MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



تدبير الهجرة في ضوء المبادرة الأطلسية

     

أنيسة اكروم



تدبير الهجرة في ضوء المبادرة الأطلسية
تدبير الهجرة في ضوء المبادرة الأطلسية بعد الاستقلال، بادر المغرب لنهج سياسة خارجية منفتحة وديناميكية، تجسدت في دبلوماسية موحدة ومندمجة للدفاع عن تحرير البلدان الإفريقية الشقيقة والمجاورة، وضمان استقلالها من خلال المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة مع البلدان المستعمرة مع احترام مبدأ” عقد المتعاقدين“، وقد شكلت مجموعة الدار البيضاء ومنظمة الوحدة الإفريقية إطارا للعمل على هذا الالتزام المرتكز على مبدأي الحرية والتضامن، وكان هدفها الرئيسي دعم حركات التحرر والدفاع عن مصالح الفرد الإفريقي، وعلى غرار المبادرات التي تعتمدها الدول الكبرى للإحاطة بقضايا الهجرة واللجوء ، تأتي المبادرة الدولية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس لتعزيز نفاذ دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، كامتداد للجهود المتواصلة التي تبذلها المملكة المغربية من أجل تعزيز الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة والإزدهار في القارة الإفريقية ، وذلك في إطار شراكة استراتيجية متعددة الأطراف لجلب الإستثمارات نحوها، حيث ترغب المملكة في إنشاء مركز اقتصادي إقليمي لربط المشاريع الكبرى بمنطقة الساحل، وتعزيز منصة صناعية عالية الكفاءة ، وجاءت فكرة انفتاح المغرب على المحيط الأطلسي من إعلان الملك محمد السادس في أبيدجان، بقوله: "يجب على أفريقيا أن تثق بإفريقيا" خلال المنتدى المغربي الإيفواري 2013، وفي نفس الإتجاه، فقد كلف الإتحاد الإفريقي صاحب الجلالة محمد السادس بمهمة قائد الاتحاد الأفريقي حول مسألة الهجرة"، خلال قمته الثامنة والعشرين المنعقدة يومي 30 و13يناير2017 في أديس أبابا. وتسعى هذه المبادرة الإفريقية الأطلسية للإنخراط في الدينامية التنموية العالمية التي تتبنى الأدوار الجديدة للهجرة وفق رؤية المغرب الإستراتيجية نحو التكامل الإقليمي والتعاون العابر للقارات من خلال مشروعها الإفريقي الأطلسي، ذو الأبعاد الثلاثية (المغرب -دول الساحل -الدول الإفريقية الأطلسية)، والتي سيتم الربط بينها عبر تطوير البنية التحتية، لتعزيز العلاقات الإقليمية والعالمية وجعل الساحل الأطلسي مكانا للتقاسم البشري والإقتصادي على المستوى القاري والدولي. وبهذا المعنى، فإن مسألة البعد الأطلسي أصبحت اليوم أساسية واستراتيجية بالنسبة للسياسة الخارجية للمغرب في مجال الهجرة، لما يتمتع به من ثقل معترف به في التوازنات الجيوستراتيجية الدولية، والتحديات الجيوسياسية والجيواقتصادية الجديدة . ويبدو أن المغرب، بفضل مقارباته الدبلوماسية الملائمة والمتنوعة، بموقعه الاستراتيجي الواقع في منطقة الساحل الإفريقي والمتاخم للمحيط الأطلسي يمتلك الأصول والمقومات اللازمة للمسا همة في تنمية وتعزيز التعاون في منطقة الأطلسي ، ويخطط لرؤية طموحة لإمكانات فعالة للتعاون في هذا المجال، والتي يجب حشدها لتؤهلها للقيام بدور تقليص الفجوة التنموية بين دول الشمال كفرنسا وأمريكا اللاتينية خاصة البرازيل، ودول الجنوب التواقة للتنمية وتدعيم الأفارقة للإندماج في الإقتصاد العالمي عبر تعزيز شراكتها مع اللاعبين المؤثرين في منطقة شمال الأطلسي. إلا أنه على الرغم من الإمكانات التي تتمتع بها منطقة المحيط الأطلسي، فهناك تباينات وفجوة واضحة بين المناطق الثلا ث التي تتكون منها: • منطقة أوروبية شمال أطلنطية متطورة ينبغي أن تتسع آفاقها مع تحقيق الشراكة التجارية والاستثمارية عبر الأطلسي بين الولايا ت المتحدة والإتحاد الأوروبي، ومن شأن هذه الشراكة أن تؤدي إلى إنشاء أكبر سوق في العالم، يمثل 50% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و%40 من التجارة؛ ويحتفظ المغرب بعلاقات اقتصادية وثيقة مع الدول الأوروبية المطلة على المحيط الأطلسي، بما في ذلك، على وجه الخصوص، إسبانيا وفرنسا، و هما شريكتان أساسيتان له، وتكمن الأهمية الإستراتيجية لهذين البلدين في كونهما يشكلان حلقة وصل مهمة بين طموحا ت المغرب الأطلسية وترسيخه في المنطقة الأورومتوسطية. • منطقة أطلسية ناشئة في أمريكا اللاتينية تحت رعاية البرازيل، والتي تهدف من خلال مبادراتها الإقتصادية والأمنية في جنوب المحيط الأطلسي إلى تأكيد مكانتها كقوة صاعدة، وتشهد العلاقات بين المغرب ودول أمريكا اللاتينية تغيرا ملحوظا، كما أن إنشاء منصة إقليمية حول جنوب المحيط الأطلسي يمكن أن يشجع بلدان أمريكا اللاتينية على التبادل ليس فقط مع المغرب، بل أيضا مع جميع البلدان الإفريقية التي يتنتمي إلى نفس منطقة المحيط الأطلسي، وفي نفس السياق، تم تعزيز علاقات التعاون في أعقاب الزيارة الملكية لبعض بلدان شبه القارة الهندية في عام 2004، وفي الواقع، تعزز التعاون الإقتصادي مع هذه المنطقة منذ ذلك الحين، ولكنه ظل يركز إلى حد كبير على البرازيل، وبدرجة أقل مدى، على الأرجنتين. وبالإضافة إلى العلاقات الثنائية، قام المغرب بتطوير علاقات تعاون مع المجموعات الإقليمية، لاسيما من خلال التوقيع في نوفمبر 2004على اتفاقية الإطار التجاري مع "ميركوسور" بهدف إنشاء منطقة للتجارة الحرة وانضمامها في يونيو 2015 إلى منظمة الشرق لدول الكاريبي. كما أن دول أمريكا الشمالية لها علاقات اقتصادية مع المغرب، خاصة الولايات المتحدة، التي أبرمت معها المملكة اتفاقية للتبادل الحر سنة 2006، ومنذ 2012، قاد المغرب حوارا استراتيجيا يشمل قضايا أمنية، كما تجري المفاوضات مع كندا من أجل إبرام اتفاقية للتجارة الحرة، والتي من شأنها أن توفر للمغرب بوابة إضافية ناطقة بالفرنسية للوصول إلى سوق أمريكا الشمالية (نافتا). • منطقة أفريقية أطلسية تعاني من قيود هيكلية على المستوى الاقتصادي والأمني، لاسيما في بعض بلدان غرب أفريقيا ، وخليج غينيا (ضعف التكامل الإقليمي، والتهديد الأمني مع تطورالقرصنة البحرية وتهريب المخدرات، وما إلى ذلك). وتبعا للفجوة التنموية، تتفاوت جاذبية الاستثمار الأجنبي المباشر: إذ أن 74 % من تدفقات الإستثمار الأجنبي المباشر الواردة تستحوذ عليها البلدان الواقعة على الشاطئ الشمالي (الولايات المتحدة والدول الأوروبية المطلة على المحيط الأطلسي)، في حين لاتتلقى البلدان الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي سوى 4% من تدفقات الإستثمار الأجنبي المباشر من هذه المساحة. و لمحاولة سد هذه الفجوة التنموية، تراهن الإستراتيجية الأطلسية على نقط القوة القائمة على الموقع الجغرافي للمغرب، والإرادة السياسية القوية والفرص الإقتصادية المواتية، لتوفير فرص الشغل للراغبين في الهجرة، ولعل التنوع المذهل لإفريقيا وفرصها اللامحدودة، هو مايفسر دورها المركزي الذي أصبح محوريا في ظل العولمة وتقنيات المعلومات والإتصال الجديدة على المستوى الجيواستراتيجي من جهة، وتعقد الروابط بين الجغرافيا والموارد والقوى السياسية على المستوى الدولي من جهة أخرى. وامتدادا للجهود المتواصلة التي يروج لها المغرب للتعاون بين ومع بلدان الجنوب، من خلال تكثيف علاقاته بها، وخاصة مع أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حقق أداء اقتصاديا غير مسبوق خاصة على منطقة الساحل، ويستهدف التعاون معها الاستثمارات والمشاريع الكبرى والنظم البيئية الإيكولوجية الإقليمية بهدف تحقيق الازدهار في المحيط الأطلسي، ثم لتعزيز منصة صناعية عالية الكفاءة (فقرة أولى). وكما هو الحال في أي مبادرة جديدة، فمن الضروري التطرق لعوامل العرقلة المحتملة التي يمكن أن تواجهها حكامة الهجرة بمناطق الساحل، وتشمل خصوصا تحديات عدة، سياسية، أمنية واقتصادية، إضافة لإكراهات هيكلية، مالية، قانونية، جيوسياسية وبيئية، مما يحيل على تعقيد السياق الذي يتم فيه تنفيذ هذا المشروع الطموح. وهكذا، فإن المغرب يظل منخرطا بشكل مباشر مع المجتمع الدولي للمساهمة في الأمن والسلام وفقا لأحكام القانون الإنساني الدولي فيما يتعلق بالنزاعات المسلحة والأعمال العدائية بين الدول، خاصة مع تنامي الحروب الأهلية جنوب الصحراء، والتي تعد من أهم الدوافع إضافة للكوارث الطبيعية وقساوة المناخ، والتي تعد من أهم الدوافع لإذكاء الهجرة غير الشرعية بالمنطقة (فقرة ثانية). ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه: إلى أي مدى يمكن للمغرب أن يكون رائدا لتدبير الهجرة في الفضاء الأفرو-أطلسي؟ وما هي الإجراءات وعوامل نجاح هذا المشروع القوي لجعل المهاجر الإفريقي في محور التنمية المحلية؟ وكيف يمكن تجاوز العقبات المحتملة التي قد تحول دون تحقيق هدا التعاون متعدد الأطراف؟ ولمقاربة هده التساؤلات، نقسم الموضوع إلى فقرتين: الفقرة أولى: التنزيل الفعلي لبنود الإستراتيجية الأطلسية لخدمة التنمية المحلية والإستقرار الفقرة ثانية: معيقات المبادرة الأطلسية وسؤال حق الأفارقة في التنمية الفقرة أولى: التنزيل الفعلي لبنود الإستراتيجية الأطلسية لخدمة التنمية المحلية والإستقرار الساحل الأطلسي الإفريقي هو منطقة جغرافية تقع بين مضيق جبل طارق والرأس الأخضر، تمثل 46% من سكان إفريقيا، و 55% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة السوداء، ولعل رهان المغرب على جلب الإستثمارات الأطلسية لتفعيل حق الأفارقة في التنمية، يأتي بعد الإعتراف بثقل النطاق الأطلسي في التوازنات الجيوستراتيجية الدولية، لأسباب مرتبطة بالحفاظ على المصالح الحيوية للمملكة، وفي مقدمتها مسألة الصحراء المغربية، ثم لاعتبارات اقتصادية واضحة يكون محورها الإنسان الإفريقي، إذ يقيم في هذه المنطقة مايقرب من71 مليون مهاجر من بلدان مختلفة من المحيط الأطلسي. ويلعب المحيط الأطلسي دورا هاما في الاقتصاد المغربي على عدة مستويات: على المستوى الدولي: يستفيد المغرب، بفضل موقعه الإستراتيجي على طول المحيط الأطلسي، من الولوج المباشر إلى طرق التجارة الدولية، ممايساعده على تجارة وتصدير المنتجات المغربية، بين إفريقيا وأوروبا وأمريكا. على المستوى الجهوي: سلط المغرب الضوء على المناطق الجنوبية لدعم المنظومات البيئية، وإطلاق مشاريع كبرى، وجعلها مركزا اقتصاديا جاذبا للأفارقة، خاصة بمدينة الداخلة، وبهذا المعنى، "يجب أن تسمح الجهوية المتقدمة للدولة المغربية بإعادة التركيز بشكل أفضل على مهامها الأساسية انسجاما مع المبادرة الملكية التي تسعى للتعاون مع بلدان الساحل لتعزز التكامل الإقتصادي الإقليمي مع تخومها الجنوبية بعد تسجيلها لمعدلات عالية للغاية إزاء التجارة الداخلية"، وهو ما أشار إليه النموذج التنموي الجديد. وفي سياق التغيير الكبير في العلاقات الدولية والتحالفات الجيوسياسية في الشمال، فإن الريادة المغربية، مدعوة باستمرار إلى إعادة النظر في أولويات سياستها الخارجية، ومقاربة الهجرة بطرق أكثر واقعية، وببراديغمات جديدة ، في سياق بناء تصور لجنوب المحيط الأطلسي كفضاء جيوسياسي مزدهر، ثم خلق إطار مؤسسي إفريقي يمنحه صفة قانونية (أولا)، انطلاقا من الزخم الطاقي والموارد المتنوعة للمنطقة الأطلسية عبر التنقيب عليها من طرف الأفارقة أنفسهم، وجلب الإستثمار إليها لخلق فرص الشغل، من أجل ثنيهم على التفكير في الهجرة غير الشرعية (ثانيا)، وبالتالي عقد شراكات متعددة الأطراف إن على المستوى الإقتصادي، أو على المستوى الدبلوماسي التضامني (ثالثا). أولا: خلق إطار مؤسسي إفريقي لتدبير الهجرة يسعى المغرب إلى مأسسة جهود الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي وتوحيد جهودها، باقتراح إطلاق مبادرة على المستوى الدولي تهدف إلى تمكين دول الساحل للولوج إلى الساحل الأطلسي بصفة قانونية، باعتباره موقعا تفاوضيا للقارة حول قضايا الهجرة ، وباعتبار موقعه بين مضيق جبل طارق والرأس الأخضر، حيث يمثل 46%من سكان أفريقيا، و%55 من الناتج المحلي الإجمالي للقارة، وتشكل المنطقة ثقلا ديموغرافيا واقتصاديا قويا للغاية، غنية بالموارد البشرية والطبيعية والبحرية، إلا أنه على الرغم من ذلك، فهو غير مستغل بالقدر الكافي، ومن هذا المنطلق، جاء التفكير في تشكيل نسق إفريقي، يتخذ صفة قانونية من أجل الحوار مع باقي الأقطاب لتدبير الهجرة، من خلال ”الأجندة الإفريقية للهجرة“ التي قدمها جلالة الملك إلى القمة الثلاثين للإتحاد الإفريقي يوم 29 يناير 2018، كمسار أساسي لتوجيه تنفيذ الإتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية؛ حول الرئاسة المشتركة المغربية الألمانية للمنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية في ديسمبر 2018 بمراكش. وينعقد هذا الحدث الدولي في إطار النقاش الدولي حول اتفاق رئيسي، تحت رعاية الأمم المتحدة، سعيا إلى إيجاد إطار موحد يحكم إدارة الهجرة العالمية من خلال مجموعة من المبادئ والإلتزاما ت والإتفاقيات المشتركة، كاتفاق باريس بشأن تغير المناخ ، والذي دعى الأطراف إلى اتخاذ تدابير لمعالجة تغير النظم البيئية، واحترام وتعزيز ومراعاة التزامات كل منها فيما يتعلق بالمهاجرين؛ كما ترجمت الأهمية التي تحظى بها قضية الهجرة في اهتمامات المجتمع الدولي إلى أهداف التنمية المستدامة في عام 2015 كجزء لايتجزأ من سياسة التنمية والهجرة، ثم إن نداء الرباط الصادر في 31 أكتوبر 2018 يؤكد من جديد التزام المجلس الأوروبي لدول غرب أفريقيا والبرلمانات المغربية ، و دورهم الهام كقوة لتقديم المقترحات والرصد الإستراتيجي في جميع المجالات المتعلقة بالهجرة في إفريقيا. ومن الواضح أنه إذا كان على المغرب أن يضمن حرية التنقل على أراضيه، فإن إدارة تدفقات المهاجرين واللاجئين من جنوب الصحراء الكبرى لا يمكن أن تكون مسؤوليته الوحيدة، وتثير هذه المشكلة مسألة العلاقات بين الدول الغنية والفقيرة، بين الشمال والجنوب، بين القارة الإفريقية والقارة الأوروبية، وعلى هذا المستوى، فإن العلاقات بين المغرب والبلدان الإفريقية تشكل تحديا من حيث أنها تنطوي على كوارث عدة، كالفقر والمجاعة والنزاعات المسلحة وتغير المناخ وانعدام الآفاق المستقبلية في معظم البلدان الإفريقية، "إن جوهر المشكلة يكمن في الفارق التنموي بين قارتين متجاورتين"، و هذا التفاوت الصارخ هو السبب الرئيسي وراء الهجرة غير الشرعية ، خاصة من نيجيريا ومالي والسنغال وأماكن أخرى نحوالمغرب، الذي لديه مشاكله الخاصة ومهاجريه المحتملين، وليس سوى حلقة واحدة في سلسلة لايمكن أن يكون له عليها سوى سيطرة نسبية. وهكذا، اتخذ المغرب العديد من المبادرات والتدابير في إطار سياسته المتعلقة بالهجرة، وينبغي أن يكون ذلك جزءا من إطار عالمي يضمن التماسك والأهمية في مايتعلق بالتحديات التي يواجهها المغرب وأهداف مشاركته في التنمية الإقتصادية