فرش :
من المبادئ المسلم بها وعملا بالقواعد العامة أن من يدعي سببا يقع عليه عبء إثباته وهذا ما يؤكد عليه الفقه الإسلامي بالقول على أن "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" وهذا أيضا ما جاء به الفصل 399 من قانون الالتزامات والعقود المغربي والذي ينص على أن "إثبات الالتزام على مدعيه".
على هذا الأساس فإن من يدعي الصورية هو من يقع عليه عبء إثباتها، لأن الأصل في التصرفات أنها حقيقية لا صورية فيها، لهذا فإن العقد الظاهر يعتبر صحيحا وينتج جميع آثاره القانونية بين طرفيه وبين من يرثهما، إلى حين ثبوت أنه وهمي وغير حقيقي لهذا فكل مدعى للصورية يستطيع أن يستجلي الحقيقة عن طريق إقامة دعوى الصورية، لكن طرق إثبات الصورية تختلف بحسب ما إذا كانت هذه الدعوى مرفوعة من أحد الطرفين في العقد، أو ما إذا كانت مرفوعة من قبل الغير.
ومن ثم سوف نتناول هذا الموضوع في نقطتين: الأولى سنتطرق فيها إلى إثبات الصورية بين المتعاقدين والخلف العام، أما الثانية سنشير فيها إلى إثبات الصورية بالنسبة للغير.
النقطة الأولى: إثبات الصورية بين المتعاقدين والخلف العام
تقضي القواعد العامة بوجوب إثبات التعاقدات الكتابية بالكتابة، وهذا ما ذهب إليه الفصل 444 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي ينص على أنه " لا تقبل في النزاع بين المتعاقدين، شهادة الشهود لإثبات ما يخالف أو يجاوز ما جاء في الحجج، ولو كان المبلغ و القيمة يقل عن القدر المنصوص عليه في الفصل 443"[1].
إلا أن هناك حالات استثنائية يمكن فيها للمتعاقدين أو الخلف العام أن يكتبوا التعاقدات الكتابية بالشهادة وذلك بمقتضى الفصلين 419 و 448 من قانون الالتزامات والعقود[2].
بالنسبة للحالة الأولى: يتطلب إثبات الصورية بين طرفي العقد الصوري وخلفهما العام كقاعدة عامة بالكتابة كأصل، وذلك في حالة ما إذا زادت قيمة التصرف عن 10.000 درهم، أو إذا كان التصرف الصوري ثابتا في محرر، حتى ولو لم تتجاوز قيمته 10.000 درهم، وذلك عملا بالمبدأ الذي يقضي بأنه لا يمكن إثبات ما يخالف ما ورد كتابة إلا بالكتابة[3].
وهذا ما نص عليه الفصل 444 من قانون الالتزامات والعقود، كما سبق الإشارة إلى ذلك. فالأصل إذن يتجلى في أنه على كل طرف في عقد ما ادعى صورية ذلك العقد وطعن فيه بأنه مجرد عقد ظاهر يخفي عقدا مستترا وجب عليه أن يقيم الحجة على ذلك[4]، بإثبات وجود العقد المستتر بدليل كتابي، أو بمبدأ الثبوت بالكتابة معززة بالشهادة والقرائن. من شأن ذلك أن تكون هذه الأخيرة دالة على احتمال الصورية، وعلى العكس من هذا فالغيرالذي يكون من مصلحته أن يطعن في العقد الظاهر، فإنه يتأتى له أن يثبت الصورية بجميع الوسائل، وفي جملتها شهادة الشهود والقرائن[5]، وهذا ما يؤكده قرار المجلس الأعلى، وإذا عجز من يتمسك بالعقد الحقيقي المستتر عن إثبات وجوده كان العقد الظاهر هو العقد الحقيقي الذي يحكم علاقة الطرفين ولا يقتصر الإثبات على وجود العقد فقط، بل أيضا يجب أن يثبت جميع الشروط اللازمة لقيام هذا العقد[6].
يتضح مما سبق أن المتعاقد إذا أراد أن يثبت الصورية عليه أن يتوفر بداية على حجة بالكتابة معززة بالشهود والقرائن وذلك استثناء من القواعد العامة في الفصلين 443 و 444 من قانون الالتزامات والعقود.
وفي حالة عدم وجود دليل خطي أو حتى مبدأ الثبوت بالكتابة، فلا يتبقى أمام المتعاقد الرامي إلا إثبات الصورية سوى تحليف خصمه اليمين أو الحصول على إقراره[7].
