MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



رقابة القضاء الدستوري على العمليات التّحضيرية للتصويت

     



ذة/ مريم العثماني
باحثة في القانون العام

الرقم التسلسلي للنشر
11666

بتاريخ 3 فبراير 2025



رقابة القضاء الدستوري على العمليات التّحضيرية للتصويت
 
 
مقدمة:

عَمل المشرع المغربي على تنظيم نظام المنازعات الانتخابية التشريعيّة بالقانونين التنظيميَيْن لكل من مجلسيْ البرلمان، إذ أسّس لحق الطعن في نتائج الانتخابات التشريعية من طرف ذوي الصّفة. حيث بالنسبة لانتخاب أعضاء مجلس النواب أُسند الطعن لدى المحكمة الإقليمية محل الانتخاب بموجب الظهير الشريف رقم 1.63.118[i] سنة 1963، ثم شرّع للطعن أمام الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى بموجب الظهير الشريف رقم 1.70.206[ii] لسنة 1970. أمّا بالنسبة لانتخاب أعضاء مجلس المستشارين فأسند الطّعن لدى الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى بموجب الظهير الشريف رقم 1.63.274 [iii] سنة 1963. وانتقل الاختصاص إلى المجلس الدستوري[iv] بعد تنصيب أعضاءه استنادا لدستور1992[v]، ثمّ إلى المحكمة الدستورية المنصوص عليها بمقتضى دستور فاتح يوليوز 2011. 
 العمليات التحضيرية لعملية التصويت هي العتبة الأساسية ضمن العمليات الانتخابية برمّتها، ويقصد بها تعيين أماكن إقامة مكاتب التصويت وتحديد تشكيلها وسيرها، فإذا حدث وشابتها عيوب في قانونيتها أُخْتُلت مصداقية عملية التصويت.
لمقاربة هذا الموضوع نطرح الإشكالية التالية:
إلى أي حد يراقب القاضي الدستوري صحة العمليات التحضيرية؟
 لتحليل الإشكالية المطروحة نقسم الموضوع إلى مطلبين، حيث تُبسَط الرقابة على أماكن التصويت(مطلب أول) وعلى تشكيل وسير مكتب التصويت(مطلب ثان).

المطلب الأول: الرّقابة على أماكن التصويت

حدّد المشرع إجراءات تعيين أماكن إقامة مكاتب التصويت(فرع أول)، ومنه فالالتزام بما حدّده المُشرع يُشكِّل إجراء قانونيا مُهِما يراقبه القاضي الدستوري(فرع ثان). 

الفرع الأول: طريقة تعيين أماكن مكاتب التصويت

تُعيّن أماكن إقامة مكاتب التصويت، من طرف عامل العمالة أو الإقليم بالنسبة لانتخاب أعضاء مجلس النواب[vi]، ومن طرف والي الجهة أو من يُنيبه عنه بالنسبة لانتخاب أعضاء مجلس المستشارين[vii]، وذلك بمقرر. حيث تُقام مكاتب التصويت في بنايات عمومية قريبة من الناخبين، إلا أنّه يمكن إقامتها في أماكن أو بنايات أخرى عند الضرورة. على أساس أن يُحاط النّاخبون علما بأماكن مكاتب التصويت، قبل عشرة أيام على الأقل من تاريخ الاقتراع، وذلك عن طريق تعليق إعلانات أو النشر في الصحف أو في الإذاعة أو التلفزيون، أو أية وسيلة أخرى مألوفة الاستعمال. إذ يُشكل تحديد أماكن إقامة مكاتب التصويت ضمانا لشفافية العمليات الانتخابية.
تتمُّ إحاطة النّاخب علما بمكتب التصويت الذي يصوت فيه بواسطة إشعار مكتوب توجهه له السلطة الإدارية المحلية بأية وسيلة من الوسائل المتاحة، يتضمن هذا الإشعار مجموعة من البيانات الخاصة بالناخب تتمثل في الاسم الشخصي والعائلي أو أسماء أبويه إن لم يكن له اسم عائلي، عنوانه، رقم بطاقته الوطنية للتعريف (والجماعة الترابية أو الغرفة المهنية أو المنظمة المهنية للمشغلين أو فئة المستخدمين التابع لها الناخب بالنسبة لانتخاب أعضاء مجلس المستشارين)، عنوان مكتب التصويت، والرقم الترتيبي المخصص له في لائحة الناخبين[viii].

الفرع الثاني: الرّقابة على أماكن المكاتب

يُعدّ التقيّد بالمقتضيات القانونية الخاصة بتعيين أماكن مكاتب التصويت إجراء خاضعا لرقابة القضاء الدستوري، حيث أنّ هذا الإجراء يمكن أن يَطاله التدليس، وبالتالي التأثير على مصداقية العمليات الانتخابية. فبمناسبة انتخابات أعضاء مجلس النواب بتاريخ 14 نوفمبر 1997، أصدر القاضي الدستوري قراره رقم 190.98[ix] الذي ورد فيه:
"في شأن المأخذ المتعلق بمكان إقامة مكاتب التصويت حيث إن الطاعن يدعي أن بعض مكاتب التصويت أقيمت، كما يبين ذلك من محاضرها، في مساجد تابعة لجماعات 'أداي' و'تغجيجت' و'امتضى' معتبرا هذا الأمر مخالفا لما يؤكده التشريع المغربي من تفادي ذلك حرصا على حرمة المساجد وعلى عدم إضفاء أية صبغة دينية على العمليات الانتخابية، وطالبا لذلك إلغاء الأصوات المدلى بها في مكاتب التصويت التي نعى عليها ماذكر؛ لكن حيث أيا كان وجه الرأي في جواز اتخاذ المسجد مكانا للتصويت من عدمه فإن استخدامه لهذا الغرض في النازلة ليس من شأنه في حد ذاته أن يشوب صحة العمليات الانتخابية المجراة فيه، الأمر الذي يكون معه هذا المأخذ غير جدير بالاعتبار".
يتبيّن من هذا القرار أنّ القاضي الدستوري لم يلجأ إلى إلغاء نتيجة العمليات الانتخابية، مادام أن الأمر ليس من شأنه أن يشوب صحتها، إذ لم يكن لها تأثير ملموس على إرادة الناخبين. وهو المنحى الذي اختاره المجلس الدستوري الفرنسي الذي اعتبر في قراره AN 341.63[x] أنّ تعيين مكاتب التصويت والتراجع عنها ثم إعادة تعيينها، والذي يمكن أن يكون قد خلق اضطرابا في أذهان الناخبين إلا أنّه لم يتم إثبات تأثيره على نتائج الاقتراع وبالتالي عدم أخذه بعين الاعتبار.
التوجه نفسه سار عليه القاضي الدستوري في قراره رقم769.2009 [xi]؛ حيث اعتبر أنّ المسألة لا تُشكل على فرض ثبوتها، قرينة على أنّ اختيار هذا المقر كان بغاية التأثير في إرادة الناخبين، ولا أنه كان سببا في حرمان عدد من الناخبين من التصويت، وبالتالي تكون المسألة المتخذة من كون الانتخاب لم يجر طبقا للإجراءات المقررة في القانون غير قائمة على أساس صحيح. وفي قراره رقم 895.12[xii]؛ اعتبر أنه فضلا عن كون الطاعن لم يقدم ما يفيد أنّ إقامة مكتبين للتصويت بمقر 'الزاوية'، كانت الغاية منه التأثير على إرادة الناخبين، فإنّ إقامة مكتبي التصويت المذكورين في مقر 'الزاوية' بالنظر للطبيعة القروية للجماعة ليس فيه ما يخالف القانون.
تأسيسا على ما سبق، فإنّ القاضي الدستوري يقضي بإلغاء نتيجة الانتخاب إذا ثبت أنه وقع تدليس بشأن تعيين مكاتب التصويت الغاية منه حرمان الناخبين من التصويت، أو التأثير في إرادتهم الانتخابية.
إلا أنّ مسألة اعتبار القاضي الدستوري إقامة مكاتب التصويت في المساجد لا يشوب صحة العمليات الانتخابية المجراة فيه، رغم أنّ المشرع منع إضفاء أية صبغة دينية على العمليات الانتخابية، يثير إشكالا من زاوية اعتبار مكانة الوازع الديني في التركيبة الثقافية لدى أغلبية المواطنين المغاربة، الأمر الذي سيؤثر لا محالة في إرادتهم الانتخابية –فقد يلجأ الناخب إلى التصويت لصالح المرشح أو الحزب السياسي ذي الخلفية الأكثر تناسبا مع مكانة المسجد في تركيبته الثقافية-.

المطلب الثاني: الرّقابة على تشكيل وسير مكتب التصويت

إنّ نجاح عملية التصويت يتوقف على الجهاز الذي يسهر على تسييرها والقيام بالإجراءات التي تتخللها، ويحرص على احترام المقتضيات القانونية المخصصة لسلامة عملية التصويت، والمتمثل في مكتب التصويت. لذلك في إطار الرّقابة على العمليات التحضيرية لعملية التصويت يراقب القاضي الدستوري قانونية تشكيل مكتب التصويت(فرع أول) وعمليات سيره(فرع ثان).

الفرع الأول: الرّقابة على تشكيل المكتب

يُراقب القاضي الدستوري مدى قانونية تشكيل مكتب التصويت، وذلك برقابته لتعيين رئيس وأعضاء المكتب(فقرة أولى) وللشروط المتطلبة في أعضاء المكتب(فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: الرّقابة على تعيين رئيس وأعضاء المكتب

مكتب التصويت هو المسؤول عن حُسن سير عملية مهمة من سلسلة العمليات الانتخابية والمتمثلة في عملية التصويت. يُعيّن رئيس مكتب التصويت من طرف العامل بالنسبة لانتخاب أعضاء مجلس النواب ومن طرف والي الجهة أو من يُنيبه عنه لهذا الغرض بالنسبة لانتخاب أعضاء مجلس المستشارين، ثمانية وأربعون ساعة على الأقل قبل الاقتراع، من بين الموظفين أو الأعوان بالإدارة العمومية أو الجماعات الترابية أو من بين مستخدمي المؤسسات العمومية أو الناخبين غير المرشحين، ويُعيِّن أيضا الأشخاص الذين يقومون مقام رؤساء مكاتب التصويت إذا تغيّبوا أو عاقهم عائق. بنفس الكيْفيات والشروط يُعيّن ثلاثة أعضاء لمساعدة رئيس المكتب مع بيان مهامهم، ويُعيّن نواب عنهم يقومون مقامهم إذا تغيبوا أو عاقهم عائق[xiii]. وبالنسبة لانتخاب أعضاء مجلس المستشارين، إذا كان عدد الناخبين التابعين لمكتب التصويت أو عدد الناخبين غير المرشحين لا يسمح بتكوين المكتب، يعين أعضاء مكتب التصويت ونوابهم من بين الناخبين المقيّدين في اللوائح الانتخابية العامة طبقا لنفس الكيْفيات[xiv].
أمّا إذا تعذر حضور الأشخاص المعيّنين لمساعدة رئيس مكتب التصويت ساعة افتتاح الاقتراع، يختار رئيس مكتب التصويت المذكور لمساعدته الناخبين الاثنين الأكبر سنا والناخب الأصغر سنا، من بين الناخبين غير المرشحين الحاضرين بمكان التصويت، على أن يتولى الناخب الأصغر سنا مهام كاتب مكتب التصويت[xv].
أكّد القضاء الدستوري في قراره رقم 515.2003[xvi] المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب، أنّ تعيين رؤساء مكاتب التصويت يرجع الأمر فيه إلى العمال، ولا يمكن الحد من هاته الصلاحية إلا بمقتضى القانون. وفي قراره رقم 774.2009[xvii] أكّد أنّه ليس في القانون ما يمنع تعيين أعضاء مكاتب التصويت من بين موظفي المقاطعات التي يترأسها مرشحون للانتخاب أو مناصرون لهم، لطالما لم يقترن ذلك بتحيز أعضاء تلك المكاتب أو الإخلال بما يجب أن يتوفر بهم من نزاهة وحياد.
كما اعتبر القضاء الدستوري 781.2009[xviii] أنّه ليس في القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، ما يمنع تعيين رؤساء مكاتب التصويت من بين موظفي جماعة يرأس مجلسها مرشح للانتخاب، طالما لم يقترن ذلك بتحيز رؤساء تلك المكاتب أو الإخلال بما يجب أن يتوفر فيهم من نزاهة وحياد. بل وذهب نظيره الفرنسي في قراره رقم  AN123-58[xix] إلى حد اعتبار أنّ ترأس مكتب التصويت من طرف زوجة أحد المرشحين بصفتها عضوا في هيئة التدريس، لا تأثير له على نتائج الاقتراع.
في المُقابل يُشكل تعيين أعضاء مكتب التصويت من طرف السلطة المحلية لتعويض الأعضاء المُعيّنين بها رسميا، عيبا في تشكيل مكتب التصويت، فالقاضي الدستوري في قراره  رقم 594.2004[xx] اعتبر أنّ قيام السلطة المحلية بتعيين أشخاص ليقوموا بمهام النيابة عن الأعضاء المعيّنين الغير الحاضرين، يجعل تشكيل مكتب التصويت معيبا. كما اعتبر في قراره رقم 570.2004[xxi] تشكيل المكتب معيبا إذا حدث تدخل للسلطة المحلية عن طريق التنسيق، فهو أمر مخالف للمقتضيات القانونية التي تُخوِّل لرئيس مكتب التصويت وحده صلاحية اختيار الأعضاء من بين الناخبين غير المرشحين الحاضرين في مكان التصويت في حالة تعذر حضور الأعضاء ونوابهم المعيّنين رسميا. وشدّد في قراره رقم 536.2003[xxii] أنه لا يُسمح لرئيس مكتب التصويت باختيار مساعديه إلا عندما يتعذر حضور الأشخاص المعينين من طرف العامل.
إنّ عدم التقيّد بعدد الأعضاء المنصوص عليه في القانون عند تشكيل مكتب التصويت، في نظر القاضي الدستوري وفق قراره رقم 536.2000[xxiii] يَحُول دون الاطمئنان إلى النتائج التي سجلت في المكاتب المذكورة، ومن تم يتعيّن عدم الاعتداد بها في الحصيلة العامة للاقتراع وخصم ما ناله منها مختلف المرشحين في عداد الأصوات التي حصلوا عليها. فهذا النهج الذي سار عليه القاضي الدستوري باعتماده مبدأ عدم الاطمئنان يعتبر خطوة هامة في اجتهاده وتسجيل لإدانة صريحة لما شاب العملية الانتخابية من مآخذ، ليبقى تأثير المخالفة على نتيجة الاقتراع أو عدمها هو المؤسس عليه في إلغاء النتيجة الانتخابية أو رفض طلب الطاعن[xxiv].
يُستشف أنّ القضاء الدستوري يحرص على أن يكون تعيين كل من رئيس وأعضاء مكتب التصويت، تم وفق ما هو محدد بالمقتضيات القانونية بالضبط. من غير اللجوء إلى سلطته التقديرية للحسم في مسألة تأثير العلاقة المفترضة بين رئيس أو أعضاء المكتب وأحد المرشحين على نزاهة العمليّة المنوطة بهم. 

الفقرة الثانية: الرّقابة على الشروط المتطلبة في أعضاء المكتب

يتعيّن أنْ تتم إدارة العمليات الانتخابية بصورة مستقلة تماما، وخالية من أي تدخل خارجي، ويتطلب من المعنيّين تنفيذ مسؤولياتهم بشكل فعال وبطريقة نزيهة وأن يتمتعوا بالكفاءة والمهارة[xxv]. وبذلك فإنه يُشترط في أعضاء مكتب التصويت أن يكونوا مُقيّدين في اللّوائح الانتخابية(أولا) ويعرفون القراءة والكتابة (ثانيا).
أولا: تقيُّد أعضاء المكتب في اللَّوائح الانتخابية
يجب على الأعضاء المشكّلين لمكتب التصويت أن يكونوا ناخبين مسجّلين في اللائحة الانتخابية للجماعة التابع لها مكتب التصويت[xxvi]، فالقاضي الدستوري في قراره 73.95[xxvii] اعتبر تشكيل مكتب التصويت من أشخاص لا تتوفر فيهم صفة ناخب، يجعل تشكيله مشوبا بعيب جوْهري يحُول دون اعتماد ما تم به من إجراءات ويستوجب بالتالي عدم الاعتداد بالأصوات المدلى بها فيه.
إذا كان يُشترط في أعضاء تشكيل مكتب التصويت أن تتحقق فيهم صفة ناخب، فإنه لا يُشترط أن يكون العضو بالضرورة من بين الناخبين المَدعوِّين للتصويت في المكتب المعني، بل يكفي أن يكون مسجلا في اللائحة الانتخابية للجماعة الحضرية أو القروية التابع لها مكتب التصويت الذي يشارك في عضويته[xxviii].
إلا أنّ القضاء الدستوري اعتبر في قراره رقم 186.98[xxix] أنّ عدم احترام الشرط المتمثل في تقييد أعضاء المكتب في اللّوائح الانتخابية، أمرا شكليا لا يعتد به ما لم يكن للأمر تأثير على نتيجة الاقتراع، حيث فصّل ضمن حيثياته "وحيث أن الطاعن يدعي... أن بعض أعضاء مكاتب التصويت غير مسجلين في اللوائح الانتخابية لدائرة...لكن حيث إن ما ادعاه –على فرض صحته- ليس له تأثير في النتيجة العامة للاقتراع نظرا للفارق الكبير بين عدد الأصوات التي حصل عليها المطعون في انتخابه وتلك التي نالها كل من منافسيه".
تقيُّد أعضاء مكتب التصويت في اللوائح الانتخابية للدائرة المعنيّة شرط أساسي نصّ عليه المشرع بهدف جعل الناخبين المعنيين فئة مشاركة في تسيير عملية التصويت، ولكن القضاء الدستوري ربط بين إغفال هذا الشرط ومدى تأثيره على نتيجة التصويت، فما لم يتبيّن له تأثير المسألة على النتيجة لا يُعير إغفال الشرط اهتماما. 
ثانيا: وُجوب معرفة الأعضاء للقراءة والكتابة
يُشكِّل وجوب معرفة أعضاء مكتب التصويت القراءة والكتابة، شرطا جوهريا لضمان ضبط العملية الانتخابية وبالتالي سلامة الاقتراع، ويترتب عن عدم تحقق هذا الشرط بُطلان تشكيل مكتب التصويت وعدم الاعتداد بالأصوات المدلى بها فيه[xxx].
يُعدُّ تذييل محضر مكتب التصويت بالبَصمة قرينة على أنّ صاحبها لا يعرف القراءة والكتابة في نظر القاضي الدستوري، وبالتالي يتعيَّن معه استبعاد الأصوات المدلى بها في المكتب المعني[xxxi]. مقابل ذلك يَعتبر القاضي الدستوري أنّ شكْل توقيع الأعضاء في محضر مكتب التصويت، ليس دليلا على عدم معرفة العضو للقراءة والكتابة، إذ نصَّ في قراره رقم 607.2005[xxxii] "حيث يبين من الرجوع إلى محاضر مكاتب التصويت المدعى أن بعض أعضائها أميون، أن جميع هؤلاء الأعضاء ذيلوا محاضر مكاتب التصويت المعنية بتوقيعاتهم، وإنه لا يلزم بالضرورة من شكل التوقيعات أن أصحابها لا يعرفون القراءة والكتابة".
كما يعتبر القاضي الدستوري[xxxiii]، إضافة إلى شكْل التوقيع، أنّ خطّ تحرير محاضر مكاتب التصويت المعنية، ليس قرينة على أنّ أعضاء هذه المكاتب لا يحسنون القراءة والكتابة.
وبناء على ذلك فالقاضي الدستوري لم يلجأ إلى افتراض مدى إمكانية تأثير شرط معرفة أعضاء المكتب للقراءة والكتابة على نتيجة التصويت، وإنما سلك نَهْج ضرورة الانضباط للشرط القانوني. نظرا لأهمية هذا الشرط لتمكن الأعضاء من القيام بمهامهم بمكتب التصويت(قراءة اسم الناخب، تحرير المحاضر..) والتي تستدعي أن يكون المعني بها على مقدرة بالقراءة والكتابة.

