عرفت الديمقراطية بتعريفات عديدة اصحها انها نتيجة مجهود للعقل الانساني المفكر عبر عقود التاريخ او بمعنى اخر هي زبدة تفكير بشري محض، تجربة يتم تلوينها و تغيير اسمها كلما دعت الضرورة و حسب متغيرات الظروف. هذا توضيح عام حول الديمقراطية من غير شطط ولا جمود.
الكثير من المدافعين عن الديمقراطية يعتبرونها حل سحري او عصا سحرية ننش بها فتنحل العقد و تصلح احوال المجتمع، خصوصا في مجتمع لا يكاد يسمع بمصطلح جديد حتى تبدا ابواق انصار المفهوم بالتعبئة له و رفع الشعارات حتى قبل سبر اغوار هدا المصطلح و انجاز دراسات و ابحاث عن سلبياته- التي من المحتمل ان تعترضه في بلد له خصوصيته- لايجاد الحلول الناجعة لها قبل البدا في التنفيذ على ارض الواقع لنكون امام عمل هادف و منتج يرفع من فعالية الاداء و يحسن جودة العمل لمواجهة التحديات المستقبلية .
ان اعباء الدولة و مشاكلها الجسام في مقارنة مع الواقع المعاش اليوم بتحدياته لا اظن ان الديمقراطية ساهمت بشكل كبير في عملية الاصلاح و التغيير المنشود لهذا فالاسئلة التي تطرح نفسها بالحاح هنا :
كيف نتحدى ازمات الحاضر و المستقبل بديمقراطية مستوردة عاشها الغرب زمانا فانكشفت معايبها له ؟ سؤال قاطع من احد الفضلاء اكثر من طرحه في كتاباته بحثا عن الاجوبة .
و بالنسبة لاهمية الحقوق اتساءل هنا هل مستوانا الحقوقي و السياسي و الاجتماعي و الثقافي... حاله حال الغرب حتى تنجح الديمقراطية بانواعها في بلدنا زمنا معينا كيفما كانت الياتها ووسائلها؟ ان اية ديمقراطية كيفما كان اسمها محكوم عليها بالفشل او النجاح بحسب قدرتها على التكيف و امتلاكها مبررات وجودها .
فاي مجهود بشري قابل للخطا و اي تجربة خاضتها دولة ما ليس معناها نجاحها في دولة اخرى.فالديمقراطية لها جوانب ايجابية و اخرى سلبية و هذه الاخيرة تكاد تغزو الاولى.
و في هذه الوضعية لابد من الوقوف على سؤال اخر جوهري و اساسي يدفعنا للتساؤل حول فائدة الديمقراطية و نحن مازلنا نعاني من مشكل عويص يتمثل في غياب الضمير الفردي للفرد وتحمل المسؤولية بكل جدية و الاخلاص في العمل و الدفاع عن حقوق المواطنين و الاستجابة لحاجياتهم اليومية و الضرورية ، الانية و المستقبلية؟
لن اخوض هنا في الحديث عن الضمائر و اخلاقيات المهنة فهي سيل من فيض، فالامر المحسوم في الديمقراطية انها لا تمت بصلة بالوازع الديني للفرد حتى نامن لها .
هناك من يحاول مساواة الشورى بالديمقراطية لكن هذه الاخيرة لاتمت بصلة الى الشفافية التي تعامل بها المسؤولون و القائمون عن الشورى مع مشاكل عصرهم زمن الخلفاء الراشدون. لقد كانت المشاورة و المناقشة الفعالة هي القضية و تطبيق ما تم الاتفاق عليه بالأغلبية في مجلسهم من قرارات مشتركة وليس خلق اليات ووسائل للديمقراطية بدون تفعيلها حقيقة ، و ان كنا اليوم قد وسعنا من مساحة المواطن في المشاركة في اعداد القرارات لكنها تبقى مجرد وسائل يعتمد عليها فقط دون اعطائها اهمية تذكر.وهذا جانب سلبي للديمقراطية رغم ادخال العديد من التعديلات عليها كان اخرها ما جاد به منطوق دستور 2011
. فهي على الجملة تدبير و اجراء لا محيد عنه نحاول به صد مشاكلنا و مواجهتها .
على اية حال لا نستهين بايجابيات الديمقراطية مادام الاصل فيها الخروج من جزء من الهامش و استرجاع المبادرة المصادرة .
