تـقـديـم:
تظل قضية تنزيل الدستور بالشكل الديمقراطي المأمول رهينة عدة عوامل تتمثل على مستوى عام في دينامية الممارسة والخطاب لدى مؤسسات الدولة وسلطاتها العامة، وكذا في مقياس تشبع هذه المؤسسات بالرغبة في تفعيل الدستور الجديد ومدى استعدادها لتطبيق وتنزيل المضامين الدستورية التنزيل الأنسب والسليم، وتتمثل على مستوى خاص في تحريك الآلة التشريعية بالسرعة الزمنية المعقولة وتفعيلها من خلال آلية سن القوانين، ولعل مسالة إصدار القوانين التنظيمية تتحدد كحلقة هامة من حلقات تنزيل دستور 2011 وتكميليه.
قبيل إعلان الحكومة عن النسخة النهائية لمخططها التشريعي لسنوات الولاية التشريعية الحالية منها والقادمة والتي وقعته بموجب يناير 2013، أضحت قضية إقرار القوانين التنظيمية وإخراجها للوجود حديث مختلف الفرقاء السياسيين ومختلف المتدخلين في مجال التشريع، حيث ظهر جليا بعدها نقاش عمومي فرض نفسه الآونة الأخيرة على المستوى القانوني والتشريعي خصوصا في الفترة الفاصلة بين الدورة الخريفية البرلمانية وبين دورة أبريل الربيعية من السنة التشريعية المنصرمة التي فتحت المجال لتقييم أداء الحكومة في هذا المضمار، مع الأرجح إذا ما توقفنا عند بعض المؤاخذات الموجهة صوب الحكومة كمؤسسة تنفيذية تمتلك بدورها حق المبادرة التشريعية، تمحورت تلك المؤاخذات في معاتبة الحكومة على تباطئها في طرح مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور.
ارتكز النقاش حول قضية تنزيل الدستور من زواياه المتعددة، لعل أبرزها تلك المتعلقة بإصدار القوانين التنظيمية المنصوص عليها دستوريا وصدورها بعد الموافقة النهائية عليها، هذا إذا ما شئنا أن نعتبر أن قضية إقرار القوانين التنظيمية هي مدخل أساسي في ورش تنزيل الدستور من جانبه التشريعي.
بغض النظر عن كون إقرار القوانين التنظيمية وإصدار الأمر بتنفيذها مقترن بدور واختصاص المحكمة الدستورية في إطار الرقابة الإجبارية على مطابقة الدستورية كما سنأتي لاحقا، إلا أنه من المسلم به قانونيا ودستوريا أن إصدار القوانين التنظيمية هو مسؤولية مشتركة بين السلطتين التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (البرلمان) معا، مسؤولية الحكومة من وجهتين اثنين: أولا من خلال التعبير عن إرادة سياسية حقيقية وتمثيل واضح حول تصورها لمحتوى هذه القوانين التنظيمية، ومن تم أخذ المبادرة التشريعية والدفع بها كمشاريع لقوانين، وثانيا من خلال الالتزام بمقتضى الوثيقة الدستورية حسب منطوق الفصل 86 من الدستور[1]، حيث على الحكومة أن تعمل وجوبا على إخراج جميع القوانين التنظيمية المنصوص عليها دستوريا وعددها تسعة عشر قانون تنظيمي، وعرضها على أنظار البرلمان في غضون هذه الولاية التشريعية الحالية والمحددة حتما في خمس سنوات2011-2016، هذا قياسا على الجدول الزمني الذي حددته الحكومة لعملية التشريع في مخططها التشريعي في الفترة ما بين سنوات 2012 و2015. أما مسؤولية البرلمان فتتجلى بدوره كسلطة تشريعية بأغلبيته ومعارضته في جدية مناقشة القوانين وتداولها سواء المعروضة عليه أو المقترحة من طرفه قبل التصويت والمصادقة النهائية عليها، وكذا عبر آلية التقدم بمقترحات للقوانين التنظيمية مثلما رأينا ذلك عبر مبادرات بعض الفرق النيابية، ولو أن الأمر كان محدودا ولم يكن بالشكل الكاف.
قبل الخوض في مجالات القوانين التنظيمية التي نصت عليها المراجعة الدستورية الأخيرة وإبراز مدى أهميتها وما اعتراها من ملاحظات خاصة، نتطرق أولا لمفهوم ومدلول "القوانين التنظيمية".
I – حول مفهوم القوانين التنظيمية Les Lois Organiques [2]:
يأخذ النظام القانوني المغربي بمبدأ هرمية التشريعات وتدرجها أو بما يصطلح عليه بتراتبية القوانين[3]، من شأن ذلك نجد الدستور المغربي الجديد بدوره ينص على إلزامية هذه القاعدة، حيث تعتبر دستورية القواعد القانونية وتراتبيتها ووجوب نشرها مبادئ ملزمة[4]. بمعنى أوضح احترام ترتيب القوانين حسب مكانتها وأهميتها وقيمتها (الدستور، القوانين التنظيمية، القوانين العادية، الأنظمة الداخلية للبرلمان...)، والمستنبطة في الأساس من طبيعة المسطرة التي تخضع لها عند سنها، حيث تختلف إجراءات وضع وتعديل الدستور عن مسطرة سن القوانين التنظيمية وعن مسطرة سن القوانين العادية وما إلى ذلك من أنواع التشريعات[5]. على هذا الأساس تأتي مكانة القوانين التنظيمية حسب نظرية تراتبية القوانين في المرتبة الثانية بعد الدستور الذي يعتبر أسمى وأعلى القوانين مكانة ومنزلة، وعليه تتموقع القوانين التنظيمية من ناحية القيمة والدرجة بين الدستور وبين القوانين العادية، فهي إذن أقل من الدستور منزلة وأعلى من القوانين العادية مكانة. وعليه، لمجرد التوضيح نطرح السؤال التالي: على أي أساس أو أي معيار تنبني نظرية التراتبية القانونية في تصنيف القوانين حسب مراتب عليا ودنيا؟
نجد سبيلنا بداية لتبرير الإجابة على هذا الاستفسار حسب النظام الدستوري المغربي، في الأسلوب والطريقة التي يتم بها وضع الدستور ومراجعته وتعديله والتي تتميز بنوع من الجمود، حيث لا يمكن أن يتم تعديل الدستور أو مراجعته إلا عن طريق تنظيم وإجراء عملية الاستفتاء الشعبي عليه واستنفاد جميع المراحل المسطرية السابقة لهذه العملية، بخلاف مسطرة سن القوانين التنظيمية التي تعتبر أقل جمودا وصرامة من إجراءات وضع الدساتير. كما تعتبر مسطرة سن هذه القوانين بدورها أكثر تعقيدا من القوانين العادية والمتمثلة حسب الفصلين 85 و132 من الدستور في عدم جواز التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية إلا بعد مرور عشرة أيام على إيداعها لدى مكتب مجلس النواب، علاوة على أنه لا يتم إصدار الأمر بتنفيذ القوانين التنظيمية إلا بعد قرار المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور. وعليه تحال القوانين التنظيمية على أنظار المحكمة الدستورية بصفة إلزامية في إطار الرقابة الإجبارية على دستورية القوانين، بعكس الإجراءات التشريعية الخاصة بالقوانين العادية حيث لا تخضع هذه القوانين للرقابة الدستورية بصفة إجبارية وإنما بصفة اختيارية، وبالتالي لا يجوز تغليب القاعدة القانونية الأدنى على القاعدة القانونية الأعلى، وذلك تحت طائلة عدم الدستورية وكذا في إطار التقيد بسلم تدرج القواعد القانونية.
تصنف القوانين التنظيمية في منزلة موالية بعد الدستور الذي يسمو على جميع أصناف التشريعات، وهذا ما يميز الدساتير المكتوبة لكونها –أي القوانين التنظيمية- وُضعت لتكون مكملة للدستور، فسميت كذلك نظرا لطبيعة النص الدستوري، حيث أن النصوص الدستورية بطبيعتها ليست قوانين إجرائية، وإنما هي نصوص قانونية أساسية مختصرة ومقتضبة في شكلها المكتوب لا يمكن أن تضم جل التفصيلات والجزئيات التي تستوعبها القوانين الأخرى الأدنى درجة من الدستور، وهذا هو دور القوانين التنظيمية - والقوانين العادية والمراسيم التطبيقية أيضا- التي تفرد وتتطرق لهذه التفصيلات والجزئيات التي أشارت إليها الوثيقة الدستورية في مواد خاصة على سبيل الحصر دون الخروج عن المطابقة لأحكام الدستور ومضامينه. لهذا وُصفت القوانين التنظيمية عند جانب من الفقه بالقوانين المكملة خصوصا بعد استعاضة الدستور عن إعطاء تعريف لها، واكتفى فقط بتسميتها "بالتنظيمية"، فهي من جهة مصدرها هو الدستور ومن جهة أخرى هي مكملة ومفصلة له، حيث يرجع أصل تسمية القوانين التنظيمية وإدراجها كصنف خاص من القوانين داخل النسق الدستوري المغربي، برجع إلى النموذج الفرنسي، وذاك إذا ما سلمنا أن واقع ترسانة القوانين المغربية هي في معظمها محاكاة للتشريع الفرنسي.
إن ما يميز القوانين التنظيمية عن غيرها من القوانين العادية حسب المعيارين الشكلي والموضوعي أمرين، أولا من الناحية الإجرائية حدد الدستور المغربي للبرلمان حسب مقتضى الفصل 85 من أجل التداول في مشروع أو مقترح القانون التنظيمي أجل 10 أيام بعد وضع المشروع لدى مكتب مجلس النواب، ونظرا لأهمية القوانين التنظيمية ودورها في حماية الحقوق والحريات الدستورية، لعل الغاية من تحديد هذا الأجل الدستوري تتجلى في تمكين نواب الأمة والفرق النيابية ككل من الإطلاع والتفكير والتمعن في مسودات القوانين ودراسة اللجان البرلمانية لها قبل الشروع رسميا في عملية التداول والتصويت النهائي عليها، هذا ما يُستنتج في المطلق عند قراءة أحكام الفقرة الأولى من الفصل 85 من الدستور. فضلا عن ذلك تخضع مشاريع القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها بعد مرورها على المجلس الوزاري[6] ومصادقة المؤسسة التشريعية عليها، تخضع للرقابة الإجبارية على الدستورية من طرف المحكمة الدستورية بعد إحالة نص القانون التنظيمي عليها[7]، حيث لا يمكن إعمال الأمر بتنفيذ القانون التنظيمي ونشره بالجريدة الرسمية إلا بعد أن ينظر القضاء الدستوري في مدى مطابقته للدستور وتصريحه بعدم تعارض هذا القانون لأحكامه، وذلك للحيلولة دون مخالفة السلطة التشريعية لنص الدستور. وعليه لا يمكن للقانون التنظيمي أن يفيد بند من بنوده على ما يخالف أحكام ومقتضيات الدستور، بخلاف القانون العادي الذي من المحتمل أن يحتوي على ما قد يعارض نص الوثيقة الدستورية ما عدا لو تمت إحالته اختياريا وليس وجوبا على المحكمة الدستورية من طرف الملك أو من رئيس الحكومة أو المؤسسة التشريعية. على هذا المنوال تخضع القوانين التنظيمية المكملة للدستور لمسطرة تشريعية وقضائية-دستورية خاصة تتمثل في طريقة تحضيرها والموافقة النهائية عليها، تضفي عليها شكلا من الخصوصية والتعقيد في أسلوب وضعها أو تعديلها وتحيطها بنوع من الحصانة الدستورية، فخصوصية هذه المراحل المسطرية المتبعة تجعلنا نعاود القول أنها هي التي تعكس علة تصنيف القوانين التنظيمية وتحدد موقعها في منزلة ثانية من ناحية القيمة والأهمية بعد الدستور، وهذا ما يبرر منطق هرمية التشريعات.
الأمر الثاني الذي يميز القوانين التنظيمية، يتمثل في شرط تأسيسي يعود إلى نوعية المجالات والمؤسسات التي يناط لهذا الصنف من القوانين تنظيمها وتقنينها والتي تختلف إلى حد ما عن المجالات التي تختص بها القوانين العادية، حيث يحدد نص الوثيقة الدستورية على سبيل الحصر في عدد من الفصول التي يشار من خلالها لمضامين القوانين التنظيمية ويرجئ بموجبها قواعد سير بعض المؤسسات والسلطات العامة للدولة المرتبطة بنظام الحكم ومؤسسات الدولة كالبرلمان بمجلسيه والقضاء ومؤسسة الحكومة التي أحال دستور 2011 اختصاص تنظيمها لأول مرة لقانون تنظيمي، بالإضافة إلى بعض المؤسسات الدستورية الأخرى كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمحكمة الدستورية، علاوة على المجالات الأخرى التي أقرها الدستور بانتمائها إلى حظيرة القوانين التنظيمية، كما سنتطرق لها فيما يلي بشكل تفصيلي.
II - مجالات القوانين التنظيمية حسب دستور 2011 :
أناطت المراجعة الدستورية الأخيرة لسنة 2011 للقوانين التنظيمية الاختصاص في تنظيم عدد من المجالات وتحديد قواعد سير بعض المؤسسات الدستورية وكيفية تركيبها وتكوينها وذلك على سبيل الحصر، وفيما يلي نعرض مجالات ومضامين القوانين التنظيمية التي نص عليها دستور 2011 مرتبة حسب الفصول:
إجمالا، وكقراءة عامة وفوقية في مجالات القوانين التنظيمية المذكورة أعلاه التي نص عليها الدستور المغربي لسنة 2011، نسجل كما يلي بعض الملاحظات الخاصة :
يذكر أنه لحدود هذه الفترة تم إقرار خمسة قوانين تنظيمية تقدمت بها المؤسسة التنفيذية، أربعة منها صدرت خلال الولاية التشريعية السابقة في إطار الفترة الانتقالية بين التصويت على دستور فاتح يوليوز 2011 الصادر الأمر بتنفيذه الظهير الشريـف رقم 1.11.91 بتاريخ (29 يوليوز 2011) وبين انتخابات 25 نونبر 2011 التشريعية، وهي القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب[9]، والقانون التنظيمي رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين[10]، والقانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية[11]، والقانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية[12]، وخامسهم صدر خلال الولاية التشريعية التاسعة والحالية وهو القانون التنظيمي رقم 02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا[13]، هذا بالإضافة إلى مصادقة كل من مجلسي الحكومة والوزراء على القانون التنظيمي رقم 128.12 حول المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي يندرج حاليا قيد المصادقة النهائية عليه من طرف السلطة التشريعية ليتم إحالته على أنظار المحكمة الدستورية[14].
خـاتـمـة:
إجمالا، ورغما عن كون البرلمان يعتبر صاحب الحق والاختصاص الأصلي في التشريع، إلا أن الحكومة الحالية وجدت نفسها ملزمة دستوريا بإيداع جميع مشاريع القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور الجديد وعرضها وجوبا على البرلمان في غضون الولاية التشريعية الجارية التي تلت إصدار الأمر بتنفيذ دستور فاتح يوليوز 2011، إلا أنه كذلك لا يستقيم العمل على إصدار هذه القوانين التنظيمية من طرف الأجهزة التنفيذية والتشريعية بالاعتماد والتركيز فقط على الزاوية التقنية والإجرائية المتعلقة بالمسلك المتعلق بمسطرة سن هذا الصنف من القوانين، وإنما ونظرا لأهمية هذا الورش التشريعي، وفي إطار العمل بأحكام "الديمقراطية المواطنة والمقاربة التشاركية" التي أوصى بتفعيلها الدستور الجديد، يُفترض أن تفتح نقاشات عمومية حول مواضيع ومجالات هذه القوانين التنظيمية مع مختلف الجهات المعنية بكل قانون تنظيمي على حدة دون إغفال مقترحات ومبادرات المجتمع المدني في ذلك، وعليه، بناء على ما سلف يظل السؤال مطروحا:
* مسايرة مع شروع البرلمان بفتح أبوابه لانطلاق السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحالية، هل ستتمكن المؤسسة التنفيذية خلال الأجل الدستوري المحدد لها من الإدلاء بجميع مشاريع القوانين التنظيمية والعمل على إخراجها رغم حساسية بعضها، حتى تكون بذلك قد أقدمت من جهة على تنفيذ مخططها التشريعي المحتمل تعديله وفق الدخول السياسي الجديد، ومن جهة أخرى تكون قد استطاعت الالتزام بمقتضى الفصل 86 من الدستور؟ أم أن انشغالها بتدبير التقلبات والتصدعات الحاصلة داخل مكوناتها وخارجها ستحول دون إتمام ذلك؟
هـوامـش:
تظل قضية تنزيل الدستور بالشكل الديمقراطي المأمول رهينة عدة عوامل تتمثل على مستوى عام في دينامية الممارسة والخطاب لدى مؤسسات الدولة وسلطاتها العامة، وكذا في مقياس تشبع هذه المؤسسات بالرغبة في تفعيل الدستور الجديد ومدى استعدادها لتطبيق وتنزيل المضامين الدستورية التنزيل الأنسب والسليم، وتتمثل على مستوى خاص في تحريك الآلة التشريعية بالسرعة الزمنية المعقولة وتفعيلها من خلال آلية سن القوانين، ولعل مسالة إصدار القوانين التنظيمية تتحدد كحلقة هامة من حلقات تنزيل دستور 2011 وتكميليه.
قبيل إعلان الحكومة عن النسخة النهائية لمخططها التشريعي لسنوات الولاية التشريعية الحالية منها والقادمة والتي وقعته بموجب يناير 2013، أضحت قضية إقرار القوانين التنظيمية وإخراجها للوجود حديث مختلف الفرقاء السياسيين ومختلف المتدخلين في مجال التشريع، حيث ظهر جليا بعدها نقاش عمومي فرض نفسه الآونة الأخيرة على المستوى القانوني والتشريعي خصوصا في الفترة الفاصلة بين الدورة الخريفية البرلمانية وبين دورة أبريل الربيعية من السنة التشريعية المنصرمة التي فتحت المجال لتقييم أداء الحكومة في هذا المضمار، مع الأرجح إذا ما توقفنا عند بعض المؤاخذات الموجهة صوب الحكومة كمؤسسة تنفيذية تمتلك بدورها حق المبادرة التشريعية، تمحورت تلك المؤاخذات في معاتبة الحكومة على تباطئها في طرح مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور.
ارتكز النقاش حول قضية تنزيل الدستور من زواياه المتعددة، لعل أبرزها تلك المتعلقة بإصدار القوانين التنظيمية المنصوص عليها دستوريا وصدورها بعد الموافقة النهائية عليها، هذا إذا ما شئنا أن نعتبر أن قضية إقرار القوانين التنظيمية هي مدخل أساسي في ورش تنزيل الدستور من جانبه التشريعي.
بغض النظر عن كون إقرار القوانين التنظيمية وإصدار الأمر بتنفيذها مقترن بدور واختصاص المحكمة الدستورية في إطار الرقابة الإجبارية على مطابقة الدستورية كما سنأتي لاحقا، إلا أنه من المسلم به قانونيا ودستوريا أن إصدار القوانين التنظيمية هو مسؤولية مشتركة بين السلطتين التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (البرلمان) معا، مسؤولية الحكومة من وجهتين اثنين: أولا من خلال التعبير عن إرادة سياسية حقيقية وتمثيل واضح حول تصورها لمحتوى هذه القوانين التنظيمية، ومن تم أخذ المبادرة التشريعية والدفع بها كمشاريع لقوانين، وثانيا من خلال الالتزام بمقتضى الوثيقة الدستورية حسب منطوق الفصل 86 من الدستور[1]، حيث على الحكومة أن تعمل وجوبا على إخراج جميع القوانين التنظيمية المنصوص عليها دستوريا وعددها تسعة عشر قانون تنظيمي، وعرضها على أنظار البرلمان في غضون هذه الولاية التشريعية الحالية والمحددة حتما في خمس سنوات2011-2016، هذا قياسا على الجدول الزمني الذي حددته الحكومة لعملية التشريع في مخططها التشريعي في الفترة ما بين سنوات 2012 و2015. أما مسؤولية البرلمان فتتجلى بدوره كسلطة تشريعية بأغلبيته ومعارضته في جدية مناقشة القوانين وتداولها سواء المعروضة عليه أو المقترحة من طرفه قبل التصويت والمصادقة النهائية عليها، وكذا عبر آلية التقدم بمقترحات للقوانين التنظيمية مثلما رأينا ذلك عبر مبادرات بعض الفرق النيابية، ولو أن الأمر كان محدودا ولم يكن بالشكل الكاف.
قبل الخوض في مجالات القوانين التنظيمية التي نصت عليها المراجعة الدستورية الأخيرة وإبراز مدى أهميتها وما اعتراها من ملاحظات خاصة، نتطرق أولا لمفهوم ومدلول "القوانين التنظيمية".
I – حول مفهوم القوانين التنظيمية Les Lois Organiques [2]:
يأخذ النظام القانوني المغربي بمبدأ هرمية التشريعات وتدرجها أو بما يصطلح عليه بتراتبية القوانين[3]، من شأن ذلك نجد الدستور المغربي الجديد بدوره ينص على إلزامية هذه القاعدة، حيث تعتبر دستورية القواعد القانونية وتراتبيتها ووجوب نشرها مبادئ ملزمة[4]. بمعنى أوضح احترام ترتيب القوانين حسب مكانتها وأهميتها وقيمتها (الدستور، القوانين التنظيمية، القوانين العادية، الأنظمة الداخلية للبرلمان...)، والمستنبطة في الأساس من طبيعة المسطرة التي تخضع لها عند سنها، حيث تختلف إجراءات وضع وتعديل الدستور عن مسطرة سن القوانين التنظيمية وعن مسطرة سن القوانين العادية وما إلى ذلك من أنواع التشريعات[5]. على هذا الأساس تأتي مكانة القوانين التنظيمية حسب نظرية تراتبية القوانين في المرتبة الثانية بعد الدستور الذي يعتبر أسمى وأعلى القوانين مكانة ومنزلة، وعليه تتموقع القوانين التنظيمية من ناحية القيمة والدرجة بين الدستور وبين القوانين العادية، فهي إذن أقل من الدستور منزلة وأعلى من القوانين العادية مكانة. وعليه، لمجرد التوضيح نطرح السؤال التالي: على أي أساس أو أي معيار تنبني نظرية التراتبية القانونية في تصنيف القوانين حسب مراتب عليا ودنيا؟
نجد سبيلنا بداية لتبرير الإجابة على هذا الاستفسار حسب النظام الدستوري المغربي، في الأسلوب والطريقة التي يتم بها وضع الدستور ومراجعته وتعديله والتي تتميز بنوع من الجمود، حيث لا يمكن أن يتم تعديل الدستور أو مراجعته إلا عن طريق تنظيم وإجراء عملية الاستفتاء الشعبي عليه واستنفاد جميع المراحل المسطرية السابقة لهذه العملية، بخلاف مسطرة سن القوانين التنظيمية التي تعتبر أقل جمودا وصرامة من إجراءات وضع الدساتير. كما تعتبر مسطرة سن هذه القوانين بدورها أكثر تعقيدا من القوانين العادية والمتمثلة حسب الفصلين 85 و132 من الدستور في عدم جواز التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية إلا بعد مرور عشرة أيام على إيداعها لدى مكتب مجلس النواب، علاوة على أنه لا يتم إصدار الأمر بتنفيذ القوانين التنظيمية إلا بعد قرار المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور. وعليه تحال القوانين التنظيمية على أنظار المحكمة الدستورية بصفة إلزامية في إطار الرقابة الإجبارية على دستورية القوانين، بعكس الإجراءات التشريعية الخاصة بالقوانين العادية حيث لا تخضع هذه القوانين للرقابة الدستورية بصفة إجبارية وإنما بصفة اختيارية، وبالتالي لا يجوز تغليب القاعدة القانونية الأدنى على القاعدة القانونية الأعلى، وذلك تحت طائلة عدم الدستورية وكذا في إطار التقيد بسلم تدرج القواعد القانونية.
تصنف القوانين التنظيمية في منزلة موالية بعد الدستور الذي يسمو على جميع أصناف التشريعات، وهذا ما يميز الدساتير المكتوبة لكونها –أي القوانين التنظيمية- وُضعت لتكون مكملة للدستور، فسميت كذلك نظرا لطبيعة النص الدستوري، حيث أن النصوص الدستورية بطبيعتها ليست قوانين إجرائية، وإنما هي نصوص قانونية أساسية مختصرة ومقتضبة في شكلها المكتوب لا يمكن أن تضم جل التفصيلات والجزئيات التي تستوعبها القوانين الأخرى الأدنى درجة من الدستور، وهذا هو دور القوانين التنظيمية - والقوانين العادية والمراسيم التطبيقية أيضا- التي تفرد وتتطرق لهذه التفصيلات والجزئيات التي أشارت إليها الوثيقة الدستورية في مواد خاصة على سبيل الحصر دون الخروج عن المطابقة لأحكام الدستور ومضامينه. لهذا وُصفت القوانين التنظيمية عند جانب من الفقه بالقوانين المكملة خصوصا بعد استعاضة الدستور عن إعطاء تعريف لها، واكتفى فقط بتسميتها "بالتنظيمية"، فهي من جهة مصدرها هو الدستور ومن جهة أخرى هي مكملة ومفصلة له، حيث يرجع أصل تسمية القوانين التنظيمية وإدراجها كصنف خاص من القوانين داخل النسق الدستوري المغربي، برجع إلى النموذج الفرنسي، وذاك إذا ما سلمنا أن واقع ترسانة القوانين المغربية هي في معظمها محاكاة للتشريع الفرنسي.
إن ما يميز القوانين التنظيمية عن غيرها من القوانين العادية حسب المعيارين الشكلي والموضوعي أمرين، أولا من الناحية الإجرائية حدد الدستور المغربي للبرلمان حسب مقتضى الفصل 85 من أجل التداول في مشروع أو مقترح القانون التنظيمي أجل 10 أيام بعد وضع المشروع لدى مكتب مجلس النواب، ونظرا لأهمية القوانين التنظيمية ودورها في حماية الحقوق والحريات الدستورية، لعل الغاية من تحديد هذا الأجل الدستوري تتجلى في تمكين نواب الأمة والفرق النيابية ككل من الإطلاع والتفكير والتمعن في مسودات القوانين ودراسة اللجان البرلمانية لها قبل الشروع رسميا في عملية التداول والتصويت النهائي عليها، هذا ما يُستنتج في المطلق عند قراءة أحكام الفقرة الأولى من الفصل 85 من الدستور. فضلا عن ذلك تخضع مشاريع القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها بعد مرورها على المجلس الوزاري[6] ومصادقة المؤسسة التشريعية عليها، تخضع للرقابة الإجبارية على الدستورية من طرف المحكمة الدستورية بعد إحالة نص القانون التنظيمي عليها[7]، حيث لا يمكن إعمال الأمر بتنفيذ القانون التنظيمي ونشره بالجريدة الرسمية إلا بعد أن ينظر القضاء الدستوري في مدى مطابقته للدستور وتصريحه بعدم تعارض هذا القانون لأحكامه، وذلك للحيلولة دون مخالفة السلطة التشريعية لنص الدستور. وعليه لا يمكن للقانون التنظيمي أن يفيد بند من بنوده على ما يخالف أحكام ومقتضيات الدستور، بخلاف القانون العادي الذي من المحتمل أن يحتوي على ما قد يعارض نص الوثيقة الدستورية ما عدا لو تمت إحالته اختياريا وليس وجوبا على المحكمة الدستورية من طرف الملك أو من رئيس الحكومة أو المؤسسة التشريعية. على هذا المنوال تخضع القوانين التنظيمية المكملة للدستور لمسطرة تشريعية وقضائية-دستورية خاصة تتمثل في طريقة تحضيرها والموافقة النهائية عليها، تضفي عليها شكلا من الخصوصية والتعقيد في أسلوب وضعها أو تعديلها وتحيطها بنوع من الحصانة الدستورية، فخصوصية هذه المراحل المسطرية المتبعة تجعلنا نعاود القول أنها هي التي تعكس علة تصنيف القوانين التنظيمية وتحدد موقعها في منزلة ثانية من ناحية القيمة والأهمية بعد الدستور، وهذا ما يبرر منطق هرمية التشريعات.
الأمر الثاني الذي يميز القوانين التنظيمية، يتمثل في شرط تأسيسي يعود إلى نوعية المجالات والمؤسسات التي يناط لهذا الصنف من القوانين تنظيمها وتقنينها والتي تختلف إلى حد ما عن المجالات التي تختص بها القوانين العادية، حيث يحدد نص الوثيقة الدستورية على سبيل الحصر في عدد من الفصول التي يشار من خلالها لمضامين القوانين التنظيمية ويرجئ بموجبها قواعد سير بعض المؤسسات والسلطات العامة للدولة المرتبطة بنظام الحكم ومؤسسات الدولة كالبرلمان بمجلسيه والقضاء ومؤسسة الحكومة التي أحال دستور 2011 اختصاص تنظيمها لأول مرة لقانون تنظيمي، بالإضافة إلى بعض المؤسسات الدستورية الأخرى كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمحكمة الدستورية، علاوة على المجالات الأخرى التي أقرها الدستور بانتمائها إلى حظيرة القوانين التنظيمية، كما سنتطرق لها فيما يلي بشكل تفصيلي.
II - مجالات القوانين التنظيمية حسب دستور 2011 :
أناطت المراجعة الدستورية الأخيرة لسنة 2011 للقوانين التنظيمية الاختصاص في تنظيم عدد من المجالات وتحديد قواعد سير بعض المؤسسات الدستورية وكيفية تركيبها وتكوينها وذلك على سبيل الحصر، وفيما يلي نعرض مجالات ومضامين القوانين التنظيمية التي نص عليها دستور 2011 مرتبة حسب الفصول:
- الفصل 5: قانون تنظيمي يحدد بموجبه مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، كما يحدد بموجبه صلاحيات وتركيبة وكيفية سير مجلس وطني للغات والثقافة المغربية (من شأنه حماية وتنمية اللغة العـربية)؛
- الفصل 7: القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية؛
- الفصل 10: قانون تنظيمي خاص بالمعارضة البرلمانية؛
- الفصل 14: قانون تنظيمي يحدد بموجبه شروط وكيفيات تقديم اقتراحات وملتمسات في مجال التشريع من طرف المواطنات والمواطنين؛
- الفصل 15: قانون تنظيمي يحدد شروط وكيفيات تقديم عرائض إلى السلطات العمومية من طرف المواطنات والمواطنين؛
- الفصل 29: قانون تنظيمي متعلق بحق الإضراب؛
- الفصل 44: القانون التنظيمي المتعلق بمجلس الوصاية؛
- الفصل 49: قانون تنظيمي متعلق بالتعيين في المناصب العليا؛
- الفصل 62: القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب؛
- الفصل 63: القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين؛
- الفصل 67: قانون تنظيمي متعلق بلجان تقصي الحقائق؛
- الفصل 75: القانون التنظيمي المتعلق بقانون المالية؛
- الفصل 87: قانون تنظيمي متعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة؛
- الفصل 112: قانون تنظيمي متعلق بالنظام الأساسي للقضاة؛
- الفصل 116: قانون تنظيمي متعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
- الفصل 131: القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية؛
- الفصل 133: قانون تنظيمي متعلق بالدفع بعدم دستورية قانون؛
- الفصل 146: قانون تنظيمي متعلق بالجهات والجماعات الترابية؛
- الفصل 153: القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
- جرت طبيعة النسق الدستوري حسب مختلف الدساتير المغربية من دستور 1962 إلى غاية المراجعة الدستورية لسنة 1996 أن تتطرق هذه الدساتير للقوانين التنظيمية بشكل حصري في فصول محددة دون غيرها، من هذا المنطلق يلاحظ أن المشرع الدستوري بالمقارنة مع دستور 13 شتنبر 1996 تبنى من خلال المراجعة الدستورية الأخيرة فكرة توسيع مجالات القوانين التنظيمية، حيث أن دستور 1996 نص على تسعة قوانين تنظيمية، في حين نجد دستور 2011 زاد في عدد المجالات التي أسند فيها الاختصاص لهذا النوع من القوانين "أي القوانين التنظيمية" ليبلغ عددها تسعة عشر قانون تنظيمي، وبالتالي يكون المشرع الدستوري قد تدارك إغفال الدستور السابق لمجموعة من الميادين التي لم يسند فيها الاختصاص للقانون التنظيمي والتي تعتبر بطبيعتها من المواضيع ذات الأولوية الهامة في النظام القانوني والدستوري الوطني بشكل عام.
- القانون التنظيمي للأحزاب السياسية ؛
- القانون التنظيمي المتعلق بسير مؤسسة الحكومة ؛
- القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ؛
- القانون التنظيمي المتعلق بالجهات والجماعات الترابية.
- بيد أن بعض القوانين التنظيمية المنصوص عليها دستوريا والتي يحتمل أن تبقى معلقة وعصية عن التنظيم والتقنين كما كان الشأن فيما يخص القانون التنظيمي المتعلق بالحق في الإضراب الذي نص عليه الفصل 14 من دستور 1996، حيث بقي هذا القانون التنظيمي الذي ألحقه التغييب عـصيا عن تقنينه وإقراره للعمل بموجبه في هذا المجال باعتبار أن حق الإضراب هو حق دستوري، وذلك نظرا لما يرتبط به هذا المجال من إرهاصات سياسية واجتماعية نقابية تتعدى الجانب التشريعي، لهذا يلاحظ أن المشرع الدستوري من خلال المراجعة الدستورية لسنة 2011 أراد أن يضع حدا لفرضية بقاء بعض المجالات المسند للقوانين التنظيمية اختصاص تنظيم ممارستها دون صدور أو تقنين وحتى لا تتعرض لحالة من الفراغ القانوني، لهذا وضع دستور فاتح يوليوز 2011 لذلك ضمانة دستورية ملزمة ومحددة الأجل للسلطة المختصة في تشريعها وذلك كما تطرقنا سابقا من خلال الفصل 86 منه.
- نظرا لتوسيع نطاق تدخل القوانين التنظيمية بموجب المراجعة الدستورية الأخيرة مقارنة بتجارب الدساتير المغربية السابقة، أحال دستور 2011 على قوانين تنظيمية جديدة، كما أبقى على قوانين تنظيمية أصلية سابقة وجب فقط تغييرها وتعديلها، وتم توزيعها إن شئنا حسب مجموعات، منها التي ترتبط بتنظيم وسير أجهزة ومؤسسات دستورية منصوص عليها في الدستور مثل مؤسسة الحكومة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمحكمة الدستورية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والقانون التنظيمي الخاص بالجهات والجماعات الترابية. ومجموعة قوانين تنظيمية أخرى بحكم أهميتها أبعدت القوانين العادية عن وضعها مثل القانونين التنظيميين لمجلسي النواب والمستشارين والقانون التنظيمي لمجلس الوصاية المرتبط باستمرارية نظام الحكم بالمغرب، والقانون التنظيمي المتعلق بتحديد طريقة تسيير لجان تقصي الحقائق[8]، ثم القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا وقانون ممارسة الحق في الإضراب والقانون التنظيمي للمالية والآخر المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة.
يذكر أنه لحدود هذه الفترة تم إقرار خمسة قوانين تنظيمية تقدمت بها المؤسسة التنفيذية، أربعة منها صدرت خلال الولاية التشريعية السابقة في إطار الفترة الانتقالية بين التصويت على دستور فاتح يوليوز 2011 الصادر الأمر بتنفيذه الظهير الشريـف رقم 1.11.91 بتاريخ (29 يوليوز 2011) وبين انتخابات 25 نونبر 2011 التشريعية، وهي القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب[9]، والقانون التنظيمي رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين[10]، والقانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية[11]، والقانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية[12]، وخامسهم صدر خلال الولاية التشريعية التاسعة والحالية وهو القانون التنظيمي رقم 02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا[13]، هذا بالإضافة إلى مصادقة كل من مجلسي الحكومة والوزراء على القانون التنظيمي رقم 128.12 حول المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي يندرج حاليا قيد المصادقة النهائية عليه من طرف السلطة التشريعية ليتم إحالته على أنظار المحكمة الدستورية[14].
خـاتـمـة:
إجمالا، ورغما عن كون البرلمان يعتبر صاحب الحق والاختصاص الأصلي في التشريع، إلا أن الحكومة الحالية وجدت نفسها ملزمة دستوريا بإيداع جميع مشاريع القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور الجديد وعرضها وجوبا على البرلمان في غضون الولاية التشريعية الجارية التي تلت إصدار الأمر بتنفيذ دستور فاتح يوليوز 2011، إلا أنه كذلك لا يستقيم العمل على إصدار هذه القوانين التنظيمية من طرف الأجهزة التنفيذية والتشريعية بالاعتماد والتركيز فقط على الزاوية التقنية والإجرائية المتعلقة بالمسلك المتعلق بمسطرة سن هذا الصنف من القوانين، وإنما ونظرا لأهمية هذا الورش التشريعي، وفي إطار العمل بأحكام "الديمقراطية المواطنة والمقاربة التشاركية" التي أوصى بتفعيلها الدستور الجديد، يُفترض أن تفتح نقاشات عمومية حول مواضيع ومجالات هذه القوانين التنظيمية مع مختلف الجهات المعنية بكل قانون تنظيمي على حدة دون إغفال مقترحات ومبادرات المجتمع المدني في ذلك، وعليه، بناء على ما سلف يظل السؤال مطروحا:
* مسايرة مع شروع البرلمان بفتح أبوابه لانطلاق السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحالية، هل ستتمكن المؤسسة التنفيذية خلال الأجل الدستوري المحدد لها من الإدلاء بجميع مشاريع القوانين التنظيمية والعمل على إخراجها رغم حساسية بعضها، حتى تكون بذلك قد أقدمت من جهة على تنفيذ مخططها التشريعي المحتمل تعديله وفق الدخول السياسي الجديد، ومن جهة أخرى تكون قد استطاعت الالتزام بمقتضى الفصل 86 من الدستور؟ أم أن انشغالها بتدبير التقلبات والتصدعات الحاصلة داخل مكوناتها وخارجها ستحول دون إتمام ذلك؟
هـوامـش:
[1] - ينص الفصل 86 من دستور المملكة المغربية على ما يلي: تعرض مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور.
[2] - هناك بعض الفقه الذي اعتبر أن الترجمة من الفرنسية إلى العربية لمصطلح القوانين التنظيمية ترجمة غير دقيقة، باعتبار أن مقابل كلمة les lois organiques في اللغة العربية هي كلمة "القوانين العضوية" وليس التنظيمية، وبالتالي كان حريا بالمشرع الدستوري أن يستعيض عن استعمال مصطلح القوانين التنظيمية بمصطلح آخر كالقوانين العضوية أو القوانين الأساسية..وذلك تفاديا للخلط بين القواعد القانونية التي تصدر عن السلطة التشريعية والأخرى الصادرة عن السلطة التنظيمية.
[3] - ينحدر أصل نظرية تدرج القواعد القانونية إلى السيرة النبوية والفقه الإسلامي، حيث كان للصحابة والفقهاء المسلمون السبق في استنباط هذه النظرية وذلك من خلال العمل بأحكام الشريعة الإسلامية حسب تسلسلها على النحو التالي: القرآن الكريم، السنة النبوية الشريفة، الاجتهاد..
[4] - الفصل 6 من الدستور المغربي 2011.
[5] - يشار إلى أن الدستور المغربي الجديد جعل الاتفاقيات الدولية تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية، كما خوَل للملك ولكل من رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي النواب والمستشارين وخمس أعضاء مجلس النواب وأربعون عضوا من مجلس المستشارين إمكانية إحالة هذه الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب إلى المحكمة الدستورية لتبت في مطايقتها للدستور.
[6] - انظر الفصل 49 من الدستور المغربي.
[7] - تنص الفقرة الثانية من الفصل 132 من الدستور على التالي: "تحال إلى المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها.."
[8] - أثارت مؤخرا مصادقة المجلس الحكومي على مشروع قانون تنظيمي متعلق بلجان تقصي الحقائق جدلا حول أحقية البرلمان بطرح مقترحات القوانين التنظيمية بشكل عام والانفراد جوهريا بإعداد القانون التنظيمي المتعلق بلجان تقصي الحقائق بشكل خاص طالما يختص هذا القانون التنظيمي بشؤون تندرج ضمن أدواره واختصاصاته.
[9] - صرح المجلس الدستوري في قراره رقم 817/11 بجواز إصدار الأمر بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب بعد فصل مقتضيات بعض مواد مشروع هذا القانون التنظيمي المشار إليها في القرار.
[10] - انظر قرار المجلس الدستوري رقم: 820/11.
[11] - انظر قرار المجلس الدستوري رقم: 818/11.
[12] - انظر قرار المجلس الدستوري رقم: 821/11.
[13] - راجع قرار المجلس الدستوري رقم: 854/12 والقرار رقم: 862/12.
[14] - يذكر أن مجلس الحكومة قد صادق في اجتماعه بتاريخ 18 يوليوز 2013 على ثلاثة مشاريع قوانين تنظيمية وهي: مشروع قانون تنظيمي رقم 13-065 يتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة، ومشروع قانون تنظيمي رقم 13-066 يتعلق بالمحكمة الدستورية، ومشروع قانون تنظيمي رقم 13-085 يتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق.
(المقال سبق نشره بمجلة الفقه والقانون العدد الحادي عشر، شتنبر 2013.)
(المقال سبق نشره بمجلة الفقه والقانون العدد الحادي عشر، شتنبر 2013.)