهات الحكومية والمستقلة التي أُنشئت لضمان النزاهة وتعزيز الشفافية والمساءلة، ومن أبرز هذه المؤسسات:
- الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد.
- الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة المعني بالتدقيق المالي والإداري لمؤسسات الدولة.
- الهيئة العليا للمناقصات والمزايدات التي أنشئت بموجب القانون رقم (23) لسنة 2007م بشأن المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية[3].
- القضاء: والذي يلعب دوراً جوهرياً في محاكمة المتورطين في قضايا الفساد وضمان تطبيق القانون بفعالية، وكذلك للنيابة العامة دور كبير في مكافحة الفساد حيث تم إنشاء نيابة متخصصة بمكافحة الفساد هي نيابة الأموال العامة الثانية[4].
- منظمات المجتمع المدني التي لها دور كبير في تعزيز الوعي بمخاطر الفساد وآثاره السلبية على التنمية والاستقرار.
- اختصاصات الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد:
- عضوية الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد وآلية تشكيلها:
فالهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في اليمن تتكون من أحد عشر عضواً يتم اختيارهم وفق آلية تضمن تمثيل منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وقطاع المرأة، ويشترط في المرشح أن يكون يمني الجنسية ولا يقل عمره عن أربعين عاماً وحاصلاً على مؤهل جامعي على الأقل ولم يصدر بحقه حكم قضائي بات في قضايا فساد أو قضايا مخلة بالشرف والأمانة ما لم يُرد إليه اعتباره.
وأما عن آلية الاختيار فقد حددها القانون بأن يقوم مجلس الشورى بفتح باب التقديم لعضوية الهيئة ويقوم المجلس باختيار ثلاثين شخصاً من المتقدمين من تتوفر فيهم الشروط السابقة، ثم ينتخب مجلس النواب بالاقتراع السري أحد عشر عضواً من القائمة التي أقرها مجلس الشورى وتُرفع الأسماء المختارة إلى رئيس الجمهورية لإصدار قرار بتعيينهم، مع منح أعضاء الهيئة درجة وزير.
- ولي في هذا الصدد بعضُ الملاحظات:
- ومما سبق فإنه يجب على الجهات المعنية باختيار أعضاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد مراعاة الإجراءات القانونية لتشكيلها وكذلك الشروط الواجب توافرها في المتقدمين لعضويتها والمنصوص عليها في قانون مكافحة الفساد؛ والتي -بطبيعة الحال- لا يمكن تجاوزها تحت ذريعة المبادرة الخليجية أو إعلان نقل السلطة اللذان لم يشملا هذه الإجراءات بأي استثناء، وبذلك فالأصل بقاء ما كان على ما كان عليه ما لم يرد ما يستثنيه بصورة صريحة، وجزاء مخالفة أي قرار بتشكيل الهيئة لهذه الاجراءات والشروط سيكون لا محالة عرضة للطعن أمام المحكمة الإدارية.
ثالثاً: التحديات الرئيسية التي تواجه مكافحة الفساد في اليمن:
يواجه مكافحة الفساد في اليمن تحدياً كبيراً في ظل البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة التي تعيشها الدولة حالياَ، ومن أبرز هذه التحديات غياب الاستقرار السياسي والأمني بسبب النزاعات المسلحة، وضعف المؤسسات الرقابية والقضائية التي تعاني من نقص الموارد والتدخلات السياسية، كما أن معظم الأجهزة الرقابية تعاني من نقص في الميزانية والكوادر المؤهلة مما يحد من قدرتها على مراقبة الأداء الحكومي، بالإضافة إلى انتشار ثقافة الفساد وتطبيعها كجزء من الحياة اليومية، ولا ننسى بأن غياب حملات التوعية حول مخاطر الفساد ساهم في استمرار هذه الممارسات وتبريرها.
ولا شك أن التأخير في إعادة تشكيل الهيئات المعنية بمكافحة الفساد وعلى رأسها الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة يشكل عائقاً كبيراً أمام جهود مكافحة الفساد، كما أن عدم انعقاد مجلسي النواب والشورى بصورة منتظمة يمثل تحدياً آخر، إذ يؤدي غياب الرقابة على الأجهزة التنفيذية للدولة إلى تقويض مبدأ المحاسبة مما قد يسهم في تفشي الفساد وتحوله إلى ظاهرة يصعب القضاء عليها.
