MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الدكتور أحمد عبد الظاهر يكتب: نحو قانون أسرة متوازن.. حق الكد والسعاية

     

الدكتور أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة



الدكتور أحمد عبد الظاهر يكتب: نحو قانون أسرة متوازن.. حق الكد والسعاية
مسلسل «حسبة عمري»، الذي يعرض حالياً على شاشات التليفزيونات المصرية والعربية خلال شهر رمضان المبارك 1446ه، هو دراما اجتماعية بطابع كوميدي، وتجسد فيه الفنانة روجينا دور المرأة التي تعيش حياة تبدو مستقرة، لكنها سرعان ما تواجه تحديات حياتية، بعدما تفاقمت الخلافات بينها وبين زوجها، ويتم طردها من منزل الزوجية، حيث تسعى إلى الحصول على الطلاق والحصول على نصف ممتلكات زوجها استناداً إلى ما يطلق عليه في الفقه الإسلامي «حق الكد والسعاية». وهكذا، يثير المسلسل من جديد موضوع حق الكد والسعاية، ومدى حق الزوجة التي تسهم في تنمية ثروة زوجها في الحصول على نصف ممتلكاته بعد الطلاق أو الوفاة. ولعل هذا المعنى يستفاد من اسم المسلسل «حسبة عمري». والجدير بالذكر أن المسلسل كان يحمل اسم «فنجان نابليون» كاسم مؤقت، ثم تم تغيير اسمه لاحقاً إلى «حقي وحقك»، إلى أن تم تغيير اسمه بشكل نهائي إلى «حسبة عمري».
 
وقد يعتقد البعض أن هذه هي المرة الأولى التي يثور فيها الحديث في المجتمع المصري حول حق الكد والسعاية. والواقع أنه، وفي يوم الثلاثاء الموافق الخامس عشر من شهر فبراير 2022م، وخلال استقبال وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي، دعا فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إلى ضرورة إحياء فتوى «حق الكد والسعاية» من تراثنا الإسلامي؛ لحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهداً في تنمية ثروة زوجها، خاصة في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت على المرأة النزول إلى سوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة. وأكد فضيلة الإمام الأكبر أن التراث الإسلامي غني بمعالجات لقضايا شتى، إذا تأملناها سنقف على مدى غزارة وعمق هذا التراث، وحرص الشريعة الإسلامية على صون حقوق المرأة وكفالة كل ما من شأنه حفظ كرامتها.
 
ورغم كونه مصطلحاً قديماً، لا نغالي إذا قلنا إنه ربما كانت هذه المرة الأولى التي يثار فيها الحديث على الملأ عن هذا الحق، وبحيث يبدو سائغاً القول إن العقل الجمعي المصري قد فوجئ بحديث شيخ الأزهر عن هذا الحق. والواقع أن جذور «حق الكد والسعاية» تعود إلى حادثة وقعت في التراث الإسلامي مرتبطة بامرأة تدعى «حبيبة بنت زريق»، عاشت في عهد الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب. وكانت «حبيبة» نسّاجة تخيط الملابس وتطرزها، فيما كان زوجها «عمرو بن الحارث»، يتاجر بما تصنعه. فتمكن الزوجان من تكوين ثروة من النسج والتجارة. لكن عندما توفي «عمرو بن الحارث» استولى أهله على أمواله كلها، متجاهلين حق «حبيبة» فيها، إذ كانت شريكة لزوجها في تجارته. لكن حبيبة لم تسكت عن حقها، واحتكمت إلى الخليفة عمر بن الخطاب، الذي قضى بتقسيم المال إلى نصفين، نصف لحبيبة باعتباره حقها والنصف الآخر يقسم على الورثة ومن ضمنهم حبيبة أيضاً وفقاً للشرع، إذ يحق لبنت زريق أن تأخذ ربع ما تركه زوجها لكونها لم ترزق بأطفال منه.
 
ورغم قدم هذه الواقعة، ورغم أن المجتمع المصري يعتبر من أقدم المجتمعات العربية التي عرفت عمل المرأة وخروجها إلى ميادين العمل، فإن تشريعات الأحوال الشخصية المصرية تخلو من النص على حق الكد والسعاية. على النقيض من ذلك، تعتبر دول المغرب العربي من أوائل الدول العربية المطبقة لحق الكد والسعاية. بل إن الجمهورية التونسية قد وصلت إلى حد تخويل الزوجين الحق في اختيار النظام المالي الذي يرغبان به، وذلك بمقتضى القانـون عدد 91 لسنة 1998 المؤرخ في 9 نوفمبـر 1998 المتعلّق بنظام الاشتراك في الأملاك بين الزوجين. وكما هو واضح من عنوانه، فقد أقر هذا القانون نظاما للاشتراك في الملكية بين الزوجين، لتكريس التعاون بينهما في تصريف شؤون العائلة، وبحيث يكون للزوجين الحرية الكاملة في اختيار النظام المالي الذي يرغبان به، وما إذا كان نظام انفصال الذمة المالية بين الزوجين أم نظام الذمة المالية المشتركة. فوفقاً للفصـل الأول من هذا القانون، يحدد المشرع التونسي المراد بنظام الاشتراك في الأملاك بين الزوجين، بنصه على أن «نظام الاشتراك في الأملاك هو نظام اختياري يجوز للزوجين اختياره عند إبرام عقد الزواج أو بتاريخ لاحق، وهو يهدف إلى جعل عقار أو جملة من العقارات ملكا مشتركا بين الزوجين متى كانت من متعلقات العائلة».
 
