MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




أهم مستجدات كــــراء المحلات المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني من خلال القانون الجديد رقم 12.67

     



بقلـــم: عبد الكريم امجـــوض - باحث بكلية الحقوق بالرباط -



أهم مستجدات كــــراء المحلات  المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني  من خلال القانون الجديد رقم 12.67

 
 
صدر مؤخرا بالجريدة الرسمية عدد 6208 قانون رقم 12.67 يتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني الذي جاء، حسب مذكرة تقديمه، للانسجام مع البرنامج الحكومي في مجالات السكنى والتعمير وسياسة المدينة المتمثل في تقليص العجز السكني من 840 ألف وحدة إلى 400 ألف وحدة وتوفير السكن اللائق وتنويع العرض السكني وتكثيفه مع تسريع وثيرة مشاريع برنامج مدن بدون صفيح ووضع إطار جديد لتحقيق الاندماج الحضري والاجتماعي لهذه البرامج، كما يرمي هذا القانون إلى تحيين الإطار التشريعي لتأهيل القطاع وتحسين مردوديته، نظرا للأهمية الاقتصادية والاجتماعية لقطاع الكراء باعتبار المحلات المعدة للكراء يمثل آلية للوقاية من السكن غير اللائق، ويستجيب للحركية المهنية ولحاجيات الأسر حديثة التكوين، كما يساهم في حل معضلة المساكن الآيلة للسقوط، كما يهدف المشرع من خلال هذا القانون، حسب مذكرة تقديمه دائما، إلى دعم مبدإ الاستقرار القانوني في العلاقات الكرائية وإعادة التوازن للعلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري مع توفير ضمانات كافية لاسترجاع ثقة المستثمرين المؤسساتيين والخواص في قطاع السكن المعد للكراء، بالإضافة إلى سن مقتضيات مبسطة وواضحة وخالية من كل تعقيد تضمن مصالح الطرفين مع توحيد وتجميع المقتضيات القانونية المتعلقة بالكراء ونسخ بعض المقتضيات المتجاوزة وتحيين البعض الآخر، انسجاما مع المستجدات التي عرفتها بلادنا على جميع المستويات.

وقد جاء هذا القانون بعدة مقتضيات جديدة استطاعت في مجملها الإجابة عن عدة إشكاليات تثار في الواقع العملي دون أن تجد لها نصا قانونيا واضحا، باستثناء ما يقوم به القضاء من اجتهاد قد يتضارب بين محكمة وأخرى، وتحدث كذلك عن أحكام بعض القضايا التي تم تنظيمها في القانون المتعلق بكراء المحلات التجارية، بينما تم السكوت عنها في الكراء المتعلق بكراء المحلات السكنية لأسباب أملتها ظروف الزمان والمكان.

وقبل التطرق لأهم المستجدات التي جاء بها هذا القانون لا بد من الإشارة إلى ثلاث ملاحظات هامة:

الملاحظة الأولى شكلية تتعلق بالجانب اللغوي، ذلك أنه من المعلوم أن اللغة هي حمالة المعاني، وأن أي ارتباك فيها قد يجعل حقوق الناس عرضة للضياع، بفعل تسرب التأويل إلى النص القانوني الذي يفترض فيه أنه يتسم بصرامة لغوية لا مجال فيها للخطإ والغموض ولا للبيان والبديع.

 وما يلاحظ في الآونة الأخيرة هو أن هناك نصوصا تتم المصادقة عليها وتنشر في الجريدة الرسمية وتضم أخطاء لغوية نحوية أو إملائية كان من الأجدر أن تتم مراجعة أهل الاختصاص فيها، وكمثال على هاته الأخطاء الإملائية ما جاء في المادة 41 من هذا القانون من قوله : "وتقع باطلة بقوة القانون كل تولية جزئية للكراء، وكل تخلي جزئي عنه" حيث تمت كتابة "تخلي" بالياء في آخرها علما بأنه من المعلوم أن الأسماء المنقوصة حينما تكون نكرة فإن هاته الياء تحذف ويعوض عنها بالتنوين، فالصحيح هو :"وكل تَخَـــلٍ جزئي...". ومن الأخطاء النحوية ما ورد في المادة 67 من نفس القانون حيث نجد العبارة التالية :"إذا ظهر المكتري أو ذوي حقوقه المنصوص عليهم في المادة أعلاه بعد تنفيذ الأمر باسترجاع الحيازة جاز لمن يعنيه الأمر أن يتقدم بطلب أمام رئيس المحكمة.."، فلفظة "ذوي" معطوفة بـــ"أو" على "المكتري" الذي يعرب فاعلا للفعل الذي قبله، ومعلوم أن المعطوف يتبع المعطوف عليه في جميع إعرابه، والفاعل يكون دائما مرفوعا، وبالتالي فالصحيح هو أن يتم رفع "ذوي" بالواو فيصير "ذوو" باعتباره ملحقا بجمع المذكر السالم الذي يرفع بالواو وينصب ويخفض بالياء، وتكون العبارة السليمة لغويا ونحويا هي "إذا ظهر المكتري وذوو حقوقه....." وكلك الشأن بالنسبة لما ورد في المادة 56 التي يحدد فيها المشرع الحالات التي يمكن فيها للمكري أن يطلب من المحكمة فسخ عقد الكراء دون سلوك مسطرة الإشعار بالإفراغ، إذ تم تعريف لفظة "المخالِفة للأخلاق الحميدة" التي هي بمثابة نعت لكلمة "أغراض" التي جاءت منكرة في عبارة : "استعمال المكتري المحل المكترى لأغراضٍ غير تلك المتفق عليها في العقد أو المخـالفة للأخلاق الحميدة أو النظام العام أو القانون." ومعلوم أن النعت يتبع منعوته في الإعراب والتعريف والتنكير، وما جاء في النص من تعريف "المخالفة" يعني أنه معطوف على "المتفق عليها" فيكون المعنى: استعمال المكتري المحل المكترى لأغراضٍ غير تلك المتفق عليها في العقد أو غير تلك المخـالفة للأخلاق الحميدة أو النظام العام أو القانون، وهذا الأمر لا يستقيم مع المقصود من النص، ومثل هاته الأخطاء نجدها في مختلف القوانين الجديدة التي تعتمد الترجمة ولم تتم مراجعتها من طرف المتمكنين البارعين في اللغة.

والملاحظة الثانية شكلية كذلك تتعلق بالإحالة الواردة في كل من المادتين 57 و 67 حيث إن المادتين معا أحالت على المادة 54 التي تتحدث عن إمكانية استمرار مفعول الكراء لفائدة الأم الحاضنة في حالة طلاق الزوجين، بينما الظاهر من خلال سياق المادتين أن هناك خطأ في المادة المحال عليها لأن الصحيح، على ما أعتقد، هو الإحالة على المادة 53 وليس المادة 54 لأن المادة 53 هي التي تتحدث عن ذوي الحقوق وعن الأشخاص المستفيدين  من مفعول الكراء، ولعل هذا الخطأ يعود إلى حدوث تغيير في أرقام المواد عن طريق إقحام مواد أخرى دون الانتباه إلى هذا الأمر أثناء مناقشة المشروع.

أما الملاحظة الثالثة فهي أن هذا القانون ينظم، فقط العلاقات التعاقدية المتعلقة بالمحلات السكنية والمهنية دون العلاقات التعاقدية المتعلقة بالمحلات المعدة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي التي ينظمها ظهير 24 مايو 1955 الذي لا زال ساري المفعول، ولم يتم نسخه على غرار بعض القوانين الأخرى التي تم نسخها بموجب المادة 75 من هذا القانون، حيث أوردت لائحة من القوانين التي تعتبر منسوخة ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ أي من فاتح مارس 2014 كما هو منصوص عليه في المادة 74 من نفس القانون.

إذن هاته ملاحظات نعتبرها أساسية في هذا الباب، ارتأينا التمهيد بها قبل التطرق إلى أهم المستجدات التي جاء بها هذا القانون، والتي سنتطرق إليها في هاته الدراسة بشيء من التفصيل.

المستجد الأول: حرص المشرع على ترسيخ التوجه السائد اليوم في مجال المعاملات والمتمثل في اعتماد شكلية الكتابة.
فقد كان عقد الكراء في السابق يمكن إبرامه شفويا بمجرد تراضي الطرفين، لكن في القانون الجديد رقم 67.12 نص المشرع صراحة على أن عقد الكراء يبرم وجوبا بمحرر كتابي ثابت التاريخ يتضمن عدة بيانات تتعلق بالطرفين وبالمحل المكترى والمرافق التابعة له والغرض المخصص لها وبيان مبلغ الوجيبة الكرائية المتفق عليها ودورية أدائها، بالإضافة إلى طبيعة التكاليف الكرائية التي يتحملها المكتري والوسيلة المتفق عليها لأداء الوجيبة والتكاليف الكرائية وكذا الالتزامات التي يتحملها كل طرف.
وهذا التوجه المتعلق بجعل شكلية الكتابة حاضرة بقوة في عقد الكراء وما يتعلق به هو أن المشرع حرص على إثبات جميع المعاملات الناتجة عن عقد الكراء كتابة، فاستوجب إنجاز بيان وصفي للمحل موضوع العقد في محرر ثابت التاريخ (المادة 8) واشترط الحصول على  الموافقة الكتابية للمكري في حالة رغبة المكتري في إدخال تغييرات على المحل والتجهيزات المكتراة تحت طائلة إلزامه عند إفراغه للمحل بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه أو احتفاظ المكري بالتغييرات المنجزة دون أن يحق للمكتري حق المطالبة بالتعويض عن المصاريف المؤداة (المادة 15)، كما استلزم، بالنسبة للمحلات المعدة للاستعمال المهني، ضرورة الحصول على الموافقة الكتابية للمكري في حالة تولية الكراء أو التخلي عنه جزئيا (المادة 41)، بالإضافة إلى التأكيد على ضرورة سلوك مساطر كتابية مضبوطة في مختلف الإجراءات الناتجة عن عقد الكراء كحالة إشعار المكتري بانتقال ملكية المحل (المادة 4) وحالة إشعار المكري بالقيام بالإصلاحات التي تقع عليه (المادة 10) وحالة إنذار المكتري المتخلف عن أداء الوجيبة الكرائية (المادة 23) وكذا في حالة التعبير عن الرغبة في مراجعة الوجيبة الكرائية (المادة 37)، وغير ذلك من الإجراءات التي استلزم المشرع صراحة أو ضمنا احترام شكلية الكتابة في القيام بها، مما يؤكد أن المشرع اتخذ من اعتماد شكلية العقود منهاجا مطردا في كافة القوانين الحديثة التي يصدرها.
ويكون العقد ثابت التاريخ ابتداء من يوم تسجيله أو ثبوت مضمونه في عقد آخر حرره موظف عام أو التأشير عليه على يد ضابط عام مختص أو من يوم وفاة أحد الذين لهم على العقد خط وإمضاء أو إمضاء.

المستجد الثاني: النص على وجوب توفر المحل المكترى على المواصفات الضرورية للسكن اللائق.
فانسجاما مع ضرورة محاربة السكن غير اللائق، تم النص في المادة الخامسة من هذا القانون على ضرورة توفر المحل المكترى المعد للسكنى على  ما أسماه القانون "المواصفات الضرورية من حيث الأجزاء المكونة له وشروط التهوية والمطبخ ودورة المياه والكهرباء والماء" وإذا لم يتوفر المحل على المواصفات المذكورة في المادة الخامسة، فإن المشرع، في المادة السادسة، وضع أمام الطرفين حلا ملائما يتم من خلاله تجاوز هاته الوضعية غير السليمة، فنص على إمكانية الاتفاق كتابة على الأشغال التي يمكن للمكتري القيام بها وكيفية خصم مصاريفها من الوجيبة الكرائية، ويتم تضمين ذلك كله في اتفاق مكتوب مؤرخ وموقع بين الطرفين المتعاقدين ومصادق على توقيعهما لدى الجهات المختصة يحدد بالخصوص قيمة المصاريف وكيفية خصمها من الوجيبة الكرائية ومدة الخصم وكيفية تعويض المكتري في حالة إفراغه قبل نهاية العقد للمحل المكترى مقابل إثبات المصاريف التي تم إنفاقها، ويتم ذلك كله قبل إعداد البيان الوصفي لحالة المحل المعد للكراء الذي يتضمن وصف المحل بكيفية مفصلة ودقيقة؛ هذا البيان الوصفي الذي جعل المشرع إعداده إلزاميا وقت تسلم المحل ووقت استرجاعه، بحيث يتم إرفاقه بالعقد وينجز في محرر ثابت التاريخ ويتضمن وصف المحل بكيفية دقيقة ومفصلة، مع تجنب استعمال بعض الصيغ الفضفاضة من نوع "حالة جيدة" أو "حالة متوسطة" أو ما شابههما.
ويرمي حرص المشرع على توفر المحل على كافة المرافق الضرورية وإعداد بيان وصفي للمحل إلى ضبط مرافق المحل ومحاربة السكن العشوائي، بالإضافة إلى  تفادي النزاعات التي قد تنشأ بين الطرفين بخصوص تحديد وضعية المحل أثناء تسلمه وأثناء استرجاعه.

المستجد الثالث: وضع معيار محدد للتعويضات والضمانات التي يستفيد منها أحد الطرفين عند الاقتضاء.
فقد جاء القانون الجديد ليضع معايير محددة للتعويضات وكذا الضمانات التي يستفيد منها أحد طرفي عقد الكراء عندما تقتضي الضرورة ذلك، ويمكن التمثيل لذلك بالحالات التالية:
- حالة احتفاظ المكتري بالمحل المكترى عند إنهاء أو فسخ العقد: فقد نصت المادة 13 من القانون الجديد على أن المكتري يعتبر محتلا بدون سند، ويجب عليه أن يدفع للمكري تعويضا عن شغله للمحل لا يقل عن ضعف الوجيبة الكرائية.
- حالة حرمان المكتري بصفة كاملة أو جزئية من محل الكراء لأكثر من ثلاثة أيام بفعل إجراء المكري لإصلاحات مستعجلة بالمحل: فقد منحت المادة السابعة عشرة من القانون الجديد للمكتري الخيار أن يفسخ العقد أو يلجأ للقضاء للمطالبة بخصم جزء من مبلغ الوجيبة الكرائية بما يتناسب والمدة التي حرم خلالها من المحل المكترى.
- حالة تصحيح الإشعار بالإفرغ: نصت المادة 51 على أنه يجب على المكري في حالة تصحيح الإشعار بالإفراغ أن يؤدي للمكتري إضافة إلى صوائر الانتقال المثبتة، تعويضا قيمته وجيبة كراء سنة حسب آخر مبلغ الوجيبة المؤدى من طرف المكتري.
- حالة إفراغ المكتري من المحل بناء على سبب غير صحيح أو سبب لم يتم تنفيذه من طرف المكري: نصت المادة 51 على أن للمكتري الحق في مطالبة المكري بتعويض يساوي قيمة الضرر الذي لحقه نتيجة ذلك، على أن لا يقل عن الوجيبة الكرائية لمدة سنة.
- تحديد ضمانة تغطية مبالغ الكراء والتكاليف الكرائية غير المؤداة وكذا الأضرار التي قد تلحق بمحل الكراء والتي يمكن أن يتسبب فيها المكتري في مبلغ لا يمكن أن يزيد على واجب شهرين من وجيبة الكراء.
والمشرع بهذا التحديد حاول تجاوز النزاعــات الناشئة عن هاته النوازل، كما يرمي إلى قطع الطريق أمام بعض السماسرة والانتهازيين الذين يستغلون حاجة الراغبين في الكراء فيقومون بفرض مبالغ باهظة عليهم كضمانة.

المستجد الرابع: تحديد الإصلاحات التي يتحملها المكتري ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك.
فقد تحدث القانون الجديد على الإصلاحات التي يتحملها المكتري أصالة ولا يلزم بها المكري ما لم يكن مكلفا بها بموجب العقد، وهي الواردة في المادة 19 التي تنص على أنه يراد بالإصلاحات أشغالُ الصيانة المألوفة والإصلاحات البسيطة التي يقتضيها الاستعمال الطبيعي للمحلات، وتشمل بالخصوص:
- الأجزاء الخارجية المخصصة للاستعمال الخاص للمكتري كالأبواب والنوافذ والألواح الزجاجية والترابيس والأقفال؛
- الأجزاء الداخلية كالتجهيزات الكهربائية وأشغال التبليط والصباغة والحدادة والستائر والشبابيك؛
- إصلاح أو تغيير صنابير الماءوالتجهيزات الصحية بالمحل المكترى.
وتتم كل هاته الإصلاحات على نفقة المكتري استثناء من أحكام الفصل 639 من قانون الالتزامات والعقود، الذي ينص على أن إصلاحات الصيانة البسيطة لا يلزم بها المكتري إلا إذا كلف بها بمقتضى العقد أو العرف.

المستجد الخامس: تحديد مسطرة أسبقية رجوع المكتري إلى المحل بعد إصلاحه أو إعادة بنائه.
استلهم المشرع هاته المسطرة من ظهير 24/05/1955 المنظم لكراء المحلات التجارية والصناعية والحرفية، حيث نصت المادة 50 على أن المكتري يحظى بالأسبقية للرجوع إلى المحل بعد إصلاحه أو إعادة بنائه بشرط أن يستعمل هذا الحق داخل الشهرين المواليين للإشعار الصادر عن المكري وإلا سقط حقه. ولذلك يتعين على المكري إخبار المكتري خلال أجل خمسة عشر يوما من تاريخ تسلمه رخصة السكن أو شهادة المطابقة حسب الحالة. ويمكن للمكتري أن يطلب من المحكمة تحديد أجل للمكري يتعين خلاله تنفيذ سبب الإفراغ، ذلك أن المكري قد يتحايل على المكتري فيستصدر حكما بتصحيح الإشعار بالإفراغ من أجل الإصلاح أو إعادة البناء، ثم بعد أن يتم إفراغ المكتري ويسترجع المحل يتملص من تنفيذ السبب الموجب للإفراغ، ولذلك أعطى المشرع للمكتري إمكانية اللجوء إلى المحكمة لتحدد للمكري أجلا يتعين خلاله تنفيذ سبب الإفراغ، فإن كان الأمر يتعلق بالإصلاحات فيجب عليه مباشرة الإصلاحات وإن تعلق الأمر بالهدم وإعادة البناء فإنه يجب عليه مباشرة إجراءات الهدم وإعادة البناء.

المستجد السادس: تحديد الحالات التي يمكن فيها للمكري أن يطلب من المحكمة فسخ عقد الكراء وإفراغ المكتري دون توجيه أي إشعار بالإفــراغ.
حيث حددت المادة 56 خمس حالات يكن فيها للمكري أن يطلب من المحكمة فسخ عقد الكراء وإفراغ المكتري من المحل المكترى دون توجيه أي إشعار بالإفــراغ وهي:
- حالة استعمال المحل والتجهيزات المكتراة في غير ما أعدت له؛
- حالة إدخال تغييرات على المحل المكترى بدون موافقة أو إذن المكري؛
- حالة إهمال المحل المكترى على نحو يسبب له ضررا كبيرا؛
- حالة عدم أداء الوجيبة الكرائية التي حل أجلها رغم توصله بإنذار الأداء؛
- حالة استعمال المكتري المحل المكترى لأغراضٍ غير تلك المتفق عليها في العقد أو المخالفة للأخلاق الحميدة أو النظام العام أو القانون.
ففي هاته الحالات كلها يمكن للمكري أن يلتمس من المحكمة فسخ عقد الكراء وإفراغ المكتري دون سلوك مسطرة الإشعار بالإفراغ.

المستجد السابع:  تخصيص التولية والتخلي عن كراء المحلات المعدة للاستعمال المهني بمقتضيات خاصة تراعي خصوصيات هذا النوع من المحلات.
فإذا كان الأصل هو أن تولية المحل المكترى أو التخلي عنه، كليا أو جزئيا، لا يجوز بدون موافقة المكري، فإنه في حالة المحلات المعدة  للاستعمال المهني لا يحق للمكري أن يعترض على التولية أو التخلي إذا ما التزم المتولى له أو المتخلى له باستعمال المحل المكترى لمزاولة نفس النشاط المهني الذي كان يزاوله بها المكتري الأصلي، أو لمزاولة نشاط مهني مماثل شريطة أن لا يترتب عن ذلك إدخال تغييرات على المحل المكترى، أو إحداث تحملات إضافية بالنسبة للمكري أو تغيير طبيعة عقد الكراء، ويتم لذلك استدعاء المكري من طرف المكتري ليشارك في العقد ويشعره بنيته في تولية الكراء أو التخلي عنه للغير (المادة 40)، وإذا كان مبلغ الوجيبة الكرائية في حالتي التولية أو التخلي يفوق وجيبة الكراء الأصلية للجزء الذي وقعت توليته أو التخلي عنه فللمكري الحق في طلب زيادة الوجيبة الكرائية الأصلية بقدر ذلك (المادة 42).
وقد خص المشرع كراء المحلات المعدة للاستعمال المهني بهذه المقتضيات حماية للمهن ومراعاة لخصوصيات هذا النوع من المحلات.

المستجد الثامن: النص على مسطرة استرجاع حيازة المحلات المهجورة أو المغلقة
فقد كان مشكل فتح المحلات المغلقة واسترجاع حيازة المحلات المهجورة من المشكلات العويصة التي لم يتطرق لها المشرع في مختلف المقتضيات القانونية المتعلقة بالكراء سواء في ظهير الالتزامات والعقود أو في ظهير 24 ماي 1955 أو في ظهير25 دجنبر 1980 المتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للأماكن المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني المنسوخ بهذا القانون الجديد، مما خلف فراغا قانونيا حاول الفقه والقضاء تجاوزه عن طريق اللجوء إلى مقتضيات الفصل 450 من قانون المسطرة المدنية التي تنص على أن رئيس المحكمة يأذن لعون التنفيذ في فتح أبواب المنازل والغرف والأثاث لتسهيل التفتيش في حدود ما تقتضيه مصلحة التفتيش، وهو مقتضى بعيد كل البعد عن فتح المحلات المهجورة كما ناقش ذلك أستاذنا محمد الكشبور في كتابه "الكراء المدني والكراء التجاري"، كما أثير النقاش حول القضاء المختص هل هو القضاء الاستعجالي أو قضاء الموضوع، ولم يتم حسم هذا الخلاف سواء على مستوى محاكم الموضوع أو على مستوى محكمة النقض.
لكن المشرع في القانون الجديد رقم 12.67 خصص لهذه المعضلة الباب التاسع بأكمله (مع ملاحظة أن المشروع الذي تقدمت به الحكومة لم يتضمن أية إشارة لهذا الموضوع وإنما تمت إضافة هذا الباب أثناء المناقشة) حيث قسمه إلى فرعين خصص الأول لمسطرة استرجاع المحل المهجور أو المغلق من طرف المكري وخصص الثاني لاسترجاعه من طرف المكتري، كما حدد بشيء من التدقيق وضعية اعتبار المحل مهجورا (المادتان 57 و 58) والتي استوجب لذلك أن يظل مغلقا لمدة ستة أشهر على الأقل بعد إخلائه من طرف المكتري من جميع منقولاته وأغراضه كليا أو جزئيا، أو بعد غياب المكتري عن المحل وعدم تفقده من طرفه شخصيا أو من يمثله، أو بعد وفاة المكتري أو فقدانه للأهلية القانونية، ولا يعتبر مهجورا ما دام المكتري موفيا بالتزاماته إزاء المكري.
وحددت المادة 59 الجهة التي يقدم إليها المكري طلب الاسترجاع، حيث حسمت النقاش الدائر حول هذا الموضوع فنصت على تقديمه إلى السيد رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات، واسترسل المشرع في تبيان المسطرة التي ينبغي سلوكها طيلة الدعوى من خلال المواد من 60 إلى غاية 66 حيث تطرق إلى مختلف الإجراءات التي يتم القيام بها سواء خلال استدعاء المكتري أو خلال تنفيذ الأمر بالاسترجاع ومصير المنقولات الموجودة بالمحل، وكذلك الشأن بالنسبة لظهور المكتري أثناء تنفيذ الأمر بالاسترجاع، قبل أن ينتقل إلى تبيان استرجاع المحل من طرف المكتري، بحيث إن المشرع لم يغلق الباب أمام المكتري الذي قد تدفعه ظروفه الخاصة إلى هجران المحل وإغلاقه، وتم تنفيذ الأمر باسترجاع الحيازة من طرف المكري، بل وضع أمامه إمكانية تقديم طلب أمام رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بشرط إثبات أداء المبالغ الكرائية المترتبة بذمته وقبل مرور ستة أشهر على التنفيذ. وفي حالة استحالة تنفيذ الأمر بإرجاع الحالة جاز للمكتري أو من يقوم مقامه المطالبة بالتعويض عن الضرر أمام المحكمة المختصة.
وهكذا تدخل المشرع فحسم النقاش الدائر حول معضلة استرجاع حيازة المحلات المهجورة أو المغلقة، فبين الجهة المختصة والمسطرة المتبعة ومصير المنقولات الموجودة بالمحل، مما يجعل هذا القانون ناجعا في هذا الباب.

المستجد التاسع: إمكانية استفادة الأم الحاضنة لأطفالها من استمرار مفعول الكراء لفائدتها بنفس الشروط التعاقدية التي كانت تربط مطلقها مع المكري.
نصت المادة 54 من القانون الجديد على أنه "يمكن في حالة طلاق الزوجين أن يستمر مفعول الكراء لفائدة الأم الحاضنة لأطفالها بنفس الشروط التعاقدية التي كانت تربط مطلقها مع المكري."
فقد كان بقاء المطلقة في المحل المكترى الذي تقطنه مع مطلقها بعد انفصام العلاقة الزوجية وانقضاء العدة يعتبر بمثابة احتلال بدون سند ولا قانون، خصوصا إذا قام الزوج بفسخ عقد الكراء، حيث يكفي اللجوء إلى قاضي المستعجلات ليضع حدا للاحتلال ويقضي بإفراغها.
غير أن المشرع، اليومَ، أحسن صنعا حين استحضر البعد الإنساني الذي ينبغي أخذه بعين الاعتبار، وإدراج المطلقة الحاضنة لأطفالها ضمن الفئات التي يمكن أن يستمر مفعول الكراء الذي يربط  مطلقها مع المكري لفائدتها، مع العلم أن هذا التنزيل ليس في نفس مرتبة الفروع والأصول والأزواج، بل إن المشرع يتحدث فقط عن "إمكانية استمرار مفعول الكراء لفائدة المطلقة" لكن بشروط يمكن استنباطها من خلال منطوق النص، وهي أن يتم الطلاق وأن تكون المطلقة أما، وأن تكون حاضنة لأطفالها، أما المطلقة غير الحاضنة فلا تستفيد من هذه الإمكانية، لأن الغاية من هذه المكنة هي حماية الأم الحاضنة من عناء البحث عن محل آخر للكراء، مع استفادتها من مميزات الكراء القديم الرابط بين مطلقها وبين المكري، كما أن المشرع استعمل عبارة "يمكن" التي تفيد الإمكانية دون الإلزام حتى يعطي السلطة التقديرية للمحكمة للبحث في مدى توفر الظروف المناسبة للاستفادة من هذا الاستمرار.

المستجد العاشر: اعتبار المستفيد من الوصية الواجبة والطفل المكفول بمثابة الفروع المباشرين الذين يمكن أن يستمر مفعول الكراء لفائدتهم بعد وفاة المكتري الكافل أو المكتري الذي مات ابنه قبله وترك له أحفادا، كما يمكن للمكري الكافل أو المكري الذي مات ابنه قبله وترك له أحفادا أن يسترد المحل المكترى لسكن أحفاده.
حيث إن مقتضيات المادة 45 أعطت للمكـري إمكانية استرداد محله من المكتري بناء على احتياجه لإسكان الحفيد المستفيد من الوصية الواجبة (أي ابن أو بنت الابن وابن أو بنت البنت) المؤسسة بمقتضى المادة 369 وما يليها من مدونة الأسرة، وكذلك الشأن بالنسبة للمكفول المنصوص عليه في القانون رقم 01.15 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين، كما أن مقتضيات المادة 53 تنص على أن مفعول الكراء يستمر لفائدة المستفيد من الوصية الواجبة أو المكفول، وكل ذلك بشرط أن يكونوا تحت كفالته بصفة قانونية ويعيشون معه فعليا عند وفاته.
فالمشرع، من قبلُ، كان يتحدث عن الفروع المباشرين دون غيرهم من الأحفاد المستفيدين من الوصية الواجبة أو الأطفال المكفولين، وجاء القانون رقم 12.67 ليضيف المكفولين والمستفيدين من الوصية الواجبة في انسجام مع ما ورد في القوانين الأخرى من جهة، ورغبته في حماية هاته الفئة من الضياع والتشرد واحتراما لمبادئ حقوق الأطفال من جهة أخرى.
تلك إذن أهم المستجدات التي جاء بها القانون رقم 12.67، وكلها مستجدات تنصب في إطار تحديث الترسانة التشريعية المنظمة للعلاقات الكرائية وانسجامها مع باقي القوانين الأخرى، بالإضافة إلى الحرص على مراعاة التطور الذي يعرفه الواقع المغربي حقوقيا واقتصاديا واجتماعيا، دون إغفال حرص المشرع على إيجاد حلول ملائمة لبعض المشاكل التي يعرفها الواقع العملي والتي يجد القضاء صعوبات جمة في تحديد المساطر الملائمة لحلها، مما يمكن القول معه بأن هذا القانون يعتبر إضافة نوعية للمشهد القانوني المغربي وسيساهم في تعزيز الثقة بين طرفي عقد الكراء وسيشجع كذلك المستثمرين وأرباب المحلات المغلقة على فتحها أمام الراغبين في استغلالها على وجه الكراء.
 




الثلاثاء 14 يناير 2014
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"


1.أرسلت من قبل كمال منير في 20/02/2024 18:11 من المحمول
اوجه تكريس المشرع المغربي لمبدأ استمرارية الكراء في الميدان السكني والمهني

تعليق جديد
Twitter