الفرع الثاني: الرّقابة على عمليات سير المكتب

يَبْسُط القضاء الدستوري رقابته على عمليات سير مكتب التصويت، المقصود بها جميع العمليات التي تحدث في مكتب التصويت منذ افتتاح مكتب التصويت إلى غاية نهاية التصويت. وقد أطّر تفاصيل هذه العمليات كل من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب في مواده رقم 75 و76 و77، والقانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين في مواده رقم 74 و75 و76.
وتتمثل هذه العمليات في مُعاينة رئيس مكتب التصويت لصندوق الاقتراع أمام الناخبين الحاضرين، واحتفاظه بأحد قفلي الصندوق مع تسليم الآخر للعضو الأكبر سنا. لتبدأ عملية التصويت بتسليم الناخب عند دخوله قاعة التصويت، بطاقته الوطنية للتعريف إلى كاتب المكتب، ويأمر الرئيس بعدما يعلن الكاتب بصوت مسموع الاسم الكامل والرقم الترتيبي للناخب، أن يأخذ الناخب بنفسه ورقة تصويت واحدة، ويدخل إلى المعزل ليضع علامة تصويته في المكان المخصّص للائحة أو المرشح حسب اختياره، ويقوم بطيِّ ورقة التصويت قبل الخروج من المعزل، ليقوم بإيداع ورقة تصويته بنفسه مطوية في صندوق الاقتراع. ثم يضع رئيس المكتب على يد المُصوِّت علامة بمداد غير قابل للمحو بسرعة، ويضع عضوا المكتب في طرة لائحة الناخبين إشارة أمام اسم المصوت، ليعيد له الكاتب بطاقة تعريفه الوطنية، ويغادر قاعة التصويت في الحين.
يتوجَّب أن يكون التصويت سريا، وأن يلتزم الناخبون في مكاتب التصويت بالإدلاء بأصواتهم فقط، دون إثارة أي جدال أو نقاش كيفما كان نوعه. وإنّ موضوع المساس بسرية التصويت قد يثير إشكالا بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة، حيث أن ذو الاحتياج الخاص قد لا يتمكن من الوقوف أو مشاهدة الألوان، وفي هذا الصدد أصدرت اللجنة الدستورية المؤقتة قرارا سنة 1963، اعتبرت فيه أن تصويت المكفوفين بواسطة رؤساء مكاتب التصويت خرق للسرية[xxxiv].
إنّ القاضي الدستوري في أغلب قراراته المتعلقة برقابته على عمليات سير المكتب[xxxv]، يقضي بكون المآخذ المتعلقة بسير الاقتراع غير قائمة على أساس صحيح، وذلك إما لضعف الإثبات المتعلق بالوقائع أو انعدامه، أو يقضي بكون المآخذ المتعلقة بسير الاقتراع غير مُجدية باعتبارها غير ذات تأثير في نتائج الاقتراع.
التوجّه نفسه سار عليه القاضي الدستوري، عندما تمثّلت المآخذ المتعلقة بعمليات سير المكتب في انحياز أعوان السلطة لأحد المرشحين، تسريب الورقة الفريدة من مكاتب التصويت، وقيام رئيس مكتب التصويت بمرافقة المسنّين وذوي الاحتياجات الخاصة الظاهرة إلى المعزل والتصويت نيابة عنهم، فهذه المناورات التدليسيّة ومخالفة القانون التي ادعاها الطاعن اعتبر القاضي الدستوري الإثبات بشأنها غير كاف[xxxvi].
في هذا الصدد، فإن القاضي الدستوري قضى في قراره رقم 190.22 م.إ[xxxvii] بإلغاء انتخاب المطعون في انتخابه بعدما ثبت له وقوع خروقات شابت سير الاقتراع، بعدما أكد أن الوقوف على وقائع ثابتة وخطيرة ومخطط لها يكفي لعدم الاطمئنان لسلامة الاقتراع، وذلك بعدما ثبت للقضاء الدستوري -من خلال صورة لمحضر الضابطة القضائية أدلى بها الطاعن ضمن المستندات، ثم التحقيق الذي باشره بمراسلة السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف- حدوث الواقعة المتمثلة في خطة لاقتحام مكاتب التصويت باستعمال العنف والتهديد، ثم الشروع في وضع أوراق التصويت بصندوق الاقتراع لفائدة الحزب الذي ينتمي إليه المطعون في انتخابه.
إنّ تشبث القاضي الدستوري بقوة الإثبات بشأن المآخذ التي طالت عمليات سير المكتب، يثير تساؤلا حول مدى حرصه على سلامة ونزاهة العمليات الانتخابية، والمعيار المعتمد من طرفه لاعتبار الإثبات كاف من عدمه، فمحاولة انضباط القاضي الدستوري لما يمليه عليه المشرع من إجراءات وضرورة إثبات الطاعن لادعاءاته، يترك زاوية احتمال حدوث مسّ بنزاهة عمليات سير المكتب وعدم قابلية إثباتها بدليل كاف فارغة.
خاتمة:
استخلاصا لما تم التطرق إليه سابقا، فالقاضي الدستوري نهج بشأن العمليات التحضيرية عدم إلغاء نتيجة الانتخاب إلا في حالة ثبوت وقوع تدليس في تعيين مكاتب التصويت يؤدي إلى حرمان الناخبين من التعبير عن صوتهم أو التأثير في إرادتهم، ودأب على حفظ تشكيل المكتب وفق المقتضيات القانونية، وضرورة احترام الشروط المتطلبة في أعضاء المكتب، حيث يحرص على إلزامية معرفة الأعضاء القراءة والكتابة نظرا للتأثير البيّن لهذا الشرط على عمليات سير المكتب، مقابل ربطه شرط تسجيل الأعضاء في لوائح الانتخابات بالتأثير على النتيجة من عدمه.
 
 
 
[i]الفصل 37 من ظهير شريف رقم 1.63.118 بشأن القانون التنظيمي لانتخاب النواب، الجريدة الرسمية عدد 2633 مكرر بتاريخ 24 ذو القعدة 1382 (18أبريل1963)، ص.858.
[ii]الفصل 48 من ظهير شريف رقم 1.70.206 بتاريخ 27 جمادى الأولى 1390 (31يوليوز1970) بمثابة القانون التنظيمي المتعلق بتأليف مجلس النواب وانتخاب أعضائه، الجريدة الرسمية عدد 3013 مكرر بتاريخ 28 جمادى الأولى 1390 (فاتح غشت1970)، ص.1941.
[iii]الفصل 27 من ظهير شريف رقم 1.63.274 المعتبر بمثابة القانون التنظيمي لتأليف وانتخاب مجلس المستشارين، الجريدة الرسمية عدد 2655 بتاريخ 24 ربيع الثاني 1383 (13شتنبر1963)، ص.2146.
[iv]القانون التنظيمي 29.93 المتعلق بالمجلس الدستوري الصادر الأمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.94.124 بتاريخ 14 من رمضان 1414 (25فبراير1994)، الجريدة الرسمية عدد 4244 بتاريخ 19 رمضان 1414 (2مارس1994)، ص.301.
[v]نص الدستور ل6 ربيع الأول 1413 (4سبتمبر 1992)، صادر الأمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.92.155 بتاريخ 11 من ربيع الآخر 1413(9أكتوبر 1992)، الجريدة الرسمية عدد 4172 بتاريخ 16 ربيع الآخر  1413(14أكتوبر 1992)، ص.1247.
[vi]المادة 73 من القانون التنظيمي 27.11 المتعلق بمجلس النواب الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 1.11.165 الصادر في 16 من ذي القعدة 1432(14أكتوبر2011)، كما تم تغييره وتتميمه بالقانون التنظيمي رقم 04.21 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 1.21.39 الصادر في 8 رمضان 1442 (21أبريل2021)، الجريدة الرسمية عدد 6987 بتاريخ 5 شوال 1442 (17ماي2021)، ص.3405.
[vii]المادة 72 من القانون التنظيمي 28.11  المتعلق بمجلس المستشارين الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 1.11.172 في 24 من ذي الحجة 1432(21نوفمبر2011)، كما تم تغييره وتتميمه بالقانون التنظيمي 05.21 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 1.21.40 الصادر في 8 رمضان 1442 (21أبريل2021)، الجريدة الرسمية عدد 6987 بتاريخ 5 شوال 1442 (17ماي2021)، ص.3410.
[viii]المادة 70 من القانون التنظيمي 27.11  والمادة 70 من القانون التنظيمي 28.11، مرجعين سابقين.
[ix]قرار رقم 190.98 صادر في 21 من ذي القعدة 1418 (20مارس1998)، الجريدة الرسمية عدد 4577 بتاريخ 15 ذي الحجة 1418 (13أبريل1998)، ص.1306.
[x]63-341 AN, 9 juillet 1963, cons. 2, Journal officiel du 14 juillet 1963, page 6432 , Tables d'analyses du 4octobre 1958 au 30 septembre 2017, p.2352/ https://www.conseilconstitutionnel.fr/sites/default/files/as/root/bank_mm/Tables/tables_analytiques.pdf, consulter le 22.04.2022 à 16.45.
[xi]قرار رقم 769.2009 صادر في 7 رجب 1430 (30يونيو2009)، الجريدة الرسمية عدد 5756 بتاريخ 7 شعبان 1430 (30يوليو2009)، ص.4194.
[xii]قرار 895.12 م.إ صادر في 29 من ذي القعدة 1433 (16أكتوبر2012)، الجريدة الرسمية عدد 6098 بتاريخ 23 ذو الحجة 1433 (8نوفمبر2012)، ص.5828.
[xiii]المادة 74 من القانون التنظيمي 27.11 والمادة 73 من القانون التنظيمي 28.11، مرجعين سابقين.
[xiv]الفقرة الثالثة من المادة 73 من القانون التنظيمي 28.11، مرجع سابق.
[xv]المادة 74 من القانون التنظيمي 27.11 والمادة 73 من القانون التنظيمي 28.11، مرجعين سابقين.
[xvi]قرار رقم 515.2003 صادر 3 ربيع الآخر 1424 (4يونيو2003)، الجريدة الرسمية عدد 5120 بتاريخ 25 ربيع الآخر 1424 (26يونيو2003)، ص.2166. 
[xvii]قرار رقم 774.2009 صادر في 17 من رجب 1430 (10يوليو2009)، الجريدة الرسمية عدد 5758 بتاريخ 14 شعبان 1430 (6أغسطس2009)، ص.4268.
[xviii]قرار رقم 781.2009 صادر في 17 من شوال 1430 (7أكتوبر2009)، الجريدة الرسمية عدد 5782 بتاريخ 10 ذو القعدة 1430 (29أكتوبر2009)،ص.5389.
[xix] 58-123 AN. 17 janvier 1959, cons. Journal Officiel du 21 janvier 1959, page 1126, Rec.p.149, Tables d'analyses du 4octobre 1958 au 30 septembre 2017, p.2355/
