MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



"الهدي النبوي في أسماء المدن" مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

     



"الهدي النبوي في أسماء المدن" مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
يصف النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دعوته إلى دين الله عز وجل، قائلاً: «إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ»، أي: الأخلاقَ الحَسنةَ والأفعالَ المُستحسَنةَ الَّتي جبَلَ اللهُ عليها عِبادَه؛ مِن الوفاءِ والمُروءةِ، والحياءِ والعِفَّةِ، فيَجعَلُ حَسَنَها أحسَنَ، ويُضيِّقُ على سيِّئِها ويَمنَعُه. وفي الحديثِ: الحثُّ على مكارمِ الأخلاقِ. وفيه: بيانُ أهمِّيَّةِ الأخلاقِ الحَسَنةِ في شَريعةِ الإسلامِ وأنَّها مِن أولويَّاتِه. ومن الأخلاق الحسنة استخدام الحسن من الأسماء والألفاظ والنأي والبعد عن استعمال القبيح منها. فكما يقولون في الأمثال الشعبية: «الملافظ سعد».
 
         وهكذا، كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يكره الأمكِنةَ منكرةَ الأسماء، ويكره العُبُورَ فيها. ولعل أبرز دليل على ذلك هو واقعة تغيير اسم «يثرب» إلى «طيبة» و«المدينة» بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها. إذ عُرِفت المدينة المنورة قبل ظهور الإسلام باسم «يثرب»، وتأسست قبل الهجرة النبوية بأكثر من 1500 عاماً. وتجمع معظم المصادر العربية على أن «يثرب» اسم لرجل من أحفاد نوح، وأن هذا الرجل أسس هذه البلدة فسميت باسمه، وبالرغم من اختلاف الروايات حول سبب تسميتها قديماً باسم «يثرب»، فإن النتيجة التي تنتهي إليها هذه الروايات هي استيطان العماليق في يثرب في وقت لم يتسن للمؤرخين تحديده على وجه الدقة، كما يمكن أن نستخلص من هذه الروايات أن تأسيس يثرب كان على يد مجموعة بشرية مهاجرة، تبحث عن موطن يوفر لها الطعام والأمان. ويرجح أن يثرب كانت موجودة قبل أكثر من (1500) سنة من هجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إليها. حيث أشارت نصوص تاريخية آشورية عائدة إلى القرن السادس قبل الميلاد إلى المدينة المنورة باسم «لاثريبو»، ووجدت كذلك كلمة «يثرب» في كتابات الإغريق التاريخية، وفي كتابات مملكة معين. فقد أشار كلاوديوس بطليموس إلى واحة تقع في بلاد الحجاز بشبه الجزيرة العربية، تحمل اسم «لاثريبا». كما ورد هذا الاسم في الكتابات عند مملكة معين، وذُكرت بين المدن التي سكنتها جاليات معينية، ومن المعروف أن المملكة المعينية قامت في جزء من اليمن في الفترة ما بين 1300 و600 ق. م، وامتد نفوذها في فترة ازدهارها إلى الحجاز وفلسطين، وعندما ضعف سلطانها كونت مجموعة مستوطنات لحماية طريق التجارة إلى الشمال وكان هذا الطريق يمر بيثرب.
 
         وقد ورد اسم «يثرب» في القرآن الكريم، وتحديداً في الآية الثالثة عشرة من سورة الأحزاب: )وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾. وقد ورد في التفاسير أن (يثرب) هي المدينة، وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبة وطابة. وقال أبو عبيدة: يثرب اسم أرض، والمدينة ناحية منها. السهيلي: وسميت يثرب لأن الذي نزلها من العماليق اسمه يثرب بن عميل بن مهلائيل بن عوض بن عملاق بن لاوق بن إرم. وفي بعض هذه الأسماء اختلاف. وبنو عميل هم الذين سكنوا الجحفة فأجحفت بهم السيول فيها. وبها سميت الجحفة (راجع: تفسير القرطبي).
 
         وقد ورد في الحديث الصحيح أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم سماها «المدينة» و«طيبة» و«طابة»، ونهى عن استخدام اسمها القديم. فعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ» رواه البخاري (3622)، ومسلم (2272). قال النووي رحمه الله تعالى: وأما «يثرب» فهو اسمها في الجاهلية، فسماها الله تعالى «المدينة»، وسماها رسول الله «طيبة» و«طابة» (راجع: شرح صحيح مسلم 31/15). فبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، صارت تسمى «المدينة». ومن ذلك قول الله تعالى: )مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ( (سورة التوبة: الآية 120). وسميت طيبة وطابة. عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَدِينَةَ طَابَةَ» (رواه مسلم: 1385). وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ِنَّهَا طَيْبَةُ - يَعْنِي الْمَدِينَةَ -، وَإِنَّهَا تَنْفِي الْخَبَثَ، كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ» رواه البخاري (4589)، ورواه مسلم (1384) واللفظ له.
 
         وقد ورد في السنة النبوية ما يشير إلى النهي عن تسميتها باسم «يثرب». فعن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ القُرَى، يَقُولُونَ يَثْرِبُ، وَهِيَ المَدِينَةُ» (رواه البخاري: 1871، ومسلم: 1382). قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: «وفي هذا الحديث دليل على كراهية تسمية المدينة بيثرب على ما كانت تسمى في الجاهلية» (راجع: التمهيد، الجزء 23، ص 171). قال القرطبي رحمه الله تعالى: «يقولون: يثرب، وهي المدينة»؛ أي: تسميها الناس: يثرب، والذي ينبغي أن تُسمَّى به: المدينة. فكأن النبي صلى الله عليه وسلم كره ذلك الاسم، على عادته في كراهة الأسماء غير المستحسنة، وتبديلها بالمستحب منها. وذلك: أن يثرب لفظ مأخوذ من الثرب، وهو الفساد، والتثريب: وهو المؤاخذة بالذنب. وكل ذلك من قبيل ما يكره، وقد فهم العلماء من هذا: منع أن يقال: يثرب. حتى قال عيسى بن دينار: مَن سمَّاها يثرب كُتِبت عليه خطيئة. وروي كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال للمدينة (يثرب) فليستغفر الله» (مسند الإمام أحمد 4/285). فأما قوله تعالى: (يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) الأحزاب (13)، هو حكاية عن قول المنافقين، وقيل: سُميت: يثرب بأرض هناك، المدينة ناحية منها. وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم: طيبة، وطابة، من الطيب» (راجع: المفهم، الجزء الثالث، ص 498).
 
         والمدينة هي أول عاصمة في تاريخ الإسلام، ويحرم دخولها لغير المسلمين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أحرم ما بين لابتيها مثل ما حرم إبراهيم مكة، اللهم بارك في مدهم وصاعهم) رواه الإمام أحمد. وباعتبارها مكاناً مباركاً ومهجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من الطبيعي أن يتم تغيير اسمها المنكر إلى اسم آخر حسن.
 
         وهكذا، لما قَدِمَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم المدينة، واسمها يَثْرِبُ لا تُعرف بغير هذا الاسم، غيَّره بـ ((طيبة)) لمَّا زال عنها ما فى لفظ يثرِب من التثريب بما في معنى طَيبة من الطِّيب، استحقت هذا الاسم، وازدادت به طيباً آخر، فأثَّر طِيبُها في استحقاق الاسم، وزادها طِيباَ إلى طيبها.
 
         ومن ناحية ثانية، يبدو سائغاً القول إن اسم جبل أحد هو من الأسماء المحببة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ولعل ذلك يبدو جلياً من إشارة الصادق المعصوم إليه في العديد من الأحاديث النبوية. فقد جاء ضرب المثل والتشبيه بهذا الجبل من حيث عظم حجمه في عدة مواضع: فعن عليٍّ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَصَعِدَ عَلَى شَجَرَةٍ أَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ مِنْهَا بِشَيْءٍ، فَنَظَرَ أَصْحَابُهُ إِلَى سَاقِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ حِينَ صَعِدَ الشَّجَرَةَ، فَضَحِكُوا مِنْ حُمُوشَةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَضْحَكُونَ؟ لَرِجْلُ عَبْدِ اللهِ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أُحد». وعن زَيْدِ بنِ ثابِتٍ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَوْ أَنَّ اللهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ، لَعَذَّبَهُمْ غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ، كَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْراً مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ كَانَ لَكَ جَبَلُ أُحُدٍ، أَوْ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ، ذَهَبًا، أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا قَبِلَهُ اللهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّكَ إِنْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا، دَخَلْتَ النَّارَ». وعن أبي ذَرٍّ الغِفَاريِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا يَسُرُّنِي أَنَّ جَبَلَ أُحُدٍ لِي ذَهَبًا أَمُوتُ يَوْمَ أَمُوتُ عِنْدِي دِينَارٌ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ، إِلَّا لِغَرِيمٍ».
 
         وفيما يتعلق بسبب تسمية جبل أحد بهذا الاسم، توجد عدة آراء: أولها، يقول إن الجبل سمي بهذا الاسم، لتوحده عن الجبال، وأنه محاط بالأودية والسهول. أما ثانيها، فهو أن الجبل سمي بأحد نسبة إلى رجل يدعى «أحد» من العماليق (السكان الأوائل التقليديين للمدينة) حيث انتقل هذا الرجل إلى الجبل وسكنه، فسمي باسمه. والرأي الثالث يقول إن الجبل سمي كذلك لأنه يرمز لوحدانية الله.
 
         وبعد هزيمة المسلمين في غزوة أحد، ولئلا يتشاءم المسلمون من «جبل أُحد»، وقف عليه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وقال: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» (أخرجه مالك في الموطأ: 2599، وأحمد: 3/149، والبُخَارِي: 3/110 (2235). وروى أبو عبس بن جبر الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «جَبَلُ أُحُدٍ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ وَهُوَ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ». وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّه يَرْجِعُ مِنْ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ». وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَ رسول الله صلَى الله عليه وسلَم قال: «أحد جبل يحبنا ونحبه، فإذا جئتموه فكلوا من شجره، ولو من عضاهه». وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَ النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فقال الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم: «اثبت أُحُد، فإنما عليك نبي، وصِدٍيق، وشهيدان».
 
         وفي المقابل، فإن أسماء بعض الجبال لم تروق للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم تنل استحسانه. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ: جُمْدَانُ، فَقَالَ: سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ، سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ، قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ (أخرجه أحمد: 2/411 (9321)، ومسلم: 6905، وابن حِبَّان: 858). وفي الإطار ذاته، روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ في بعضِ غزواته بين جبلين، فسأل عن اسميهما، فقالوا: فاضِحٌ ومُخزٍ، فعدلَ عنهما، ولَم يَجُزْ بينهما.
 
         وأخيراً، روي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، مر بأرض تسمى «غدرة»، فسماها «خضرة» (رواه الهيثمي في المجمع، 8/51: رواه الطبراني في الصغير، ورجاله رجال الصحيح).
 



السبت 29 مارس 2025
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter