خص دستور 2011 الباب التاسع منه للجماعات الترابية وعلى رأسها الجهات تحت عنوان؛ "الجهات والجماعات الترابية الأخرى" وقد أتى بعدة مقتضيات جديدة تهم هذه الجماعات، وأهم مستجد أتى به هذا الدستور والمرتبط بالتدبير المالي للجماعات الترابية هو ما جاء به الفصل 138، حيث نص على أنه: "يقوم رؤساء مجالس الجهات، ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى، بتنفيذ مداولات هذه المجالس ومقرراتها"، وهذا يعني أن رؤساء جميع مجالس الجماعات الترابية سيتولون تنفيذ الميزانية المحلية بما فيها العمالات والأقاليم والجهات، وبالتالي سيصبح رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس العمالات والأقاليم هم الآمرون بالصرف، عكس ما كان عليه الوضع في السابق حيث أن الآمر بالصرف لمجلس الجهة هو الوالي عامل العمالة أو الإقليم مقر تواجد الجهة، والعامل فيما يخص العمالات أو الأقاليم، وبالتالي سيتمكن المنتخبين الذين انتخبهم المواطنين من تنفيذ ميزانية مجالسهم بنوع من الحرية.
كما نص الفصل 136 من الدستور على أن التنظيم الجهوي والترابي يرتكز على مبادئ التدبير الحر، بمعنى أن تمارس الجماعات الترابية اختصاصاتها بما هو موكول لها في النصوص القانونية، والدولة لها حق المراقبة البعدية، أي ترك نوع من الحرية للمدبر المحلي في ممارسة اختصاصاته في مقابل مسائلته عن النتائج التي أنجزها، وله حرية التصرف في الموارد المتاحة له في إطار احترام القانون، ومبادئ التدبير الحر تستمد أسسها من مفهوم "الشخصية المعنوية" التي تتمتع بها الجماعات الترابية وبمقتضاها تتمتع هذه الأخيرة بالإستقلال الإداري والمالي، وكانت فرنسا هي السباقة في تطبيق مبدأ التدبير الحر "le principe de libre administration" للجماعات الترابية منذ دستور 1958 من خلال الفصل 34 وأكده التعديل الدستوري لـ 28 مارس 2003 في الفصل 72، وهذا المبدأ يعني أن الجماعات الترابية تدبر بحرية من طرف مجالسها المنتخبة وقد اعتبر مجلس الدولة الفرنسي مبدأ التدبير الحر من الحريات العامة التي لا يجب المساس بها (قرار متعلق بجماعة "فينيل" 18 يناير 2001).
لكن حرية التدبير هذه، تكون في ظل احترام ما هو وارد في القانون، ويركز هذا المبدأ على الاستقلال المالي للجماعات الترابية من حيث توسيع دائرة الموارد الذاتية مقابل التقليص من امدادات الدولة، فالوضع الحالي مازال يتسم بضعف الاستقلال المالي لهذه الجماعات بحيث مازلت تغطي امدادات الدولة 57% من ميزانية الجماعات الترابية بالإضافة إلى أن 19% من هذه الموارد تدبرها الدولة لصالح هذه الجماعات عن طريق الخزينة "الرسم المهني ورسم السكن والرسم على الخدمات الجماعية" في مقابل تبقى 24% فقط هي التي تقوم الجماعات الترابية بتدبيرها لذاتها – هذه المعطيات منشورة في النشرة الشهرية للمالية المحلية دجنبر 2011 في موقع الخزينة العامة للمملكة– بالإضافة إلى الاستقلال المالي، فمبدأ التدبير الحر يرتكز على حرية تحديد الوعاء الضريبي ومقداره في حدود ما هو مبين في القوانين، ويرتكز ايضا على أنه لا يمكن أن يتم نقل أي اختصاص من طرف الدولة إلى الجماعات الترابية إلا بتحويل الاعتمادات المناسبة لذالك.
فالتدبير الحر الذي نص عليه الدستور المغربي سيمكن الجماعات الترابية من ممارسة اختصاصاتها بنوع من الاستقلالية مقابل ذلك التقليص من الوصاية الممارسة عليها خصوصا في المجال المالي. وإن كان الوضع الحالي يبين أن هناك وصاية مشددة في المجالي المالي؛ فأغلب القرارات المالية لا يمكن تطبيقها أو تنفيذها إلا بعد مصادقة سلطة الوصاية، بداية بوثيقة الميزانية التي لا يمكن تنفيذها إلا بعد أن تتم المصادقة عليها، نفس الشيء بالنسبة للقرار الجبائي فهو يخضع أيضا للمصادقة القبلية قبل تنفيذه، بالاضافة إلى قرار فتح اعتمادات جديدة أو الرفع من مبالغها أو التحويل من باب إلى باب ... كلها تخضع لمصادقة سلطة الوصاية قبل الشروع في تنفيذها، (أنظر المادتين 69 و 73 من الميثاق الجماعي) غير ان المبدأ الدستوري الجديد يقتضي عكس ذلك، فهو يهدف إلى تخفيف نقط المراقبة والإنتقال من المراقبة القبلية إلى المراقبة البعدية وتعزيز آليات التدقيق الداخلي، ومسائلة المدبر المحلي عن نتائج تدبيره، وتعزيز دور القضاء "المحاكم الإدارية والمحاكم المالية" والمفتشيات المالية في مراقبة التدبير المحلي، في مقابل تقليص تدخل السلطات المركزية "وزارة الداخلية" في التدبير المحلي.
غير أن الانتقال إلى هذا النظام الجديد في التدبير المالي المحلي يتطلب منتخبين قادرين على استيعاب دورهم الحقيقي في التنمية المحلية وتحقيق حكامة جيدة وخصوصا المالية منها، فليس كافيا تخفيف نقط المراقبة والانتقال من المراقبة القبلية إلى المراقبة البعدية، بل يجب بالإضافة إلى ذلك تكوين منتخبين قادرين على استيعاب مغزى مبدأ التدبير الحر، فلا يكفي توسيع اختصاصات مجالس الجماعات الترابية ومنحها موارد مالية جديدة؛ حيث تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى، على موارد مالية ذاتية، وموارد مالية مرصودة من قبل الدولة، كما أن كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له (الفصل 141 من الدستور). هذا بالإضافة إلى أن اللجنة الاستشارية حول الجهوية المتقدمة اقترحت توسيع الوعاء الضريبي للجهات كإضافة الضرائب البيئية التي ترتكز على مبدأ "الملوث يدفع" والضريبة على أنشطة المطارات، وضريبة النقل على الطرق السيار... (الكتاب الثالث من التقرير، ص 153)، كما لا يكفي منحهم وسائل تدبيرية مالية حديثة كالتنصيص على تطبيق المحاسبة العامة أو المحاسبة التحليلية أو امكانية الاعتماد على التدقيق الخارجي، فكل هذا لا يتطلب من المنتخب المحلي القراءة والكتابة فقط، بل يجب أن يتوفر على مستوى معرفي وعلمي يمكنه من فهم النصوص القانونية والإلمام ببعض التقنيات التي تحكم التدبير المالي، وبالتالي ففي مقابل التنصيص على مبدأ التدبير الحر يجب وضع آليات للرفع من المستوى المعرفي والعلمي للمنتخب المحلي، وعلى الأحزاب السياسية أيضا أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الصدد بقيامها بالدور المنوط بها دستوريا وهو تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام.
فلا يعقل أن تكون نسبة 20.5% من المستشارين الجماعيين لا يتوفرون على أي مستوى تعليمي معين، ونسبة 25.2% لهم مستوى ابتدائي، أي أن 45.7% من المستشارين الجماعيين لهم مستوى تعليمي ابتدائي فأقل (هذه الاحصائيات منشورة في كتيب لوزارة الداخلية تحت عنوان الجماعات المحلية في أرقام عدد 13 سنة 2011) فما يقارب النصف من المستشارين الجماعيين لهم مستوى تعليمي ضعيف مقارنة مع المهام المنوطة بهم (التخطيط الاستراتيجي، تدبير مالي بوسائل حديثة، تدبير موارد بشرية ذات كفاءات عالية، إعداد مخططات التنمية المحلية...)، وبالتالي يجب العمل على تقليص هذه النسب مستقبلا، وتأهيل منتخبين قادرين على "مبدأ التدبير الحر"، وسيكون التنفيذ الجيد للعمليات المالية والمحاسبية وتحقيق الحكامة المالية رهين بمدى توفر الجماعات ترابية على منتخبين اكفاء. لأن المشاكل التدبيرية التي تتخبط فيها الجماعات الترابية لأزيد من ثلاثة عقود يرجع في قسط كبير منه إلى كون المنتخبين الجماعيين غير مؤهلين بالقيام بمهامهم بشكل جيد، وذلك بسبب عدم المامهم بواجباتهم وحقوقهم، ومنه يجب اشتراط مستوى الباكلوريا على الأقل لمن يريد أن ينتخب رئيسا لمجلس الجماعة.
كما نص الفصل 136 من الدستور على أن التنظيم الجهوي والترابي يرتكز على مبادئ التدبير الحر، بمعنى أن تمارس الجماعات الترابية اختصاصاتها بما هو موكول لها في النصوص القانونية، والدولة لها حق المراقبة البعدية، أي ترك نوع من الحرية للمدبر المحلي في ممارسة اختصاصاته في مقابل مسائلته عن النتائج التي أنجزها، وله حرية التصرف في الموارد المتاحة له في إطار احترام القانون، ومبادئ التدبير الحر تستمد أسسها من مفهوم "الشخصية المعنوية" التي تتمتع بها الجماعات الترابية وبمقتضاها تتمتع هذه الأخيرة بالإستقلال الإداري والمالي، وكانت فرنسا هي السباقة في تطبيق مبدأ التدبير الحر "le principe de libre administration" للجماعات الترابية منذ دستور 1958 من خلال الفصل 34 وأكده التعديل الدستوري لـ 28 مارس 2003 في الفصل 72، وهذا المبدأ يعني أن الجماعات الترابية تدبر بحرية من طرف مجالسها المنتخبة وقد اعتبر مجلس الدولة الفرنسي مبدأ التدبير الحر من الحريات العامة التي لا يجب المساس بها (قرار متعلق بجماعة "فينيل" 18 يناير 2001).
لكن حرية التدبير هذه، تكون في ظل احترام ما هو وارد في القانون، ويركز هذا المبدأ على الاستقلال المالي للجماعات الترابية من حيث توسيع دائرة الموارد الذاتية مقابل التقليص من امدادات الدولة، فالوضع الحالي مازال يتسم بضعف الاستقلال المالي لهذه الجماعات بحيث مازلت تغطي امدادات الدولة 57% من ميزانية الجماعات الترابية بالإضافة إلى أن 19% من هذه الموارد تدبرها الدولة لصالح هذه الجماعات عن طريق الخزينة "الرسم المهني ورسم السكن والرسم على الخدمات الجماعية" في مقابل تبقى 24% فقط هي التي تقوم الجماعات الترابية بتدبيرها لذاتها – هذه المعطيات منشورة في النشرة الشهرية للمالية المحلية دجنبر 2011 في موقع الخزينة العامة للمملكة– بالإضافة إلى الاستقلال المالي، فمبدأ التدبير الحر يرتكز على حرية تحديد الوعاء الضريبي ومقداره في حدود ما هو مبين في القوانين، ويرتكز ايضا على أنه لا يمكن أن يتم نقل أي اختصاص من طرف الدولة إلى الجماعات الترابية إلا بتحويل الاعتمادات المناسبة لذالك.
فالتدبير الحر الذي نص عليه الدستور المغربي سيمكن الجماعات الترابية من ممارسة اختصاصاتها بنوع من الاستقلالية مقابل ذلك التقليص من الوصاية الممارسة عليها خصوصا في المجال المالي. وإن كان الوضع الحالي يبين أن هناك وصاية مشددة في المجالي المالي؛ فأغلب القرارات المالية لا يمكن تطبيقها أو تنفيذها إلا بعد مصادقة سلطة الوصاية، بداية بوثيقة الميزانية التي لا يمكن تنفيذها إلا بعد أن تتم المصادقة عليها، نفس الشيء بالنسبة للقرار الجبائي فهو يخضع أيضا للمصادقة القبلية قبل تنفيذه، بالاضافة إلى قرار فتح اعتمادات جديدة أو الرفع من مبالغها أو التحويل من باب إلى باب ... كلها تخضع لمصادقة سلطة الوصاية قبل الشروع في تنفيذها، (أنظر المادتين 69 و 73 من الميثاق الجماعي) غير ان المبدأ الدستوري الجديد يقتضي عكس ذلك، فهو يهدف إلى تخفيف نقط المراقبة والإنتقال من المراقبة القبلية إلى المراقبة البعدية وتعزيز آليات التدقيق الداخلي، ومسائلة المدبر المحلي عن نتائج تدبيره، وتعزيز دور القضاء "المحاكم الإدارية والمحاكم المالية" والمفتشيات المالية في مراقبة التدبير المحلي، في مقابل تقليص تدخل السلطات المركزية "وزارة الداخلية" في التدبير المحلي.
غير أن الانتقال إلى هذا النظام الجديد في التدبير المالي المحلي يتطلب منتخبين قادرين على استيعاب دورهم الحقيقي في التنمية المحلية وتحقيق حكامة جيدة وخصوصا المالية منها، فليس كافيا تخفيف نقط المراقبة والانتقال من المراقبة القبلية إلى المراقبة البعدية، بل يجب بالإضافة إلى ذلك تكوين منتخبين قادرين على استيعاب مغزى مبدأ التدبير الحر، فلا يكفي توسيع اختصاصات مجالس الجماعات الترابية ومنحها موارد مالية جديدة؛ حيث تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى، على موارد مالية ذاتية، وموارد مالية مرصودة من قبل الدولة، كما أن كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له (الفصل 141 من الدستور). هذا بالإضافة إلى أن اللجنة الاستشارية حول الجهوية المتقدمة اقترحت توسيع الوعاء الضريبي للجهات كإضافة الضرائب البيئية التي ترتكز على مبدأ "الملوث يدفع" والضريبة على أنشطة المطارات، وضريبة النقل على الطرق السيار... (الكتاب الثالث من التقرير، ص 153)، كما لا يكفي منحهم وسائل تدبيرية مالية حديثة كالتنصيص على تطبيق المحاسبة العامة أو المحاسبة التحليلية أو امكانية الاعتماد على التدقيق الخارجي، فكل هذا لا يتطلب من المنتخب المحلي القراءة والكتابة فقط، بل يجب أن يتوفر على مستوى معرفي وعلمي يمكنه من فهم النصوص القانونية والإلمام ببعض التقنيات التي تحكم التدبير المالي، وبالتالي ففي مقابل التنصيص على مبدأ التدبير الحر يجب وضع آليات للرفع من المستوى المعرفي والعلمي للمنتخب المحلي، وعلى الأحزاب السياسية أيضا أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الصدد بقيامها بالدور المنوط بها دستوريا وهو تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام.
فلا يعقل أن تكون نسبة 20.5% من المستشارين الجماعيين لا يتوفرون على أي مستوى تعليمي معين، ونسبة 25.2% لهم مستوى ابتدائي، أي أن 45.7% من المستشارين الجماعيين لهم مستوى تعليمي ابتدائي فأقل (هذه الاحصائيات منشورة في كتيب لوزارة الداخلية تحت عنوان الجماعات المحلية في أرقام عدد 13 سنة 2011) فما يقارب النصف من المستشارين الجماعيين لهم مستوى تعليمي ضعيف مقارنة مع المهام المنوطة بهم (التخطيط الاستراتيجي، تدبير مالي بوسائل حديثة، تدبير موارد بشرية ذات كفاءات عالية، إعداد مخططات التنمية المحلية...)، وبالتالي يجب العمل على تقليص هذه النسب مستقبلا، وتأهيل منتخبين قادرين على "مبدأ التدبير الحر"، وسيكون التنفيذ الجيد للعمليات المالية والمحاسبية وتحقيق الحكامة المالية رهين بمدى توفر الجماعات ترابية على منتخبين اكفاء. لأن المشاكل التدبيرية التي تتخبط فيها الجماعات الترابية لأزيد من ثلاثة عقود يرجع في قسط كبير منه إلى كون المنتخبين الجماعيين غير مؤهلين بالقيام بمهامهم بشكل جيد، وذلك بسبب عدم المامهم بواجباتهم وحقوقهم، ومنه يجب اشتراط مستوى الباكلوريا على الأقل لمن يريد أن ينتخب رئيسا لمجلس الجماعة.