لكن فبالرغم من ولوج الديمقراطية عالمنا الا انها لم تحدث قطيعة مع الموروثات السلبية القديمة و ان صح التعبير فاننا اليوم نستمر بالاشتغال بالوسائل التقليدية ذاخل فضاءات حديثة مغيب فيها رغبة الدفع بعجلة التنمية للامام و الحذو حذو الدول المتقدمة في شتى المجالات و الاستمرار في ضياع الوقت في التحدث عن شروط الواقع و تحدياته.
و على هذا الاساس حاول الملك تجاوز ازمة الديمقراطية من خلال دستور 2011 في العديد من خطاباته الملكية لكن مازالت دار لقمان على حالها، لان نجاح الديمقراطية لا يتوقف على سن القوانين و تعديلات الدساتير المختلفة في مجتمع يساوم الفرد على صوته في سوق تجار السياسة .
و قد اكد الملك في يوم عيد العرش 30.7.2014 انه لا احد ينكر التطور الديمقراطي الذي يجسده الدستور الاخير و منظومة الحقوق و الحريات و الاقدام على ورش الجهوية المتقدمة غير ان الاثر الملموس لهذه الاصلاحات و غيرها يبقى رهينا بحسن تنزيلها و بالنخب المؤهلة لتفعيلها .
اذن في ظل هذه الوضعية لا يمكننا الجزم ان الديمقراطية تسعى للحوار و التقدم و الحرية و تماسك المجتمع في ظل غياب اليات جدية و حقيقية للسهر على حسن التنزيل و التفعيل فقد ابانت مختلف الاجهزة الرقابية عن فشلها و إلا لما كنا امام اية عوائق في طريق التطور الديمقراطي .
و تاسيسا على ما سبق يطرح احد الفضلاء بعقل فاحص ناقد بعض الاسئلة في نظره محورية و قاطعة نتفق معه فيها و نحاول اضافة بعض اللمسات عليها للمزيد من الفهم فقط نروم منها معرفة حقيقة و جوهر الديمقراطية. وهي من قبيل :
هل يوجد في الديمقراطية ما يغير و يحول تركيبة المجتمع و طبيعته نحو الوجهة الصحيحة نحو البناء نحو العمل بمصداقية و شفافية بعيدا عن المحسوبية و الزبونية و الرشوة؟
هل تدفعنا الديمقراطية نحو تماسك المجتمع و الوفاق السلمي دون العودة للاختلاف و النزاع و السيطرة ؟
هل ستحقق لنا الديمقراطية الانسجام التعددي بكل حمولاته و مرجعياته و توحد كل القوى ذات الرصيد الشعبي ؟
في نفس السياق اتسائل بوجهة اخرى هل من سبيل للخروج من وضعنا السياسي و الاجتماعي في وجود المصالح الشخصية و الحزبية ؟
هل تبعدنا الديمقراطية عن عوامل التشتت و التجزئة التي طالما كان لها نصيب في افشال اية عملية اصلاحية تنموية ؟
هل في الديمقراطية ما نامل فيه ان يمحو الفوارق الاجتماعية حتى يتسنى لكل مواطن و مواطنة التفكير بجد و ايجاد الوقت للبحث في عوامل انجاح كل ما يهم حياته السياسية و الاجتماعية ووو ......؟
و بناءا على ذلك يمكن القول ان المرور من ديمقراطية الى ديمقراطية اخرى غير كاف لضمان تماسك المجتمع بكل تعقيداته .
ان طرح نوعية هذه الاسئلة تقتضيه ضرورة استجلاء البعد الاصلاحي في الديمقراطية حتى لا نكون نظريين حالمين واهمين في سماء النغمات لذلك لابد من الوضوح و العمل وفق مقاربة جماعية دون حياد فئة معينة على حساب فئة اخرى .
خلاصة و تركيب
ان توفيق الديمقراطية في مهامها الجسام و علاجها من امراضها المستعصية يقتضي التحلي بمجموعة من القيم الاخلاقية و الدينية التي بتمامها نستطيع انجاز اي عملية اصلاحية، اضف على ذلك ان اعطاء الاولوية للمواطن للقيام بدوره الريادي في المجتمع و في صياغة القرارات مذخل اساسي لتكون الديمقراطية مؤهلة للفعل و الابداع والمساهمة في صياغة نموذج ناجع و نافع بكل المقاييس.
لذا لا يمكن ان نخلص ان الديمقراطية ركيزة من ركائز الاصلاح باعتبار هذا الاخير يساهم في التنمية و بناء اسس الدولة الحديثة لان التغيير مسار شرطه بداية صحيحة .
وكما قال احد الفلاسفة من بركنا فاسو مسمى ب كي زربو:
" ينبغي ان لا يكون مستقبلنا هو ماضي غيرنا".