كما يفاقم تضارب المصالح وغياب الشفافية وفعالية القوانين من هذه المشكلة، وهو ما يلاحظ حيث إن معظم التعاملات الحكومية أصبحت تتم دون شفافية أو إعلان عن المناقصات أو المشاريع العامة وهذا يعد أحد مخلفات الصراع الذي انعكس سلباً على قدرات الدولة وتنظيمها، كما أن انتشار السوق السوداء وعدم الشفافية في التعاملات المالية وضعف القطاع المصرفي أدى إلى صعوبة تتبع الأموال والكشف عن الفساد المالي.
وإلى جانب ذلك أدى تدهور الوضع الاقتصادي إلى تعزيز الاعتماد على ممارسات غير قانونية وهذا الأمر انعكس أيضاً على قطاع المساعدات الإنسانية الذي غالباً ما يكون عرضة للفساد بسبب غياب الرقابة الفعالة، وكل هذه العوامل تضع عوائق كبيرة أمام الجهود الوطنية والدولية لتحقيق النزاهة والشفافية في إدارة الموارد العامة ومؤسسات الدولة.
كما يعد القانون رقم (6) لسنة 1995م بشأن إجراءات اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا في الدولة من أهم التحديات التي تواجه مكافحة الفساد في اليمن، حيث أحاط هذا القانون إجراءات اتهام ومحاكمة شاغلي الوظائف العليا بمجموعة من القيود المعقدة التي قد تحول دون محاسبة المتورطين في قضايا الفساد.
الخاتمة:
رأينا في طيات هذا المقال أن الإطار القانوني لمكافحة الفساد في اليمن تمثل في مجموعة متكاملة من القوانين واللوائح التي تتماشى مع المعايير الدولية والتي أنشئت بموجبها مجموعة من الهيئات الرقابية والتي تشكل حائطاً أمام مشاريع الفساد، ومع كل ذلك فإن اليمن لا يزال يواجه تحديات كبيرة في تنفيذ هذه التشريعات بسبب الظروف السياسية والاقتصادية، وهذا الأمر يستدعي العمل على تعزيز استقلالية المؤسسات الرقابية، وتطوير آليات التنفيذ والمساءلة، وتطوير التعاون الدولي لاسترداد الأصول ومحاربة الفساد العابر للحدود.
وفيما يلي أبرز المقترحات التي يمكن من خلالها تطوير الفاعلية القانونية والمؤسسية لمكافحة الفساد في الجمهورية اليمنية؛ والتي ستؤدي إلى تحسين مستويات النزاهة والشفافية في اليمن وتعزيز ثقة المواطنين بالمؤسسات الحكومية وتقليل مظاهر الفساد مع تحقيق إدارة فعالة للموارد العامة تسهم في التنمية المستدامة:
- تعزيز الإطار القانوني والتشريعي كون اليمن يحتاج إلى تحديث القوانين المرتبطة بمكافحة الفساد لتتوافق مع المعايير الدولية المتجددة ويشمل ذلك اعتماد تشريعات واضحة تلزم المسؤولين بالإفصاح عن ذممهم المالية ومنع تضارب المصالح، بالإضافة إلى تفعيل القوانين التي تجرّم كافة أشكال الفساد، بما في ذلك توسيع وسائل إثبات جرائم الفساد لتشمل كافة الوسائل بما فيها الوسائل التكنولوجية الحديثة، وكل ذلك لغاية ضمان محاسبة الجناة وتعزيز النزاهة.
- تقوية المؤسسات الرقابية حيث تعد هذه المؤسسات حجر الأساس في مكافحة الفساد، ولذا يجب ضمان استقلاليتها القانونية ومنحها صلاحيات واسعة لمراقبة الأداء الحكومي، ويتطلب ذلك توفير الموارد البشرية والتقنية والمالية لهذه المؤسسات لتعزيز فعاليتها مع تحسين التنسيق بينها وبين القضاء لضمان إنفاذ القوانين بشكل فعال، كما أن انعقاد مجلسي النواب والشورى بصورة دائمة يعد أحد أهم الوسائل التي تحد من فساد القطاع التنفيذي داخل الدولة، ويجب كذلك التسريع من إعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد المنتهية ولايتها وكذلك الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة العليا للمناقصات والمزايدات.
- تعزيز الشفافية في إدارة الأموال العامة من خلال إنشاء منصات إلكترونية لنشر البيانات المتعلقة بالموازنة العامة والمناقصات والمشاريع الحكومية، كما يجب أيضاً فرض الإفصاح العلني عن العقود الحكومية واعتماد معايير واضحة لتعيين وترقية المسؤولين، مما يحد من المحسوبية ويعزز ثقة المواطنين.