وهذا ما أقره اجتهاد المجلس الأعلى حين قرر بأن محكمة الموضوع[8]، صادفت الصواب عندما حكمت على البائع باليمين لإنكار صورية السبب[9].
وتجدر الإشارة إلى أن الخلف العام للمتعاقدين يسري عليه نفس حكم المتعاقدين، فيحل محلهم في الحقوق والالتزامات، وبالتالي يخضع إلى قواعد الإثبات السارية على سلفه في حالة ما إذا أراد إثبات الصورية.
بالنسبة للحالة الثانية: إذا كانت القاعدة تقضي أنه بين طرفي العقد الصوري وخلفهما العام في مجال إثبات الصورية، في حالة ما إذا زادت قيمة التصرف عن 10.000 درهم، أو إذا ما كان ذلك التصرف الصوري ثابتا في محرر بوجوب إثبات بدليل خطي أو بمبدأ الثبوت بالكتابة، فإنه يجوز لهم أن يثبتوا الصورية استثناءا بشهادة الشهود، وبمجرد القرائن حتى، وذلك عندما تكون الصورية تستهدف الاحتيال على القانون أي عندما يكون رضا أحد المتعاقدين صوريا مشوبا بالإكراه أو التدليس[10].
فقد نص الفصل 419 في الفقرة الثانية على: "أنه إذا وقع الطعن في الورقة بسبب إكراه أو احتيال أو تدليس أو صورية أو خطأ عادي فإنه يمكن إثبات ذلك بواسطة الشهود وحتى بواسطة القرائن المنضبطة المتلائمة دون احتياج إلى القيام بدعوى الزور..."، ولقد أكد على هذا القضاء المغربي من خلال ما جاءت به المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء في حالة يوجد فيها احتيال: "أن صورية العقد يمكن إثباتها بمجرد القرينة ويمكن للقاضي أن يرفض الاثبات بواسطة الشهود المقترح من طرف المدعى عليه لإقامة الدليل المعاكس إذا كان القاضي يعتبر أن الأدلة المتوفرة كافية للإثبات"[11].
ونفس المسار سار عليه المجلس الأعلى المغربي سابقا محكمة النقض حاليا [12]، حيث أباح للمتعاقدين للصورية إثباتها بجميع الوسائل إذا كانت الغاية منها هي الاحتيال على القانون إخفاء سبب غير مشروع وجاء في القرار: "لكن حيث أن المدعى عليه متابع من أجل أداء سلعة رهن فيه لفائدة البائع عقارا مع حق الانتفاع لكرائه يجوز له أنه يثبت صورية السبب في الرسم المدلى به المتضمن للمعاملة المذكورة، وذلك بجميع وسائل الإثبات ودون أن يكون ملزما بالالتجاء إلى المسطرة الخاصة بدعوى الذكر"... ولقد أكد على هذا الاجتهاد القضائي قرار صادر عن المجلس الأعلى "أن الصورية يمكن إثباتها بكافة وسائل الإثبات بما في ذلك الكتابة أو الشهادة وحتى القرائن"[13].
النقطة الثانية: إثبات الصورية بالنسبة للغير
يراد بالغير في إطار هذه النقطة هو كل شخص غير طرفي العقد الصوري وخلفهما العام مثل دائني المتعاقدين وخلفهما الخاص أو أي شخص أجنبي آخر.
يجوز إثبات الصورية بجميع وسائل الإثبات بما فيها الشهادة والقرائن ومرد ذلك أن الصورية بالنسبة إليهم مجرد واقعة والوقائع يجوز إثباتها بكافة وسائل الإثبات[14]، كما أن المنطق يقضي بتسهيل مهمة الغير وتخويله حق إثبات الصورية بالشهادة والقرائن، ولأنه أيضا لا يتحمل مسؤولية أي إهمال له في عدم حصوله على دليل خطي من المتعاقدين يثبت إقدامهم على الإثبات الصوري[15].
وقد ذهب المجلس الأعلى في شأن هذا الموضوع حول صورية السبب إلا أن المدعي في هذا الشأن عليه أن يثبت ذلك بكافة وسائل الإثبات[16]، من خلال ما سبق يستشف أن الغير عن العقد الصوري يمكن له أن يثبت الصورية بالقرائن وشهادة الشهود.
وهذا ما أقرته المحكمة الابتدائية بالرباط[18] حينما اشترطت: "أن تكون القرائن قوية ودقيقة ومتلائمة للحكم بصورية العقد".
كما جاء في حكم صادر من المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء: "إن التدليس أو الصورية في العقد يمكن إثباتها بمجرد القرينة، ويمكن للقاضي أن يرفض الإثبات بواسطة الشهود المقترح من طرف المدعى عليه لإقامة الدليل المعاكس إذا كان القاضي يعتبر أن الأدلة المتوفرة كافية للإثبات"[19].
يستشف من خلال هذا القرار أن القاضي الموضوع مستقل بتقدير كفاية الأدلة الصورية، لأنه إذا أمكن إثباتها بمجرد القرينة أمكن للقاضي أن يرفض الإثبات بواسطة الشهود المقترحين من قبل المدعى عليه من أجل إقامة الدليل المعاكس إذا كان القاضي يعتبر أن الأداة المتوفرة كافية للإثبات.
وتكمن حرية الغير في إثبات صورية العقد في الحالات المشار إليها في الفصل 448 من قانون الالتزامات والعقود المغربي في:
تقدير الحالات التي يتعذر فيها على الدائن الحصول على الدليل الكتابي الموكول لمحكمة القاضي.
المشرع المغربي بذكر هذه الحالات الواردة في الفصل 448 إنما حاول تقريب معنى المانع المادي، من أجل عدم إعطاء حرية واسعة للقاضي في التقرير حسب ما يرى من ظروف كل تعاقد، وبالتالي فإن المشرع المغربي من خلال مقتضيات الفصل 448 لم يعمد إلى حصر كل الحالات التي يتعذر فيها الحصول على دليل كتابي، وترك أمر تقدير للمحكمة .كما أن الورقة المحررة على الدعامة الإلكترونية تتمتع بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق. تقبل الوثيقة المحررة بشكل إلكتروني للإثبات شأنها في ذلك شأن الوثيقة المحررة على الورق شريطة أن يكون بالإمكان التعرف بصفة قانونية على الشخص الذي صدرت عنه وأن تكون معدة ومحفوظة وفق شروط من شأنها ضمان تمامينها .
الهوامش
من المبادئ المسلم بها وعملا بالقواعد العامة أن من يدعي سببا يقع عليه عبء إثباته وهذا ما يؤكد عليه الفقه الإسلامي بالقول على أن "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" وهذا أيضا ما جاء به الفصل 399 من قانون الالتزامات والعقود المغربي والذي ينص على أن "إثبات الالتزام على مدعيه".
على هذا الأساس فإن من يدعي الصورية هو من يقع عليه عبء إثباتها، لأن الأصل في التصرفات أنها حقيقية لا صورية فيها، لهذا فإن العقد الظاهر يعتبر صحيحا وينتج جميع آثاره القانونية بين طرفيه وبين من يرثهما، إلى حين ثبوت أنه وهمي وغير حقيقي لهذا فكل مدعى للصورية يستطيع أن يستجلي الحقيقة عن طريق إقامة دعوى الصورية، لكن طرق إثبات الصورية تختلف بحسب ما إذا كانت هذه الدعوى مرفوعة من أحد الطرفين في العقد، أو ما إذا كانت مرفوعة من قبل الغير.
ومن ثم سوف نتناول هذا الموضوع في نقطتين: الأولى سنتطرق فيها إلى إثبات الصورية بين المتعاقدين والخلف العام، أما الثانية سنشير فيها إلى إثبات الصورية بالنسبة للغير.
النقطة الأولى: إثبات الصورية بين المتعاقدين والخلف العام
تقضي القواعد العامة بوجوب إثبات التعاقدات الكتابية بالكتابة، وهذا ما ذهب إليه الفصل 444 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي ينص على أنه " لا تقبل في النزاع بين المتعاقدين، شهادة الشهود لإثبات ما يخالف أو يجاوز ما جاء في الحجج، ولو كان المبلغ و القيمة يقل عن القدر المنصوص عليه في الفصل 443"[1].
إلا أن هناك حالات استثنائية يمكن فيها للمتعاقدين أو الخلف العام أن يكتبوا التعاقدات الكتابية بالشهادة وذلك بمقتضى الفصلين 419 و 448 من قانون الالتزامات والعقود[2].
بالنسبة للحالة الأولى: يتطلب إثبات الصورية بين طرفي العقد الصوري وخلفهما العام كقاعدة عامة بالكتابة كأصل، وذلك في حالة ما إذا زادت قيمة التصرف عن 10.000 درهم، أو إذا كان التصرف الصوري ثابتا في محرر، حتى ولو لم تتجاوز قيمته 10.000 درهم، وذلك عملا بالمبدأ الذي يقضي بأنه لا يمكن إثبات ما يخالف ما ورد كتابة إلا بالكتابة[3].
وهذا ما نص عليه الفصل 444 من قانون الالتزامات والعقود، كما سبق الإشارة إلى ذلك. فالأصل إذن يتجلى في أنه على كل طرف في عقد ما ادعى صورية ذلك العقد وطعن فيه بأنه مجرد عقد ظاهر يخفي عقدا مستترا وجب عليه أن يقيم الحجة على ذلك[4]، بإثبات وجود العقد المستتر بدليل كتابي، أو بمبدأ الثبوت بالكتابة معززة بالشهادة والقرائن. من شأن ذلك أن تكون هذه الأخيرة دالة على احتمال الصورية، وعلى العكس من هذا فالغيرالذي يكون من مصلحته أن يطعن في العقد الظاهر، فإنه يتأتى له أن يثبت الصورية بجميع الوسائل، وفي جملتها شهادة الشهود والقرائن[5]، وهذا ما يؤكده قرار المجلس الأعلى، وإذا عجز من يتمسك بالعقد الحقيقي المستتر عن إثبات وجوده كان العقد الظاهر هو العقد الحقيقي الذي يحكم علاقة الطرفين ولا يقتصر الإثبات على وجود العقد فقط، بل أيضا يجب أن يثبت جميع الشروط اللازمة لقيام هذا العقد[6].
يتضح مما سبق أن المتعاقد إذا أراد أن يثبت الصورية عليه أن يتوفر بداية على حجة بالكتابة معززة بالشهود والقرائن وذلك استثناء من القواعد العامة في الفصلين 443 و 444 من قانون الالتزامات والعقود.
وفي حالة عدم وجود دليل خطي أو حتى مبدأ الثبوت بالكتابة، فلا يتبقى أمام المتعاقد الرامي إلا إثبات الصورية سوى تحليف خصمه اليمين أو الحصول على إقراره[7].
وهذا ما أقره اجتهاد المجلس الأعلى حين قرر بأن محكمة الموضوع[8]، صادفت الصواب عندما حكمت على البائع باليمين لإنكار صورية السبب[9].
وتجدر الإشارة إلى أن الخلف العام للمتعاقدين يسري عليه نفس حكم المتعاقدين، فيحل محلهم في الحقوق والالتزامات، وبالتالي يخضع إلى قواعد الإثبات السارية على سلفه في حالة ما إذا أراد إثبات الصورية.
بالنسبة للحالة الثانية: إذا كانت القاعدة تقضي أنه بين طرفي العقد الصوري وخلفهما العام في مجال إثبات الصورية، في حالة ما إذا زادت قيمة التصرف عن 10.000 درهم، أو إذا ما كان ذلك التصرف الصوري ثابتا في محرر بوجوب إثبات بدليل خطي أو بمبدأ الثبوت بالكتابة، فإنه يجوز لهم أن يثبتوا الصورية استثناءا بشهادة الشهود، وبمجرد القرائن حتى، وذلك عندما تكون الصورية تستهدف الاحتيال على القانون أي عندما يكون رضا أحد المتعاقدين صوريا مشوبا بالإكراه أو التدليس[10].
فقد نص الفصل 419 في الفقرة الثانية على: "أنه إذا وقع الطعن في الورقة بسبب إكراه أو احتيال أو تدليس أو صورية أو خطأ عادي فإنه يمكن إثبات ذلك بواسطة الشهود وحتى بواسطة القرائن المنضبطة المتلائمة دون احتياج إلى القيام بدعوى الزور..."، ولقد أكد على هذا القضاء المغربي من خلال ما جاءت به المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء في حالة يوجد فيها احتيال: "أن صورية العقد يمكن إثباتها بمجرد القرينة ويمكن للقاضي أن يرفض الاثبات بواسطة الشهود المقترح من طرف المدعى عليه لإقامة الدليل المعاكس إذا كان القاضي يعتبر أن الأدلة المتوفرة كافية للإثبات"[11].
ونفس المسار سار عليه المجلس الأعلى المغربي سابقا محكمة النقض حاليا [12]، حيث أباح للمتعاقدين للصورية إثباتها بجميع الوسائل إذا كانت الغاية منها هي الاحتيال على القانون إخفاء سبب غير مشروع وجاء في القرار: "لكن حيث أن المدعى عليه متابع من أجل أداء سلعة رهن فيه لفائدة البائع عقارا مع حق الانتفاع لكرائه يجوز له أنه يثبت صورية السبب في الرسم المدلى به المتضمن للمعاملة المذكورة، وذلك بجميع وسائل الإثبات ودون أن يكون ملزما بالالتجاء إلى المسطرة الخاصة بدعوى الذكر"... ولقد أكد على هذا الاجتهاد القضائي قرار صادر عن المجلس الأعلى "أن الصورية يمكن إثباتها بكافة وسائل الإثبات بما في ذلك الكتابة أو الشهادة وحتى القرائن"[13].
النقطة الثانية: إثبات الصورية بالنسبة للغير
يراد بالغير في إطار هذه النقطة هو كل شخص غير طرفي العقد الصوري وخلفهما العام مثل دائني المتعاقدين وخلفهما الخاص أو أي شخص أجنبي آخر.
يجوز إثبات الصورية بجميع وسائل الإثبات بما فيها الشهادة والقرائن ومرد ذلك أن الصورية بالنسبة إليهم مجرد واقعة والوقائع يجوز إثباتها بكافة وسائل الإثبات[14]، كما أن المنطق يقضي بتسهيل مهمة الغير وتخويله حق إثبات الصورية بالشهادة والقرائن، ولأنه أيضا لا يتحمل مسؤولية أي إهمال له في عدم حصوله على دليل خطي من المتعاقدين يثبت إقدامهم على الإثبات الصوري[15].
وقد ذهب المجلس الأعلى في شأن هذا الموضوع حول صورية السبب إلا أن المدعي في هذا الشأن عليه أن يثبت ذلك بكافة وسائل الإثبات[16]، من خلال ما سبق يستشف أن الغير عن العقد الصوري يمكن له أن يثبت الصورية بالقرائن وشهادة الشهود.
- بالنسبة للحالة الأولى: الغير الذي يقوم بإثبات الصورية بواسطة القرائن المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 419[17] من قانون الالتزامات والعقود المغربي ينبغي أن تكون القرائن متلائمة ومنضبطة.
كما جاء في حكم صادر من المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء: "إن التدليس أو الصورية في العقد يمكن إثباتها بمجرد القرينة، ويمكن للقاضي أن يرفض الإثبات بواسطة الشهود المقترح من طرف المدعى عليه لإقامة الدليل المعاكس إذا كان القاضي يعتبر أن الأدلة المتوفرة كافية للإثبات"[19].
يستشف من خلال هذا القرار أن القاضي الموضوع مستقل بتقدير كفاية الأدلة الصورية، لأنه إذا أمكن إثباتها بمجرد القرينة أمكن للقاضي أن يرفض الإثبات بواسطة الشهود المقترحين من قبل المدعى عليه من أجل إقامة الدليل المعاكس إذا كان القاضي يعتبر أن الأداة المتوفرة كافية للإثبات.
- بالنسبة للحالة الثانية: تجدر الإشارة إلى أن إثبات الغير للصورية بواسطة شهادة الشهود لا يعتبر استثناء من القواعد العامة، باعتبار أن الغير تعطى له كامل الحرية في إثبات الصورية، لأنه كما سبق وأن أشرنا إلى هذا أن العقد الصوري لا يشكل سوى واقعة مادية[20] بالنسبة له، ولأنه يصعب عليه الحصول على دليل كتابي لإثبات هذه الصورية، لهذا جاء الفصل 448 كتأكيد على هذه الحرية في إثبات الصورية بالنسبة لهذا الغير.
- كل حالة يفقد فيها الخصم المحرر الذي يتضمن الدليل الكتابي لالتزام له أو للتحلل من التزام عليه، نتيجة حادث فجائي أو قوة قاهرة أو سرقة، وتخضع الأوراق النقدية والسندات كاملها لأحكام خاصة.
- إذا تعذر على الدائن الحصول على دليل كتابي لإثبات الالتزام كالحالات التي تكون فيها الالتزامات ناشئة عن شبه العقود وعن الجرائم وشبه الجرائم والحالة التي يراد فيها إثبات وقوع غلط مادي في كتابة الحجة أو الحالة الوقائع المكونة للإكراه أو الصورية أو الاحتيال أو التدليس التي تعيب الفعل القانوني وكذلك الأمر بين التجار فيما يخص الصفقات التي لم تجر العادة بتطلب الدليل الكتابي لإثباتها.
المشرع المغربي بذكر هذه الحالات الواردة في الفصل 448 إنما حاول تقريب معنى المانع المادي، من أجل عدم إعطاء حرية واسعة للقاضي في التقرير حسب ما يرى من ظروف كل تعاقد، وبالتالي فإن المشرع المغربي من خلال مقتضيات الفصل 448 لم يعمد إلى حصر كل الحالات التي يتعذر فيها الحصول على دليل كتابي، وترك أمر تقدير للمحكمة .كما أن الورقة المحررة على الدعامة الإلكترونية تتمتع بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق. تقبل الوثيقة المحررة بشكل إلكتروني للإثبات شأنها في ذلك شأن الوثيقة المحررة على الورق شريطة أن يكون بالإمكان التعرف بصفة قانونية على الشخص الذي صدرت عنه وأن تكون معدة ومحفوظة وفق شروط من شأنها ضمان تمامينها .
الهوامش
[1] ينص الفصل 443 من قانون الالتزامات والعقود المغربي أن " الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية التي يكون من شأنها أن تنشئ أو تنقل أو تعدل أو تنهي الالتزامات أو الحقوق، والتي لا يتجاوز مبلغها أو قيمتها 10.000 درهم، لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود. ويلزم أن تحرر بها حجة رسمية أو عرفية..."
[2] المجلة المغربية للقانون والاقتصاد والتنمية، العدد 1984 ص 142، الدار البيضاء.
[3] ذ: عبد الكريم شهبون، الشافي في في شرح قانون الالتزامات والعقود المغربي، ص: 138.
[4] د: توفيق حسن فرج: النظرية العامة للالتزام.
[5] قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالناظور بتاريخ 26/09/2000 في الملف العقاري عدد 14/99 منشور بمجلة رسالة الدفاع، عدد 3 ص 171 وما يليها.
[6] د: توفيق حسن فرج: النظرية العامة للالتزام، م.س. ص 73.
د: عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني – نظرية الالتزام بوجه عام، ص 1076.
د: عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني – نظرية الالتزام بوجه عام، ص 1076.
[7] إدريس العلوي العبدلاوي، وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي، الجزء 1، الطبعة الأولى 1971.
، ص 338.
، ص 338.
[8] حكم عدد 124 بتاريخ 5 دجنبر 1960، مجلة القضاء والقانون، السنة الرابعة عدد 37، مارس 1961، ص 345.
[10] إدريس العلوي العبدلاوي، م.س، ص 339.
[11] د: محمد عبد السلام شعيبي: الصورية في ضوء التشريع المدني المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، السنة الجامعية 1976-1977، ص 111 بتصرف.
[12] حكم عدد 124 بتاريخ 5 دجنبر 1960، السالف الذكر.
[13] قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 19/02/2003 تحت عدد 315 في الملف عدد 781/99 منشور بمجلة الملف عدد 6، ص 278.
[14] د: مأمون الكزبري، نظرية الالتزامات في ظل قانون الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الأول، مصادر الالتزامات، الطبعة الثانية، مكتبة دار القلم بيروت، ص 301.
[15] إدريس العلوي العبدلاوي، م.س، ص 340.
[16] - قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 19/02/2003 تحت عدد 315 في الملف عدد 781/99 منشور بمجلة، الملف عدد 6 ص 278 وما يليها.
- حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالبيضاء بتاريخ 08/01/1997، في الملف عدد 226/95 منشور بمجلة الإشعاع عدد 16 ص 98 وما يليها.
- حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالبيضاء بتاريخ 08/01/1997، في الملف عدد 226/95 منشور بمجلة الإشعاع عدد 16 ص 98 وما يليها.
[17] الفصل 419 من ق.ل.ع المغربي: "الورقة الرسمية حجة قاطعة حتى على الغير... إلا أنه إذا وقع الطعن في الورقة بسبب إكراه أو احتيال أو تدليس أو صورية أو خطأ مادي، فإنه يمكن إثبات ذلك بواسطة الشهود وحتى بواسطة القرائن القوية المنضبطة المتلائمة دون احتياج إلى القيام بدعوى الزور، ويمكن الإثبات بهذه الكيفية كل من الطرفين أو الغير الذي له مصلحة مشروعة".
[18] حكم 8 نونبر 1921، عدد 9 بتاريخ 1 دسمبر 1921.
[19] حكم صادر بتاريخ 10 ماي 1933، لاكازين محاكم المغرب، عدد 558، صادر في 14 أكتوبر 1933، ص 273.
[20] حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط بتاريخ 19/04/1995، تحت عدد 129 في الملف عدد 122/94 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 77 و 78 ص 135 وما يليها.