المقدمة:
تُعدّ مشكلة جنوح الأطفال من أبرز التحديات التي تواجهها المجتمعات الحديثة نظراً لما تحمله من تعقيدات متعددة الجوانب وآثار سلبية تمسّ الأمن القانوني والقضائي والأمن الاجتماعي والأسري، كما تمثل تهديداً مباشراً للحقوق والحريات التي ينبغي أن تكون مكفولة للأطفال في هذه المرحلة العمرية الحساسة، وقد دفعت هذه الأهمية المجتمعات الدولية والمحلية إلى بذل جهود مكثفة للتصدي لهذه الظاهرة ومعالجتها بشكل فعال.
وبالنظر إلى حساسية ظاهرة جنوح الأطفال وصعوبة التعامل مع الفئة العمرية المعنية، حرص المشرّع اليمني على وضع إطار قانوني ينظم المسؤولية الجنائية للأطفال، معتمداً نصوصاً تشريعية تُشكّل خارطة طريق لتوجيه أجهزة العدالة في التعامل مع هذه الفئة، فإلى جانب النصوص العامة المنصوص عليها في القوانين الأساسية، مثل قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم (12) لسنة 1994م وتعديلاته بموجب القانون رقم (16) لسنة 1995م، وقانون الإجراءات الجزائية اليمني رقم (13) لسنة 1994م، فقد خصّ المشرّع اليمني الأطفال بتشريعات خاصة تُعنى بحمايتهم ورعايتهم.
ومن أبرز هذه التشريعات: قانون رعاية الأحداث رقم (24) لسنة 1992م وتعديلاته بموجب القانون رقم (26) لسنة 1997م، وقانون حقوق الطفل رقم (45) لسنة 2002م. كما استُحدثت محكمة خاصة بالأحداث بموجب القرار الجمهوري بقانون رقم (28) لسنة 2003م، بهدف تعزيز الحماية القانونية للأطفال وضمان توفير آلية قضائية متخصصة لمعالجة قضاياهم بما ينسجم مع طبيعة احتياجاتهم الخاصة.
وسنسلط الضوء في مقالنا هذا على عدد من الإشكالات العملية التي تواجهها النيابات والمحاكم في الجمهورية اليمنية والمتعلقة بأطوار المسؤولية الجنائية للطفل سواء فيما يتعلق بتحديد مراحل أطوار هذه المسؤولية أو فيما يتعلق بإشكالية تنفيذ أحكام الإعدام على الأطفال أو بخصوص التعامل مع الطفل الجانح في بعض أنواع الجرائم وعلى وجه الخصوص جريمة الزنا وما في حكمها.
ومن هنا تبرز إشكالية هذا المقال والمتمثلة في التساؤل التالي: ما هي أهم الإشكاليات التي يواجهها النظام القضائي في تطبيق النصوص المتعلقة بأطوار المسؤولية الجنائية للأطفال؟ وهل ساهم المشرع اليمني بتنظيمه لأطوار المسؤولية الجنائية للأطفال في تحقيق الحماية المثلى لهم؟
وقد اتبعت في هذه الورقة المنهج الوصفي من خلال استعراض النصوص القانونية الخاصة بأطوار المسؤولية الجنائية للطفل في اليمن وتحليليها ومقارنتها في مواجهة بعضها البعض.
وسأتناول موضوع هذا المقال من خلال تقسيمه إلى بندين الأول سيتحدث عن إشكاليات أطوار المسؤولية الجنائية للطفل في القوانين اليمنية، وأما الثاني فسأتناول فيه نماذج للإشكالات العملية المتعلقة بالمسؤولية الجنائية للطفل في اليمن.
أولاً: إشكاليات أطوار المسؤولية الجنائية للطفل في القوانين اليمنية
لقد حرص المشرع اليمني على تنظيم وتحديد أطوار المسؤولية الجنائية للطفل حيث فصلها في المادة (31) من قانون الجرائم والعقوبات بقوله: "لا يسأل جزائياً من لم يكن قد بلغ السابعة من عمره وقت ارتكاب الفعل المكون للجريمة وإذا ارتكب الحدث الذي أتم السابعة ولم يبلغ الخامسة عشرة الفعل أمر القاضي بدلاً من العقوبة المقررة بتوقيع أحد التدابير المنصوص عليها في قانون الأحداث, فإذا كان مرتكب الجريمة قد أتم الخامسة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة حكم عليه بما لا يتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانوناً وإذا كانت هذه العقوبة هي الإعدام حكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن عشرة سنوات، وفي جميع الأحوال ينفذ الحبس في أماكن خاصة يراعى فيها معاملة مناسبة للمحكوم عليهم ولا يعتبر الشخص حديث السن مسئولاً مسئولية جزائية تامة إذا لم يبلغ الثامنة عشر عند ارتكابه الفعل وإذا كانت سن المتهم غير محققة قدرها القاضي بالاستعانة بخبير"، ومن خلال المادة السابقة نلاحظ أن أطوار المسؤولية الجنائية للطفل تمر بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: وهي تمتد منذ ولادة الطفل إلى أن يبلغ السنة السابعة من عمره كاملة وهنا لا يسأل الطفل جنائياً بصورة نهائية.
المرحلة الثانية: وهي تمتد منذ أن يتم الطفل السابعة من عمره أي قد بدأ في سن الثامنة ولكنه لم يبلغ الخامسة عشرة، أي بمقتضى نص المادة يكون الطفل قد أتم الرابعة عشر من عمره ولم يدخل في سن الخامسة عشرة، وهنا يعد الطفل مسؤولاً جنائياً مسؤولية ناقصة وعلى القاضي في هذه الحالة أن يأمر بدلاً من العقوبة المقررة في قانون الجرائم والعقوبات بتوقيع أحد التدابير المنصوص عليها في قانون الأحداث.
المرحلة الثالثة: وهي تمتد منذ أن يتم الطفل الخامسة عشر من عمره أي وفقاً لهذا النص قد بدأ في سن السادسة عشرة ولكنه لم يبلغ الثامنة عشرة، فيحكم عليه في هذه المرحلة بما لا يتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانوناً إلا أنه إذا كانت هذه العقوبة هي الإعدام حكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن عشرة سنوات.
ومما تجدر ملاحظته أن المادة السابقة أغفلت عاماً كاملاً من المسؤولية الجنائية للطفل وهو الحدث الذي أتم الرابعة عشرة من عمره ولكنه لم يبلغ السادسة عشرة، أي الطفل في سن الخامسة عشرة، فالمرحلة الثانية حُددت بين من أتم السابعة ولم يبلغ الخامسة عشرة فيما المرحلة الثالثة حُددت لمن أتم الخامسة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة.
وهنا نكون أمام نص معيب في قانون الجرائم والعقوبات يجب أن يتم تداركه ليكون أكثر دقة ووضوحاً وخصوصاً أن كثيراً من النيابات والمحاكم تستند على هذا النص في تحديد اختصاصها بنظر القضية المقامة في مواجهة الطفل في سن الخامسة عشرة لكون النص السابق قد حدد أن من يطبق عليهم التدابير هم الأحداث الذين أتموا السابعة ولم يبلغوا الخامسة عشرة، وبذلك فإن الأطفال الذين بلغوا الخامسة عشرة وما فوقها وفقاً لهذا النص لا يخضعون لاختصاص النيابات والمحاكم الخاصة بالأحداث.
إلا أنه إذا ما رجعنا لقانون رعاية الأحداث رقم: (24) لسنة 1992م وتعديلاته نجد أنه قد عرف الحدث في المادة (2) بقوله: "الحدث: كل شخص لم يتجاوز سنه (خمسة عشر سنة) كاملة وقت ارتكابه فعلاً مجرماً قانوناً أو عند وجوده في إحدى حالات التعرض للانحراف"، وبما أن من المعلوم أن القوانين تعتبر وحدة واحدة يكمل بعضها بعضاً، كما أن من القواعد العامة الراسخة لدينا في تطبيق النصوص القانونية أن القانون الخاص يقيد العام ويقدم عليه في التطبيق عند تعارضهما، وبما أن قانون رعاية الأحداث يعتبر قانوناً خاصاً بهذه الفئة العمرية بينما يعد قانون الجرائم والعقوبات قانوناً عاماً لكافة الفئات العمرية فإن قانون الأحداث يقدم في التطبيق على قانون الجرائم والعقوبات فيما يتعلق بهذه الفئة العمرية فيعتبر بذلك من بلغ الخامسة عشرة من عمره حدثاً يخضع لاختصاص محكمة الأحداث وتطبق في حقه التدابير الواردة بقانون الأحداث.
كما يلاحظ أن هناك إشكالية قانونية أخرى وهي أن المادة (31) من قانون الجرائم والعقوبات حددت السن الأعلى للطفل بأنه من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره أي أتم السنة السابعة عشرة من عمره كاملةً، فيما عرفته المادة (2) من قانون حقوق الطفل بأنه: "كل إنسان لم يتجاوز ثمانية عشرة سنة من عمره ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك" وهو ذات النص الوارد في المادة (1) من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989م والمصادقة عليها الجمهورية اليمنية، وهو ما سارت عليه معظم التشريعات العربية المقارنة، وهذا يعني أن الحد الأعلى لعمر الطفل وفقاً لذلك هو من بلغ عمره ثمانية عشرة سنة كاملة ولكنه لم يتجاوزها، وكان ينبغي من المشرع اليمني الموازنة بين هذين النصين عند قيامه بسن قانون حقوق الطفل.
واقترح أن يُعتمد في تحديد النطاق العمري الأعلى للمسؤولية الجنائية للطفل النص الوارد في المادة (2) من قانون حقوق الطفل باعتباره التشريع الخاص بتنظيم الجوانب المتعلقة بحماية حقوق الطفل، ويأتي هذا الاختيار استناداً إلى القاعدة القانونية المستقرة التي تقضي بتقديم القانون الخاص على القانون العام عند التعارض، حيث يُعتبر قانون حقوق الطفل أكثر تخصصاً مقارنةً بقانون الجرائم والعقوبات الذي يُعد قانوناً عاماً، فضلاً عن ذلك، فإن قانون حقوق الطفل يُعد لاحقاً من حيث الصدور مقارنةً بقانون الجرائم والعقوبات، ومن المقرر فقهياً أن النص اللاحق ينسخ النص السابق في حال وقوع التعارض بينهما؛ مما يعزز أولوية النص الوارد في قانون حقوق الطفل في هذا السياق.
هذه فقط بعض الأمثلة عن التضارب في النصوص القانونية فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية للأطفال، ولا يزال قانون الجرائم والعقوبات وقانون الأحداث وقانون حماية الطفل يحملوا المزيد من التناقضات التي تستوجب تدخل تشريعي مستعجل لمعالجة كافة الاختلالات القانونية بما يعزز الحماية الفضلى للأطفال -سواء أكانوا جانحين أم ضحايا- وبما يتوافق مع القواعد الدولية المستقر عليها في هذا المجال.
ثانياً: الإشكالات العملية المتعلقة بالمسؤولية الجنائية للطفل في اليمن
من أبرز الإشكاليات العملية في الواقع القضائي للجمهورية اليمنية هو تعرض عدد كبير من الأطفال لخطر مواجهة عقوبة الإعدام، وذلك نتيجة القصور الفني والتحديات التي تواجه أجهزة العدالة في تحديد السن الحقيقي للأطفال الجانحين بدقة، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى عدم قيام العديد من الأسر بتسجيل أعمار أطفالهم بشكل صحيح لأسباب متعددة لا يتسع المقام لاستعراضها جميعاً، وهذا القصور يُؤثر وينعكس سلباً على تحقيق الحماية الجنائية المثلى للأطفال، حيث قد تكون الأعمار المسجلة في الوثائق الرسمية غير متطابقة مع أعمارهم الفعلية.
علاوة على ذلك، فإن الوسائل الفنية المتاحة في اليمن لتحديد العمر الحقيقي للأطفال لا تزال محدودة وغير متطورة بما يكفي، وهو الأمر الذي أدى إلى انعكاسات خطيرة على الممارسة القضائية، ففي بعض الحالات يعتمد القاضي على وثائق رسمية قد تحتوي على أعمار غير دقيقة، أو يقوم بتقدير عمر الطفل الذي يفتقر إلى أوراق ثبوتية بشكل غير دقيق، ونتيجة لذلك قد يُعتبر الطفل بالغاً ومُكلفاً قانونياً مما يعرّضه لخطر تنفيذ عقوبة الإعدام رغم كونه لم يبلغ السن القانوني للرشد، وهو ما يمثل انتهاكاً صريحاً للمعايير الدولية المتعلقة بحماية حقوق الطفل.
وقد كشفت تقارير حقوقية صادرة عن بعض منظمات المجتمع المدني المهتمة بالطفولة عن وجود ما يقارب 202 طفل يمني يواجهون شبح الإعدام بينهم 26 طفلاً صدرت بحقهم أحكاماً نهائية فيما 176 آخرين معرضين لتلك العقوبة، نقلاً عن: (عبد اللطيف العسالي، عقوبة إعدام الأطفال في التشريع اليمني: دراسة مقارنة، مجلة الحقوق، مجلي النشر العلمي، جامعة الكويت، العدد: 04، 2019، ص357)، وهذا الأمر يستوجب تدخل من قبل المشرع ومن قبل السلطات المختصة بالتشديد على مسألة استخراج وثائق الأحوال المدنية وعلى رأسها شهادة الميلاد لمواجهة أي اختلالات مستقبلية، وأيضاً يجب إيقاف تنفيذ أي عقوبة إعدام صدرت بحق أي طفل مشكوك في سنه حتى يتم التثبت من سنه الحقيقي وقت ارتكابه للجريمة، وعلى الدولة في سبيل ذلك توفير الأجهزة الفنية اللازمة لقيام الطبيب الشرعي بتحديد عمر الطفل الجانح في حالة الشك بصورة دقيقة.
كما أن من المشاكل العملية التي تثار في الساحة القضائية اليمنية ما يتعلق بجريمة الزنا وما في حكمها، حيث إن تعامل النيابات والمحاكم يتضارب فيما يخص الطفل الذي يرتكب مثل هذا النوع من الجرائم، فالطفل كما هو معلوم ناقص الأهلية قليل الإدراك لعواقب الأمور ومدى خطورتها فيسهل بذلك استغلال نقص مداركه العقلية بسبب سنه لارتكاب هذا النوع من الجرائم باستعمال وسائل التغرير والخداع لإيقاع الطفل في المحظور، وقد سارت معظم التشريعات المقارنة لغاية حماية الطفل من الاستغلال الجنسي على عدم الاعتداد بالرضا الصادر عنه في أي فعل قد يقع ضحية له ويبقى في جميع الأحوال ضحية لا متهماً، حيث اعتبرت هذه التشريعات صغر السن قرينة قانونية على انعدام الرضا وهي قرينة غير قابلة لإثبات العكس.
وإذا ما عدنا لنص المادة (266) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني لوجدنا أنها قد بينت الحالات التي يسقط بها حد الزنا وذكرت من بينها الإكراه ويمكننا مجازاً لغاية حل الإشكال اعتبار التغرير بالطفل واستغلال ضعف مداركه العقلية ضمن نطاق الإكراه المعنوي الذي يسقط به حد الزنا، ورغم ذلك أرى أن يتم العمل بهذا الأمر في الجمهورية اليمنية بصورة صريحة وذلك بتكريس النصوص اللازمة والمناسبة لحماية الطفل من الاستغلال الجنسي، حيث إن إرادة الطفل في هذه المرحلة العمرية يشوبها النقص ويسهل التأثير عليها بصورة سهلة وسريعة وعلى وجه الخصوص الأطفال الذين لم يتجاوزوا سن الخامسة عشرة من عمرهم -الأحداث- وذلك يستوجب إحاطتهم بحماية أكبر.
ومما تجد الإشارة له أن الطفل وخصوصاً من أتم الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة؛ يتم معاملته في بعض محاكم الجمهورية اليمنية فيما يتعلق بجريمة الزنا وما في حكمها وكأنه إنسان بالغ، حيث يتم إيقاع العقوبة المقررة لهذه الجريمة كما هي -وهذه العقوبة هي الجلد 100 جلدة بحسب نص المادة (263) من قانون الجرائم والعقوبات- بحجة أن النص الشرعي أولى بالتطبيق من النص القانوني، وهذا من وجهة نظري يعد خطأً فادحاً، حيث إنه لا اجتهاد في مورد النص، وأن النص الوارد في المادة (3) من دستور الجمهورية اليمنية لسنة 1991م وتعديلاته موجه في الأساس للمشرع لا لغيره.
وقد بينت المادة (31) من قانون الجرائم والعقوبات أطوار المسؤولية الجنائية للطفل ولا يجب تجاوزها بأي حجة كانت وأن الطفل الذي لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره لا يعاقب بالعقوبة الكاملة وإنما يحكم عليه في هذه المرحلة بما لا يتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانوناً، ونظراً لكون عقوبة الزنا في هذه الحالة يتم تنفيذها على الطفل فور صدور الحكم الابتدائي بموافقة المتهمين واعترافهم فإنه غالباً لا يتم استئناف الأحكام الصادرة عنها لانعدام الجدوى من ذلك بعد تنفيذ العقوبة؛ ولذلك لا نرى تدخلاً للمحكمة العليا فيما يتعلق بهذا الأمر كون الأحكام لا تصل إليها لتبسط رقابتها على مدى موافقتها للقانون من عدمه.
الخاتمة:
رأينا في طيات هذه المقالة أن هناك العديد من الإشكالات والتضارب سواء فيما يتعلق بالنصوص المنظمة لأطوار المسؤولية الجنائية للطفل أو فيما يتعلق بأبرز الإشكالات الرائجة في الواقع العملي فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية للأطفال وخصوصاً أمام القضاء.
وفي الختام نرى أن المسؤولية الجنائية للطفل في ظل القوانين اليمنية بحاجة لمزيد من الدراسة لمواكبة المتغيرات كون معظم القوانين المؤطرة لذلك مضى على صدورها أكثر من عشرين عاماً؛ لذا وجب مراجعتها وتطويرها والتخلص من التضارب الوارد في النصوص القانونية المختلفة المتعلقة بالمسؤولية الجنائية للأطفال؛ وذلك لتحقيق الغاية منها وهي تقديم الحماية المثلى للأطفال ومكافحة جنوحهم في ظل انشار وسائل ارتكاب الجرائم وتطورها في هذا الزمن.
كما أرى بأن على القضاة عند تعاملهم مع القضايا الخاصة بالأطفال الجانحين مراعاة مبادئ وأعراف القانون الدولي العام وكذا الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية حقوق الطفل والتي تقضي بأنه يجب مراعاة المصلحة الفضلى للطفل وتطبيق النصوص الأفضل بالنسبة له، وإذا ما عدنا لدستور الجمهورية اليمنية لسنة 1991م وتعديلاته نجد أن المادة (6) نصت على أن: "تؤكد الدولة على العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة"، ولكون الجمهورية اليمنية صادقت على العديد من المعاهدات الدوليةالمتعلقة بحماية الطفل وحقوقه وعلى رأسها اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989م فإن عليها أن تحترم كافة بنود تلك المعاهدات، كما أن على أجهزة العدالة وعلى رأسها القضاء تقديم أحكام تلك المعاهدات في التطبيق على القوانين الداخلية إذا ما توافقت مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء والنظام العام والآداب العامة في الجمهورية اليمنية.
كما يجب على السلطات المختصة بالتشديد على مسألة استخراج وثائق الأحوال المدنية وعلى رأسها شهادة الميلاد لمواجهة أي اختلالات مستقبلية، وأيضاً توفير الأجهزة الفنية اللازمة لقيام الطبيب الشرعي بتحديد عمر الطفل الجانح في حالة الشك بصورة دقيقة.
وأقترح أيضاً أن على المشرع اليمني واجب التدخل لفرض حماية أكثر للأطفال من جرائم الاستغلال الجنسي، وذلك بتعديل نص المادة (266) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني بأن تعتبر التغرير بالطفل واستغلال ضعف مداركه العقلية ضمن نطاق الإكراه الذي يسقط به حد الزنا، حيث إن إرادة الطفل في هذه المرحلة العمرية يشوبها النقص ويسهل التأثير عليها بصورة سهلة وسريعة وعلى وجه الخصوص الأطفال الذين لم يتجاوزوا سن الخامسة عشرة من عمرهم -الأحداث- وذلك يستوجب إحاطتهم بحماية أكبر.
تُعدّ مشكلة جنوح الأطفال من أبرز التحديات التي تواجهها المجتمعات الحديثة نظراً لما تحمله من تعقيدات متعددة الجوانب وآثار سلبية تمسّ الأمن القانوني والقضائي والأمن الاجتماعي والأسري، كما تمثل تهديداً مباشراً للحقوق والحريات التي ينبغي أن تكون مكفولة للأطفال في هذه المرحلة العمرية الحساسة، وقد دفعت هذه الأهمية المجتمعات الدولية والمحلية إلى بذل جهود مكثفة للتصدي لهذه الظاهرة ومعالجتها بشكل فعال.
وبالنظر إلى حساسية ظاهرة جنوح الأطفال وصعوبة التعامل مع الفئة العمرية المعنية، حرص المشرّع اليمني على وضع إطار قانوني ينظم المسؤولية الجنائية للأطفال، معتمداً نصوصاً تشريعية تُشكّل خارطة طريق لتوجيه أجهزة العدالة في التعامل مع هذه الفئة، فإلى جانب النصوص العامة المنصوص عليها في القوانين الأساسية، مثل قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم (12) لسنة 1994م وتعديلاته بموجب القانون رقم (16) لسنة 1995م، وقانون الإجراءات الجزائية اليمني رقم (13) لسنة 1994م، فقد خصّ المشرّع اليمني الأطفال بتشريعات خاصة تُعنى بحمايتهم ورعايتهم.
ومن أبرز هذه التشريعات: قانون رعاية الأحداث رقم (24) لسنة 1992م وتعديلاته بموجب القانون رقم (26) لسنة 1997م، وقانون حقوق الطفل رقم (45) لسنة 2002م. كما استُحدثت محكمة خاصة بالأحداث بموجب القرار الجمهوري بقانون رقم (28) لسنة 2003م، بهدف تعزيز الحماية القانونية للأطفال وضمان توفير آلية قضائية متخصصة لمعالجة قضاياهم بما ينسجم مع طبيعة احتياجاتهم الخاصة.
وسنسلط الضوء في مقالنا هذا على عدد من الإشكالات العملية التي تواجهها النيابات والمحاكم في الجمهورية اليمنية والمتعلقة بأطوار المسؤولية الجنائية للطفل سواء فيما يتعلق بتحديد مراحل أطوار هذه المسؤولية أو فيما يتعلق بإشكالية تنفيذ أحكام الإعدام على الأطفال أو بخصوص التعامل مع الطفل الجانح في بعض أنواع الجرائم وعلى وجه الخصوص جريمة الزنا وما في حكمها.
ومن هنا تبرز إشكالية هذا المقال والمتمثلة في التساؤل التالي: ما هي أهم الإشكاليات التي يواجهها النظام القضائي في تطبيق النصوص المتعلقة بأطوار المسؤولية الجنائية للأطفال؟ وهل ساهم المشرع اليمني بتنظيمه لأطوار المسؤولية الجنائية للأطفال في تحقيق الحماية المثلى لهم؟
وقد اتبعت في هذه الورقة المنهج الوصفي من خلال استعراض النصوص القانونية الخاصة بأطوار المسؤولية الجنائية للطفل في اليمن وتحليليها ومقارنتها في مواجهة بعضها البعض.
وسأتناول موضوع هذا المقال من خلال تقسيمه إلى بندين الأول سيتحدث عن إشكاليات أطوار المسؤولية الجنائية للطفل في القوانين اليمنية، وأما الثاني فسأتناول فيه نماذج للإشكالات العملية المتعلقة بالمسؤولية الجنائية للطفل في اليمن.
أولاً: إشكاليات أطوار المسؤولية الجنائية للطفل في القوانين اليمنية
لقد حرص المشرع اليمني على تنظيم وتحديد أطوار المسؤولية الجنائية للطفل حيث فصلها في المادة (31) من قانون الجرائم والعقوبات بقوله: "لا يسأل جزائياً من لم يكن قد بلغ السابعة من عمره وقت ارتكاب الفعل المكون للجريمة وإذا ارتكب الحدث الذي أتم السابعة ولم يبلغ الخامسة عشرة الفعل أمر القاضي بدلاً من العقوبة المقررة بتوقيع أحد التدابير المنصوص عليها في قانون الأحداث, فإذا كان مرتكب الجريمة قد أتم الخامسة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة حكم عليه بما لا يتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانوناً وإذا كانت هذه العقوبة هي الإعدام حكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن عشرة سنوات، وفي جميع الأحوال ينفذ الحبس في أماكن خاصة يراعى فيها معاملة مناسبة للمحكوم عليهم ولا يعتبر الشخص حديث السن مسئولاً مسئولية جزائية تامة إذا لم يبلغ الثامنة عشر عند ارتكابه الفعل وإذا كانت سن المتهم غير محققة قدرها القاضي بالاستعانة بخبير"، ومن خلال المادة السابقة نلاحظ أن أطوار المسؤولية الجنائية للطفل تمر بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: وهي تمتد منذ ولادة الطفل إلى أن يبلغ السنة السابعة من عمره كاملة وهنا لا يسأل الطفل جنائياً بصورة نهائية.
المرحلة الثانية: وهي تمتد منذ أن يتم الطفل السابعة من عمره أي قد بدأ في سن الثامنة ولكنه لم يبلغ الخامسة عشرة، أي بمقتضى نص المادة يكون الطفل قد أتم الرابعة عشر من عمره ولم يدخل في سن الخامسة عشرة، وهنا يعد الطفل مسؤولاً جنائياً مسؤولية ناقصة وعلى القاضي في هذه الحالة أن يأمر بدلاً من العقوبة المقررة في قانون الجرائم والعقوبات بتوقيع أحد التدابير المنصوص عليها في قانون الأحداث.
المرحلة الثالثة: وهي تمتد منذ أن يتم الطفل الخامسة عشر من عمره أي وفقاً لهذا النص قد بدأ في سن السادسة عشرة ولكنه لم يبلغ الثامنة عشرة، فيحكم عليه في هذه المرحلة بما لا يتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانوناً إلا أنه إذا كانت هذه العقوبة هي الإعدام حكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن عشرة سنوات.
ومما تجدر ملاحظته أن المادة السابقة أغفلت عاماً كاملاً من المسؤولية الجنائية للطفل وهو الحدث الذي أتم الرابعة عشرة من عمره ولكنه لم يبلغ السادسة عشرة، أي الطفل في سن الخامسة عشرة، فالمرحلة الثانية حُددت بين من أتم السابعة ولم يبلغ الخامسة عشرة فيما المرحلة الثالثة حُددت لمن أتم الخامسة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة.
وهنا نكون أمام نص معيب في قانون الجرائم والعقوبات يجب أن يتم تداركه ليكون أكثر دقة ووضوحاً وخصوصاً أن كثيراً من النيابات والمحاكم تستند على هذا النص في تحديد اختصاصها بنظر القضية المقامة في مواجهة الطفل في سن الخامسة عشرة لكون النص السابق قد حدد أن من يطبق عليهم التدابير هم الأحداث الذين أتموا السابعة ولم يبلغوا الخامسة عشرة، وبذلك فإن الأطفال الذين بلغوا الخامسة عشرة وما فوقها وفقاً لهذا النص لا يخضعون لاختصاص النيابات والمحاكم الخاصة بالأحداث.
إلا أنه إذا ما رجعنا لقانون رعاية الأحداث رقم: (24) لسنة 1992م وتعديلاته نجد أنه قد عرف الحدث في المادة (2) بقوله: "الحدث: كل شخص لم يتجاوز سنه (خمسة عشر سنة) كاملة وقت ارتكابه فعلاً مجرماً قانوناً أو عند وجوده في إحدى حالات التعرض للانحراف"، وبما أن من المعلوم أن القوانين تعتبر وحدة واحدة يكمل بعضها بعضاً، كما أن من القواعد العامة الراسخة لدينا في تطبيق النصوص القانونية أن القانون الخاص يقيد العام ويقدم عليه في التطبيق عند تعارضهما، وبما أن قانون رعاية الأحداث يعتبر قانوناً خاصاً بهذه الفئة العمرية بينما يعد قانون الجرائم والعقوبات قانوناً عاماً لكافة الفئات العمرية فإن قانون الأحداث يقدم في التطبيق على قانون الجرائم والعقوبات فيما يتعلق بهذه الفئة العمرية فيعتبر بذلك من بلغ الخامسة عشرة من عمره حدثاً يخضع لاختصاص محكمة الأحداث وتطبق في حقه التدابير الواردة بقانون الأحداث.
كما يلاحظ أن هناك إشكالية قانونية أخرى وهي أن المادة (31) من قانون الجرائم والعقوبات حددت السن الأعلى للطفل بأنه من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره أي أتم السنة السابعة عشرة من عمره كاملةً، فيما عرفته المادة (2) من قانون حقوق الطفل بأنه: "كل إنسان لم يتجاوز ثمانية عشرة سنة من عمره ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك" وهو ذات النص الوارد في المادة (1) من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989م والمصادقة عليها الجمهورية اليمنية، وهو ما سارت عليه معظم التشريعات العربية المقارنة، وهذا يعني أن الحد الأعلى لعمر الطفل وفقاً لذلك هو من بلغ عمره ثمانية عشرة سنة كاملة ولكنه لم يتجاوزها، وكان ينبغي من المشرع اليمني الموازنة بين هذين النصين عند قيامه بسن قانون حقوق الطفل.
واقترح أن يُعتمد في تحديد النطاق العمري الأعلى للمسؤولية الجنائية للطفل النص الوارد في المادة (2) من قانون حقوق الطفل باعتباره التشريع الخاص بتنظيم الجوانب المتعلقة بحماية حقوق الطفل، ويأتي هذا الاختيار استناداً إلى القاعدة القانونية المستقرة التي تقضي بتقديم القانون الخاص على القانون العام عند التعارض، حيث يُعتبر قانون حقوق الطفل أكثر تخصصاً مقارنةً بقانون الجرائم والعقوبات الذي يُعد قانوناً عاماً، فضلاً عن ذلك، فإن قانون حقوق الطفل يُعد لاحقاً من حيث الصدور مقارنةً بقانون الجرائم والعقوبات، ومن المقرر فقهياً أن النص اللاحق ينسخ النص السابق في حال وقوع التعارض بينهما؛ مما يعزز أولوية النص الوارد في قانون حقوق الطفل في هذا السياق.
هذه فقط بعض الأمثلة عن التضارب في النصوص القانونية فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية للأطفال، ولا يزال قانون الجرائم والعقوبات وقانون الأحداث وقانون حماية الطفل يحملوا المزيد من التناقضات التي تستوجب تدخل تشريعي مستعجل لمعالجة كافة الاختلالات القانونية بما يعزز الحماية الفضلى للأطفال -سواء أكانوا جانحين أم ضحايا- وبما يتوافق مع القواعد الدولية المستقر عليها في هذا المجال.
ثانياً: الإشكالات العملية المتعلقة بالمسؤولية الجنائية للطفل في اليمن
من أبرز الإشكاليات العملية في الواقع القضائي للجمهورية اليمنية هو تعرض عدد كبير من الأطفال لخطر مواجهة عقوبة الإعدام، وذلك نتيجة القصور الفني والتحديات التي تواجه أجهزة العدالة في تحديد السن الحقيقي للأطفال الجانحين بدقة، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى عدم قيام العديد من الأسر بتسجيل أعمار أطفالهم بشكل صحيح لأسباب متعددة لا يتسع المقام لاستعراضها جميعاً، وهذا القصور يُؤثر وينعكس سلباً على تحقيق الحماية الجنائية المثلى للأطفال، حيث قد تكون الأعمار المسجلة في الوثائق الرسمية غير متطابقة مع أعمارهم الفعلية.
علاوة على ذلك، فإن الوسائل الفنية المتاحة في اليمن لتحديد العمر الحقيقي للأطفال لا تزال محدودة وغير متطورة بما يكفي، وهو الأمر الذي أدى إلى انعكاسات خطيرة على الممارسة القضائية، ففي بعض الحالات يعتمد القاضي على وثائق رسمية قد تحتوي على أعمار غير دقيقة، أو يقوم بتقدير عمر الطفل الذي يفتقر إلى أوراق ثبوتية بشكل غير دقيق، ونتيجة لذلك قد يُعتبر الطفل بالغاً ومُكلفاً قانونياً مما يعرّضه لخطر تنفيذ عقوبة الإعدام رغم كونه لم يبلغ السن القانوني للرشد، وهو ما يمثل انتهاكاً صريحاً للمعايير الدولية المتعلقة بحماية حقوق الطفل.
وقد كشفت تقارير حقوقية صادرة عن بعض منظمات المجتمع المدني المهتمة بالطفولة عن وجود ما يقارب 202 طفل يمني يواجهون شبح الإعدام بينهم 26 طفلاً صدرت بحقهم أحكاماً نهائية فيما 176 آخرين معرضين لتلك العقوبة، نقلاً عن: (عبد اللطيف العسالي، عقوبة إعدام الأطفال في التشريع اليمني: دراسة مقارنة، مجلة الحقوق، مجلي النشر العلمي، جامعة الكويت، العدد: 04، 2019، ص357)، وهذا الأمر يستوجب تدخل من قبل المشرع ومن قبل السلطات المختصة بالتشديد على مسألة استخراج وثائق الأحوال المدنية وعلى رأسها شهادة الميلاد لمواجهة أي اختلالات مستقبلية، وأيضاً يجب إيقاف تنفيذ أي عقوبة إعدام صدرت بحق أي طفل مشكوك في سنه حتى يتم التثبت من سنه الحقيقي وقت ارتكابه للجريمة، وعلى الدولة في سبيل ذلك توفير الأجهزة الفنية اللازمة لقيام الطبيب الشرعي بتحديد عمر الطفل الجانح في حالة الشك بصورة دقيقة.
كما أن من المشاكل العملية التي تثار في الساحة القضائية اليمنية ما يتعلق بجريمة الزنا وما في حكمها، حيث إن تعامل النيابات والمحاكم يتضارب فيما يخص الطفل الذي يرتكب مثل هذا النوع من الجرائم، فالطفل كما هو معلوم ناقص الأهلية قليل الإدراك لعواقب الأمور ومدى خطورتها فيسهل بذلك استغلال نقص مداركه العقلية بسبب سنه لارتكاب هذا النوع من الجرائم باستعمال وسائل التغرير والخداع لإيقاع الطفل في المحظور، وقد سارت معظم التشريعات المقارنة لغاية حماية الطفل من الاستغلال الجنسي على عدم الاعتداد بالرضا الصادر عنه في أي فعل قد يقع ضحية له ويبقى في جميع الأحوال ضحية لا متهماً، حيث اعتبرت هذه التشريعات صغر السن قرينة قانونية على انعدام الرضا وهي قرينة غير قابلة لإثبات العكس.
وإذا ما عدنا لنص المادة (266) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني لوجدنا أنها قد بينت الحالات التي يسقط بها حد الزنا وذكرت من بينها الإكراه ويمكننا مجازاً لغاية حل الإشكال اعتبار التغرير بالطفل واستغلال ضعف مداركه العقلية ضمن نطاق الإكراه المعنوي الذي يسقط به حد الزنا، ورغم ذلك أرى أن يتم العمل بهذا الأمر في الجمهورية اليمنية بصورة صريحة وذلك بتكريس النصوص اللازمة والمناسبة لحماية الطفل من الاستغلال الجنسي، حيث إن إرادة الطفل في هذه المرحلة العمرية يشوبها النقص ويسهل التأثير عليها بصورة سهلة وسريعة وعلى وجه الخصوص الأطفال الذين لم يتجاوزوا سن الخامسة عشرة من عمرهم -الأحداث- وذلك يستوجب إحاطتهم بحماية أكبر.
ومما تجد الإشارة له أن الطفل وخصوصاً من أتم الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة؛ يتم معاملته في بعض محاكم الجمهورية اليمنية فيما يتعلق بجريمة الزنا وما في حكمها وكأنه إنسان بالغ، حيث يتم إيقاع العقوبة المقررة لهذه الجريمة كما هي -وهذه العقوبة هي الجلد 100 جلدة بحسب نص المادة (263) من قانون الجرائم والعقوبات- بحجة أن النص الشرعي أولى بالتطبيق من النص القانوني، وهذا من وجهة نظري يعد خطأً فادحاً، حيث إنه لا اجتهاد في مورد النص، وأن النص الوارد في المادة (3) من دستور الجمهورية اليمنية لسنة 1991م وتعديلاته موجه في الأساس للمشرع لا لغيره.
وقد بينت المادة (31) من قانون الجرائم والعقوبات أطوار المسؤولية الجنائية للطفل ولا يجب تجاوزها بأي حجة كانت وأن الطفل الذي لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره لا يعاقب بالعقوبة الكاملة وإنما يحكم عليه في هذه المرحلة بما لا يتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانوناً، ونظراً لكون عقوبة الزنا في هذه الحالة يتم تنفيذها على الطفل فور صدور الحكم الابتدائي بموافقة المتهمين واعترافهم فإنه غالباً لا يتم استئناف الأحكام الصادرة عنها لانعدام الجدوى من ذلك بعد تنفيذ العقوبة؛ ولذلك لا نرى تدخلاً للمحكمة العليا فيما يتعلق بهذا الأمر كون الأحكام لا تصل إليها لتبسط رقابتها على مدى موافقتها للقانون من عدمه.
الخاتمة:
رأينا في طيات هذه المقالة أن هناك العديد من الإشكالات والتضارب سواء فيما يتعلق بالنصوص المنظمة لأطوار المسؤولية الجنائية للطفل أو فيما يتعلق بأبرز الإشكالات الرائجة في الواقع العملي فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية للأطفال وخصوصاً أمام القضاء.
وفي الختام نرى أن المسؤولية الجنائية للطفل في ظل القوانين اليمنية بحاجة لمزيد من الدراسة لمواكبة المتغيرات كون معظم القوانين المؤطرة لذلك مضى على صدورها أكثر من عشرين عاماً؛ لذا وجب مراجعتها وتطويرها والتخلص من التضارب الوارد في النصوص القانونية المختلفة المتعلقة بالمسؤولية الجنائية للأطفال؛ وذلك لتحقيق الغاية منها وهي تقديم الحماية المثلى للأطفال ومكافحة جنوحهم في ظل انشار وسائل ارتكاب الجرائم وتطورها في هذا الزمن.
كما أرى بأن على القضاة عند تعاملهم مع القضايا الخاصة بالأطفال الجانحين مراعاة مبادئ وأعراف القانون الدولي العام وكذا الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية حقوق الطفل والتي تقضي بأنه يجب مراعاة المصلحة الفضلى للطفل وتطبيق النصوص الأفضل بالنسبة له، وإذا ما عدنا لدستور الجمهورية اليمنية لسنة 1991م وتعديلاته نجد أن المادة (6) نصت على أن: "تؤكد الدولة على العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة"، ولكون الجمهورية اليمنية صادقت على العديد من المعاهدات الدوليةالمتعلقة بحماية الطفل وحقوقه وعلى رأسها اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989م فإن عليها أن تحترم كافة بنود تلك المعاهدات، كما أن على أجهزة العدالة وعلى رأسها القضاء تقديم أحكام تلك المعاهدات في التطبيق على القوانين الداخلية إذا ما توافقت مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء والنظام العام والآداب العامة في الجمهورية اليمنية.
كما يجب على السلطات المختصة بالتشديد على مسألة استخراج وثائق الأحوال المدنية وعلى رأسها شهادة الميلاد لمواجهة أي اختلالات مستقبلية، وأيضاً توفير الأجهزة الفنية اللازمة لقيام الطبيب الشرعي بتحديد عمر الطفل الجانح في حالة الشك بصورة دقيقة.
وأقترح أيضاً أن على المشرع اليمني واجب التدخل لفرض حماية أكثر للأطفال من جرائم الاستغلال الجنسي، وذلك بتعديل نص المادة (266) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني بأن تعتبر التغرير بالطفل واستغلال ضعف مداركه العقلية ضمن نطاق الإكراه الذي يسقط به حد الزنا، حيث إن إرادة الطفل في هذه المرحلة العمرية يشوبها النقص ويسهل التأثير عليها بصورة سهلة وسريعة وعلى وجه الخصوص الأطفال الذين لم يتجاوزوا سن الخامسة عشرة من عمرهم -الأحداث- وذلك يستوجب إحاطتهم بحماية أكبر.