- تبني التحول الرقمي حيث تساهم الرقمنة في تقليل الفساد من خلال تقليص التفاعل البشري المباشر في المعاملات الحكومية وهو ما يقلل من فرص استغلال النفوذ أو تقديم الرشاوى، ويشمل ذلك إنشاء أنظمة إلكترونية لإدارة الموارد العامة وتتبع الأموال وتقديم الشكاوى بسرية وأمان، ويمكن أيضاً رقمنة الخدمات الحكومية لتبسيط الإجراءات وتعزيز الكفاءة والنزاهة، علاوة على ذلك يتيح التحول الرقمي تتبع العمليات والإجراءات بشكل آلي ودقيق مما يجعل من الصعب إخفاء أو تزوير المعلومات.
- تفعيل دور القضاء في مكافحة الفساد حيث تعد السلطة القضائية هي الركيزة الرئيسية في الدولة والتي تعمل على تحقيق التوازن داخلها من خلال معاقبة كل من يخالف القانون، وهذا الأمر يتطلب تكريس الجهود والاهتمام ببناء هذه السلطة من خلال تدريب القضاة على أفضل الممارسات الدولية في التعامل مع قضايا الفساد وتوفير الموارد اللازمة لدعم البنية التحتية للمحاكم بما يضمن إنفاذ القانون وتحقيق العدالة بكفاءة وشفافية، وإلى جانب ذلك يجب الحرص على تسريع إجراءات المحاكمة في القضايا المتعلقة بمكافحة الفساد لضمان تحقيق العدالة وردع الجناة.
- تمكين المجتمع المدني والإعلام والذي يلعب دوراً كبيراً في كشف قضايا الفساد، لذلك يجب دعم المنظمات المحلية والدولية لحماية دورها الرقابي، وينبغي كذلك توفير الحماية القانونية للإعلاميين والصحفيين الذين يعملون على كشف المخالفات، إلى جانب إطلاق حملات توعية مجتمعية لتعزيز ثقافة النزاهة والشفافية.
- تعزيز التعاون الدولي والإقليمي والاستفادة من الخبرات الدولية والإقليمية في مكافحة الفساد أمر ضروري، سواء عبر تبادل المعرفة أو توقيع اتفاقيات لاسترداد الأموال المنهوبة، ويمكن الانضمام إلى مبادرات إقليمية ودولية لتعزيز الشفافية مما يسهم في تطوير البنية المؤسسية وضمان المحاسبة.
[1] للمزيد حول الاتفاقيات المصادقة عليها الجمهورية اليمنية أنظر: موقع المركز الوطني للمعلومات http://www.yemen-nic.info/contents/Politics/itefaqeya.php شوهد في 22 يناير 2025م.
[2] للاطلاع على نص اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد أنظر: الموقع الرسمي للأمم المتحدة https://www.unodc.org/romena/ar/uncac.html شوهد في 22 يناير 2025م.
[3] تختص اللجنة العليا للمناقصات والمزايدات بمراجعة الحسابات عن طريق التدقيق المالي والرقابي على جميع الجهات الحكومية والقطاع العام، وكذلك تقييم الأداء بمتابعة كفاءة استخدام الموارد العامة، وإبلاغ البرلمان عن طريق تقديم تقارير دورية عن نتائج الرقابة المالية والإدارية.
[4] أنظر قرار النائـب العـام رقم (22) لسنة 2010م بشأن إعادة تنظيم نيابات الأموال العامة وتحديد اختصاصاتها، متوفر على الموقع الرسمي لمكتب النائب العام https://agoyemen.net/lib_details.php?id=440 شوهد في 24 يناير 2025م.
[5] وقد قضى الحكم في الجلسة التي عقدت برئاسة رئيس المحكمة القاضي بدر الجمرة بعدم مشروعية القرار المطعون فيه الصادر عن مجلس الشورى برقم (61) المؤرخ 20 أبريل 2013م والمتضمن اختيار 30 عضواً مرشحا لعضوية الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، وكان قد تقدم بالدعوى في القضية عدد من المرشحين طاعنين في عدم التزام مجلس الشورى في تطبيق نص المادة (9) من قانون مكافحة الفساد وإقصائها لمنظمات المجتمع المدني وإدخال أحد المرشحين في قائمة رجال الأعمال رغم أنه ليس منهم، نقلاً عن الموقع الإلكتروني للمحكمة العليا، https://ysc.org.ye/body.aspx?field=news&id=554 شهود في 27 يناير 2024م.
[6] نقلاً عن الموقع الإلكتروني للمركز الوطني للمعلومات، http://yemen-nic.info/news/detail.php?ID=67826 شهود في 27 يناير 2024م.