تمهيـــد
إن المتأمل في المنظومة الجنائية المغربية سيلاحظ تعاملا مرنا خصه المشرع للأطفال من هم دون سن الرشد القانونية – 18 سنة شمسية كاملة – بشأن الجرائم والمخالفات التي يرتكبونها، بحيث اعتبرهم ناقصي المسؤولية لعدم اكتمال رشدهم وأيضا لغياب تشكيل وعي تام بخطورة الأفعال المباحة من تلك الممنوعة بنص القانون، وهكذا نرصد أن المادة 458 من قانون المسطرة الجنائية تنص على ما يلي: (يتحدد سن الرشد الجنائي ببلوغ ثمان عشرة سنة ميلادية كاملة. يعتبر الحدث إلى غاية بلوغه سن اثنتي عشرة سنة غير مسؤول جنائيا لانعدام تمييزه.
يعتبر الحدث الذي يتجاوز سن اثنتي عشرة سنة وإلى غاية بلوغه ثمان عشرة سنة مسؤولا مسؤولية ناقصة بسبب عدم اكتمال تمييزه).
على ذلك يتراءى للمطلع على النص الجنائي وهو يؤطر لنظام قضاء الأحداث أن هذا التقنين أتى على قسمين رئيسيين في قانون المسطرة الجنائية، القسم الأول خصه بالمسطرة المتبعة في تتبع قضايا الأحداث وسير المسطرة أمام القضاء وزجر الجرائم التي يرتكبونها، والقسم الثاني لحماية الأحداث الضحايا والمتواجدون في وضعية الشارع أو في وضعية صعبة كما أشار إلى ذلك قانون المسطرة الجنائية.
فهذه المقتضيات وغيرها الرامية إلى حماية الأحداث في وضعية صعبة نجدها قد أوصت بها العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية مثل: قواعد الأمم المتحدة بشأن حماية الأحداث المجردين من حريتهم لسنة 1990، وإعلان الأمم المتحدة لحقوق الطفل سنة 1959، واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل 1989 – 1990، القواعد النموذجية الدنيا لإدارة شؤون قضاء الأحداث سنة 1985 (قواعد بكين) وغيرها[1].. فهذه المقتضيات جميعها أخذ بها مشرع قانون المسطرة الجنائية في إطار ملائمة التشريع الوطني مع التشريعات الدولية الحديثة.
واستنادا لذلك فقد ارتقى الاهتمام بالطفل من مطلب مجتمعي إلى مقتضى دستوري يجد سنده في الفصل 32 من دستور المملكة الذي يؤكد التزام الدولة بتوفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية.
- المحور الأول: الإطار القانونــــــــي للأطفال في وضعيــــة صعبــة
أولا: مفهوم الطفل في وضعية صعبة:
استثناءا من المبدأ العام القاضي بتفادي المشرع لوظيفة التعريف القانوني ومناولتها للقضاء والفقه، فقد أورد قانون المسطرة الجنائية تعريفا وظيفيا للحدث الموجود في وضعية صعبة وفق ما يظهر من قراءة المادة 513 منه التي نصت على ما يلي:
يعتبر الحدث البالغ من العمر أقل من ست عشرة ( 16 ) سنة في وضعية صعبة، إذا كانت سلامته البدنية أو الذهنية أو النفسية أو الأخلاقية أو تربيته[2] معرضة للخطر من جراء اختلاطه بأشخاص منحرفين أو معرضين للانحراف أو معروفين بسوء سيرتهم أو من ذوي السوابق في الإجرام، أو إذا تمرد على سلطة أبويه أو حاضنه أوالوصي عليه أو المقدم عليه أو كافله أو الشخص أو المؤسسة المكلفة برعايته، أو لكونه اعتاد الهروب من المؤسسة التي يتابع دراسته أو تكوينه، أو هجر مقر إقامته ، أو لعدم توفره على مكان صالح يستقر فيه.
يبدو من خلال هذا التعريف أن الحدث الذي يستحق الظفر بالحماية المقررة في هذا الباب يشترط فيه أولا ألا يتجاوز سنه 16 سنة، فلا يكفي فيه عدم بلوغه لسن الرشد الجنائي حتى ولو توفرت فيه جميع الشروط المشار إليها في هذا الفصل كمخالطته للمنحرفين ومن هم من ذوي السيرة والسلوك السيئين، أو تحققت فيه أحد حالات التمرد على ولي الأمر.. فهذا الشرط يبقى إلزامي ويتعين على النيابة العامة التحقق منه أثناء تواصلها مع الضابطة القضائية لرصد حالة من مثل هذه الحالات، فشرط السن يبقى هو الشرط الرئيسي لفتح هذا البحث لأن المشرع ابتدأ به نص المادة 513 من قانون المسطرة الجنائية.
علاوة على شرط السن يتعين في الحدث المذكور أن تكون سلامته العامة معرضة للأخطار الناجمة من مخالطة المنحرفين أو المعرضين لخطر الإنحراف أو من هم من ذوي السوابق في الإجرام، وللوقوف على هذه الحالات في الشارع يتعين على ضابط الشرطة القضائية والأجهزة الأمنية الموازية العمل على رفع تقارير دورية إلى النيابة العامة المختصة عند رصد حدث يرافق هؤلاء الأشرار وإن تطلب الأمر ربط الاتصال بشكل مباشر بممثل النيابة العامة لتلقي التعليمات الكفيلة بحماية هذا الحدث.
ثانيا: محددات تواجد الطفل في وضعية صعبة
انطلاقا من نص المادة 513 من قانون المسطرة الجنائية فإن صور الحدث أو الطفل الموجود في وضعية صعبة يمكن اختزالها في حالتين اثنتين، حالة الرفقة السيئة وحالة التمرد على الولي.
- حالات الرفقة السيئة:
- حالات التمرد على الولي:
أيضا يمكن الارتكاز على صورة ثانية من صور التمرد وهي اعتياد الطفل الهروب من المؤسسة التي يتابع بها دراسته، وهذه الحالة تعالجها حاليا النيابة العامة في إطار محاربة الهدر المدرسي بعدما وقعت رئاسة النيابة العامة بروتوكولا مع وزارة التربية والتعليم قصد محاصرة هذه الظاهرة والقضاء عليها.
إن التعامل مع طفل الشارع أو الطفل الموجود في وضعية صعبة يستلزم أولا من رجل القضاء – ممثل النيابة العامة وقاضي الأحداث – وقبل اتخاذ أي تدبير العمل على التحقق من توفر الشروط التي سنتها المادة 513 من قانون المسطرة الجنائية، مع استخلاص عنصر الخطورة، ومن جهة ثانية التحري حول ما إذا كان الطفل الحدث يقع ضحية جناية أو جنحة لأن الأمر هنا يستدعي إعمال المسطرة المنصوص عليها في المواد 510 و511 من نفس القانون.
- المحور الثاني: رصد النيابة العامة لحالات للأطفال في وضعية صعبة
وإعمالا لهذه المقتضيات تعمل النيابات العامة على حث ضباط الشرطة القضائية على رفع حالات اليقظة والانتباه من خلال الإنزالات الأمنية الاعتيادية لوضع اليد على أطفال الشارع والبحث معهم من خلال ضباط الشرطة القضائية المكلفين بالأحداث – بحكم تكوينهم وتأهيلهم للتواصل مع الأحداث جانحين أو ضحايا – وعكس هذه الحالات على النيابة العامة، كما تؤدي مصالح الاستعلامات العامة ومصالح الاستعلامات الجنائية أدورا مهمة في هذا الباب من خلال رفع تقارير إخبارية مرفوقة بتشخيص حالة الطفل والرفقة التي يصاحبها وسلوك هذه الرفقة.
إذن فإن وضع النيابة العامة يدها على طفل في وضعية شارع يقتضي توجيه الشرطة القضائية واطلاعها بالشروط القانونية التي تضمنتها المادة 513 من قانون المسطرة الجنائية، ومنها التثبت من شرط السن وإن تعذر تشخيص السن، اللجوء إلى الوسائل المتاحة بإشراك مصالح التشخيص القضائي أو اللجوء إلى الطب الشرعي بحكم اختصاصه الوظيفي في تحديد السن[3].
- المحور الثالث: مواكبة النيابـــة العامــة للأطفـال في وضعيــة صعبــــة
واستنادا لهذه الدورية يطلب من النيابة العامة حتى تواكب الأطفال في وضعية الشارع مراعاة خصوصية كل حدث على حدة، وذلك بأخذ رأيه عند الاقتضاء من أجل تقييم احتياجاته واختيار الحلول المناسبة له. لأن كل حالة لا تشبه الأخرى في الأسباب التي قادت على خروج الطفل إلى الشارع لهذا فإن إجراء الاستماع إلى الطفل من قبل ضابط الشرطة القضائية وممثل النيابة العامة حين تقديمه أمامه يبقى إجراءا منتجا وفعالا.
ومن الإجراءات الموصى بها لتفعيل هذه المواكبة هي الاستعانة بالمساعدين الاجتماعيين وبضباط الشرطة القضائية المكلفين بالأحداث بغرض إجراء أبحاث اجتماعية تساعد في اختيار التدبير الأنسب من تدابير الحراسة المؤقتة، وأشارت الدورية أن هذا الإجراء من شأنه لم الشمل الأسري من جديد.
كما تجدر الإشارة أن رئيس النيابة العامة في هذه الدورية سعى إلى تحقيق تكامل بين النصوص القانونية، خاصة بين القانون المتعلق بالحالة المدنية وقانون المسطرة الجنائية، وذلك لما وجه المسؤولين القضائيين عن النيابات العامة إلى تثبيت هوية هؤلاء الأطفال بتسجيلهم في سجلات الحالة المدنية عندما يظهر أنهم غير مسجلين في هذه السجلات.
ولكون عمل النيابة العامة لا يقف عند إحالة الحدث على قاضي الاحداث وتقديم ملتمس بشأن وضعيته في الشارع، فقد أوصت الدورية بضرورة تتبع أوضاع الأطفال الذين يتم إيداعهم لدى أسر، أو بمؤسسات الرعاية الاجتماعية مع التنسيق في ذلك مع قضاة الأحداث[4].
ومراعاة لمبدأ شمولية النص الجنائي بشقيه الموضوعي والإجرائي فقد دعت الدورية النيابات العامة إلى تفعيل هذه المقتضيات حتى تشمل جميع الأطفال سواء كانوا مواطنين أو أجانب متواجدين في التراب المغربي، وهذا تجسيد حقيق لمفهوم وشعار النيابة العامة المواطنة.
إن الطفل الموجود في وضعية صعبة يحتاج إلى حماية فورية وتدخل عاجل لإنقاذه وانتشاله من الخطر الذي يحذق به، سواء من رفقاء السوء والمجرمين أو من ضياعه وتوليفه حياة الشارع التي تدفع به نحو عالم الانحراف والتشرد، لذلك فإن النيابة العامة انطلاقا من الأدوار التي خولها المشرع تعمل جاهدة على توفير أقصى مراتب الحماية لهؤلاء الأطفال وفق ما سبق عرضه.
- تــم بعون الله وحمده
[1] - يؤكد دستور المملكة لسنة 2011 أن المملكة المغربية عضو عامل نشيط في المنظمات الدولية (تصدير الدستور).
[2] -نصت المادة 54 من مدونة الأسرة على حقوق الأطفال على أبويهم، لاسيما حماية حياتهم وصحتهم منذ الحمل إلى حين بلوغ سن الرشد والحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية..
[3] - وهي من المهام الرئيسية للطبيب الشرعي من خلال المادة الرابعة من القانون رقم 77.17 المتعلق بتنظيم ممارسة الطب الشرعي.
[4] - عمليا قد تسجل النيابة العامة أن المركز الذي يستقر به الطفل قد لا يخدم طموحاته مثمل الحالة التي لا يتوفر فيها تكوين يطلبه الطفل، إذ يمكن للنيابة العامة أن تقدم طلب إلى قاضي الأحداث من أجل تغيير المركز او المؤسسة.