والإجتماعية والبيئية في إفريقيا، لاسيما في مجال القدرة التنافسية والتكوين المهني وسوق العمل، وبعد مجموعة من أجندات الهجرة ، كأجندة "2063 للإتحاد الإفريقي"، تحت عنوان "إفريقيا التي نريدها"، المعتمدة في أديس أبابا في 31 يناير 2015، والتي تطمح إلى حرية تنقل الأشخاص في إطار برنامج التكامل القاري؛ ولجمع هذا التشردم في الأجندات المتعلقة بالهجرة، أطلق المغرب المبادرة الأفرو-أطلسية كرؤية استراتيجية تهدف إلى إنشاء الإطار المؤسسي ، وتعزيز التكامل الإقليمي والتعاون الدولي، و كما جاء في الخطاب الملكي "الجمع المؤسسي بين الدول الإفريقية الأطلسية الـ 32 بهدف ترسيخ الأمن والاستقرار والرخاء المشترك في المنطقة"، و لم يركز المشروع الإفريقي الأطلسي المغربي على البلدان الساحلية على المحيط الأطلسي فحسب، بل يهدف أيضا إلى دمج بلدان الساحل ، التي لها تجربة قبل المشروع الأطلسي، في مبادرة مجموعة الساحل الخمس ، التي تم إطلاقها عام 2014، ولهذا السبب دعا المغرب هذه البلدان الخمس لتكون جزءا من المبادرة المغربية في خلق إطار مؤسسي إفريقي بشكل يتيح لها الوصول إلى المحيط الأطلسي، من خلال تطوير بنيتها التحتية بشكل مشترك، لربطها بشبكات الاتصالات المنشأة على المستوى الإقليمي، إذ أن المغرب على استعداد بأن يجعل البنية التحتية للطرق والموانئ والسكك الحديدية متاحة لهم.. ولذلك فهي مدعوة إلى تعزيز أنظمتها البيئية لضمان مستقبل مواطنيها الأفارقة وثنيهم عن الرمي بأنفسهم في زوارق الموت، لا سيما وأن مواردها من الطاقة والتعدين والزراعة والبحرية توفر لها قوة اقتصادية مجتمعية من الدرجة الأولى . وعليه، فإن نقطة الانطلاق الأولى لتحقيق المبادرة المغربية، هي أولا خلق إطار مؤسسي يجمع الدول الساحلية الأفريقية الـ 23، ثم دعوة جميع الأطراف لخلق مناخ من الثقة المتبادلة والتعاون الدائم، و إنشاء آليات تعاون رسمية من خلال تبادل المعلومات والخبرات، وإجراء مشاورات منتظمة في المجالات الاقتصادية والأمنية، مثل التجارة والنقل والأمن البحري وإدارة الموارد الطبيعية وآليات التمويل. وسيساهم هذا الإطار المؤسسي في أفرقة الحلول لهذه المساحة الجيوسياسية، خاصة في جزئها الجنوبي، التي تظل غير مستغلة، ويعتبرها المغرب استنادا على موقعه الإستراتيجي على واجهتها الأطلسية، بمثابة منصة جديدة للحوار والشراكة بين الشمال والجنوب، ومجالا لخلق ديناميات جديدة للتبادل التجاري وتعزيز التبادلات الإقتصادية في الجنوب العالمي وتجسيد الروابط الدبلوماسية، خاصة من خلال علاقاتهه مع أمريكا اللاتينية. ثانيا: انخراط المغرب في تحقيق الأمن الطاقي لبناء اقتصاد إفريقي وتتمتع منطقة المحيط الأطلسي بموارد طبيعة استراتيجية، وخاصة في جنوب المحيط الأطلسي، إذ يمثل خليج غينيا 50%من إنتاج النفط الإفريقي و%8 من احتياطي النفط العالمي، وتمثل منطقة المحيط الأطلسي حصة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بلغت مايقرب من 60% في سنة 2013، مما شجع المغرب على خلق الإستثمار بها، ومنها مشروع كهربة النيجر ومشاريع أخرى لدعم جهود التنمية بها. إن تبرع المغرب في شخص الملك محمد السادس بالمحطة الكهربائية إلى دولة النيجر من أجل ضمان أمنها الطاقي والتي يؤكد من خلالها على التزام المغرب بتعزيز وتطوير البنيات التحتية الطاقية في النيجر من خلال مجموعة من الآليات، سيساهم بشكل كبير في إعادة بناء الإقتصاد النيجيري، وضمان الاستقرار الاجتماعي في هذا البلد باعتبار أن الأمن الطاقي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي والإجتماعي لإعادة بناء إفريقيا التي تريدها الشعوب التواقة لتحسين ظروف عيشها. كما يتجلى هذا الإلتزام بالفعل في عدة فرص اقتصادية ومشاريع رئيسية، مثل خط أنابيب الغاز بين المغرب ونيجيريا وميناء الداخلة. وتعتبر هذه المدينة بمثابة بوابة إلى أفريقيا من خلال الشراكة مع الإمارات العربية المتحدة ، في حين يهدف مشروع الغاز إلى تشجيع التنمية في جميع أنحاء غرب أفريقيا، ويرغب المغرب في تعزيز دوره كمحرك للإستقرار والنمو المشترك والتأثير على القارة من خلال التركيز على إحداث منطقة نشاط على طول ساحل المحيط الأطلسي. ولأجل ذلك يستفيد المغرب من الفرص الاستراتيجية ومصادر الطاقة بفضل المحيط الأطلسي، كمصدر أساسي للإقتصاد الوطني. لا من حيث إنعاش التجارة الخارجية التي تتم أساسا عن طريق البحر، ولا من حيث تصدر المغرب لأحد أكبر منتجي الأسماك في العالم. علاوة على ذلك، يعد قطاع التنقيب عن النفط البحري من الفرص الكبرى أيضا، حتى لو كانت هناك مخاطر تفاعلية محتملة، مما يجعل المحيط الأطلسي يتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة للمملكة، ولهذا السبب تسعى إلى جعل هذه المنطقة ناقلا للتنمية والإستقرار الإقليمي في نطاق أفريقي أطلسي مربح للجانبين. ويشكل فتح منطقة الساحل أيضا جزءا من مشروع المغرب الأطلسي المختلط، الذي يوفر فرصة لفتح شراكات تجارية والإستثمار في قطاعات مهمة مثل الفلاحة والصيد البحري والطاقة، والبنية التحتية والتكنولوجيا، وكلها عوامل تعمل على تحفيز النمو الإقتصادي وتقليص الفجوات التنموية بين دول منطقة الأطلسي، كما تعمل هذه المبادرة على تعزيز التكامل الإقتصادي الإقليمي وخلق فرص العمل لسكان إفريقيا. إلا أن ضعف الإستثمار واهتراء البنية التحتية والتأخر التكنولوجي، جعل التجارة تعرف ركودا بين بلدان الجنوب في المحيط الأطلسي حيت تبلغ حوالي 15 %على الشواطئ بأمريكا اللاتينية، و9% بين بلدان ساحل المحيط الأطلسي. ومن هنا أتت الإلتفاتة لما تحمله المنطقة من ثروات، يعمل المغرب على التنقيب عليها من أجل الأستثمار فيها وبها، خدمة لتطوراته في مجال التنمية الإقتصادية وسياسته الخارجية لصالح بلدان جنو ب الصحراء الكبرى، وكذلك دول المحيط الأطلسي، وفي الواقع، فإن عملية تكاملها في إفريقيا بطريقة عالمية، وفي غرب إفريقيا بطريقة محددة، ينبغي أن تؤدي إلى تطور التجارة في السلع وتقديم الخدمات الاجتماعية وخلق فرص الشغل للأفارقة خصوصا، من خلال الإجراءات الهيكلية التي يقوم بها المغر ب كلاعب استراتيجي في التعاون جنوب جنوب، و بانخراطه في إنجاز البنية التحتية المينائية، المشاريع السياحية، التنمية المتسارعة للأنشطة الاقتصادية والبشرية على ساحل المحيط الأطلسي، إلخ، وسيؤدي ذلك حتما إلى زيادة تدفق الأشخاص واستقرارهم في قارتهم حيث ظروف العمل، ورواج التجارة عبر تبادل السلع والخدما ت والأفكار، ومن تم خلق التكامل بين الفاعلين الاقتصاديين لهذه البلدان وتلك التابعة للمملكة، مما سينعكس إيجابا على الإنتاج المحلي في هذه المنطقة ، وعلى موازينها التجارية ، وينمي الإستثمارات والتحويلات النقدية ويروجها من خلال مغاربة العالم حيث يلعب شتاتهم دورا حيويا في الإقتصاد المحلي والترابط الجيوستراتيجي بين الدول المصدرة والمستقبلة للهجرة. وتعتبر الأسواق الأوروبية والأمريكية بوابة إلى إفريقيا، يتم الإستفادة منها عبر الموقع الجغرافي للمغرب بشكل يرغمه على تطوير البنية التحتية المينائية الحديثة وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة لتسهيل التجارة والإستثمار الأجنبي بالتعاون مع الدول الإفريقية في إطار مشروع الأطلسي. بالإضافة إلى ذلك، فإن قربها من الطرق البحرية الدولية الرئيسية يجعلها مركزا لوجستيا جذابًا، مما يسهل عبور البضائع ويعزز دورها كمركز إقليمي. ومن خلال الاستفادة الذكية من موقعه الجغرافي، يمكن للمغرب أن يلعب دورا رئيسيا في التنمية الاقتصادية والتجارية لمنطقة المحيط الأطلسي في إفريقيا. ثالثا: مقاربة جيوستراتيجية متضامنة لأفرقة الحلول تتعدد خلفيات المقاربة المغربية الشاملة لدعم الشعوب الإفريقية، ويبقى أهمها مواجهة الأخطار الأمنية التي تنتقل مع الهجرة الوافدة، عن طريق المزاوجة بين البعد الأمني والتعاون الإقليمي والدولي، والعمل على تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية والبشرية. وقد اعتمدت السياسة المغربية تجاه دول القارة السمراء على مبدأ التضامن التنموي، وعلى سبيل المثال تبرع الملك محمد السادس إلى دولة النيجر بمحطة لتوليد الكهرباء مكونة من تسعة مولدات وبقدرة إنتاجية تبلغ 22.5 ميجاوات في 18 يوليوز 2024، مما يؤكد التزام المغرب بتطوير البنيات التحتية في النيجر انسجاما مع أهداف المبادرة الأطلسية، كما تؤكد الحضور اللافت للدبلوماسية التضامنية القائمة على نهج التعاون بين الدول في تعاطي الرباط مع قضايا وهموم الشعوب الإفريقية من أجل مواجهة التحديات المشتركة، وإعادة بناء فضاء قاري مستقر بعيدا عن منطق الوصاية أو التدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان الذي سبق أن رفضته المملكة في أكثر مناسبة . وتنطلق من أرضية عمل مشتركة، وفق رؤية إفريقية خالصة قائمة على مواجهة التهديدات والمشاكل، بناء على الحوار الإقليمي الموسع ومتعدد الأطراف الذي يكرس مبدأ “أفرقة” الحلول من أجل التنمية المستدامة والأمن المستدام القائم على مركزية دور الإنسان الإفريقي، سواء على المستوى الأمني أو الإقتصادي أو الطاقي أو المناخي. وقدانتقل المغرب إلى التنزيل الفعلي لبنود الإستراتيجية الأطلسية لدول الساحل من خلال إطلاق مشاريع هيكلية إقليمية فوق – وطنية بأبعاد تنموية، ولعل المبادرة الملكية في النيجر تؤكد انخراط المغرب والتزامه بتطوير البنية التحتية التي تلامس الإنسان الإفريقي بشكل مباشر، كما تؤكد على صدق النوايا المغربية تجاه دول الساحل. ويحضر هذا البعد الإنساني بقوة وبشكل مستدام من خلال العديد من المبادرات الإنسانية كبناء المستشفيات الميدانية، والمشاركة في العمليات الأممية لحفظ السلام، وتشييد المشاريع التنموية وتوزيع المساعدات الإنسانية العاجلة، على غرار إرسال المغرب لطائرات محملة بمعدات طبية وقائية موجهة إلى 13 دولة إفريقية، من بينها دولة النيجر، إبان جائحة كورونا. فالبعد الإنساني والتضامني حاضر بقوة في السياسة الخارجية المغربية تجاه إفريقيا؛ إيمانا منها بوحدة التاريخ والجغرافيا، ووحدة المصير ما بين دول القارة السمراء، والتوجه نحواستغلال قدراتها ومواردها الوطنية لخدمة التنمية المحلية والإستقرار، خاصة في ظل تنامي الفجوات ما بين الإستهلاك والإنتاج في العديد من المجالات، وتكرس هذا التضامن بشكل كبير منذ عودة الرباط إلى الإطار المؤسساتي القاري ممثلا في منظمة الإتحاد الإفريقي، وكذلك حرص مجموعة من البلدان على الحفاظ على علاقات قوية مع المغرب بالرغم من تغير الخرائط السياسية وأنظمة الحكم في هذه الدول. ومن الناحية الجيوستراتيجية، فإن القرار السياسي الذي اتخذه المغرب بتعزيز المشروع الإفريقي الأطلسي يعزز موقعه كمفترق طرق بين إفريقيا وأوروبا والأمريكتين، و يفرض حضوره ونفوذه في منطقة المحيط الأطلسي في قضايا هامة كالهجرة، ويعزز مكانته كلاعب إقليمي رئيسي ويساهم في تشكيل نظام عالمي أكثر توازنا لتدبير التنقلات البشرية بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، ويسمح له بترسيخ خصوصيته، وتجدر الإشارة إلى أن موقعها الجغرافي المتميز على الساحل الأطلسي الأفريقي لا يقتصر على أمننة الحدود فقط، و إنما يتيح لها فرصا فريدة لتعزيز روابطها التجارية والإقتصادية مع بلدان الساحل وبلدان المحيط الأطلسي الأفريقية، والتي دخل معها المغرب في شراكات حكومية ودولية، ومنها التي أقيمت بين بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد، التي تكتلت في إطار مؤسسي للتنسيق والتعاون الإقليمي في مجال السياسات التنموية والأمنية. وفي عام 2017، ومن أجل تكثيف الجهود لمكافحة التهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن، شكلت الدول الخمس الأعضاء قوة مسلحة مشتركة تسمى” القوة المشتركة لمجموعة الخمس في الساحل، وتهدف هذه القوة إلى دعم التعاون الاقتصادي والأمني في منطقة الساحل، والتصدي بشكل مشترك للتحديات الإنسانية والأمنية، بما في ذلك الهجمات التي تشنها الجماعات الإرهابية. ويرتكز مفهوم عمليات القوة المشتركة لمجموعة الخمس في منطقة الساحل على أربع ركائز: مكافحة الإرهاب، وتهريب المخدرات والاتجار بالبشر؛ المساهمة في استعادة سلطة الدولة وعودة اللاجئين والنازحين؛ تيسير عمليات المساعدات الإنسانية ومساعدة الفئات السكانية الضعيفة؛ المساهمة في تنفيذ استراتيجيات التنمية في منطقة الساحل الخمس. 5G. واليوم، انتقلت مجموعة الخمس، من خمس دول إلى دولتين بانسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو، بسبب التمويل، وبدت تغييرات في الأنظمة التي وقعت على هذه الشراكة والتي كانت حليفة لفرنسا، الراعي الرئيسي لهذه المبادرة، وفي ديسمبر 2023، أعلنت موريتانيا وتشاد، آخر أعضاء المجموعة، حل القوة المشتركة ولذلك، قابل هذه المجموعة إعلان مالي وبوركينا فاسو والنيجر إنشاء تحالف دفاعي مشترك بين هذه الدول في سبتمبر 2023، والهدف من هذا التحالف هو التعامل مع التهديدات المشتركة المحتملة المتمثلة في حركات التمرد، والإعتداءات الخارجية على إحدى هذه الدول، إذ أن البعد الأمني يشكل مرتكز الوحدة الإفريقية. وفي ضوء ماسبق، يبدو أن دول الساحل أكثر ميلا لقبول المبادرات فيما بين بلدان الجنوب، وفي ظل هذه النقطة، فإن تضافر الجهود بين المغرب وبلدان الساحل، سيكون مفيدا من أجل إيجاد حلول مستدامة للمنطقة بأكملها، في إطار هذه الرؤية الجديدة جنوب جنوب، مما يعني أن مبادرة المغرب الإفريقي الأطلسي لا ترتكز فقط على مقاربة عسكرية وأمنية، بل ترتكز أيضا على مقاربة التعاون والتنمية الاقتصادية المشتركة . إلا أنه رغم أن المشروع الإفريقي الأطلسي يجسد رؤية طموحة واستراتيجية توظح بشكل ملموس الإرادة السياسية للمغرب من أجل تعزيز العلاقات بين المغرب والدول الساحلية على المحيط الأطلسي والساحل، بهدف تحسين التنمية الإقتصادية والتعاون الإقليمي ليستفيد منها الإنسان الإفريقي حتى لا يفكر في الهجرة العشوائية، إلا أن هناك معيقات عديدة تجعل المغرب مطالب بمواجتها عبر الإستثمار في طاقات إفريقيا سواء منها المادية أو اللامادية. الفقرة ثانية: معيقات المبادرة الأطلسية وسؤال حق الأفارقة في التنمية يشكل البعد الأطلسي عنصرا أساسيا في السياسة الخارجية للمغرب، لإنه يعكس الأهمية الإستراتيجية والجيوسياسية لمنطقة المحيط الأطلسي ويتضمن هذا البعد جوانب مثل: الأمن البحري والتعاون الإقتصادي وإدارة الموارد البحرية والدبلوماسية الإقليمية، ومن ثم، فمن الضروري للمغرب أن يحافظ على حضوره النشط في المنطقة، وتعزيز الشراكات مع البلدان المجاورة لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة، وعلى المستوى العالمي، أصبح ثقل المحيط الأطلسي في التوازنات الجيواستراتيجية العالمية أمراً معترفا بتأثيره على الصراعات الداخلية وبالوكالة بإفريقيا، ويفرض تحديات جديدة تؤثر سلبا على حق الفرد الإفريقي في التنمية. وبالفعل فكما هناك عوامل لنجاح هذه المبادرة، فهناك إكراهات يجب أخذها بعين الإعتبار، إذ أن أي مشروع تنموي إقليمي يتعرض لصعوبات ومعوقات من شأنها أن تعرقل تحقيق أهدافه، منها ما هي سياسية، أمنية، اقتصادية، مالية، هيكلية، قانونية... وفي مايلي بعض العناصر الأساسية لهذه التحديات التي تزيد من الهوة بين بلدان الجنوب المصدرة للهجرة وبين بلدان الشمال المستقبلة لها، نذكر منها مايلي: التحديات الجيوسياسية بين التنافسية والجاذبية: حيث تم تأكيد التحول التدريجي للأولويا ت الإستراتيجية من الولايا ت المتحدة نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مع التوصل مؤخرًا إلى اتفاق من حيث المبدأ لإنشاء شراكة عبر المحيط الهادئ، تجمع بين اثنتي عشرة دولة مطلة على هذا المحيط، ومن أهدافها الرئيسية احتواء صعود الصين، ومن الممكن أن تساهم هذه الإتفاقية في تقليص المركزية الجيواستراتيجية لمنطقة الأطلسي، نظرا لآثارها المحتملة على صعيد تحويل التدفقات التجارية والإستثمارات الأميركية إلى آسيا، ومن ناحية أخرى، تعمل المنافسات الجيوسياسية بين البلدان المطلة على جنوب المحيط الأطلسي على تغذية السباق على الزعامة الإقليمية من أجل تحقيق مصالحها والسيطرة على الشعوب الضعيفة، وهو ما يفضي إلى عدم الاستقرار الجيوسياسي، خاصة من جانب القوى الآسيوية الناشئة، وتنشر هذه الاستراتيجيات العدوانية، التي تركز على الوصول إلى المواد الخام بإفريقيا بقدر ماتركز على الملكية المتزايدة لأسهم السوق، وبالتالي تصير المنطقة مسرحا لمنافسة شديدة تمارس ضغوط على الإنتاج المحلي. التحديات البيئية: عندما يقاس النمو الاقتصادي على الربح المادي فقط ويتجاهل احتياجات الأفراد وصحتهم والنظم البيئية التي يعتمدون عليها، تتسع الفجوات الإجتماعية ويختل التوازن في التنمية الاقتصادية والإستدامة البيئية والإجتماعية، تم أن التصدي لتغير المناخ، التحدي الأكبر الذي تواجهه مجتمعات منطقتنا، يتطلب تحولا جذريا في المفاهيم والسرديات الإقتصادية، هذا التغيير يبدأ مع تعاون مختلف الخبراء والإختصاصيين وصناع القرار لوضع مخطط طريق واقتراح بدائل اقتصادية تشمل التوزيع العادل للموارد وحماية الحياة البشرية أو ما يسمى باقتصاد الرفاه. إن منطقة المحيط الأطلسي معرضة للخطر بيئياً، ووتتفاقم مع تغير المناخ المستمر ومع ذلك، توجد فجوة كبيرة في قدرات التكيف لدى البلدان في هذا المجال، وهي أكبر في بلدان شمال الأطلسي، وتظهرحدة هذه التحديات في الآثار السلبية التي تولدها، من حيث الهجرة، وتغير المناخ وعدم تحقيق الأمن الغدائي، وحذر تقرير أعدته الأمم المتحدة ،من أن هدف التنمية المستدامة المتمثل في القضاء على الجوع بحلول عام 2030، لن يتحقق في حال بقيت الإتجاهات الراهنة على حالها، ويكشف إصدار عام 2023 من التقرير أن عدد الأشخاص الذين عانوا من الجوع في عام 2022 كان يتراوح بين 691 مليون شخص، و783 مليونا بمتوسط 735 مليونا، ويمثل هدا العدد زيادة بمقدار 122مليون شخص مقارنة بعام 2019 قبل تفشي جائحة كوفيد 19، ورغم أن عدد الجياع بقي على حاله في العالم بين عامي 2021 و2022، فإن الكثير من الأقاليم الفرعية في إفريقيا هي الأشد تضررا حيث أن واحدا من بين كل 5 أشخاص يعاني الجوع في تلك القارة، أي أكثر من ضعف المتوسط العالمي . وحسب التقرير فإن نسبة تقارب29،6 في المائة من سكان العالم، بما يعادل 2،4 مليار شخص تفتقر للغذاء بصورة مستمرة، منهم 900 مليون شخص واجهوا انعدام الأمن الغدائي الشديد بإيفريقيا، وقد ظل وضع الأمن الغذائي والتغدية قائما في 2022، ولا يزال ملايين الأطفال دون الخامسة حيت شهد عام 2022 إصابة 148 مليون طفل منهم 22،3 في المئة مصابون بالتقزم 45 مليون بنسبة 6،8 في المئة بالهزال، و37 مليون منهم 5،6 في المئة يعانون الوزن الزائد. وبالإضافة إلى الإكراهات الناتجة عن المناخ والأمن الغدائي، تطرح إشكالية كيفية تدبير للمياه بشكل مستدام وصامد أمام اَثار تغير المناخ، والبحث عن حلول بديلة للإجهاد المائي، كتحلية مياه البحر، وتدوير المياه وتخصيصها بشكل عقلاني لضمان الأمن المائي، وتعميم استخدام محطات معالجة المياه العادمة والمحافظة على الثروات الطبيعية . هذه الإكراهات الثابثة والمتغيرة التي يعاني منها الإنسان الإفريقي لسنوات عدة، تدفعنا للتساؤل هل فعلا كانت منطلقا للمبادرة الأطلسية، لأن خلفياتها تثير الشكوك حول أهدافها وعلاقتها بالميثاق الأوروبي للهجرة واللجوءالأوروبي، والتساؤل عن موقع الإنسان الإفريقي من هذا الإنفتاح الأطلسي، ولمَاذا لَم يتم إدماجه في الاقتصاد العالمي بشكل يجعله مسؤولا عن موارد بلده ومستقرا فيها في أحسن الظروف؟ وما هي الفرص المتاحة للتوصل إلى حل وسط فيما يتعلق بالسياسات والتعاون في مجال الهجرة بين المغرب ودول المحيط الأطلسي؟ وما هي الاعتبارات الأساسية في بلورة السياسات والقرارات المتعلقة بالتعاون مع الدول الثالثة، بما فيها المغرب خاصة وإفريقيا عامة، في موضوع الهجرة؟ وبشكل خاص، هل للمغرب مصلحة في التعاون مع أوروبا وأمريكا، على أساس الميثاق الجديد بصيغته الحالية؟ ما هي الفرص، أو على العكس من ذلك القيود والصعوبات، وحتى المخاطر التي تنشأ، ومايمكن أن تكون عليه آثار هذا الإنفتاح المغربي المستقبلي على المحيط الأطلسي في مجال الهجرة، وكذلك على سياسات الهجرة المغربية المتعلقة بقطاع الهجرة الأجنبية إلى المغر ب وقطاع المغاربة المقيمين بالخارج ، و هو ما لاينبغي نسيانه. قبل ذلك، يجوز تحليل العوامل التي تحول دون أن يربح الإنسان الإفريقي هذا الرهان الإستراتيجي، منها العوامل السياسية والأمنية (أولا) ثم ضعف الهيكل الاقتصادي (ثانيا)، ثم أن عدم أفرقة الحلول وتبني السياسات الخارجية في الهجرة التي تدفع الإنسان الإفريقي أن يظل دائما في الهامش ويفكر في الهجرة (ثالثا). أولا: العوامل السياسية والأمنية ويواجه الفضاء الإفريقي الأطلسي، الذي يضم 23 دولة، من بينها المغرب، تحديات أمنية لاينبغي إغفالها، فإن تهديد الإرهاب والجريمة المنظمة حاضر بقوة في بعض المناطق الحساسة، خاصة في جنوب المحيط الأطلسي، ممايؤثر على استقرار الدول ويزيد من ضعفها، كما أن تطور الأنشطة المرتبطة بالقرصنة والأسلحة والإتجار بالمخدرات، لاسيما في غرب أفريقيا، يعرض أمن الطرق البحرية للخطر، ويولد تكاليف اقتصادية متزايدة لايمكن تحملها، لاسيما في سياق يتسم بضعف قدرة بعض البلدان في منطقة المحيط الأطلسي على مواجهة التهديدات العابرة للحدود الوطنية، وديناميكيات الهجرة غير الشرعية، والصراعات والإنقلابات التي يمكن أن تؤدي إلى تغييرات النظام في أعقاب الحروب الأهلية كما في السودان، أوبعد الإنقلاب إلى إلغاء المشاركة في المشاريع التي كان النظام السابق قد انضم إليها في مخططاته السابقة أو تعليقها، كما يمكن أن تقود الدول الشريكة إلى مشاريع مشتركة لإعادة تقييم العلاقات الدبلوماسية والتجارية في ضوء المخاوف بشأن شرعية النظام الجديد في ظل الاضطرابات السياسية. ومع ذلك، فيما يتعلق بالمغرب، فإن النظام الجديد المحتمل لايشكل في الواقع خطرًا جيوسياسيا كبيرًا، وبالفعل، فقد أثبتت المملكة مرارا وتكرارا حيادها فيما يتعلق بالصراعات الداخلية في الدول المجاورة، بما في ذلك الإنقلابات، وهو ما يميزها عن القوى التدخلية. ويواجه الأمن في الفضاء الإفريقي الأطلسي تحديات معقدة ومتعددة الأوجه، تتطلب مقاربة متكاملة وتعاونا إقليميا وثيقا في إطار مبادرة المملكة، إن وجود تهديدات مثل الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية يشكل مصدر قلق خاص في بعض النقاط الساخنة في جنوب المحيط الأطلسي وخاصة في منطقة الساحل. إن هذه التهديدات تقوض استقرار الدول وتزيد من ضعفها، وسيكون المغرب، من خلال مبادرته، متورطا بالكامل في التهديدات الأمنية التي تأتي مع الهجرة الوافدة سواء في منطقة الساحل أو في الفضاء الأفريقي الأطلسي الجنوبي،. ومع ذلك، فإن الحياد لم يعد مناسبا، والتزام المغرب يدعو إلى التدخل في مناطق النزاع، من أجل ضمان الأمن والإستقرار في الفضاء الأفرو-أطلسي، لكنه يعاني من ضعف بنيته العسكرية البحرية. ومن ناحية أخرى، يستهدف مشروع المغرب أيضا منطقة الساحل من خلال السماح لها بالوصول إلى المحيط الأطلسي، ومن الواضح أن منطقة الساحل هي ساحة صراعات وتواجه تحديا ت كبيرة، بسبب ارتفاع المخاطر الإر هابية في المنطقة . كما يلي: القضايا الأمنية المنتشرة بالساحل الأطلسي الدول الإفريقيةالأطلسية ارتفاع معدلات الجريمة نسبياً ويقدر مؤشر الجريمة بـ 75.38(الخامس على مستوى العالم). نومبيو، 2024 ، وخاصة السرقة والاعتداء والجرائم العنيفة. يختلف الوضع الأمني حسب المنطقة، حيث تتأثر بعض المناطق أكثر من غير ها. جنوب إفريقيا وحققت أنجولا تقدما أمنيا منذ نهاية الحر ب الأ هلية في عام 2002، لكن المشاكل لاتزال قائمة فيمايتعلق بالجريمة في المناطق الحضرية والسطو المسلح، وخاصة في لواندا. وتُعزى المخاطر الأمنية المستمرة في بعض المناطق إلى التهديدات التي يشكلها المتمردون الانفصاليون في جيب كابيندا، فضلاً عن الصراع المستمر على ترسيم الحدود البحرية مع جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد نفذ انفصاليو كابيندا في الماضي هجمات إرهابية، تركزت بشكل رئيسي في المقاطعة الشمالية، على الرغم من أن نطاقها ظل محدودا بهذه المنطقة. أنغولا بنين هي نقطة انطلاق وعبور ومقصد للإتجار بالبشر، يعد تهريب الأسلحة أمرًاشائعا هناك أيضا، حيث تعمل الدولة كوجهة وموقع عبور لهذه التجارة غير القانونية. وبالإضافة إلى ذلك، تعد بنين مركزا لتهريب الهيروين إلى الأسواق الأوروبية عبر أفريقيا. إن قربها من نيجيريا له تأثير كبير على الأنشطة غير المشروعة، وخاصة الإتجاربالمخدرات . بنين وقد شهدت الكاميرون مشاكل أمنية، خاصة في المناطق الناطقة باللغة الإنجليزية في البلاد، حيث كانت هناك اضطرابات وصراعات أهلية. الكامرون تواجه نيجيريا تحديات أمنية مختلفةبما في ذلك الإرها ب والاختطاف والجريمة المنظمة والصراعا ت العرقية. وتتأثر المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من البلاد بشكل خاص بانعدام الأمن . نيجيريا ومن ناحية أخرى، فمنطقة الساحل هي ساحة صراعات بسبب ارتفاع المخاطر الإرهابية في المنطقة والتي تذكي الهجرة غير الشرعية خصوصا نحو جزر الكناري الأطلسية. لهذا يعد التعاون الإقليمي وتأمين الشبكة اللوجستية ضروريين للتغلب على هذه التحديات. ثانيا: ضعف البنية الإقتصادية إن المبادرة الأفروأطلسية تكمل الجهود التي بذلها المغرب بالفعل، لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة الأفروأطلسية ، وفي هذا الصدد، فإن نقل قيادة المنطقة البحرية الجنوبية من أكادير إلى الداخلة في سنة 2022، يبرز مصداقية المغرب تببنيه دور القيادة الإقليمية كقوة بحرية تستهدف الوصول إلى المحيط الأطلسي لهيكلة إنعاش اقتصاده، ومواجهة التحديات الجيوسياسية إلا أن ذلك يحتاج تخطيطا استراتيجا لتطوير وتمويل أنظمة الأمن البحري للتعامل مع التهديدات المحتملة، مثل القرصنة البحرية، خاصة في خليج غينيا، فإن تمويل هذا المشروع قد يشكل عائقا كبيرا أمام تحقيقه. وفي هذا الصدد، يتطلب تأمين الطرق البحرية تكاليف هائلة من حيث الموارد البشرية والمعدات وتقنيات المراقبة، ويضاف إلى ذلك المشاكل اللوجستية والإدارية المرتبطة بربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي، وتشمل ضعف البنية التحتية للنقل أو غيابها، وسوء إدارة الخدمات الجمركية. ويطرح الخبراء تساؤلات عديدة حول غياب أسطول مغربي للنقل البحري . فكيف يعقل أن المغرب يتوفر على موانئ استراتيجية وعلى سواحل تمتد إلى إلى 3500 كلم، ولا يتوفر على سفن لنقل المسافرين أو البضائع؟ وتشير الأرقام أن فاتورة الشحن البحري تمثل خسارة في احتياطيات النقد الأجنبي بقيمة 46 مليار درهم، وهو ما يعادل 13 في المائة من الأصول الاحتياطية الرسمية (356.5 مليار درهم حتى 31 يناير 2024). وينضاف إلى ذلك، التعرض للتغيرات المفاجئة في أسعار الشحن ونقص القدرة التنافسية للصادرات والواردات. كما يؤثر ذلك أيضا على مستوى أمن تموين وبيع المنتجات الإستراتيجية . وأجمع الخبراء على الحاجة إلى أسطول وطني لمواكبة نمو قطاع النقل البحري في السنوات المقبلة في المغرب، هذه الديناميكية التي أحدثها ميناء طنجة المتوسطي، وتطور الصادرات من الأعمال التجارية العالمية في المغرب مثل السيارات والفوسفاط والمشتقات. وقد أصبح النقل البحري ليس اختياريا ولكن ضروريا لتنمية المغرب، إذ قام بمجهودات استثمارية في الموانئ جعلته ضمن مقدمة الدول التي تدير الموانى نذكر منها ميناء طنجة المتوسط، ميناء الناظور، ميناء الداخلة الأطلسي قيد الإنجاز، لكن للأسف على مستوى النقل البحري، فإن المغرب ارتكب خطأ سياسيا بتفويت الشركة المغربية للملاحة البحرية " كوماناف" إلى أكبر الشركات الملاحية في العالم، دون تحقيق مكاسب للمغرب الذي أصبح يفتقد للوجستيك الصادرات والواردات، وهنا نستحضر كلمة قالها الملك الراحل الحسن الثاني "من لم يسيطر على الملاحة لا يسيطر على شيء". وفي هذا السياق دعا الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء 2023، إلى “تسهيل الربط، بين مختلف مكونات الساحل الأطلسي، وتوفير وسائل النقل ومحطات اللوجستيك؛ بما في ذلك التفكير في تكوين أسطول بحري تجاري وطني، قوي وتنافسي." ذلك أن الملاحة البحرية تعد دعامة أساسية لتعزيز سيادة المغرب في التجارة الخارجية، تصور أن بعض السلع المغربية تظل مركونة بميناء طنجة لأن الشركات العظمى في اللوجستيك تقول للمغرب أن عدد الحاويات قليلة، لكن المتضرر هو المصدر المغربي الذي لا يتحكم في لوجستيك الصادرات. وبالتالي لو توفرنا على أسطول بحري وطني فذلك سيرفع من حجم وقيمة الصادرات المغربية نحو الدول الأطلسية، لا سيما وأن المغرب يزخر بكل الطاقات الضرورية من خبراء في النقل البحري، فضلا عن مؤسسة للتكوين في قطاع النقل البحري وهو المعهد العالي للدراسات البحرية، لهذا تطرح الحاجة إلى خلق أسطول وطني كما كان خلال السبعينات، حين هيأت الدولة قانون خاص بالنقل البحري وموارد مالية وتحفيزات ضريبية وضمانات للأبناك". وبالتالي فإن إعادة تأسيس أسطول وطني مغربي يتطلب الإجتهاد في التفكير وإرادة سياسية وموارد مالية، دون نسيان إعداد التشريعات البحرية والضريبية المناسبة، التي تواكب المناخ الدولي للملاحة التجارية مما يؤهلها لتوقيع وتجديد اتفاقيات الصيد البحري مع الجها ت المعنية وبالتالي يمكن للمغرب أن يمثل إفريقيا في مجلس الأمن ويكون قائدا للقارة داخل المؤسسات الدولية لضمان حقوق الإنسان الإفريقي. ويعرف السوق الدولي للنقل البحري "تركيزا وسيطرة" لعدد قليل من الشركات البحرية، إذ تسيطر 25 شركة بحرية دولية متخصصة في نقل الحاويات على 92 في المئة من السعة العالمية المتاحة لنقل الحاويات، بينما حققت 10 شركات منها 83 في المئة من الحصة السوقية الخاصة بهذا النوع من النقل، مما يفرض بالفعل التفكير الجاد، في تكوين أسطول قادر على ركوب التحديات لتحقيق طموحات المملكة، تواكب البنيات التحتية الكبرى الموزعة، والتي قيد البناء والتطوير على السواحل المغربية والتي تحتضن من جهة أخرى توقيع وتجديد اتفاقيات الصيد البحري مع الجهات المعنية، ويمكن للمغرب أن يمثل إفريقيا في مجلس الأمن ويكون قائدا للقارة داخل المؤسسات الدولية لضمان القضايا الأمنية. ومن تجليات ضعف التطور الاقتصادي إضافة إلى ما سبق، نجد التعقيدات الإدارية التقليدية التي لم تواكب بعد رقمنة البنية الإلكترونية للشركات العالمية الباحثة عن طلبات العروض في إفريقيا، إذ ليس هناك انسجام لدى الفاعلين الترابيين مع المتطلبات الجديدة لتجريد المساطر والوثائق التجارية من الصفة المادية، وهناك عدد مهم من الشركات المغربية تفتقر إلى الثقة والإلمام بالإجراءات الإلكترونية حاليا، علما أن برنامج الخزينة استهدف مساعدة المقاولات على تبني التقدم التكنولوجي وتسهيل عمليات تقديم طلبات العروض بطريقة إلكترونية لتجويدها .. ورغم أنه كان مقررا تجريد المقتضيات المتعلقة برهن الصفقات العمومية من الصفة المادية ابتداء من فاتح شتنبر 2024، تماشيا مع توصيات البنك الدولي. وحتى لو أمكن عصرنة القوانين لجذب المستثمرين الأجانب من خلال هذه المبادرة، فإن عدم الإستقرار السياسي في بعض بلدان الساحل من شأنه أن يؤدي إلى تباطؤ مناخ الأعمال، ويمكن أن يضر بإمكانية الوصول الإقتصادي للمشاريع البحرية. ولذلك فمن المهم حشد الشراكات الدولية للمشاركة في نجاح هذه المبادرة الإقليمية. كما أن غياب بنك مركزي إفريقي، يجعل ثمار الإستثمارات تتجه نحو النظم المالية الأوروبية والأمريكية المرتبطة بالدولار، ويقال أن بعض الزعماء العرب وحكام إفريقيا كمعمرالقدافي كانوا على وشك إنشاء بنك مركزي إفريقي ودعم أمواله بالثروات تحت الأرض في إفريقيا، وأنه كان سيكون له تأثير على توازنات الإقتصاد العالمي، لأن الدولار الأمريكي والباوند البريطاني والدولار الكندي، وحتى الإتحاد الأوروبي، عملتهم غير مدعومة بأي ثروات طبيعية، لأن أوروبا ليس لديها الكثير من الثروات الطبيعية، لكن إفريقيا العكس، لهذا لو أنهم نجحوا في بناء بنك مركزي إفريقي ثم بدأ التعامل بعملة مشتركة، ثم دعم تلك العملة بالثروة المادية تحت الثربة لكان ذلك سيحدث إفلاس في أي نظام اقتصادي في العالم من أمريكا إلى أوروبا إلى الصين، بل سيخلص إفريقيا من العبودية الحديثة ومحو الرأسمالية من القارة الإفريقية، ويقال أن السبب الرئيسي لقتل معمر القذافي هو دعوته، بجامعة الدول العربية، أن ترتبط العملة العربية بالذهب وليس بالدولار. ورغم توفر إفريقيا على كل ثروات العالم فهي ما زالت تتخبط في الحروب والتدخل العسكري من الدول العظمى من أجل عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي واستمرارها في حالة فوضى لأن ثرواتها تؤثر سلبا على اقتصاد الدول العظمى التي لا تملك ثروات، وبالتالي يبقى الإنسان الإفريقي بعيدا عن فرص تطوير كفاءاته. ثالثا: ضعف فرص إدماج الفرد الإفريقي في التنمية الإقتصادية شكل التخطيط الإستراتيجي الدبلوماسي للمبادرة المغربية الأفروأطلسية نقطة الإنطلاق لمواجهة المعيقات الإقتصادية والمالية للفضاء الإفريقي الأطلسي ومنطقة الساحل الغني بالموارد الطبيعية، والهادف إلى خلق مستقبل مزدهر ومتناغم للإنسان الإفريقي، من خلال جعله محورا لخلق فرص الشغل، وتعزيز الإستقرار والأمن في المنطقة برمتها، إلا أنه لاتزال هناك احتياجات كبيرة فيما يتعلق بحقه في الإندماج بالإقتصاد العالمي، الذي لا يخلو من تفاقم الفجوة بين دول الشمال و دول الجنوب على مستوى حقوق الإنسان؛ وإن كانت على مستويات مختلفة من بلد إلى آخر كإمكانية الوصول إلى الخدمات الإجتماعية الأساسية، ومكافحة الفروق الإجتماعية وعدم المساواة، وضمان الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية لمواطني منطقة المحيط الأطلسي والمساواة في المعاملة من حيث ظروف العمل دون أي شروط تمييزية،، وخلق فرص عمل للشباب، حق الملكية، حق الوصول إلى المعلومات، الحق من الإستفادة من الحقوق الناشئة عن العمل السابق في مسائل الأجور والضمان الاجتماعي وما إلى ذلك)، وقد حاول المغرب جاهدا اعتماد اَلية الشراكات مع دول الغرب للتقليص من هذه الفجوة إلا أنها شراكات على مقاس الغرب . وسننطلق من كتاب بلغندوزعبد الكريم "شراكة أوروبا والمواهب، ما هي التأثيرات والتحديات التي يواجهها المغرب وإفريقيا؟ والذي يطرح نظرية التشكيك في معقولية سياسة المغرب اتجاه إفريقيا في مجال الهجرة، واتهام الشراكات المعقودة مع البلدان المطلة على جنوب المحيط الأطلسي بتلبية حاجات الدول الكبرى المستقبلة على حساب تمكين المهاجر الإفريقي من حقه في التنمية المستدامة، وأثار تساؤلات مثل: إلى أي مدى يشكل الإنفتاح على المحيط الأطلسي الجديد بشأن الهجرة واللجوء الإطار التعاقدي الأكثر ملاءمة والأنسب لتمكين المهاجرين من حقوقهم في التنمية والإستفادة من الثروة الإفريقية، أم يشكل تشويها لفكرة الشراكة؟ ما هو التعاون الأنسب في مجال الهجرة من منظور أفريقي؟ ما هو الدور الذي ستلعبه الهجرة القائمة على المهارا ت القانونية أو "شراكة المواهب" في برامج "تنقل" العمالة في المستقبل (وخاصة بين الجنو ب والشمال) من منظور ميثاق التجارة الأوروبية والهجرة واللجوء؟ فسياسة الهجرة المفروضة على المغرب على إثر ضغوطات يطبقها عليه الإتحاد الأوروبي لايمكن فهمها إلا من خلال الخلفيات الحقيقية والبراغماتية لدمج" الشراكة " القائمة في مجال الهجرة مع البلدان المجاورة المتضررة، ثم أن تطبيق الميثاق الأوروبي الجديد بشأن الهجرة واللجوء، في إطار الشراكة مع الجوار الجنوبي، والبرنامج الجديد للبحرالأبيض المتوسط، سيكون مصحوبا بجهود مشتركة، وخطة عمل مصممة خصيًصا لكل دولة ومنها المغرب من أجل ثني الأفارقة عن التنقل نحو أوروبا، ومحاولة اختلاق فرص من لاشيئ، ومن ثم فإن إنشاء سياسة المغرب الأطلسية ما زالت خلفياتها تنبني على البعد الأمني، ولن يكون له بالضرورة تأثير إيجابي على الشراكة الأوروبية المغربية، فيما يخص خلق الفرص التنموية للمهاجرين الأفارقة في أقاليمهم الجنوبية، بل سيؤدي هذا الاتفاق الجديد إلى تكثيف الهجرة غير الشرعية إلى المغرب، خاصة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مع خطر فرض أهداف أخرى تتعلق بأمن الحدود. ويعود انخراط المغرب في هده المبادرة، لإرتباطه بعلاقا ت الهجرة الأوروبية المغربية الوثيقة، فمن ناحية الوجود القوي في أوروبا للجالية المغربية المقيمة في الخارج خاصة في (فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وإيطاليا و هولندا وألمانيا وإنجلترا والدول الإسكندنافية)، ويقدر إجمالي عددهم بحوالي ستة ملايين نسمة في العالم، بما في ذلك اليهود المغاربة، فضلا عن وجود مستعمرة أوروبية في المغرب، ومن ناحية أخرى، وضع المغرب كدولة مجاورة (بلد الهجرة والعبور والهجرة العكسية)، معنية مباشرة بسياسات الهجرة للإتحاد الأوروبي وآلياتها لتنظيم الهجرة الأورومتوسطية. وحول دور المغرب كحلقة وصل بين أفريقيا وأوروبا، فلنتذكر صورة استعارة الشجرة التي أطلقها المغفور له الملك الحسن الثاني في كتابه "التحدي"، إذ شبه المغرب بالشجرة، والذي لا يجوز له أن ينحبس على نفسه، نظرا لعمقه الجيوستراتيجي الأفريقي، ومجاورته لأوروبا، فهو يربط بشكل ضمني روابط متعددة الأبعاد ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الإختلاط البشري والهجرة بين القارتين، والتي يتحكم فيها الميثاق الأوروبي الجديد كعنصر حاسم في التنظيم عبر الإقليمي لمسارات الهجرة الأوروبية الأفريقية، مع الأخذ في الإعتبار إصراره على ضرورة عودة المهاجرين نحو أفريقيا التي تبقى مدعوة إلى التعاون في هذا المجال مع الإتحاد الأوروبي ، وإلا سيتم تصنيفها ضمن البلدان المتمردة، مع حرمانها من الدعم والمساعدات والمنح. وفي ظل رغبة الإتحاد الأوروبي كبح تدفق الهجرة نحوها، يعتبر المغرب طرفا فاعلا وشريكا رئيسيا في جوار المحيط الأطلسي، ولايمكن أن يشارك فيه إلا مع تجديد سياسته الإفريقية. والسؤال كله هو معرفة طبيعة هذا التورط ومداه، والمعنى الذي يعطيه وبالتالي، فإن الإشكال المطروح هو معرفة ما هي آثار مشروع هذا الإنفتاح الجديد على المحيط الأطلسي، وعلى موقف المغر ب في مجال الهجرة وعلاقاته مع الإتحاد الأوروبي؟ الإجابة تكمن في الخدمات التي يسديها الأمن المغربي لفرملة التسربات غير النظامية، ولا أدل على ذلك بالدور الكبير الذي لعبه في مختلف العمليات التي استفادت منها أوروبا، في مجال حوكمة الهجرة التي لم يكن فيها سلبيا، بل مسؤولا في الفعل وتنفيذه في جزء من السيطرة على حدوده الخارجية. وبعبارة أخرى، فهو ينطوي على نقل ضوابط الهجرة داخل منطقة مغادرة وعبور المهاجرين، فضلا عن تحميل جزء من المسؤوليات إلى هذه البلدان، مثل عملية برشلونة، "5+5"، عملية الرباط. كل هذه التجارب التي كان فيها للمغرب دورا إيجابيا عن حماية الحدود الأوروبية، جعلته مفظلا عندها لتمثيل الشراكات التي تنفتح على البلدان الأطلسية، خاصة فيما يتعلق بالأجندة الإفريقية للهجرة، التي أصبحت فيه قضية التدفقات البشرية غير النظامية قضية رئيسية، خاصة مع بلدان المنشأ وأو العبور، وكأن حدود دولها أصبحت حدودا أوروبية لتحميها من الهجرة، وبالتالي فإن الإتحاد الأوروبي يحمي حدوده من المهاجرين الأفارقة المحتملين لمنعهم من المغادرة إلى الشاطئ الشمالي للبحر الأبيض المتوسط وقاية من المخاطر، وبينما يقترب الإتحاد الأوروبي من ذلك، فإن هدفه يتلخص في تسليح نفسه، من خلال جعل المغرب على وجه الخصوص حصناً وقائيا من "أخطار" الهجرة غير الشرعية القادمة إلى من بلدان جنو ب الصحراء الكبرى في أفريقيا. وما يزيد من التشكيك في صنع هده الشراكات على مقاس مصالح أوروبا وأمريكا، هو أن المغرب بنفسه مواطنوه يطلبون اللجوء في أوروبا، ولايهتم بهذه المسألة في المغرب نفسه، ولا بطالبي اللجوء الأجانب الذين عبروا المغرب ، وقد جاء اهتمامه بها بشكل ملموس، وقبوله بجعل قضية الهجرة على رأس اهتماماته في المبادرة الأطلسية، بعد قناعات وأحداث مباشرة، وقعت على حدوده عامي 2021 و2022، الأولى تتعلق بما تم تقديمه بشكل غير لائق على أن "أزمة الهجرة في سبتة يومي 17و18ماي 2021، كانت أزمة سياسية وأزمة ثقة بين المغرب وإسبانيا، بسبب مواقف هذا البلد الذي كان آنذاك معاديا بشكل أساسي للسلامة الإقليمية". الحقيقة المهمة الثانية، تتعلق بالمأساة التي وقعت في مليلية في 24 يونيو 2022، حيث توفي 23 مهاجرًا وطالب لجوء من أفريقيا جنوب الصحراء أثناء محاولتهم الوصول إلى "الدوادو الأوروبي". أما الحقيقة الثالثة المهمة، فتتعلق بنشر التقرير حول النموذج التنموي الجديد في نهاية ماي 2021، والنقاش العام لتوضيح تفعيله في إطار ميثاق التنمية الوطنية، ولاسيما وضعية ومكانة هذا النموذج الذي تناول قضية الهجرة في المغرب (يجب ألا ننسى المغاربة المقيمين بالخارج والمهاجرين في المغرب) في نموذج التنمية الجديد وطبيعة علاقات الهجرة بين المغر ب والاتحاد الأوروبي من جهة، والمغر ب والاتحاد الإفريقي من جهة أخرى، وقد كُرست هذه الحقائق، بالخطاب الملكي الصادر في 20 أغسطس 2022، والذي دفع إلى إعادة هيكلة عميقة للمجال المؤسسي الذي تطلب فتح هذا المشروع الإصلاحي الضخم الاَخذ في الإعتبار الأبعاد الإقليمية والدولية لسياسة الهجرة المغربية، في ضوء السياق الأورومتوسطي والأطلسي. وبالمقابل، وفي محاولة منه لوضع الإنسان الإفريقي داخل عجلة التنمية الاقتصادية، فالميثاق الأوروبي الجديد للهجرة واللجوء يتداخل مع عناصر داخلية، تظهر الحساسية الشديدة للبعد الجيوسياسي والأمني لقضية الهجرة في العلاقة الأوروبية المغربية، من خلال شراكات محددة أو "مصممة حسب الطلب"، على المواهب والإمكانات العالية، والعمالة المؤهلة تأهيلا عاليا من البلدان المجاورة والبلدان الثالثة عموما، بما في ذلك المغرب، الذي يواجه نزيفا في العقول والمهارات والمواهب، لضمان التطابق بين العمالة المؤهلة واحتياجات المهارات العالية في الإتحاد الأوروبي، حيث قام بعقد شراكات لتشغيل الكفاءات الإفريقية بأوروبا، لمحاولة دمجهم في الإقتصاد والتنمية، وذلك عبر وكالاتCCME، وهي على وجه الخصوص تلك الخاصة بمجلس الجالية المغربية بالخارج كالوكالة الوطنية للتشغيل والكفاءاتCCME، والهدف منها الاستحواذ والإستنزاف، والطموح والجذب بشكل مكثف، فتعمل مكاتب ANAPEC بربوع المملكة على جمع النخب من الكفاءات وذوو الخبرات المهنية لإمضاء عقود عمل تعود بالنفع على أوروبا، ورغم ذلك فمن الصعب إدماج الفرد الإفريقي في دورة الإقتصاد من الدرجة الأولى بل فهو يقتصر في الغالب على فرص الشغل الهامشية. ويزيد من هذا الإبعاد وضعف الإندماج الإقتصادي، المناظرات حول كره الأجانب والهجرة غير النظامية التي تبثها أوروبا على وسائل الإعلام، وأثرها على المهاجرين وطالبي اللجوء وفي أوروبا، كتعزيز الأحزاب السياسية المناهضة للمهاجرين واللجوء، التي ترتبط بآفاق تطور الآراء العامة والانتخابات في أوروبا فيما يتعلق بمسألة الهجرة واللجوء، مع التهاون في تجذير العقول حول علاقات تبادل الخبرات ومساعدة العمال الأفارقة للوصول إلى مناصب القرار، فلا يتعدى سجل تدبير شؤون الجالية المغربية المقيمة بأوروبا على الإسلام، وما إلى ذلك. ولعل تدبير الهجرة يحتاج تنمية داخلية شاملة حقيقية عوض تعدد المبادرات التي يبرمجها صناع القرار بعيدا عن حاجيات الإنسان الإفريقي، فعوض أن يكون سيد ثرواته يستثمر فيها ويدير بها عجلة الاقتصاد الداخلي، يظل بعيدا عن السير التكنولوجي لهذه الثروات، ينتظر التصريف الغربي لها ليظل مستهلكا لا منتجا، تسيطر عليه الأفكار البدائية للهجرة لتحسين وضعه، لهذا فالمبادرات لا تتجاوز التغيير الشكلي لاتجاهها، فبعد أن عاشت العلاقات الأورومتوسطية ضغطا في مجال الهجرة، ومشاكل حول مراكز الإنزال، وحماية للحدود الأوروبية، تم الترويج للمبادرة الأطلسية التي لو جعلت الإنسان الإفريقي محورا لها، لتم التفعيل الواقعي للهجرة الاَمنة والنظامية والمنتظمة.



الثلاثاء 21 يناير 2025
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter