ثار النقاش يوم الجمعة 08 نونبر 2013 بمناسبة مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2014 أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، حول دستورية انعقاد الجلسة في ظل استمرار ترأسها من قبل السيد محمد حنين النائب البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار، المنتمي لأحزاب الأغلبية المشكلة لحكومة عبد الإله ابن كيران الثانية. وعليه سأحاول تقديم بعض الملاحظات القانونية التي تنظم الإشكالية:
الملاحظة الأولى: تتعلق بحقوق المعارضة التي تم التنصيص عليها لأول مرة في الدستور المغربي لسنة 2011، حيث عدد الفصل 10 من الدستور قائمة من الحقوق التي تتمتع بها أحزاب المعارضة بالمغرب، وقد نص هذا الفصل على أنه: "يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية. ويضمن الدستور بصفة خاصة، للمعارضة الحقوق التالية: ... رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب ...". وعليه فإن النص الدستوري في هذه الحالة واضح تمام الوضوح، ولا يحتاج إلى تأويل، حيث أن رئاسة لجنة العدل والتشريع تبقى ومهما كانت الظروف من حق المعارضة لا غير.
الملاحظة الثانية: رغم أن الفصل 62 من دستور 2011 ينص في فقرته الثالثة على أنه: "ينتخب رئيس مجلس النواب وأعضاء المكتب، ورؤساء اللجان الدائمة ومكاتبها، في مستهل الفترة النيابية، ثم في سنتها الثالثة عند دورة أبريل لما تبقى من الفترة المذكورة". وهو الأمر الذي أكده النظام الداخلي لمجلس النواب في المادة 36، فإنه لا يصح القول بعدم وجود مقتضيات قانونية تنظم حالة انضمام حزب كان يرأس هذه اللجنة إلى أحزاب الأغلبية الحكومية، لإيجاد صيغة تخالف مقتضيات الدستور، فهذا الأخير يعد أسمى قاعدة قانونية في الدولة، ويجب الخضوع له واحترامه من قبل الجميع.
الملاحظة الثالثة: المطالب التي رفعتها أحزاب المعارضة، قبل انعقاد أشغال لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالبرلمان والتي دعت فيها الأستاذ محمد حنين إلى ضرورة التنحي عن رئاسة اللجنة، تبقى مطالب قانونية صحيحة ومشروعة حتى وإن غُلِّفت بغطاء سياسي. فالمعارضة هي المؤهلة دستوريا لتولي رئاسة هذه اللجنة، والقبول بعكسها يعد انتهاكا واضحا وصريحا لفصول الدستور، وللقانون التنظيمي والنظام الداخلي لمجلس النواب، كما يعد انتقاصا صريحا لدور المؤسسة البرلمانية التي أصبحت بموجب دستور 2011 تمثل الإرادة الشعبية.
الملاحظة الرابعة: جواب السيد محمد حنين، رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار المنتمي لأحزاب الأغلبية الحكومية، غير سليم من الناحية القانونية، وحججه باطلة ومردودة. فعندما يقول الأستاذ الجامعي على أنه مستعد للتخلي عن رئاسة اللجنة عندما تتوافق فرق المعارضة على اختيار مرشحها، فتبريره غير قويم منطقيا ولا عقليا، فالدستور يتحدث عن رئاسة اللجنة من قبل المعارضة حتى ولم تتوافق، أما أن نستغل علة عدم تقديم أحزاب المعارضة لمرشحها لانتهاك الدستور فهذا غير مقبول أخلاقيا من أستاذ جامعي وبرلماني.
وعندما يقول السيد رئيس اللجنة أنه "منتخب في جلسة عامة، وليس من قبل اللجنة ويمثل في هذا المنصب فريقا نيابيا له الحق في أن يترأس لجنة دائمة"، فنحن لا نختلف مع السيد محمد حنين، إلا أن فريقه البرلماني هذا لم يعد من حقه رئاسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالذات للاعتبارات المذكورة سابقا وله أن يرأس ما يشاء من اللجان الأخرى، كون هذا الفريق أصبح من الأغلبية، وبالتالي استمراره في هذا المنصب يعد مخالفا للشرعية الدستورية.
وعندما يقول السيد محمد حنين أنه "حرص على عدم الفراغ المؤسساتي وما يمكن أن يترتب عنه من تأثير سلبي على أشغال اللجنة"، فإنه لم يكن موفقا، فالحرص على عدم الفراغ المؤسساتي لا يبرر أبدا انتهاك ومخالفة قواعد الدستور باعتبارها أسمى قاعدة قانونية في الدولة. أما الذي عليه ضمان السير العادي للمؤسسة البرلمانية فهو النظام الداخلي للمجلس، الذي كان من المفروض أن يحتوي على مقتضيات تنظم هذه الحالة، والسيد حنين بطبيعة الحال كان مشاركا بصفته البرلمانية في إعداد ومناقشة وتقديم مقترحات أثناء عرض مشروع النظام الداخلي. إلا أنه وكغيره من النخب البرلمانية لم ينتبه إلى هذه الحالة الشاذة وغير المتوقعة.
وعليه فإنه حسب رأيي، فرئاسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان من طرف السيد محمد حنين البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار، المنتمي لأحزاب الأغلبية الحكومية الحالية غير سليم منطقيا، ومخالفا مخالفة واضحة لا غبار عليها لقواعد وروح دستور 2011. الشيء الذي يؤدي حتما إلى بطلان جميع تصرفاتها، وما صدر عنها من قرارات. ويفرض في نفس الوقت إعادة انتخاب رئيس منتم لأحد أحزاب المعارضة، وإعادة نقاشاتها وجميع قراراتها.
كما أن إسناد رئاسة أشغال اللجنة لأحد نواب الرئيس المنتمين لأحزاب الأغلبية، وهو الأمر الذي لجأ إليه السيد محمد حنين، عندما أسند رئاستها لنائبه الأول السيد محمد بن عبد الصادق عن حزب العدالة والتنمية فهو تأويل غير منطقي أيضا، ولا يصحح هذه الوضعية الشاذة ولا يعيد إليها شرعيتها الدستورية، على اعتبار أن السيد محمد بن عبد الصادق هو الآخر ينتمي إلى فريق برلماني منضو تحت لواء أحد أحزاب الأغلبية.