وفي المملكة المغربية، وردت مدونة الأحوال الشخصية الملغية الصادرة سنة 1957م خلواً من النص على حق الكد والسعاية. ومع ذلك، قضت المحاكم المغربية في العديد من الدعاوى لصالح الزوجة بجزء من مال زوجها سواء بعد وفاته أو بعد الطلاق، استناداً على هذا الحق. وقد كانت هذه الأحكام مقدمة لتقنين هذا الحق صراحة بموجب نصوص تشريعية واضحة في مدونة الأسرة السارية حالياً والصادرة سنة 2004م. فوفقاً للمادة التاسعة والأربعين الفقرات الأولى والثانية والثالثة من مدونة الأسرة الصادرة سنة 2004م، «لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، الاتفاق على استثمارها وتوزيعها. يضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج. يقوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بالأحكام سالفة الذكر». وهكذا، تجيز المادة 49 من مدونة الأسرة للزوجين توقيع اتفاقية تنظم ما سيجمعونه من أموال خلال فترة الزواج وتقسيمه بعد الانفصال أو بعد وفاة أحدهما. وتحدد الفقرة الرابعة من المادة ذاتها الحكم القانوني واجب الاتباع في حالة عدم وجود مثل هذا الاتفاق، بنصها على أنه «إذا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة».
 
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تنص المادة (62) الفقرة الأولى من القانون الاتحادي رقم (28) لسنة 2005 في شأن الأحوال الشخصية على أن «المرأة الراشدة حرة في التصرف في أموالها، ولا يجوز للزوج التصرف في أموالها دون رضاها، فلكل منهما ذمة مالية مستقلة. فإذا شارك أحدهما الآخر في تنمية مال أو بناء مسكن ونحوه كان له الرجوع على الآخر بنصيبه فيه عند الطلاق أو الوفاة». وتعليقاً على هذا النص، ورد في المذكرة الإيضاحية أن هذه المادة جاءت بنص جديد يقرر حق كل من الزوجين في الرجوع على الآخر عند الطلاق أو الوفاة، إذا ما شارك أحدهما الآخر في تجارة أو بناء مسكن أو نحو ذلك، أخذاً من مذهب المالكية. وتحت عنوان «أموال الزوجة وذمتها المالية»، فإن المادة الحادية والخمسون من قانون الأحوال الشخصية الجديد، الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم 41 لسنة 2024م، والذي يدخل حيز السريان اعتباراً من 15 أبريل 2025م، تنص على أن «1. لكل من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن الآخر، والزوجة حرة في التصرف في أموالها، ولا يجوز للزوج التصرف في أموالها دون رضاها. 2. إذا شارك أحد الزوجين الآخر في تنمية مال أو بناء مسكن أو نحوه، كان له الرجوع على الطرف الآخر أو الورثة بنصيبه فيه».
 
أما في دولة قطر، فإن ثمة نصاً يقرر للزوجة الحق في الرجوع على زوجها بما ساهمت به في بناء مسكن الزوجية. فوفقاً للمادة السادسة والأربعين من قانون الأسرة، الصادر بالقانون رقم (22) لسنة 2006م، «الزوج ملزم بإعداد مسكن الزوجية، فإن أعدت الزوجة شيئاً منه كان ملكاً لها. وللزوجة الرجوع على زوجها بما ساهمت به في بناء مسكن الزوجية، ولا يعتبر ذلك تبرعاً منها إلا بإقرار صريح. وللزوج الانتفاع بالجهاز المملوك للزوجة ما دامت الزوجية قائمة، فإن أتلفه متعمداً ضمن». وإذا كانت عبارة هذا النص قد جاءت قاصرة على مسكن الزوجية، فإن دلالته يمكن أن تمتد – بطريق القياس – إلى غيره من الأملاك والأموال التي نشأت أو نمت أثناء رابطة الزوجية، متى أثبتت الزوجة مساهمتها في تكوين هذه الأموال أو في تنميتها.
 
        ويمكن أن نجد أساساَ وسنداً لحق الكد والسعاية في مدونة الأحوال الشخصية الموريتانية لسنة 2001م، وتحديداً المادة الثالثة والسبعين منها، والتي تنص على أنه «إذا تنازع الزوجان أو ورثتهما في متاع البيت ولم توجد بينة فالقول للزوجة أو ورثتها بيمين في ما هو معتاد للنساء، وفي غيره فالقول للزوج أو ورثته بيمين. إلا إنه إذا كان المتنازع فيه من البضائع التجارية فهو لمن يتعاطى التجارة وحده منهما بيمينه». وتنص المادة الرابعة والسبعون من المدونة ذاتها على أنه «إذا قام الرجل بينة على شراء ما يعتاد للنساء حلف أنه لم يشتره للمرأة بمالها وحكم له به. إذا قامت المرأة بينة على شراء ما يعتاد للرجال حكم لها به بيمينها».
 
وسيراً على نهج التشريعات العربية سالفة الذكر، فالمأمول هو أن يتضمن مشروع قانون الأحوال الشخصية المصري الذي يجري إعداده حالياً تقنيناً لحق الكد والسعاية. وإلى أن يحدث هذا التطور التشريعي المأمول، فإن الأمل معقود في الاجتهاد القضائي وأن يبادر قضاة مصر الأجلاء إلى إعمال وتفعيل الآراء الفقهية التي تخول للمرأة الحق في نسبة من أموال الزوج، متى ثبت أن لها نصيباً في تكوين ثروته أو في تنمية هذه الثروة. ولا شك أن ذلك أدعى إلى تحقيق موجبات ومقتضيات الدستور المصري في المادة العاشرة منه، بنصها على أن «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها». حفظ الله الأسرة المصرية والعربية من كل مكروه وسوء، وأن يسود بين أفرادها الوئام والسلام والحب والسكن والسكينة.



الجمعة 21 مارس 2025
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

عناوين أخرى
< >

الاثنين 17 مارس 2025 - 23:54 جدل القانون


تعليق جديد
Twitter