تقديم:
ينصرف مدلول المحاكمة العادلة إلى مجموعة من القواعد والإجراءات التي تدار بها الخصومة الجنائية في إطار من حماية الحرية الشخصية وحقوق الإنسان والتي تكون في مجموعها أساساً أولياً لإقامة العدالة وسيادة القانون.
ويغطي مصطلح المحاكمة العادلة، حق الفرد في مرحلة ما قبل المحاكمة وفي أثنائها وفي أعقابها،والحق في المحاكمة العادلة من المبادئ المستقرة في الضمير الإنساني بحيث لا يخلو نص في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان من التأكيد عليه،كما تنص عليه كل التشريعات الوطنية.
و تفتخر أوربا في هذا العصر بما وصلت إليه دساتيرها وقوانينها ومواثيقها الدولية من مكاسب في احترام حقوق الأفراد والجماعات. وهذا ما يجسده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 في المادة 11 الذي نص على أن كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمحاكمة عادلة وعلنية تؤمن له فيها كل الضمانات الضرورية من أجل الدفاع عنه.
ونفس المبدأ أكد عليه العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والدي وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1966 وكذا الاتفاقية الأوربية وعدة دساتير عربية آخرها الدستور المغربي لفاتح يوليوز 2011.
لقد جاء قانون المسطرة الجنائية الصادر بتاريخ 3 أكتوبر 2002 بعدة تعديلات هامة صفق لها الكل في البداية، إلا أنه مع دخول القانون حين التنفيذ بدأت الأفلام تسيل وتعدد مختلف الإشكالات التي أصبح يطرحها، إلا أنه لا يمكن أن ننكر أن ذلك القانون شكل في تلك الفترة تطورا حضاريا في مجال الإجراءات الجنائية المعاصرة, إذأتى بعدة مستجدات كلها تهدف إلى حماية الفرد واحترام حقوقه وصون حريته وضمان محاكمة عادلة له مريدا بذلك التماشي مع المواثيق والمعاهدات الدولية وآخذا بعين الاعتبارات المؤاخذات التي سجلتها مختلف المنظمات والهيئات المهتمة بحقوق الإنسان. فقد أصبح الأصل براءة المتهم، كما تم تحديد مدة وضع المتهم رهن الحراسة النظرية في 48 ساعة لا يمكن تمديدها إلا بإذن من وكيل الملك أو الوكيل العام للملك لمدة 24 ساعة، كما أنه أصبح بإمكان المتهم الاتصال بالمحامي بعد مرور نصف المدة الأصلية للحراسة النظرية وهذا من أهم الضمانات التي جاء بها القانون رقم 11-35 الصادر في 17 أكتوبر 2011.
كما تمت الاستعانة بالترجمان في حالة عدم معرفة لغة المتهم والنص على وجوب تفتيش المرأة من طرف نفس جنسها. كما تم عدم الاعتداد بأي اعتراف ينتزع بالعنف أو الإكراه على أن يتعرض مرتكبه للعقاب. وتمت تقوية مراقبة القضاء لعمل الشرطة القضائية كمعاينة النيابة العامة لأماكن الحراسة النظرية. كما تم تفعيل مسطرة الصلح في الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها سنتين أو أقل أو تلك التي لا تتجاوز 5000درهم(م41). كما النص على إمكانية استبدال الاعتقال الاحتياطي بنظام الوضع تحت المراقبة القضائية (م159 إلى 174 ق.م.ج). ولتوفير سرعة البث في القضايا المعروضة على قضاء التحقيق أو قضاء الحكم وذلك بتحديد آجال للبث في قضايا التحقيق سيما قضايا المعتقلين (م181،196،215-234-381-528-540ق.م.ج).
كما تم رفع السن الأدنى لتطبيق الإكراه البدني من سن 16 إلى 18 وخفض السن الأقصى إلى 60 سنة بدل 65 , واعتبار الإعسار سبب لعدم تطبيق مسطرة الإكراه البدني، وتماشيا مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل تمت العناية بفئة الأحداث الجانحين وتقويم سلوكهم بقصد إعادة إدماجهم في المجتمع وهذه الحماية تشمل الأحداث ضحايا الجرائم وأولئك الموجودين في وضعية صعبة (م512 إلى 517 م ق.م.ج).
كل تلك التعديلات التي صفق لها الجميع في البداية لم تصمد طويلا إذ بمجرد دخولها حيز التنفيذ طفت إلى السطح عدة إشكاليات وقفت عليها عدة تقارير وطنية ودولية التي سلطت الضوء على عدة مواضيع هامة : من اختفاء قسري وتعذيب والتضييق على حرية التظاهر وحرية تأسيس الجمعيات وغياب ضمانات المحاكمة العادلة ولعل دسترة المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤشر على مدى الدور الذي لعبته وتلعبه هذه المؤسسة في النهوض بالشأن الحقوقي المغربي.
كما أن التقارير الدولية التي تصدرها منظمات حكومية وغير حكومية من قبيل منظمة العفو الدولية ومنظمة "مراسلون بلا حدود" وتقرير "هيومن رايتسووتش"، وتقرير وزارة الخارجية الأمريكية والتي تحاول الإحاطة بالإشكالات المطروحة في المجال الحقوقي بغية إثارة الانتباه إليها وضرورة تفادي ما ينتج عنها من تبعات، وذلك من خلال متابعة هذه التقارير لتطور وضعية حقوق الإنسان بالمغرب وتسليط الأضواء على الإرث السيء للانتهاكات من قبيل الإختفاء القسري والتعذيب والتضييق على حرية التظاهر وعلى حرية تأسيس الجمعيات وغياب ضمانات المحاكمة العادلة، وهذا ما يضع المغرب تحت ضغوطات تجبره على السير في طريق إقرار حقوق الإنسان وحمايتها بغية الاصطفاف بجانب الدول الحقوقية===>دولة الحق والقانون.
ولعل التعديلات الدستورية من 1972 إلى غاية دستور 2011 لخير دليل على تشبت المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.
لكن رغم كل الحقوق والضمانات التي نصت عليها المسطرة الجنائية، حماية لحقوق الإنسان والحريات، فإن نصوص هذه المسطرة تتخللها مجموعة من النواقص تحد من تفعيل هذه الحريات، كما أن هناك صعوبات عملية وواقعية تقف حاجزا أمام ترجمة هذه الحقوق.
من هنا تبرز الإشكالية الرئيسية لمرافعتنا والتي تتجلى في: ما هي التعديلات التي يجب أن تدخل على المنظومة القانونية المرتبطة بحقوق الإنسان؟
هذه الإشكالية تتفرع عنها العديد من الأسئلة من قبيل:
- ما هي الضمانات التي يمكن بواسطتها تثبيت مبدأ قرينة البراءة؟
- هل نصوص قانون المسطرة الجنائية بحالتها الراهنة تضمن حق المتهم في محاكمة نزيهة وعادلة ؟
- كيف يمكن صيانة الحق في الحرية كحق منصوص عليه دستوريا؟
- ما هي الإجراءات التي يمكن سنها لحماية حقوق المتهم سواء في مرحلة ما قبل المحاكمة أو أثناءها أو مرحلة ما بعد المحاكمة؟
- هل من تقنيات وأدوات تمكن من تفعيل الضمانات المنصوص عليها قانونيا وترجمتها على أرض الواقع؟
- هل العبرة بالتشريعات أم بالعقليات التي تتعامل معها ؟
- كيف يمكن تفعيل دور قاضي تنفيذ العقوبة كمؤسسة حديثة العهد بالمغرب؟
- هل المؤسسات الساهرة على حماية الحقوق والحريات كافية أو أننا بحاجة إلى مؤسسات أخرى حديثة؟
من خلال هذه المرافعة سنحاول - من موقعنا كباحثين - الإجابة عن الأسئلة أعلاه وغيرها عبر اقتراح تعديلات وحلول نرمي من خلالها إلى إصلاح الثغرات التي تعتري منظومتنا القانونية وترجمة ضمانات حقوق الإنسان على أرض الواقع مستعينين في ذلك بالتوصيات الصادرة عن الهيئات والمنظمات الحقوقية وآراء أساتذة القانون والأشخاص الممارسين.
المحور الأول:
مقترحات قانونية حول المحاكمة العادلة بالمغرب :
*بالاضطلاع على قانون المسطرة الجنائية المغربي، نجد أن المشرع المغربي قد وظف مصطلحات تقنية (المشتبه فيه- المتهم) عكس المسطرة الجنائية السابقة (الفاعل)، إلا أنه بالرجوع إلى المواد 56-76، نجده قد احتفظ بمصطلح "الفاعل"، فكيف نتحدث عن فاعل والمادة الأولى تجعل من المتهم بريء حتى تثبت إدانته؟ لذا، فالمشرع المغربي مدعو إلى تعديل مقتضيات المادتين السالفتي الذكر،بتغيير مصطلح "الفاعل"، بمصطلح المتهم.
*كما أن الحق في الحرية يعتبر أهم حق يجب أن يتمتع به أي شخص، وهذا ما كرسته المسطرة الجنائية وذلك حينما تم النص على أن الوضع تحت المراقبة القضائية و الإعتقال الإحتياطي تدبيران استثنائيان.
لكن حيث أنه بالرجوع إلى المادة 160 من ق.ج نجد أن مدة الوضع تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي: شهرين قابلة للتجديد خمس مرات ولنفس المدة، أي يمكن للشخص أن يبقى تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي لمدة سنة (12 شهرا) وفي الأخير يطلق سراحه على أساس أنه بريء!! نعم صحيح بأن اعتقال شخص لهذه المدة يتطلبه حسن سير العدالة والحفاظ على النظام العام، لكن في حالة ما إذا كان المعتقل احتياطيا ليس هو الفاعل وأطلق سراحه بعد قضاء 12 شهرا رهن الاعتقال، أليس كان على المشرع منحه حق المطالبة بالتعويض لأنه حرم من أهم حق، وهو الحق في الحرية، مع العلم أن هذه المدة يمكن أن تولد تبعات نفسية لدىالمتهم أو أن تسبب في تشريد أسرته أو طرده من عمله، بالإضافة إلى نظرية الوصم الاجتماعي وما يمكن أن يترتب عنه، من هنا تبرز لنا ضرورة تغيير القانون حتى يسمح بتعويض كل معتقل، قضت المحكمة ببراءته، عن الفترة التي قضاها رهن الاعتقال الاحتياطي بدون وجه حق، اقتداءا بالمشرع الفرنسي الذي أقر مبدأ التعويض بموجب قانون 17 يوليوز 1970 رغم ما أثاره هذا القانون من نقاشات داخل البرلمان الفرنسي.
*أما فيما يخص الحراسة النظرية، فالملاحظ أن المشرع المغربي رغم أنه قلص مدة الحراسة النظرية من 96 ساعة إلى 48 قابلة للتجديد مرة واحدة لمدة 24 ساعة، إلا أنها تبقى مدة كبيرة مقارنة مع بعض التشريعات المقارنة (فرنسا: 24 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة ولنفس المدة. ألمانيا: 12 ساعة وفي كل الأحوال لا يجب أن تتعدى 48 ساعة-بريطانيا: 12 ساعة تحت إمرة الشرطي الأكثر درجة-اليابان: 0ساعة) إلا أن المشرع عاد من خلال القانون 03-03 وجعل مدة الحراسة النظرية هي 96 ساعة قابلة للتمديد مرتين 96 ساعة في كل مرة (96+96+96=288 ساعة) أي 12 يوم إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية، و96 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة ولنفس المدة في جرائم أمن الدولة الداخلي والخارجي، وطول هذه المدة هو الذي دفع العديد من المنظمات والهيئات والجمعيات الحقوقية إلى المطالبة بتقليص هذه المدة انسجاما مع مبدأ قرينة البراءة وصيانة للحق في الحرية الذي أصبح حقا دستوريا بموجب الفصل 23 من الدستور الجديد للمملكة.