https://www.conseilconstitutionnel.fr/sites/default/files/as/root/bank_mm/Tables/tables_analytiques.pdf, consulter le 22.03.2022 à 15:20.
[xx]قرار رقم 594.2004 صادر في 17 من شوال 1425 (30نوفمبر2004)، الجريدة الرسمية عدد 5278 بتاريخ 17 ذو القعدة 1425 (30ديسمبر2004)، ص.4250.
[xxi]قرار رقم 571.2004 صادر في 6 ربيع الآخر 1425 (26ماي2004)، الجريدة الرسمية عدد 5224 بتاريخ 6 جمادى الأولى 1425 (24يونيو2004)، ص.2722.
[xxii]قرار رقم 536.2003 صادر في 13 من رجب 1424 (10سبتمبر2003)، الجريدة الرسمية عدد 5150 بتاريخ 12 شعبان 1424 (9أكتوبر2003)، ص.3551.
[xxiii]قرار رقم 372.2000 صادر في 10 ذي القعدة 1420 (16فبراير2000)، الجريدة الرسمية عدد 4778 بتاريخ 9 ذي الحجة 1420 (16مارس2000)، ص.454.
[xxiv]إدريس بلمحجوب، المسلسل الانتخابي بين الممارسة والرقابة القضائية 1997-2003، طبعة 2005-دون ذكر المدينة، ص.150.
[xxv]الالتزامات الحالية للانتخابات الديمقراطية للدول المشاركة في منظمة الأمن والتعاون في أوربا، نشر من قبل مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (ODIHR)، أكتوبر 2003، ص.13.
[xxvi]قرار رقم 79.95 صادر في 7 محرم 1416 (6يونيو1995)، الجريدة الرسمية عدد 4313 بتاريخ 29 محرم 1416 (28يونيو1995)، ص.1852.
[xxvii]قرار رقم 73.95 صادر في 18 من ذي القعدة 1415 (18أبريل1995)، الجريدة الرسمية عدد 4305 بتاريخ 3 ذو الحجة 1415 (3ماي1995)، ص.1584.
[xxviii]قرار رقم 254.98 صادر في 23 من رجب 1419 (13نوفمبر1998)، الجريدة الرسمية عدد 4645 بتاريخ 18 شعبان 1419 (7ديسمبر1998)، ص.3335.
[xxix]قرار رقم 186.98 صادر في 21 من ذي القعدة 1418 (20مارس1998)، الجريدة الرسمية عدد 4577 بتاريخ 15 ذي الحجة 1418 (13أبريل1998)، ص.1303.
[xxx]قرار رقم 399.2000 صادر في 10 ربيع الأول 1421 (13يونيو2000)، الجريدة الرسمية عدد 4810 بتاريخ 3 ربيع الآخر 1421 (6يوليو2000)، ص.1972. 
[xxxi]قرار رقم 597.2004 صادر في 2 ذي القعدة 1425 (15ديسمبر2004)، الجريدة الرسمية عدد 5282 بتاريخ 2 ذو الحجة 1425 (13يناير2005)، ص.239.
[xxxii]قرار رقم 607.2005 صادر في 18 من صفر 1426 (29مارس2005)، الجريدة الرسمية عدد 5300 بتاريخ 16 ربيع الأول 1426 (25أبريل2005)، ص.1297.
[xxxiii]قرار رقم 16.17 م.إ صادر في 25 من رمضان 1438 (30يونيو2017)، الجريدة الرسمية عدد 6585 بتاريخ 15 شوال 1438 (10يوليو2017)، ص.3947.
[xxxiv]إدريس بلمحجوب، "توجهات العمل القضائي في المنازعات الانتخابية بين الغرفة الإدارية والمجلس الدستوري"، مجلة القضاء والقانون، وزارة العدل المملكة المغربية، مطبعة الأمنية الرباط، العدد 147، ص.46.
[xxxv]القرارات:
_ قرار رقم 547.2003 صادر في 8 شوال 1424 (3ديسمبر2003)، الجريدة الرسمية عدد 5173 بتاريخ 5 ذي القعدة 1424 (29ديسمبر2003)، ص.4426. =
=_ قرار رقم 771.2009 صادر في 9 رجب 1430 (2يوليو2009)، الجريدة الرسمية عدد 5757 بتاريخ 11 شعبان 1430 (3أغسطس2009)، ص.4235.
_ قرار رقم 775.2009 صادر في 17 من رجب 1430 (10يوليو2009)، الجريدة الرسمية عدد 5758 بتاريخ 14 شعبان 1430 (6أغسطس2009)، ص.4273.
_ قرار رقم 846.12 م.إ صادر في 25 من جمادى الأولى 1433 (17أبريل2012)، الجريدة الرسمية عدد 6045 بتاريخ 15 جمادى الآخرة 1433 (7ماي2012)، ص.3060. 
_ قرار رقم 869.12 م.إ صادر في 21 من رمضان 1433 (10أغسطس2012)، الجريدة الرسمية عدد 6080 بتاريخ 18 شوال 1433 (6سبتمبر2012)، ص.4713.
[xxxvi]قرار رقم 869.12 م.إ صادر في 21 من رمضان 1433 (10أغسطس2012)، الجريدة الرسمية عدد 6080 بتاريخ 18 شوال 1433 (6سبتمبر2012)، ص.4713.
[xxxvii]قرار رقم 190.22 م.إ صادر في 5 ذي الحجة 1443 (5يوليو2022)، الجريدة الرسمية عدد 7107 بتاريخ 11 ذو الحجة 1443 (11يوليو2022)، ص.4458.
 
 
 



الاثنين 3 فبراير 2025
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter