الإطار العام:
مدى أحقية الخطيب في استرجاع الهبة والتشطيب عليها من السجل العقاري ومقدم الصداق الذي تم تجهيز بيت الزوجية به، ومدى أحقية الخطيبة في طلب التعويض عن الضرر الحاصل لها من جراء العدول عن الخطبة، و حكم إنكار الخطيبللحمل الذي يظهر بالخطيبة.
ملخص الوقائع:
يتعلق الأمر بعدول الخطيب السيد " أ " عن خطبته للسيدة " ب "، لفعلها المشين ورفعه دعوى قضائية لاسترجاع مقدم الصداق الذي صرفته خطيبته في بيت الزوجية حسب ادعائها، والهبة التي قدمها لخطيبته وطلب التشطيب عليها من السجل العقاري، في حين طلبت خطيبته تعويضها عن الضرر الذي أصابها جراء العدول عن الخطبة، كما ادعت حملها من خطيبها الذي أنكره منها.
الإشكاليات:
- مدى أحقية الخطيب في استرجاع الهبة والصداق ؟
- مدى أحقية الخطيبة في طلب التعويض عن العدول عن الخطبة؟
- حكم إنكارالخطيب للحمل الذي يظهر بالخطيبة؟
المحور الأول: صلاحية الخطيب في استرجاع الهبةوالصداق
إن تقديم الهدايا نظمته (المادة5 ) من مدونة الأسرة واسترجاعها نظمته (المادة 8) من مدونة الأسرة (أولا)، و التشطيب عليها من السجل العقاري نظمه (الفصل 91) من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري (ثانيا) وتقديم الصداق واسترجاعه نظمته (المادة9 ) من نفس المدونة (ثالثا).
أولا: استرجاع الهبة
حسب (المادة 8 ) من مدونة الأسرة المطبقة في 5-2-2004 ، فإن لكل من الخاطب و المخطوبة أن يسترد ما قدمه من هدايا ما لم يكن العدول عن الخطبة من قبله، وترد الهدايا بعينها أو بقيمتها حسب الأحوال. و يدخل في حكم الهدايا الهبة المقدمة من طرف الخطيب لخطيبته.
إن التساؤل الذي يطرح في هذا الصدد هو من الذي عدل عن الخطبة؟ هل الخطيب الذي تقدم بدعوى أمام القضاء لاسترجاع هبته وصداقه؟ أم الخطيبة التي قامت بفعلها المشين؟
حسب النازلة التي بين أيدينا فإن السبب المباشر في العدول عن الخطبة يرجع إلى فعل الخطيبة المشين الذي أساء لسمعة الخطيب وأسرته، ويعتبر هذا الفعل المشين بمثابة الإخلال بالتزام أعراف الخطبة التي تقتضي الإحترام والوقار، وبالتالي تكون الخطيبة هي من عدلت عن الخطبة في واقع الحال وليس الخطيب.
والتساؤل الذي يطرح بخصوص استرداد الهبة، هل يملك الخطيب صلاحية استردادها؟ و ما هي المسطرة التي يجب سلوكها للتشطيب عليها من السجل العقاري؟
ثانيا: التشطيب على الهبة من السجل العقاري
إن الخطيب له كامل الصلاحية في استرداد هبته حسب المادة 8 أعلاه مادام لم يصدر عنه ما يفيد العدول عن خطبته كما سبق توضيح ذلك، وطلب التشطيب عليها من السجل العقاري ( قرار عدد 316 صادر في 7-10-1980 قضية عدد303-7-1979 عن محكمة الإستئناف بمكناس – إبراهيم باحماني - العمل القضائي في قضايا الأسرة - طبعة 2009 - ص 22 ).
كما يمكنه أن يشطب عليها من الرسم العقاري و ذلك بمقتضى حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به يثبت انعدام أو انقضاء الحق موضوع التضمين (الفصل 91 من الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) المتعلق بالتحفيظ العقاري كما وقع تغييره و تتميمه بالقانون رقم 14.07 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177 في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011)؛ الجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذوالحجة 1432 (24 نوفمبر 2011)،ص 5575؛
ولكي يمنع خطيبته من التصرف في الهبة عن طريق بيعها أو التصدق بها أو هبتها لشخص آخر، فإن عليه أن يطلب تقييدا احتياطيا بالرسم العقاري للاحتفاظ بحقه مؤقتا، وذلك بناء على أمر قضائي صادرعن رئيس المحكمة الابتدائية التي يقع العقار في دائرة نفوذها( الفصل 85)، ويحدد مفعول هذا التقييد في ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ صدوره، مالم ينجز التقييد النهائي للحق، و تكون هذه المدة قابلة للتمديد بأمر من رئيس المحكمة الابتدائية شريطة تقديم دعوى في الموضوع، و يستمر مفعول هذا التمديد إلى حين صدور حكم نهائي(الفصل 86)؛
كما له كامل الصلاحية بالتقدم بدعوى أمام القضاء لأجل طلب استرداد هبته و التشطيب عليها من السجل العقاري، ثم يقوم بتسجيل المقال الإفتتاحي للدعوى بالسجل العقاري لمنع أي تصرف في العقار من قبل خطيبته إلى غاية صدور الحكم (الفصل 85)، وتنحصرفي شهر مدة صلاحية التقييد الاحتياطي بناء على إدلاء الطالب بنسخة من مقال دعوى في الموضوع مرفوعة أمام القضاء ( الفصل 86).
ثالثا: استرجاع الصداق
للخاطب أن يسترد ماقدمه من هدايا، إذا لم يكن العدول عن الخطبة من قبله (المادة 8 من الظهير الشريف رقم 1.04.22 صادر في 12 من ذي الحجة 1424(3 فبراير 2004) بتنفيذ القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة؛ الجريدة الرسمية، عدد 5184 بتاريخ 14 ذوالحجة 1424 ( 5 فبراير 2004 )،ص 418.)؛
وحسب (المادة 9) من مدونة الأسرة فإن الخاطب الذي يقدم لمخطوبته بعضا من الصداق أو كله قبل العقد عليها، له الحق في استرداده في حالة العدول عن الخطبة.
إن الخطيب لم يعقد بعد على خطيبته حسب وقائع القضية، وبالتالي فله كامل الصلاحية في استرداد ما عجله من صداق، إلا أن الخطيبة حسب وقائع القضية صرحت بكونها تصرفت في المبلغ المالي المقدم لها من خطيبها في تجهيز بيت الزوجية ، وفي هذه الحالة وحسب المادة 9 أعلاه فإن الخطيبة لها أن تحتفظ بالأثات على أن ترجع المبلغ المالي إلى خطيبها، وإلا بيع الأثات وتحمل المتسبب في الفسخ الفرق بين المبلغين ( دليل عملي لمدونة الأسرة- طبعة 2004- ص21).
المحور الثاني : التعويض عن العدول عن الخطبة
حسبالفقرة الثانية من (المادة 7) من مدونة الأسرة فإن مجرد العدول عن الخطبة لا يترتب عنه تعويض، إلا إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضررا للآخر، فيمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض.
و قد جاء في وقائع النازلة أن الخطيبة طالبت خطيبها بتعويضها عن الأضرار التي لحقتها من جراء عدوله عن الخطبة وعدم رغبته في إتمام الزواج، وطبقا للفقرة الثانية من (المادة 9) من مدونة الأسرة فإن مجرد العدول عن الخطبة لا يسبب ضررا يمكن المطالبة بالتعويض عنه، وإنما ورد عنصر تحمل تبعات الضرر من قبل الخطيب الذي تراجع عن خطبته فقط في أداء فارق الخسارة بين قيمة المبلغ الذي حول من قبل الخطيبة إلى جهاز والصداق المقدم من قبله؛
لكن بالرجوع إلى وقائع النازلة فإن الملاحظ أن الذي حصل له الضرر هو الخطيب وأسرته بسبب الفعل المشين الصادر عن خطيبته، وبالتالي فهو من له الحق في المطالبة أمام القضاء بالتعويض عن الأضرار التي حصلت له وليست خطيبته.
المحور الثالث: حكم الحمل الذي يظهر بالمخطوبة
حسب المادة 156 من المدونة إذا تمت الخطوبة، وظهر حمل بالمخطوبة ينسب للخاطب للشبهة إذا توافرت الشروط التالية:
- إذا اشتهرت الخطبة؛
- إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة؛
- إذا أقر الخطيبان أن الحمل منهم،
وفي نازلة الحال فإن الخطيبة إدعت حملها من خطيبها الذي أنكر حملها منه، وبالتالي فإن شروط اكتمال الخطبة متوفرة وتتمثل في إشهارها، وتبادل الهدايا طبقا (للمادة 5) من مدونة الأسرة، أما حكم الحمل أثناء الخطبة فمرده إلى القضاء الذي يملك صلاحية استعمال جميع وسائل الإثبات ومنها الخبرة الطبية لإثبات حمل الخطيبة و مدى انتسابه للخاطب من عدمه عن طريق البصمة الجينية المعروفة بA D N .
خاتمة:
نخلص مما سبق النتائج التالية:
أولا: إن العدول عن الخطبة ناتج عن فعل الخطيبة المشين فتكون هي من عدلت عن الخطبة في واقع الحال وليس الخطيب وبالتالي فالخطيب له أحقية استرداد الهبة وطلب التشطيب على الهبة من السجل العقاري .
ثانيا: إن الخطيب له كامل الصلاحية في استرداد ما عجله من صداق و الخطيبة لها أن تحتفظ بالأثات على أن ترجع المبلغ المالي إلى خطيبها، وإلا بيع الأثات وتحمل المتسبب في الفسخ الفرق بين المبلغين.
ثالثا:إن مجرد العدول عن الخطبة لايسبب ضررا يمكن المطالبة بالتعويض عنه.
رابعا:إن حكم الحمل أثناء الخطبة مرده إلى القضاء الذي يملك صلاحية استعمال جميع وسائل الإثبات ومنها الخبرة الطبية لإثبات مدى انتساب الحمل للخاطب من عدمه.