وتجدر الإشارة إلى ان التعديلات الأخيرة بقانون 11-35 جاءت بعدة ضمانات لصالح المتهم (حق التزام الصمت-حق الاتصال بمحام بعد مرور نصف المدة الأصلية...) وغريب أمر قانون 11-35!! إذ ما فائدة منع المتهم الموضوع تحت الحراسة النظرية من الاتصال بمحام منذ الوهلة الأولى ما دام له الحق في التزام الصمت؟!
لذا، كان حريا بالمشرع المغربي السماح للمتهم الموضوع رهن الحراسة النظرية بالاتصال بالمحامي ابتداء من وضعه تحت الحراسة النظرية، بالإضافة إلى تمكين المحامي من الوثائق.
*وفي نفس السياق، وفي إطار المستجدات التي أتى بها المشرع المغربي من خلال القانون 10-37 المتعلق بحماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين، فيما يخص جرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ الذي يشكل تهديدا على حق الدفاع، وتحرم المتهم من مواجهة الضحية والشهود.
لهذا، نرجو من المشرع المغربي التدخل لإعادة النظر في هذا القانون وتقديم ضمانات لصالح المتهم الذي يمكن ان يقع ضحية مبلغين وضحايا غير حقيقيين، يستغلون مقتضيات قانونية لقضاء مآرب شخصية.
*كما نجد المشرع المغربي نص على إمكانية تمتيع المتهم بالسراح المؤقت، الذي يمكنه أن يمنح له بناء على كفالة مالية، وقد حددت المادة 184 من ق.م.ج مشتملات هذه الكفالة.
وحيث أنه من الواضح أن الفوارق الاجتماعية بين المواطنين قد يجعل التمتع بالسراح المؤقت مقتصرا على الفئات الميسورة دون الفئات المعوزة.
وإذ ذاك، كان على المشرع النص على ضوابط تجعل الكفالة المالية شخصية، أي أنها تحدد بالموازاة مع الحالة الاجتماعية للمتهم.
*ومن التجاوزات التي تطال حرية الأشخاص ما نص عليه المشرع في المادة 108 من ق.م.ج. حيث نص على ان قاضي التحقيق له الحق في ان يقوم بالتقاط المكالمات الهاتفية وغيرها من الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخة منها أو حجزها، ونفس الإمكانية متاحة للوكيل العام للملك بعد أن يلتمس ذلك كتابة من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف .
لكن حيت أنه بالرجوع إلى الفصل 11 من دستور المملكة لسنة 1996 نجده ينص على أنه "لا تنتهك حرية المراسلات".
من أجل ذلك، يجب على المشرع التدخل عن طريق إقرار معايير مضبوطة لمسألة التقاط المكالمات وذلك حماية للحرية الشخصية.
*ومن المآخذ أيضا على ق.م.ج كون التحقيق إلزاميا في بعض الجرائم فقط دون الأخرى (المادة 83 منق.م.ج)، بل الأكثر من ذلك، نص المشرع على أن التحقيق لا يمكن أن يقوم به قاضي التحقيق إلا بناء على ملتمس النيابة العامة.
وحيث ان التحقيق يكون في صالح المتهم.
لذلك فالمشرع يجب عليه تعميم التحقيق في جميع الجنايات والجنح كما ان على المشرع توضيح العلاقة بين النيابة العامة ومؤسسة قاضي التحقيق وتأطيرها.
*كما أننا نرى –من وجهة نظرنا- أنه حبذ لو أن المشرع المغربي أقر بالعمل الجماعي لقضاة التحقيق، هذا العمل سيتخذ بخصوص القضايا المتشبعة والصعبة والخطيرة، إذ يمكن إثرها لقضاة التحقيق العمل جماعيا منذ فتح التحقيق او حتى أثناء سيان التحقيق.
*كما أنه لم لا يتم إحداث هيئة قضائية جماعية للوضع رهن الاعتقال وتمديده مثلما فعل المشرع الفرنسي.
*كما يلاحظ غياب الضحية عن مواد قانون المسطرة الجنائية، اللهمما ورد في الكتاب الثالث من المسطرة، و المتعلق بالضحية الحدث دون الضحية بصفة عامة.
إلا أننا نعود و نقول بأن المشرع قد تدارك ذلك من خلال القانون10-37 الصادر في 17 أكتوبر 2011 المتعلق بحماية الضحايا و الشهود والخبراء و المبلغين فيما يخص جرائم الرشوة و الاختلاس و استغلال النفوذ و غيرها. إلا أنه اقتصر على حماية الضحايا في بعض الجرائم دون أخرى.
وبذلك يجب على المشرع إعطاء ضمانات أكبر للضحايا.
* أما فيما يخص التعذيب والذي يعتبر من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، فإن الفصل 7 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية و السياسية ينص على أنه " لا يخضع أحد للتعذيب و لا للعقوبات و المعاملات القاسية أو غير الإنسانية" و في ذات الاتجاه تذهب المادة 399 من القانون الجنائي التي تنص على أنه " يعاقب بالإعدام من يستعمل وسائل التعذيب أو يرتكب أعمالا وحشية لتنفيذ فعل يعد جناية"، و هو ما أكده الفصل 231 من القانون الجنائي.
وحيث أنه بالرجوع لقانون م.ج لا نجد تعريفا للتعذيب، و هذا ما دفع بخبراء لجنة مناهضة التعذيب لإبداء عدة ملاحظات حول ملاءمة تعريف التعذيب كما هو منصوص عليه في القانون الجنائي و قانون الإرهاب، إذ رأى خبراء أن هذا التعريف لا يتلاءم مع اتفاقية مناهضة التعذيب و التي انضم إليها المغرب مؤخرا و بشكل نهائي.
لذلك، يجب على المشرع الإسراع بوضع تعريف للتعذيب لملاءمة التشريع الوطني مع الاتفاقيات الدولية. إذ أكد السيد المحجوب الهيبة(المندوب الوزاري لحقوق الإنسان) بأن هناك عدة مقترحات قوانين تتعلق بهذا الموضوع.
وفي نفس السياق، فإن انضمام المغرب لاتفاقية مناهضة التعذيب يحتم عليه الاستجابة لطلب اللجنة الأممية لمناهضة التعذيب يجعل جريمة التعذيب غير قابلة للتقادم.
* كما أن المشرع المغربي ملزم بوضع نصوص من شأنها إخضاع مختلف الأجهزة الأمنية و الاستخباراتية للمراقبة والمحاسبة.
*يلاحظ أيضا أن ق.م.ج لم يتضمن أية مقتضيات قانونية تجعل من الهيئات والمنظمات و الجمعيات الحقوقية تساهم في السهر على احترام حقوق الإنسان و الحريات. كما لم تتضمن - رغم التعديلات الأخيرة لسنة -2001 أي تنصيص على إشراك المؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان و مؤسسة الوسيط.
و حيث أن هذا يتعارض مع السياسة التشاركية التي تبناها مغرب العهد الجديد.
و بالتالي، فالمشرع المغربي مدعو لإشراك الجمعيات و الهيئات و المنظمات الحقوقية في تقرير و تعديل السياسة الجنائية و المجال الحقوقي خاصة بعد الدور الكبير الذي أصبحت تلعبه هذه الهيئات.
كما أن المشرع مدعو إلى تحديد موقع المؤسسات الوطنية الحقوقية من المسطرة الجنائية و جعلها فاعلا أساسيا في الميدان الحقوقي و ذلك نظرا لدسترة هذه المؤسسات، وتثمينا لما أبانت عنه هذه المؤسسات من مساهمة فعالة في صيانة حقوق الإنسان( المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان- ديوان المظالم- هيئة الإنصاف و المصالحة).
كما أن الجهاز المكلف بتنفيذ العقوبة يبقى هو إدارة السجون.
لكن بالرغم من أن المشرع أحدث مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبة إلا أن اختصاصاته تظل محدودة أمام الاختصاصات الواسعة و الدور البارز لإدارة السجون.
لذلك، فالمشرع المغربي مطالب بإعطاء صلاحيات أكبر لقاضي تنفيذ العقوبة في مجال التنفيذ، ما دام أن القاضي هو الذي يقرر بشأن الاتهام و مدة العقوبة. و القاضي هو الذي يقوم أيضا بتحديد نوع العقوبة و طريقة تنفيذها، لتصبح جميع القرارات المتعلقة بتنفيذ العقوبات من اختصاص القضاء.
*كما أنه حبذ لو أن المشرع المغربي أدخل تعديلات جوهرية تتعلق بتغيير العقوبات السالبة للحرية بتدابير بديلة مثلما جاء في القوانين المقارنة كالقانون السويسري والقانون الفرنسي، وذلك من قبيل:
- التوقيفات المنزلية( في القانون السويسري): تشكل التوقيفات المنزلية إمكانية جديدة للحبس بعقوبات تتراوح بين شهر و ستة أشهر، و يتعلق الأمر بعقوبة تنفذ داخل المنزل باتباع برنامج تشخيصي و محدد، يتم خلاله إلصاق دملج إلكتروني برجل المحكوم عليه خلال فترة العقوبة يسمح بمراقبة احترام البرنامج.
- التدبير الوارد في الفصل 100 من القانون الجنائي السويسري: حيث يمكن أن ينطق القاضي ( عوض العقوبة ) بتدبير يرمي إلى وضع المعني بالأمر(الذي يجب أن يتراوح سنه بين 18 و 25) في مؤسسة للتربية على العمل.
- إيداع المجرمين المدمنين على المخدرات و الكحول في مؤسسات متخصصة لمحاربة هذا النوع من الأمراض( الفصل 44 من ق.ج السويسري).
- العمل للمصلحة العامة: ( الفصول 1- 747 و 2- 747 من ق.م.ج.الفرنسي) يتعلق الأمر بعقوبة تتمثل في عدد من ساعات العمل غير مدفوعة الأجر بين 40 ساعة إلى 240 ساعة خلال 18 شهرا، و نصفها بالنسبة للأحداث، تنجز لفائدة جماعة محلية أو مؤسسة عمومية أو جمعية ذات نفع عام تطبق على من تزيد سنهم عن 16 سنة. و يكون على الهيئة التي ينفذ العمل لفائدتها أن تدفع مصاريف النقل و الأكل و أن تعد تأمينا على المسؤولية.
- إلتزام أداء نشاط مهني معين أو متابعة تكوين.
- حظر التوفر على السلاح.
- حظر التوجه إلى أماكن محددة ( كأبواب المدارس، المسابح...)
- حظر ممارسة المهنة التي ارتكبت المخالفة بمناسبتها.
- حظر الالتقاء بالضحية.
* كما أننا نأمل من المشرع المغربي تقديم ضمانات للأحداث في مختلف المراحل، سواء في مرحلة البحث التمهيدي و النيابة العامة، أو في مرحلة التحقيق الإعدادي والمحاكمة وصولا إلى تنفيذ العقوبة في مواجهة الحدث الجانح.
وحيث أن المشرع المغربي عمد إلى تكييف ق.م.جمع المنظومة الدولية في مجال قضاء الأحداث، إذ تناول جنوح الأحداث من خلال 59 فصل من ق.م.ج بدءا من الفصل 458 إلى غاية الفصل 517.
وحيث أن هذه الضمانات تبقى غير كافية في حماية الحدث الذي يعتبر عماد المجتمعمستقبلا.لهذا، فالمشرع ملزم بإقرار ضمانات أكبر و تدابير بديلة في حق الجانح الحدث.
كما أننا نؤكد من هنا على أهمية الاستمرار في سياسة التخصص المهني لقضاء الأحداث، و التي أثمرت عن نتائج إيجابية رغم نسبيتها.
* كما أنه يجب القيام بإصلاح عميق و شامل لمنظومة العدالة، و ذلك بغرض تعزيز المكانة الدستورية للقضاء الذي تم الارتقاء به إلى سلطة مستقلة، نظرا للدور الحيوي للعدل في البناء الديمقراطي وتوطيد الاستقرار الاجتماعي و التنمية الاقتصادية، و حماية حقوق و إلتزامات المواطنين و الفاعلين الاقتصاديين و الاجتماعيين، و باعتبار القضاء ملاذا لصون الحقوق و الحريات وضمان ممارستها الفعلية، و تحقيق الأمن القضائي و الالتزام بسيادة القانون، و ترسيخ الثقة الكفيلة بالتحفيز على المبادرة و الاستثمار.
*كما أنه يجب نهج مقاربة تشاركية مع الفعاليات المعنية ومكونات المجتمع المدني ذات الصلة، بغرض تنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالسلطة القضائية بما يضمن تعزيز استقلال القضاء، و رفع فعاليته، وصيانة حرمته و وقاره، وتحصين كرامة وشرف وهيبة كافةمكوناته.
كما يجب إصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بالنظام الأساسي للقضاة و بتنظيم سير المجلس الأعلى للسلطة القضائية و المعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة.
و بالنظر للمكانة الخاصة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة و إصدار توصيات حول منظومة العدالة و حول سير مرفق القضاء، يجب العمل على حسن سير هذا المجلس و توفير الإمكانيات اللازمة لضمان استقلاله الإداري و المالي.
المحور الثاني:
مقترحات عملية حول المحاكمة العادلة بالمغرب :
رغم كل الحقوق والضمانات التي نصت عليها المسطرة الجنائية، حماية لحقوق الإنسان و الحريات، فان هناك صعوبات عملية و واقعية تقف حاجزا أمام ترجمة هذه الضمانات و الحقوق.
فرغم صدور الدستور الجديد لفاتح يوليوز 2011 و ما واكب ذلك من ضجة إعلامية كبيرة، فان العديد من المنظمات و الجمعيات الحقوقية (دولية و وطنية / حكومية و غير حكومية ) استمرت في رصد مظاهر و خروقات كبيرة لا زالت مستمرة.
نعم ، لقد جاء الدستور الجديد بمرتكزات هامة و أساسية، فانطلق من الفصل 19 بتأكيد على الحقوق و الحريات المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية والبيئية تماشيا مع الاتفاقيات الدولية، كل ذلك في احترام لثوابت المملكة، كما انه نص على حق الفرد في سلامة شخصه وأقربائه و ممتلكاته، كما تم نبذ المعاملة القاسية و اللاإنسانية المهينة و الحاطة من كرامة الإنسان،وقد شكل الفصل 23 من الدستور طفرة نوعية، حيث جاء فيه انه لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات و طبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون، كما أن الاعتقال التعسفي و الاختفاء القسري من اخطر الجرائم و يعرض مرتكبه لأقصى العقوبات، كما يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله على الفور، و بكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله و بحقوقه و من ضمنها: حقه في التزام الصمت، و يحق له الاستفادة في أقرب وقت ممكن من مساعدة قانونية و من إمكانية الاتصال بأقربائه فقرينة البراءة و الحق في محاكمة عادلة مضمونة،وذلك بالإضافة إلى جملة من الحقوق و الحريات.
لكن، و حيث أنه لا يكفي إصدار قوانين جنائية زاجرة و قوانين إجرائية - تضمن محاكمة عادلة منذ بداية البحث و التحقيق مرورا بالمحاكمة إلى حين صدور أحكام قضائية نهائية - ليتم الحسم بأن ذلك معيار السياسة و العدالة الجنائية السليمة.
فها هو المشرع المغربي قد أحسن صنعا حينما استهل قانون المسطرة الجنائية بنصه على مبدأ "البراءة هي الأصل" في الفصل الأول من القانون 01-22
لكن، حيث أن الأمر لا يتعلق بمبدأ اقره الفلاسفة و مفكرو القانون الجنائي،فالعبرة بتطبيق المبدأ و تفعيله على أرض الواقع و ليس بكتابته، فالدول التي لها قوانين جنائية متطورة لم تنص على المبدأ، غير أن حرصها على تطبيقه- كمبدأ قانوني راسخ- حرصا شديدا يفوق الحرص على ما تم تدوينه.
فالممارسة العملية في كثير من الأحيان تجعل المتهم يظهر و كأنه مدان و ليس بريء، و أنه هو الملزم بإثبات براءته. فالأصل يصبح هو الإدانة و ليس البراءة !! إذ بمجرد إحضار المتهم لمخفر الشرطة يتعرض لمختلف أنواع المعاملة السيئة من السب و الشتم إلى ممارسة العنف بكل أشكاله سواء النفسي و الجسدي، وإلا كيف يمكن تفسير كون الشخص يعترف أمام الضابطة القضائية و ينكر أمام النيابة العامة و المحكمة؟ كيف يعقل أن تكون لمحاضر الضابطة القضائية قوة ثبوتية أقوى من القوة الثبوتية التي تتوفر عليها محاضر استنطاق أنجزها وكيل الملك أو الوكيل العام للملك أو المحكمة ؟ !
لذا، نقترح أن يتم تثبيت مبدأ "البراءة هي الأصل " و ذلك بإلقاء عبء الإثبات على من يدعي خلاف هذا الأصل، لأنه لا معنى من أن يكلف الشخص المراد مساءلته جنائيا بإثبات انه بريء ! لذلك فعلى القاضي الجنائي إعلان براءة المتهم المفترضة إذا لم يتم ثبوت الفعل الجرمي في حق المتهم بالدليل القاطع. خاصة وأن المغرب أصبح يتوفر على ما يسمى بالشرطة العلمية، أي يمكن التعرف على الفاعل بسهولة انطلاقا من مكان الجريمة و طريقة ارتكابها و ظروفها.
*في نفس السياق نقترح أن يتم تعزيز وسائل الإثبات عن طريق الدعم المادي لسلطات التحقيق.كما نرجو أن يتم إضافة عدة مختبرات علمية في جل المدن المغربية، على غرار مختبر تمارة ومختبر الرباط، واللذان يصنفان الأفضل في إفريقيا والعالم العربي.
*كما نرجو أن يكون التحقيق عينيا، أي ينصب على الجريمة و عكس ما هو موجود حاليا من أن التحقيق غالبا ما يكون شخصيا.
* ندعو أيضا إلى إعادة النظر في ما يسمى بإعادة تمثيل الجريمة، ومدى تأثيره على نفسية الفاعل، و كأنه يرتكب الفعل للمرة الثانية
* نستغرب أيضا مما أصبح يبث على قنواتنا الوطنية من برنامج تعيد إحياء ذكرى جرائم شنعاء و ما لهذه البرامج من تأثير سلبي على الجمهور الناشئ ( مول الموطور- مول الباش- مول كلينيكس .... و غيرهم) إذ أصبح هؤلاء المجرمون أبطالا في مخيلة شباب المستقبل!! هذا ما يجعلنا نتساءل عن دور الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري. لذا، فننتظر أن تتحرك هذه الهيئة الوطنية من موقعها السلبي وتفرض رقابتها على ما يبث على القنوات الوطنية. هذا ناهيك على أن هذه البرامج تسيء إلى المجرم وأقربائه.
*أما فيما يتعلق بتطبيق المادة 159 من ق.م.ج التي تنص على أن الوضع تحت المراقبة القضائية و الاعتقال الاحتياطي هما تدبيران استثنائيان، فاِن قضاة التحقيق و القضاة والنيابة العامة غالبا ما يلجؤون إلى الاعتقال الاحتياطي و ذلك لتجنب عناء البحث عن الشخص من جديد و لضمان حضوره في أي وقت حتى و لو كان مجرد الوضع تحت المراقبة القضائية كافيا.
لذلك، نؤكد على انه من الضروري تفعيل الإجراءات البديلة للاعتقال الاحتياطي:كالوضع تحت المراقبة القضائية و مسطرة الصلح و تطبيق الكفالة المالية أو الشخصية، كما يلزم التأكد من توفر حالة التلبس كما هي منصوص عليها في المادة 56 من ق.م.جوالحرص على تطبيق مقتضيات المادة 74 فيما يتعلق بتقديم المشتبه فيهم أحرارا للمحكمة بعد تقديم كفالة مالية أو شخصية، على ألا يتم اللجوء إلى الاعتقال إلا في حالة عدم توفر المشتبه فيه على ضمانات كافية للحضور.
كما يجب على النيابة العامة عدم اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي خارج حالة التلبس الا في حالات الضرورة القصوى.
كما يجب السهر على تهيئ ملفات طلبات إدماج العقوبات المقدمة من لدن المعتقلين قصد عرضها على المحكمة للبث فيها بالسرعة اللازمة.
*كما يجب الحرص على التزام الشفافية و الحياد في تهيئ طلبات العفو. و نشيد هنا بالعفو الملكي بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، و الذي تم بموجبه الإفراج عن 458 شخصا، من بينهم حسن الكتاني و أبي حفص و عمر الحد وشي بالإضافة إلى معتقلان من اليسار الاشتراكي الموحد و سبعة ناشطين في حركة " 20 فبراير" بالإضافة إلى شيوخ السلفية الجهادية.فيما تم استثناء "رشيد نيني"، و قد جاء جواب جلالة الملك ردا على طلب وزير العدل و الحريات " مصطفى الرميد" بأنه: «لو أن نيني أساء إلي لعفوت عنه،لكنه أساء إلى مسؤولين و إلى مؤسسات في الدولة، و لهذا لا يمكن أن أعفو عنه.»
و يجب التنبيه إلى أن الإفراج عن شيوخ السلفية جاء بعد ملتمس تقدمت به وزارة العدل و الحريات وبعد اجتماعات ماراطونية مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ممثلا بمحمد الصبار "الأمين العام للمجلس" و الذي قام بعدة لقاءات في السجون مع السلفيين و فتح باب الحوار و المناقشات، و نفس الشيء قام به وزير العدل و الحريات.
من هنا ندعو إلى السير في نفس المنوال بجعل سياسة الحوار أساسا للمصالحة مع ملفات شائكة تقض مضجع المملكة المغربية عبر التقارير الوطنية والدولية، والتي ما فتات تدين الوضعية الحقوقية و كذلك ندعو إلى الإفراج الفوري على معتقلي الرأي و المعتقلين السياسيين، بالإضافة إلى معتقلي الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، والمعتقلون على إثر الأحداث الدامية التي شاهدتها مدينة تازة على إثر الاحتجاجات المطالبة بتسوية الوضعية الاجتماعية للساكنة.
*أما فيما يخص نظام المساعدة القضائية. فانه في حالة عسر المتهم ماديا، فانه يعين له في إطار المساعدة القضائية محاميا، غالبا ما يكون من المبتدئين، و حتى و إن كان من المتمرسين فغالبا لا يتعامل مع القضية بكل جدية.
أما إن تم تعيين المحامي أثناء المحاكمة فان الرئيس يختار محاميا من المتواجدين بالقاعة و يطلب منه أن يدلي بدفوعاته فورًا،فكيف يعقل ذلك إذا لم يتمكن من الاطلاع على الملف و إعطائه وقتا كافيا لإعداد الدفاع!!!
لذلك ندعو إلى إحداث صندوق للمساعدة القضائية، يقوم بتعويض المحامي على أتعابه حتى يتم التعامل مع الملفات بنوع من الجدية من جهة، و من جهة أخرى نتمنى أن يتحلى السادة المحامون بنوع من التعاون بمراعاة الظروف المادية للمتهمين.
كذلك، نرى أن من واجب الرئيس بعد تعيين محام من الحاضرين أن يمنحه وقتا كافيا لإعداد الدفاع.
كما نؤكد على ضرورة حضور المحامي منذ الوهلة الأولى و تثبيت ذلك في المحضر و ذلك من اجل عدم انتزاع الاعترافات بالإكراه.
*أما بخصوص "التعذيب" فقد استأثرت هذه الإشكالية باهتمام كبير من طرف جل الفاعلين في الميدان الحقوقي، فكانت موضوع تقارير ورصد من طرف عدة هيئات دولية ووطنية.
فعلى الصعيد الدولي تنشط عدة هيئات و منظمات مثل: منظمات "هيومنرايتسووتش" والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية بالإضافة إلى منظمات حكومية (تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في 8 ابريل 2011). كل هذه المنظمات سجلت عدم احترام المعايير الدولية للمحاكمات العادلة من خلال الحرمان من الحق في الاتصال بمحامي، و منع المتهمين من استدعاء الشهود و استمرار حالات الاختفاء القسري و الاعتقال التعسفي، كما رصدت عدة حالات للتعذيب في السجون و مراكز الشرطة.كما انتقدت عدم احترام توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة.
أما على المستوى الوطني: فها هي جمعية عدالة ترصد حالات للتعنيف المصاحب بالسب والشتم. ومن جانبها: أشارت جمعية "منتدى الكرامة" في عرض لها بتاريخ11مارس2011 أن تطبيق البنود المتعلقة بالفحوص الطبية الخاصة بضحايا التعذيب غير مضمون وأن المتابعات في حق المسؤولين عن التعذيب تظل بعيدة، وقد أوردت في ذلك عدة أمثلة.
كما أكدت اللجنة المغربية لمناهضة التعذيب و المنظمة المغربية لمناهضة التعذيب في تصريح مشترك( قدم في الرباط يوم الخميس 19 يناير 2012) أورد بان هذه الممارسات و شبيهاتها تتم بعيدا عن كل مساءلة و محاسبة حقيقيتين. دون الشعور بان للمغرب التزامات دولية تشجب التعذيب: منها اتفاقية مناهضة التعذيب.
لذلك، ندعو إلى وضع منهجية تدقيقية لتشخيص وضعية حقوق الإنسان والوقوف على النواقص و تحديد المنهجية الواجب إتباعها لتجاوزها، بالإضافة إلى وضع تشخيص لماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و ذلك بإحداث لجان أو هيئات تقوم باستقبال شكاوى الضحايا و البحث فيها و تنظيم جلسات استماع عمومية تتيح من خلالها لهؤلاء فرصة عرض الانتهاكات التي تعرضوا لها و تحديد الضحايا و تقدير تعويضاتهم .
و في نفس السياق، تؤكد على ضرورة الاستجابة لطلب اللجنة الأممية لمناهضة التعذيب بجعل جريمة التعذيب غير قابلة للتقادم، و بالتالي إمكانية متابعة كل من سولت له نفسه مخالفة المقتضيات الزجرية المتعلقة بشجب التعذيب، و إرساء حقيقي لمبدأ عدم الإفلات من العقاب.
كما أننا ندعو إلى ضرورة الموازنة بين التدخل التي تفرضه ضرورة استثبات الأمن و بين ما تشكله المظاهرة أو الوقفة الاحتجاجية من خرق للأمن.
و
نذكر هنا الاستعمال المفرط للعنف في حق المواطنين في مدينة تازة على خلفية الأحداث التي اندلعت يوم 4 يناير الماضي و امتدت إلى بداية شهر فبراير الحالي، و ذلك بسبب تعنت السيد عامل الإقليم و تهديده باستعمال العنف ضد المعطلين المجازين الذين كانوا يخوضون اعتصاما أمام مقر العمالة، بالإضافة إلى سكان بعض الأحياء(حي التقدم و الكوشة) الذين طالبوا بمراجعة فواتير الكهرباء و تسوية الأوضاع الاجتماعية، كل ذلك أدى إلى معارك دامية أسفرت عن عدة إصابات و اعتقالات و حالات تعذيب، و هذا ما أكده الأستاذ حسن طارق( في برنامج : حوار و آراء يوم الثلاثاء 7 فبراير 2012)
* و كذلك، ومن اجل تجنب مثل هذه الإصطدامات العنيفة ينبغي فتح قنوات الحوار مع الشباب المعطل من حملة الشهادات، حتى لا تتكرر مأساة وفاة المعطل " عبد الوهاب زيدون" الذي قضى متأثرا بآثار الحروق بعد أن التهمت النيران جسده، كاحتجاج منه على تجاهل مطالبهم كمعتصمين في ملحقة وزارة التربية الوطنية.
* كما نشيد بالقرار الشجاع المتعلق باعتقال السلطات القضائية قاضيا(بمدينة طنجة) متلبسا باستلام رشوة، و نطالب بالرفع من وثيرة معاقبة كل المسؤولين الذين يستغلون نفوذهم لابتزاز المواطنين في أجهزة متعددة تنخرها آفة الرشوة.
*كما أننا نطالب بتحديد دور و وظائف عناصر الإدارة العامة للتراب الوطني بدقة اكبر، خاصة بعد أن أصبحوا يحملون صفة ضباط للشرطة القضائية.
و نظرا للإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، فقد رصدت جمعية "منتدى الكرامة" عددا كبيرا من الحالات حيث يقوم عناصر بلباس مدني بالاختطافات و الاعتقالات، ولا يقدمون ورقة تعريف أو أمر قضائي، واقتيادهم نحو وجهة مجهولة أو نحو معتقل تمارة السري.... إلى غير ذلك من الخروقات القانونية.
و لهذا فمن الضروري الكشف عن المعتقلات السرية و فتح معتقل تمارة( حيث يقع مقر الإدارة العامة لمراقبة التراب) في وجه المراقبين و الهيئات الحقوقية.
و في هذا الإطار، قال الأستاذ " مصطفى الرميد" وزير العدل و الحريات جوابا عن سؤال حول مراقبة الأجهزة الأمنية السرية و العلنية في لقاء جمعه بالصحفيين مساء الاثنين 6 فبراير 2012 «لقد طلبت لقاء الحموشي عبد اللطيف المسؤول عن "دي.اس.تي" وأخبرت إداراته أنني أريد أن اعرف مكان اشتغالهم... فقيل لي أنهم يعدون مقرا جديدا في سلا للبدء في العمل، وأنهم لن يحققوا مع احد، وإن كان القانون قد صدر، أي في انتظار أعداد المقر الجديد»
* نعود مرة أخرى إلى موضوع التعذيب لنشير بان المغرب قدم تقريره الرابع عن التزامه باتفاقية مناهضة التعذيب "بجنيف" بشكل أحادي دون إشراك المنظمات الحقوقية الوطنية. و هو ما رد عليه السيد المحجوب الهيبة( المندوب الوزاري لحقوق الإنسان) بان اللقاء يجب أن يكون في مرحلة صياغة التقرير. و أن التقرير كان مبرمجا سنة 2009، إلا انه أكد على انه في المستقبل ستكون هناك مشاورات مع مختلف الفاعلين في الميدان الحقوقي.
في هذا الصدد نرجو أن تفي الجهات المسؤولة بوعودها و تقوم بوضع سياسة تشاركية من اجل ترسيخ ثقافة حقوقية متينة.
* كما يجب الإسراع بتفعيل صلاحيات لجنة مناهضة التعذيب التي أصبح لها الحق في تلقي شكايات الأفراد حول التعذيب و مختلف أصناف سوء المعاملة.
* كما يجب تفعيل دور قاضي تنفيذ العقوبة عن طريق القيام بزيارات للمؤسسات السجنية قصد الاطلاع على حالة السجناء و الاستماع إلى ملاحظاتهم و شكاياتهم بخصوص وضعيتهم القانونية مع تحرير تقارير بذلك و اتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية بشأن شكاياتهم.
* كما يجب التشديد على تفعيل دور اللجن الإقليمية لمراقبة المؤسسات السجنية لتفقد أحوال السجناء و وضعيتهم داخل السجن و مراقبة توفر شروط العيش الكريم من قبيل:
-معاملة السجين معاملة إنسانية، و تشمل حمايته من التعذيب و حظر أعمال القسوة وتحسين الظروف المعيشية المناسبة في السجن.
-توفير الرعاية الصحية امتثالا لمضامين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
- توفير برنامج تعليمي يسمح بإعادة تشكيل شخصية النزيل و اتجاهاته و قدراته وسلوكاته.
- تمكين السجناء من الاتصال بالعالم الخارجي، و تعد الزيارة الشكل الأمثل لجعل السجين على علاقة بالعالم الخارجي.
- الاهتمام بوضع المرأة في السجون خاصة في ظل غياب الرعاية الصحية وخاصة بالنسبة للمرأة الحامل.
* من جهة أخرى ، وفي ما يتعلق بالقضاء عموما يجب العمل على تنفيذ برامج تأهيل الهياكل القضائية و الإدارية و مواردها البشرية، و ترسيخ التخليق، و جعل القضاء في خدمة المواطن، بدعم ضمانات المحاكمة العادلة، و تحقيق فعالية و شجاعة القضاء و قربه، وتبسيط المساطر و الإجراءات القضائية و توحيدها، و تسهيل و لوج المتقاضين إلى المحاكم، وتحسين ظروف العمل و الاستقبال بأعداد فضاءات قضائية مناسبة.
* كما يجب نهج الشفافية و الحكامة الجيدة في الإدارة القضائية، و ترسيخ احترافية القضاء و تخصصه، و نزاهة و جودة أحكامه عن طريق الارتقاء بالتكوين الإعدادي و التكوين المستمر للقضاة و الموظفين و مساعدي القضاء بهدف تعزيز مواكبة النظام و الأداء القضائي لحاجيات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية.
* كما يجب اتخاذ إجراءات عاجلة للرقي بمستوى الإدارة القضائية عن طريق استعمال التكنولوجيا الحديثة في أفق التحديث و المكننة الشاملة لمحاكم المملكة و ذلك لتسريع إجراءات البث في القضايا، و ضمان جودة و شفافية الخدمات القضائية.
*يجب العمل أيضا على نهج سياسة عمومية مندمجة تنطلق من رصيد توصيات ومقاربة هيئة الإنصاف و المصالحة، و تطوير المؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان.في الختام، نأمل أن يتدخل المشرع المغربي في أقرب الآجال لإدخال تعديلات على منظومة حقوق الإنسان، بغية صيانة الحق في المحاكمة العادلة، و ذلك عن طريق حماية الإنسان من التعسف ومنع الإعتداء على حقه في الحرية و عدم المس بكرامته. كل ذلك من أجل السمو بالحريّات فوق كل الإعتبارات و ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان داخل المجتمع المغربي.
ينصرف مدلول المحاكمة العادلة إلى مجموعة من القواعد والإجراءات التي تدار بها الخصومة الجنائية في إطار من حماية الحرية الشخصية وحقوق الإنسان والتي تكون في مجموعها أساساً أولياً لإقامة العدالة وسيادة القانون.
ويغطي مصطلح المحاكمة العادلة، حق الفرد في مرحلة ما قبل المحاكمة وفي أثنائها وفي أعقابها،والحق في المحاكمة العادلة من المبادئ المستقرة في الضمير الإنساني بحيث لا يخلو نص في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان من التأكيد عليه،كما تنص عليه كل التشريعات الوطنية.
و تفتخر أوربا في هذا العصر بما وصلت إليه دساتيرها وقوانينها ومواثيقها الدولية من مكاسب في احترام حقوق الأفراد والجماعات. وهذا ما يجسده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 في المادة 11 الذي نص على أن كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمحاكمة عادلة وعلنية تؤمن له فيها كل الضمانات الضرورية من أجل الدفاع عنه.
ونفس المبدأ أكد عليه العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والدي وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1966 وكذا الاتفاقية الأوربية وعدة دساتير عربية آخرها الدستور المغربي لفاتح يوليوز 2011.
لقد جاء قانون المسطرة الجنائية الصادر بتاريخ 3 أكتوبر 2002 بعدة تعديلات هامة صفق لها الكل في البداية، إلا أنه مع دخول القانون حين التنفيذ بدأت الأفلام تسيل وتعدد مختلف الإشكالات التي أصبح يطرحها، إلا أنه لا يمكن أن ننكر أن ذلك القانون شكل في تلك الفترة تطورا حضاريا في مجال الإجراءات الجنائية المعاصرة, إذأتى بعدة مستجدات كلها تهدف إلى حماية الفرد واحترام حقوقه وصون حريته وضمان محاكمة عادلة له مريدا بذلك التماشي مع المواثيق والمعاهدات الدولية وآخذا بعين الاعتبارات المؤاخذات التي سجلتها مختلف المنظمات والهيئات المهتمة بحقوق الإنسان. فقد أصبح الأصل براءة المتهم، كما تم تحديد مدة وضع المتهم رهن الحراسة النظرية في 48 ساعة لا يمكن تمديدها إلا بإذن من وكيل الملك أو الوكيل العام للملك لمدة 24 ساعة، كما أنه أصبح بإمكان المتهم الاتصال بالمحامي بعد مرور نصف المدة الأصلية للحراسة النظرية وهذا من أهم الضمانات التي جاء بها القانون رقم 11-35 الصادر في 17 أكتوبر 2011.
كما تمت الاستعانة بالترجمان في حالة عدم معرفة لغة المتهم والنص على وجوب تفتيش المرأة من طرف نفس جنسها. كما تم عدم الاعتداد بأي اعتراف ينتزع بالعنف أو الإكراه على أن يتعرض مرتكبه للعقاب. وتمت تقوية مراقبة القضاء لعمل الشرطة القضائية كمعاينة النيابة العامة لأماكن الحراسة النظرية. كما تم تفعيل مسطرة الصلح في الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها سنتين أو أقل أو تلك التي لا تتجاوز 5000درهم(م41). كما النص على إمكانية استبدال الاعتقال الاحتياطي بنظام الوضع تحت المراقبة القضائية (م159 إلى 174 ق.م.ج). ولتوفير سرعة البث في القضايا المعروضة على قضاء التحقيق أو قضاء الحكم وذلك بتحديد آجال للبث في قضايا التحقيق سيما قضايا المعتقلين (م181،196،215-234-381-528-540ق.م.ج).
كما تم رفع السن الأدنى لتطبيق الإكراه البدني من سن 16 إلى 18 وخفض السن الأقصى إلى 60 سنة بدل 65 , واعتبار الإعسار سبب لعدم تطبيق مسطرة الإكراه البدني، وتماشيا مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل تمت العناية بفئة الأحداث الجانحين وتقويم سلوكهم بقصد إعادة إدماجهم في المجتمع وهذه الحماية تشمل الأحداث ضحايا الجرائم وأولئك الموجودين في وضعية صعبة (م512 إلى 517 م ق.م.ج).
كل تلك التعديلات التي صفق لها الجميع في البداية لم تصمد طويلا إذ بمجرد دخولها حيز التنفيذ طفت إلى السطح عدة إشكاليات وقفت عليها عدة تقارير وطنية ودولية التي سلطت الضوء على عدة مواضيع هامة : من اختفاء قسري وتعذيب والتضييق على حرية التظاهر وحرية تأسيس الجمعيات وغياب ضمانات المحاكمة العادلة ولعل دسترة المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤشر على مدى الدور الذي لعبته وتلعبه هذه المؤسسة في النهوض بالشأن الحقوقي المغربي.
كما أن التقارير الدولية التي تصدرها منظمات حكومية وغير حكومية من قبيل منظمة العفو الدولية ومنظمة "مراسلون بلا حدود" وتقرير "هيومن رايتسووتش"، وتقرير وزارة الخارجية الأمريكية والتي تحاول الإحاطة بالإشكالات المطروحة في المجال الحقوقي بغية إثارة الانتباه إليها وضرورة تفادي ما ينتج عنها من تبعات، وذلك من خلال متابعة هذه التقارير لتطور وضعية حقوق الإنسان بالمغرب وتسليط الأضواء على الإرث السيء للانتهاكات من قبيل الإختفاء القسري والتعذيب والتضييق على حرية التظاهر وعلى حرية تأسيس الجمعيات وغياب ضمانات المحاكمة العادلة، وهذا ما يضع المغرب تحت ضغوطات تجبره على السير في طريق إقرار حقوق الإنسان وحمايتها بغية الاصطفاف بجانب الدول الحقوقية===>دولة الحق والقانون.
ولعل التعديلات الدستورية من 1972 إلى غاية دستور 2011 لخير دليل على تشبت المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.
لكن رغم كل الحقوق والضمانات التي نصت عليها المسطرة الجنائية، حماية لحقوق الإنسان والحريات، فإن نصوص هذه المسطرة تتخللها مجموعة من النواقص تحد من تفعيل هذه الحريات، كما أن هناك صعوبات عملية وواقعية تقف حاجزا أمام ترجمة هذه الحقوق.
من هنا تبرز الإشكالية الرئيسية لمرافعتنا والتي تتجلى في: ما هي التعديلات التي يجب أن تدخل على المنظومة القانونية المرتبطة بحقوق الإنسان؟
هذه الإشكالية تتفرع عنها العديد من الأسئلة من قبيل:
- ما هي الضمانات التي يمكن بواسطتها تثبيت مبدأ قرينة البراءة؟
- هل نصوص قانون المسطرة الجنائية بحالتها الراهنة تضمن حق المتهم في محاكمة نزيهة وعادلة ؟
- كيف يمكن صيانة الحق في الحرية كحق منصوص عليه دستوريا؟
- ما هي الإجراءات التي يمكن سنها لحماية حقوق المتهم سواء في مرحلة ما قبل المحاكمة أو أثناءها أو مرحلة ما بعد المحاكمة؟
- هل من تقنيات وأدوات تمكن من تفعيل الضمانات المنصوص عليها قانونيا وترجمتها على أرض الواقع؟
- هل العبرة بالتشريعات أم بالعقليات التي تتعامل معها ؟
- كيف يمكن تفعيل دور قاضي تنفيذ العقوبة كمؤسسة حديثة العهد بالمغرب؟
- هل المؤسسات الساهرة على حماية الحقوق والحريات كافية أو أننا بحاجة إلى مؤسسات أخرى حديثة؟
من خلال هذه المرافعة سنحاول - من موقعنا كباحثين - الإجابة عن الأسئلة أعلاه وغيرها عبر اقتراح تعديلات وحلول نرمي من خلالها إلى إصلاح الثغرات التي تعتري منظومتنا القانونية وترجمة ضمانات حقوق الإنسان على أرض الواقع مستعينين في ذلك بالتوصيات الصادرة عن الهيئات والمنظمات الحقوقية وآراء أساتذة القانون والأشخاص الممارسين.
المحور الأول:
مقترحات قانونية حول المحاكمة العادلة بالمغرب :
*بالاضطلاع على قانون المسطرة الجنائية المغربي، نجد أن المشرع المغربي قد وظف مصطلحات تقنية (المشتبه فيه- المتهم) عكس المسطرة الجنائية السابقة (الفاعل)، إلا أنه بالرجوع إلى المواد 56-76، نجده قد احتفظ بمصطلح "الفاعل"، فكيف نتحدث عن فاعل والمادة الأولى تجعل من المتهم بريء حتى تثبت إدانته؟ لذا، فالمشرع المغربي مدعو إلى تعديل مقتضيات المادتين السالفتي الذكر،بتغيير مصطلح "الفاعل"، بمصطلح المتهم.
*كما أن الحق في الحرية يعتبر أهم حق يجب أن يتمتع به أي شخص، وهذا ما كرسته المسطرة الجنائية وذلك حينما تم النص على أن الوضع تحت المراقبة القضائية و الإعتقال الإحتياطي تدبيران استثنائيان.
لكن حيث أنه بالرجوع إلى المادة 160 من ق.ج نجد أن مدة الوضع تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي: شهرين قابلة للتجديد خمس مرات ولنفس المدة، أي يمكن للشخص أن يبقى تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي لمدة سنة (12 شهرا) وفي الأخير يطلق سراحه على أساس أنه بريء!! نعم صحيح بأن اعتقال شخص لهذه المدة يتطلبه حسن سير العدالة والحفاظ على النظام العام، لكن في حالة ما إذا كان المعتقل احتياطيا ليس هو الفاعل وأطلق سراحه بعد قضاء 12 شهرا رهن الاعتقال، أليس كان على المشرع منحه حق المطالبة بالتعويض لأنه حرم من أهم حق، وهو الحق في الحرية، مع العلم أن هذه المدة يمكن أن تولد تبعات نفسية لدىالمتهم أو أن تسبب في تشريد أسرته أو طرده من عمله، بالإضافة إلى نظرية الوصم الاجتماعي وما يمكن أن يترتب عنه، من هنا تبرز لنا ضرورة تغيير القانون حتى يسمح بتعويض كل معتقل، قضت المحكمة ببراءته، عن الفترة التي قضاها رهن الاعتقال الاحتياطي بدون وجه حق، اقتداءا بالمشرع الفرنسي الذي أقر مبدأ التعويض بموجب قانون 17 يوليوز 1970 رغم ما أثاره هذا القانون من نقاشات داخل البرلمان الفرنسي.
*أما فيما يخص الحراسة النظرية، فالملاحظ أن المشرع المغربي رغم أنه قلص مدة الحراسة النظرية من 96 ساعة إلى 48 قابلة للتجديد مرة واحدة لمدة 24 ساعة، إلا أنها تبقى مدة كبيرة مقارنة مع بعض التشريعات المقارنة (فرنسا: 24 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة ولنفس المدة. ألمانيا: 12 ساعة وفي كل الأحوال لا يجب أن تتعدى 48 ساعة-بريطانيا: 12 ساعة تحت إمرة الشرطي الأكثر درجة-اليابان: 0ساعة) إلا أن المشرع عاد من خلال القانون 03-03 وجعل مدة الحراسة النظرية هي 96 ساعة قابلة للتمديد مرتين 96 ساعة في كل مرة (96+96+96=288 ساعة) أي 12 يوم إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية، و96 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة ولنفس المدة في جرائم أمن الدولة الداخلي والخارجي، وطول هذه المدة هو الذي دفع العديد من المنظمات والهيئات والجمعيات الحقوقية إلى المطالبة بتقليص هذه المدة انسجاما مع مبدأ قرينة البراءة وصيانة للحق في الحرية الذي أصبح حقا دستوريا بموجب الفصل 23 من الدستور الجديد للمملكة.
وتجدر الإشارة إلى ان التعديلات الأخيرة بقانون 11-35 جاءت بعدة ضمانات لصالح المتهم (حق التزام الصمت-حق الاتصال بمحام بعد مرور نصف المدة الأصلية...) وغريب أمر قانون 11-35!! إذ ما فائدة منع المتهم الموضوع تحت الحراسة النظرية من الاتصال بمحام منذ الوهلة الأولى ما دام له الحق في التزام الصمت؟!
لذا، كان حريا بالمشرع المغربي السماح للمتهم الموضوع رهن الحراسة النظرية بالاتصال بالمحامي ابتداء من وضعه تحت الحراسة النظرية، بالإضافة إلى تمكين المحامي من الوثائق.
*وفي نفس السياق، وفي إطار المستجدات التي أتى بها المشرع المغربي من خلال القانون 10-37 المتعلق بحماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين، فيما يخص جرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ الذي يشكل تهديدا على حق الدفاع، وتحرم المتهم من مواجهة الضحية والشهود.
لهذا، نرجو من المشرع المغربي التدخل لإعادة النظر في هذا القانون وتقديم ضمانات لصالح المتهم الذي يمكن ان يقع ضحية مبلغين وضحايا غير حقيقيين، يستغلون مقتضيات قانونية لقضاء مآرب شخصية.
*كما نجد المشرع المغربي نص على إمكانية تمتيع المتهم بالسراح المؤقت، الذي يمكنه أن يمنح له بناء على كفالة مالية، وقد حددت المادة 184 من ق.م.ج مشتملات هذه الكفالة.
وحيث أنه من الواضح أن الفوارق الاجتماعية بين المواطنين قد يجعل التمتع بالسراح المؤقت مقتصرا على الفئات الميسورة دون الفئات المعوزة.
وإذ ذاك، كان على المشرع النص على ضوابط تجعل الكفالة المالية شخصية، أي أنها تحدد بالموازاة مع الحالة الاجتماعية للمتهم.
*ومن التجاوزات التي تطال حرية الأشخاص ما نص عليه المشرع في المادة 108 من ق.م.ج. حيث نص على ان قاضي التحقيق له الحق في ان يقوم بالتقاط المكالمات الهاتفية وغيرها من الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخة منها أو حجزها، ونفس الإمكانية متاحة للوكيل العام للملك بعد أن يلتمس ذلك كتابة من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف .
لكن حيت أنه بالرجوع إلى الفصل 11 من دستور المملكة لسنة 1996 نجده ينص على أنه "لا تنتهك حرية المراسلات".
من أجل ذلك، يجب على المشرع التدخل عن طريق إقرار معايير مضبوطة لمسألة التقاط المكالمات وذلك حماية للحرية الشخصية.
*ومن المآخذ أيضا على ق.م.ج كون التحقيق إلزاميا في بعض الجرائم فقط دون الأخرى (المادة 83 منق.م.ج)، بل الأكثر من ذلك، نص المشرع على أن التحقيق لا يمكن أن يقوم به قاضي التحقيق إلا بناء على ملتمس النيابة العامة.
وحيث ان التحقيق يكون في صالح المتهم.
لذلك فالمشرع يجب عليه تعميم التحقيق في جميع الجنايات والجنح كما ان على المشرع توضيح العلاقة بين النيابة العامة ومؤسسة قاضي التحقيق وتأطيرها.
*كما أننا نرى –من وجهة نظرنا- أنه حبذ لو أن المشرع المغربي أقر بالعمل الجماعي لقضاة التحقيق، هذا العمل سيتخذ بخصوص القضايا المتشبعة والصعبة والخطيرة، إذ يمكن إثرها لقضاة التحقيق العمل جماعيا منذ فتح التحقيق او حتى أثناء سيان التحقيق.
*كما أنه لم لا يتم إحداث هيئة قضائية جماعية للوضع رهن الاعتقال وتمديده مثلما فعل المشرع الفرنسي.
*كما يلاحظ غياب الضحية عن مواد قانون المسطرة الجنائية، اللهمما ورد في الكتاب الثالث من المسطرة، و المتعلق بالضحية الحدث دون الضحية بصفة عامة.
إلا أننا نعود و نقول بأن المشرع قد تدارك ذلك من خلال القانون10-37 الصادر في 17 أكتوبر 2011 المتعلق بحماية الضحايا و الشهود والخبراء و المبلغين فيما يخص جرائم الرشوة و الاختلاس و استغلال النفوذ و غيرها. إلا أنه اقتصر على حماية الضحايا في بعض الجرائم دون أخرى.
وبذلك يجب على المشرع إعطاء ضمانات أكبر للضحايا.
* أما فيما يخص التعذيب والذي يعتبر من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، فإن الفصل 7 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية و السياسية ينص على أنه " لا يخضع أحد للتعذيب و لا للعقوبات و المعاملات القاسية أو غير الإنسانية" و في ذات الاتجاه تذهب المادة 399 من القانون الجنائي التي تنص على أنه " يعاقب بالإعدام من يستعمل وسائل التعذيب أو يرتكب أعمالا وحشية لتنفيذ فعل يعد جناية"، و هو ما أكده الفصل 231 من القانون الجنائي.
وحيث أنه بالرجوع لقانون م.ج لا نجد تعريفا للتعذيب، و هذا ما دفع بخبراء لجنة مناهضة التعذيب لإبداء عدة ملاحظات حول ملاءمة تعريف التعذيب كما هو منصوص عليه في القانون الجنائي و قانون الإرهاب، إذ رأى خبراء أن هذا التعريف لا يتلاءم مع اتفاقية مناهضة التعذيب و التي انضم إليها المغرب مؤخرا و بشكل نهائي.
لذلك، يجب على المشرع الإسراع بوضع تعريف للتعذيب لملاءمة التشريع الوطني مع الاتفاقيات الدولية. إذ أكد السيد المحجوب الهيبة(المندوب الوزاري لحقوق الإنسان) بأن هناك عدة مقترحات قوانين تتعلق بهذا الموضوع.
وفي نفس السياق، فإن انضمام المغرب لاتفاقية مناهضة التعذيب يحتم عليه الاستجابة لطلب اللجنة الأممية لمناهضة التعذيب يجعل جريمة التعذيب غير قابلة للتقادم.
* كما أن المشرع المغربي ملزم بوضع نصوص من شأنها إخضاع مختلف الأجهزة الأمنية و الاستخباراتية للمراقبة والمحاسبة.
*يلاحظ أيضا أن ق.م.ج لم يتضمن أية مقتضيات قانونية تجعل من الهيئات والمنظمات و الجمعيات الحقوقية تساهم في السهر على احترام حقوق الإنسان و الحريات. كما لم تتضمن - رغم التعديلات الأخيرة لسنة -2001 أي تنصيص على إشراك المؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان و مؤسسة الوسيط.
و حيث أن هذا يتعارض مع السياسة التشاركية التي تبناها مغرب العهد الجديد.
و بالتالي، فالمشرع المغربي مدعو لإشراك الجمعيات و الهيئات و المنظمات الحقوقية في تقرير و تعديل السياسة الجنائية و المجال الحقوقي خاصة بعد الدور الكبير الذي أصبحت تلعبه هذه الهيئات.
كما أن المشرع مدعو إلى تحديد موقع المؤسسات الوطنية الحقوقية من المسطرة الجنائية و جعلها فاعلا أساسيا في الميدان الحقوقي و ذلك نظرا لدسترة هذه المؤسسات، وتثمينا لما أبانت عنه هذه المؤسسات من مساهمة فعالة في صيانة حقوق الإنسان( المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان- ديوان المظالم- هيئة الإنصاف و المصالحة).
كما أن الجهاز المكلف بتنفيذ العقوبة يبقى هو إدارة السجون.
لكن بالرغم من أن المشرع أحدث مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبة إلا أن اختصاصاته تظل محدودة أمام الاختصاصات الواسعة و الدور البارز لإدارة السجون.
لذلك، فالمشرع المغربي مطالب بإعطاء صلاحيات أكبر لقاضي تنفيذ العقوبة في مجال التنفيذ، ما دام أن القاضي هو الذي يقرر بشأن الاتهام و مدة العقوبة. و القاضي هو الذي يقوم أيضا بتحديد نوع العقوبة و طريقة تنفيذها، لتصبح جميع القرارات المتعلقة بتنفيذ العقوبات من اختصاص القضاء.
*كما أنه حبذ لو أن المشرع المغربي أدخل تعديلات جوهرية تتعلق بتغيير العقوبات السالبة للحرية بتدابير بديلة مثلما جاء في القوانين المقارنة كالقانون السويسري والقانون الفرنسي، وذلك من قبيل:
- التوقيفات المنزلية( في القانون السويسري): تشكل التوقيفات المنزلية إمكانية جديدة للحبس بعقوبات تتراوح بين شهر و ستة أشهر، و يتعلق الأمر بعقوبة تنفذ داخل المنزل باتباع برنامج تشخيصي و محدد، يتم خلاله إلصاق دملج إلكتروني برجل المحكوم عليه خلال فترة العقوبة يسمح بمراقبة احترام البرنامج.
- التدبير الوارد في الفصل 100 من القانون الجنائي السويسري: حيث يمكن أن ينطق القاضي ( عوض العقوبة ) بتدبير يرمي إلى وضع المعني بالأمر(الذي يجب أن يتراوح سنه بين 18 و 25) في مؤسسة للتربية على العمل.
- إيداع المجرمين المدمنين على المخدرات و الكحول في مؤسسات متخصصة لمحاربة هذا النوع من الأمراض( الفصل 44 من ق.ج السويسري).
- العمل للمصلحة العامة: ( الفصول 1- 747 و 2- 747 من ق.م.ج.الفرنسي) يتعلق الأمر بعقوبة تتمثل في عدد من ساعات العمل غير مدفوعة الأجر بين 40 ساعة إلى 240 ساعة خلال 18 شهرا، و نصفها بالنسبة للأحداث، تنجز لفائدة جماعة محلية أو مؤسسة عمومية أو جمعية ذات نفع عام تطبق على من تزيد سنهم عن 16 سنة. و يكون على الهيئة التي ينفذ العمل لفائدتها أن تدفع مصاريف النقل و الأكل و أن تعد تأمينا على المسؤولية.
- إلتزام أداء نشاط مهني معين أو متابعة تكوين.
- حظر التوفر على السلاح.
- حظر التوجه إلى أماكن محددة ( كأبواب المدارس، المسابح...)
- حظر ممارسة المهنة التي ارتكبت المخالفة بمناسبتها.
- حظر الالتقاء بالضحية.
* كما أننا نأمل من المشرع المغربي تقديم ضمانات للأحداث في مختلف المراحل، سواء في مرحلة البحث التمهيدي و النيابة العامة، أو في مرحلة التحقيق الإعدادي والمحاكمة وصولا إلى تنفيذ العقوبة في مواجهة الحدث الجانح.
وحيث أن المشرع المغربي عمد إلى تكييف ق.م.جمع المنظومة الدولية في مجال قضاء الأحداث، إذ تناول جنوح الأحداث من خلال 59 فصل من ق.م.ج بدءا من الفصل 458 إلى غاية الفصل 517.
وحيث أن هذه الضمانات تبقى غير كافية في حماية الحدث الذي يعتبر عماد المجتمعمستقبلا.لهذا، فالمشرع ملزم بإقرار ضمانات أكبر و تدابير بديلة في حق الجانح الحدث.
كما أننا نؤكد من هنا على أهمية الاستمرار في سياسة التخصص المهني لقضاء الأحداث، و التي أثمرت عن نتائج إيجابية رغم نسبيتها.
* كما أنه يجب القيام بإصلاح عميق و شامل لمنظومة العدالة، و ذلك بغرض تعزيز المكانة الدستورية للقضاء الذي تم الارتقاء به إلى سلطة مستقلة، نظرا للدور الحيوي للعدل في البناء الديمقراطي وتوطيد الاستقرار الاجتماعي و التنمية الاقتصادية، و حماية حقوق و إلتزامات المواطنين و الفاعلين الاقتصاديين و الاجتماعيين، و باعتبار القضاء ملاذا لصون الحقوق و الحريات وضمان ممارستها الفعلية، و تحقيق الأمن القضائي و الالتزام بسيادة القانون، و ترسيخ الثقة الكفيلة بالتحفيز على المبادرة و الاستثمار.
*كما أنه يجب نهج مقاربة تشاركية مع الفعاليات المعنية ومكونات المجتمع المدني ذات الصلة، بغرض تنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالسلطة القضائية بما يضمن تعزيز استقلال القضاء، و رفع فعاليته، وصيانة حرمته و وقاره، وتحصين كرامة وشرف وهيبة كافةمكوناته.
كما يجب إصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بالنظام الأساسي للقضاة و بتنظيم سير المجلس الأعلى للسلطة القضائية و المعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة.
و بالنظر للمكانة الخاصة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة و إصدار توصيات حول منظومة العدالة و حول سير مرفق القضاء، يجب العمل على حسن سير هذا المجلس و توفير الإمكانيات اللازمة لضمان استقلاله الإداري و المالي.
المحور الثاني:
مقترحات عملية حول المحاكمة العادلة بالمغرب :
رغم كل الحقوق والضمانات التي نصت عليها المسطرة الجنائية، حماية لحقوق الإنسان و الحريات، فان هناك صعوبات عملية و واقعية تقف حاجزا أمام ترجمة هذه الضمانات و الحقوق.
فرغم صدور الدستور الجديد لفاتح يوليوز 2011 و ما واكب ذلك من ضجة إعلامية كبيرة، فان العديد من المنظمات و الجمعيات الحقوقية (دولية و وطنية / حكومية و غير حكومية ) استمرت في رصد مظاهر و خروقات كبيرة لا زالت مستمرة.
نعم ، لقد جاء الدستور الجديد بمرتكزات هامة و أساسية، فانطلق من الفصل 19 بتأكيد على الحقوق و الحريات المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية والبيئية تماشيا مع الاتفاقيات الدولية، كل ذلك في احترام لثوابت المملكة، كما انه نص على حق الفرد في سلامة شخصه وأقربائه و ممتلكاته، كما تم نبذ المعاملة القاسية و اللاإنسانية المهينة و الحاطة من كرامة الإنسان،وقد شكل الفصل 23 من الدستور طفرة نوعية، حيث جاء فيه انه لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات و طبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون، كما أن الاعتقال التعسفي و الاختفاء القسري من اخطر الجرائم و يعرض مرتكبه لأقصى العقوبات، كما يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله على الفور، و بكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله و بحقوقه و من ضمنها: حقه في التزام الصمت، و يحق له الاستفادة في أقرب وقت ممكن من مساعدة قانونية و من إمكانية الاتصال بأقربائه فقرينة البراءة و الحق في محاكمة عادلة مضمونة،وذلك بالإضافة إلى جملة من الحقوق و الحريات.
لكن، و حيث أنه لا يكفي إصدار قوانين جنائية زاجرة و قوانين إجرائية - تضمن محاكمة عادلة منذ بداية البحث و التحقيق مرورا بالمحاكمة إلى حين صدور أحكام قضائية نهائية - ليتم الحسم بأن ذلك معيار السياسة و العدالة الجنائية السليمة.
فها هو المشرع المغربي قد أحسن صنعا حينما استهل قانون المسطرة الجنائية بنصه على مبدأ "البراءة هي الأصل" في الفصل الأول من القانون 01-22
لكن، حيث أن الأمر لا يتعلق بمبدأ اقره الفلاسفة و مفكرو القانون الجنائي،فالعبرة بتطبيق المبدأ و تفعيله على أرض الواقع و ليس بكتابته، فالدول التي لها قوانين جنائية متطورة لم تنص على المبدأ، غير أن حرصها على تطبيقه- كمبدأ قانوني راسخ- حرصا شديدا يفوق الحرص على ما تم تدوينه.
فالممارسة العملية في كثير من الأحيان تجعل المتهم يظهر و كأنه مدان و ليس بريء، و أنه هو الملزم بإثبات براءته. فالأصل يصبح هو الإدانة و ليس البراءة !! إذ بمجرد إحضار المتهم لمخفر الشرطة يتعرض لمختلف أنواع المعاملة السيئة من السب و الشتم إلى ممارسة العنف بكل أشكاله سواء النفسي و الجسدي، وإلا كيف يمكن تفسير كون الشخص يعترف أمام الضابطة القضائية و ينكر أمام النيابة العامة و المحكمة؟ كيف يعقل أن تكون لمحاضر الضابطة القضائية قوة ثبوتية أقوى من القوة الثبوتية التي تتوفر عليها محاضر استنطاق أنجزها وكيل الملك أو الوكيل العام للملك أو المحكمة ؟ !
لذا، نقترح أن يتم تثبيت مبدأ "البراءة هي الأصل " و ذلك بإلقاء عبء الإثبات على من يدعي خلاف هذا الأصل، لأنه لا معنى من أن يكلف الشخص المراد مساءلته جنائيا بإثبات انه بريء ! لذلك فعلى القاضي الجنائي إعلان براءة المتهم المفترضة إذا لم يتم ثبوت الفعل الجرمي في حق المتهم بالدليل القاطع. خاصة وأن المغرب أصبح يتوفر على ما يسمى بالشرطة العلمية، أي يمكن التعرف على الفاعل بسهولة انطلاقا من مكان الجريمة و طريقة ارتكابها و ظروفها.
*في نفس السياق نقترح أن يتم تعزيز وسائل الإثبات عن طريق الدعم المادي لسلطات التحقيق.كما نرجو أن يتم إضافة عدة مختبرات علمية في جل المدن المغربية، على غرار مختبر تمارة ومختبر الرباط، واللذان يصنفان الأفضل في إفريقيا والعالم العربي.
*كما نرجو أن يكون التحقيق عينيا، أي ينصب على الجريمة و عكس ما هو موجود حاليا من أن التحقيق غالبا ما يكون شخصيا.
* ندعو أيضا إلى إعادة النظر في ما يسمى بإعادة تمثيل الجريمة، ومدى تأثيره على نفسية الفاعل، و كأنه يرتكب الفعل للمرة الثانية
* نستغرب أيضا مما أصبح يبث على قنواتنا الوطنية من برنامج تعيد إحياء ذكرى جرائم شنعاء و ما لهذه البرامج من تأثير سلبي على الجمهور الناشئ ( مول الموطور- مول الباش- مول كلينيكس .... و غيرهم) إذ أصبح هؤلاء المجرمون أبطالا في مخيلة شباب المستقبل!! هذا ما يجعلنا نتساءل عن دور الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري. لذا، فننتظر أن تتحرك هذه الهيئة الوطنية من موقعها السلبي وتفرض رقابتها على ما يبث على القنوات الوطنية. هذا ناهيك على أن هذه البرامج تسيء إلى المجرم وأقربائه.
*أما فيما يتعلق بتطبيق المادة 159 من ق.م.ج التي تنص على أن الوضع تحت المراقبة القضائية و الاعتقال الاحتياطي هما تدبيران استثنائيان، فاِن قضاة التحقيق و القضاة والنيابة العامة غالبا ما يلجؤون إلى الاعتقال الاحتياطي و ذلك لتجنب عناء البحث عن الشخص من جديد و لضمان حضوره في أي وقت حتى و لو كان مجرد الوضع تحت المراقبة القضائية كافيا.
لذلك، نؤكد على انه من الضروري تفعيل الإجراءات البديلة للاعتقال الاحتياطي:كالوضع تحت المراقبة القضائية و مسطرة الصلح و تطبيق الكفالة المالية أو الشخصية، كما يلزم التأكد من توفر حالة التلبس كما هي منصوص عليها في المادة 56 من ق.م.جوالحرص على تطبيق مقتضيات المادة 74 فيما يتعلق بتقديم المشتبه فيهم أحرارا للمحكمة بعد تقديم كفالة مالية أو شخصية، على ألا يتم اللجوء إلى الاعتقال إلا في حالة عدم توفر المشتبه فيه على ضمانات كافية للحضور.
كما يجب على النيابة العامة عدم اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي خارج حالة التلبس الا في حالات الضرورة القصوى.
كما يجب السهر على تهيئ ملفات طلبات إدماج العقوبات المقدمة من لدن المعتقلين قصد عرضها على المحكمة للبث فيها بالسرعة اللازمة.
*كما يجب الحرص على التزام الشفافية و الحياد في تهيئ طلبات العفو. و نشيد هنا بالعفو الملكي بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، و الذي تم بموجبه الإفراج عن 458 شخصا، من بينهم حسن الكتاني و أبي حفص و عمر الحد وشي بالإضافة إلى معتقلان من اليسار الاشتراكي الموحد و سبعة ناشطين في حركة " 20 فبراير" بالإضافة إلى شيوخ السلفية الجهادية.فيما تم استثناء "رشيد نيني"، و قد جاء جواب جلالة الملك ردا على طلب وزير العدل و الحريات " مصطفى الرميد" بأنه: «لو أن نيني أساء إلي لعفوت عنه،لكنه أساء إلى مسؤولين و إلى مؤسسات في الدولة، و لهذا لا يمكن أن أعفو عنه.»
و يجب التنبيه إلى أن الإفراج عن شيوخ السلفية جاء بعد ملتمس تقدمت به وزارة العدل و الحريات وبعد اجتماعات ماراطونية مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ممثلا بمحمد الصبار "الأمين العام للمجلس" و الذي قام بعدة لقاءات في السجون مع السلفيين و فتح باب الحوار و المناقشات، و نفس الشيء قام به وزير العدل و الحريات.
من هنا ندعو إلى السير في نفس المنوال بجعل سياسة الحوار أساسا للمصالحة مع ملفات شائكة تقض مضجع المملكة المغربية عبر التقارير الوطنية والدولية، والتي ما فتات تدين الوضعية الحقوقية و كذلك ندعو إلى الإفراج الفوري على معتقلي الرأي و المعتقلين السياسيين، بالإضافة إلى معتقلي الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، والمعتقلون على إثر الأحداث الدامية التي شاهدتها مدينة تازة على إثر الاحتجاجات المطالبة بتسوية الوضعية الاجتماعية للساكنة.
*أما فيما يخص نظام المساعدة القضائية. فانه في حالة عسر المتهم ماديا، فانه يعين له في إطار المساعدة القضائية محاميا، غالبا ما يكون من المبتدئين، و حتى و إن كان من المتمرسين فغالبا لا يتعامل مع القضية بكل جدية.
أما إن تم تعيين المحامي أثناء المحاكمة فان الرئيس يختار محاميا من المتواجدين بالقاعة و يطلب منه أن يدلي بدفوعاته فورًا،فكيف يعقل ذلك إذا لم يتمكن من الاطلاع على الملف و إعطائه وقتا كافيا لإعداد الدفاع!!!
لذلك ندعو إلى إحداث صندوق للمساعدة القضائية، يقوم بتعويض المحامي على أتعابه حتى يتم التعامل مع الملفات بنوع من الجدية من جهة، و من جهة أخرى نتمنى أن يتحلى السادة المحامون بنوع من التعاون بمراعاة الظروف المادية للمتهمين.
كذلك، نرى أن من واجب الرئيس بعد تعيين محام من الحاضرين أن يمنحه وقتا كافيا لإعداد الدفاع.
كما نؤكد على ضرورة حضور المحامي منذ الوهلة الأولى و تثبيت ذلك في المحضر و ذلك من اجل عدم انتزاع الاعترافات بالإكراه.
*أما بخصوص "التعذيب" فقد استأثرت هذه الإشكالية باهتمام كبير من طرف جل الفاعلين في الميدان الحقوقي، فكانت موضوع تقارير ورصد من طرف عدة هيئات دولية ووطنية.
فعلى الصعيد الدولي تنشط عدة هيئات و منظمات مثل: منظمات "هيومنرايتسووتش" والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية بالإضافة إلى منظمات حكومية (تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في 8 ابريل 2011). كل هذه المنظمات سجلت عدم احترام المعايير الدولية للمحاكمات العادلة من خلال الحرمان من الحق في الاتصال بمحامي، و منع المتهمين من استدعاء الشهود و استمرار حالات الاختفاء القسري و الاعتقال التعسفي، كما رصدت عدة حالات للتعذيب في السجون و مراكز الشرطة.كما انتقدت عدم احترام توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة.
أما على المستوى الوطني: فها هي جمعية عدالة ترصد حالات للتعنيف المصاحب بالسب والشتم. ومن جانبها: أشارت جمعية "منتدى الكرامة" في عرض لها بتاريخ11مارس2011 أن تطبيق البنود المتعلقة بالفحوص الطبية الخاصة بضحايا التعذيب غير مضمون وأن المتابعات في حق المسؤولين عن التعذيب تظل بعيدة، وقد أوردت في ذلك عدة أمثلة.
كما أكدت اللجنة المغربية لمناهضة التعذيب و المنظمة المغربية لمناهضة التعذيب في تصريح مشترك( قدم في الرباط يوم الخميس 19 يناير 2012) أورد بان هذه الممارسات و شبيهاتها تتم بعيدا عن كل مساءلة و محاسبة حقيقيتين. دون الشعور بان للمغرب التزامات دولية تشجب التعذيب: منها اتفاقية مناهضة التعذيب.
لذلك، ندعو إلى وضع منهجية تدقيقية لتشخيص وضعية حقوق الإنسان والوقوف على النواقص و تحديد المنهجية الواجب إتباعها لتجاوزها، بالإضافة إلى وضع تشخيص لماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و ذلك بإحداث لجان أو هيئات تقوم باستقبال شكاوى الضحايا و البحث فيها و تنظيم جلسات استماع عمومية تتيح من خلالها لهؤلاء فرصة عرض الانتهاكات التي تعرضوا لها و تحديد الضحايا و تقدير تعويضاتهم .
و في نفس السياق، تؤكد على ضرورة الاستجابة لطلب اللجنة الأممية لمناهضة التعذيب بجعل جريمة التعذيب غير قابلة للتقادم، و بالتالي إمكانية متابعة كل من سولت له نفسه مخالفة المقتضيات الزجرية المتعلقة بشجب التعذيب، و إرساء حقيقي لمبدأ عدم الإفلات من العقاب.
كما أننا ندعو إلى ضرورة الموازنة بين التدخل التي تفرضه ضرورة استثبات الأمن و بين ما تشكله المظاهرة أو الوقفة الاحتجاجية من خرق للأمن.
و
نذكر هنا الاستعمال المفرط للعنف في حق المواطنين في مدينة تازة على خلفية الأحداث التي اندلعت يوم 4 يناير الماضي و امتدت إلى بداية شهر فبراير الحالي، و ذلك بسبب تعنت السيد عامل الإقليم و تهديده باستعمال العنف ضد المعطلين المجازين الذين كانوا يخوضون اعتصاما أمام مقر العمالة، بالإضافة إلى سكان بعض الأحياء(حي التقدم و الكوشة) الذين طالبوا بمراجعة فواتير الكهرباء و تسوية الأوضاع الاجتماعية، كل ذلك أدى إلى معارك دامية أسفرت عن عدة إصابات و اعتقالات و حالات تعذيب، و هذا ما أكده الأستاذ حسن طارق( في برنامج : حوار و آراء يوم الثلاثاء 7 فبراير 2012)
* و كذلك، ومن اجل تجنب مثل هذه الإصطدامات العنيفة ينبغي فتح قنوات الحوار مع الشباب المعطل من حملة الشهادات، حتى لا تتكرر مأساة وفاة المعطل " عبد الوهاب زيدون" الذي قضى متأثرا بآثار الحروق بعد أن التهمت النيران جسده، كاحتجاج منه على تجاهل مطالبهم كمعتصمين في ملحقة وزارة التربية الوطنية.
* كما نشيد بالقرار الشجاع المتعلق باعتقال السلطات القضائية قاضيا(بمدينة طنجة) متلبسا باستلام رشوة، و نطالب بالرفع من وثيرة معاقبة كل المسؤولين الذين يستغلون نفوذهم لابتزاز المواطنين في أجهزة متعددة تنخرها آفة الرشوة.
*كما أننا نطالب بتحديد دور و وظائف عناصر الإدارة العامة للتراب الوطني بدقة اكبر، خاصة بعد أن أصبحوا يحملون صفة ضباط للشرطة القضائية.
و نظرا للإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، فقد رصدت جمعية "منتدى الكرامة" عددا كبيرا من الحالات حيث يقوم عناصر بلباس مدني بالاختطافات و الاعتقالات، ولا يقدمون ورقة تعريف أو أمر قضائي، واقتيادهم نحو وجهة مجهولة أو نحو معتقل تمارة السري.... إلى غير ذلك من الخروقات القانونية.
و لهذا فمن الضروري الكشف عن المعتقلات السرية و فتح معتقل تمارة( حيث يقع مقر الإدارة العامة لمراقبة التراب) في وجه المراقبين و الهيئات الحقوقية.
و في هذا الإطار، قال الأستاذ " مصطفى الرميد" وزير العدل و الحريات جوابا عن سؤال حول مراقبة الأجهزة الأمنية السرية و العلنية في لقاء جمعه بالصحفيين مساء الاثنين 6 فبراير 2012 «لقد طلبت لقاء الحموشي عبد اللطيف المسؤول عن "دي.اس.تي" وأخبرت إداراته أنني أريد أن اعرف مكان اشتغالهم... فقيل لي أنهم يعدون مقرا جديدا في سلا للبدء في العمل، وأنهم لن يحققوا مع احد، وإن كان القانون قد صدر، أي في انتظار أعداد المقر الجديد»
* نعود مرة أخرى إلى موضوع التعذيب لنشير بان المغرب قدم تقريره الرابع عن التزامه باتفاقية مناهضة التعذيب "بجنيف" بشكل أحادي دون إشراك المنظمات الحقوقية الوطنية. و هو ما رد عليه السيد المحجوب الهيبة( المندوب الوزاري لحقوق الإنسان) بان اللقاء يجب أن يكون في مرحلة صياغة التقرير. و أن التقرير كان مبرمجا سنة 2009، إلا انه أكد على انه في المستقبل ستكون هناك مشاورات مع مختلف الفاعلين في الميدان الحقوقي.
في هذا الصدد نرجو أن تفي الجهات المسؤولة بوعودها و تقوم بوضع سياسة تشاركية من اجل ترسيخ ثقافة حقوقية متينة.
* كما يجب الإسراع بتفعيل صلاحيات لجنة مناهضة التعذيب التي أصبح لها الحق في تلقي شكايات الأفراد حول التعذيب و مختلف أصناف سوء المعاملة.
* كما يجب تفعيل دور قاضي تنفيذ العقوبة عن طريق القيام بزيارات للمؤسسات السجنية قصد الاطلاع على حالة السجناء و الاستماع إلى ملاحظاتهم و شكاياتهم بخصوص وضعيتهم القانونية مع تحرير تقارير بذلك و اتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية بشأن شكاياتهم.
* كما يجب التشديد على تفعيل دور اللجن الإقليمية لمراقبة المؤسسات السجنية لتفقد أحوال السجناء و وضعيتهم داخل السجن و مراقبة توفر شروط العيش الكريم من قبيل:
-معاملة السجين معاملة إنسانية، و تشمل حمايته من التعذيب و حظر أعمال القسوة وتحسين الظروف المعيشية المناسبة في السجن.
-توفير الرعاية الصحية امتثالا لمضامين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
- توفير برنامج تعليمي يسمح بإعادة تشكيل شخصية النزيل و اتجاهاته و قدراته وسلوكاته.
- تمكين السجناء من الاتصال بالعالم الخارجي، و تعد الزيارة الشكل الأمثل لجعل السجين على علاقة بالعالم الخارجي.
- الاهتمام بوضع المرأة في السجون خاصة في ظل غياب الرعاية الصحية وخاصة بالنسبة للمرأة الحامل.
* من جهة أخرى ، وفي ما يتعلق بالقضاء عموما يجب العمل على تنفيذ برامج تأهيل الهياكل القضائية و الإدارية و مواردها البشرية، و ترسيخ التخليق، و جعل القضاء في خدمة المواطن، بدعم ضمانات المحاكمة العادلة، و تحقيق فعالية و شجاعة القضاء و قربه، وتبسيط المساطر و الإجراءات القضائية و توحيدها، و تسهيل و لوج المتقاضين إلى المحاكم، وتحسين ظروف العمل و الاستقبال بأعداد فضاءات قضائية مناسبة.
* كما يجب نهج الشفافية و الحكامة الجيدة في الإدارة القضائية، و ترسيخ احترافية القضاء و تخصصه، و نزاهة و جودة أحكامه عن طريق الارتقاء بالتكوين الإعدادي و التكوين المستمر للقضاة و الموظفين و مساعدي القضاء بهدف تعزيز مواكبة النظام و الأداء القضائي لحاجيات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية.
* كما يجب اتخاذ إجراءات عاجلة للرقي بمستوى الإدارة القضائية عن طريق استعمال التكنولوجيا الحديثة في أفق التحديث و المكننة الشاملة لمحاكم المملكة و ذلك لتسريع إجراءات البث في القضايا، و ضمان جودة و شفافية الخدمات القضائية.
*يجب العمل أيضا على نهج سياسة عمومية مندمجة تنطلق من رصيد توصيات ومقاربة هيئة الإنصاف و المصالحة، و تطوير المؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان.في الختام، نأمل أن يتدخل المشرع المغربي في أقرب الآجال لإدخال تعديلات على منظومة حقوق الإنسان، بغية صيانة الحق في المحاكمة العادلة، و ذلك عن طريق حماية الإنسان من التعسف ومنع الإعتداء على حقه في الحرية و عدم المس بكرامته. كل ذلك من أجل السمو بالحريّات فوق كل الإعتبارات و ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان داخل المجتمع المغربي.